الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مِنْ غَيْرِ هَذِهِ الْمِلَّةِ فَإِذَا تَكَرَّرَ ذَلِكَ مِنْهُ كَانَ كَصَائِمِ جَمِيعِ الْعُمُرِ مِنْ غَيْرِ هَذِهِ الْمِلَّةِ فَهَذَا تَشْبِيهٌ حَسَنٌ، وَمَا شَبَّهَ إلَّا الْمِثْلَ بِالْمِثْلِ لَا الْمُخَالِفَ بِالْمُخَالِفِ بَلْ الْمِثْلَ الْمُحَقَّقَ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ وَلَا نُقْصَانٍ فَانْدَفَعَ الْإِشْكَالُ.
وَعَنْ الْخَامِسِ أَنَّهُ لَوْ قَالَ صلى الله عليه وسلم فَكَأَنَّهُ صَامَ الدَّهْرَ لَكَانَ بَعِيدًا عَنْ الْمَقْصُودِ فَإِنَّ الْمَقْصُودَ تَشْبِيهُ الصِّيَامِ فِي هَذِهِ الْمِلَّةِ إذَا وَقَعَ عَلَى الْوَضْعِ الْمَخْصُوصِ بِالصِّيَامِ فِي غَيْرِ هَذِهِ الْمِلَّةِ لَا تَشْبِيهُ الصَّائِمِ بِغَيْرِهِ فَلَوْ قَالَ فَكَأَنَّهُ لَكَانَتْ أَدَاةُ التَّشْبِيهِ دَاخِلَةً عَلَى الصَّائِمِ وَكَانَ يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ هُوَ مَحَلَّ التَّشْبِيهِ لَا الصَّوْمُ.
وَالْمَقْصُودُ تَشْبِيهُ الْفِعْلِ بِالْفِعْلِ لَا الْفَاعِلِ بِالْفَاعِلِ، وَإِذَا قَالَ فَكَأَنَّمَا، وَكُفَّتْ " مَا " دَخَلَتْ أَدَاةُ التَّشْبِيهِ عَلَى الْفِعْلِ نَفْسِهِ وَوَقَعَ التَّشْبِيهُ بَيْنَ الْفِعْلِ وَالْفِعْلِ بِاعْتِبَارِ الْمِلَّتَيْنِ وَهُوَ الْمَقْصُودُ بِالتَّشْبِيهِ لِتَنْبِيهِ السَّامِعِ لِقَدْرِ الْفِعْلِ وَعَظَمَتِهِ فَتَتَوَفَّرُ رَغْبَتُهُ فِيهِ فَهَذَا هُوَ الْمُرَجِّحُ لِقَوْلِهِ " فَكَأَنَّمَا " عَلَى " فَكَأَنَّهُ ".
وَعَنْ السَّادِسِ أَنَّ الْمُرَادَ صَوْمُ الدَّهْرِ عَلَى حَالَةٍ مَخْصُوصَةٍ لَا الدَّهْرُ كَيْفَ كَانَ وَذَلِكَ أَنَّ صَوْمَ رَمَضَانَ وَاجِبٌ، وَصَوْمَ السِّتِّ مَنْدُوبٌ فَيَكُونُ نِسْبَةُ السِّتَّةِ الْمُقَدَّرَةِ فِي غَيْرِ هَذِهِ الْمِلَّةِ، خَمْسَةُ أَسْدَاسِهَا فَرْضٌ وَسُدُسُهَا وَهُوَ الشَّهْرَانِ النَّاشِئَانِ عَنْ السِّتَّةِ الْأَيَّامِ مَنْدُوبَةٌ وَيَكُونُ مَعْنَى الْكَلَامِ فَكَأَنَّمَا صَامَ الدَّهْرَ، خَمْسَةُ أَسْدَاسِهِ فَرْضٌ وَسُدُسُهُ نَفْلٌ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ صَوْمُ الدَّهْرِ كُلِّهِ فَرْضٌ وَلَا كُلِّهِ نَفْلٌ وَلَا الْبَعْضِ فَرْضٌ وَالْبَعْضِ نَفْلٌ عَلَى غَيْرِ النِّسْبَةِ الَّتِي ذَكَرْتهَا بَلْ يَتَعَيَّنُ مَا ذَكَرْته تَحْقِيقًا لِلتَّشْبِيهِ وَلِمَا دَلَّ عَلَيْهِ الدَّلِيلُ مِنْ فَرْضِيَّةِ رَمَضَانَ وَنَدْبِيَّةِ السِّتِّ فَلَوْ كَانَ الْجَمِيعُ مَنْدُوبًا لَقُلْنَا الْمُرَادُ بِالدَّهْرِ صَوْمُهُ مَنْدُوبًا وَلَوْ كَانَ الْجَمِيعُ فَرْضًا لَقُلْنَا الْمُرَادُ بِالدَّهْرِ جَمِيعُهُ فَرْضًا وَلَوْ قَالَ صلى الله عليه وسلم مَنْ صَامَ سِتَّةَ أَيَّامٍ بَعْدَ رَمَضَانَ فَكَأَنَّمَا صَامَ شَهْرَيْنِ لَقُلْنَا هُمَا شَهْرَانِ مَنْدُوبَانِ وَكَذَلِكَ نَقُولُ فِي قَوْله تَعَالَى {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا} [الأنعام: 160] أَيْ مَنْ جَاءَ بِالْمَنْدُوبَاتِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِ هَذَا الْمَنْدُوبِ أَنْ لَوْ فَعَلَهُ أَحَدٌ مِنْ غَيْرِ هَذِهِ الْمِلَّةِ وَمَنْ جَاءَ بِالْفَرْضِ مِنْ هَذِهِ الْمِلَّةِ فَلَهُ مَثُوبَاتٌ عَشْرٌ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهَا
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
وَالسِّتَّةِ أَيَّامٍ الْوَاقِعَةِ فِي قَوْله تَعَالَى {خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ} [الأعراف: 54] هِيَ كَوْنُ الْحِكْمَةِ فِيهَا فِي الْحَدِيثِ أَمْرَيْنِ أَحَدُهُمَا كَوْنُهَا شَهْرَيْنِ فَتَكْمُلُ السِّتَّةُ بِهَا مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ وَلَا نُقْصَانٍ بِخِلَافِ مَا فَوْقَهَا وَمَا تَحْتَهَا، وَثَانِيهِمَا كَوْنُهَا أَوَّلَ الْأَعْدَادِ التَّامَّةِ فَهُوَ لِتَمَامِهِ، وَلِأَنَّهُ أَوَّلُهَا عِنْدَهُمْ أَفْضَلُ الْأَعْدَادِ كَمَا أَنَّ الْإِنْسَانَ السَّوِيَّ الَّذِي لَا زِيَادَةَ فِي أَعْضَائِهِ وَلَا نَقْصَ أَفْضَلُ الْآدَمِيِّينَ خَلْقًا وَذَلِكَ أَنَّ بَعْضَ الْفُضَلَاءِ قَالَ:
الْأَعْدَادُ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ: عَدَدٌ تَامٌّ وَهُوَ الَّذِي إذَا جُمِعَتْ أَجْزَاؤُهُ الْمُنْطَقَةُ انْقَامَ مِنْهَا ذَلِكَ الْعَدَدُ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ وَلَا نُقْصَانٍ كَالسِّتَّةِ أَجْزَاؤُهَا: النِّصْفُ ثَلَاثَةٌ، وَالثُّلُثُ اثْنَانِ، وَالسُّدُسُ وَاحِدٌ وَلَا جُزْءَ لَهَا غَيْرُ هَذِهِ وَمَجْمُوعُهَا سِتٌّ.
وَعَدَدٌ نَاقِصٌ وَهُوَ الَّذِي إذَا جُمِعَتْ أَجْزَاؤُهُ الْمُنْطَقَةُ لَمْ يَحْصُلْ مِنْهَا ذَلِكَ الْعَدَدُ بَلْ أَنْقَصُ مِنْهُ كَالْأَرْبَعَةِ أَجْزَاؤُهَا: النِّصْفُ اثْنَانِ، وَالرُّبُعُ وَاحِدٌ وَلَا جُزْءَ لَهَا غَيْرُهُمَا وَمَجْمُوعُهُمَا ثَلَاثَةٌ أَقَلُّ مِنْ الْأَرْبَعَةِ.
وَعَدَدٌ زَائِدٌ وَهُوَ الَّذِي إذَا جُمِعَتْ أَجْزَاؤُهُ الْمُنْطَقَةُ حَصَلَ عَدَدٌ زَائِدٌ عَنْهُ كَالِاثْنَيْ عَشَرَ أَجْزَاؤُهَا: النِّصْفُ سِتَّةٌ، وَالثُّلُثُ أَرْبَعَةٌ، وَالسُّدُسُ اثْنَانِ، وَنِصْفُ السُّدُسِ وَاحِدٌ وَمَجْمُوعُهَا ثَلَاثَةَ عَشَرَ وَهُوَ زَائِدٌ عَلَى الِاثْنَيْ عَشَرَ بِوَاحِدٍ، وَالتَّامُّ عِنْدَهُمْ أَفْضَلُ الْأَعْدَادِ كَمَا أَنَّ الْإِنْسَانَ السَّوِيَّ أَفْضَلُ الْآدَمِيِّينَ خَلْقًا، وَالنَّاقِصُ مَعِيبٌ لِأَنَّهُ كَآدَمِيٍّ خُلِقَ بِغَيْرِ يَدٍ، أَوْ عُضْوٍ مِنْ أَعْضَائِهِ، وَالزَّائِدُ مَعِيبٌ لِأَنَّهُ كَآدَمِيٍّ خُلِقَ بِأُصْبُعٍ زَائِدَةٍ وَلَيْسَ لِلسِّتَّةِ فِي الْآيَةِ إلَّا الْأَمْرُ الثَّانِي وَهُوَ أَنَّهَا أَوَّلُ الْأَعْدَادِ التَّامَّةِ.
وَأَمَّا كَوْنُ الْمَقْصُودِ بِذِكْرِهَا التَّنْبِيهَ لِلْعِبَادِ عَلَى أَنَّ الْإِنْسَانَ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى التَّعْجِيلِ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ فِيهِ أَنَاةٌ فَمَا دَخَلَ الرِّفْقُ فِي شَيْءٍ إلَّا زَانَهُ وَلَا فُقِدَ مِنْ شَيْءٍ إلَّا شَانَهُ «قَالَ عليه الصلاة والسلام لِأَشَجِّ عَبْدِ الْقَيْسِ إنَّ فِيكَ لَخَصْلَتَيْنِ يُحِبُّهُمَا اللَّهُ الْحِلْمُ وَالْأَنَاةُ» فَهَذَا الْمَعْنَى يَحْصُلُ بِذِكْرِ الْعَدَدِ كَيْفَ كَانَ اهـ قَالَ ابْنُ الشَّاطِّ وَهُوَ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ اهـ وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.
[الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْعُرُوضِ تُحْمَلُ عَلَى الْقِنْيَةِ حَتَّى يَنْوِيَ التِّجَارَةَ وَقَاعِدَةِ مَا كَانَ أَصْلُهُ مِنْهَا لِلتِّجَارَةِ]
(الْفَرْقُ السَّادِسُ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ " الْعُرُوض تُحْمَلُ عَلَى الْقِنْيَةِ حَتَّى يَنْوِيَ التِّجَارَةَ " وَقَاعِدَةِ " مَا كَانَ أَصْلُهُ مِنْهَا لِلتِّجَارَةِ ") يَتَخَرَّجُ الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَتَيْ عُرُوضِ الْقِنْيَةِ وَعُرُوضِ التِّجَارَةِ عَلَى الْقَاعِدَةِ الشَّرْعِيَّةِ الْعَامَّةِ فِي هَذَا الْمَوْطِنِ وَغَيْرِهِ وَهِيَ أَنَّ كُلَّ مَا لَهُ ظَاهِرٌ فَهُوَ يَنْصَرِفُ إلَى ظَاهِرِهِ إلَّا عِنْدَ قِيَامِ الْمُعَارِضِ الرَّاجِحِ لِذَلِكَ الظَّاهِرِ وَكُلُّ مَا لَيْسَ لَهُ ظَاهِرٌ لَا يَتَرَجَّحُ أَحَدُ مُحْتَمَلَاتِهِ إلَّا بِمُرَجِّحٍ شَرْعِيٍّ وَذَلِكَ أَنَّ الْعُرُوضَ لَمَّا كَانَ الْأَصْلُ فِيهَا وَالْغَالِبُ أَنْ تَكُونَ لِلْقِنْيَةِ كَانَتْ ظَاهِرَةً فِي الْقِنْيَةِ فَتُصْرَفُ إلَيْهِ إذَا لَمْ يَقُمْ مُعَارِضٌ رَاجِحٌ لِذَلِكَ الظَّاهِرِ كَمَا إذَا اشْتَرَى عُرُوضًا كَعَبْدٍ، أَوْ دَارٍ وَلَا نِيَّةَ لَهُ فَهِيَ لِلْقِنْيَةِ إذْ لَا مُعَارِضَ، وَتُصْرَفُ إلَى مُعَارِضِهِ الرَّاجِحِ عِنْدَ قِيَامِهِ فَفِي الْمُدَوَّنَةِ إذَا ابْتَاعَ عَبْدًا لِلتِّجَارَةِ فَكَاتَبَهُ فَعَجَزَ أَوْ ارْتَجَعَ مِنْ مُفْلِسٍ سِلْعَةً، أَوْ أَخَذَ مِنْ غَرِيمِهِ عَبْدًا فِي دَيْنِهِ
مَثُوبَةُ هَذَا الْفَرْضِ أَنْ لَوْ فَعَلَهُ أَحَدٌ مِنْ غَيْرِ هَذِهِ الْمِلَّةِ وَكَذَلِكَ نَقُولُ فِي جَمِيعِ رُتَبِ الْوَاجِبَاتِ وَالْمَنْدُوبَاتِ، وَإِنْ عَلَتْ فَظَهَرَ أَنَّ التَّشْبِيهَ إنَّمَا وَقَعَ عَلَى وَجْهٍ خَاصٍّ.
وَعَنْ السَّابِعِ أَنَّ السِّتَّ فِي هَذَا الْحَدِيثِ قَدْ تَقَدَّمَتْ حِكْمَتُهَا وَهِيَ كَوْنُهَا شَهْرَيْنِ فَتَكْمُلُ السَّنَةُ بِهَا مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ وَلَا نُقْصَانٍ وَأَنَّ هَذَا الْحُكْمَ لَا يَحْصُلُ بِمَا فَوْقَهَا مِنْ الْعَدَدِ وَلَا بِمَا دُونَهَا مِنْ الْعَدَدِ.
وَأَمَّا السِّتَّةُ فِي الْآيَةِ فَقَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ: الْأَعْدَادُ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ عَدَدٌ تَامٌّ وَعَدَدٌ زَائِدٌ وَعَدَدٌ نَاقِصٌ فَالْعَدَدُ التَّامُّ هُوَ الَّذِي إذَا جُمِعَتْ أَجْزَاؤُهُ انْقَامَ مِنْهَا ذَلِكَ الْعَدَدُ كَالسِّتَّةِ فَإِنَّ أَجْزَاءَهَا النِّصْفُ وَهُوَ ثَلَاثَةٌ وَالثُّلُثُ اثْنَانِ وَالسُّدُسُ وَاحِدٌ فَلَا جُزْءَ لَهَا غَيْرُ هَذِهِ وَمَجْمُوعُهَا سِتٌّ وَهُوَ أَصْلُ الْعَدَدِ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ وَلَا نُقْصَانٍ، وَالْأَرْبَعَةُ لَهَا نِصْفٌ وَرُبُعٌ خَاصَّةً وَمَجْمُوعُهَا ثَلَاثَةٌ فَلَمْ يَحْصُلْ ذَلِكَ الْعَدَدُ فَالْأَرْبَعَةُ عَدَدٌ نَاقِصٌ وَالْعَشَرَةُ لَهَا نِصْفٌ وَهُوَ خَمْسَةٌ وَخُمُسٌ وَهُوَ اثْنَانِ وَعُشْرٌ وَهُوَ وَاحِدٌ، وَمَجْمُوعُهَا ثَمَانِيَةٌ فَهُوَ عَدَدٌ نَاقِصٌ وَالِاثْنَا عَشَرَ لَهَا نِصْفٌ وَهُوَ سِتَّةٌ وَثُلُثٌ وَهُوَ أَرْبَعَةٌ وَسُدُسٌ وَهُوَ اثْنَانِ وَنِصْفُ سُدُسٍ وَهُوَ وَاحِدٌ وَمَجْمُوعُهَا ثَلَاثَةَ عَشَرَ فَهُوَ عَدَدٌ زَائِدٌ، وَالْمَقْصُودُ مِنْ الْأَجْزَاءِ أَنْ تَكُونَ بِغَيْرِ كَسْرٍ فِي هَذِهِ الطَّرِيقَةِ فَالْعَدَدُ النَّاقِصُ عِنْدَهُمْ كَآدَمِيٍّ خُلِقَ بِغَيْرِ يَدٍ، أَوْ عُضْوٍ مِنْ أَعْضَائِهِ فَهُوَ مَعِيبٌ، وَالْعَدَدُ الزَّائِدُ أَيْضًا مَعِيبٌ؛ لِأَنَّهُ كَإِنْسَانٍ خُلِقَ بِإِصْبَعٍ زَائِدَةٍ، وَالْعَدَدُ التَّامُّ كَإِنْسَانٍ خُلِقَ خَلْقًا سَوِيًّا مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ وَلَا نَقْصٍ وَهُوَ عِنْدَهُمْ أَفْضَلُ الْأَعْدَادِ كَمَا أَنَّ الْإِنْسَانَ السَّوِيَّ أَفْضَلُ الْآدَمِيِّينَ خَلْقًا، وَإِذَا تَقَرَّرَ أَنَّ السِّتَّةَ عَدَدٌ تَامٌّ مَحْمُودٌ فَهُوَ أَوَّلُ الْأَعْدَادِ التَّامَّةِ فَلِذَلِكَ ذُكِرَ لِتَمَامِهِ وَلِأَنَّهُ أَوَّلُهَا وَذَكَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي قَوْلِهِ {خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ} [الأعراف: 54] وَكَانَ الْمَقْصُودُ تَنْبِيهَ الْعِبَادِ عَلَى أَنَّ الْإِنْسَانَ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى التَّعْجِيلِ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ فِيهِ أَنَاةٌ فَمَا دَخَلَ الرِّفْقُ فِي شَيْءٍ إلَّا زَانَهُ وَلَا فُقِدَ مِنْ شَيْءٍ إلَّا شَانَهُ «قَالَ عليه الصلاة والسلام لِأَشَجِّ عَبْد الْقِيس إنَّ فِيكَ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
أَوْ دَارًا فَأَجَرَهَا سِنِينَ رَجَعَ جَمِيعُ ذَلِكَ لِحُكْمِ أَصْلِهِ مِنْ التِّجَارَةِ فَإِنَّ مَا كَانَ لِلتِّجَارَةِ لَا يَبْطُلُ إلَّا بِنِيَّةِ الْقِنْيَةِ فَالْعَبْدُ الْمَأْخُوذُ وَنَحْوُهُ يُنَزَّلُ مَنْزِلَةَ أَصْلِهِ قَالَ سَنَدٌ فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ فَلَوْ ابْتَاعَ الدَّارَ بِقَصْدِ الْغَلَّةِ فَفِي اسْتِئْنَافِ الْحَوْلِ بَعْدَ الْبَيْعِ رِوَايَتَانِ لِمَالِكٍ وَلَوْ ابْتَاعَهَا لِلتِّجَارَةِ وَالسُّكْنَى فَلِمَالِكٍ أَيْضًا قَوْلَانِ أَيْ بِالِاسْتِئْنَافِ لِلْحَوْلِ بَعْدَ الْبَيْعِ مُرَاعَاةً لِقَصْدِ التَّنْمِيَةِ بِالْغَلَّةِ وَالتِّجَارَةِ، وَعَدَمِ الِاسْتِئْنَافِ لَهُ بَعْدَهُ تَغْلِيبًا لِلنِّيَّةِ فِي الْقِنْيَةِ عَلَى نِيَّةِ التَّنْمِيَةِ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ فِي الْعُرُوضِ، وَفِي شَرْحِ الْمُنْتَقَى لِلْبَاجِيِّ عَلَى الْمُوَطَّإِ: وَالْأَمْوَالُ عَلَى ضَرْبَيْنِ؛ أَحَدُهُمَا مَالٌ أَصْلُهُ التِّجَارَةُ كَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ فَهَذَا عَلَى حُكْمِ التِّجَارَةِ حَتَّى يَنْتَقِلَ عَنْهُ إلَى الْقِنْيَةِ، وَلَا يَنْتَقِلُ عَنْهُ إلَيْهَا إلَّا بِالنِّيَّةِ وَالْعَمَلِ وَالْعَمَلُ الْمُؤَثِّرُ فِي ذَلِكَ الصِّيَاغَةُ.
وَثَانِيهِمَا مَالٌ أَصْلُهُ الْقِنْيَةُ كَالْعُرُوضِ وَالثِّيَابِ وَسَائِرِ الْحَيَوَانِ وَالْأَطْعِمَةِ فَهَذَا عَلَى حُكْمِ الْقِنْيَةِ حَتَّى يَنْتَقِلَ عَنْهُ إلَى التِّجَارَةِ، وَلَا يَنْتَقِلُ عَنْهُ إلَيْهَا إلَّا بِالنِّيَّةِ وَالْعَمَلِ، وَالْعَمَلُ الْمُؤَثِّرُ فِي ذَلِكَ الِابْتِيَاعُ اهـ بِتَصَرُّفٍ، ثُمَّ قَالَ مَا مَعْنَاهُ وَالِابْتِيَاعُ نَوْعَانِ:
أَحَدُهُمَا التَّقْلِيبُ عَلَى وَجْهِ الِادِّخَارِ وَانْتِظَارِ الْأَسْوَاقِ فَهَذَا لَا زَكَاةَ عَلَى رَبِّ الْمَالِ فِيهِ، وَإِنْ أَقَامَ أَعْوَامًا حَتَّى يَبِيعَ فَيُزَكِّيَ لِعَامٍ وَاحِدٍ.
الثَّانِي التَّقْلِيبُ فِي كُلِّ وَقْتٍ مِنْ غَيْرِ انْتِظَارِ سُوقٍ كَفِعْلِ أَرْبَابِ الْحَوَانِيتِ الْمُدِيرِينَ فَهَذَا فِيهِ الزَّكَاةُ عَلَى رَبِّ الْمَالِ فِي كُلِّ عَامٍ عَلَى شُرُوطٍ: أَحَدُهَا أَنْ يُقَوِّمَ الْعَرَضَ فِي رَأْسِ الْحَوْلِ مِنْ يَوْمِ كَانَ زَكَّى الْمَالَ قَبْلَ أَنْ يُدِيرَهُ، أَوْ مِنْ يَوْمِ أَفَادَهُ.
وَالثَّانِي أَنْ يَكُونَ التَّقْوِيمُ قِيمَةَ عَدْلٍ بِمَا تُسَاوِي الْعَرَضَ حِينَ تَقْوِيمِهَا.
وَالثَّالِثُ أَنْ يَكُونَ عَلَى الْبَيْعِ الْمَعْرُوفِ دُونَ بَيْعِ الضَّرُورَةِ.
وَالرَّابِعُ أَنْ تَبْلُغَ قِيمَتُهُ مَعَ مَا يَحْسُبُهُ مِنْ عَيْنِهِ وَنَقْدِهِ حَيْثُ كَانَ بَيْعُهُ فِي أَكْثَرِ مِنْ عَامِهِ بِالْعَيْنِ مِمَّا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ فَيُزَكِّيَهُ بِأَنْ يُخْرِجَ فِي الْعِشْرِينَ دِينَارًا نِصْفَ دِينَارٍ وَمَا زَادَ فَبِحِسَابِهِ، وَإِنْ لَمْ يَبْلُغْ الْجَمِيعُ عِشْرِينَ دِينَارًا بِأَنْ نَقَصَ وَلَوْ قَلَّ مِنْ ثُلُثِ دِينَارٍ فَلَا زَكَاةَ اهـ. وَفِي عبق مَعَ الْمَتْنِ مَا خُلَاصَتُهُ: وَإِنَّمَا يُزَكِّي عِوَضَ عَرَضٍ أَيْ قِيمَتَهُ فِي الْمُدِيرِ حَيْثُ قُوِّمَ وَثَمَنُهُ حَيْثُ بَاعَ كَالْمُحْتَكِرِ بِسِتَّةِ شُرُوطٍ أَشَارَ.
لِأَوَّلِهَا بِقَوْلِهِ: لَا زَكَاةَ فِي عَيْنِهِ فَخَرَجَ مَا فِي عَيْنِهِ زَكَاةٌ كَمَاشِيَةٍ وَحَرْثٍ وَحُلِيٍّ.
وَلِثَانِيهَا بِقَوْلِهِ: مُلِّكَ بِمُعَاوَضَةٍ عَلَيْهِ مَالِيَّةٍ فَخَرَجَ نَحْوُ الْمَوْهُوبِ وَنَحْوُ الْمَمْلُوكِ بِخُلْعٍ.
وَلِثَالِثِهَا بِقَوْلِهِ: وَكَانَ مَصْحُوبًا بِنِيَّةِ تَجْرٍ مُنْفَرِدَةٍ، أَوْ مَعَ نِيَّةِ غَلَّةٍ كَنِيَّةِ كِرَائِهِ عِنْدَ شِرَائِهِ، وَإِنْ وَجَدَ رِبْحًا بَاعَ، أَوْ مَعَ نِيَّةِ قِنْيَةٍ كَنِيَّةِ انْتِفَاعٍ بِوَطْءٍ، أَوْ خِدْمَةٍ عِنْدَ نِيَّةِ بَيْعِهِ إنْ وَجَدَ رِبْحًا وَأَوْ لِمَنْعِ الْخُلُوِّ لِأَنَّ انْضِمَامَهُمَا لِنِيَّةِ التَّجْرِ كَانْضِمَامِ أَحَدِهِمَا لَهُ عَلَى الْمُخْتَارِ وَالْمُرَجَّحُ بِلَا نِيَّةٍ فَلَا زَكَاةَ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْعَرَضِ الْقِنْيَةُ، أَوْ مَعَ نِيَّةِ قِنْيَةٍ فَقَطْ فَلَا زَكَاةَ اتِّفَاقًا، أَوْ نِيَّةِ غَلَّةٍ فَقَطْ كَشِرَائِهِ بِنِيَّةِ كِرَائِهِ فَلَا زَكَاةَ كَمَا رَجَعَ إلَيْهِ مَالِكٌ خِلَافًا لِاخْتِيَارِ اللَّخْمِيِّ الزَّكَاةَ فِيهِ - قَائِلًا - لَا فَرْقَ بَيْنَ الْتِمَاسِ الرِّبْحِ مِنْ رِقَابٍ، أَوْ مَنَافِعَ، أَوْ نِيَّتِهِمَا - أَيْ الْقِنْيَةِ وَالْغَلَّةِ - فَلَا زَكَاةَ عَلَى مَذْهَبِ مَنْ أَسْقَطَ الزَّكَاةَ مِنْ الْمُغْتَلِّ أَمَّا عِنْدَ مَنْ يُوجِبُهَا فِي الْمُغْتَلِّ فَيَجْتَمِعُ هَهُنَا مُوجِبٌ وَمُسْقِطٌ فَقَدْ يَخْتَلِفُ قَوْلُهُ إلَّا أَنْ يُرَاعَى الْخِلَافُ.
وَلِرَابِعِهَا بِقَوْلِهِ: وَكَانَ أَصْلُهُ عَيْنًا، وَإِنْ قَلَّ، أَوْ كَهُوَ أَيْ كَأَصْلِهِ عَرَضًا مُلِّكَ بِمُعَاوَضَةٍ، سَوَاءٌ كَانَ عَرَضَ تِجَارَةٍ أَوْ قِنْيَةٍ فَإِذَا كَانَ عِنْدَهُ عَرَضُ تَجْرٍ فَبَاعَهُ بِعَرَضٍ
لِخَصْلَتَيْنِ يُحِبُّهُمَا اللَّهُ الْحِلْمُ وَالْأَنَاةُ» وَهَذَا الْمَعْنَى يَحْصُلُ بِذِكْرِ الْعَدَدِ كَيْفَ كَانَ لَكِنْ يُرَجَّحُ هَذَا بِأَنَّهُ أَوَّلُ عَدَدٍ يَكُونُ تَامًّا وَوَقَعَ فِي الْحَدِيثِ لِغَيْرِ هَذَا الْغَرَضِ كَمَا تَقَدَّمَ فَالْبَابَانِ مُخْتَلِفَانِ.
(الْفَرْقُ السَّادِسُ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْعُرُوضِ تُحْمَلُ عَلَى الْقِنْيَةِ حَتَّى يَنْوِيَ التِّجَارَةَ وَقَاعِدَةِ مَا كَانَ أَصْلُهُ مِنْهَا لِلتِّجَارَةِ)
هَاتَانِ قَاعِدَتَانِ فِي الْمَذْهَبِ مُخْتَلِفَتَانِ يَنْبَغِي بَيَانُ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا وَالسِّرِّ فِيهِمَا فَوَقَعَ لِمَالِكٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ إذَا ابْتَاعَ عَبْدًا لِلتِّجَارَةِ فَكَاتَبَهُ فَعَجَزَ، أَوْ ارْتَجَعَ مِنْ مُفْلِسٍ سِلْعَةً، أَوْ أَخَذَ مِنْ غَرِيمِهِ عَبْدًا فِي دَيْنِهِ، أَوْ دَارًا فَأَجَّرَهَا سِنِينَ رَجَعَ جَمِيعُ ذَلِكَ لِحُكْمِ أَصْلِهِ مِنْ التِّجَارَةِ فَإِنْ كَانَ لِلتِّجَارَةِ لَا يَبْطُلُ إلَّا بِنِيَّةِ الْقِنْيَةِ، وَالْعَبْدُ الْمَأْخُوذُ يُنَزَّلُ مَنْزِلَةَ أَصْلِهِ قَالَ سَنَدٌ فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ فَلَوْ ابْتَاعَ الدَّارَ بِقَصْدِ الْغَلَّةِ فَفِي اسْتِئْنَافِ الْحَوْلِ بَعْدَ الْبَيْعِ لِمَالِكٍ رِوَايَتَانِ وَلَوْ ابْتَاعَهَا لِلتِّجَارَةِ وَالسُّكْنَى فَلِمَالِكٍ أَيْضًا قَوْلَانِ مُرَاعَاةً لِقَصْدِ التَّنْمِيَةِ بِالْغَلَّةِ وَالتِّجَارَةِ، أَوْ التَّغْلِيبِ لِلنِّيَّةِ فِي الْقِنْيَةِ عَلَى نِيَّةِ التَّنْمِيَةِ؛ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ فِي الْعُرُوضِ فَإِنْ اشْتَرَى وَلَا نِيَّةَ لَهُ فَهِيَ لِلْقِنْيَةِ؛ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ فِيهَا وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَاتَيْنِ الْقَاعِدَتَيْنِ يَقَعُ بِبَيَانِ قَاعِدَةٍ ثَالِثَةٍ شَرْعِيَّةٍ عَامَّةٍ فِي هَذَا الْمَوْطِنِ وَغَيْرِهِ وَهِيَ أَنَّ كُلَّ مَا لَهُ ظَاهِرٌ فَهُوَ يَنْصَرِفُ إلَى ظَاهِرِهِ إلَّا عِنْدَ قِيَامِ الْمُعَارِضِ أَوْ الرَّاجِحِ لِذَلِكَ الظَّاهِرِ وَكُلُّ مَا لَيْسَ لَهُ ظَاهِرٌ لَا يَتَرَجَّحُ أَحَدُ مُحْتَمَلَاتِهِ إلَّا بِمُرَجِّحٍ شَرْعِيٍّ وَلِذَلِكَ انْصَرَفَتْ الْعُقُودُ الْمُطْلَقَةُ إلَى النُّقُودِ الْغَالِبَةِ فِي زَمَانِ ذَلِكَ الْعَقْدِ؛ لِأَنَّهَا ظَاهِرَةٌ فِيهَا، وَإِذَا وَكَّلَ إنْسَانٌ إنْسَانًا فَتَصَرَّفَ الْوَكِيلُ بِغَيْرِ نِيَّةٍ فِي تَخْصِيصِ ذَلِكَ التَّصَرُّفِ بِالْمُوَكِّلِ فَإِنَّ ذَلِكَ التَّصَرُّفَ مِنْ بَيْعٍ وَغَيْرِهِ يَنْصَرِفُ لِلْمُتَصَرِّفِ الْوَكِيلِ دُونَ مُوَكِّلِهِ؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ عَلَى تَصَرُّفَاتِهِ أَنَّهَا لِنَفْسِهِ وَكَذَلِكَ تَصَرُّفَاتُ الْمُسْلِمِينَ إذَا أُطْلِقَتْ وَلَمْ تُقَيَّدْ بِمَا يَقْتَضِي حِلَّهَا وَلَا تَحْرِيمَهَا فَإِنَّهَا تَنْصَرِفُ لِلتَّصَرُّفَاتِ الْمُبَاحَةِ دُونَ الْمُحَرَّمَةِ؛ لِأَنَّهُ ظَاهِرُ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
نَوَى بِهِ التِّجَارَةَ، ثُمَّ بَاعَهُ فَإِنَّهُ يُزَكِّي ثَمَنَهُ لِحَوْلِ أَصْلِهِ اتِّفَاقًا، أَوْ كَانَ عِنْدَهُ عَرَضُ قِنْيَةٍ مُلِّكَ بِمُعَاوَضَةٍ فَبَاعَهُ بِعَرَضٍ نَوَى بِهِ التِّجَارَةَ ثُمَّ بَاعَهُ فَإِنَّهُ يُزَكِّي ثَمَنَهُ لِحَوْلِ أَصْلِهِ عَلَى الْمَشْهُورِ لِإِعْطَاءِ الثَّمَنَ حُكْمَ أَصْلِهِ الثَّانِي لَا أَصْلِهِ الْأَوَّلِ.
وَأَمَّا إذَا كَانَ عِنْدَهُ عَرَضُ قِنْيَةٍ مُفَادٌ فَبَاعَهُ بِعَرَضٍ نَوَى بِهِ التِّجَارَةَ، ثُمَّ بَاعَهُ فَفِي ذَلِكَ طَرِيقَتَانِ الْأُولَى طَرِيقَةُ اللَّخْمِيِّ فِي زَكَاتِهِ وَعَدَمِهَا قَوْلَانِ، وَالثَّانِيَةُ طَرِيقَةُ ابْنِ الْحَارِثِ إنْ كَانَ أَصْلُ عَرَضِ الْقِنْيَةِ مِنْ شِرَاءٍ فَالْقَوْلَانِ لِابْنِ الْقَاسِمِ مَعَ أَحَدِ قَوْلَيْ أَشْهَبَ، وَقَوْلُهُ الْآخَرُ: وَإِنْ كَانَ بِإِرْثٍ فَقِنْيَةٌ اتِّفَاقًا كَمَا فِي الْحَطَّابِ عَنْ ابْنِ عَرَفَةَ.
وَلِخَامِسِهَا بِقَوْلِهِ: وَبِيعَ بِعَيْنٍ لَكِنْ لَا بُدَّ فِي الْمُحْتَكِرِ أَنْ يَكُونَ مَا بَاعَ بِهِ مِنْ الْعَيْنِ نِصَابًا وَلَوْ فِي مَرَّاتٍ وَبَعْدَ كَمَالِ النِّصَابِ يُزَكِّي مَا بِيعَ بِهِ وَلَوْ قَلَّ وَالْمُدِيرُ لَا يُقَوَّمُ إلَّا إنْ نَضَّ لَهُ شَيْءٌ مَا وَلَوْ أَقَلَّ مِنْ دِرْهَمٍ، وَيُخْرِجُ عَمَّا قَوَّمَهُ مِنْ الْعَرَضِ ثَمَنًا عَلَى الْمَشْهُورِ لَا عَرَضًا بِقِيمَتِهِ، سَوَاءٌ نَضَّ لَهُ أَوَّلَ الْحَوْلِ، أَوْ وَسَطَهُ أَوْ آخِرَهُ بَقِيَ مَا نَضَّ، أَوْ ذَهَبَ، وَإِذَا لَمْ يَنِضَّ لَهُ شَيْءٌ آخِرَ الْحَوْلِ لَمْ يُزَكِّ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ الْمُعَاوَضَةُ اخْتِيَارِيَّةً، أَوْ جَبْرِيَّةً كَأَنْ يَسْتَهْلِكَ شَخْصٌ لِآخَرَ سِلْعَةً فَيَأْخُذَ فِي قِيمَتِهَا عَرَضًا يَنْوِي بِهِ التِّجَارَةَ وَلَا بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْبَيْعُ اخْتِيَارِيًّا، أَوْ اضْطِرَارًا كَمَنْ اسْتَهْلَكَ عَرَضَ تِجَارَةٍ وَأَخَذَ مِنْهُ قِيمَتَهُ.
وَلِسَادِسِ الشُّرُوطِ بِقَوْلِهِ: وَإِنْ رَصَدَ بِهِ الْأَسْوَاقَ أَيْ انْتَظَرَ بِهِ رِبْحًا خَاصًّا فَكَالدَّيْنِ أَيْ زَكَاةً وَحَوْلًا وَقَبْضًا وَاقْتِضَاءً وَضَمًّا وَاخْتِلَاطًا وَتَلَفًا وَاتِّفَاقًا وَفِرَارًا وَبَقَاءً اُنْظُرْ الْحَطَّابَ، وَإِلَّا زَكَّى عَنْهُ وَلَوْ حُلِيًّا وَيُزَكِّي وَزْنَهُ تَحْقِيقًا، أَوْ تَحَرِّيًا كَمَا إذَا كَانَ عَرَضَ تِجَارَةٍ مُرَصَّعًا بِذَهَبٍ، أَوْ فِضَّةٍ، وَدَيْنُهُ أَيْ عَدَدُهُ النَّقْدُ الْحَالُّ الْمَرْجُوُّ الْمُعَدُّ لِلنَّمَاءِ، وَإِلَّا يَكُنْ كَذَلِكَ بِأَنْ كَانَ عَرَضًا أَوْ مُؤَجَّلًا مَرْجُوَّيْنِ قَوَّمَهُ وَلَوْ طَعَامَ سَلَمٍ كَسِلْعَةٍ - أَيْ الْمُدِيرِ - وَلَوْ بِإِرْثٍ لَا إنْ لَمْ يَرْجُهُ، أَوْ كَانَ قَرْضًا اهـ.
الْمُرَادُ بِإِصْلَاحٍ مِنْ بْن وَبِالْجُمْلَةِ فَمَسْأَلَةُ الْعُرُوضِ وَكَذَا مَسْأَلَةُ النَّقْدَيْنِ مِنْ مَسَائِلِ مَا لَهُ ظَاهِرٌ يَنْصَرِفُ إلَيْهِ عِنْدَ عَدَمِ قِيَامِ مُعَارِضٍ رَاجِحٍ لَهُ وَمِنْهَا الْعُقُودُ الْمُطْلَقَةُ تُصْرَفُ إلَى مَا هُوَ الظَّاهِرُ فِيهَا مِنْ الْعُقُودِ الْغَالِبَةِ فِي زَمَانِ ذَلِكَ الْعَقْدِ فَإِذَا وَكَّلَ إنْسَانٌ إنْسَانًا فَتَصَرَّفَ الْوَكِيلُ بِغَيْرِ نِيَّةٍ فِي تَخْصِيصِ ذَلِكَ التَّصَرُّفِ مِنْ بَيْعٍ، أَوْ غَيْرِهِ بِالْوَكِيلِ فَإِنَّ تَصَرُّفَهُ يَنْصَرِفُ لِنَفْسِهِ دُونَ مُوَكِّلِهِ إذْ غَالِبُ تَصَرُّفَاتِهِ أَنْ يَكُونَ لِنَفْسِهِ، وَإِذَا أُطْلِقَتْ تَصَرُّفَاتُ الْمُسْلِمِينَ وَلَمْ تُقَيَّدْ بِمَا يَقْتَضِي حِلَّهَا وَلَا تَحْرِيمَهَا انْصَرَفَتْ لِلتَّصَرُّفَاتِ الْمُبَاحَةِ دُونَ الْمُحَرَّمَةِ لِأَنَّ الْحِلَّ ظَاهِرُ حَالِ الْمُسْلِمِينَ، وَإِذَا أُطْلِقَ الْعَقْدُ عَلَى الْعَيْنِ وَلَمْ يُصَرَّحْ فِيهِ بِمَنْفَعَةٍ خَاصَّةٍ انْصَرَفَ إلَى الْمَنْفَعَةِ الْمَقْصُودَةِ عُرْفًا مِنْهُ فَمَنْ اسْتَأْجَرَ قَادَ وَمَا انْصَرَفَ إلَى النَّجْرِ دُونَ الْعِزَاقِ وَعَجْنِ الطِّينِ وَمَنْ اسْتَأْجَرَ عِمَامَةً انْصَرَفَ إلَى اسْتِعْمَالِهِ فِي الرُّءُوسِ دُونَ الْأَوْسَاطِ، أَوْ قَمِيصًا انْصَرَفَ إلَى اللُّبْسِ وَكَذَا كُلُّ عَقْدٍ عَلَى أَيِّ آلَةٍ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ يَنْصَرِفُ إلَى مَا هُوَ الظَّاهِرُ مِنْ حَالِهَا وَلَا يَحْتَاجُ الْمُتَعَاقِدَانِ إلَى التَّصْرِيحِ بِذَلِكَ بَلْ يَكْفِي ظَاهِرُ الْحَالِ وَمَنْ اسْتَأْجَرَ دَابَّةً فَإِنْ كَانَتْ مِنْ دَوَابِّ الْحَمْلِ انْصَرَفَ عَقْدُ الْإِجَارَةِ فِيهَا لِلْحَمْلِ دُونَ الرُّكُوبِ، أَوْ مِنْ دَوَابِّ الرُّكُوبِ انْصَرَفَ لِرُكُوبٍ دُونَ الْحَمْلِ فَيُكْتَفَى فِي جَمِيعِ ذَلِكَ بِظَاهِرِ حَالِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ وَمِنْهَا صَرِيحُ بَابِ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَالظِّهَارِ وَغَيْرِ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يُسْتَغْنَى عَنْ النِّيَّةِ وَيَنْصَرِفُ لِذَلِكَ الْبَابِ بِظَاهِرِهِ وَمِنْ مَسَائِلِ مَا لَيْسَ لِمُحْتَمَلَاتِهِ ظَاهِرٌ فَيُحْمَلُ عَلَى أَحَدِهَا