الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
صَوْمِهِ مِنْ الْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَ صَوْمِهِ هَذَا وَبَيْنَ صَوْمِ عَامَّةِ النَّاسِ وَهُوَ مَفْهُومُ شَهْرِ رَمَضَانَ.
أَمَّا خُصُوصُ هَذَا الشَّهْرِ فَلَا مَدْخَلَ لَهُ فِي الْبَرَاءَةِ كَمَا أَنَّهُ لَا مَدْخَلَ لَهُ فِي الْوُجُوبِ فَكَوْنُهُ صَامَهُ الْمُكَلَّفُ فِي الْبَلَدِ الْمُعَيَّنِ أَوْ وَهُوَ يَأْكُلُ الْغِذَاءَ الْمُعَيَّنَ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ خُصُوصَاتٍ سَاقِطٌ عَنْ الِاعْتِبَارِ فِي الْبَرَاءَةِ وَالْوُجُوبِ وَالثَّوَابِ وَالْعِقَابِ عَلَى تَقْدِيرِ التَّرْكِ وَكَذَلِكَ جَمِيعُ هَذَا الْبَابِ إنَّمَا الْمُعْتَبَرُ فِيهِ الْقَدْرُ الْمُشْتَرَكُ.
الْحُكْمُ الْخَامِسُ: النِّيَّةُ فَلَا يَنْوِي الْمُكَلَّفُ إيقَاعَهُ بِنِيَّةِ الْوُجُوبِ وَأَدَاءِ الْفَرْضِ إلَّا الْقَدْرَ الْمُشْتَرَكَ فَهُوَ الْمَنْوِيُّ فَقَطْ دُونَ الْخُصُوصَاتِ فَإِذَا أَعْتَقَ فِي الْوَاجِبِ الْمُخَيَّرِ لَا يَنْوِي بَرَاءَةَ ذِمَّتِهِ وَلَا فِعْلَ الْوَاجِبِ بِالْعِتْقِ مِنْ حَيْثُ هُوَ عِتْقٌ بَلْ لِكَوْنِ الْعِتْقِ أَحَدَ الْخِصَالِ فَقَطْ، وَكَذَلِكَ إذَا جَمَعَ بَيْنَ الْعِتْقِ وَالْكِسْوَةِ وَالْإِطْعَامِ لَا يَنْوِي فِعْلَ الْوَاجِبِ إلَّا بِمَا فِي الْمَجْمُوعِ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
صَوْمِهِ مِنْ الْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَ صَوْمِهِ هَذَا وَبَيْنَ صَوْمِ عَامَّةِ النَّاسِ وَهُوَ مَفْهُومُ شَهْرِ رَمَضَانَ أَمَّا خُصُوصُ هَذَا الشَّهْرِ فَلَا مَدْخَلَ لَهُ فِي الْبَرَاءَةِ كَمَا أَنَّهُ لَا مَدْخَلَ لَهُ فِي الْوُجُوبِ) قُلْتُ لَوْ اقْتَصَرَ عَلَى قَوْلِهِ بِمَا فِي صَوْمِهِ مِنْ الْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ كَانَ كَلَامُهُ كَافِيًا صَحِيحًا لَكِنَّهُ زَادَ مَا أَفْسَدَهُ بِهِ وَهُوَ بَاقِي كَلَامُهُ وَقَوْلُهُ أَمَّا خُصُوصُ هَذَا الشَّهْرِ فَلَا مَدْخَلَ لَهُ فِي الْبَرَاءَةِ كَمَا أَنَّهُ لَا مَدْخَلَ لَهُ فِي الْوُجُوبِ مِنْ أَشَدِّ الْكَلَامِ فَسَادًا وَأَوْضَحِهِ بُطْلَانًا فَإِنَّهُ يَلْزَمُ عَنْهُ أَنَّ شَهْرَ رَمَضَانَ الْمُعَيَّنَ مِنْ السَّنَةِ الْمُعَيَّنَةِ لَا يَتَعَلَّقُ الْوُجُوبُ بِصَوْمِهِ وَذَلِكَ بَاطِلٌ قَطْعًا.
قَالَ (فَكَوْنُهُ صَامَهُ الْمُكَلَّفُ فِي الْبَلَدِ الْمُعَيَّنِ أَوْ وَهُوَ يَأْكُلُ الْغِذَاءَ الْمُعَيَّنَ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ خُصُوصَاتٍ سَاقِطٌ عَنْ الِاعْتِبَارِ فِي الْبَرَاءَةِ وَالْوُجُوبِ وَالثَّوَابِ وَالْعِقَابِ عَلَى تَقْدِيرِ التَّرْكِ وَكَذَلِكَ جَمِيعُ هَذَا الْبَابِ إنَّمَا الْمُعْتَبَرُ فِيهِ الْقَدْرُ الْمُشْتَرَكُ) قُلْتُ مَا قَالَهُ مِنْ أَنَّ تِلْكَ الْخُصُوصَاتِ سَاقِطَةٌ عَنْ الِاعْتِبَارِ إنْ أَرَادَ أَنَّ الْبَرَاءَةَ لَمْ تَقَعْ بِالْمُقَيَّدِ بِتِلْكَ الْخُصُوصَاتِ وَكَذَلِكَ الثَّوَابُ وَالْعِقَابُ لِكَوْنِ الْوُجُوبِ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِالْمُقَيَّدِ بِهَا فَذَلِكَ غَيْرُ صَحِيحٍ وَإِنْ أَرَادَ أَنَّ الْبَرَاءَةَ وَالثَّوَابَ وَالْعِقَابَ لَمْ يَكُنْ كُلٌّ مِنْهَا مُرَتَّبًا عَلَى الْوَاجِبِ الْمَفْعُولِ أَوْ الْمَتْرُوكِ مَشْرُوطًا بِتِلْكَ الْخُصُوصَاتِ بَلْ مُرَتَّبٌ عَلَى مَا عَرَضَ لَهُ مِنْ جِهَةِ ضَرُورَةِ الْوُجُودِ مِنْ تِلْكَ الْخُصُوصَاتِ وَإِنْ لَمْ يَقَعْ فِي تَعَلُّقِ الْوُجُوبِ اشْتِرَاطُهَا فَذَلِكَ صَحِيحٌ.
قَالَ (الْحُكْمُ الْخَامِسُ النِّيَّةُ فَلَا يَنْوِي الْمُكَلَّفُ إيقَاعَهُ بِنِيَّةِ الْوُجُوبِ وَأَدَاءِ الْفَرْضِ إلَّا الْقَدْرَ الْمُشْتَرَكَ فَهُوَ الْمَنْوِيُّ فَقَطْ دُونَ الْخُصُوصَاتِ) قُلْتُ مَا قَالَهُ مِنْ تَعَلُّقِ النِّيَّةِ بِالْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ لَيْسَ بِصَحِيحٍ بَلْ يَتَعَلَّقُ بِالْخُصُوصِ الْمُعَيَّنِ الَّذِي يَخْتَارُ إيقَاعَهُ لِمَا فِيهِ مِنْ الْمُشْتَرَكِ أَوْ لِكَوْنِهِ مِنْ الْمُشْتَرَكِ لَا بِخُصُوصِهِ.
قَالَ (فَإِذَا أَعْتَقَ فِي الْوَاجِبِ الْمُخَيَّرِ لَا يَنْوِي بَرَاءَةَ ذِمَّتِهِ وَلَا فِعْلَ الْوَاجِبِ بِالْعِتْقِ مِنْ حَيْثُ هُوَ عِتْقٌ بَلْ لِكَوْنِ الْعِتْقِ أَحَدَ الْخِصَالِ فَقَطْ) قُلْتُ مَا قَالَهُ هُنَا صَحِيحٌ.
قَالَ (وَكَذَلِكَ إذَا جَمَعَ بَيْنَ الْعِتْقِ وَالْكِسْوَةِ وَالْإِطْعَامِ لَا يَنْوِي فَهَلْ الْوَاجِبُ إلَّا بِمَا فِي الْمَجْمُوعِ
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
لَا فِي مِقْدَارِ الْعَطِيَّةِ وَلَا فِي صِفَتِهَا أَوْ مُرَادُهُ سَوِّ بَيْنَهُمَا فِي مِقْدَارِ الْعَطِيَّةِ وَصِفَتِهَا مِنْ غَيْرِ مُحَاسَبَةِ زَيْدٍ بِمَا أَعْطَيْتَهُ قَبْلَ هَذَا كَذَلِكَ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ سَوِّ بَيْنَهُمَا فِي مِقْدَارِ الْعَطِيَّةِ وَصِفَتِهَا مَعَ مُحَاسَبَةِ زَيْدٍ بِمَا أَعْطَيْتَهُ قَبْلَ هَذَا فَيَكُونُ قَدْ شَبَّهَ مَا أَعْطَى لِزَيْدٍ أَمْسِ أَوْ فِي الْحَالِ بِمَا أَعْطَى لِعَمْرٍو أَمْسِ أَوْ فِي الْحَالِ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُرِيدَ تَشْبِيهَ دُعَاءٍ بِدُعَاءٍ وَأَمْرٍ بِأَمْرٍ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ اهـ. وَقَدْ مَرَّ عَنْ ابْنِ الشَّاطِّ فِي الْفَرْقِ الرَّابِعِ أَنَّ هَذِهِ الِاحْتِمَالَاتِ الثَّلَاثَ كَذَلِكَ تَأْتِي فِي حَدِيثٍ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم لَمَّا قِيلَ لَهُ: كَيْفَ نُصَلِّي عَلَيْكَ قَالَ؟ قُولُوا: «اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إبْرَاهِيمَ فِي الْعَالَمِينَ إنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ» وَأَنَّ مَا أَوْرَدَهُ الْعِزُّ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ عَلَيْهِ مِنْ أَنَّ قَاعِدَةَ الْعَرَبِ تَقْتَضِي أَنَّ الْمُشَبَّهَ بِالشَّيْءِ يَكُونُ أَخْفَضَ رُتْبَةً مِنْهُ وَأَعْظَمُ أَحْوَالِهِ أَنْ يَكُونَ مِثْلَهُ وَهَا هُنَا صَلَاةُ اللَّهِ سبحانه وتعالى مَعْنَاهَا الْإِحْسَانُ مَجَازٌ أَوْ نَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّ إحْسَانَ اللَّهِ تَعَالَى لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم أَعْظَمُ مِنْ إحْسَانِهِ لِإِبْرَاهِيمَ عليه السلام عَلَى خِلَافِ مَا يَقْتَضِيهِ التَّشْبِيهُ فَمَا وَجْهُ التَّشْبِيهِ إنَّمَا يَصِحُّ وُرُودُهُ عَلَى الِاحْتِمَالِ الثَّالِثِ لَا عَلَى الِاحْتِمَالَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ فَلَيْسَ بِلَازِمٍ أَنْ يُقَالَ إنَّ الْإِشْكَالَ الْمَذْكُورَ إنَّمَا يَتَوَجَّهُ عَلَى التَّشْبِيهِ لَوْ وَقَعَ فِي الْخَبَرِ بِأَنْ قِيلَ إنَّ الْعَطِيَّةَ الَّتِي حَصَلَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِثْلُ الْعَطِيَّةِ الَّتِي حَصَلَتْ لِإِبْرَاهِيمَ عليه السلام فَافْهَمْ وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.
[الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يُثَابُ عَلَيْهِ مِنْ الْوَاجِبَاتِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَا يُثَابُ عَلَيْهِ مِنْهَا]
(الْفَرْقُ الْخَامِسُ وَالسِّتُّونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يُثَابُ عَلَيْهِ مِنْ الْوَاجِبَاتِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَا يُثَابُ عَلَيْهِ مِنْهَا وَإِنْ وَقَعَ ذَلِكَ وَاجِبًا)
اعْلَمْ أَنَّ الْفَرْقَ بَيْنَ هَاتَيْنِ الْقَاعِدَتَيْنِ مَبْنِيٌّ عَلَى مَا لِلْأَصْلِ مِنْ أَنَّ الْقَبُولَ غَيْرُ الْإِجْزَاءِ وَغَيْرُ الْفِعْلِ الصَّحِيحِ وَأَنَّ بَعْضَ الْوَاجِبَاتِ يُثَابُ عَلَيْهَا وَيَكُونُ مَقْبُولًا دُونَ بَعْضٍ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ يُبَرِّئُ الذِّمَّةَ بِالْفِعْلِ وَلَا يُثِيبُ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ مُسْتَكْمِلًا لِشُرُوطِهِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ شَرْطَ تَحْقِيقِ الْقَبُولِ وَالثَّوَابِ أَمْرَانِ أَحَدُهُمَا قَصْدُ الِامْتِثَالِ بِالْعَمَلِ وَثَانِيهِمَا التَّقْوَى الْعُرْفِيَّةُ وَذَلِكَ أَنَّ الْمَأْمُورَاتِ قِسْمَانِ الْأَوَّلُ مَا صُورَةُ فِعْلِهِ كَافِيَةٌ فِي تَحْصِيلِ مَصْلَحَتِهِ كَأَدَاءِ الدُّيُونِ وَرَدِّ الْغُصُوبِ وَدَفْعِ الْوَدَائِعِ وَنَفَقَاتِ الزَّوْجَاتِ وَالْأَقَارِبِ وَالدَّوَابِّ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَيَسُدُّ فِعْلُهُ مَسَدَّهُ وَيَقَعُ وَاجِبًا مُجْزِئًا لَا يَلْزَمُ فِيهِ الْإِعَادَةُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَصَدَ بِهِ امْتِثَالَ أَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى
مِنْ الْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ الَّذِي هُوَ أَحَدُ الْخِصَالِ دُونَ الْخُصُوصِيَّاتِ وَكَذَلِكَ إذَا فَعَلَ وَاجِبًا مُطْلَقًا فِي ضِمْنِ مُعَيَّنٍ إنَّمَا يَنْوِي ذَلِكَ الْمُطْلَقَ الَّذِي هُوَ فِي ضِمْنِ الْمُعَيَّنِ فَمَنْ صَلَّى الظُّهْرَ مَثَلًا يَنْوِي مَفْهُومَ صَلَاةِ الظُّهْرِ الَّذِي هُوَ قَدْرٌ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ صَلَاتِهِ وَصَلَاةِ غَيْرِهِ فِيهِ تَبْرَأُ ذِمَّتُهُ وَهُوَ الَّذِي يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ نِيَّتُهُ فَهَذِهِ الْأَحْكَامُ الْخَمْسَةُ هِيَ مُتَعَلِّقَةٌ بِالْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ دُونَ الْخُصُوصَاتِ وَهَذَا هُوَ الْحَقُّ الَّذِي يَنْدَفِعُ بِهِ جَمِيعُ الشُّكُوكِ وَالْأَسْئِلَةُ عَنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ.
فَإِنْ قُلْتَ الْقَدْرُ الْمُشْتَرَكُ كُلِّيٌّ وَالْكُلِّيُّ لَا يُمْكِنُ دُخُولُهُ فِي الْوُجُودِ الْخَارِجِيِّ إنَّمَا يَقَعُ الْكُلِّيُّ فِي الذِّهْنِ دُونَ الْخَارِجِ وَجَمِيعُ مَا يَقَعُ فِي الْخَارِجِ إنَّمَا هُوَ جُزْئِيٌّ أَمَّا الْكُلِّيُّ فَلَا يُوجَدُ إلَّا فِي الذِّهْنِ وَمَا لَا يَقَعُ فِي الْخَارِجِ لَا يَجِبُ فِعْلُهُ فِي الْخَارِجِ وَإِلَّا لَزِمَ تَكْلِيفُ مَا لَا يُطَاق وَإِذَا لَمْ يَكُنْ مُتَعَلِّقُ الْوُجُوبِ بَطَلَ كَوْنُهُ مُتَعَلِّقَ الثَّوَابِ أَوْ الْعِقَابِ أَوْ الْبَرَاءَةِ أَوْ النِّيَّةِ قُلْتُ الْمُشْتَرَكَاتُ وَالْكُلِّيَّاتُ لَا تَقَعُ فِي الْأَعْيَانِ مُجَرَّدَةً عَنْ الْمُشَخَّصَاتِ وَالْمُعَيَّنَاتِ بَلْ ذَلِكَ إنَّمَا يُوجَدُ فِي الْأَذْهَانِ.
وَأَمَّا وُقُوعُهَا فِي ضِمْنِ الْمُعَيَّنَاتِ فَحَقٌّ فَمَنْ أَعْتَقَ الرَّقَبَةَ الْمُعَيَّنَةَ فَقَدْ أَعْتَقَ رَقَبَةً مُطْلَقَةً وَمَنْ أَخْرَجَ الشَّاةَ الْمُعَيَّنَةَ فِي الزَّكَاةِ فَقَدْ أَخْرَجَ شَاةً مُطْلَقَةً فِي ضِمْنِ تِلْكَ الْمُعَيَّنَةِ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
مِنْ الْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ الَّذِي هُوَ أَحَدُ الْخِصَالِ دُونَ الْخُصُوصَاتِ) قُلْتُ وَمَا قَالَهُ هُنَا صَحِيحٌ أَيْضًا غَيْرُ قَوْلِهِ الَّذِي هُوَ أَحَدُ الْخِصَالِ فَإِنَّ الْقَدْرَ الْمُشْتَرَكَ لَيْسَ أَحَدَ الْخِصَالِ.
قَالَ (وَكَذَلِكَ إذَا فَعَلَ وَاجِبًا مُطْلَقًا فِي ضِمْنِ مُعَيَّنٍ إنَّمَا يَنْوِي ذَلِكَ الْمُطْلَقَ الَّذِي هُوَ فِي ضِمْنِ الْمُعَيَّنِ) قُلْتُ هَذَا هُوَ سَبَبُ ارْتِبَاكِهِ وَاخْتِلَالِ أَقْوَالِهِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَشَبَهِهَا وَهُوَ اعْتِقَادُهُ أَنَّ الْمُطْلَقَ هُوَ الْقَدْرُ الْمُشْتَرَكُ وَذَلِكَ لَيْسَ بِصَحِيحٍ فَإِنَّ الْقَدْرَ الْمُشْتَرَكَ هُوَ الْحَقِيقَةُ الْكُلِّيَّةُ وَالْمُطْلَقُ هُوَ الْوَاحِدُ غَيْرُ الْمُعَيَّنِ مِمَّا فِيهِ الْحَقِيقَةُ قَالَ (فَمَنْ صَلَّى الظُّهْرَ مَثَلًا يَنْوِي مَفْهُومَ صَلَاةِ الظُّهْرِ الَّذِي هُوَ قَدْرٌ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ صَلَاتِهِ وَصَلَاةِ غَيْرِهِ فَبِهِ تَبْرَأُ ذِمَّتُهُ وَهُوَ الَّذِي تَعَيَّنَ عَلَيْهِ نِيَّتُهُ إلَى آخَرِ قَوْلِهِ فِي هَذَا الْحُكْمِ) قُلْتُ إنْ أَرَادَ ظَاهِرَ لَفْظِهِ وَهُوَ أَنْ يَنْوِيَ إيقَاعَ الْمُشْتَرَكِ مِنْ حَيْثُ هُوَ مُشْتَرَكٌ فَذَلِكَ غَيْرُ صَحِيحٍ وَإِنْ أَرَادَ أَنْ يَنْوِيَ إيقَاعَ الْمُعَيَّنِ لِمَا فِيهِ مِنْ الْمُشْتَرَكِ فَذَلِكَ صَحِيحٌ.
قَالَ (فَإِنْ قُلْتَ الْقَدْرُ الْمُشْتَرَكُ كُلِّيٌّ وَالْكُلِّيُّ لَا يُمْكِنُ دُخُولُهُ فِي الْوُجُودِ الْخَارِجِيِّ إلَى قَوْلِهِ وَأَمَّا وُقُوعُهَا فِي ضِمْنِ الْمُعَيَّنَاتِ فَحَقٌّ) قُلْتُ مَا قَالَهُ هُنَا مِنْ أَنَّ وُقُوعَهُ ضِمْنَ الْمُعَيَّنَاتِ حَقٌّ وَإِنْ أَرَادَ وُقُوعَهَا كُلِّيَّاتٍ فَلَيْسَ بِصَحِيحٍ وَإِنْ أَرَادَ وُقُوعَ مَا فِيهِ قِسْطٌ مِنْ الْكُلِّيِّ أَوَمَا هُوَ دَاخِلٌ تَحْتَ الْكُلِّيِّ فَذَلِكَ صَحِيحٌ.
قَالَ (فَمَنْ أَعْتَقَ الرَّقَبَةَ الْمُعَيَّنَةَ فَقَدْ أَعْتَقَ رَقَبَةً مُطْلَقَةً وَمَنْ أَخْرَجَ الشَّاةَ الْمُعَيَّنَةَ فِي الزَّكَاةِ فَقَدْ أَخْرَجَ شَاةً مُطْلَقَةً فَمَنْ ضَمِنَ تِلْكَ الْمُعَيَّنَةَ) قُلْتُ إنْ أَرَادَ أَنَّهُ أَعْتَقَ الرَّقَبَةَ الْمُطْلَقَةَ مِنْ حَيْثُ هِيَ مُطْلَقَةً فَذَلِكَ لَيْسَ بِصَحِيحٍ فَإِنَّ الْإِطْلَاقَ هُوَ الْإِبْهَامُ وَهُوَ مُنَاقِضٌ لِلتَّعْيِينِ فَكَيْفَ يَجْتَمِعُ النَّقِيضَانِ وَإِنْ أَرَادَ أَنَّهُ
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
وَلَا عَالِمًا بِهِ إلَّا أَنَّهُ لَا يُثَابُ عَلَيْهِ وَلَا يَكُونُ مَقْبُولًا إلَّا إذَا نَوَى بِهِ امْتِثَالَ أَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَمِنْ هَذَا الْبَابِ النِّيَّةُ لَا يُقْصَدُ بِهَا التَّقَرُّبُ وَتَقَعُ وَاجِبَةً وَلَا تَفْتَقِرُ إلَى نِيَّةٍ أُخْرَى لِئَلَّا يَلْزَمُ التَّسَلْسُلُ، وَكَذَلِكَ النَّظَرُ الْأَوَّلُ الْمُفْضِي إلَى الْعِلْمِ بِإِثْبَاتِ الصَّانِعِ لَا يُثَابُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُقْصَدُ بِهِ التَّقَرُّبُ لِمَا مَرَّ فِي الْفَرْقِ الثَّامِنَ عَشَرَ وَالْقِسْمُ الثَّانِي مَا لَا تَكُونُ صُورَةُ فِعْلِهِ كَافِيَةً فِي تَحْصِيلِ مَصْلَحَتِهِ كَالصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ وَالْحَجِّ وَالطَّهَارَاتِ وَجَمِيعِ أَنْوَاعِ الْعِبَادَاتِ الَّتِي يُشْتَرَطُ فِيهَا النِّيَّاتُ فَلَا يَقَعُ وَاجِبًا مُجْزِئًا بِحَيْثُ لَا تَلْزَمُ فِيهِ الْإِعَادَةُ إلَّا إذَا وَقَعَ مَنْوِيًّا عَلَى الْوَجْهِ الْمَشْرُوعِ غَيْرَ أَنَّ هَا هُنَا قَاعِدَةً وَهِيَ أَنَّ الثَّوَابَ وَالْقَبُولَ غَيْرُ لَازِمٍ لِصِحَّةِ الْفِعْلِ وَإِجْزَائِهِ كَمَا عَلَيْهِ الْمُحَقِّقُونَ وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أُمُورٌ أَحَدُهَا:
أَنَّ ابْنَيْ آدَمَ لَمَّا قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنْ الْآخَرِ مَعَ أَنَّ قُرْبَانَهُ كَانَ عَلَى وَفْقِ الْأَمْرِ بِدَلِيلِ أَنَّ أَخَاهُ عَلَّلَ عَدَمَ الْقَبُولِ بِعَدَمِ التَّقْوَى كَمَا حَكَاهُ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ فِي كِتَابِهِ الْعَزِيزِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} [المائدة: 27] إذْ لَوْ لَمْ يَكُنْ عَلَى وَفْقِ الْأَمْرِ بَلْ كَانَ مُخْتَلًّا فِي نَفْسِهِ لَقَالَ لَهُ إنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ الْعَمَلَ الصَّحِيحَ الصَّالِحَ؛ لِأَنَّ هَذَا هُوَ السَّبَبُ الْقَرِيبُ لِعَدَمِ الْقَبُولِ فَدَلَّ عُدُولُهُ عَنْهُ عَلَى أَنَّ الْفِعْلَ كَانَ صَحِيحًا مُجْزِئًا وَإِنَّمَا انْتَفَى عَنْهُ الْقَبُولُ لِأَجْلِ انْتِفَاءِ شَرْطِهِ الَّذِي هُوَ التَّقْوَى فِي عُرْفِ الشَّرْعِ وَأَنَّ الْعَمَلَ الْمُجْزِئَ قَدْ لَا يُقْبَلُ وَإِنْ بَرَأَتْ الذِّمَّةُ بِهِ وَصَحَّ فِي نَفْسِهِ.
وَثَانِيهَا: أَنَّ سُؤَالَ إبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ عليهما السلام الْقَبُولَ فِي فِعْلِهِمَا كَمَا حَكَاهُ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا بِقَوْلِهِ {وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [البقرة: 127] وَهُمَا لَا يَفْعَلَانِ إلَّا فِعْلًا صَحِيحًا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْقَبُولَ غَيْرُ لَازِمٍ لِلْفِعْلِ الصَّحِيحِ بَلْ الْمَحَلُّ قَابِلٌ لَهُ لِحُصُولِ شَرْطِهِ الَّذِي هُوَ التَّقْوَى فِي عُرْفِ الشَّرْعِ إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ حُصُولِ الشَّرْطِ حُصُولُ الْمَشْرُوطِ.
وَثَالِثُهَا: أَنَّ اشْتِرَاطَهُ صلى الله عليه وسلم فِي الْجَزَاءِ الَّذِي هُوَ الثَّوَابُ أَنْ يُحْسِنَ فِي الْإِسْلَامِ بِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم فِيمَا خَرَّجَهُ مُسْلِمٌ «أَمَّا مَنْ أَسْلَمَ وَأَحْسَنَ فِي إسْلَامِهِ فَإِنَّهُ يُجْزَى بِعَمَلِهِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَالْإِسْلَامِ» يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْإِحْسَانَ فِي الْإِسْلَامِ هُوَ التَّقْوَى فِي عُرْفِ الشَّرْعِ الَّتِي هِيَ الْمُبَالَغَةُ فِي اجْتِنَابِ الْمُحَرَّمَاتِ وَفِعْلِ الْوَاجِبَاتِ لَا بِالْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ الَّذِي هُوَ مُجَرَّدُ الِاتِّقَاء لِلْمَكْرُوهِ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ حَتَّى يَصِحَّ قَوْلُ مَنْ قَالَ الْمُرَادُ بِالْمُتَّقِينَ فِي
وَيَدُلُّ مِنْ حَيْثُ الْعَقْلُ عَلَى وُجُودِ الْمُطْلَقَاتِ فِي الْخَارِجِ فِي ضِمْنِ الْمُعَيَّنَاتِ إنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَلَقَ مَفْهُومَ الْإِنْسَانِ بِالضَّرُورَةِ فِي الْخَارِجِ فَهُوَ فِي الْخَارِجِ إمَّا وَحْدَهُ فَقَدْ وُجِدَ مُطْلَقُ الْإِنْسَانِ فِي الْخَارِجِ وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ فِي الْخَارِجِ مَعَ قَيْدٍ وَمَتَى وُجِدَ مَعَ قَيْدٍ فَقَدْ وُجِدَ؛ لِأَنَّ الْمَوْجُودَ مَعَ غَيْرِهِ مَوْجُودٌ بِالضَّرُورَةِ فَمُطْلَقُ الْإِنْسَانِ فِي الْخَارِجِ بِالضَّرُورَةِ، وَكَذَلِكَ الْقَوْلُ فِي جَمِيعِ الْأَجْنَاسِ الَّتِي نَجْزِمُ بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَلَقَهَا وَمَنْ قَالَ بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى مَا خَلَقَ الْأَجْنَاسَ مِنْ الْجَمَادِ وَالنَّبَاتِ وَالْحَيَوَانِ فَقَدْ خَالَفَ الضَّرُورَةَ وَكَذَلِكَ أَيْضًا يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ إنَّ زَيْدٌ إنْسَانٌ فِي الْخَارِجِ بِالضَّرُورَةِ وَنَجِدُ الْفَرْقَ بَيْنَ هَذَا
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
أَعْتَقَ الرَّقَبَةَ الْمُعَيَّنَةَ فَحَصَلَ بِهَا مُقْتَضَى التَّكْلِيفِ بِالْمُطْلَقَةِ فَذَلِكَ صَحِيحٌ.
قَالَ (وَيَدُلُّ مِنْ حَيْثُ الْعَقْلُ عَلَى وُجُودِ الْمُطْلَقَاتِ فِي الْخَارِجِ فِي ضِمْنِ الْمُعَيَّنَاتِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَلَقَ مَفْهُومَ الْإِنْسَانِ بِالضَّرُورَةِ فِي الْخَارِجِ) قُلْتُ قَوْلُهُ هَذَا جَارٍ عَلَى فَاسِدِ اعْتِقَادِهِ الَّذِي لَمْ يَزَلْ يَرُدُّهُ وَهُوَ أَنَّ الْكُلِّيَّاتِ هِيَ الْمُطْلَقَاتُ وَقَدْ وَقَعَ التَّنْبِيهُ عَلَى ذَلِكَ مِرَارًا وَقَوْلُهُ إنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَلَقَ مَفْهُومَ الْإِنْسَانِ بِالضَّرُورَةِ فِي الْخَارِجِ غَيْرُ صَحِيحٍ عِنْدَ جُمْهُورِ مُثْبِتِي الْكُلِّيِّ وَصَحِيحٌ عِنْدَ بَعْضِهِمْ فَإِنَّ جُمْهُورَ الْقَائِلِينَ بِالْكُلِّيِّ مُطْبِقُونَ عَلَى أَنَّهُ لَا وُجُودَ لَهُ فِي الْخَارِجِ وَقَدْ نَوَّعَ بَعْضُهُمْ الْكُلِّيَّ إلَى مَنْطِقِيٍّ وَعَقْلِيٍّ وَطَبِيعِيٍّ وَجَزَمَ بِأَنَّ الْمَنْطِقِيَّ لَا وُجُودَ لَهُ فِي الْخَارِجِ وَأَنَّ الطَّبِيعِيَّ لَهُ وُجُودٌ فِي الْخَارِجِ وَأَنَّ الْعَقْلِيَّ مُخْتَلَفٌ فِيهِ.
قَالَ (فَهُوَ فِي الْخَارِجِ إمَّا وَحْدَهُ فَقَدْ وُجِدَ مُطْلَقُ الْإِنْسَانِ فِي الْخَارِجِ وَأَمَّا أَنْ يَكُونَ فِي الْخَارِجِ مَعَ قَيْدٍ وَمَتَى وُجِدَ مَعَ قَيْدٍ فَقَدْ وُجِدَ) قُلْتُ لَا كَلَامَ أَشَدَّ فَسَادًا مِنْ هَذَا الْكَلَامِ فَإِنَّهُ إنْ حُمِلَ قَوْلُهُ بِأَنَّ الْمُطْلَقَ مَوْجُودٌ فِي الْمُقَيَّدِ عَلَى أَنَّهُ يُرِيدُ الْمُطْلَقَ حَقِيقَةً وَالْمُقَيَّدَ حَقِيقَةً فَذَلِكَ بَيِّنُ الْبُطْلَانِ وَالْفَسَادِ فَإِنَّهُ كَيْفَ يَجْتَمِعَانِ مَعًا فِي الْوُجُودِ الْخَارِجِيِّ وَهُمَا نَقِيضَانِ وَإِنْ حُمِلَ قَوْلُهُ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ يُرِيدُ بِالْمُطْلَقِ الْكُلِّيَّ فَذَلِكَ بَاطِلٌ أَيْضًا فَإِنَّهُ كَيْفَ يَجْتَمِعُ الْكُلِّيُّ بِمَا هُوَ كُلِّيٌّ وَالْجُزْئِيُّ بِمَا هُوَ جُزْئِيٌّ مَعًا فِي شَيْءٍ وَاحِدٍ فِي الْوُجُودِ الْخَارِجِيِّ وَهُمَا نَقِيضَانِ أَيْضًا هَذَا كُلُّهُ كَلَامُ مَنْ لَمْ يُحَصِّلْ هَذِهِ الْعُلُومَ وَلَا أَشْرَفَ عَلَى هَذِهِ الْمَبَاحِثِ بِوَجْهٍ أَصْلًا.
قَالَ (لِأَنَّ الْمَوْجُودَ مَعَ غَيْرِهِ مَوْجُودٌ بِالضَّرُورَةِ) قُلْتُ ذَلِكَ صَحِيحٌ لَكِنْ وُجُودُ الْمُطْلَقِ بِمَا هُوَ مُطْلَقٌ مَعَ الْمُقَيَّدِ وَوُجُودُ الْكُلِّيِّ بِمَا هُوَ كُلِّيٌّ مَعَ الْجُزْئِيِّ فِي الْوُجُودِ الْخَارِجِيِّ مُمْتَنِعٌ فَدَلِيلُهُ لَا يَتَنَاوَلُ مَحَلَّ النِّزَاعِ.
قَالَ (فَمُطْلَقُ الْإِنْسَانِ فِي الْخَارِجِ بِالضَّرُورَةِ) قُلْتُ قَدْ تَبَيَّنَ أَنَّ دَلِيلَهُ لَمْ يُنْتِجْ مَقْصُودَهُ.
قَالَ (وَكَذَلِكَ الْقَوْلُ فِي جَمِيعِ الْأَجْنَاسِ الَّتِي تَجْزِمُ بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَلَقَهَا وَمَنْ قَالَ بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى مَا خَلَقَ الْأَجْنَاسَ مِنْ الْجَمَادِ وَالنَّبَاتِ وَالْحَيَوَانِ فَقَدْ خَالَفَ الضَّرُورَةَ)
قُلْتُ ذَلِكَ مَبْنِيٌّ عَلَى اخْتِلَافِ الْمَذَاهِبِ فَمَنْ أَنْكَرَ الْكُلِّيَّاتِ أَنْكَرَ تِلْكَ الضَّرُورَةَ وَكَذَلِكَ مَنْ أَثْبَتَهَا فِي الْخَارِجِ أَيْضًا قَالَ (وَكَذَلِكَ يَصِحُّ أَيْضًا أَنْ يُقَالَ إنَّ زَيْدًا إنْسَانٌ فِي الْخَارِجِ بِالضَّرُورَةِ وَنَجِدُ الْفَرْقَ بَيْنَ هَذَا
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
قَوْله تَعَالَى {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} [المائدة: 27] الْمُؤْمِنُونَ؛ لِأَنَّهُ عليه السلام صَرَّحَ بِالْإِسْلَامِ ثُمَّ ذَكَرَ الْإِحْسَانَ فِيهِ.
وَرَابِعُهَا: أَنَّ سُؤَالَهُ صلى الله عليه وسلم الْقَبُولَ فِي الْأُضْحِيَّةِ لَمَّا ذَبَحَهَا بِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «اللَّهُمَّ تَقَبَّلْ مِنْ مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ» مَعَ أَنَّ فِعْلَهُ صلى الله عليه وسلم فِي الْأُضْحِيَّةِ كَانَ عَلَى وَفْقِ الشَّرِيعَةِ قَطْعًا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْقَبُولَ وَرَاءَ بَرَاءَةِ الذِّمَّةِ وَالْإِجْزَاءِ وَأَنَّهُ لَمْ يَحْصُلْ وَإِنْ حَصَلَ شَرْطُهُ الَّذِي هُوَ التَّقْوَى فِي عُرْفِ الشَّرْعِ؛ لِأَنَّهُ سَيِّدُ الْمُتَّقِينَ وَإِلَّا لَمَا سَأَلَهُ عليه السلام فَإِنَّ سُؤَالَ تَحْصِيلِ الْحَاصِلِ لَا يَجُوزُ.
وَخَامِسُهَا: أَنَّ صُلَحَاءَ الْأُمَّةِ وَخِيَارَهَا لَمْ يَزَالُوا يَسْأَلُونَ اللَّهَ تَعَالَى الْقَبُولَ فِي الْعَمَلِ بَعْدَ فِعْلِهِ وَفِي أَثْنَائِهِ وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ طَلَبًا لِلصِّحَّةِ وَالْإِجْزَاءِ لَكَانَ إنَّمَا يَحْسُنُ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِي الْعَمَلِ فَيَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى تَيْسِيرَ الْأَرْكَانِ وَالشَّرَائِطِ وَانْتِفَاءَ الْمَوَانِعِ، وَأَمَّا بَعْدَ الْجَزْمِ بِوُقُوعِهَا فَإِنَّمَا يَحْسُنُ إذَا كَانَ الْقَبُولُ غَيْرَ الْإِجْزَاءِ وَغَيْرَ الصِّحَّةِ وَأَنَّهُ الثَّوَابُ.
وَسَادِسُهَا: أَنَّ حَمْلَ الصُّوفِيَّةِ وَقَلِيلٍ مِنْ الْفُقَهَاءِ قَوْلَهُ صلى الله عليه وسلم «إنَّ مِنْ الصَّلَاةِ لَمَا يَقْبَلُ اللَّهُ نِصْفَهَا وَثُلُثَهَا وَرُبْعَهَا وَأَنَّ مِنْهَا لَمَا يُلَفُّ كَمَا يُلَفُّ الثَّوْبُ الْخَلَقُ فَيُضْرَبُ بِهَا وَجْهُ صَاحِبِهَا» عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ عَدَمُ الْإِجْزَاءِ وَأَنَّهُ تَجِبُ الْإِعَادَةُ إذَا غَفَلَ عَنْ صَلَاتِهِ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «لَيْسَ لِلْمُؤْمِنِ مِنْ صَلَاتِهِ إلَّا مَا عَقَلَ مِنْهَا» مَعَ حِكَايَةِ الْغَزَالِيِّ الْإِجْمَاعَ فِي إجْزَائِهَا إذَا عَلِمَ عَدَدَ رَكَعَاتِهَا وَأَرْكَانَهَا وَشَرَائِطَهَا وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُشْتَغِلٍ بِالْخُشُوعِ وَالْإِقْبَالِ عَلَيْهَا.
وَقَالَ أَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ: إنَّ الْمُرَادَ بِالثُّلُثِ وَبِالرُّبْعِ وَنَحْوِهِ الثَّوَابُ وَالْإِجْزَاءُ لَا الصِّحَّةُ ظَاهِرٌ فِي أَنَّ الْقَبُولَ غَيْرُ الْإِجْزَاءِ وَأَنَّ بَعْضَ الْوَاجِبَاتِ يُثَابُ عَلَيْهَا دُونَ بَعْضٍ وَهُوَ الْمَقْصُودُ مِنْ الْفَرْقِ وَكَوْنُ مَا ذُكِرَ مِنْ الْمَدَارِكِ وَالتَّقَارِيرِ يَقْتَضِي أَنَّ الْمَثُوبَاتِ لَا تَحْصُلُ إلَّا بِالتَّقْوَى فِي عُرْفِ الشَّرْعِ وَإِنْ عَارَضَهُ ظَوَاهِرُ نَحْوُ قَوْله تَعَالَى {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا} [الأنعام: 160] وَقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «صَلَاةٌ فِي مَسْجِدِي هَذَا خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ صَلَاةٍ فِي غَيْرِهِ إلَّا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ» ، وَقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «صَلَاةٌ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ أَلْفِ صَلَاةٍ فِي غَيْرِهِ وَصَلَاةٌ فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ بِسِتِّمِائَةِ صَلَاةٍ» وقَوْله تَعَالَى {وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ} [البقرة: 261] ، وَقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «صَلَاةُ الْجَمَاعَةِ تَفْضُلُ صَلَاةَ الْفَذِّ بِخَمْسٍ أَوْ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً» مِنْ حَيْثُ إنَّ هَذِهِ الظَّوَاهِرَ تَقْتَضِي حُصُولَ الْمَثُوبَاتِ مُطْلَقًا فَإِنَّ أَمْثَالَ
الْخَبَرِ وَبَيْنَ قَوْلِنَا زَيْدٌ فِي الْخَارِجِ بِالضَّرُورَةِ وَأَنَّ الْأَوَّلَ مُفِيدٌ دُونَ الثَّانِي وَكَذَلِكَ نَقُولُ هَذَا السَّوَادُ الْمُعَيَّنُ سَوَادٌ وَنُدْرِكُ الْفَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَوْلِنَا الْمُعَيَّنُ مُعَيَّنٌ وَيُدْرِكُ الْإِنْسَانُ مِنْ نَفْسِهِ أَنَّهُ ثَبَتَ لَهُ مَفْهُومُ الْجِسْمِ وَمَفْهُومُ الْحَيَوَانِ وَمَفْهُومُ الْإِنْسَانِ وَمَفْهُومُ الْمُمْكِنِ وَمَفْهُومُ الْمَخْلُوقِ وَجَمِيعُ هَذِهِ الْكُلِّيَّاتِ الْمُشْتَرَكَةِ يَجْزِمُ كُلُّ عَاقِلٍ بِثُبُوتِهَا لَهُ بِالضَّرُورَةِ مِنْ غَيْرِ عَكْسٍ فَجَحْدُ كَوْنِ الْكُلِّيَّاتِ وَالْمُشْتَرَكَاتِ مَوْجُودَةً فِي الْخَارِجِ فِي ضِمْنِ الْمُعَيَّنَاتِ خِلَافُ الضَّرُورَةِ فَهَذَا هُوَ تَلْخِيصُ قَاعِدَةِ الْكُلِّيِّ الْوَاجِبِ وَبِهِ يَظْهَرُ الْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا بَعْدَهُ مِنْ الْكُلِّيَّاتِ.
(الْقَاعِدَةُ الثَّانِيَةُ) الْوَاجِبُ فِيهِ وَهَذَا هُوَ الْوَاجِبُ الْمُوَسَّعُ فَإِذَا أَوْجَبَ اللَّهُ تَعَالَى الظُّهْرَ مِنْ أَوَّلِ الْقَامَةِ إلَى آخِرِهَا فَقَدْ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِيهِ عَلَى سَبْعَةِ مَذَاهِبَ وَتَحْرِيرُهَا أَنَّ الْقَائِلَ قَائِلَانِ قَائِلٌ بِالْوُجُوبِ الْمُوَسَّعِ وَقَائِلٌ بِجَحْدِهِ وَالْأَوَّلُونَ لَهُمْ قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا أَنَّهُ يَفْتَقِرُ إلَى الْعَزْمِ إذَا تَأَخَّرَ وَالْآخَرُ أَنَّهُ لَا يَفْتَقِرُ وَلَا يَجِبُ الْعَزْمُ فَهَذَانِ قَوْلَانِ وَالْقَائِلُونَ بِجَحْدِهِ مِنْهُمْ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
الْخَبَرِ وَبَيْنَ قَوْلِنَا زَيْدٌ فِي الْخَارِجِ بِالضَّرُورَةِ وَأَنَّ الْأَوَّلَ مُفِيدٌ دُونَ الثَّانِي) قُلْتُ ذَلِكَ غَيْرُ صَحِيحٍ بَلْ هُمَا مُفِيدَانِ لَكِنَّ الْأَوَّلَ أَفَادَ مَا لَيْسَ بِمَعْلُومٍ وَلَا صِدْقٍ وَالثَّانِي أَفَادَ مَا هُوَ مَعْلُومٌ وَصِدْقٌ.
قَالَ (وَكَذَلِكَ نَقُولُ هَذَا السَّوَادُ الْمُعَيَّنُ سَوَادٌ وَنُدْرِكُ الْفَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَوْلِنَا الْمُعَيَّنُ مُعَيَّنٌ) قُلْتُ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا فِي عَدَمِ الْفَائِدَةِ.
قَالَ (وَيُدْرِكُ الْإِنْسَانُ مِنْ نَفْسِهِ أَنَّهُ ثَبَتَ لَهُ مَفْهُومُ الْجِسْمِ وَمَفْهُومُ الْحَيَوَانِ وَمَفْهُومُ الْإِنْسَانِ وَمَفْهُومُ الْمُمْكِنِ وَمَفْهُومُ الْمَخْلُوقِ وَجَمِيعُ هَذِهِ الْكُلِّيَّاتِ الْمُشْتَرَكَةِ يَجْزِمُ كُلُّ عَاقِلٍ بِثُبُوتِهَا لَهُ بِالضَّرُورَةِ مِنْ غَيْرِ عَكْسٍ) قُلْتُ لَمْ يَجْزِمْ كُلُّ عَاقِلٍ بِذَلِكَ بَلْ مِنْ الْعُقَلَاءِ مَنْ جَزَمَ بِنَفْيِهَا جُمْلَةً عَنْ الْوُجُودَيْنِ مَعًا وَزَعَمَ أَنَّ الشَّرِكَةَ لَمْ تَقَعْ إلَّا فِي مُجَرَّدِ الْأَلْفَاظِ لَا فِي الْمَعَانِي وَمِنْهُمْ مَنْ جَزَمَ بِإِثْبَاتِهَا فِي الْأَذْهَانِ وَهُمْ جُمْهُورُ الْمُثْبِتِينَ وَمُحَقِّقُوهُمْ وَمِنْهُمْ مَنْ أَثْبَتَهَا فِي الْأَعْيَانِ وَقَوْلُهُ مِنْ غَيْرِ عَكْسٍ إنْ أَرَادَ أَنَّ هَذَا الْعَاقِلَ الَّذِي جَزَمَ بِثُبُوتِ هَذِهِ الْكُلِّيَّاتِ لَهُ لَمْ يَثْبُتْ لَهَا فَذَلِكَ غَيْرُ صَحِيحٍ؛ لِأَنَّ الْفَرْضَ خِلَافُ ذَلِكَ فَإِنَّهُ قَدْ فَرَضَ ثَابِتًا وَإِنْ أَرَادَ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ ثُبُوتُ كُلِّ جُزْئِيٍّ فِي الْإِمْكَانِ لِكُلِّ كُلِّيٍّ وَيَكُونُ ثُبُوتُهُ فِي الْخَارِجِ أَيْ لَا يَلْزَمُ حُصُولُ جَمِيعِ الْمُمْكِنَاتِ فِي الْوُجُودِ فَذَلِكَ صَحِيحٌ.
قَالَ (فَجَحْدُ كَوْنِ الْكُلِّيَّاتِ وَالْمُشْتَرَكَاتِ مَوْجُودَةً فِي الْخَارِجِ فِي ضِمْنِ الْمُعَيَّنَاتِ خِلَافُ الضَّرُورَةِ إلَى آخِرِ كَلَامِهِ فِي هَذِهِ الْقَاعِدَةِ) قُلْتُ قَدْ تَبَيَّنَ مَا فِي ذَلِكَ مِنْ الْخِلَافِ وَتَبَيَّنَ عَلَى قَوْلِ الْجُمْهُورِ بِإِثْبَاتِ الْكُلِّيَّاتِ فِي الْأَذْهَانِ أَنَّ وُجُودَهَا فِي الْجُزْئِيَّاتِ لَيْسَ عَلَى أَنَّهَا عَلَى حَقِيقَتِهَا مِنْ كَوْنِهَا كُلِّيَّةً بَلْ عَلَى أَنَّ فِي الْجُزْئِيَّاتِ قِسْطًا مِنْ الْكُلِّيَّاتِ يَخْتَصُّ كُلُّ جُزْئِيٍّ بِقِسْطٍ لَا يَصِحُّ أَنْ يَخْتَصَّ بِهِ جُزْئِيٌّ سِوَاهُ.
قَالَ (الْقَاعِدَةُ الثَّانِيَةُ الْوَاجِبُ فِيهِ وَهَذَا هُوَ الْوَاجِبُ الْمُوَسَّعُ إلَى آخِرِ مَا قَالَ فِيهِ) .
قُلْتُ مَا قَالَهُ مِنْ حِكَايَةِ الْمَذَاهِبِ وَرَدِّ مَا رَدَّهُ مِنْهَا صَحِيحٌ وَمَا مَالَ إلَى تَحْسِينِهِ مِنْ قَوْلِ الْغَزَالِيِّ لَيْسَ بِصَحِيحٍ إنَّمَا الصَّحِيحُ أَنْ لَا حَاجَةَ إلَى بَدَلٍ أَصْلًا
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
الْعَشْرِ حَسَنَاتٍ وَالْأَلْفِ صَلَاةٍ وَالزَّائِدِ عَلَيْهَا وَالسِّتِّمِائَةِ صَلَاةٍ وَالْمُضَاعَفَةِ لِمَنْ يَشَاءُ تَعَالَى وَالْخَمْسِ أَوْ السَّبْعِ وَالْعِشْرِينَ دَرَجَةً هِيَ عِبَارَةٌ عَنْ مَثُوبَاتٍ تَتَضَاعَفُ إلَّا أَنَّهُ يَتَعَيَّنُ رَدُّ أَحَدِ الظَّاهِرَيْنِ إلَى الْآخَرِ وَأَنْ يُجْمَعَ بَيْنَهُمَا عَلَى الْوَجْهِ الْأَسَدِّ بِحَمْلِ هَذِهِ الظَّوَاهِرِ عَلَى مَا تَقْتَضِيهِ تِلْكَ الْمَدَارِكُ وَالتَّقَارِيرُ مِنْ اشْتِرَاطِ التَّقْوَى فِي الْجَمِيعِ هَذَا مَا لِلْأَصْلِ، وَحَاصِلُهُ أَنَّ تَرَتُّبَ الثَّوَابِ عَلَى الْأَعْمَالِ الْمُسْتَوْفِيَةِ لِشُرُوطِهَا وَأَرْكَانِهَا مَشْرُوطٌ كَمَا هُوَ مُقْتَضَى تِلْكَ الْمَدَارِكِ وَالتَّقَارِيرِ بِالتَّقْوَى الْعُرْفِيَّةِ الَّتِي هِيَ الْمُبَالَغَةُ فِي اجْتِنَابِ الْمُحَرَّمَاتِ وَفِعْلِ الْوَاجِبَاتِ وَإِجْزَائِهِ حَيْثُ قَالَ: الصَّحِيحُ عِنْدِي خِلَافُهُ وَإِنْ قَالَ: إنَّهُ رَأَى عَلَيْهِ جَمَاعَةً مِنْ الْمُحَقِّقِينَ أَوْ لَعَلَّهُمْ مُحَقِّقُونَ فِي غَيْرِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَمَّا فِي هَذِهِ فَلَا؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ الدَّلِيلَ عَلَى الْقَطْعِ فَتَتَعَارَضُ ظَوَاهِرُ الْأَدِلَّةِ الْمُتَكَاثِرَةِ الْمُتَظَافِرَةِ بِتَرَتُّبِ الثَّوَابِ عَلَى الْأَعْمَالِ الصَّحِيحَةِ بِدُونِ اشْتِرَاطِ التَّقْوَى الْعُرْفِيَّةِ وَيَتَعَيَّنُ حَمْلُ هَذِهِ الظَّوَاهِرِ عَلَى اشْتِرَاطِ التَّقْوَى الْعُرْفِيَّةِ جَرْيًا عَلَى قَاعِدَةِ حَمْلِ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ.
لَكِنْ تَعَقَّبَهُ ابْنُ الشَّاطِّ أَوَّلًا فِي قَوْلِهِ بِعَدَمِ تَرْتِيبِ الثَّوَابِ عَلَى صِحَّةِ الْعَمَلِ بِلُزُومِ تَرَتُّبِ الثَّوَابِ عَلَى الْأَعْمَالِ الْمُسْتَوْفِيَةِ لِشُرُوطِهَا وَأَرْكَانِهَا هُوَ أَنَّ مَا تَقْتَضِيهِ تِلْكَ الْمَدَارِكُ وَالتَّقَارِيرُ مِنْ اشْتِرَاطِ التَّقْوَى الْعُرْفِيَّةِ لَا يُقَاوِمُ تِلْكَ الظَّوَاهِرَ عَلَى تَسْلِيمِ أَنَّهَا لَمْ تَبْلُغْ الْقَطْعَ حَتَّى يَتَعَيَّنَ دَفْعُ التَّعَارُضِ وَالْجَمْعُ بَيْنَهُمَا عَلَى قَاعِدَةِ حَمْلِ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ عَلَى أَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّ الظَّوَاهِرَ الْمَذْكُورَةَ قَدْ بَلَغَتْ الْقَطْعَ فَإِنَّهَا قَدْ تَظَافَرَتْ وَتَكَاثَرَتْ وَلَمْ يُعَارِضْهَا سِوَاهَا وَلَيْسَ مَا ذَكَرَ أَنَّهُ مُعَارِضٌ بِمُعَارِضٍ لِاسْتِوَاءِ احْتِمَالَاتِهِ أَمَّا قَوْله تَعَالَى حِكَايَتُهُ عَنْ ابْنَيْ آدَمَ {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} [المائدة: 27] فَلَيْسَ الْمَعْنَى الَّذِي تَأَوَّلَهُ بِهِ بِظَاهِرٍ لِاحْتِمَالِ الْآيَةِ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالتَّقْوَى الْإِيمَانَ عَلَى الْإِطْلَاقِ وَالْإِيمَانُ الْمُوَافِي عَلَيْهِ وَعَلَى تَسْلِيمِ ظُهُورِ تَأْوِيلِهِ لَعَلَّهُ كَانَ شَرْعًا لَهُمْ اشْتِرَاطُ عَدَمِ الْعِصْيَانِ فِي الْقَبُولِ وَكَوْنُ شَرْعِ مَنْ قَبْلَنَا شَرْعٌ لَنَا مَحَلُّهُ إذَا لَمْ يُعَارَضْ وَجَمِيعُ الْآيَاتِ وَالْأَحَادِيثِ الْمُتَضَمِّنَةِ لِوَعْدِ الْمُطِيعِ بِالثَّوَابِ مُعَارِضَةٌ لِذَلِكَ.
وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى حِكَايَةً عَنْ إبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ عليهما السلام {وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [البقرة: 127] فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ سُؤَالُهُمَا ذَلِكَ عَلَى تَقْدِيرِ عِلْمِهِمَا بِعَاقِبَةِ أَمْرِهِمَا لِيَقْتَدِيَ بِهِمَا مَنْ لَا يَعْلَمُ عَاقِبَةَ أَمْرِهِ فَيَتْبَعُهُمَا فِي ذَلِكَ وَهَذَا
بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ قَالَ يَتَعَلَّقُ الْوُجُوبُ بِأَوَّلِ الْوَقْتِ مُعْتَمِدًا عَلَى أَنَّ الْوُجُوبَ مَعَ جَوَازِ التَّأْخِيرِ مُتَنَافِيَانِ وَالْأَصْلُ تَرَتُّبُ الْمُسَبَّبِ عَلَى سَبَبِهِ وَالزَّوَالُ سَبَبٌ فَيَكُونُ الْوُجُوبُ الَّذِي هُوَ مُسَبَّبُهُ أَوَّلَ الْوَقْتِ وَمَا يَقَعُ بَعْدَ ذَلِكَ قَضَاءٌ يَسُدُّ مَسَدَّ الْأَدَاءِ فَهَذَا مُسْتَنَدُهُ وَيَرِدُ عَلَيْهِ أَنَّ الْإِذْنَ فِي تَفْوِيتِ الْأَدَاءِ لِفِعْلِ الْقَضَاءِ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ خِلَافُ قَوَاعِدِ الشَّرْعِ نَعَمْ يَجُوزُ الْإِذْنُ فِي تَفْوِيتِ الْأَدَاءِ لِفِعْلِ الْقَضَاءِ لِضَرُورَةِ السَّفَرِ أَوْ الْمَرَضِ كَمَا فِي رَمَضَانَ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ الْعِبَادَاتِ الَّتِي يَجُوزُ تَرْكُ أَدَائِهَا لِلْقَضَاءِ لِأَجْلِ الْعُذْرِ أَمَّا لِغَيْرِ عُذْرٍ فَغَيْرُ مَعْهُودٍ فِي الشَّرِيعَةِ وَأَخْفَقَ النَّاسُ كُلُّهُمْ عَلَى جَوَازِ تَأْخِيرِ الصَّلَاةِ عَنْ أَوَّلِ الْوَقْتِ فَهَذَا مُسْتَنَدُ هَذَا الْمَذْهَبِ وَمَا عَلَيْهِ مِنْ الْقَوْلِ الْمَذْهَبُ الثَّانِي لِبَعْضِ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّ الْوُجُوبَ مُتَعَلِّقٌ بِآخِرِ الْوَقْتِ وَمُسْتَنَدُهُ أَنَّا نَسْتَدِلُّ بِثُبُوتِ خَصِيصَةِ الشَّيْءِ عَلَى ثُبُوتِهِ وَبِعَدَمِ خَصِيصَةِ الشَّيْءِ عَلَى عَدَمِهِ.
وَمِنْ خَصَائِصِ الْوُجُوبِ الْعِقَابُ عَلَى تَقْدِيرِ التَّرْكِ وَوَجَدْنَا هَذِهِ الْخِصِّيصَةَ مُنْتَفِيَةً فِي غَيْرِ آخِرِ الْوَقْتِ فَقُلْنَا بِنَفْيِ الْوُجُوبِ فِي غَيْرِ آخِرِ الْوَقْتِ وَوَجَدْنَاهَا آخِرَ الْوَقْتِ فَقُلْنَا بِالْوُجُوبِ فِي آخِرِ الْوَقْتِ وَإِنْ وَقَعَ الْفِعْلُ قَبْلَ ذَلِكَ كَانَ نَفْلًا يَسُدُّ مَسَدَّ الْفَرْضِ وَيَرِدُ عَلَيْهِ أَنَّ إجْزَاءَ مَا لَيْسَ بِوَاجِبٍ عَنْ الْوَاجِبِ خِلَافُ الْقَوَاعِدِ وَالْمَذْهَبُ الثَّالِثُ مَذْهَبُ الْكَرْخِيِّ أَنَّ الْفِعْلَ مَوْقُوفٌ إذَا عَجَّلَهُ الْمُكَلَّفُ فَإِنْ جَاءَ آخِرُ الْوَقْتِ وَفَاعِلُهُ مَوْصُوفٌ بِصِفَاتِ الْمُكَلَّفِينَ كَانَ فِعْلُهُ هَذَا وَاجِبًا فَمَا أَجْزَأَ عَنْ الْوَاجِبِ إلَّا وَاجِبٌ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَوْصُوفًا بِصِفَاتِ الْمُكَلَّفِينَ كَانَ نَفْلًا؛ لِأَنَّهُ وَقَعَ قَبْلَ وَقْتِ الْوُجُوبِ وَسَبَبُ هَذَا الْمَذْهَبِ عِنْدَ الْكَرْخِيِّ أَنَّ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ مَنْ يَقُولُ يَتَعَلَّقُ الْوُجُوبُ بِآخِرِ الْوَقْتِ وَرَأَى مَا وَرَدَ عَلَى الْحَنَفِيَّةِ مِنْ إجْزَاءِ النَّفْلِ عَنْ الْفَرْضِ فَاخْتَارَ هَذِهِ الطَّرِيقَةَ وَيَرِدُ عَلَيْهِ أَنْ يَكُونَ الْفِعْلُ حَالَةَ الْإِيقَاعِ لَا يُوصَفُ بِكَوْنِهِ فَرْضًا وَلَا نَفْلًا وَلَا تَتَعَيَّنُ فِيهِ نِيَّةٌ لِأَحَدِهِمَا خِلَافُ الْمَعْهُودِ فِي الْقَوَاعِدِ.
وَالْمَذْهَبُ الرَّابِعُ لِلْحَنَفِيَّةِ أَيْضًا أَنَّ الْمُكَلَّفَ إنْ عَجَّلَ الْفِعْلَ مَنَعَ تَعْجِيلَهُ مِنْ تَعْلِيقِ الْوُجُوبِ بِآخِرِ الْوَقْتِ فَلَا يُجْزِئُ نَفْلٌ عَنْ فَرْضٍ وَلَا يَكُونُ مَوْقُوفًا بَلْ يَنْوِي بِهِ النَّفَلَ وَإِنْ لَمْ يُعَجِّلْهُ كَانَ آخِرُ الْوَقْتِ وَاجِبًا مَوْصُوفًا بِصِفَةِ الْوُجُوبِ فَلَا يَرِدُ عَلَيْهِ مَا وَرَدَ عَلَى الْكَرْخِيِّ وَيَرِدُ عَلَيْهِ أَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام وَأَصْحَابَهُ رضي الله عنهم لَمْ يُطِيعُوا اللَّهَ تَعَالَى بِصَلَاةٍ وَاجِبَةٍ وَلَا أُثِيبُوا ثَوَابَ الْوَاجِبِ عَلَى شَيْءٍ مِنْهَا وَذَلِكَ حَظٌّ عَظِيمٌ يَفُوتُ عَلَيْهِمْ لَا سِيَّمَا مَعَ قَوْلِهِ عليه السلام عَنْ رَبِّهِ عز وجل «مَا تَقَرَّبَ إلَيَّ عَبْدٌ أَوْ أَحَدٌ بِمِثْلِ أَدَاءِ مَا افْتَرَضْتُهُ عَلَيْهِ وَلَا يَزَالُ يَتَقَرَّبُ إلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ» الْحَدِيثَ الْمَشْهُورَ فَثَوَابُ الْوَاجِبَاتِ هُوَ أَفْضَلُ الْمَثُوبَاتِ فَالْقَوْلُ بِفَوَاتِهِ عَلَيْهِمْ مَحْذُورٌ كَبِيرٌ.
الْمَذْهَبُ الْخَامِسُ حَكَاهُ سَيْفُ الدِّينِ فِي الْأَحْكَامِ أَنَّ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
وَمَا قَالَهُ مِنْ تَعَلُّقِ الْوُجُوبِ بِالْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ إنْ أَرَادَ الْكُلِّيَّ فَلَيْسَ ذَلِكَ بِصَحِيحٍ وَإِنْ أَرَادَ تَعَلُّقَ الْوُجُوبِ بِفَرْدٍ مِمَّا فِيهِ الْمُشْتَرَكُ فَذَلِكَ صَحِيحٌ وَمَا اخْتَارَهُ وَصَحَّحَهُ وَنَسَبَهُ إلَى الْمَالِكِيَّةِ فِي مَسْأَلَةِ
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
الِاحْتِمَالُ حَالِيٌّ لَا مَقَالِيٌّ وَالِاحْتِمَالَاتُ الْحَالِيَّةُ لَا تَفَاوُتَ فِيهَا حَتَّى يَكُونَ بَعْضُهَا أَظْهَرَ مِنْ بَعْضٍ فَيُسْتَدَلُّ بِالظَّاهِرِ مِنْهَا بِخِلَافِ الْحَالَاتِ الْمَقَالِيَّةِ فَإِنَّهُ تَكُونُ مُسْتَوِيَةً فِي الْمُحْتَمَلَاتِ وَغَيْرَ مُسْتَوِيَةٍ فِي الظَّاهِرِ وَالْمُؤَوَّلَاتِ، وَأَمَّا مَا خَرَّجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «أَمَّا مَنْ أَسْلَمَ وَأَحْسَنَ فِي إسْلَامِهِ فَإِنَّهُ يُجْزَى بِعَمَلِهِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَالْإِسْلَامِ» فَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِالْإِحْسَانِ الْمُوَافَاةَ عَلَى الْإِيمَانِ الَّذِي لَا شَرْطَ لِثُبُوتِ الْأَعْمَالِ سِوَاهُ بَلْ لَوْ سُلِّمَ ظُهُورُ آيَةٍ أَوْ حَدِيثٍ فِي اشْتِرَاطِ غَيْرِهِ لَكَانَ كُلُّ مَا وَرَدَ مِنْ الْآيَاتِ وَالْأَخْبَارِ مِمَّا يَقْتَضِي اشْتِرَاطَ أَمْرٍ زَائِدٍ عَلَى صِحَّةِ الْعَمَلِ وَبَرَاءَةِ الذِّمَّةِ مُتَأَوَّلًا بِأَنَّهُ الْمُرَادُ لِاجْتِنَابِ الْمَعَاصِي مَعَ أَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ مُسَلَّمٍ.
وَأَمَّا قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم فِي الْأُضْحِيَّةِ لَمَّا ذَبَحَهَا «اللَّهُمَّ تَقَبَّلْ مِنْ مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ» فَالِاحْتِمَالُ فِيهِ كَالِاحْتِمَالِ فِي قَوْلِ إبْرَاهِيمَ عليه الصلاة والسلام، وَأَمَّا كَوْنُ صُلَحَاءِ الْأُمَّةِ وَخِيَارِهَا لَمْ يَزَالُوا يَسْأَلُونَ اللَّهَ تَعَالَى الْقَبُولَ فِي الْعَمَلِ فَيُحْتَمَلُ أَنَّهُمْ طَلَبُوا حُصُولَ الشَّرْطِ الَّذِي هُوَ الْمُوَافَاةُ عَلَى الْإِيمَانِ لِعَدَمِ عِلْمِهِمْ بِذَلِكَ أَوْ طَلَبُوا الْمُسَامَحَةَ فِي إغْفَالِ بَعْضِ شُرُوطِ الْأَعْمَالِ لِعَدَمِ عِلْمِهِمْ لِتَحْصِيلِ ذَلِكَ عَلَى الْكَمَالِ.
وَأَمَّا قَوْلُ صلى الله عليه وسلم «إنَّ مِنْ الصَّلَاةِ لَمَا يُقْبَلُ نِصْفُهَا وَثُلُثُهَا وَرُبْعُهَا وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يُلَفُّ كَمَا يُلَفُّ الثَّوْبُ الْخَلَقُ فَيُضْرَبُ بِهَا وَجْهُ صَاحِبِهَا» فَلَا دَلِيلَ لَهُ وَلَا لِغَيْرِهِ فِيهِ عَلَى مَا أَوْرَدَ لَا بِظَاهِرٍ وَلَا بِبَاطِنٍ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ ظَاهِرَهُ أَنَّ الصَّلَاةَ لَمْ تَكُنْ مُسْتَوْفِيَةً لِشُرُوطِهَا وَأَوْصَافِهَا بِدَلِيلِ قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يُلَفُّ كَمَا تُلَفُّ إلَخْ إذْ لَوْ كَانَتْ مُسْتَوْفِيَةً لِشُرُوطِهَا وَأَوْصَافِهَا لَمْ يَكُنْ لِشَبَهِهَا بِالثَّوْبِ الْخَلَقِ وَجْهٌ.
وَلَا رَيْبَ أَنَّ مَغْزَى هَذَا الْحَدِيثِ إنَّمَا هُوَ التَّحْذِيرُ مِنْ التَّهَاوُنِ بِشُرُوطِهَا وَالتَّحْرِيضُ عَلَى مُرَاعَاةِ أَحْوَالِهَا فَالْقَوْلُ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الثَّوَابُ مَعَ تَقْدِيرِ كَمَالِ شُرُوطِ الصَّلَاةِ وَجَمِيعِ أَوْصَافِهَا خِلَافُ ظَاهِرِ الْحَدِيثِ كَمَا عَلِمْت يُنَافِي قَوْلَهُ إنَّ أَدَاءَ الدُّيُونِ وَشَبَهَهُ لَا ثَوَابَ فِيهِ حَتَّى يَنْوِيَ بِهِ امْتِثَالَ أَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى حَيْثُ قَالَ: إنْ أَرَادَ بِهِ لَا بُدَّ مِنْ اسْتِحْضَارِ نِيَّةِ الِامْتِثَالِ وَلَا يَكْتَفِي بِمُجَرَّدِ نِيَّةِ أَدَاءِ الدُّيُونِ فَغَيْرُ مُسَلَّمٍ بَلْ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ لَا يُحْرَمُ صَاحِبُ هَذِهِ الْحَالَةِ الثَّوَابَ اسْتِدْلَالًا بِقَاعِدَةِ سَعَةِ بَابِ الثَّوَابِ وَإِنْ أَرَادَ أَنَّهُ لَا ثَوَابَ لَهُ إذَا نَوَى سَبَبًا لِلْأَدَاءِ غَيْرَ الِامْتِثَالِ كَتَخَوُّفِهِ أَنْ لَا يُدَايِنَهُ أَحَدٌ إذَا عُرِفَ بِالِامْتِنَاعِ مِنْ الْأَدَاءِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ
الْوُجُوبَ مُتَعَلِّقٌ بِوَقْتِ الْإِيقَاعِ أَيَّ وَقْتٍ كَانَ أَوَّلُهُ أَوْ وَسَطُهُ أَوْ آخِرُهُ فَلَا يَلْزَمُ شَيْءٌ مِنْ الْإِشْكَالَاتِ الْمُتَقَدِّمَةِ وَيَرِدُ عَلَيْهِ أَنَّ شَأْنَ الْوُجُوبِ أَنْ يَكُونَ مُتَقَدِّمًا عَلَى الْفِعْلِ وَيَكُونَ الْفِعْلُ مُتَأَخِّرًا عَنْ الْوُجُوبِ وَتَابِعًا، أَمَّا كَوْنُ الْوُجُوبِ تَابِعًا لِلْفِعْلِ فَغَيْرُ مَعْهُودٍ فِي الشَّرِيعَةِ وَعِنْدَهُ الْوُجُوبُ فِي هَذَا الْوَقْتِ وَتَحَتُّمُ الْإِيقَاعِ فِيهِ تَابِعٌ لِلْفِعْلِ فَكَانَ ذَلِكَ عَلَى خِلَافِ الْقَوَاعِدِ فَهَذَا هُوَ مُسْتَنَدُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا وَمَا فِيهِ مِنْ الْمُخَالَفَاتِ لِلْقَوَاعِدِ فَلَمْ يَبْقَ إلَّا الْقَوْلَانِ اللَّذَانِ فِي التَّوْسِعَةِ وَالْقَوْلُ فِيهِمَا أَنَّ الْوُجُوبَ فِي الْخَارِجِ مُتَعَلِّقٌ بِالْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَ أَجْزَاءِ الْقَامَةِ الْكَائِنَةِ بَيْنَ طَرَفَيْ الْقَامَةِ كَالْوَاجِبِ الْمُخَيَّرِ وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ صَاحِبَ الشَّرْعِ قَالَ صَلِّ إمَّا فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ أَوْ فِي وَسَطِهِ أَوْ فِي آخِرِهِ فَالْوَاجِبُ الصَّلَاةُ فِي أَحَدِ هَذِهِ الْأَزْمِنَةِ وَهُوَ قَدْرٌ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا كَمَا أَنَّ الْوَاجِبَ فِي الْمُوَسَّعِ هُوَ أَحَدُ الْخِصَالِ فَيَكُونُ الْوُجُوبُ مُرَتَّبًا عَلَى الزَّوَالِ فِي الْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ وَيَجُوزُ التَّأْخِيرُ لِبَقَاءِ الْمُشْتَرَكِ وَيَبْرَأُ بِالْفِعْلِ أَوَّلَ الْوَقْتِ لِوُجُودِ الْمُشْتَرَكِ فِيهِ وَأَيُّ وَقْتٍ فَعَلَ فِيهِ صَادَفَ الْمُشْتَرَكَ فَلَا يَلْزَمُ تَأْخِيرُ الْمُسَبَّبِ عَنْ سَبَبِهِ وَلَا أَنَّ الْفِعْلَ بَعْدَ أَوَّلِ الْوَقْتِ قَضَاءٌ وَأَوَّلُهُ نَفْلٌ يَنُوبُ مَنَابَ الْفَرْضِ وَلَا يَلْزَمُ مُخَالَفَةُ قَاعِدَةٍ مِنْ تِلْكَ الْقَوَاعِدِ الَّتِي لَزِمَتْ الْأَقْوَالَ الْأُوَلَ بَلْ تَجْتَمِعُ أَسْبَابُ تِلْكَ الْقَوَاعِدِ كُلِّهَا.
وَهَذَا هُوَ الْحَقُّ غَيْرَ أَنَّ أَرْبَابَ هَذَا الْمَذْهَبِ اخْتَلَفُوا إذَا قُصِدَ التَّأْخِيرُ لِوَسَطِ الْوَقْتِ أَوْ آخِرِهِ هَلْ يَجُوزُ ذَلِكَ لِغَيْرِ بَدَلٍ هُوَ الْعَزْمُ؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ مَا دَلَّ إلَّا عَلَى الصَّلَاةِ، أَمَّا هَذَا الْعَزْمُ فَلَمْ يَدُلَّ عَلَيْهِ دَلِيلٌ فَوَجَبَ نَفْيُهُ أَوْ لَا بُدَّ مِنْ الْعَزْمِ عَلَى الْفِعْلِ فِي بَقِيَّةِ الْوَقْتِ؛ لِأَنَّ مَنْ أَمَرَهُ سَيِّدُهُ فَلَمْ يَفْعَلْ وَلَمْ يَعْزِمْ عَلَى الْفِعْلِ فِي مُسْتَقْبَلِ الزَّمَانِ يُعَدُّ مُعْرِضًا عَنْ أَمْرِ سَيِّدِهِ وَالْإِعْرَاضُ عَنْ الْأَمْرِ حَرَامٌ وَمَا يَنْدَفِعُ بِهِ الْحَرَامُ وَاجِبٌ فَالْعَزْمُ وَاجِبٌ وَاخْتَارَ الْغَزَالِيُّ طَرِيقَةً وُسْطَى وَهِيَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْغَافِلِ عَنْ الْفِعْلِ وَالتَّرْكِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْعَزْمُ وَبَيْنَ مَنْ خَطَرَ بِبَالِهِ الْفِعْلُ وَالتَّرْكُ فَهَذَا إنْ لَمْ يَعْزِمْ عَلَى الْفِعْلِ عَزَمَ عَلَى التَّرْكِ بِالضَّرُورَةِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ الْعَزْمُ عَلَى الْفِعْلِ وَهِيَ طَرِيقَةٌ حَسَنَةٌ.
(فَرْعٌ) مُرَتَّبٌ إذَا قُلْنَا بِالتَّوْسِعَةِ فَهَلْ ذَلِكَ مَشْرُوطٌ بِسَلَامَةِ الْعَاقِبَةِ فَإِنْ مَاتَ قَبْلَ الْفِعْلِ فَقَدْ أَخَّرَ مُخْتَارًا يَأْثَمُ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيَّةِ أَوْ لَا يَأْثَمُ؛ لِأَنَّ صَاحِبَ الشَّرْعِ أَذِنَ لَهُ فِي التَّأْخِيرِ فَهُوَ فَعَلَ مَا أُذِنَ لَهُ فِيهِ وَفِعْلُ الْمَأْذُونِ فِيهِ لَا إثْمَ فِيهِ وَالْأَصْلُ عَدَمُ اشْتِرَاطِ سَلَامَةِ الْعَاقِبَةِ وَهُوَ مَذْهَبُ الْمَالِكِيَّةِ وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ جِهَةِ النَّظَرِ فَهَذَا هُوَ قَاعِدَةُ الْوَاجِبِ فِيهِ وَهُوَ الْقَدْرُ الْمُشْتَرَكُ وَهُوَ كُلِّيٌّ لَا جُزْئِيٌّ عَلَى الْمَذْهَبَيْنِ الْأَخِيرَيْنِ.
الْقَاعِدَةُ الثَّالِثَةُ الْوَاجِبُ بِهِ وَهُوَ سَبَبٌ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
الْمُؤَخِّرِ الَّذِي يَمُوتُ قَبْلَ الْفِعْلِ صَحِيحٌ.
قَالَ (الْقَاعِدَةُ الثَّالِثَةُ الْوَاجِبُ بِهِ وَهُوَ سَبَبٌ) قُلْتُ مَا قَالَهُ مِنْ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ زَوَالَ الشَّمْسِ سَبَبًا لِصَلَاةِ الظُّهْرِ وَجَعَلَ مُطْلَقَ الْإِتْلَافِ سَبَبًا لِوُجُوبِ الضَّمَانِ وَمُطْلَقَ النِّصَابِ سَبَبًا لِوُجُوبِ الزَّكَاةِ صَحِيحٌ وَمَا قَالَهُ مِنْ أَنَّ الْمُطْلَقَ هُوَ الْقَدْرُ الْمُشْتَرَكُ لَيْسَ بِصَحِيحٍ
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
فَمُسَلَّمٌ إذْ لَا نِزَاعَ فِي عَدَمِ الثَّوَابِ حِينَئِذٍ لَكِنَّهُ لَا يَنْفَعُهُ وَثَالِثًا فِي قَوْلِهِ إنَّ النِّيَّةَ وَالنَّظَرَ الْأَوَّلَ وَلَا يَنْوِي بِهِمَا التَّقَرُّبَ حَيْثُ قَالَ: هَذَا صَحِيحٌ فِي النَّظَرِ الْأَوَّلِ لِعَدَمِ الْعِلْمِ بِالْمُتَقَرَّبِ إلَيْهِ وَغَيْرُ صَحِيحٍ فِي النِّيَّةِ فَإِنَّ نِيَّةَ الظُّهْرِ مَثَلًا يُمْكِنُ فِيهِ التَّقَرُّبُ بِهَا؛ لِأَنَّ الشَّارِعَ جَعَلَهَا شَرْطًا فِي صِحَّةِ الصَّلَاةِ وَالشَّرْطُ كَالرُّكْنِ فَكَمَا يَنْوِي الرُّكْنَ يَنْوِي الشَّرْطَ وَلَا مَانِعَ مِنْ ذَلِكَ لَا فِي النِّيَّةِ وَلَا فِي غَيْرِهَا، وَلَا يَلْزَمُ التَّسَلْسُلُ إلَّا لَوْ شُرِعَ نِيَّةُ التَّقَرُّبِ بِالنِّيَّةِ مِنْ حَيْثُ ذَاتُهَا لَا مِنْ حَيْثُ كَوْنُهَا شَرْطًا فَافْهَمْ.
وَرَابِعًا: فِي قَوْلِهِ إنَّ النِّيَّةَ وَالنَّظَرَ لَا ثَوَابَ فِيهِمَا حَيْثُ قَالَ: يَدُلُّ عَلَى إثْبَاتِ الثَّوَابِ فِيهِمَا قَاعِدَةُ سَعَةِ بَابِ الثَّوَابِ؛ إذْ لَا يُعَارِضُهَا حَدِيثُ «إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ» وَمَا فِي مَعْنَاهُ؛ لِأَنَّ مُطْلَقَهُ مُقَيَّدٌ بِإِمْكَانِ النِّيَّاتِ فَبَقِيَ مَحَلُّ امْتِنَاعِهَا غَيْرَ مُتَنَاوِلٍ لَهُ دَلِيلُ اشْتِرَاطِهَا فَافْهَمْ اهـ.
قُلْتُ: وَقَاعِدَةُ إنَّ الْأَعْمَالَ لَا تَكُونُ مُعْتَبَرَةً حَتَّى تُقْرَنَ بِهَا الْمَقَاصِدُ مُسْتَمِرَّةٌ فِي بَابِ خِطَابِ التَّكْلِيفِ خَاصَّةً لَا فِي بَابِ خِطَابِ الْوَضْعِ، قَالَ الْإِمَامُ أَبُو إِسْحَاقَ فِي مُوَافَقَاتِهِ: وَإِذَا عَرَّيْت الْأَفْعَالَ وَالتُّرُوكَ عَنْ الْمَقَاصِدِ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهَا الْأَحْكَامُ الْخَمْسَةُ، وَالدَّلِيلُ عَنْ ذَلِكَ أُمُورٌ:
أَحَدُهَا: مَا ثَبَتَ مِنْ أَنَّ الْأَعْمَالَ بِالنِّيَّاتِ وَهُوَ أَصْلٌ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ فِي الْجُمْلَةِ وَالْأَدِلَّةُ عَلَيْهِ لَا تَقْصُرُ عَنْ مَبْلَغِ الْقَطْعِ وَمَعْنَاهُ أَنَّ مُجَرَّدَ الْأَعْمَالِ مِنْ حَيْثُ هِيَ مَحْسُوسَةٌ فَقَطْ غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ شَرْعًا عَلَى حَالٍ إلَّا مَا قَامَ الدَّلِيلُ عَلَى اعْتِبَارِهِ فِي بَابِ خِطَابِ الْوَضْعِ خَاصَّةً أَمَّا فِي غَيْرِ ذَلِكَ فَالْقَاعِدَةُ مُسْتَمِرَّةٌ وَإِذَا لَمْ تَكُنْ مُعْتَبَرَةً حَتَّى تَقْتَرِنَ بِهَا الْمَقَاصِدُ كَانَ مُجَرَّدُهَا فِي الشَّرْعِ بِمَثَابَةِ حَرَكَاتِ الْعَجْمَاوَاتِ وَالْجَمَادَاتِ وَالْأَحْكَامُ الْخَمْسَةُ لَا تَتَعَلَّقُ بِهَا عَقْلًا وَلَا سَمْعًا فَكَذَلِكَ مَا كَانَ مِثْلَهَا.
وَالثَّانِي: مَا ثَبَتَ مِنْ عَدَمِ اعْتِبَارِ الْأَفْعَالِ الصَّادِرَةِ مِنْ الْمَجْنُونِ وَالنَّائِمِ وَالصَّبِيِّ وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ وَأَنَّهَا لَا حُكْمَ لَهَا فِي الشَّرْعِ فَلَا يُقَالُ فِيهَا جَائِزٌ أَوْ مَمْنُوعٌ أَوْ وَاجِبٌ أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ كَمَا لَا اعْتِبَارَ بِهَا مِنْ الْبَهَائِمِ وَفِي الْقُرْآنِ {وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ} [الأحزاب: 5] وَقَالَ {رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [البقرة: 286] قَالَ: قَدْ فَعَلْت، وَفِي مَعْنَاهُ رُوِيَ الْحَدِيثُ أَيْضًا «رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثٍ فَذَكَرَ الصَّبِيَّ حَتَّى يَحْتَلِمَ وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ حَتَّى يُفِيقَ» فَجَمِيعُ هَؤُلَاءِ لَا قَصْدَ لَهُمْ وَهِيَ الْعِلَّةُ فِي رَفْعِ أَحْكَامِ التَّكْلِيفِ عَنْهُمْ.
وَالثَّالِثُ: الْإِجْمَاعُ عَلَى أَنَّ تَكْلِيفَ مَا لَا يُطَاقُ غَيْرُ وَاقِعٍ فِي الشَّرِيعَةِ وَتَكْلِيفُ مَنْ لَا قَصْدَ لَهُ تَكْلِيفُ مَا لَا يُطَاقُ وَالْمُبَاحُ وَإِنْ كَانَ لَا تَكْلِيفَ فِيهِ
وَتَقْدِيرُهُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ مُطْلَقَ زَوَالِ الشَّمْسِ سَبَبَ وُجُوبِ الظُّهْرِ مَتَى وُجِدَ فِي أَيِّ يَوْمٍ كَانَ وَكَذَلِكَ بَقِيَّةُ أَوْقَاتِ الصَّلَوَاتِ وَجَعَلَ مُطْلَقَ الْإِتْلَافِ سَبَبًا لِوُجُوبِ الضَّمَانِ وَمُطْلَقَ مِلْكِ النِّصَابِ مُوجِبًا لِوُجُوبِ الزَّكَاةِ أَمَّا خُصُوصُ كَوْنِهَا هَذِهِ الدَّنَانِيرَ أَوْ تِلْكَ الدَّنَانِيرَ فَلَا مَدْخَلَ لَهُ فِي وُجُوبِ الزَّكَاةِ، فَلَوْ قُدِّرَ نِصَابٌ مَكَانَ نِصَابٍ فِي مِلْكِ الْمُزَكِّي لَمْ يَخْتَلِفْ الْحُكْمُ وَكَذَلِكَ إتْلَافٌ بَدَلَ إتْلَافٍ فَالْمَنْصُوبُ سَبَبًا إنَّمَا هُوَ الْمُطْلَقُ الَّذِي هُوَ قَدْرٌ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ النُّصُبِ وَالْخُصُوصَاتِ سَاقِطَةٌ عَنْ الِاعْتِبَارِ فِي وُجُوبِ الزَّكَاةِ وَكَذَلِكَ كُلُّ سَبَبٍ يَقْتَضِي ثُبُوتُهُ الثُّبُوتَ فَهَذَا كُلُّهُ مُشْتَرَكٌ وَهُوَ وَاجِبٌ بِهِ أَيْ بِسَبَبِهِ.
الْقَاعِدَةُ الرَّابِعَةُ وَالْوَاجِبُ بِهِ وَهُوَ أَدَاةٌ يُفْعَلُ بِهَا فَإِنَّ الْبَاءَ كَمَا تَكُونُ سَبَبِيَّةً تَكُونُ لِلِاسْتِعَانَةِ نَحْوُ كَتَبْتُ بِالْقَلَمِ وَنَجَرْتُ بِالْقُدُومِ فَالْوَاجِبُ بِهِ الَّذِي هُوَ أَدَاةٌ فِي الشَّرِيعَةِ لَهُ مِثْلٌ أَحَدُهَا الْمَاءُ الَّذِي يُتَوَضَّأُ بِهِ وَيُغْتَسَلُ فَإِنَّهُ لَيْسَ سَبَبًا لِلْوُجُوبِ بَلْ هُوَ أَدَاةٌ يُعْمَلُ بِهَا الْفِعْلُ وَسَبَبُ الطَّهَارَةِ إنَّمَا هُوَ الْحَدَثُ، وَكَذَلِكَ التُّرَابُ فِي التَّيَمُّمِ أَدَاةٌ وَلَيْسَ سَبَبًا وَثَانِيهَا الثَّوْبُ لِلسُّتْرَةِ فِي الصَّلَاةِ لَمْ يُوجِبْ اللَّهُ تَعَالَى السُّتْرَةَ بِثَوْبٍ مُعَيَّنٍ بَلْ بِمُطْلَقِ الثَّوْبِ الَّذِي هُوَ قَدْرٌ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ جَمِيعِ الثِّيَابِ كَمَا لَمْ يُوجِبْ الطَّهَارَةَ بِمَاءٍ مُعَيَّنٍ بَلْ بِالْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَ جَمِيعِ الْمِيَاهِ وَكَذَلِكَ نُجِيبُ عَنْ مَغْلَطَةٍ عَادَتُهَا تُلْقَى عَلَى الطَّلَبَةِ فَيُقَالُ الْوُضُوءُ وَاجِبٌ وَمِنْ هَذِهِ الْفَسْقِيَّةِ الْمُعَيَّنَةِ؛ لِأَنَّ الْوُضُوءَ وَاجِبٌ بِالْإِجْمَاعِ وَهُوَ لَا يَجِبُ مِنْ غَيْرِهَا بِالْإِجْمَاعِ فَتَعَيَّنَتْ هِيَ وَإِلَّا لَبَطَلَ الْوُجُوبُ وَكَذَلِكَ يُقَالُ السُّتْرَةُ وَاجِبَةٌ بِهَذَا الثَّوْبِ الْمُعَيَّنِ؛ لِأَنَّ السُّتْرَةَ وَاجِبَةٌ بِالْإِجْمَاعِ وَهِيَ لَا تَجِبُ بِغَيْرِ هَذَا الثَّوْبِ الْمُعَيَّنِ بِالْإِجْمَاعِ لِجَوَازِ الِاقْتِصَارِ عَلَى هَذَا الثَّوْبِ فَتَعَيَّنَ هَذَا الثَّوْبُ.
وَعَلَى هَذَا الْمِنْوَالِ تُورَدُ هَذِهِ الشُّبُهَاتُ وَالْجَوَابُ عَنْهَا وَاحِدٌ وَهُوَ أَنَّ الْوُجُوبَ إنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِالْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَ هَذِهِ الْفَسْقِيَّةِ وَغَيْرِهَا، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ غَيْرُهَا وَاجِبًا بِالْإِجْمَاعِ لَا تَتَعَيَّنُ هِيَ بَلْ الْقَدْرُ الْمُشْتَرَكُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ غَيْرِهَا لَا هِيَ وَلَا غَيْرُهَا وَكَذَلِكَ إذَا لَمْ تَجِبْ السُّتْرَةُ بِغَيْرِ هَذَا الثَّوْبِ لَا يَتَعَيَّنُ هَذَا الثَّوْبُ بَلْ الْقَدْرُ الْمُشْتَرَكُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ لَا هُوَ وَلَا غَيْرُهُ بَلْ الْخُصُوصَاتُ كُلُّهَا سَاقِطَةٌ عَنْ الِاعْتِبَارِ، وَثَالِثُهَا: الْجِمَارُ فِي النُّسُكِ أَدَاةٌ يُعْمَلُ بِهَا الْوَاجِبُ لَا أَنَّهَا سَبَبُ الْوُجُوبِ بَلْ سَبَبُ الْوُجُوبِ هُوَ تَعْظِيمُ الْبَيْتِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ} [آل عمران: 97] وَلِتَذَكُّرِ قِصَّةِ إبْرَاهِيمَ عليه السلام فِي ذَبْحِ وَلَدِهِ وَفِدَائِهِ بِالْكَبْشِ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
وَقَدْ سَبَقَ لَهُ هَذَا مِرَارًا عَدِيدَةً وَقَدْ كَانَ يَحْتَمِلُ أَنْ يُحْمَلَ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ مُرَادَهُ بِالْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ وَاحِدٌ غَيْرُ مُعَيَّنٍ مِمَّا فِيهِ الْمُشْتَرَكُ وَأَنَّ مُرَادَهُ بِالْمُطْلَقِ ذَلِكَ أَيْضًا لَوْلَا أَنَّ كَثِيرًا مِنْ الْمَوَاضِعِ الَّتِي وَقَعَ لَهُ فِيهَا ذَلِكَ الْقَوْلُ يُصَرِّحُ فِيهَا بِأَنَّ الْقَدْرَ الْمُشْتَرَكَ هُوَ الْكُلِّيُّ وَهَذَا يَمْنَعُ مِنْ صِحَّةِ تَأْوِيلِ كَلَامِهِ بِذَلِكَ.
قَالَ (الْقَاعِدَةُ الرَّابِعَةُ الْوَاجِبُ بِهِ وَهُوَ أَدَاةٌ يَفْعَلُ بِهَا فَإِنَّ الْبَاءَ كَمَا تَكُونُ سَبَبِيَّةً تَكُونُ لِلِاسْتِعَانَةِ إلَى آخِرِ كَلَامِهِ فِي الْقَاعِدَةِ) قُلْتُ مَا قَالَهُ فِيهَا صَحِيحٌ غَيْرُ مَا فِي قَوْلِهِ الْقَدْرُ الْمُشْتَرَكُ عَلَى مَا سَبَقَ.
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
إلَّا تَعْلِيقَ التَّخْيِيرِ وَمَتَى صَحَّ تَعَلُّقُ التَّخْيِيرِ صَحَّ تَعَلُّقُ الطَّلَبِ وَذَلِكَ يَسْتَلْزِمُ قَصْدَ الْمُخْبِرِ وَقَدْ فَرَضْنَاهُ غَيْرَ قَاصِدٍ هَذَا خُلْفٌ.
وَأَمَّا تَعَلُّقُ الْغَرَامَاتِ وَالزَّكَاةِ بِالْأَطْفَالِ وَالْمَجَانِينِ وَغَيْرِ ذَلِكَ فَإِنَّهُ مِنْ قَبِيلِ خِطَابِ الْوَضْعِ لَا خِطَابِ التَّكْلِيفِ الَّذِي كَلَامُنَا فِيهِ، وَأَمَّا تَعَلُّقُ خِطَابِ التَّكْلِيفِ بِالسَّكْرَانِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى} [النساء: 43] فَإِمَّا؛ لِأَنَّهُ لَمَّا أَدْخَلَ السُّكْرَ عَلَى نَفْسِهِ كَانَ كَالْقَاصِدِ لِرَفْعِ الْأَحْكَامِ التَّكْلِيفِيَّةِ فَعُومِلَ بِنَقِيضِ الْمَقْصُودِ وَلَمْ يَكُنْ مَحْجُورًا عَلَيْهِ كَمَا حُجِرَ عَلَى الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ إلَّا فِي خُصُوصِ عُقُودِهِ وَبُيُوعِهِ، وَإِمَّا؛ لِأَنَّ الشُّرْبَ سَبَبٌ لِمَفَاسِدَ كَثِيرَةٍ فَصَارَ اسْتِعْمَالُهُ تَسَبُّبًا فِي تِلْكَ الْمَفَاسِدِ فَيُؤَاخِذُهُ الشَّرْعُ بِهَا وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْهَا كَمَا وَقَعَتْ مُؤَاخَذَةُ أَحَدِ ابْنَيْ آدَمَ بِكُلِّ نَفْسٍ تُقْتَلُ ظُلْمًا وَكَمَا يُؤَاخَذُ الزَّانِي بِمُقْتَضَى الْمَفْسَدَةِ فِي اخْتِلَاطِ الْأَنْسَابِ وَإِنْ لَمْ يَقَعْ مِنْهُ غَيْرُ الْإِيلَاجِ الْمُحَرَّمِ وَنَظَائِرُ ذَلِكَ كَثِيرَةٌ اهـ بِتَصَرُّفٍ فَافْهَمْ.
وَحَاصِلُ مَا لِابْنِ الشَّاطِّ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي الشَّرْعِ وَاجِبٌ صَحِيحٌ مُجْزِئٌ إلَّا وَهُوَ مَقْبُولٌ مُثَابٌ عَلَيْهِ كَمَا هُوَ مُقْتَضَى قَاعِدَةِ سَعَةِ بَابِ الثَّوَابِ وَالْآيَاتِ وَالْأَحَادِيثِ الْمُتَضَمِّنَةِ لِوَعْدِ الْمُطِيعِ بِالثَّوَابِ بِدُونِ أَدْنَى مُعَارِضٍ صَحِيحٍ سَالِمٍ مِنْ الِاحْتِمَالِ وَبِالْجُمْلَةِ فَفِي لُزُومِ الثَّوَابِ وَالْقَبُولِ لِلْعَمَلِ الصَّحِيحِ الْمُجْزِئِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الشَّرْطَ فِي الثَّوَابِ وَالْقَبُولِ هُوَ التَّقْوَى بِمَعْنَى الْإِيمَانِ الْمُوَافِي عَلَيْهِ وَعَدَمُ لُزُومِ الثَّوَابِ وَالْقَبُولِ لِلْعَمَلِ الْمَذْكُورِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ شَرْطَ الثَّوَابِ وَالْقَبُولِ أَمْرٌ إنْ قَصَدَ الِامْتِثَالَ وَالتَّقْوَى الْعُرْفِيَّةَ الَّتِي هِيَ الْمُبَالَغَةُ فِي اجْتِنَابِ الْمُحَرَّمَاتِ وَفِعْلِ الْوَاجِبَاتِ قَوْلَا ابْنِ الشَّاطِّ وَالشِّهَابِ، وَعَلَى الثَّانِي تَتَحَقَّقُ الْقَاعِدَتَانِ الْمَذْكُورَتَانِ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا وَعَلَى الْأَوَّلِ لَا تَتَحَقَّقُ إلَّا قَاعِدَةٌ وَاحِدَةٌ وَهِيَ أَنَّ كُلَّ عَمَلٍ صَحِيحٍ مُجْزِئٍ يُثَابُ عَلَيْهِ وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ فَتَأَمَّلْ وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.
2 -
(فَائِدَتَانِ) الْأُولَى مَا ذُكِرَ مِنْ الْمُضَاعَفَةِ صَرَّحَ الْعُلَمَاءُ بِأَنَّهُ فِيمَا يَرْجِعُ إلَى الثَّوَابِ فَقَطْ وَلَا يَتَعَدَّى ذَلِكَ إلَى الْإِجْزَاءِ عَنْ الْفَوَائِتِ حَتَّى لَوْ كَانَ عَلَيْهِ صَلَاتَانِ فَصَلَّى فِي مَسْجِدِ مَكَّةَ أَوْ الْمَسْجِدِ النَّبَوِيِّ أَوْ الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى صَلَاةً لَمْ تُجْزِهِ عَنْهُمَا قَطْعًا خِلَافًا لِمَا يَغْتَرُّ بِهِ بَعْضُ الْجَهَلَةِ أَفَادَهُ شَيْخُنَا نَقْلًا عَنْ الْوَالِدِ فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى كِتَابِهِ تَوْضِيحِ الْمَنَاسِكِ، وَنَقَلَ الصَّاوِيُّ فِي مَنَاسِكِهِ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ فِي رِسَالَتِهِ أَنَّ الْمُضَاعَفَةَ الْمَذْكُورَةَ فِي الْحَرَمِ لَا يَخْتَصُّ بِالصَّلَوَاتِ بَلْ