الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَنُوَضِّحُهُ بِذِكْرِ نَظَائِرَ مِنْ الشَّرِيعَةِ: أَحَدُهَا أَنَّهُ إذَا بَاعَ صَاعًا مِنْ صُبْرَةٍ فَلَهُ بَيْعُ بَقِيَّةِ الصِّيعَانِ وَبَقِيَّتُهَا مِنْ غَيْرِ الْمُشْتَرِي فَلَوْ فَعَلَ ذَلِكَ وَبَقِيَ صَاعٌ وَتَلِفَ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ انْفَسَخَ الْعَقْدُ وَلَمْ يُنْقَلْ الصَّاعُ لِلذِّمَّةِ كَمَا لَوْ تَلِفَتْ الصُّبْرَةُ كُلُّهَا بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ وَالسَّبَبُ فِي ذَلِكَ أَنَّ الْعَقْدَ تَعَلَّقَ بِالْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَ صِيعَانِ الصُّبْرَةِ وَهُوَ مُطْلَقُ الصَّاعِ فَتَصَرَّفَ بِمُقْتَضَى التَّخْيِيرِ فِيمَا عَدَا الصَّاعَ الْوَاحِدَ وَأَتَتْ الْجَائِحَةُ عَلَى ذَلِكَ الصَّاعِ فَكَانَ التَّخْيِيرُ فِي غَيْرِهِ مَعَ أَنَّ الْآفَةَ فِيهِ كَالْآفَةِ فِي الْجَمِيعِ كَذَلِكَ أَجْزَاءُ الْوَقْتِ كَالصِّيعَانِ يَجِبُ مِنْهَا وَاحِدٌ فَقَطْ فَإِذَا تَصَرَّفَتْ الْمَرْأَةُ فِي ضَيَاعِ مَا عَدَا الْآخِرَ مِنْهَا بِالْإِتْلَافِ ثُمَّ طَرَأَ الْعُذْرُ فِي آخِرِهَا قَامَ ذَلِكَ مَقَامَ وُجُودِ الْعُذْرِ فِي جَمِيعِهَا وَلَوْ وُجِدَ الْعُذْرُ فِي جَمِيعِهَا سَقَطَتْ الصَّلَاةُ وَكَذَلِكَ إذَا وُجِدَ مَا يَقُومُ مَقَامَهُ وَمَرَّ التَّخْيِيرُ مَعَ الْعُذْرِ فِي الْأَخِيرِ وَبِالتَّخْيِيرِ حَصَلَ الْفَرْقُ بَيْنَ سَبَبِ الْوُجُوبِ الَّذِي هُوَ الْقَدْرُ الْمُشْتَرَكُ بَيْنَ أَجْزَاءِ الْقَامَةِ فَإِذَا وُجِدَ أَوَّلًا سَالِمًا عَنْ الْمُعَارِضِ فَأَتْلَفَهُ الْمُكَلَّفُ بِالضَّيَاعِ لَا يَضْمَنُ الصَّلَاةَ وَبَيْنَ رُؤْيَةِ الْهِلَالِ فَإِنَّهُ سَبَبٌ لِلْوُجُوبِ فَإِذَا وُجِدَ سَالِمًا عَنْ الْمُعَارِضِ تَرَتَّبَ عَلَيْهِ الْوُجُوبُ وَالسِّرُّ فِي ذَلِكَ التَّخْيِيرُ وَعَدَمُهُ وَلَوْلَا التَّخْيِيرُ لَكَانَ لِلْمُشْتَرِي فِي الصِّيعَانِ أَنْ يَقُولَ الْعَقْدُ اقْتَضَى مُطْلَقَ الصَّاعِ وَقَدْ وُجِدَ فِي صَاعٍ مِنْ الصِّيعَانِ الَّتِي تَعَدَّيْت عَلَيْهَا أَيُّهَا الْبَائِعُ وَمَنْ تَعَدَّى عَلَى الْمَبِيعِ ضَمِنَهُ فَيَلْزَمُك أَيُّهَا الْبَائِعُ الضَّمَانُ وَلَمَّا كَانَ مِنْ حُجَّتِهِ أَنْ يَقُولَ إنَّ تُسَلِّطِي بِالتَّخْيِيرِ بَيْنَ صِيعَانِ الصُّبْرَةِ فِي تَوْفِيَتِهِ يَنْفِي عَنِّي الْعُدْوَانَ فِيمَا تَعَدَّيْت فِيهِ فَلَا أَضْمَنُ كَانَ لِلْمَرْأَةِ أَيْضًا أَنْ تَقُولَ إنَّ تَسَلُّطِي عَلَى أَوَّلِ الْوَقْتِ بِالتَّخْيِيرِ بَيْنَ أَجْزَاءِ الْقَامَةِ فِي إيقَاعِ الصَّلَاةِ يَنْفِي عَنِّي وُجُوبَ الصَّلَاةِ فَإِنِّي جُعِلَ لِي أَنْ أُؤَخِّرَ وَأُعَيِّنَ الْمُشْتَرَكَ فِي الْجُزْءِ الْأَخِيرِ فَلَمَّا عَيَّنْتُهُ تَلِفَ بِالْحَيْضِ كَمَا تَلِفَ الصَّاعُ بِالْآفَةِ وَمَا سِرُّ ذَلِكَ إلَّا التَّخْيِيرُ، وَثَانِيهَا لَوْ وَجَبَ عَلَيْهِ عِتْقُ رَقَبَةٍ فِي الْكَفَّارَةِ وَعِنْدَهُ رِقَابٌ فَلَهُ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِيمَا عَدَا الْوَاحِدَ بِالْعِتْقِ وَغَيْرِهِ فَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ وَلَمْ يَبْقَ إلَّا رَقَبَةٌ مَاتَتْ أَوْ تَعَيَّبَتْ سَقَطَ عَنْهُ الْأَمْرُ بِالْعِتْقِ وَجَازَ لَهُ الِانْتِقَالُ إلَى الصِّيَامِ وَلَا نَقُولُ تَعَيَّنَتْ عَلَيْهِ رَقَبَةٌ وَثَبَتَتْ فِي ذِمَّتِهِ لَا بُدَّ مِنْهَا بَلْ يَسْقُطُ التَّكْلِيفُ بِالرَّقَبَةِ بِالْكُلِّيَّةِ فَيَكُونُ التَّخْيِيرُ مَعَ الْآفَةِ السَّمَاوِيَّةِ فِي الْأَخِيرِ يَقُومُ مَقَامَ حُصُولِ الْآفَةِ فِي جَمِيعِ الرِّقَابِ ابْتِدَاءً.
وَثَالِثُهَا لَوْ كَانَ لَهُ عِدَّةُ ثِيَابٍ لِلسُّتْرَةِ فِي الصَّلَاةِ فَلَهُ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِيمَا عَدَا الْوَاحِدَ مِنْهَا فَإِذَا وَهَبَ أَوْ بَاعَ وَخَلَّى وَاحِدًا مِنْهَا فَطَرَأَتْ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
اللَّذَيْنِ هُمَا رَدُّ تَصَرُّفَاتِهِ حَالَ الْحَيَاةِ وَتَنْفِيذُ تَصَرُّفَاتِهِ عِنْدَ الْمَمَاتِ وَتَرَتَّبَا عَلَيْهِ فِي الشَّرِيعَةِ.
الْمِثَالُ الثَّالِثُ الْجَهَالَةُ مَانِعَةٌ مِنْ صِحَّةِ عَقْدِ الْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ وَنَحْوِهِمَا وَهِيَ شَرْطٌ فِي صِحَّةِ عَقْدِ الْجِعَالَةِ وَالْعَارِيَّةِ وَالْقِرَاضِ
فَمَصْلَحَةُ
هَذِهِ الْعُقُودِ اقْتَضَتْ أَنْ يَكُونَ الْأَجَلُ مَجْهُولًا وَأَنْ لَا يَجُوزَ تَحْدِيدُهُ بِيَوْمٍ مَعْلُومٍ لِأَنَّ الْمَطْلُوبَ قَدْ لَا يَحْصُلُ فِي ذَلِكَ الْأَجَلِ وَلِذَلِكَ لَا يَجُوزُ تَحْدِيدُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ لِخِيَاطَةِ الثَّوْبِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْإِجَارَاتِ الَّتِي مِنْ قَبِيلِ الْجَعَالَةِ لِأَنَّهُ يُوجِبُ الْغَرَرَ فَتَفُوتُ
الْمَصْلَحَةُ
فَقَدْ اقْتَضَتْ الْجَهَالَةُ الضِّدَّيْنِ كَالْجَهَالَةِ.
الْمِثَالُ الرَّابِعُ: الْأُنُوثَةُ اقْتَضَى ضَعْفُهَا التَّأَخُّرَ عَنْ الْوِلَايَاتِ وَاقْتَضَى ضَعْفُهَا وِلَايَةَ الْحَضَانَةِ وَالتَّقْدِمَةِ فِيهَا عَلَى الذُّكُورِ فَقَدْ اقْتَضَتْ الضِّدَّيْنِ كَالْجَهَالَةِ
الْمِثَالُ الْخَامِسُ قَرَابَةُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم اقْتَضَى تَعْظِيمُهَا بَذْلَ الْمَالِ لِلْأَقَارِبِ وَالْمُبَادَرَةَ إلَى سَدِّ الْخَلَّاتِ فِي حَقِّهِمْ وَاقْتَضَى مَنْعُ الْمَالِ مِنْهُمْ فِي الزَّكَاةِ فَقَدْ تَرَتَّبَ عَلَيْهَا الْبَذْلُ وَالْمَنْعُ وَهُمَا ضِدَّانِ وَإِنَّمَا قَلَّتْ هَذِهِ النَّظَائِرُ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْمُنَاسِبِ أَنْ يُنَافِيَ ضِدَّ مَا يُنَاسِبُهُ وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.
[الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الرُّخْصَةِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ]
(الْفَرْقُ الْحَادِي وَالثَّمَانُونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ الرُّخْصَةِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ) اعْلَمْ أَنَّ الرُّخْصَةَ كَمَا فِي مُوَافَقَاتِ الشَّاطِبِيِّ لَهَا فِي الشَّرْعِ إطْلَاقَاتٌ أَرْبَعَةٌ الْإِطْلَاقُ الْأَوَّلُ عَلَى مَا شُرِعَ مِنْ الْأَحْكَامِ لِعُذْرٍ شَاقٍّ اسْتِثْنَاءً مِنْ أَصْلٍ كُلِّيٍّ يَقْتَضِي الْمَنْعَ مَعَ الِاقْتِصَارِ عَلَى مَوَاضِعِ الْحَاجَةِ فِيهِ فَقَيْدُ لِعُذْرٍ شَاقٍّ مُخْرِجٌ لِمَا كَانَ مِنْ أَصْلِ الْحَاجِيَّاتِ الْكُلِّيَّاتِ مُسْتَثْنًى مِنْ أَصْلٍ مَشْرُوعٍ لِعُذْرِ مُجَرَّدِ الْحَاجَةِ مِنْ غَيْرِ مَشَقَّةٍ مَوْجُودَةٍ كَشَرْعِيَّةِ الْقِرَاضِ فَإِنَّهُ لِعُذْرٍ فِي الْأَصْلِ وَهُوَ عَجْزُ صَاحِبِ الْمَالِ عَنْ الضَّرْبِ فِي الْأَرْضِ وَيَجُوزُ حَيْثُ لَا عُذْرَ وَلَا عَجْزَ وَكَذَلِكَ الْقَرْضُ وَالْمُسَاقَاةُ وَالسَّلَمُ وَنَحْوُهَا مِمَّا شُرِعَ فِي الْأَصْلِ
لِعُذْرِ مُجَرَّدِ الْحَاجَةِ
وَإِنْ جَازَ بَعْدَ زَوَالِ الْعُذْرِ فَيَجُوزُ لِلْإِنْسَانِ أَنْ يَقْتَرِضَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِهِ حَاجَةٌ إلَى الِاقْتِرَاضِ وَأَنْ يُسَاقِيَ حَائِطَهُ.
وَإِنْ كَانَ قَادِرًا عَلَى عَمَلِهِ بِنَفْسِهِ أَوْ بِالِاسْتِئْجَارِ عَلَيْهِ وَهَكَذَا فَلَا يُسَمَّى هَذَا كُلُّهُ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ بِاسْمِ الرُّخْصَةِ وَمُخْرِجٌ أَيْضًا لِمَا كَانَ مِنْ أَصْلِ التَّكْمِيلَاتِ مُسْتَثْنًى مِنْ أَصْلٍ مَشْرُوعٍ لِعُذْرِ مُجَرَّدِ التَّكْمِيلِ مِنْ غَيْرِ مَشَقَّةٍ مَوْجُودَةٍ كَشَرْعِيَّةِ صَلَاةِ الْمَأْمُومِينَ جُلُوسًا لِعُذْرِ مُجَرَّدِ طَلَبِ الْمُوَافَقَةِ لِإِمَامِهِمْ الَّذِي لَا يَقْدِرُ عَلَى الصَّلَاةِ قَائِمًا أَوْ يَقْدِرُ بِمَشَقَّةٍ حَتَّى شُرِعَ فِي حَقِّهِ الِانْتِقَالُ إلَى الْجُلُوسِ وَإِنْ كَانَ مُخِلًّا بِرُكْنٍ مِنْ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ لِأَنَّهُ بِسَبَبِ الْمَشَقَّةِ صَارَ الْجُلُوسُ رُخْصَةً فِي حَقِّهِ فَفِي الْحَدِيثِ إنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ ثُمَّ قَالَ وَإِنْ صَلَّى جَالِسًا فَصَلُّوا جُلُوسًا أَجْمَعِينَ فَلَا يُسَمَّى مِثْلُ هَذَا رُخْصَةً وَإِنْ كَانَ مُسْتَثْنًى لِعُذْرٍ وَقَيْدُ اسْتِثْنَاءٍ مِنْ أَصْلٍ كُلِّيٍّ يَقْضِي الْمَنْعَ مُدْخِلٌ لِمَا عَرَضَ لَهَا مِنْ الرُّخَصِ أَنْ تَكُونَ كُلِّيَّاتٍ فِي الْحُكْمِ بَعْدَ اسْتِقْرَارِ أَصْلِهَا الْكُلِّيِّ الَّذِي اُسْتُثْنِيَتْ مِنْهُ لِلْعُذْرِ كَجَوَازِ الْقَصْرِ وَالْفِطْرِ لِلْمُسَافِرِ فَإِنَّهُ إنَّمَا كَانَ
عَلَيْهِ الْآفَةُ الْمَانِعَةُ لَهُ مِنْ أَنْ يُصَلِّيَ فِيهِ صَلَّى عُرْيَانًا مِنْ غَيْرِ إثْمٍ وَيَسْقُطُ التَّكْلِيفُ بِالْكُلِّيَّةِ فَظَهَرَ بِذَلِكَ أَنَّ التَّصَرُّفَ بِالتَّخْيِيرِ مَعَ الْعُذْرِ فِي الْأَخِيرِ يَقُومُ مَقَامَ الْعُذْرِ فِي الْجَمِيعِ فَكَذَلِكَ آخِرُ الْوَقْتِ وَرَابِعُهَا لَوْ كَانَ عِنْدَهُ قَدْرُ كِفَايَتِهِ مِنْ الْمَاءِ لِطَهَارَتِهِ مِرَارًا فَالْوَاجِبُ عَلَيْهِ الْقَدْرُ الْمُشْتَرَكُ بَيْنَ تِلْكَ الْمَقَادِيرِ كَمَا تَقَدَّمَ أَنَّ الْوَاجِبَ الْقَدْرُ الْمُشْتَرَكُ بَيْنَ الثِّيَابِ وَالرِّقَابِ فَلَهُ هِبَةُ مَا عَدَا كِفَايَتَهُ فَإِذَا تَصَرَّفَ فِيهِ بِالْهِبَةِ بِمُقْتَضَى التَّخْيِيرِ ثُمَّ تَلِفَ الْمَاءُ الْآخَرُ الَّذِي اسْتَبَقَاهُ سَقَطَ التَّكْلِيفُ بِالْوُضُوءِ بِالْكُلِّيَّةِ مِنْ غَيِّ إثْمٍ وَقَامَ التَّصَرُّفُ بِالتَّخْيِيرِ مَعَ الْآفَةِ فِي الْأَخِيرِ مَقَامَ حُصُولِ الْعُذْرِ فِي الْجَمِيعِ فِي عَدَمِ الْإِثْمِ وَسُقُوطِ التَّكْلِيفِ كَذَلِكَ هَا هُنَا يَقُومُ التَّصَرُّفُ فِي الْأَوْقَاتِ الْأَوَّلِ بِالتَّخْيِيرِ مَعَ حُصُولِ الْعُذْرِ فِي الْأَخِيرِ مَقَامَ حُصُولِ الْعُذْرِ فِي جَمِيعِهَا. وَخَامِسُهَا لَوْ كَانَ عِنْدَهُ صَاعَانِ مِنْ الطَّعَامِ لِزَكَاةِ الْفِطْرِ فَإِنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ الْقَدْرُ الْمُشْتَرَكُ بَيْنَهُمَا وَهُوَ مُطْلَقُ الصَّاعِ وَهُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَهُمَا فَلَهُ التَّصَرُّفُ فِيمَا عَدَا الصَّاعَ الْوَاحِدَ فَإِذَا بَاعَهُ أَوْ وَهَبَهُ وَتَرَكَ صَاعًا وَاحِدًا فَلَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ إخْرَاجِهِ حَتَّى تَلِفَ مِنْ غَيْرِ سَبَبٍ مِنْ قِبَلِهِ فَإِنَّهُ تَسْقُطُ عَنْهُ زَكَاةُ الْفِطْرِ إذَا قُلْنَا بِأَنَّهَا تَجِبُ وُجُوبًا مُوَسَّعًا مِنْ غُرُوبِ الشَّمْسِ مِنْ رَمَضَانَ إلَى غُرُوبِهَا مِنْ يَوْمِ الْفِطْرِ وَأَشْبَهَ مَنْ جَاءَهُ وَقْتُ الْوُجُوبِ وَلَيْسَ عِنْدَهُ طَعَامٌ أَلْبَتَّةَ وَبِالْجُمْلَةِ فَإِذَا اسْتَقْرَيْت الشَّرِيعَةَ تَجِدْ فِيهَا صُوَرًا كَثِيرَةً الْخِطَابُ فِيهَا مُتَعَلِّقٌ بِالْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَ أَفْرَادِ ذَلِكَ الْجِنْسِ وَيَقُومُ التَّخْيِيرُ بَيْنَ تِلْكَ الْأَفْرَادِ وَالتَّصَرُّفُ فِي الْبَعْضِ بِالْإِتْلَافِ بِمُقْتَضَى التَّخْيِيرِ فِي الْجَمِيعِ مَقَامَ التَّلَفِ فِي الْجَمِيعِ فَكَذَلِكَ صُورَةُ النِّزَاعِ فَعُلِمَ بِهَذِهِ النَّظَائِرِ أَنَّ الْفَرْقَ فِي الشَّرْعِ وَاقِعٌ بَيْنَ وُجُودِ السَّبَبِ سَالِمًا عَنْ الْمُعَارِضِ مَعَ التَّخْيِيرِ وَبَيْنَ وُجُودِهِ مَعَ عَدَمِ التَّخْيِيرِ فَلَا يُعْتَقَدُ أَنَّ سَبَبَ الْوُجُوبِ مَتَى وُجِدَ سَالِمًا عَنْ الْمُعَارِضِ تَرَتَّبَ عَلَيْهِ الْوُجُوبُ بَلْ ذَلِكَ مَشْرُوطٌ بِعَدَمِ التَّخْيِيرِ بَيْنَ أَفْرَادِهِ كَمَا قُلْنَاهُ فِي رُؤْيَةِ الْهِلَالِ وَغَيْرِهِ وَظَهَرَ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ قِيَامِ الْمُعَارِضِ فِي جَمِيعِ صُوَرِ السَّبَبِ وَبَيْنَ قِيَامِهِ فِي بَعْضِ صُوَرِهِ إذَا كَانَ التَّخْيِيرُ فِي الْبَعْضِ الْآخَرِ فَتَأَمَّلْ هَذَا الْفَرْقَ فَهُوَ دَقِيقٌ وَهُوَ عُمْدَةُ الْمَذْهَبِ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ.
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
بَعْدَ اسْتِقْرَارِ أَحْكَامِ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَهَذَا وَإِنْ كَانَتْ آيَاتُ الصَّوْمِ نَزَلَتْ دَفْعَةً وَاحِدَةً إلَّا أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ ثَانٍ عَنْ اسْتِقْرَارِ حُكْمِ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ عَلَى الْجُمْلَةِ وَكَذَلِكَ أَكْلُ الْمَيْتَةِ لِلْمُضْطَرِّ فِي قَوْله تَعَالَى {فَمَنِ اضْطُرَّ} [البقرة: 173] الْآيَةَ وَمُخْرِجٌ لِبَاقِي أَنْوَاعِ الْعَزِيمَةِ مِمَّا شُرِعَ ابْتِدَاءً لَا اسْتِثْنَاءً مِنْ أَصْلٍ إلَخْ وَقَيْدُ مَعَ الِاقْتِصَارِ عَلَى مَوَاضِعِ الْحَاجَةِ فِيهِ مَدْخَلٌ لِبَاقِي أَنْوَاعِ الرُّخَصِ وَمُوَضِّحٌ لِلْفَرْقِ بَيْنَ مَا شُرِعَ مِنْ الرُّخَصِ وَمَا شُرِعَ مِنْ الْحَاجِيَّاتِ الْكُلِّيَّةِ بِأَنَّ الرُّخَصَ جُزْئِيَّةٌ يُقْتَصَرُ فِيهَا عَلَى مَوْضِعِ الْحَاجَةِ فَإِنَّ الْمُصَلِّيَ إذَا انْقَطَعَ سَفَرُهُ وَجَبَ عَلَيْهِ الرُّجُوعُ إلَى الْأَصْلِ مِنْ إتْمَامِ الصَّلَاةِ وَإِلْزَامِ الصَّوْمِ وَالْمَرِيضُ إذَا قَدَرَ عَلَى الْقِيَامِ فِي الصَّلَاةِ لَمْ يُصَلِّ قَاعِدًا وَإِذَا قَدَرَ عَلَى مَسِّ الْمَاءِ لَمْ يَتَيَمَّمْ وَكَذَلِكَ سَائِرُ الرُّخَصِ بِخِلَافِ الْقَرْضِ وَالْقِرَاضِ وَالْمُسَاقَاةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ الْحَاجِيَّاتِ الْكُلِّيَّةِ الَّتِي تُشْبِهُ الرُّخْصَةَ فَإِنَّهُ مَشْرُوعٌ أَيْضًا وَإِنْ زَالَ الْعُذْرُ كَمَا عَلِمْت.
الْإِطْلَاقُ الثَّانِي عَلَى مَا اسْتَثْنَى مِنْ أَصْلٍ كُلِّيٍّ يَقْتَضِي الْمَنْعَ مُطْلَقًا وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لِعُذْرٍ شَاقٍّ فَيَدْخُلُ فِيهِ مَا اسْتَنَدَ إلَى أَصْلِ الْحَاجِيَّاتِ مِنْ الْقَرْضِ وَالْقِرَاضِ وَالْمُسَاقَاةِ وَرَدِّ الصَّاعِ مِنْ الطَّعَامِ فِي مَسْأَلَةِ الْمُصَرَّاةِ وَبَيْعِ الْعَرِيَّةِ بِخَرْصِهَا ثَمَرًا وَضَرْبِ الدِّيَةِ عَلَى الْعَاقِلَةِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ «نَهَى عَنْ بَيْعِ مَا لَيْسَ عِنْدَك وَأَرْخَصَ فِي السَّلَمِ» فَيَجْرِي عَلَيْهَا فِي التَّسْمِيَةِ كَمَا جَرَى عَلَيْهَا حُكْمُهَا فِي الِاسْتِثْنَاءِ مِنْ أَصْلٍ مَشْرُوعٍ وَيَدْخُلُ فِيهِ أَيْضًا مَا اسْتَنَدَ إلَى أَصْلِ التَّكْمِيلَاتِ مِنْ صَلَاةِ الْمَأْمُومِينَ جُلُوسًا اتِّبَاعًا لِلْإِمَامِ الْمَعْذُورِ وَصَلَاةُ الْخَوْفِ الْمَشْرُوعَةِ بِالْإِمَامِ كَذَلِكَ أَيْضًا وَنَحْوُ ذَلِكَ فَيُطْلَقُ عَلَى ذَلِكَ لَفْظُ الرُّخْصَةِ وَإِنْ لَمْ يَجْتَمِعْ مَعَهَا فِي أَصْلٍ وَاحِدٍ كَمَا أَنَّهُ قَدْ يُطْلَقُ لَفْظُ الرُّخْصَةِ عَلَى مَا اُسْتُمِدَّ مِنْ الرُّخَصِ مِنْ أَصْلِ الضَّرُورِيَّاتِ كَالْمُصَلِّي لَا يَقْدِرُ عَلَى الْقِيَامِ فَإِنَّ الرُّخْصَةَ فِي حَقِّهِ ضَرُورِيَّةٌ وَإِنَّمَا تَكُونُ حَاجِيَّةً إذَا كَانَ قَادِرًا عَلَى الْقِيَامِ لَكِنْ بِمَشَقَّةٍ تَلْحَقُهُ فِيهِ أَوْ بِسَبَبِهِ، الْإِطْلَاقُ الثَّالِثُ عَلَى مَا وُضِعَ عَنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ مِنْ التَّكَالِيفِ الْغَلِيظَةِ وَالْأَعْمَالِ الشَّاقَّةِ الَّتِي دَلَّ عَلَيْهَا قَوْلُهُ تَعَالَى {رَبَّنَا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا} [البقرة: 286] وقَوْله تَعَالَى {وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ} [الأعراف: 157] فَإِنَّ الرُّخْصَةَ فِي اللُّغَةِ رَاجِعَةٌ إلَى مَعْنَى اللِّينِ وَعَلَى هَذَا يُحْمَلُ مَا جَاءَ فِي بَعْضِ الْأَحَادِيثِ أَنَّهُ عليه السلام صَنَعَ شَيْئًا تَرَخَّصَ فِيهِ وَيُمْكِنُ أَنْ يَرْجِعَ إلَيْهِ مَعْنَى الْحَدِيثِ الْآخَرَ «إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ أَنْ تُؤْتَى رُخَصُهُ كَمَا يُحِبُّ أَنْ تُؤْتَى عَزَائِمُهُ» كَمَا يُمْكِنُ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى أَنَّ الرُّخَصَ الَّتِي هِيَ مَحْبُوبَةٌ مَا ثَبَتَ الطَّلَبُ فِيهِ أَوْ مَا أَدَّى تَرْكُهُ إلَى الْمَشَقَّةِ الْفَادِحَةِ الَّتِي قَالَ فِي مِثْلِهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «لَيْسَ مِنْ الْبِرِّ الصِّيَامُ فِي السَّفَرِ» فَيُوَافِقُ قَوْله تَعَالَى {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقرة: 185] وقَوْله تَعَالَى {يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ} [النساء: 28] بَعْدَ مَا قَالَ فِي الْأُولَى {وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ} [البقرة: 184] .
وَفِي الثَّانِيَةِ {وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ} [النساء: 25] لَكِنْ فَلْيُتَفَطَّنْ فَكَانَ مَا جَاءَ فِي هَذِهِ الْمِلَّةِ السَّمْحَةِ
(الْفَرْقُ التَّاسِعُ وَالثَّمَانُونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ اسْتِلْزَامِ إيجَابِ الْمَجْمُوعِ لِوُجُوبِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ أَجْزَائِهِ، وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الْأَمْرِ الْأَوَّلِ لَا يُوجِبُ الْقَضَاءَ وَإِنْ كَانَ الْفِعْلُ فِي الْقَضَاءِ جُزْءَ الْوَقْتِ الْأَوَّلِ، وَالْجُزْءُ الْآخَرُ خُصُوصُ الْوَقْتِ)
هَاتَانِ الْقَاعِدَتَانِ مُلْتَبِسَتَانِ جِدًّا بِسَبَبِ أَنَّ الْأَمْرَ بِالْعِبَادَةِ فِي وَقْتٍ مُعَيَّنٍ أَمْرٌ بِالْعِبَادَةِ، وَبِكَوْنِهَا فِي وَقْتٍ مُعَيَّنٍ وَهُوَ أَمْرٌ بِمَجْمُوعِ الْفِعْلِ وَتَخْصِيصِهِ بِالزَّمَانِ فَإِذَا ذَهَبَ أَحَدُ الْجُزْأَيْنِ، وَهُوَ تَخْصِيصُهُ بِعَيْنِ ذَلِكَ الزَّمَانِ يَنْبَغِي أَنْ يَبْقَى الْفِعْلُ وَاجِبًا بِالْأَمْرِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ الْقَاعِدَةَ أَنَّ إيجَابَ الْمُرَكَّبِ يَقْتَضِي إيجَابَ مُفْرَدَاتِهِ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
قَالَ: (الْفَرْقُ التَّاسِعُ وَالثَّمَانُونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ اسْتِلْزَامِ إيجَابِ الْمَجْمُوعِ لِوُجُوبِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ أَجْزَائِهِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الْأَمْرِ الْأَوَّلِ لَا يُوجَبُ الْقَضَاءَ، وَإِنْ كَانَ الْفِعْلُ فِي الْقَضَاءِ جُزْءَ الْوَاجِبِ الْأَوَّلِ، وَالْجُزْءُ الْآخَرُ خُصُوصُ الْوَقْتِ. هَاتَانِ الْقَاعِدَتَانِ مُلْتَبِسَتَانِ جِدًّا بِسَبَبِ أَنَّ الْأَمْرَ بِالْعِبَادَةِ فِي وَقْتٍ مُعَيَّنٍ أَمْرٌ بِالْعِبَادَةِ، وَبِكَوْنِهَا فِي وَقْتٍ مُعَيَّنٍ وَهُوَ أَمْرٌ بِمَجْمُوعِ الْفِعْلِ وَتَخْصِيصِهِ بِالزَّمَانِ فَإِذَا ذَهَبَ أَحَدُ الْجُزْأَيْنِ وَهُوَ تَخْصِيصُهُ بِعَيْنِ ذَلِكَ الزَّمَانِ يَنْبَغِي أَنْ يَبْقَى الْفِعْلُ وَاجِبًا بِالْأَمْرِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ الْقَاعِدَةَ أَنَّ إيجَابَ الْمُرَكَّبِ يَقْتَضِي إيجَابَ مُفْرَدَاتِهِ) قُلْت: مَا قَالَهُ مِنْ اسْتِلْزَامِ إيجَابِ الْمَجْمُوعِ لِوُجُوبِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ أَجْزَائِهِ إنْ أَرَادَ أَنَّ إيجَابَ الْمَجْمُوعِ يَسْتَلْزِمُ إيجَابَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْأَجْزَاءِ مَجْمُوعًا مَعَ غَيْرِهِ مِنْهَا فَذَلِكَ صَحِيحٌ، وَإِنْ أَرَادَ أَنَّ إيجَابَ الْمَجْمُوعِ يَسْتَلْزِمُ إيجَابَ كُلِّ جُزْءٍ مُطْلَقًا مَجْمُوعًا مَعَ غَيْرِهِ وَغَيْرَ مَجْمُوعٍ فَذَلِكَ غَيْرُ مُسَلَّمٍ وَغَيْرُ صَحِيحٍ وَمَا قَالَهُ مِنْ أَنَّ الْأَمْرَ بِالْعِبَادَةِ فِي وَقْتٍ مُعَيَّنٍ أَمْرٌ بِالْعِبَادَةِ وَبِكَوْنِهَا فِي وَقْتٍ مُعَيَّنٍ، وَأَنَّهُ إذَا ذَهَبَ أَحَدُ الْجُزْأَيْنِ وَهُوَ تَخْصِيصُهُ بِعَيْنِ ذَلِكَ الزَّمَانِ يَبْقَى الْفِعْلُ وَاجِبًا لَيْسَ بِصَحِيحٍ فَإِنَّ الْفِعْلَ الْمُعَيَّنَ زَمَانُهُ لَا يَصِحُّ انْفِكَاكُهُ عَنْ ذَلِكَ الزَّمَانِ، وَمَتَى قُدِّرَ انْفِكَاكُهُ عَنْهُ فَلَيْسَ هُوَ ذَلِكَ الْفِعْلُ، وَلَيْسَ الزَّمَانُ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْفِعْلِ الْمُوقَعِ فِيهِ كَالرَّكْعَةِ الْأُولَى مَعَ الثَّانِيَةِ فِي تَصَوُّرِ انْفِكَاكِ إحْدَى الرَّكْعَتَيْنِ مِنْ الْأُخْرَى عَنْ صَلَاةِ الصُّبْحِ مَثَلًا مَعَ أَنَّهُ إذَا فُعِلَتْ رَكْعَةٌ مُنْفَرِدَةٌ لَا تَكُونُ جُزْءًا مِنْ صَلَاةِ الصُّبْحِ أَصْلًا، وَإِنَّمَا تَكُونُ جُزْءًا مِنْهَا إذَا فُعِلَتْ مَعَ أُخْرَى بِشَرْطِ اسْتِيفَاءِ شُرُوطِ صَلَاةِ الصُّبْحِ مِنْ نِيَّةٍ وَغَيْرِهَا وَبِالْجُمْلَةِ فِي كَلَامِهِ هَذَا فِي هَذَا الْفَرْقِ ضُرُوبٌ مِنْ الْفَسَادِ لَا يَفُوهُ بِمِثْلِهَا مُحَصِّلٌ
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
مِنْ الْمُسَامَحَةِ وَاللِّينِ رُخْصَةً بِالنِّسْبَةِ إلَى مَا حَمَلَهُ الْأُمَمُ السَّابِقَةُ مِنْ الْعَزَائِمِ الشَّاقَّةِ الْإِطْلَاقُ الرَّابِعُ عَلَى مَا كَانَ مِنْ الْمَشْرُوعَاتِ تَوْسِعَةً عَلَى الْعِبَادِ مُطْلَقًا مِمَّا هُوَ رَاجِعٌ إلَى نَيْلِ حُظُوظِهِمْ وَقَضَاءِ أَوْطَارِهِمْ فَالرُّخْصَةُ عَلَى هَذَا عِبَارَةٌ عَنْ الْإِذْنِ فِي نَيْلِ الْحَظِّ الْمَلْحُوظِ مِنْ جِهَةِ الْعَبْدِ فَيَدْخُلُ عَلَيْهِ كُلُّ مَا كَانَ تَخْفِيفًا وَتَوْسِعَةً عَلَى الْمُكَلَّفِ وَإِنَّ الْعَزِيمَةَ كَذَلِكَ لَهَا فِي الشَّرْعِ أَرْبَعُ إطْلَاقَاتٍ تُقَابِلُ إطْلَاقَاتِ الرُّخْصَةِ الْأَرْبَعَةِ الْمَذْكُورَةِ.
فَإِطْلَاقُهَا الْمُقَابِلُ لِهَذَا الْإِطْلَاقِ الرَّابِعِ هُوَ مَا نَبَّهَ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56] وقَوْله تَعَالَى {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لا نَسْأَلُكَ رِزْقًا} [طه: 132] الْآيَةَ وَنَحْوُ ذَلِكَ مِمَّا دَلَّ عَلَى أَنَّ الْعِبَادَةَ مِلْكٌ لِلَّهِ عَلَى الْجُمْلَةِ وَالتَّفْصِيلِ فَحَقٌّ عَلَيْهِمْ التَّوَجُّهُ إلَيْهِ وَبَذْلُ الْمَجْهُودِ فِي عِبَادَتِهِ لِأَنَّهُمْ عِبَادُهُ وَلَيْسَ لَهُمْ حَقٌّ لَدَيْهِ وَلَا حُجَّةَ عَلَيْهِ فَإِذَا وَهَبَ لَهُمْ حَظًّا يَنَالُونَهُ فَذَلِكَ كَالرُّخْصَةِ لَهُمْ لِأَنَّهُ تَوَجُّهٌ إلَى غَيْرِ الْمَعْبُودِ وَاعْتِنَاءٌ بِغَيْرِ مَا اقْتَضَتْهُ الْعُبُودِيَّةُ وَذَلِكَ الْمَعْنَى الْمُنَبَّهُ عَلَيْهِ بِذَلِكَ هُوَ امْتِثَالُ الْأَوَامِرِ وَاجْتِنَابُ النَّوَاهِي عَلَى الْإِطْلَاقِ وَالْعُمُومِ كَانَتْ الْأَوَامِرُ وُجُوبًا أَوْ نَدْبًا وَالنَّوَاهِي كَرَاهَةً أَوْ تَحْرِيمًا وَتَرْكُ كُلِّ مَا يَشْغَلُ عَنْ ذَلِكَ مِنْ الْمُبَاحَاتِ فَضْلًا عَنْ غَيْرِهَا لِأَنَّ الْأَمْرَ مِنْ الْآمِرِ مَقْصُودٌ أَنْ يُمْتَثَلَ عَلَى الْجُمْلَةِ وَبِالْجُمْلَةِ فَالْعَزَائِمُ ثَمَّ عَلَى هَذَا الْإِطْلَاقِ حَقُّ اللَّهِ عَلَى الْعِبَادِ وَالرُّخَصُ حَظُّ الْعِبَادِ مِنْ لُطْفِ اللَّهِ فَتَشْتَرِكُ الْمُبَاحَاتُ مَعَ الرُّخَصِ عَلَى هَذَا التَّرْتِيبِ مِنْ حَيْثُ كَانَا مَعًا تَوْسِعَةً عَلَى الْعَبْدِ وَرَفْعُ حَرَجٍ عَنْهُ وَإِثْبَاتًا لِحَظِّهِ وَتَصِيرُ الْمُبَاحَاتُ عِنْدَ هَذَا النَّظَرِ تَتَعَارَضُ مَعَ الْمَنْدُوبَاتِ عَلَى الْأَوْقَاتِ فَيُؤْثِرُ حَظَّهُ فِي الْأُخْرَى عَلَى حَظِّهِ فِي الدُّنْيَا أَوْ يُؤْثِرُ حَقَّ رَبِّهِ عَلَى حَظِّ نَفْسِهِ فَيَكُونُ رَافِعًا لِلْمُبَاحِ مِنْ عَمَلِهِ رَأْسًا أَوْ آخِذًا لَهُ حَقًّا لِرَبِّهِ فَيَصِيرُ حَظُّهُ مُنْدَرِجًا تَابِعًا لِحَقِّ اللَّهِ وَحَقُّ اللَّهِ هُوَ الْمُقَدَّمُ هُوَ الْمَقْصُودُ فَإِنَّ الْعَبْدَ بَذَلَ الْمَجْهُودَ وَالرَّبُّ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ وَهَذَا الْوَجْهُ يَعْتَبِرُهُ الْأُولَيَاتُ مِنْ أَصْحَابِ الْأَحْوَالِ وَكَذَا غَيْرُهُمْ مِمَّنْ رَقَى عَنْ الْأَحْوَالِ وَعَلَيْهِ يُرَبُّونَ التَّلَامِيذَ أَلَا تَرَى أَنَّ مِنْ مَذَاهِبِهِمْ الْأَخْذُ بِعَزَائِم الْعِلْمِ وَاجْتِنَابِ الرُّخَصِ جُمْلَةً حَتَّى آلَ الْحَالُ بِهِمْ أَنْ عَدُّوا أَصْلَ الْحَاجِيَّاتِ كُلَّهَا أَوْ جُلَّهَا.
وَهُوَ مَا يَرْجِعُ إلَى حَظِّ الْعَبْدِ مِنْهَا حَسْبَمَا بَانَ لَك فِي هَذَا الْإِطْلَاقِ الْأَخِيرِ مِنْ الرُّخَصِ وَإِطْلَاقُ الْعَزِيمَةِ الْمُقَابِلُ لِلْإِطْلَاقِ الثَّالِثِ هُوَ التَّكَالِيفُ الْغَلِيظَةُ وَالْأَعْمَالُ الشَّاقَّةُ الَّتِي كَانَتْ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا وَوُضِعَتْ عَنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ رُخْصَةً فِي حَقِّهَا كَرَامَةً لِنَبِيِّهَا صلى الله عليه وسلم وَإِطْلَاقُهَا الْمُقَابِلُ لِلْإِطْلَاقِ الثَّانِي هُوَ مَا لَا يَكُونُ مِنْ الْأَحْكَامِ الْكُلِّيَّةِ الْمَشْرُوعَةِ ابْتِدَاءً مُسْتَثْنًى مِنْ أَصْلٍ كُلِّيٍّ يَقْتَضِي الْمَنْعَ فَلَا تَشْمَلُ عَلَى هَذَا مَا اسْتَنَدَ مِنْ الْأَحْكَامِ إلَى أَصْلِ الْحَاجِيَّاتِ وَلَا مَا اسْتَنَدَ مِنْهَا إلَى أَصْلِ التَّكْمِيلَاتِ كَمَا لَا تَشْمَلُ مَا كَانَ مِنْهَا مُسْتَنِدٌ إلَى أَصْلِ الضَّرُورِيَّاتِ وَإِطْلَاقُهَا الْمُقَابِلُ لِلْإِطْلَاقِ
فَلَا بُدَّ مِنْ الْفَرْقِ بَيْنَ هَذِهِ الْقَاعِدِ وَقَاعِدَةِ أَنَّ الْأَمْرَ الْأَوَّلَ لَا يَقْتَضِي الْقَضَاءَ فَإِنَّهُ الْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ الْعُلَمَاءِ، وَسِرُّ الْفَرْقِ بَيْنَ الْقَاعِدَتَيْنِ بَعْدَ اشْتِرَاكِهِمَا فِي أَنَّ الْأَمْرَ مُرَكَّبٌ فِيهِمَا أَنَّ تَخْصِيصَ صَاحِبِ الشَّرْعِ بَعْضَ الْأَوْقَاتِ بِأَفْعَالٍ مُعَيَّنَةٍ دُونَ بَقِيَّةِ الْأَوْقَاتِ يَقْتَضِي اخْتِصَاصَ ذَلِكَ الْوَقْتِ الْمُعَيَّنِ بِمَصْلَحَةٍ لَا تُوجَدُ فِي غَيْرِ ذَلِكَ الْوَقْتِ، وَلَوْلَا ذَلِكَ لَكَانَ الْفِعْلُ عَامًّا فِي جَمِيعِ الْأَوْقَاتِ، وَلَا بُدَّ لِمَا بَعْدَ الزَّوَالِ مِنْ مَعْنًى لَاحَظَهُ صَاحِبُ الشَّرْعِ لَمْ يَكُنْ مَوْجُودًا قَبْلَ الزَّوَالِ طَرْدًا لِقَاعِدَةِ صَاحِبِ الشَّرْعِ فِي رِعَايَةِ الْمَصَالِحِ، وَهَكَذَا كُلُّ أَمْرٍ تَعَبُّدِيٍّ مَعْنَاهُ أَنَّ فِيهِ مَعْنًى لَمْ نَعْلَمْهُ لَا أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ مَعْنًى، وَإِذَا كَانَتْ الْأَوْقَاتُ الْمُعَيَّنَةُ إنَّمَا خُصِّصَتْ بِالْعِبَادَةِ لِأَجْلِ مَصَالِحَ فِيهَا دُونَ غَيْرِهَا كَانَ مُقْتَضَى هَذَا الدَّلِيلِ أَنْ لَا يُشْرَعَ الْفِعْلُ فِي غَيْرِهَا لِعَدَمِ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
قَالَ: (فَلَا بُدَّ مِنْ الْفَرْقِ بَيْنَ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ وَقَاعِدَةِ إنَّ الْأَمْرَ الْأَوَّلَ لَا يَقْتَضِي الْقَضَاءَ فَإِنَّهُ الْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ الْعُلَمَاءِ) . قُلْت لَا يُحْتَاجُ إلَى الْفَرْقِ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْأُمُورِ فَإِنَّهُ شَيْءٌ لَا يَلْتَبِسُ عَلَى مُحَصِّلٍ، وَيَحِقُّ إنْ كَانَ الْمَشْهُورَ مِنْ مَذْهَبِ الْعُلَمَاءِ قَالَ (وَسِرُّ الْفَرْقِ بَيْنَ الْقَاعِدَتَيْنِ بَعْدَ اشْتِرَاكِهِمَا فِي أَنَّ الْأَمْرَ مُرَكَّبٌ فِيهِمَا أَنَّ تَخْصِيصَ صَاحِبِ الشَّرْعِ بَعْضَ الْأَوْقَاتِ بِأَفْعَالٍ مُعَيَّنَةٍ دُونَ بَقِيَّةِ الْأَوْقَاتِ يَقْتَضِي اخْتِصَاصَ ذَلِكَ الْوَقْتِ الْمُعَيَّنِ بِمَصْلَحَةٍ لَا تُوجَدُ فِي غَيْرِهِ، وَلَوْلَا ذَلِكَ لَكَانَ الْفِعْلُ عَامًّا فِي جَمِيعِ الْأَوْقَاتِ وَلَا بُدَّ لِمَا بَعْدَ الزَّوَالِ مِنْ مَعْنًى لَاحَظَهُ صَاحِبُ الشَّرْعِ لَمْ يَكُنْ مَوْجُودًا قَبْلَ الزَّوَالِ طَرْدًا لِقَاعِدَةِ صَاحِبِ الشَّرْعِ فِي رِعَايَةِ الْمَصَالِحِ، وَهَكَذَا كُلُّ أَمْرٍ تَعَبُّدِيٍّ مَعْنَاهُ أَنَّ فِيهِ مَعْنًى لَمْ نَعْلَمْهُ لَا أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ مَعْنًى) .
قُلْت: رِعَايَةُ الْمَصَالِحِ لَيْسَتْ وَاجِبَةً عَقْلًا فَيَجُوزُ عَقْلًا شَرْعُ أَمْرٍ مَا لِغَيْرِ مَصْلَحَةٍ فِيهِ إلَّا مَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مِنْ الثَّوَابِ فَإِنْ أَرَادَ بِالْمَصَالِحِ الْمَنَافِعَ عَلَى الْإِطْلَاقِ دُنْيَوِيَّةً كَانَتْ أَوْ أُخْرَوِيَّةً فَذَلِكَ صَحِيحٌ، وَإِنْ أَرَادَ بِهَا الْمَنَافِعَ الدُّنْيَوِيَّةَ خَاصَّةً فَذَلِكَ مِنْ مُجَوِّزَاتِ الْعَقْلِ لَا مِنْ مُوجِبَاتِهِ، وَقَدْ دَلَّتْ الدَّلَائِلُ الشَّرْعِيَّةُ الْقَطْعِيَّةُ عَلَى رِعَايَةِ مَصَالِحِ أُمُورٍ كَثِيرَةٍ مِنْ الْمَأْمُورَاتِ وَالْمَنْهِيَّاتِ فَأَمَّا رِعَايَتُهَا فِي جَمِيعِ الْمَأْمُورَاتِ وَالْمَنْهِيَّاتِ فَلَا أَعْلَمُ قَاطِعًا فِي ذَلِكَ، وَلَيْسَتْ رِعَايَةُ الشَّارِعِ الْمَصَالِحَ بِحُكْمٍ مِنْهُ شَرْعِيٍّ فَيَكْفِي فِيهِ الظَّنُّ بَلْ ذَلِكَ أَمْرٌ وُجُودِيٌّ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ الْقَطْعِ.
قَالَ: (وَإِذَا كَانَتْ الْأَوْقَاتُ الْمُعَيَّنَةُ إنَّمَا خُصِّصَتْ بِالْعِبَادَاتِ لِأَجْلِ مَصَالِحَ فِيهَا دُونَ غَيْرِهَا كَانَ مُقْتَضَى هَذَا الدَّلِيلِ أَنْ لَا يُشْرَعَ الْفِعْلُ فِي غَيْرِهَا لِعَدَمِ
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
الْأَوَّلِ هُوَ مَا شُرِعَ مِنْ الْأَحْكَامِ الْكُلِّيَّةِ ابْتِدَاءً وَمَعْنَى كَوْنِهَا كُلِّيَّةً أَنَّهَا لَا تَخْتَصُّ بِبَعْضِ الْمُكَلَّفِينَ دُونَ بَعْضٍ فَيَدْخُلُ تَحْتَهَا جَمِيعُ كُلِّيَّاتِ الشَّرِيعَةِ لَا فَرْقَ بَيْنَ مَا كَانَ مِنْهَا مِنْ الْعِبَادَاتِ كَالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَالزَّكَاةِ وَالْحَجِّ وَالْجِهَادِ فَإِنَّهَا مَشْرُوعَةٌ عَلَى الْإِطْلَاقِ وَالْعُمُومِ فِي كُلِّ شَخْصٍ وَفِي كُلِّ حَالٍ وَمَا كَانَ مِنْهَا مَشْرُوعًا لِلتَّوَصُّلِ إلَى إقَامَةِ مَصَالِحِ الدَّارَيْنِ مِنْ الْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ وَسَائِرِ عُقُودِ الْمُعَاوَضَاتِ مِنْ الْقِصَاصِ وَالضَّمَانِ وَسَائِرِ أَحْكَامِ الْجِنَايَاتِ وَمَعْنَى شَرْعِيَّتِهَا ابْتِدَاءً أَنْ يَكُونَ قَصْدُ الشَّارِعِ بِهَا إنْشَاءَ الْأَحْكَامِ التَّكْلِيفِيَّةِ عَلَى الْعِبَادَتَيْنِ مِنْ أَوَّلِ الْأَمْرِ فَلَا يَسْبِقُهَا حُكْمٌ شَرْعِيٌّ قَبْلَ ذَلِكَ وَلَوْ حُكْمًا كَالْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ الْأَخِيرِ النَّاسِخِ لِمَا قَبْلَهُ فَإِنَّهُ كَالْحُكْمِ الِابْتِدَائِيِّ تَمْهِيدًا لِلْمَصَالِحِ الْكُلِّيَّةِ الْعَامَّةِ وَكَذَلِكَ مَا كَانَ مِنْ الْكُلِّيَّاتِ وَارِدًا عَلَى سَبَبٍ فَإِنَّ الْأَسْبَابَ قَدْ تَكُونُ مَفْقُودَةً قَبْلَ ذَلِكَ فَإِذَا وُجِدَتْ اقْتَضَتْ أَحْكَامًا كَقَوْلِهِ تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقُولُوا رَاعِنَا} [البقرة: 104] وقَوْله تَعَالَى {وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ} [الأنعام: 108] وقَوْله تَعَالَى {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلا مِنْ رَبِّكُمْ} [البقرة: 198] وقَوْله تَعَالَى {عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ} [البقرة: 187] الْآيَةَ وقَوْله تَعَالَى {فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ} [البقرة: 203] .
وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا كَانَ تَمْهِيدًا لِأَحْكَامٍ وَرَدَتْ شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ بِحَسَبِ الْحَاجَةِ إلَى ذَلِكَ وَكَذَلِكَ الْمُسْتَثْنَيَاتُ مِنْ الْعُمُومَاتِ وَسَائِرِ الْمَخْصُوصَاتِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلا أَنْ يَخَافَا أَلا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ} [البقرة: 229] وقَوْله تَعَالَى {وَلا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ} [النساء: 19] وقَوْله تَعَالَى {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} [التوبة: 5]«وَنَهَى عليه السلام عَنْ قَتْلِ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ» فَهَذَا وَمَا أَشْبَهَهُ مِنْ الْعَزَائِمِ لِأَنَّهُ رَاجِعٌ إلَى أَحْكَامٍ كُلِّيَّةٍ ابْتِدَائِيَّةٍ وَهَذِهِ الْإِطْلَاقَاتُ الْأَرْبَعَةُ لِلرُّخْصَةِ وَمَا يُقَابِلُهَا لِلْعَزِيمَةِ مِنْهَا مَا هُوَ خَاصٌّ بِبَعْضِ النَّاسِ وَهُوَ الرَّابِعُ وَمِنْهَا مَا هُوَ عَامٌّ لِلنَّاسِ كُلِّهِمْ وَهُوَ مَا عَدَا الرَّابِعَ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ مِمَّا تَقَرَّرَ وَهَذَا وَاخْتُلِفَ فِي إزَالَةِ النَّجَاسَةِ فَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ إنَّهَا رُخْصَةٌ لَا عَزِيمَةٌ بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا حُكْمٌ مُسْتَثْنًى مِنْ أَصْلٍ كُلِّيٍّ يَقْتَضِي الْمَنْعَ مُطْلَقًا وَذَلِكَ الْأَصْلُ هُوَ أَنَّ الْقَاعِدَةَ مِنْ أَنَّ السَّبَبَ فِي تَنْجِيسِ الطَّاهِرِ مُلَاقَاتُهُ لِلنَّجَسِ إجْمَاعًا تَقْتَضِي أَنَّا إذَا صَبَبْنَا الْمَاءَ مِنْ الْإِبْرِيقِ مَثَلًا عَلَى النَّجَاسَةِ لِنُزِيلَهَا تَنَجَّسَ الْجُزْءُ الْوَاصِلُ إلَى النَّجَاسَةِ الْمُتَّصِلِ بِهَا لِمُلَاقَاتِهِ النَّجَاسَةَ فَيَتَنَجَّسُ الَّذِي يَلِيهِ لِمُلَاقَاتِهِ لَهُ.
وَهَكَذَا حَتَّى يَتَنَجَّسَ الْمَاءُ الَّذِي دَاخِلُ الْإِبْرِيقِ بَلْ يَنْجُسُ مَاءُ الْبَحْرِ الْمَالِحِ إذَا وَضَعْنَا النَّجَاسَةَ فِي طَرَفِهِ فَلَمَّا قَضَى الشَّرْعُ بِأَنَّ النَّجَاسَةَ تَزُولُ وَأَنَّ الْمَاءَ لَمْ يَفْسُدْ مُطْلَقًا عَلَى مَا تَقْتَضِيهِ هَذِهِ الْقَاعِدَةُ كَانَ ذَلِكَ رُخْصَةَ مِنْ صَاحِبِ الشَّرْعِ اسْتَثْنَاهَا مِنْ تِلْكَ الْقَاعِدَةِ وَالْحَقُّ أَنَّ مَا قَالُوهُ مِنْ أَنَّهَا مِنْ بَابِ الرُّخَصِ لَا حَقِيقَةَ لَهُ بَلْ هِيَ مِنْ بَابِ الْعَزَائِمِ عَلَى وَفْقِ الْقَوَاعِدِ لَا عَلَى خِلَافِهَا وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَقْضِ