الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
التَّقْدِيرَيْنِ بَطَلَ مَا حَاوَلْته مِنْ الْفَرْقِ قُلْت سُؤَالَاتٌ حَسَنَةٌ وَالْجَوَابُ عَنْهَا أَنِّي أَلْتَزِمُ الْفَرْقَ بَيْنَ الْأَصْلِ وَالْوَصْفِ وَلَا أُسَوِّي كَمَا قَالَتْهُ الْحَنَابِلَةُ.
وَلَا يَلْزَمُنِي عُقُودُ الرِّبَ بِسَبَبِ أَنَّ انْتِقَالَ الْإِمْلَاكِ فِي الْمُعَاوَضَاتِ يَعْتَمِدُ الرِّضَا لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «لَا يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إلَّا عَنْ طِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ» ، وَصَاحِبُ الدِّرْهَمِ أَوْ الصَّاعِ مِنْ الْبُرِّ مَا رَضِيَ بِإِخْرَاجِهِ مِنْ مِلْكِهِ إلَّا مُقَابَلًا بِدِرْهَمَيْنِ أَوْ صَاعَيْنِ فَإِذَا أَسْقَطْنَا أَحَدَ الدِّرْهَمَيْنِ أَوْ أَحَدَ الصَّاعَيْنِ بَطَلَ مَا حَصَلَ بِهِ الرِّضَا، وَنَقْلُ الْمِلْكِ بِغَيْرِ رِضًا لَا يَجُوزُ وَيَلْزَمُ أَيْضًا نَقْلُ الْمِلْكِ بِغَيْرِ عَقْدٍ فَإِنَّ مُتَعَلِّقَ الْعَقْدِ وَمُقْتَضَاهُ إنَّمَا هُوَ هَذَا الْمَجْمُوعُ إمَّا دِرْهَمٌ بِدِرْهَمٍ فَلَمْ يَقْتَضِهِ الْعَقْدُ بَلْ اقْتَضَى عَدَمَهُ فَإِنَّ مَفْهُومَ قَوْلِ الْقَائِلِ بِعْتُك دِرْهَمًا بِدِرْهَمَيْنِ أَنَّهُ لَا يَبِيعُهُ دِرْهَمًا بِدِرْهَمٍ، وَإِذَا لَمْ يُوجَدْ الْعَقْدُ يَكُونُ نَقْلُ الْمِلْكِ بِغَيْرِ رِضًا وَلَا عَقْدٍ وَهُوَ خِلَافُ الْإِجْمَاعِ بِخِلَافِ الصَّلَاةِ مُوجَبُ الْأَمْرِ بِجُمْلَتِهِ وُجِدَ فِي الصَّلَاةِ فِي الدَّارِ الْمَغْصُوبَةِ فَإِنَّ الْآمِرَ بِالصَّلَاةِ لَمْ يَشْتَرِطْ فِيهَا عَدَمَ الْغَصْبِ بَلْ حَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى الْغَصْبَ وَلَمْ يَشْتَرِطْ فِيهِ عَدَمَ الصَّلَاةِ، وَأَوْجَبَ الصَّلَاةَ وَلَمْ يَشْتَرِطْ فِيهِ عَدَمَ الْغَصْبِ فَقَدْ وُجِدَ مُقْتَضَى الْأَمْرِ بِجُمْلَتِهِ وَمُقْتَضَى النَّهْي بِجُمْلَتِهِ فَوَجَبَ اعْتِبَارُهُمَا وَأَنْ يَتَرَتَّبَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مُقْتَضَاهُ كَمَا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى حَرَّمَ السَّرِقَةَ، وَلَمْ يَشْتَرِطْ فِيهِ عَدَمَ الصَّلَاةِ، وَأَوْجَبَ الصَّلَاةَ وَلَمْ يَشْتَرِطْ فِيهَا عَدَمَ السَّرِقَة فَإِذَا سَرَقَ فِي صَلَاتِهِ فَقَدْ وُجِدَ مُوجَبُ الْأَمْرِ بِجُمْلَتِهِ وَمُوجَبُ النَّهْيِ بِجُمْلَتِهِ، فَوَجَبَ أَنْ يَتَرَتَّبَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُقْتَضَاهُ فَتَبْرَأُ ذِمَّتُهُ بِالصَّلَاةِ، وَنَقْطَعُهُ لِلسَّرِقَةِ عَمَلًا بِتَحَقُّقِ السَّبَبَيْنِ فَهَذَا هُوَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْعُقُودِ وَمُقْتَضَيَاتِهَا وَبَيْنَ الْأَوَامِرِ وَمُوجَبَاتِهَا فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ فَهُوَ مِنْ النَّظَرِ الْجَمِيلِ وَالْبَحْثِ الدَّقِيقِ.
وَأَمَّا مَا ذَكَرْته مِنْ سُقُوطِ الْفَرْقِ بِسَبَبِ أَنَّهُمَا قُرْبَتَانِ فِي أَنْفُسِهِمَا، وَالنَّهْيُ إنَّمَا جَاءَ مِنْ أَمْرٍ خَارِجِيٍّ فَأَقُولُ وُرُودُ النَّهْيِ عَنْ الْعِبَادَةِ الْمَوْصُوفَةِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْعِبَادَةَ الْمَوْصُوفَةَ عَرِيَّةٌ عَنْ الْمَصْلَحَةِ الَّتِي فِي الْعِبَادَةِ الَّتِي لَيْسَتْ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
عَدَمِ دُخُولِ الْوَقْتِ بِأَنْ يَرَى الْإِنْسَانُ الظِّلَّ عِنْدَ الزَّوَالِ مُتَوَسِّطًا بَيْنَ جِهَتَيْ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لَا مَائِلًا لِجِهَةِ الْمَشْرِقِ، أَوْ لَا يَجِدُ الْإِنْسَانُ لِلْفَجْرِ أَثَرًا أَلْبَتَّةَ مَعَ كَوْنِ الْأُفُقِ صَاحِيًا لَا يَخْفَى فِيهِ طُلُوعُ الْفَجْرِ لَوْ طَلَعَ فَمَا جَرَتْ بِهِ عَادَةُ الْمُؤَذِّنِينَ وَأَرْبَابِ الْمَوَاقِيتِ مِنْ تَسْيِيرِ دَرَجِ الْفَلَكِ فَإِذَا شَاهَدُوا مَا يَقْتَضِي مِنْ دَرَجِ الْفَلَكِ الْمُتَوَسِّطِ أَوْ غَيْرِهِ أَنَّ الْفَجْرَ طَلَعَ أَمَرُوا النَّاسَ بِالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ.
وَإِنْ كَانَ الْإِنْسَانُ لَا يَجِدُ لِلْفَجْرِ أَثَرًا أَلْبَتَّةَ وَالْأُفُقُ صَاحٍ لَا يَخْفَى فِيهِ طُلُوعُ الْفَجْرِ لَوْ طَلَعَ مُشْكِلٌ، وَنَصَبَ رُؤْيَةَ الْهِلَالِ خَارِجًا مِنْ شُعَاعِ الشَّمْسِ أَوْ إكْمَالَ الْعِدَّةِ ثَلَاثِينَ سَبَبًا لِوُجُوبِ صَوْمِ رَمَضَانَ، وَلَمْ يَنْصِبْ تَحْقِيقَ الْخُرُوجِ بِدُونِ رُؤْيَتِهِ كَمَا فِي أَوْقَاتِ الصَّلَوَاتِ سَبَبًا لِذَلِكَ فَاشْتَرَطَ فِي سَبَبِيَّةِ أَوْقَاتِ الصَّلَوَاتِ التَّحْقِيقَ دُونَ الرُّؤْيَةِ وَفِي سَبَبِيَّةِ الْهِلَالِ الرُّؤْيَةَ دُونَ مُجَرَّدِ التَّحْقِيقِ إلَّا أَنَّ جَعْلَ الْمَالِكِيَّةِ وَالْأَحْنَافِ وَالْحَنَابِلَةِ رُؤْيَةَ الْهِلَالِ فِي بَلَدٍ مِنْ الْبُلْدَانِ سَبَبًا لِوُجُوبِ الصَّوْمِ عَلَى جَمِيعِ أَقْطَارِ الْأَرْضِ خِلَافًا لِلشَّافِعِيَّةِ فِي جَعْلِهِمْ لِكُلِّ قَوْمٍ رُؤْيَتَهُمْ مَعَ اتِّفَاقِ الْجَمِيعِ عَلَى أَنَّ لِكُلِّ قَوْمٍ فَجْرَهُمْ وَزَوَالَهُمْ وَعَصْرَهُمْ وَمَغْرِبَهُمْ وَعِشَاءَهُمْ نَظَرًا لِسُكُونِ الْفَجْرِ إذَا طَلَعَ عَلَى قَوْمٍ يَكُونُ عِنْدَ آخَرِينَ نِصْفَ اللَّيْلِ وَعِنْدَ آخَرِينَ نِصْفَ النَّهَارِ وَعِنْدَ آخَرِينَ غُرُوبَ الشَّمْسِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَوْقَاتِ مُشْكِلٌ إذْ لَا فَارِقَ بَيْنَ أَوْقَاتِ الصَّلَوَاتِ وَرُؤْيَةِ الْهِلَالِ ضَرُورَةَ أَنَّ مَا مِنْ دَرَجَةٍ تَطْلُعُ مِنْ الْفَلَكِ أَوْ تَتَوَسَّطُ أَوْ تَغْرُبُ إلَّا وَفِيهَا جَمِيعُ الْأَوْقَاتِ بِحَسَبِ آفَاقٍ مُخْتَلِفَةٍ وَأَقْطَارٍ مُتَبَايِنَةٍ حَتَّى إنَّ جَمَاعَةً مِنْ الْفُقَهَاءِ أَشْكَلَتْ عَلَيْهِمْ مَسْأَلَةُ أَخَوَيْنِ مَاتَا عِنْدَ الزَّوَالِ أَحَدُهُمَا بِالْمَشْرِقِ وَالْآخَرُ بِالْمَغْرِبِ أَيُّهُمَا يَرِثُ صَاحِبَهُ فَأَفْتَى الْفُضَلَاءُ مِنْهُمْ بِنَاءً عَلَى هَذَا الِاخْتِلَافِ بِأَنَّ الْمَغْرِبِيَّ يَرِثُ الْمَشْرِقِيَّ؛ لِأَنَّ زَوَالَ الْمَشْرِقِ قَبْلَ زَوَالِ الْمَغْرِبِ فَالْمَشْرِقِيُّ مَاتَ أَوَّلًا فَيَرِثُهُ الْمَغْرِبِيُّ الْمُتَأَخِّرُ لِبَقَائِهِ بَعْدَهُ حَيًّا مُتَأَخِّرَ الْحَيَاةِ نَعَمْ قُدِّمَ هَذَا الْإِشْكَالُ فِي الْفَرْقِ الْأَوَّلِ مُوَضَّحًا، وَمَرَّ جَوَابُهُ بِهِ بِمَا فِيهِ كِفَايَةٌ وَمَنْقَعٌ لِمَنْ لَهُ قَلْبٌ وَمَسْمَعٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الصَّلَوَاتُ فِي الدُّورِ الْمَغْصُوبَةِ تَنْعَقِدُ قُرْبَةً]
(الْفَرْقُ الثَّالِثُ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الصَّلَوَاتِ فِي الدُّورِ الْمَغْصُوبَةِ تَنْعَقِدُ قُرْبَةً بِخِلَافِ الصِّيَامِ فِي أَيَّامِ الْأَعْيَادِ وَالْجَمِيعُ مَنْهِيٌّ عَنْهُ) اعْلَمْ رَحِمَك اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ الشَّارِعَ وَضَعَ بَعْضَ أَفْعَالِ الْمُكَلَّفِ لِأَحْكَامٍ مَقْصُودَةٍ كَالصَّوْمِ لِلثَّوَابِ وَالْبَيْعِ لِلْمِلْكِ، وَقَدْ نَهَى عَنْ ذَلِكَ فِي مَوَاضِعَ فَفِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ صَوْمِ الْفِطْرِ وَيَوْمِ النَّحْرِ وَعَنْ بَيْعِ دِرْهَمٍ بِدِرْهَمَيْنِ فَاخْتَلَفَ الْمُجْتَهِدُونَ فِي بَقَاءِ ذَلِكَ الْوَضْعِ الشَّرْعِيِّ فِي الْمَوَاضِعِ الْمَنْهِيِّ عَنْهَا فَيَكُونُ الصَّوْمُ فِي يَوْمِ الْعِيدِ مَنَاطًا لِلثَّوَابِ وَفِي ارْتِفَاعِهِ فِيهَا فَلَا يَكُونُ الصَّوْمُ فِي يَوْمِ الْعِيدِ مَنَاطًا لِلثَّوَابِ، فَحَكَمَ بِالِارْتِفَاعِ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى نَظَرًا لِكَوْنِ النَّهْيِ عَنْ الْعِبَادَةِ الْمَوْصُوفَةِ بِكَوْنِهَا فِي الزَّمَانِ أَوْ الْحَالَةِ الْمُعَيَّنَةِ مِنْ بَيْنِ سَائِرِ الْأَزْمِنَةِ أَوْ الْحَالَاتِ يَدُلُّ عَلَى اخْتِلَافِ الْأَصْلِ؛ لِأَنَّهُ يُفْهَمُ مِنْهُ عَلَى قَوَاعِدِهِمَا أَنْ يَكُونَ عَدَمُ ذَلِكَ الْوَصْفِ شَرْطًا فِي صِحَّةِ تِلْكَ الْعِبَادَةِ فَحَيْثُ وَقَعَتْ مَوْصُوفَةً بِهِ وَقَعَتْ فَاسِدَةً لِعَيْنِهَا أَيْ لِذَاتِهَا وَمَاهِيَّتِهَا؛ لِأَنَّهَا حِينَئِذٍ فُقِدَ شَرْطُهَا، وَالْقَاعِدَةُ أَنَّ مَا فَقَدَ مَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ ذَاتِيًّا كَالرُّكْنِ أَوْ عَرَضِيًّا كَالشَّرْطِ فَهُوَ بَاطِلٌ وَفَاسِدٌ وَحَكَمَ بِعَدَمِ الِارْتِفَاعِ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - نَظَرًا لِكَوْنِ النَّهْيِ
مَوْصُوفَةً بِتِلْكَ الصِّفَةِ، وَالْأَوَامِرُ تَتْبَعُ الْمَصَالِحَ فَإِذَا ذَهَبَتْ الْمَصْلَحَةُ ذَهَبَ الطَّلَبُ وَالْأَمْرُ، وَإِذَا ذَهَبَ الطَّلَبُ لَمْ يَبْقَ لِلصَّوْمِ قُرْبَةٌ وَفِي الصَّلَاةِ لَمْ يُنْهَ عَنْهَا أَصْلًا إنَّمَا وَرَدَ النَّهْيُ عَنْ الصِّفَةِ خَاصَّةً الَّتِي هِيَ الْغَصْبُ فَبَقِيَتْ الصَّلَاةُ عَلَى حَالِهَا مُشْتَمِلَةً عَلَى مَصْلَحَةِ الْأَمْرِ فَكَانَ الْأَمْرُ ثَابِتً فَكَانَتْ قُرْبَةً فَظَهَرَ بِهَذَا التَّقْرِيرِ أَنَّ صَوْمَ يَوْمِ النَّحْرِ وَالْفِطْرِ لَيْسَ بِقُرْبَةٍ وَالصَّلَاةَ فِي الدَّارِ الْمَغْصُوبَةِ قُرْبَةٌ، وَبِذَلِكَ ظَهَرَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْقَاعِدَتَيْنِ وَانْدَفَعَتْ الْإِشْكَالَاتُ كُلُّهَا.
(الْفَرْقُ الرَّابِعُ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ أَنَّ الْفِعْلَ مَتَى دَارَ بَيْنَ الْوُجُوبِ وَالنَّدْبِ فُعِلَ وَمَتَى دَارَ بَيْنَ النَّدْبِ وَالتَّحْرِيمِ تُرِكَ تَقْدِيمًا لِلرَّاجِحِ عَلَى الْمَرْجُوحِ، وَبَيْنَ قَاعِدَةِ يَوْمُ الشَّكِّ هَلْ هُوَ مِنْ رَمَضَانَ أَمْ لَا)
فَإِنَّهُ يَحْرُمُ صَوْمُهُ مَعَ أَنَّهُ إنْ كَانَ مِنْ شَعْبَانَ فَهُوَ مَنْدُوبٌ وَإِنْ كَانَ مِنْ رَمَضَانَ فَهُوَ وَاجِبٌ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَتَعَيَّنَ صَوْمُهُ، وَبِهَذِهِ الْقَاعِدَةِ تَمَسَّكَ الْحَنَابِلَةُ فِي صَوْمِهِ عَلَى وَجْهِ الِاحْتِيَاطِ وَهُوَ ظَاهِرٌ مِنْ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ، وَوَافَقَنَا الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ رضي الله عنهما.
وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ رضي الله عنهما يَصُومُهُ احْتِيَاطًا لِهَذِهِ الْقَاعِدَةِ ثُمَّ إنَّا نَاقَضْنَا قَاعِدَتَنَا فَقُلْنَا مَنْ شَكَّ فِي الْفَجْرِ لَا يَأْكُلُ وَيَصُومُ مَعَ أَنَّهُ شَاكٌّ فِي طَرَيَان الصَّوْمِ كَمَا شَكَّ أَوَّلَ الشَّهْرِ فِي طَرَيَان الصَّوْمِ فِيهِمَا سَوَاءٌ فَإِنْ قُلْنَا بِالصَّوْمِ فِي الثَّانِي دُونَ الْأَوَّلِ فَهُوَ إشْكَالٌ آخَرُ، وَيَحْتَاجُ إلَى الْفُرُوقِ الْقَادِحَةِ الْمُعْتَبَرَةِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
قَالَ (الْفَرْقُ الرَّابِعُ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ أَنَّ الْفِعْلَ مَتَى دَارَ بَيْنَ الْوُجُوبِ وَالنَّدْبِ فُعِلَ، وَمَتَى دَارَ بَيْنَ التَّحْرِيمِ وَالنَّدْبِ تُرِكَ تَقْدِيمًا لِلرَّاجِحِ عَلَى الْمَرْجُوحِ، وَبَيْنَ قَاعِدَةِ يَوْمِ الشَّكِّ هَلْ هُوَ مِنْ رَمَضَانَ أَوْ لَا فَإِنَّهُ يَحْرُمُ صَوْمُهُ مَعَ أَنَّهُ إنْ كَانَ مِنْ شَعْبَانَ فَهُوَ مَنْدُوبٌ، وَإِنْ كَانَ مِنْ رَمَضَانَ فَهُوَ وَاجِبٌ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَتَعَيَّنَ صَوْمُهُ إلَى قَوْلِهِ: وَيُحْتَاجُ إلَى الْفُرُوقِ الْقَادِحَةِ الْمُعْتَبَرَةِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ) . قُلْت
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
عَنْ الْعِبَادَةِ الْمَوْصُوفَةِ بِذَلِكَ لَا يَدُلُّ عَلَى قَوَاعِدِهِ عَلَى اخْتِلَالِ الْأَصْلِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُفْهَمُ مِنْهُ أَنْ يَكُونَ عَدَمُ ذَلِكَ الْوَصْفِ شَرْطًا حَتَّى يَكُونَ النَّهْيُ عَنْهُ لِعَيْنِهِ.
وَاعْلَمْ أَيْضًا أَنَّ الْفِعْلَ الشَّرْعِيَّ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ إنْ دَلَّ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ قُبْحَهُ لِعَيْنِهِ أَيْ لِفَقْدِ مَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ عَيْنُهُ وَذَاتُهُ وَمَاهِيَّتُهُ ذَاتِيًّا كَالرُّكْنِ أَوْ عَرَضِيًّا كَالشَّرْطِ فَهُوَ بَاطِلٌ كَمَا فِي الصَّلَاةِ بِدُونِ بَعْضِ الشُّرُوطِ أَوْ الْأَرْكَانِ وَكَمَا فِي بَيْعِ الْمَلَاقِيحِ، وَهِيَ مَا فِي الْبُطُونِ مِنْ الْأَجِنَّةِ لِانْعِدَامِ رُكْنِ الْمَبِيعِ مِنْ الْبَيْعِ عِنْدَ الْجَمِيعِ وَكَمَا فِي صَوْمِ يَوْمِ الْعِيدِ لِفَقْدِ شَرْطِهِ الَّذِي هُوَ عَدَمُ الْوُقُوعِ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِعْرَاضِ عَنْ ضِيَافَةِ اللَّهِ تَعَالَى لِلنَّاسِ فِيهِ، وَكَمَا فِي بَيْعِ الدِّرْهَمِ بِالدِّرْهَمَيْنِ لِفَقْدِ شَرْطِهِ الَّذِي هُوَ عَدَمُ الزِّيَادَةِ عِنْدَ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى كَمَا عَلِمْت، وَحِينَئِذٍ يَكُونُ النَّهْيُ مُسْتَعْمَلًا فِي مَعْنَى النَّفْيِ مَجَازًا؛ لِأَنَّ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مُتَصَوَّرَ الْوُجُودِ بِحَيْثُ لَوْ قُدِّمَ عَلَيْهِ لَوُجِدَ حَتَّى يَكُونَ الْعَبْدُ مُبْتَلًى بَيْنَ أَنْ يُقْدِمَ عَلَى الْفِعْلِ فَيُعَاقَبَ، وَبَيْنَ أَنْ يَكُفَّ عَنْ الْفِعْلِ فَيُثَابَ بِامْتِنَاعِهِ وَإِنْ دَلَّ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ قُبْحَهُ لِغَيْرِهِ فَذَلِكَ الْغَيْرُ إنْ كَانَ مُجَاوِرًا كَالصَّلَوَاتِ فِي الدُّورِ الْمَغْصُوبَةِ فَهُوَ صَحِيحٌ مَكْرُوهٌ فَيَنْعَقِدُ قُرْبَةً عَلَى مَشْهُورِ مَذْهَبِ مَالِكٍ وَقَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ رضي الله عنهم.
وَقَالَ ابْنُ حَنْبَلٍ وَابْنُ حَبِيبٍ مِنْ أَصْحَابِنَا رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى لَا يَنْعَقِدُ قُرْبَةً، وَيَجِبُ الْقَضَاءُ وَإِنْ كَانَ وَصْفًا كَمَا فِي صَوْمِ يَوْمِ النَّحْرِ نُهِيَ عَنْ إيقَاعِهِ فِي يَوْمِ النَّحْرِ لِلْإِعْرَاضِ بِصَوْمِهِ عَنْ ضِيَافَةِ اللَّهِ تَعَالَى لِلنَّاسِ بِلُحُومِ الْأَضَاحِيِّ الَّتِي شَرَعَهَا فِيهِ وَكَمَا فِي بَيْعِ الدِّرْهَمِ بِالدِّرْهَمَيْنِ لِاشْتِمَالِهِ عَلَى الزِّيَادَةِ فَيَأْثَمُ بِهِ فَهُوَ فَاسِدٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَجْعَلْ فَقْدَ الْوَصْفِ شَرْطًا كَمَا عَلِمْت فَمَنْ نَذَرَ عِنْدَهُ صَوْمَ يَوْمِ النَّحْرِ بِأَنْ قَالَ: لِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمُ يَوْمِ النَّحْرِ أَوْ نَذَرَ صَوْمَ غَدٍ فَوَافَقَ يَوْمَ النَّحْرِ صَحَّ نَذْرُهُ؛ لِأَنَّ الْمَعْصِيَةَ فِي فِعْلِهِ دُونَ نَذْرِهِ وَيُؤْمَرُ بِفِطْرِهِ وَقَضَائِهِ لِيَتَخَلَّصَ عَنْ الْمَعْصِيَةِ وَيَفِيَ بِالنَّذْرِ، وَلَوْ صَامَهُ خَرَجَ عَنْ عُهْدَةِ نَذْرِهِ؛ لِأَنَّهُ أَدَّى الصَّوْمَ كَمَا الْتَزَمَهُ وَمَنْ بَاعَ دِرْهَمًا بِدِرْهَمَيْنِ فَإِنْ كَانَ بِالْمَجْلِسِ وَجَبَ عَلَيْهِ إمَّا الْفَسْخُ أَوْ رَدُّ الزِّيَادَةِ، وَعَادَ صَحِيحًا وَإِنْ كَانَ بَعْدَ تَقَرُّرِ الْفَسَادِ بِالْقَبْضِ فَلَا يَعُودُ صَحِيحًا بِرَدِّ الزِّيَادَةِ فَقَدْ اُعْتُدَّ بِالصَّوْمِ وَالْبَيْعِ الْمَذْكُورَيْنِ لِكَوْنِهِمَا فَاسِدَيْنِ بَاطِلَيْنِ إذْ الْبَاطِلُ لَا يُعْتَدُّ بِهِ اتِّفَاقًا وَهُوَ بَاطِلٌ عِنْدَ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ لِإِرْجَاعِهِمَا ذَلِكَ إلَى النَّهْيِ عَنْ الذَّاتِ بِأَنْ يَجْعَلَا فَقْدَ الْوَصْفِ شَرْطًا كَمَا عَلِمْت.
قَالَ صَاحِبُ الطَّرِيقَةِ؛ لِأَنَّ النَّهْيَ وَرَدَ عَنْ الصَّوْمِ فَإِرْجَاعُهُ إلَى غَيْرِهِ عُدُولٌ عَنْ الْحَقِيقَةِ، وَإِنْ لَمْ يَدُلَّ دَلِيلٌ أَنَّ قُبْحَهُ لِعَيْنِهِ أَوْ لِغَيْرِهِ فَبَاطِلٌ عِنْدَ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ حَتَّى لَا يَتَرَتَّبَ عَلَيْهِ الْأَحْكَامُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي النَّهْيِ اقْتِضَاءُ الْفَسَادِ وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يَصِحُّ بِأَصْلِهِ إذْ لَا قَرِينَةَ عَلَى اسْتِعْمَالِهِ فِي النَّفْيِ مَجَازًا، وَالنَّهْيُ يَقْتَضِي الصِّحَّةَ وَلَا يَفْسُدُ بِوَصْفِهِ لِعَدَمِ الدَّلِيلِ عَلَى أَنَّ الْقُبْحَ لِوَصْفِهِ أَفَادَهُ الشِّرْبِينِيُّ عَنْ التَّفْتَازَانِيِّ مَعَ تَوْضِيحٍ وَزِيَادَةٍ مِنْ الْأَصْلِ وَمُحَلَّيْ جَمْعِ الْجَوَامِعِ وَالْعَطَّارِ وَبِالْجُمْلَةِ فَالْفَرْقُ بَيْنَ الْقَاعِدَتَيْنِ بِكَوْنِ النَّهْيِ عَنْ الْعِبَادَةِ لِمُجَاوِرِهَا لَا يُوجِبُ الْبُطْلَانَ عَلَى مَشْهُورِ مَالِكٍ وَقَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى خِلَافًا لِابْنِ حَنْبَلٍ وَابْنِ حَبِيبٍ مِنْ أَصْحَابِنَا، وَالنَّهْيُ عَنْهَا لِعَيْنِهَا يُوجِبُ الْبُطْلَانَ اتِّفَاقًا، وَكَذَا لِوَصْفِهَا عِنْدَ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى لِرُجُوعِهِ إلَى النَّهْيِ عَنْ الذَّاتِ بِجَعْلِ فَقْدِ الْوَصْفِ شَرْطًا