الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَثَانِيهَا قَوْله تَعَالَى حِكَايَةً عَنْ إبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ عليهما السلام {وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [البقرة: 127] فَسُؤَالُهُمَا الْقَبُولَ فِي فِعْلِهِمَا مَعَ أَنَّهُمَا صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمَا وَسَلَامُهُ لَا يَفْعَلَانِ إلَّا فِعْلًا صَحِيحًا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْقَبُولَ غَيْرُ لَازِمٍ مِنْ الْفِعْلِ الصَّحِيحِ وَلِذَلِكَ دَعَوْا بِهِ لِأَنْفُسِهِمَا.
وَثَالِثُهَا: الْحَدِيثُ الصَّحِيحُ خَرَّجَهُ مُسْلِمٌ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ «أَمَّا مَنْ أَسْلَمَ وَأَحْسَنَ فِي إسْلَامِهِ فَإِنَّهُ يُجْزَى بِعَمَلِهِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَالْإِسْلَامِ» فَاشْتَرَطَ فِي الْجَزَاءِ الَّذِي هُوَ الثَّوَابُ أَنْ يُحْسِنَ فِي الْإِسْلَامِ وَالْإِحْسَانُ فِي الْإِسْلَامِ هُوَ التَّقْوَى وَهُوَ يَرِدُ عَلَى مَنْ قَالَ فِي قَوْله تَعَالَى {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} [المائدة: 27] أَنَّ الْمُرَادَ الْمُؤْمِنُونَ؛ لِأَنَّهُ عليه السلام صَرَّحَ بِالْإِسْلَامِ ثُمَّ ذَكَرَ الْإِحْسَانَ فِيهِ.
وَرَابِعُهَا: قَوْلُهُ عليه السلام فِي الْأُضْحِيَّةِ لَمَّا ذَبَحَهَا «اللَّهُمَّ تَقَبَّلْ مِنْ مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ» فَسَأَلَ عليه السلام الْقَبُولَ مَعَ أَنَّ فِعْلَهُ فِي الْأُضْحِيَّةِ كَانَ عَلَى وَفْقِ الشَّرِيعَةِ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْقَبُولَ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
إنَّ شَرْعَ مَنْ قَبْلَنَا شَرْعٌ لَنَا.
قَالَ (ثَانِيهَا قَوْلُهُ جل جلاله حِكَايَةً عَنْ إبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ عليهما السلام {وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [البقرة: 127] فَسُؤَالُهُمَا الْقَبُولَ فِي فِعْلِهِمَا مَعَ أَنَّهُمَا صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمَا وَسَلَامُهُ لَا يَفْعَلَانِ إلَّا فِعْلًا صَحِيحًا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْقَبُولَ غَيْرُ لَازِمٍ فِي الْفِعْلِ فِي الصَّحِيحِ وَلِذَلِكَ دَعَوَا بِهِ لِأَنْفُسِهِمَا) قُلْتُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ سُؤَالُهُمَا ذَلِكَ عَلَى تَقْدِيرِ عِلْمِهِمَا بِعَاقِبَةِ أَمْرِهِمَا لِيَقْتَدِيَ بِهِمَا مَنْ لَا يَعْلَمُ عَاقِبَةَ أَمْرِهِ مِنْ أَتْبَاعِهِمَا وَهَذَا الِاحْتِمَالُ حَالٌ لَا مَقَالِيٌّ وَالِاحْتِمَالَاتُ الْحَالِيَّةُ لَا تَفَاوُتَ فِيهَا حَتَّى يَكُونَ بَعْضُهَا أَظْهَرَ مِنْ بَعْضٍ فَيُسْتَدَلُّ بِالظَّاهِرِ مِنْهَا بِخِلَافِ الْحَالَاتِ الْمَقَالِيَّةِ فَإِنَّهُ تَكُونُ مُسْتَوِيَةً فِي الْمُحْتَمَلَاتِ وَغَيْرِهِ مُسْتَوِيَةً فِي الظَّاهِرِ وَالْمُؤَوَّلَاتِ.
قَالَ (وَثَالِثُهَا الْحَدِيثُ الصَّحِيحُ خَرَّجَهُ مُسْلِمٌ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ «أَمَّا مَنْ أَسْلَمَ وَأَحْسَنَ فِي إسْلَامِهِ فَإِنَّهُ يُجْزَى بِعَمَلِهِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَالْإِسْلَامِ» فَاشْتُرِطَ فِي الْجَزَاءِ الَّذِي هُوَ الثَّوَابُ أَنْ يُحْسِنَ فِي إسْلَامِهِ وَالْإِحْسَانُ فِي الْإِسْلَامِ هُوَ التَّقْوَى وَهُوَ يَرُدُّ عَلَى مَنْ قَالَ فِي قَوْله تَعَالَى {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} [المائدة: 27] إنَّ الْمُرَادَ الْمُؤْمِنُونَ؛ لِأَنَّهُ عليه السلام صَرَّحَ بِالْإِسْلَامِ ثُمَّ ذَكَرَ الْإِحْسَانَ فِيهِ)
قُلْتُ يُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِالْإِحْسَانِ الْمُوَافَاةَ عَلَى الْإِيمَانِ لَا اجْتِنَابَ الْعِصْيَانِ، وَالْمُوَافَاةُ عَلَى الْإِيمَانِ هُوَ شَرْطُ ثُبُوتِ الْأَعْمَالِ الَّذِي لَا شَرْطَ لِثُبُوتِ الْأَعْمَالِ سِوَاهُ فَكُلُّ مَا وَرَدَ مِنْ الْآيَاتِ وَالْأَخْبَارِ وَمِمَّا يَقْتَضِي اشْتِرَاطَ أَمْرٍ زَائِدٍ عَلَى صِحَّةِ الْعَمَلِ وَبَرَاءَةَ الذِّمَّةِ فَهُوَ مُتَأَوَّلٌ بِأَنَّهُ الْمُرَادُ هَذَا إنْ سُلِّمَ ظُهُورُ آيَةٍ أَوْ حَدِيثٍ فِي غَيْرِهِ وَذَلِكَ غَيْرُ مُسَلَّمٍ.
قَالَ (وَرَابِعُهُمَا قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم فِي الْأُضْحِيَّةِ لَمَّا ذَبَحَهَا صلى الله عليه وسلم «اللَّهُمَّ تَقَبَّلْ مِنْ مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ» فَسَأَلَ عليه الصلاة والسلام الْقَبُولَ إلَى قَوْلِهِ
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
وَكَذَا الْبَاقِي كَمَا لَا يَخْفَى وَمَفْهُومُ اللَّقَبِ أَيْ تَعْلِيقُ الْحُكْمِ عَلَى أَسْمَاءِ الذَّوَاتِ كَمَا فِي نَحْوِ فِي الْغَنَمِ الزَّكَاةُ فَإِنَّ مَفْهُومَهُ أَنَّ الزَّكَاةَ لَا تَجِبُ فِي غَيْرِ الْغَنَمِ عِنْدَ مَنْ قَالَ بِهَذَا الْمَفْهُومِ وَهُوَ الدَّقَّاقُ وَمَنْ مَعَهُ كَمَا سَيَأْتِي وَهَذَا الْمَفْهُومُ أَضْعَفُ الْمَفَاهِيمِ الْعَشَرَةِ الْمَذْكُورَةِ فَقَاعِدَةُ مَفْهُومُ الْمُخَالَفَةِ أَبَدًا إثْبَاتُ نَقِيضِ حُكْمِ الْمَنْطُوقِ بِهِ فَقَطْ لِلْمَسْكُوتِ عَنْهُ عَلَى الْقَوْلِ الْحَقِّ وَلَيْسَ قَاعِدَتُهُ إثْبَاتَ ضِدِّ حُكْمِ الْمَنْطُوقِ بِهِ لِلْمَسْكُوتِ عَنْهُ خِلَافًا لِابْنِ أَبِي زَيْدٍ مِنْ أَصْحَابِنَا فَلْيَكُنْ دَأْبُك أَبَدًا فِيهِ إثْبَاتَ النَّقِيضِ فَقَطْ وَلَا تَتَعَرَّضْ لِلضِّدِّ أَلْبَتَّةَ لِمَا ظَهَرَ لَك مِنْ الْفَرْقِ بَيْنَ الْقَاعِدَتَيْنِ وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.
[الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَفْهُومِ اللَّقَبِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ غَيْرِهِ مِنْ الْمَفْهُومَاتِ]
(الْفَرْقُ الْحَادِي وَالسِّتُّونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَفْهُومِ اللَّقَبِ)
لَمْ يَقُلْ بِهَا إلَّا الدَّقَّاقُ وَالصَّيْرَفِيُّ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ وَابْنُ خُوَيْزٍ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ وَبَعْضُ الْحَنَابِلَةِ كَمَا فِي جَمْعِ الْجَوَامِعِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ غَيْرِهِ مِنْ الْمَفْهُومَاتِ قَالَ بِهَا جَمْعٌ كَثِيرٌ كَمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِمَا، وَذَلِكَ أَنَّ غَيْرَ مَفْهُومِ اللَّقَبِ مِنْ بَقِيَّةِ الْمَفَاهِيمِ كَمَفْهُومِ الصِّفَةِ وَالْغَايَةِ وَالْحَصْرِ فِيهِ رَائِحَةُ التَّعْلِيلِ ضَرُورَةَ أَنَّ الصِّفَةَ وَالْغَايَةَ وَالْحَصْرَ وَالزَّمَانَ وَالْمَكَانَ وَالْمَانِعَ وَالِاسْتِثْنَاءَ وَالشَّرْطَ شُرُوطٌ لُغَوِيَّةٌ وَالشُّرُوطُ اللُّغَوِيَّةُ أَسْبَابٌ شَرْعِيَّةٌ كَالْعِلَّةِ فَمَتَى جُعِلَ الشَّيْءُ شَرْطًا أَشْعَرَ بِسَبَبِيَّةِ ذَلِكَ الشَّرْطِ لِلْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ سَوَاءٌ أَدْرَكْنَا نَحْنُ ذَلِكَ أَمْ لَا وَإِذَا كَانَتْ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ تُشْعِرُ بِالتَّعْلِيلِ عِنْدَ الْمُتَكَلِّمِ بِهَا وَالْقَاعِدَةُ أَنَّ عَدَمَ الْعِلَّةِ عِلَّةٌ لِعَدَمِ الْمَعْلُولِ كَانَ اللَّازِمُ فِي صُورَةِ الْمَسْكُوتِ عَنْهُ عَدَمَ الْحُكْمِ لِعَدَمِ عِلَّةِ الثُّبُوتِ فِيهِ وَأَمَّا مَفْهُومُ اللَّقَبِ فَإِنَّهُ وَإِنْ اسْتَدَلَّ لَهُ مَنْ احْتَجَّ لَهُ بِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ لِذِكْرِهِ إلَّا نَفْيَ الْحُكْمِ عَنْ غَيْرِهِ كَالصِّفَةِ وَنَحْوِهَا إلَّا أَنَّهُ يُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الصِّفَةِ وَنَحْوِهَا مِنْ جِهَتَيْنِ الْأُولَى أَنَّ الْكَلَامَ لَا يَسْتَقِيمُ بِدُونِ ذِكْرِهِ بِخِلَافِ الصِّفَةِ وَنَحْوِهَا.
وَالْجِهَةُ الثَّانِيَةُ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ أَصْلُهُ كَمَا قَالَ التَّبْرِيزِيُّ تَعْلِيقُ الْحُكْمِ عَنْ أَسْمَاءِ الْأَعْلَامِ؛ لِأَنَّهَا الْأَصْلُ فِي قَوْلِنَا لَقَبٌ، وَأَمَّا أَسْمَاءُ الْأَجْنَاسِ نَحْوَ الْغَنَمِ وَالْبَقَرِ فَلَا يُقَالُ لَهَا لَقَبٌ إلَّا أَنَّهَا تُلْحَقُ بِهَا فَتَجْرِي مَجْرَاهَا جَامِدَةً كَانَتْ أَوْ مُشْتَقَّةً غَلَبَتْ عَلَيْهِ الِاسْمِيَّةُ فَاسْتُعْلِمَتْ اسْتِعْمَالَ الْأَسْمَاءِ كَالطَّعَامِ فِي حَدِيثِ «لَا تَبِيعُوا الطَّعَامَ بِالطَّعَامِ» كَمَا مَثَّلَ بِهِ الْغَزَالِيُّ فِي الْمُسْتَصْفَى لِلَّقَبِ وَلَمْ تَكُنْ لِلْأَعْلَامِ وَلَا لِلْأَجْنَاسِ إشْعَارٌ بِالْعِلَّةِ لِعَدَمِ الْمُنَاسَبَةِ فِيهِمَا بِخِلَافِ الصِّفَةِ وَنَحْوِهَا كَمَا عَلِمْت كَانَ عَدَمُهُمَا مِنْ صُورَةِ السُّكُوتِ لَيْسَ عِلَّةً
وَرَاءَ بَرَاءَةِ الذِّمَّةِ وَالْإِجْزَاءِ وَإِلَّا لَمَا سَأَلَهُ عليه السلام فَإِنَّ سُؤَالَ تَحْصِيلِ الْحَاصِلِ لَا يَجُوزُ.
وَخَامِسُهَا: أَنَّهُ لَمْ يَزَلْ صُلَحَاءُ الْأُمَّةِ وَخِيَارُهَا يَسْأَلُونَ اللَّهَ تَعَالَى الْقَبُولَ فِي الْعَمَلِ وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ طَلَبًا لِلصِّحَّةِ وَالْإِجْزَاءِ لَكَانَ هَذَا الدُّعَاءُ إنَّمَا يَحْسُنُ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِي الْعَمَلِ فَيَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى تَيْسِيرَ الْأَرْكَانِ وَالشَّرَائِطِ وَانْتِفَاءَ الْمَوَانِعِ أَمَّا بَعْدَ الْجَزْمِ بِوُقُوعِهَا فَلَا يَحْسُنُ ذَلِكَ فَدَلَّتْ هَذِهِ الْوُجُوهُ عَلَى أَنَّ الْقَبُولَ غَيْرُ الْإِجْزَاءِ وَغَيْرُ الصِّحَّةِ وَأَنَّهُ الثَّوَابُ.
وَسَادِسُهَا: قَوْلُهُ عليه السلام «إنَّ مِنْ الصَّلَاةِ لَمَا يُقْبَلُ نِصْفُهَا وَثُلُثُهَا وَرُبْعُهَا وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يُلَفُّ كَمَا يُلَفُّ الثَّوْبُ الْخَلَقُ فَيُضْرَبُ بِهَا وَجْهُ صَاحِبِهَا» فَحَمَلَهُ الصُّوفِيَّةُ وَقَلِيلٌ مِنْ الْفُقَهَاءِ عَلَى عَدَمِ الْإِجْزَاءِ وَأَنَّهُ تَجِبُ الْإِعَادَةُ إذَا غَفَلَ عَنْ صَلَاتِهِ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «لَيْسَ لِلْمُؤْمِنِ مِنْ صَلَاتِهِ إلَّا مَا عَقَلَ مِنْهَا» وَحَكَى الْغَزَالِيُّ الْإِجْمَاعَ فِي إجْزَائِهَا إذَا عَلِمَ عَدَدَ رَكَعَاتِهَا وَأَرْكَانَهَا وَشَرَائِطَهَا وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُشْتَغِلٍ بِالْخُشُوعِ وَالْإِقْبَالِ عَلَيْهَا.
وَقَالَ أَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ إنَّ الْمُرَادَ بِالثُّلُثِ وَبِالرُّبْعِ وَنَحْوِهِ الثَّوَابُ لَا الْإِجْزَاءُ وَالصِّحَّةُ فَظَهَرَ حِينَئِذٍ أَنَّ الْقَبُولَ غَيْرُ الْإِجْزَاءِ وَأَنَّ بَعْضَ الْوَاجِبَاتِ يُثَابُ عَلَيْهَا دُونَ بَعْضٍ وَهُوَ الْمَقْصُودُ مِنْ الْفَرْقِ إذَا تَقَرَّرَ الْفَرْقُ فَالظَّاهِرُ أَنَّ وَصْفَ التَّقْوَى شَرْطٌ فِي الْقَبُولِ بَعْدَ الْإِجْزَاءِ وَالتَّقْوَى هَاهُنَا لَيْسَ مَحْمُولًا عَلَى الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ وَهُوَ مُجَرَّدُ الِاتِّقَاءِ لِلْمَكْرُوهِ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ فَإِنَّ الْفَسَقَةَ فِي عُرْفِ الشَّرْعِ لَا يُسَمَّوْنَ أَتْقِيَاءَ وَلَا مِنْ الْمُتَّقِينَ وَلَوْ اعْتَبَرْنَا الْمَعْنَى اللُّغَوِيَّ لَقِيلَ لَهُمْ ذَلِكَ بَلْ التَّقْوَى فِي
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
فَإِنَّ سُؤَالَ تَحْصِيلِ الْحَاصِلِ لَا يَجُوزُ) قُلْتُ الِاحْتِمَالُ فِي قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم ذَلِكَ كَالِاحْتِمَالِ فِي قَوْلِ إبْرَاهِيمَ عليه الصلاة والسلام.
قَالَ (وَخَامِسُهَا أَنَّهُ لَمْ يَزَلْ صُلَحَاءُ الْأُمَّةِ وَخِيَارُهَا يَسْأَلُونَ اللَّهَ تَعَالَى الْقَبُولَ فِي الْعَمَلِ إلَى آخِرِهِ) قُلْتُ يُحْتَمَلُ أَنَّهُمْ طَلَبُوا حُصُولَ الشَّرْطِ الَّذِي هُوَ الْمُوَافَاةُ عَلَى الْإِيمَانِ لِعَدَمِ عِلْمِهِمْ بِذَلِكَ أَوْ طَلَبُوا الْمُسَامَحَةَ فِي إغْفَالِ بَعْضِ شُرُوطِ الْأَعْمَالِ لِعَدَمِ عِلْمِهِمْ بِتَحْصِيلِ ذَلِكَ عَلَى الْكَمَالِ.
قَالَ (وَسَادِسُهَا قَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام «أَنَّ مِنْ الصَّلَاةِ لَمَا يُقْبَلُ نِصْفُهَا وَثُلُثُهَا وَرُبْعُهَا وَأَنَّ مِنْهَا لَمَا يُلَفُّ كَمَا يُلَفُّ الثَّوْبُ الْخَلَقُ فَيُضْرَبُ بِهَا وَجْهُ صَاحِبِهَا» إلَى آخِرِ قَوْلِهِ وَهُوَ الْمَقْصُودُ مِنْ الْفَرْقِ) قُلْتُ قَوْلُهُ وَقَوْلُ مَنْ قَالَ مِثْلَهُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهَذَا الْحَدِيثِ الثَّوَابُ مَعَ تَقْدِيرِ كَمَالِ شُرُوطِ الصَّلَاةِ وَجَمِيعِ أَوْصَافِهَا خِلَافُ ظَاهِرِ الْحَدِيثِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «وَأَنَّ مِنْهَا لَمَا يُلَفُّ كَمَا يُلَفُّ الثَّوْبُ الْخَلَقُ فَيُضْرَبُ بِهَا وَجْهُ صَاحِبِهَا» إذْ لَوْ كَانَتْ مُسْتَوْفِيَةً لِشُرُوطِهَا وَأَوْصَافِهَا لَمْ يَكُنْ لِتَشْبِيهِهَا بِالثَّوْبِ الْخَلَقِ وَجْهٌ، وَلَا رَيْبَ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ إنَّمَا هُوَ مَغْزَاهُ التَّحْذِيرُ مِنْ التَّهَاوُنِ بِشُرُوطِهَا وَالتَّحْرِيضُ عَلَى مُرَاعَاةِ أَحْوَالِهَا فَلَا دَلِيلَ لَهُ وَلَا لِغَيْرِهِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ عَلَى مَا أَرَادَ لَا بِظَاهِرٍ وَلَا بِنَصٍّ أَلْبَتَّةَ.
قَالَ (وَإِذَا تَقَرَّرَ الْفَرْقُ فَالظَّاهِرُ أَنَّ وَصْفَ التَّقْوَى شَرْطٌ فِي الْقَبُولِ بَعْدَ الْإِجْزَاءِ إلَى مُنْتَهَى قَوْلِهِ
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
لِشَيْءٍ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ عَدَمَ عِلَّةٍ فَلَا يَلْزَمُ عَدَمُ الْحُكْمِ فِي صُورَةِ الْمَسْكُوتِ عَنْهُ فَلِذَا قَلَّ الْقَائِلُونَ بِهِ وَحُكِمَ بِضَعْفِهِ، وَمِنْ هُنَا تَعْلَمُ صِحَّةَ اسْتِدْلَالِ صَاحِبِ الْمُهَذَّبِ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ عَلَى مَالِكٍ بِأَنَّ التَّيَمُّمَ لَا يَجُوزُ بِغَيْرِ التُّرَابِ بِقَوْلِهِ عليه السلام «جُعِلَتْ لِي الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا» وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى «وَتُرَابُهَا طَهُورًا» حَيْثُ قَالَ مَفْهُومُ قَوْلِهِ وَتُرَابُهَا طَهُورًا أَنَّ غَيْرَ التُّرَابِ لَا يَجُوزُ التَّيَمُّمُ بِهِ اهـ.
وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ التُّرَابَ اسْمُ جِنْسٍ فَمَفْهُومُهُ مَفْهُومُ لَقَبٍ لَيْسَ حُجَّةً عِنْدَهُ وَلَا عِنْدَ مَالِكٍ فَقَدْ اسْتَدَلَّ بِمَا لَيْسَ حُجَّةً عِنْدَهُ وَلَا عِنْدَ خَصْمِهِ وَكَذَا عَدَمُ صِحَّةِ اسْتِدْلَالِهِ عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ بِأَنَّ الْخَلَّ لَا يُزِيلُ النَّجَاسَةَ «بِقَوْلِهِ عليه السلام لِأَسْمَاءِ فِي دَمِ الْحَيْضِ يُصِيبُ الثَّوْبَ حُتِّيهِ ثُمَّ اقْرِضِيهِ بِالْمَاءِ» حَيْثُ قَالَ مَفْهُومُ قَوْلِهِ عليه السلام بِالْمَاءِ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَغْسِلَ بِغَيْرِهِ مِنْ الْخَلِّ وَغَيْرِهِ اهـ.
وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمَاءَ اسْمُ جِنْسٍ فَمَفْهُومُهُ مَفْهُومُ لَقَبٍ لَيْسَ بِحُجَّةٍ عِنْدَهُ وَلَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ بَلْ أَبُو حَنِيفَةَ لَمْ يَقُلْ بِالْمَفْهُومِ مُطْلَقًا فَضْلًا عَنْ مَفْهُومِ اللَّقَبِ فَاسْتِدْلَالُهُ عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ أَبْعَدُ مِنْ اسْتِدْلَالِهِ عَلَى مَالِكٍ بِسَبَبِ أَنَّ مَالِكًا قَالَ بِالْمَفْهُومِ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةِ.
وَأَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ فَلَا كَذَا قَالَ الْأَصْلُ وَفِي حَاشِيَةِ الْعَطَّارِ عَلَى مُحَلَّى جَمْعِ الْجَوَامِعِ وَأُجِيبَ بِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ مِنْ الِاسْتِدْلَالِ بِمَفْهُومِ اللَّقَبِ؛ لِأَنَّهُ بِالْحَدِيثِ الْأَوَّلِ مِنْ جِهَةِ أَنَّ الْأَمْرَ إذَا تَعَلَّقَ بِشَيْءٍ بِعَيْنِهِ لَا يَقَعُ الِامْتِثَالُ إلَّا بِذَلِكَ الشَّيْءِ فَلَا يَخْرُجُ عَنْ الْعُهْدَةِ بِغَيْرِهِ سَوَاءٌ كَانَ الَّذِي تَعَلَّقَ بِهِ الْأَمْرُ صِفَةً أَوْ لَقَبًا وَلِأَنَّهُ بِالْحَدِيثِ الثَّانِي مِنْ جِهَةِ أَنَّ قَرِينَةَ الِامْتِنَانِ تَدُلُّ عَلَى الْحَصْرِ فِيهِ وَأَنَّ الْعُدُولَ عَنْ أُسْلُوبِ التَّعْمِيمِ مَعَ الْإِيجَازِ إلَى التَّخْصِيصِ مَعَ تَرْكِ الْإِيجَازِ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ نُكْتَةٍ وَنُكْتَتُهُ اخْتِصَاصُ الطَّهُورِيَّةِ.
وَقَدْ صَرَّحَ الْغَزَالِيُّ فِي الْمَنْخُولِ بِأَنَّ مَفْهُومَ اللَّقَبِ حُجَّةٌ مَعَ قَرَائِنِ الْأَحْوَالِ وَأَشَارَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ أَنَّ التَّحْقِيقَ أَنْ يُقَالَ اللَّقَبُ لَيْسَ بِحُجَّةٍ مَا لَمْ يُوجَدْ فِيهِ رَائِحَةُ التَّعْلِيقِ فَإِنْ وُجِدَتْ كَانَ حُجَّةً فَإِنَّهُ قَالَ فِي حَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ «إذَا اسْتَأْذَنَتْ امْرَأَةُ أَحَدِكُمْ إلَى الْمَسْجِدِ فَلَا يَمْنَعْهَا» يَحْتَجُّ بِهِ عَلَى أَنَّ الزَّوْجَ يَمْنَعُ امْرَأَتَهُ مِنْ الْخُرُوجِ إلَّا بِإِذْنِهِ لِأَجْلِ تَخْصِيصِ النَّهْيِ بِالْخُرُوجِ لِلْمَسْجِدِ فَإِنَّهُ مَفْهُومُ لَقَبٍ لِمَا فِي الْمَسْجِدِ مِنْ الْمَعْنَى الْمُنَاسِبِ وَهُوَ كَوْنُهُ مَحَلَّ الْعِبَادَةِ فَلَا تُمْنَعُ مِنْهُ بِخِلَافِ غَيْرِهِ اهـ. فَتَأَمَّلْ وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ