الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الزَّكَاةَ إلَّا الدَّيْنُ مَفْهُومُهُ أَنَّ مَنْ لَا دَيْنَ عَلَيْهِ لَا تَسْقُطُ عَنْهُ وَمَفْهُومُ الزَّمَانِ سَافَرْت يَوْمَ الْجُمُعَةِ مَفْهُومُهُ أَنَّهُ لَمْ يُسَافِرْ يَوْمَ الْخَمِيسِ وَمَفْهُومُ الْمَكَانِ جَلَسْت أَمَامَك مَفْهُومُهُ أَنَّهُ لَمْ يَجْلِسْ عَنْ يَمِينِك وَمَفْهُومُ الْغَايَةِ {أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} [البقرة: 187] مَفْهُومُهُ لَا يَجِبُ بَعْدَ اللَّيْلِ وَمَفْهُومُ الْحَصْرِ إنَّمَا الْمَاءُ مِنْ الْمَاءِ مَفْهُومُهُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ مِنْ غَيْرِ الْمَاءِ وَمَفْهُومُ الِاسْتِثْنَاءِ قَامَ الْقَوْمُ إلَّا زَيْدًا مَفْهُومُهُ أَنَّ زَيْدًا لَمْ يَقُمْ وَمَفْهُومُ اللَّقَبِ تَعْلِيقُ الْحُكْمِ عَلَى أَسْمَاءِ الذَّوَاتِ نَحْوَ فِي الْغَنَمِ الزَّكَاةُ مَفْهُومُهُ لَا تَجِبُ فِي غَيْرِ الْغَنَمِ عِنْدَ مَنْ قَالَ بِهَذَا الْمَفْهُومِ وَهُوَ أَضْعَفُهَا فَهَذِهِ الْمَفْهُومَاتُ جَمِيعُهَا أَثْبَتْنَا فِيهَا نَقِيضَ حُكْمِ الْمَنْطُوقِ لِلْمَسْكُوتِ وَحَصَلَ فِيهَا مَعْنَى الْمَفْهُومِ فَظَهَرَ أَنَّ مَفْهُومَ الْمُخَالَفَةِ إثْبَاتُ نَقِيضِ حُكْمِ الْمَنْطُوقِ لِلْمَسْكُوتِ وَأَنَّ هَذَا هُوَ قَاعِدَتُهُ وَلَيْسَ قَاعِدَتُهُ إثْبَاتَ الضِّدِّ.
وَيَظْهَرُ التَّفَاوُتُ بَيْنَهُمَا فِي قَوْلِ ابْنِ أَبِي زَيْدٍ مِنْ أَصْحَابِنَا حَيْثُ اسْتَدَلَّ عَلَى وُجُوبِ صَلَاةِ الْجِنَازَةِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى فِي حَقِّ الْمُنَافِقِينَ {وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا} [التوبة: 84] أَنَّ مَفْهُومَهُ يَقْتَضِي وُجُوبَ الصَّلَاةِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَمَا قَالَهُ بَلْ مَفْهُومُهُ عَدَمُ تَحْرِيمِ الصَّلَاةِ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَعَدَمُ التَّحْرِيمِ صَادِقٌ مَعَ الْوُجُوبِ وَالنَّدْبِ وَالْكَرَاهَةِ وَالْإِبَاحَةِ فَلَا يَسْتَلْزِمُ الْوُجُوبَ؛ لِأَنَّ الْأَعَمَّ مِنْ الشَّيْءِ لَا يُسْتَلْزَمُ فَلَا يَلْزَمُ الْوُجُوبُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ فَكَذَلِكَ يَكُونُ دَأْبُك أَبَدًا فِي مَفْهُومِ الْمُخَالَفَةِ إثْبَاتَ النَّقِيضِ فَقَطْ وَلَا تَتَعَرَّضْ لِلضِّدِّ أَلْبَتَّةَ لِمَا ظَهَرَ لَك مِنْ الْفَرْقِ بَيْنَ الْقَاعِدَتَيْنِ.
(الْفَرْقُ الْحَادِي وَالسِّتُّونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَفْهُومِ اللَّقَبِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ غَيْرِهِ مِنْ الْمَفْهُومَاتِ)
فَإِنَّ قَاعِدَةَ مَفْهُومِ اللَّقَبِ لَمْ يَقُلْ بِهَا إلَّا الدَّقَّاقُ وَقَاعِدَةُ مَفْهُومِ غَيْرِ اللَّقَبِ قَالَ بِهَا جَمْعٌ كَثِيرٌ كَمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِمَا، وَسِرُّ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا أَنَّ مَفْهُومَ اللَّقَبِ أَصْلُهُ كَمَا قَالَ التَّبْرِيزِيُّ تَعْلِيقُ الْحُكْمِ عَلَى أَسْمَاءِ الْأَعْلَامِ؛ لِأَنَّهَا الْأَصْلُ فِي قَوْلِنَا لَقَبٌ.
وَأَمَّا أَسْمَاءُ الْأَجْنَاسِ نَحْوِ الْغَنَمِ وَالْبَقَرِ وَنَحْوِهِمَا لَا يُقَالُ لَهَا لَقَبٌ فَالْأَصْلُ حِينَئِذٍ إنَّمَا هِيَ الْأَعْلَامُ وَمَا يَجْرِي مَجْرَاهَا، قَالَ: وَيَلْحَقُ بِهَا أَسْمَاءُ الْأَجْنَاسِ وَعَلَى التَّقْدِيرَيْنِ فَالْفَرْقُ أَنَّ الْعَلَمَ نَحْوَ قَوْلِنَا أَكْرِمْ زَيْدًا أَوْ اسْمَ الْجِنْسِ نَحْوَ زَكِّ عَنْ الْغَنَمِ لَا إشْعَارَ فِيهِ بِالْعِلَّةِ لِعَدَمِ الْمُنَاسَبَةِ فِي هَذَيْنِ الْقِسْمَيْنِ وَمَفْهُومُ الصِّفَةِ وَنَحْوُهُ فِيهِ رَائِحَةُ التَّعْلِيلِ فَإِنَّ الشُّرُوطَ اللُّغَوِيَّةَ أَسْبَابٌ أَيْضًا فَمَتَى جُعِلَ الشَّيْءُ شَرْطًا أَشْعَرَ ذَلِكَ بِسَبَبِيَّةِ ذَلِكَ الشَّرْطِ عِنْدَ الْمُتَعَلَّقِ عَلَيْهِ أَدْرَكْنَا نَحْنُ ذَلِكَ أَمْ لَا، وَكَذَلِكَ إذَا حُصِرَ أَوْ جُعِلَ غَايَةً وَإِذَا كَانَتْ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ تُشْعِرُ بِالتَّعْلِيلِ عِنْدَ الْمُتَكَلِّمِ بِهَا وَالْقَاعِدَةُ أَنَّ عَدَمَ الْعِلَّةِ عِلَّةٌ لِعَدَمِ الْمَعْلُولِ فَيَلْزَمُ فِي صُورَةِ الْمَسْكُوتِ عَنْهُ عَدَمُ الْحُكْمِ لِعَدَمِ عِلَّةِ الثُّبُوتِ فِيهِ أَمَّا الْأَعْلَامُ وَالْأَجْنَاسُ فَلَا إشْعَارَ لَهَا بِالْعِلِّيَّةِ فَلَا جَرَمَ لَا يَكُونُ عَدَمُهَا مِنْ صُورَةِ السُّكُوتِ عِلَّةً لِشَيْءٍ لِأَنَّهُ لَيْسَ عَدَمَ عِلَّةٍ فَلَا يَلْزَمُ عَدَمُ الْحُكْمِ فِي صُورَةِ الْمَسْكُوتِ عَنْهُ فَهَذَا هُوَ سَبَبُ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ وَلِأَنَّهُ بِنَفْسِ الْفَرَاغِ مِنْ الْفِعْلِ سَقَطَ التَّكْلِيفُ بِهِ وَمَنْ ادَّعَى أَنَّ التَّكْلِيفَ يَرْجِعُ بَعْدَ سُقُوطِهِ لِأَجْلِ الرَّفْضِ فَعَلَيْهِ الدَّلِيلُ اهـ وَجَرَى عَلَى هَذَا الْأَصْلِ إجْمَاعُ الْفُقَهَاءِ عَلَى عَدَمِ تَأْثِيرِ الرَّفْضِ بَعْدَ فَرَاغِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ وَالْغُسْلِ.
وَأَمَّا خِلَافُهُمْ فِي رَفْضِ الْوُضُوءِ وَالتَّيَمُّمِ بَعْدَ الْكَمَالِ فَإِنَّهُ غَيْرُ خَارِجٍ عَنْ هَذَا الْأَصْلِ مِنْ جِهَةِ أَنَّ الطَّهَارَةَ هُنَا لَهَا وَجْهَانِ فِي النَّظَرِ فَمَنْ نَظَرَ إلَى فِعْلِهَا عَلَى مَا يَنْبَغِي قَالَ إنَّ اسْتِبَاحَةَ الصَّلَاةِ بِهَا لَازِمٌ وَمُسَبَّبٌ عَنْ ذَلِكَ الْفِعْلِ فَلَا يَصِحُّ رَفْعُهُ إلَّا بِنَاقِضٍ طَارِئٍ وَمَنْ نَظَرَ إلَى حُكْمِهَا أَعْنِي اسْتِبَاحَةَ الصَّلَاةِ مُسْتَصْحَبًا إلَى أَنْ يُصَلِّيَ وَذَلِكَ أَمْرٌ مُسْتَقْبَلٌ فَيُشْتَرَطُ فِيهِ اسْتِصْحَابُ النِّيَّةِ الْأُولَى الْمُقَارِنَةِ لِلطَّهَارَةِ وَهِيَ مَنْسُوخَةٌ بِنِيَّةِ الرَّفْضِ الْمُنَافِيَةِ لَهَا فَلَا يَصِحُّ اسْتِبَاحَةُ الصَّلَاةِ الْآتِيَةِ بِهَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ كَالرَّفْضِ الْمُقَارِنِ لِلْفِعْلِ وَمَا قَارَنَ الْفِعْلَ مُؤَثِّرٌ فَكَذَلِكَ مَا شَابَهَهُ فَلَوْ انْتَفَتْ الْمُشَابَهَةُ بِأَنْ رَفَضَ نِيَّةَ الطَّهَارَةِ بَعْدَ مَا أَدَّى بِهَا الصَّلَاةَ وَتَمَّ حُكْمُهَا لَمْ يَصِحَّ أَنْ يُقَالَ إنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ اسْتِئْنَافُ الطَّهَارَةِ وَالصَّلَاةِ فَكَذَلِكَ مَنْ صَلَّى ثُمَّ رَفَضَ تِلْكَ الصَّلَاةَ بَعْدَ السَّلَامِ مِنْهَا وَقَدْ كَانَ أَتَى بِهَا عَلَى مَا أَمَرَ بِهِ.
فَإِنْ قَالَ مَنْ تَكَلَّمَ فِي الرَّفْضِ فِي مِثْلِ هَذَا فَالْقَاعِدَةُ ظَاهِرَةٌ فِي خِلَافِ مَا قَالَ كَمَا تَقَدَّمَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ فِي مُوَافَقَاتِهِ وَقَدْ مَرَّ أَنَّ اللُّزُومَ بَيْنَ الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ مَشْرُوطٌ بِعَدَمِ طَرَيَان التَّنَاقُضِ فِي أَثْنَاءِ الْغُسْلِ فَلِذَا لَمْ يَتَأَتَّ فِيهِ جَرَيَانُ الْوَجْهَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ فِي الْوُضُوءِ وَالتَّيَمُّمِ وَأَجْمَعُوا عَلَى عَدَمِ تَأْثِيرِ الرَّفْضِ بَعْدَ كَمَالِهِ فَافْهَمْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ تَدَاخُلِ الْأَسْبَابِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ تَسَاقُطِهَا]
(الْفَرْقُ السَّابِعُ وَالْخَمْسُونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ تَدَاخُلِ الْأَسْبَابِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ تَسَاقُطِهَا)
التَّدَاخُلُ وَالتَّسَاقُطُ بَيْنَ الْأَسْبَابِ وَإِنْ اتَّفَقَا فِي جِهَتَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْحُكْمَ لَا يَتَرَتَّبُ عَلَى السَّبَبِ الَّذِي دَخَلَ فِي غَيْرِهِ وَلَا عَلَى السَّبَبِ الَّذِي سَقَطَ بِغَيْرِهِ، وَثَانِيهِمَا: جَرَيَانُ كُلٍّ مِنْهُمَا عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ إلَّا أَنَّهُمَا تَفَارَقَا فِي جِهَاتٍ:
الْجِهَةُ الْأُولَى: أَنَّ تَسَاقُطَ الْأَسْبَابِ إنَّمَا يَكُونُ عِنْدَ التَّعَارُضِ وَتَنَافِي الْمُسَبَّبَاتِ بِأَنْ يَكُونَ أَحَدُ السَّبَبَيْنِ يَقْتَضِي شَيْئًا وَالْآخَرُ يَقْتَضِي ضِدَّهُ فَيُقَدِّمُ صَاحِبُ الشَّرْعِ الرَّاجِحَ مِنْهُمَا عَلَى الْمَرْجُوحِ فَيَسْقُطُ الْمَرْجُوحُ أَوْ يَسْتَوِيَانِ فَيَتَسَاقَطَانِ مَعًا وَتَدَاخُلُهَا إنَّمَا يَكُونُ عِنْدَ اتِّحَادِ مُسَبِّبِهَا بِأَنْ يُوجَدَ سَبَبَانِ مُسَبِّبُهُمَا وَاحِدٌ.
الْجِهَةُ الثَّانِيَةُ: أَنَّ التَّدَاخُلَ جَرَى عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ فِي اتِّحَادِ الْمُسَبَّبُ وَالتَّسَاقُطُ جَرَى عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ فِي تَنَافِي الْمُسَبَّبَاتِ؛ إذْ الْأَصْلُ
ضَعْفِهِ وَقِلَّةِ الْقَائِلِينَ بِهِ وَيَنْبَغِي لَك أَنْ تَتَفَطَّنَ لَهُ فَإِنَّ جَمَاعَةً مِمَّنْ لَمْ يَقُلْ بِهِ وَقَعَ فِيهِ عِنْدَ الِاسْتِدْلَالِ وَمَا شَعَرَ.
وَقَالَ صَاحِبُ الْمُهَذَّبِ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ التَّيَمُّمُ بِغَيْرِ التُّرَابِ لَا يَجُوزُ لِقَوْلِهِ عليه السلام «جُعِلَتْ لِي الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا» وَفِي أُخْرَى «وَتُرَابُهَا طَهُورًا» وَمَفْهُومُ قَوْلِهِ وَتُرَابُهَا طَهُورًا أَنَّ غَيْرَ التُّرَابِ لَا يَجُوزُ التَّيَمُّمُ بِهِ، وَاسْتِدْلَالُهُ بِذَلِكَ عَلَى مَالِكٍ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ لَقَبٌ لَيْسَ حُجَّةً عِنْدَهُ وَلَا عِنْدَ مَالِكٍ؛ لِأَنَّ التُّرَابَ اسْمُ جِنْسٍ فَقَدْ اسْتَدَلَّ بِمَا لَيْسَ حُجَّةً عِنْدَهُ وَلَا عِنْدَ خَصْمِهِ، وَكَذَلِكَ اسْتَدَلَّ عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ بِأَنَّ الْخَلَّ لَا يُزِيلُ النَّجَاسَةَ بِقَوْلِهِ عليه السلام «حُتِّيهِ ثُمَّ اقْرِضِيهِ بِالْمَاءِ» فَمَفْهُومُ قَوْلِهِ عليه السلام يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُغْسَلَ بِغَيْرِهِ مِنْ الْخَلِّ وَغَيْرِهِ وَهَذَا أَيْضًا غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ فَإِنَّ الْمَاءَ اسْمُ جِنْسٍ فَمَفْهُومُهُ مَفْهُومُ لَقَبٍ لَيْسَ بِحُجَّةٍ عِنْدَهُ وَلَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ بَلْ أَبُو حَنِيفَةَ لَمْ يَقُلْ بِالْمَفْهُومِ مُطْلَقًا فَضْلًا عَنْ مَفْهُومِ اللَّقَبِ فَاسْتِدْلَالُهُ عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ أَبْعَدُ مِنْ اسْتِدْلَالِهِ عَلَى مَالِكٍ بِسَبَبِ أَنَّ مَالِكًا قَالَ بِالْمَفْهُومِ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةِ وَأَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ فَلَا فَهَذَا هُوَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْقَاعِدَتَيْنِ وَالتَّنْبِيهُ عَلَيْهِ بِالْمِثْلِ.
(الْفَرْقُ الثَّانِي وَالسِّتُّونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْمَفْهُومِ إذَا خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ وَبَيْنَ مَا إذَا لَمْ يَخْرُجْ مَخْرَجَ الْغَالِبِ)
فَإِنَّهُ إنْ لَمْ يَخْرُجْ مَخْرَجَ الْغَالِبِ كَانَ حُجَّةً عِنْدَ الْقَائِلِينَ بِالْمَفْهُومِ وَإِذَا خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ لَا يَكُونُ حُجَّةً إجْمَاعًا وَضَابِطُهُ أَنْ يَكُونَ الْوَصْفُ الَّذِي وَقَعَ بِهِ التَّقْيِيدُ غَالِبًا عَلَى تِلْكَ الْحَقِيقَةِ وَمَوْجُودًا مَعَهَا فِي أَكْثَرِ صُوَرِهَا فَإِذَا لَمْ يَكُنْ مَوْجُودًا مَعَهَا فِي أَكْثَرِ صُوَرِهَا فَهُوَ الْمَفْهُومُ الَّذِي هُوَ حُجَّةٌ، وَسِرُّ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْوَصْفَ إذَا كَانَ غَالِبًا عَلَى الْحَقِيقَةِ يَصِيرُ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ لُزُومٌ فِي الذِّهْنِ فَإِذَا اسْتَحْضَرَ الْمُتَكَلِّمُ الْحَقِيقَةَ لِيَحْكُمَ عَلَيْهَا حَضَرَ مَعَهَا ذَلِكَ الْوَصْفُ الْغَالِبُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ لَوَازِمِهَا فَإِذَا حَضَرَ فِي ذِهْنِهِ نَطَقَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ حَاضِرٌ فِي ذِهْنِهِ فَعَبَّرَ عَنْ جَمِيعِ مَا وَجَدَهُ فِي ذِهْنِهِ لَا أَنَّهُ قَصَدَ بِالنُّطْقِ بِهِ نَفْيَ الْحُكْمِ عَنْ صُورَةِ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
قَالَ (الْفَرْقُ الثَّانِي وَالسِّتُّونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْمَفْهُومِ إذَا خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ وَبَيْنَ مَا إذَا لَمْ يَخْرُجْ مَخْرَجَ الْغَالِبِ) فَإِنَّهُ إنْ لَمْ يَخْرُجْ مَخْرَجَ الْغَالِبِ كَانَ حُجَّةً عِنْدَ الْقَائِلِينَ بِالْمَفْهُومِ وَإِذَا خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ لَا يَكُونُ حُجَّةً إجْمَاعًا وَضَابِطُهُ أَنْ يَكُونَ الْوَصْفُ الَّذِي وَقَعَ بِهِ التَّقْيِيدُ غَالِبًا عَلَى تِلْكَ الْحَقِيقَةِ مَوْجُودًا مَعَهَا فِي أَكْثَرِ صُوَرِهَا فَإِذَا لَمْ يَكُنْ مَوْجُودًا مَعَهَا فِي أَكْثَرِ صُوَرِهَا فَهُوَ الْمَفْهُومُ الَّذِي هُوَ حُجَّةٌ وَسِرُّ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْوَصْفَ إذَا كَانَ غَالِبًا عَلَى الْحَقِيقَةِ يَصِيرُ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ لُزُومٌ فِي الذِّهْنِ فَإِذَا اسْتَحْضَرَ الْمُتَكَلِّمُ الْحَقِيقَةَ لِيَحْكُمَ عَلَيْهَا حَضَرَ مَعَهَا ذَلِكَ الْوَصْفُ الْغَالِبُ لِأَنَّهُ مِنْ لَوَازِمِهَا فَإِذَا حَضَرَ فِي ذِهْنِهِ نَطَقَ بِهِ لِأَنَّهُ حَاضِرٌ فِي ذِهْنِهِ فَعَبَّرَ عَنْ جَمِيعِ مَا وَجَدَهُ فِي ذِهْنِهِ لَا أَنَّهُ قَصَدَ بِالنُّطْقِ بِهِ نَفْيَ الْحُكْمِ عَنْ صُورَةِ
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
وَالْقِيَاسُ عَدَمُ التَّدَاخُلِ مَعَ تَمَاثُلِ الْأَسْبَابِ بِأَنْ يَتَرَتَّبَ عَلَى كُلِّ سَبَبٍ مُسَبَّبُهُ.
الْجِهَةُ الثَّالِثَةُ: أَنَّ التَّدَاخُلَ وَقَعَ فِي الشَّرِيعَةِ فِي سِتَّةِ أَبْوَابٍ:
الْأَوَّلُ: الطَّهَارَةُ فَمِنْ التَّدَاخُلِ فِيهِ إجْزَاءُ غُسْلٍ وَاحِدٍ مَعَ تَعَدُّدِ أَسْبَابِهِ الْمُخْتَلِفَةِ كَالْحَيْضِ وَالْجَنَابَةِ أَوْ الْمُتَمَاثِلَةِ كَالْجَنَابَتَيْنِ وَمِنْهُ إجْزَاءُ وُضُوءٍ وَاحِدٍ مَعَ تَعَدُّدِ أَسْبَابِهِ الْمُتَمَاثِلَةِ كَالْمُلَامَسَتَيْنِ أَوْ الْمُخْتَلِفَةِ كَالْمُلَامَسَةِ وَإِخْرَاجِ الرِّيحِ، وَمِنْهُ إجْزَاءُ الْغُسْلِ عَنْ الْوُضُوءِ وَإِنْ تَحَقَّقَ سَبَبُهُ الَّذِي هُوَ الْمُلَامَسَةُ مَعَ سَبَبِ الْغُسْلِ الَّذِي هُوَ الْجَنَابَةُ لِانْدِرَاجِ سَبَبِهِ فِي الْجَنَابَةِ فَلَمْ يَتَرَتَّبْ عَلَيْهِ وُجُوبُ وُضُوءٍ.
الثَّانِي: الصَّلَوَاتُ فَمِنْ التَّدَاخُلِ فِيهَا تَدَاخُلُ تَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ فِي صَلَاةِ الْفَرْضِ مَعَ تَعَدُّدِ سَبَبَيْهِمَا فَيَدْخُلُ دُخُولُ الْمَسْجِدِ الَّذِي هُوَ سَبَبُ التَّحِيَّةِ فِي الزَّوَالِ الَّذِي هُوَ سَبَبُ الظُّهْرِ مَثَلًا فَيَقُومُ سَبَبُ الزَّوَالِ مَقَامَ سَبَبِ الدُّخُولِ فَيُكْتَفَى بِهِ.
الثَّالِثُ: الصِّيَامُ فَمِنْ التَّدَاخُلِ فِيهِ تَدَاخُلُ الصَّوْمِ الَّذِي سَبَبُهُ الِاعْتِكَافُ فِي صَوْمِ رَمَضَانَ الَّذِي سَبَبُهُ رُؤْيَةُ الْهِلَالِ فَيَقُومُ سَبَبُ الرُّؤْيَةِ مَقَامَ سَبَبِ الِاعْتِكَافِ فَيُكْتَفَى بِهِ.
الرَّابِعُ: الْكَفَّارَاتُ فَمِنْ التَّدَاخُلِ فِيهِ حَمْلُ الْأَيْمَانِ فِي الْمَشْهُورِ عَلَى التَّكْرَارِ لَا عَلَى الْإِنْشَاءِ فَتَكْفِيهِ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ وَمِنْهُ تَكْرَارُ الْوَطْءِ فِي الْيَوْمِ الْوَاحِدِ مِنْ رَمَضَانَ عِنْدَنَا عَلَى الْخِلَافِ وَفِي الْيَوْمَيْنِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ تَكْفِيهِ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ وَلَهُ قَوْلَانِ فِي الرَّمَضَانَيْنِ.
الْخَامِسُ: الْحُدُودُ الْمُتَمَاثِلَةُ فَمِنْ التَّدَاخُلِ فِيهِ تَدَاخُلُ أَسْبَابِهَا الْمُخْتَلِفَةِ كَالْقَذْفِ وَشُرْبِ الْخَمْرِ أَوْ الْمُتَمَاثِلَةِ كَالزِّنَا مِرَارًا وَالسَّرِقَةِ مِرَارًا وَالشُّرْبِ مِرَارًا قَبْلَ إقَامَةِ الْحَدِّ عَلَيْهِ وَهِيَ مِنْ أَوْلَى الْأَسْبَابِ بِالتَّدَاخُلِ؛ لِأَنَّ تَكَرُّرَهَا مُهْلِكٌ.
السَّادِسُ: الْأَمْوَالُ فَمِنْ التَّدَاخُلِ فِيهَا أَنَّهُ لَا يَجِبُ فِي تَكْرَارِ وَطْءِ الشُّبْهَةِ الْمُتَّحِدَةِ إلَّا صَدَاقٌ وَاحِدٌ مِنْ صَدَاقِ الْمِثْلِ، وَإِنْ كَانَتْ كُلُّ وَطْأَةٍ لَوْ انْفَرَدَتْ أَوْجَبَتْ مَهْرًا تَامًّا مِنْ صَدَاقِ الْمِثْلِ وَمِنْهُ اكْتِفَاءُ صَاحِبِ الشَّرْعِ فِيمَا إذَا قَطَعَ أَطْرَافَهُ وَسَرَى ذَلِكَ لِنَفْسِهِ بِدِيَةٍ وَاحِدَةٍ لِلنَّفْسِ وَإِنْ كَانَ الْوَاجِبُ قَبْلَ السَّرَيَانِ نَحْوَ عَشْرِ دِيَاتٍ بِحَسَبِ تَعَدُّدِ الْعُضْوِ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ فَدَخَلَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ الْكَثِيرُ وَهُوَ دِيَةُ الْأَطْرَافِ فِي الْقَلِيلِ وَهُوَ دِيَةُ النَّفْسِ، وَقَدْ يَدْخُلُ الْقَلِيلُ كَدِيَةِ الْأُصْبُعِ فِي الْكَثِيرِ كَدِيَةِ النَّفْسِ
(تَنْبِيهٌ) :
لَا يَتَنَافَى عِنْدَنَا فِي التَّدَاخُلِ إلَّا أَرْبَعُ صُوَرٍ: أَحَدُهَا دُخُولُ الْقَلِيلِ فِي الْكَثِيرِ. وَثَانِيهَا: دُخُولُ الْكَثِيرِ فِي الْقَلِيلِ وَقَدْ مَرَّتْ مِثْلُهُمَا. وَثَالِثُهَا:
عَدَمِهِ بَلْ الْحَالُ تَضْطَرُّهُ لِلنُّطْقِ بِهِ أَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ غَالِبًا عَلَى الْحَقِيقَةِ لَا يَلْزَمُهَا فِي الذِّهْنِ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ اسْتِحْضَارِ الْحَقِيقَةِ الْمَحْكُومِ عَلَيْهَا حُضُورُهُ فَيَكُونُ الْمُتَكَلِّمُ حِينَئِذٍ لَهُ غَرَضٌ فِي النُّطْقِ بِهِ وَإِحْضَارُهُ مَعَ الْحَقِيقَةِ وَلَمْ يَكُنْ مُضْطَرًّا لِذَلِكَ بِسَبَبِ الْحُضُورِ فِي الذِّهْنِ، وَإِذَا كَانَ لَهُ غَرَضٌ فِيهِ وَسَلْبُ الْحُكْمِ عَنْ الْمَسْكُوتِ عَنْهُ يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ غَرَضَهُ فَحَمَلْنَاهُ عَلَيْهِ حَتَّى لَا يُصَرِّحَ بِخِلَافِهِ؛ لِأَنَّهُ الْمُتَبَادِرُ لِلذِّهْنِ مِنْ التَّقْيِيدِ وَهَذَا هُوَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْقَاعِدَتَيْنِ وَسِرُّ انْعِقَادِ الْإِجْمَاعِ عَلَى عَدَمِ اعْتِبَارِهِ وَكَانَ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ رحمه الله يُورِدُ عَلَى هَذَا سُؤَالًا فَيَقُولُ الْوَصْفُ الْغَالِبُ أَوْلَى أَنْ يَكُونَ حُجَّةً مِمَّا لَيْسَ بِغَالِبٍ.
وَمَا انْعَقَدَ عَلَيْهِ الْإِجْمَاعُ يَقْتَضِي الْحَالُ فِيهِ الْعَكْسَ بِسَبَبِ أَنَّ الْوَصْفَ إذَا خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ وَكَانَتْ الْعَادَةُ شَاهِدَةً بِثُبُوتِ ذَلِكَ الْوَصْفِ لِتِلْكَ الْحَقِيقَةِ يَكُونُ الْمُتَكَلِّمُ مُسْتَغْنِيًا عَنْ ذِكْرِهِ لِلسَّامِعِ بِدَلِيلِ أَنَّ الْعَادَةَ كَافِيَةٌ فِي إفْهَامِ السَّامِعِ ذَلِكَ فَلَوْ أَخْبَرَهُ بِثُبُوتِ ذَلِكَ الْوَصْفِ لَكَانَ ذَلِكَ تَحْصِيلًا لِلْحَاصِلِ أَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ غَالِبًا فَإِنَّهُ لَا دَلِيلَ عَلَى ثُبُوتِهِ لِتِلْكَ الْحَقِيقَةِ مِنْ جِهَةِ الْعَادَةِ فَيَتَّجِهُ أَنَّ الْمُتَكَلِّمَ بِخَبَرِهِ بِهِ لِعَدَمِ دَلِيلٍ يَدُلُّ عَلَى ثُبُوتِهِ لِتِلْكَ الْحَقِيقَةِ وَهُوَ حِينَئِذٍ يُفِيدُهُ فَائِدَةً جَدِيدَةً وَغَيْرُ مُفِيدٍ لَهُ فِي الْوَصْفِ الْغَالِبِ الَّذِي دَلَّتْ عَلَيْهِ الْعَادَةُ، وَإِذَا كَانَ فِي الْغَالِبِ غَيْرُ مُفِيدٍ بِإِخْبَارِهِ عَنْ ثُبُوتِهِ لِلْحَقِيقَةِ فَيَتَعَيَّنُ أَنَّهُ إنَّمَا نَطَقَ بِهِ لِقَصْدٍ آخَرَ غَيْرِ الْإِخْبَارِ عَنْ ثُبُوتِهِ لِلْحَقِيقَةِ وَهُوَ سَلْبُ الْحُكْمِ عَنْ الْمَسْكُوتِ عَنْهُ وَهَذَا الْغَرَضُ لَا يَتَعَيَّنُ إذَا لَمْ يَكُنْ غَالِبًا؛ لِأَنَّهُ غَرَضُهُ حِينَئِذٍ يَكُونُ الْإِخْبَارَ عَنْ ثُبُوتِهِ لِلْحَقِيقَةِ لَا سَلْبَ الْحُكْمِ عَنْ الْمَسْكُوتِ عَنْهُ فَظَهَرَ أَنَّ الْوَصْفَ الْغَالِبَ عَلَى الْحَقِيقَةِ أَوْلَى أَنْ يَكُونَ حُجَّةً
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
عَدَمِهِ بَلْ الْحَالُ تَضْطَرُّهُ لِلنُّطْقِ بِهِ أَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ غَالِبًا عَلَى الْحَقِيقَةِ لَا يَلْزَمُهَا فِي الذِّهْنِ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ اسْتِحْضَارِ حَقِيقَةِ الْمَحْكُومِ عَلَيْهَا حُضُورُهُ فَيَكُونُ الْمُتَكَلِّمُ حِينَئِذٍ لَهُ غَرَضٌ فِي النُّطْقِ بِهِ وَإِحْضَارُهُ مَعَ الْحَقِيقَةِ وَلَمْ يَكُنْ مُضْطَرًّا لِذَلِكَ بِسَبَبِ الْحُضُورِ فِي الذِّهْنِ وَإِذَا كَانَ لَهُ غَرَضٌ فِيهِ وَسُلِبَ الْحُكْمُ عَنْ الْمَسْكُوتِ عَنْهُ يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ غَرَضَهُ فَحَمَلْنَاهُ عَلَيْهِ حَتَّى يُصَرِّحَ بِخِلَافِهِ؛ لِأَنَّهُ الْمُتَبَادِرُ لِلذِّهْنِ مِنْ التَّقْيِيدِ وَهَذَا هُوَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْقَاعِدَتَيْنِ وَسِرُّ انْعِقَادِ الْإِجْمَاعِ عَلَى عَدَمِ اعْتِبَارِهِ قُلْت: مَا أَبْعَدَ مَا قَالَهُ أَنْ يَكُونَ سِرًّا وَسَبَبًا لِانْعِقَادِ الْإِجْمَاعِ فَكَيْفَ يَكُونُ الشَّارِعُ مُضْطَرًّا إلَى النُّطْقِ بِمَا لَا يَقْصِدُهُ؟ ، هَذَا مُحَالٌ فَإِنَّهُ إمَّا أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالشَّارِعِ اللَّهَ تَعَالَى فَاضْطِرَارُهُ إلَى أَمْرٍ مَا مُحَالٍ وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالشَّارِعِ الرَّسُولَ صلى الله عليه وسلم فَكَذَلِكَ هُوَ مِنْ حَيْثُ هُوَ مَعْصُومٌ وَالْحَامِلُ عَلَى هَذَا الْحَالِ إنَّمَا هُوَ الْقَوْلُ بِالْمَفْهُومِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ بَاطِلٌ عِنْدَ التَّجَرُّدِ عَنْ الْقَرَائِنِ الْمُفْهِمَةِ لِمُقْتَضَاهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
قَالَ (وَكَانَ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ رحمه الله يُورِدُ عَلَى هَذَا سُؤَالًا إلَى آخِرِ السُّؤَالِ) قُلْت: السُّؤَالُ وَارِدٌ
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
دُخُولُ الْمُتَقَدِّمِ فِي الْمُتَأَخِّرِ كَحَدَثِ الْوُضُوءِ الْمُتَقَدِّمِ مَعَ الْجَنَابَةِ الْمُتَأَخِّرَةِ. وَرَابِعُهَا: دُخُولُ الْمُتَأَخِّرِ فِي الْمُتَقَدِّمِ كَالْوَطَآتِ الْمُتَأَخِّرَةِ مَعَ الْوَطْأَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ الْأُولَى، وَأَسْبَابِ الْوُضُوءِ أَوْ الْغُسْلِ الْمُتَأَخِّرَةِ فِي الْمُوجِبِ الْأَوَّلِ مِنْهَا، وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ تَزِيدُ صُورَةٌ خَامِسَةٌ وَهِيَ دُخُولُ الطَّرَفَانِ فِي الْوَسَطِ فِيمَا إذَا وُطِئَتْ الْمَرْأَةُ بِالشُّبْهَةِ الْوَاحِدَةِ أَوَّلًا وَهِيَ مَرِيضَةُ الْجِسْمِ عَدِيمَةُ الْمَالِ، وَثَانِيًا: بَعْدَ أَنْ صَحَّتْ وَوَرِثَتْ مَالًا عَظِيمًا وَثَالِثًا بَعْدَ سَقَمِ جِسْمِهَا وَذَهَابِ مَالِهَا فَإِنَّهَا عِنْدَهُمْ يَجِبُ لَهَا صَدَاقُ الْمِثْلِ فِي أَعْظَمِ أَحْوَالِهَا وَأَعْظَمُ أَحْوَالِهَا فِي هَذِهِ الصُّورَةِ الْحَالَةُ الْوُسْطَى فَيَجِبُ الصَّدَاقُ بِاعْتِبَارِهَا وَتَدْخُلُ فِيهَا الْحَالَةُ الْأُولَى وَالْحَالَةُ الْأَخِيرَةُ فَيَنْدَرِجُ الطَّرَفَانِ فِي الْوَسَطِ وَلَا يُعْتَبَرُ عَلَى مَذْهَبِ مَالِكٍ فِي هَذَا الْمِثَالِ إلَّا الْوَطْأَةُ الْأُولَى كَيْفَ كَانَتْ وَكَيْفَ صَادَفَتْ؟ وَيَنْدَرِجُ مَا بَعْدَهَا فِيهَا فَهَذِهِ الصُّورَةِ عِنْدَهُ مِنْ بَابِ انْدِرَاجِ الْمُتَأَخِّرِ فِي الْمُتَقَدِّمِ لَا مِنْ بَابِ انْدِرَاجِ الطَّرَفَيْنِ فِي الْوَسَطِ.
وَأَمَّا التَّسَاقُطُ فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ بِسَبَبِ التَّنَافِي فِي جَمِيعِ الْوُجُوهِ وَجَمِيعِ الْأَحْكَامِ وَلَهُ مُثُلٌ مِنْهَا الرِّدَّةُ مَعَ الْإِسْلَامِ وَمِنْهَا الْقَتْلُ وَالْكُفْرُ يَقْتَضِيَانِ عَدَمَ الْإِرْثِ وَالْقَرَابَةُ تَقْتَضِي الْإِرْثَ وَمِنْهَا الدَّيْنُ مُسْقِطٌ لِلزَّكَاةِ وَأَسْبَابِهَا تُوجِبُهَا، وَمِنْهَا تَعَارُضُ الْبَيِّنَتَيْنِ وَمِنْهَا تَعَارُضُ الْأَصْلَيْنِ فِيمَا إذَا قُطِعَ رَجُلٌ مَلْفُوفٌ فِي الثِّيَابِ فَتَنَازَعَ الْقَاطِعُ وَالْوَلِيُّ فِي كَوْنِهِ كَانَ حَيًّا حَالَةَ الْجِنَايَةِ فَالْأَصْلُ بَقَاءُ الْحَيَاةِ وَالْأَصْلُ أَيْضًا عَدَمُ وُجُوبِ الْقِصَاصِ وَمِنْهَا تَعَارُضُ الْغَالِبَيْنِ الظَّاهِرَيْنِ فِي بَحْثِ اخْتِلَافِ الزَّوْجَيْنِ فِي مَتَاعِ الْبَيْتِ فَإِنَّ الْيَدَ لِلرَّجُلِ ظَاهِرَةٌ فِي الْمِلْكِ فَإِذَا كَانَ الْمُدَّعِي فِيهِ مِنْ قُمَاشِ النِّسَاءِ دُونَ الرِّجَالِ وَكَانَ ظَاهِرًا فِي كَوْنِهِ لِلْمَرْأَةِ دُونَ الرَّجُلِ قَدَّمْنَا نَحْنُ هَذَا الظَّاهِرَ وَسَوَّى الشَّافِعِيُّ بَيْنَهُمَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ لَهُمَا مَعًا يَدًا وَهِيَ ظَاهِرَةٌ فِي الْمِلْكِ وَالْيَدُ عِنْدَ مَالِكٍ خَاصَّةً بِالرَّجُلِ؛ لِأَنَّهُ صَاحِبُ الْمَنْزِلِ وَإِذَا كَانَ يَصْلُحُ لَهُمَا قَدَّمَ مِلْكَ الرَّجُلِ فِيهِ بِنَاءً عَلَى اخْتِصَاصِهِ بِالْيَدِ وَنَحْوَ الْمُنْفَرِدِينَ بِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ وَالسَّمَاءُ مُصْحِيَةٌ وَالْمِصْرُ كَبِيرٌ فَمَالِكٌ قَدَّمَ ظَاهِرَ الْعَدَالَةِ وَسَحْنُونٌ قَدَّمَ ظَاهِرَ الْحَالِ وَلَمْ يُوجِبْ الصَّوْمَ بِشَهَادَتِهِمَا وَقَالَ: الظَّاهِرُ كَذِبُهُمَا؛ لِأَنَّ الْعَدَدَ الْعَظِيمَ مَعَ ارْتِفَاعِ الْمَوَانِعِ يَقْتَضِي أَنْ يَرَاهُ جَمْعٌ عَظِيمٌ فَانْفِرَادُ هَذَيْنِ دَلِيلُ كَذِبِهِمَا.
وَمِنْهَا تَعَارُضُ الْأَصْلِ وَالظَّاهِرُ فِي نَحْوِ الْمَقْبَرَةِ الْمَنْبُوشَةِ فَإِنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ النَّجَاسَةِ وَالظَّاهِرُ وُجُودُهَا بِسَبَبِ النَّبْشِ قُلْت وَمِنْهَا مَا قَدَّمْته عَنْ كِتَابِ
وَهُوَ سُؤَالٌ حَسَنٌ مُتَّجِهٌ غَيْرَ أَنَّهُ عَارَضْنَا فِيهِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ تَقْدِيرِ كَوْنِهِ حُجَّةً وَهُوَ أَنَّهُ اضْطَرَّ لِلنُّطْقِ بِهِ بِخِلَافِ غَيْرِ الْغَالِبِ وَأَوْرَدَ لَك ثَلَاثَ مَسَائِلَ تُوَضِّحُ لَك الْقَاعِدَتَيْنِ وَالْفَرْقَ بَيْنَهُمَا.
(الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى) قَوْلُهُ عليه السلام «فِي الْغَنَمِ السَّائِمَةِ الزَّكَاةُ» أَوْ «زَكُّوا عَنْ الْغَنَمِ السَّائِمَةِ» اسْتَدَلَّ بِهِ الشَّافِعِيَّةُ عَلَى عَدَمِ وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِي الْمَعْلُوفَةِ وَلَا دَلِيلَ فِيهِ لِوَجْهَيْنِ الْأَوَّلُ أَنَّهُ خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ فَيَكُونُ مِنْ الْمَفْهُومِ الَّذِي لَيْسَ حُجَّةً إجْمَاعًا؛ لِأَنَّ السَّوْمَ يَغْلِبُ عَلَى الْغَنَمِ فِي أَقْطَارِ الدُّنْيَا لَا سِيَّمَا فِي الْحِجَازِ لِعِزَّةِ الْعَلَفِ هُنَالِكَ وَالِاسْتِدْلَالُ بِمَا لَيْسَ حُجَّةً إجْمَاعًا لَا يَسْتَقِيمُ الثَّانِي أَنَّ هَذَا مَفْهُومٌ وَإِنْ سَلَّمَ أَنَّهُ حُجَّةٌ فَهُوَ مُعَارَضٌ بِالْمَنْطُوقِ وَهُوَ قَوْلُهُ عليه السلام «فِي كُلِّ أَرْبَعِينَ شَاةً شَاةٌ» فَهَذَا الِاسْتِدْلَال بَاطِلٌ.
(الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) قَوْلُهُ عليه السلام «أَيُّمَا امْرَأَةٍ أَنْكَحَتْ نَفْسَهَا بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهَا فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ» مَفْهُومُهُ أَنَّهُ إذَا أَذِنَ لَهَا وَلِيُّهَا صَحَّ نِكَاحُهَا وَهَذَا الْمَفْهُومُ مَلْغِيٌّ بِسَبَبِ أَنَّ الْغَالِبَ أَنَّهَا لَا تُنْكِحُ نَفْسَهَا فِي مَجْرَى الْعَادَةِ إلَّا وَوَلِيُّهَا غَيْرُ آذِنٍ بَلْ غَيْرُ عَالِمٍ فَصَارَ عَدَمُ إذْنِ الْوَلِيِّ غَالِبًا فِي الْعَادَةِ عَلَى تَزْوِيجِهَا لِنَفْسِهَا فَالتَّقْيِيدُ بِهِ تَقْيِيدٌ بِمَا هُوَ غَالِبٌ فَلَا يَكُونُ حُجَّةً.
(الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) قَوْلُهُ تَعَالَى {وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ} [الإسراء: 31] وَمَفْهُومُهُ أَنَّكُمْ إذَا لَمْ تَخْشَوْا الْإِمْلَاقَ لَا يَحْرُمُ عَلَيْكُمْ الْقَتْلُ وَهُوَ مَفْهُومٌ مَلْغِيٌّ إجْمَاعًا بِسَبَبِ أَنَّهُ قَدْ غَلَبَ فِي الْعَادَةِ أَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يَقْتُلُ وَلَدَهُ إلَّا لِضَرُورَةٍ وَأَمْرٍ قَاهِرٍ؛ لِأَنَّ حِنَّةَ الْأُبُوَّةِ مَانِعَةٌ مِنْ قَتْلِهِ فَتَقْيِيدُ الْقَتْلِ بِخَشْيَةِ الْإِمْلَاقِ تَقْيِيدٌ لَهُ بِوَصْفٍ هُوَ كَانَ الْغَالِبُ عَلَيْهِمْ فِي الْقَتْلِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ فَكَانُوا لَا يَقْتُلُونَ إلَّا خَوْفَ الْفَقْرِ أَوْ الْفَضِيحَةِ فِي الْبَنَاتِ وَهُوَ الْوَأْدُ الَّذِي صُرِّحَ بِهِ فِي الْكِتَابِ الْعَزِيزِ فِي قَوْلِهِ {وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ} [التكوير: 8] وَالْوَأْدُ الثِّقَلُ فَإِنَّهُمْ كَانُوا يَدْفِنُونَهُنَّ أَحْيَاءً فَيَمُتْنَ مِنْ غَمِّ التُّرَابِ وَثِقَلِهِ، وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى {وَلا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ} [البقرة: 255] أَيْ لَا يُثْقِلُهُ وَعَلَى هَذَا الْقَانُونِ اُعْتُبِرَ الْمَفْهُومُ الْغَالِبُ مِنْ غَيْرِهِ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
قَالَ (وَهُوَ سُؤَالٌ حَسَنٌ غَيْرَ أَنَّهُ عَارَضْنَا فِيهِ مَا تَقَدَّمَ إلَى آخِرِ قَوْلِهِ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا) قُلْت: قَدْ سَبَقَ مَا وَرَدَ عَلَى دَعْوَى الِاضْطِرَارِ.
قَالَ (الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى) قَوْلُهُ عليه السلام «فِي الْغَنَمِ السَّائِمَةِ الزَّكَاةُ» إلَى آخِرِهَا قُلْت: مَا قَالَهُ مِنْ أَنَّهُ لَا دَلِيلَ فِيهِ لِلشَّافِعِيَّةِ لِوَجْهَيْنِ الْأَوَّلُ أَنَّهُ قَدْ خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ قَدْ سَبَقَ مَا أَوْرَدَهُ عَلَيْهِ عِزُّ الدِّينِ وَقَوْلُهُ الثَّانِي أَنَّهُ مُعَارَضٌ بِالْمَنْطُوقِ وَهُوَ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم «فِي كُلِّ أَرْبَعِينَ شَاةً شَاةٌ» لَا بَأْسَ بِهِ.
قَالَ (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) قَوْلُهُ عليه السلام «أَيُّمَا امْرَأَةٍ أَنْكَحَتْ نَفْسَهَا بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهَا فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ» إلَى آخِرِهِ قُلْت: يَرِدُ عَلَى مَا قَالَهُ فِيهَا سُؤَالُ عِزِّ الدِّينِ.
قَالَ (الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) قَوْله تَعَالَى {وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ} [الإسراء: 31] إلَى آخِرِهَا قُلْت: إنَّمَا أُلْغِيَ هَذَا الْمَفْهُومُ لِمُعَارَضَتِهِ الْأَدِلَّةَ الدَّالَّةَ عَلَى الْمَنْعِ مِنْ قَتْلِ مَنْ لَمْ يَجْنِ جِنَايَةً تُوجِبُ الْقَتْلَ وَلَدًا كَانَ أَوْ غَيْرَ وَلَدٍ.
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
الْأَحْكَامِ لِلْإِمَامِ ابْنِ الْعَرَبِيِّ مِنْ تَعَارُضِ الْعُمُومِ فِي خُصُوصِ الْعَيْنِ فِي قَوْله تَعَالَى فِي دَمِ الْحَيْضِ بَلْ هُوَ أَذًى وَالْعُمُومُ فِي خُصُوصِ الْحَالِ فِي قَوْله تَعَالَى {أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا} [الأنعام: 145] فَيَتَرَجَّحُ الْأَوَّلُ وَيَكُونُ قَلِيلُ دَمِ الْحَيْضِ وَكَثِيرُهُ سَوَاءً فِي التَّحْرِيمِ كَمَا رَوَاهُ أَبُو ثَابِتٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَابْنِ وَهْبٍ وَابْنِ سِيرِينَ عَنْ مَالِكٍ عَلَى الثَّانِي الَّذِي تَمَسَّكَ بِهِ بَعْضُ عُلَمَائِنَا فَقَالَ: يُعْفَى عَنْ قَلِيلِهِ كَسَائِرِ الدِّمَاءِ؛ لِأَنَّ حَالَ الْعَيْنِ أَرْجَحُ مِنْ حَالِ الْحَالِ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ أَيْ التَّسَاقُطُ بِسَبَبِ التَّنَافِي فِي بَعْضِ الْوُجُوهِ وَفِي بَعْضِ الْأَحْكَامِ وَلَهُ مَسَائِلُ مِنْهَا اقْتِضَاءُ النِّكَاحِ مَعَ الْمِلْكِ إبَاحَةَ الْوَطْءِ فَيَغْلِبُ الْأَقْوَى وَهُوَ الْمِلْكُ؛ لِأَنَّهُ مَعَ كَوْنِهِ يُوجِبُ إبَاحَةَ الْوَطْءِ كَالنِّكَاحِ يُوجِبُ مِلْكَ الرَّقَبَةِ وَالْمَنَافِعِ وَتَكُونُ الْإِبَاحَةُ الْحَاصِلَةُ مُضَافَةً لَهُ فَقَطْ وَيَسْقُطُ النِّكَاحُ وَلَا يَحْصُلُ تَدَاخُلٌ فَلَا يُقَالُ الْإِبَاحَةُ مُضَافَةٌ لَهُمَا أَلْبَتَّةَ سَوَاءٌ تَقَدَّمَ الْمِلْكُ كَمَا إذَا عَقَدَ عَلَى أَمَتِهِ أَوْ تَأَخَّرَ كَمَا إذَا اشْتَرَى زَوْجَتَهُ وَصَيَّرَهَا أَمَتَهُ، وَمِنْهَا عِلْمُ الْحَاكِمِ مَعَ الْبَيِّنَةِ إذَا شَهِدَتْ بِمَا يَعْلَمُهُ فَإِنَّ الْحُكْمَ يُضَافُ لِلْبَيِّنَةِ دُونَ عِلْمِهِ فَيَسْقُطُ الْقَضَاءُ بِهِ عِنْدَ مَالِكٍ حَذَرًا مِنْ الْقُضَاةِ السُّوءِ وَسَدًّا لِذَرِيعَةِ الْفَسَادِ عَلَى الْحُكَّامِ بِالتُّهَمِ وَعَلَى النَّاسِ بِالْقَضَاءِ عَلَيْهِمْ بِالْبَاطِلِ.
وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يُقَدِّمُ الْقَضَاءَ بِعِلْمِهِ عَلَى الْقَضَاءِ بِالْبَيِّنَةِ؛ لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ لَا تُفِيدُ إلَّا الظَّنَّ وَالْعِلْمُ أَوْلَى مِنْ الظَّنِّ وَيَحْتَمِلُ مَذْهَبُهُ أَنَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا وَيَجْعَلُ الْحُكْمَ مُضَافًا إلَيْهِمَا لِعَدَمِ التَّنَافِي بَيْنَهُمَا وَمِنْهَا مَنْ وُجِدَ فِي حَقِّهِ سَبَبَا تَوْرِيثٍ بِالْفَرْضِ فِي أَنْكِحَةِ الْمَجُوسِ فَإِنَّهُ يَرِثُ بِأَقْوَاهُمَا وَيَسْقُطُ الْآخَرُ مَعَ أَنَّ كِلَيْهِمَا يَقْتَضِي الْإِرْثَ كَالِابْنِ إذَا كَانَ أَخًا لِأُمٍّ كَمَا إذَا تَزَوَّجَ أُمَّهُ فَوَلَدُهَا حِينَئِذٍ ابْنُهُ وَهُوَ أَخُوهُ لِأُمِّهِ فَيَرِثُ بِالْبُنُوَّةِ وَتَسْقُطُ الْأُخُوَّةُ، أَمَّا إنْ كَانَا سَبَبَيْنِ لِلتَّوْرِيثِ بِالْفَرْضِ وَالتَّعْصِيبِ فَإِنَّهُ يَرِثُ بِهَا كَالزَّوْجِ ابْنُ عَمٍّ يَأْخُذُ النِّصْفَ بِالزَّوْجِيَّةِ وَالنِّصْفَ الْآخَرَ بِكَوْنِهِ ابْنَ عَمٍّ.
(تَنْبِيهٌ) عَدَمُ تَدَاخُلِ الْأَسْبَابِ مَعَ تَمَاثُلِهَا الْجَارِي عَلَى مُقْتَضَى الْقِيَاسِ وَالْأَصْلُ مِنْ أَنْ يَتَرَتَّبَ عَلَى كُلِّ سَبَبٍ مُسَبَّبُهُ هُوَ الْأَكْثَرُ فِي الشَّرِيعَةِ فَمِنْ مَسَائِلِهِ الْإِتْلَافَانِ يَجِبُ بِهِمَا ضَمَانَانِ وَلَا يَتَدَاخَلَانِ، وَمِنْهَا الطَّلَاقَانِ يُنْقِصُ كُلُّ طَلَاقٍ مِنْهُمَا مِنْ الْعِصْمَةِ طَلْقَةً وَلَا يَتَدَاخَلَانِ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ التَّأْكِيدَ أَوْ الْخَبَرَ عَنْ الْأَوَّلِ، وَمِنْهَا الزَّوَالَانِ يُوجِبَانِ ظُهْرَيْنِ وَكَذَلِكَ بَقِيَّةُ أَوْقَاتِ الصَّلَوَاتِ وَأَسْبَابُهَا وَمِنْهَا النَّذْرَانِ يَتَعَدَّدُ مَنْذُورُهُمَا وَلَا يَتَدَاخَلُ وَمِنْهَا الْوَصِيَّتَانِ