الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَالْوُضُوءَ بِالْمَاءِ الْمَسْرُوقِ وَالذَّبْحَ بِالسِّكِّينِ الْمَغْصُوبَةِ وَسَوَّى فِيهِ بَيْنَ مَوَارِدِ النَّهْيِ وَتَوَسَّطَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ بَيْنَ الْمَذْهَبَيْنِ فَأَوْجَبَا الْفَسَادَ فِي بَعْضِ الْفُرُوعِ دُونَ بَعْضٍ، وَأَنَا أَذْكُرُ حُجَجَ الْفَرِيقَيْنِ ثُمَّ أُذَيِّلُ بِمَسَائِلَ تُوَضِّحُ الْفَرْقَ.
احْتَجَّ أَبُو حَنِيفَةَ رحمه الله بِأَنَّ النَّهْيَ إذَا كَانَ فِي نَفْسِ الْمَاهِيَّةِ كَانَتْ الْمَفْسَدَةُ فِي نَفْسِ الْمَاهِيَّةِ وَالْمُتَضَمِّنُ لِلْمُفْسِدَةِ فَاسِدٌ فَإِنَّ النَّهْيَ إنَّمَا يَعْتَمِدُ الْمَفَاسِدَ كَمَا أَنَّ الْأَمْرَ إنَّمَا يَعْتَمِدُ الْمَصَالِحَ كَالنَّهْيِ عَنْ بَيْعِ الْخِنْزِيرِ وَالْمَيْتَةِ وَبَيْعِ السَّفِيهِ، وَتَحْرِيرُهُ أَنَّ أَرْكَانَ الْعَقْدِ أَرْبَعَةٌ: عِوَضَانِ وَعَاقِدَانِ فَمَتَى وُجِدَتْ الْأَرْبَعَةُ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ سَالِمَةً عَنْ النَّهْيِ فَقَدْ وُجِدَتْ الْمَاهِيَّةُ الْمُعْتَبَرَةُ شَرْعًا سَالِمَةً عَنْ النَّهْيِ فَيَكُونُ النَّهْيُ إنَّمَا تَعَلَّقَ بِأَمْرٍ خَارِجٍ عَنْهَا وَمَتَى انْخَرَمَ وَاحِدٌ مِنْ الْأَرْبَعَةِ فَقَدْ عُدِمَتْ الْمَاهِيَّةُ؛ لِأَنَّ الْمَاهِيَّةَ الْمُرَكَّبَةَ كَمَا تُعْدَمُ لِعَدَمِ كُلِّ أَجْزَائِهَا تُعْدَمُ لِعَدَمِ بَعْضِ أَجْزَائِهَا فَإِذَا بَاعَ سَفِيهٌ مِنْ سَفِيهٍ خَمْرًا بِخِنْزِيرٍ فَجَمِيعُ الْأَرْكَانِ مَعْدُومَةٌ فَالْمَاهِيَّةُ مَعْدُومَةٌ وَالنَّهْيُ وَالْفَسَادُ فِي نَفْسِ الْمَاهِيَّةِ وَإِذَا بَاعَ رَشِيدٌ مِنْ رَشِيدٍ ثَوْبًا بِخِنْزِيرٍ فَقَدْ فُقِدَ رُكْنٌ مِنْ الْأَرْبَعَةِ وَهُوَ أَحَدُ الْعِوَضَيْنِ فَتَكُونُ الْمَاهِيَّةُ مَعْدُومَةً شَرْعًا وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ وَاحِدٍ مِنْ الْأَرْبَعَةِ أَوْ اثْنَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ.
فَإِذَا بَاعَ رَشِيدٌ مِنْ رَشِيدٍ فِضَّةً بِفِضَّةٍ فَالْأَرْكَانُ الْأَرْبَعَةُ مَوْجُودَةٌ سَالِمَةٌ عَنْ النَّهْيِ الشَّرْعِيِّ فَإِذَا كَانَتْ إحْدَى الْفِضَّتَيْنِ أَكْثَرَ فَالْكَثْرَةُ وَصْفٌ حَصَلَ لِأَحَدِ الْعِوَضَيْنِ فَالْوَصْفُ مُتَعَلِّقُ النَّهْيِ دُونَ الْمَاهِيَّةِ فَهَذَا هُوَ تَحْرِيرُ كَوْنِ النَّهْيِ فِي الْمَاهِيَّةِ أَوْ فِي أَمْرٍ خَارِجٍ عَنْهَا وَخَرَجَ عَلَى ذَلِكَ جَمِيعُ عُقُودِ الرِّبَا وَجَمِيعُ مَا هُوَ مِنْ هَذَا الضَّابِطِ عَلَى مَا ذَكَرْتُهُ فِي الْمِثَالِ فَمَتَى وُجِدَتْ الْأَرْكَانُ كُلُّهَا وَأَجْزَاءُ الْمَاهِيَّةِ فَالنَّهْيُ فِي الْخَارِجِ وَمَتَى كَانَ النَّهْيُ فِي جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ الْمَاهِيَّةِ أَوْ فِي جَمِيعِ أَجْزَائِهَا فَالنَّهْيُ فِي الْمَاهِيَّةِ إذَا تَقَرَّرَ هَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ أَصْلُ الْمَاهِيَّةِ سَالِمٌ عَنْ الْمَفْسَدَةِ وَالنَّهْيُ إنَّمَا هُوَ فِي الْخَارِجِ عَنْهَا فَلَوْ قُلْنَا بِالْفَسَادِ مُطْلَقًا لَسَوَّيْنَا بَيْنَ الْمَاهِيَّةِ الْمُتَضَمَّنَةِ لِلْفَسَادِ وَبَيْنَ السَّالِمَةِ عَنْ الْفَسَادِ، وَلَوْ قُلْنَا بِالصِّحَّةِ مُطْلَقًا لَسَوَّيْنَا بَيْنَ الْمَاهِيَّةِ السَّالِمَةِ فِي ذَاتِهَا وَصِفَاتِهَا وَبَيْنَ الْمُتَضَمِّنَةِ لِلْفَسَادِ فِي صِفَاتِهَا وَذَلِكَ غَيْرُ جَائِزٍ فَإِنَّ التَّسْوِيَةَ بَيْنَ مَوَاطِنِ الْفَسَادِ وَبَيْنَ السَّالِمِ عَنْ الْفَسَادِ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
ذَلِكَ الْجُزْءُ الْمَعْدُومُ جُزْءًا مِنْهَا إلَّا بِالتَّوَهُّمِ وَبِتَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ جُزْءًا فِي غَيْرِ هَذَا الْفَرْضِ أَمَّا فِي هَذَا فَلَا وَغَيْرُ مَا قَالَهُ مِنْ أَنَّ ذَلِكَ الَّذِي قَرَّرَهُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِقْهٌ حَسَنٌ وَهُوَ قَوْلُهُ.
(قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ أَصْلُ الْمَاهِيَّةِ سَالِمٌ عَنْ الْمَفْسَدَةِ وَالنَّهْيُ إنَّمَا هُوَ فِي الْخَارِجِ عَنْهَا فَلَوْ قُلْنَا بِالْفَسَادِ مُطْلَقًا لَسَوَّيْنَا بَيْنَ الْمَاهِيَّةِ الْمُتَضَمِّنَةِ لِلْفَسَادِ وَبَيْنَ السَّالِمَةِ عَنْ الْفَسَادِ وَلَوْ قُلْنَا بِالصِّحَّةِ مُطْلَقًا لَسَوَّيْنَا بَيْنَ الْمَاهِيَّةِ السَّالِمَةِ فِي ذَاتِهَا وَصِفَاتِهَا وَبَيْنَ الْمُتَضَمِّنَةِ لِلْفَسَادِ فِي صِفَاتِهَا وَذَلِكَ غَيْرُ جَائِزٍ فَإِنَّ التَّسْوِيَةَ بَيْنَ مَوَاطِنِ الْفَسَادِ وَبَيْنَ السَّالِمِ عَنْ الْفَسَادِ
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
كَالصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ وَرَمَضَانَ.
وَالثَّانِي: مَا لَا يُوصَفُ بِهِمَا بِالْمَعْنَى الْأَوَّلِ الِاصْطِلَاحِيِّ وَإِنَّمَا يُوصَفُ بِهِمَا بِالْمَعْنَى الثَّانِي الِاصْطِلَاحِيِّ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالْأَحْنَافِ أَوْ بِالْمَعْنَى الرَّابِعِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ كَالنَّوَافِلِ فَافْهَمْ.
وَالثَّالِثُ: مَا يُوصَفُ بِالْأَدَاءِ بِالْمَعْنَى الْمُتَقَدِّمِ فَقَطْ كَالْجُمُعَةِ وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ
[الْعِبَادَاتُ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ]
(الْفَرْقُ السَّابِعُ وَالسِّتُّونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْأَدَاءِ الَّذِي يَثْبُتُ مَعَهُ الْإِثْمُ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الْأَدَاءِ الَّذِي لَا يَثْبُتُ مَعَهُ الْإِثْمُ)
وَذَلِكَ أَنَّ مَا ذُكِرَ مِنْ حَدِّ الْأَدَاءِ وَحَدِّ الْقَضَاءِ لَمَّا لَمْ يَتَعَرَّضْ فِيهِمَا لِأَحْوَالِ الْمُكَلَّفِ بَلْ لِلْعِبَادَةِ فَقَطْ وَكَانَ حَدُّ الْأَدَاءِ يَصْدُقُ عَلَى أَنَّ وَقْتَ أَدَاءِ الظُّهْرِ مِنْ أَوَّلِ الزَّوَالِ إلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ وَوَقْتَ أَدَاءِ الْمَغْرِبِ مِنْ غُرُوبِ الشَّمْسِ إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ بِسَبَبِ أَنَّ أَرْبَابَ الْأَعْذَارِ يُدْرِكُونَ الظُّهْرَيْنِ بِزَوَالِ عُذْرِهِمْ فِي مِقْدَارِ مَا يَسَعُ خَمْسَ رَكَعَاتٍ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ وَيُدْرِكُونَ صَلَاتَيْ اللَّيْلِ بِزَوَالِهِ فِي مِقْدَارِ مَا يَسَعُ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ الْإِجْمَاعُ مُنْعَقِدٌ عَلَى أَنَّ مَا خَرَجَ وَقْتُهُ لَا يَلْزَمُ أَرْبَابَ الْأَعْذَارِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُمْ لَا يَلْزَمُهُمْ صَلَاةُ النَّهَارِ إذَا لَمْ يَزُلْ عُذْرُهُمْ إلَّا بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ وَلَا صَلَاةُ اللَّيْلِ إذَا لَمْ يَزُلْ إلَّا بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ إلَّا أَنَّ الشَّرْعَ لَمَّا مَنَعَ الْمُكَلَّفَ الَّذِي لَا عُذْرَ لَهُ مِنْ تَأْخِيرِ الْعِبَادَاتِ إلَى آخِرِ الْوَقْتِ مُطْلَقًا وَحَدُّ وَقْتِ الِاخْتِيَارِ فِي الظُّهْرِ بِآخِرِ الْقَامَةِ وَفِي الْعَصْرِ بِالِاصْفِرَارِ وَفِي الْمَغْرِبِ عَلَى زَاوِيَةِ اتِّحَادِهِ.
قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: وَهِيَ الْأَشْهَرُ وَقَالَ فِي الِاسْتِذْكَارِ الِاتِّحَادُ هُوَ الْمَشْهُورُ بِقَدْرِ مَا يَسَعُ فِعْلُهَا بَعْدَ شُرُوطِهَا وَعَلَى رِوَايَةِ امْتِدَادِهِ.
قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ فِي عَارِضَتِهِ الْقَوْلُ بِالِامْتِدَادِ هُوَ الصَّحِيحُ وَقَالَ فِي أَحْكَامِهِ إنَّهُ هُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ وَقَوْلُهُ الَّذِي فِي مُوَطَّئِهِ الَّذِي قَرَأَهُ طُولَ عُمْرِهِ وَأَمْلَاهُ حَيَاتَهُ اهـ. بِغِيَابِ الشَّفَقِ الْأَحْمَرِ كَمَا فِي الْحَطَّابِ عَلَى خَلِيلٍ، وَفِي الْعِشَاءِ أَمَّا بِثُلُثِ اللَّيْلِ الْأَوَّلِ.
وَأَمَّا بِنِصْفِهِ عَلَى الْخِلَافِ وَحَدُّ وَقْتِ الِاضْطِرَارِ فِي الظُّهْرِ مِنْ بَعْدِ الْقَامَةِ وَالْعَصْرِ مِنْ بَعْدِ الِاصْفِرَارِ إلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ فِيهِمَا وَفِي الْمَغْرِبِ إمَّا مِنْ بَعْدِ مَا يَسَعُهَا بِشُرُوطِهَا أَوْ مِنْ بَعْدِ غِيَابِ الشَّفَقِ الْأَحْمَرِ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ وَفِي الْعِشَاءِ إمَّا مِنْ بَعْدِ الثُّلُثِ أَوْ النِّصْفِ إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ فِيهِمَا بِحَيْثُ إنَّ صَاحِبَ الشَّرْعِ حَجَرَ عَلَى الْمُخْتَارِينَ مِنْ إيقَاعِ الظُّهْرِ مَثَلًا فِيمَا بَعْدَ الْقَامَةِ إلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ وَمِنْ إيقَاعِ الْمَغْرِبِ مَثَلًا فِيمَا بَعْدَ مَا يَسَعُهَا بِشُرُوطِهَا أَوْ فِيمَا بَعْدَ غِيَابِ الشَّفَقِ الْأَحْمَرِ إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ وَإِنْ كَانَ كُلٌّ مِنْ الْوَقْتَيْنِ
خِلَافُ الْقَوَاعِدِ فَتَعَيَّنَ حِينَئِذٍ أَنْ يُقَابَلَ الْأَصْلُ بِالْأَصْلِ وَالْوَصْفُ بِالْوَصْفِ فَنَقُولُ أَصْلُ الْمَاهِيَّةِ سَالِمٌ عَنْ النَّهْيِ.
وَالْأَصْلُ فِي تَصَرُّفَاتِ الْمُسْلِمِينَ وَعُقُودِهِمْ الصِّحَّةُ حَتَّى يَرِدَ نَهْيٌ فَيَثْبُتُ لِأَصْلِ الْمَاهِيَّةِ الْأَصْلُ الَّذِي هُوَ الصِّحَّةُ وَيَثْبُتُ لِلْوَصْفِ الَّذِي هُوَ الزِّيَادَةُ الْمُتَضَمِّنَةُ لِلْمَفْسَدَةِ الْوَصْفُ الْعَارِضُ وَهُوَ النَّهْيُ فَيَفْسُدُ الْوَصْفُ دُونَ الْأَصْلِ وَهُوَ الْمَطْلُوبُ وَهُوَ فِقْهٌ حَسَنٌ وَاحْتَجَّ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ رضي الله عنه بِأَنَّ النَّهْيَ يَعْتَمِدُ الْمَفَاسِدَ وَمَتَى وَرَدَ نَهْيٌ أَبْطَلْنَا ذَلِكَ الْعَقْدَ وَذَلِكَ التَّصَرُّفَ بِجُمْلَتِهِ، فَإِنَّ ذَلِكَ الْعَقْدَ إنَّمَا اقْتَضَى تِلْكَ الْمَاهِيَّةَ بِذَلِكَ الْوَصْفِ أَمَّا بِدُونِهِ فَلَمْ يَتَعَرَّضْ لَهُ الْمُتَعَاقِدَانِ فَيَبْقَى عَلَى الْأَصْلِ غَيْرَ مَعْقُودٍ عَلَيْهِ فَيُرَدُّ مِنْ يَدِ قَابِضِهِ بِغَيْرِ عَقْدٍ، وَكَذَلِكَ الْوُضُوءُ بِالْمَاءِ الْمَغْصُوبِ مَعْدُومٌ شَرْعًا وَالْمَعْدُومُ شَرْعًا كَالْمَعْدُومِ حِسًّا وَمَنْ صَلَّى بِغَيْرِ وُضُوءٍ حِسًّا فَصَلَاتُهُ بَاطِلَةٌ، فَكَذَلِكَ صَلَاةُ الْمُتَوَضِّئِ بِالْمَاءِ الْمَغْصُوبِ بَاطِلَةٌ وَكَذَلِكَ الصَّلَاةُ فِي الثَّوْبِ الْمَغْصُوبِ وَالْمَسْرُوقِ وَالذَّبْحُ بِالسِّكِّينِ الْمَغْصُوبَةِ وَالْمَسْرُوقَةِ فَهِيَ كُلُّهَا مَعْدُومَةٌ شَرْعًا فَتَكُونُ مَعْدُومَةً حِسًّا وَمَنْ فَرَى الْأَوْدَاجَ بِغَيْرِ أَدَاةٍ حِسًّا لَمْ تُؤْكَلْ ذَبِيحَتُهُ فَكَذَلِكَ ذَبِيحَةُ الذَّابِحِ بِسِكِّينٍ مَغْصُوبَةٍ وَعَلَى هَذَا الْمِنْوَالِ.
وَأَمَّا نَحْنُ فَتَوَسَّطْنَا بَيْنَ الْمَذْهَبَيْنِ فَقُلْنَا بِالْفَسَادِ لِأَجْلِ النَّهْيِ عَنْ الْوَصْفِ فِي مَسَائِلَ دُونَ مَسَائِلَ وَلْنَذْكُرْ مِنْ ذَلِكَ ثَلَاثَ مَسَائِلَ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
خِلَافُ الْقَوَاعِدِ فَتَعَيَّنَ حِينَئِذٍ أَنْ يُقَابَلَ الْأَصْلُ بِالْأَصْلِ وَالْوَصْفُ بِالْوَصْفِ فَنَقُولُ أَصْلُ الْمَاهِيَّةِ سَالِمٌ عَنْ النَّهْيِ وَالْأَصْلُ فِي تَصَرُّفَاتِ الْمُسْلِمِينَ وَعُقُودِهِمْ الصِّحَّةُ حَتَّى يَرِدَ نَهْيٌ فَيُثْبِتَ لِأَصْلِ الْمَاهِيَّةِ الْأَصْلَ الَّذِي هُوَ الصِّحَّةُ وَيُثْبِتَ لِلْوَصْفِ الَّذِي هُوَ الزِّيَادَةُ الْمُتَضَمِّنَةُ لِلْمَفْسَدَةِ الْوَصْفَ الْعَارِضَ وَهُوَ النَّهْيُ فَيَفْسُدُ الْوَصْفُ دُونَ الْأَصْلِ وَهُوَ الْمَطْلُوبُ) قُلْتُ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ لَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ فَإِنَّ الْوَصْفَ إذَا نَهَى عَنْهُ سَرَى النَّهْيُ إلَى الْمَوْصُوفِ؛ لِأَنَّ الْوَصْفَ لَا وُجُودَ لَهُ مُفَارِقًا لِلْمَوْصُوفِ فَيَئُولُ الْأَمْرُ إلَى أَنَّ النَّهْيَ يَتَسَلَّطُ عَلَى الْمَاهِيَّةِ الْمَوْصُوفَةِ بِذَلِكَ الْوَصْفِ فَتَكُونُ الْمَاهِيَّةُ عَلَى ضَرْبَيْنِ عَارٍ عَنْ ذَلِكَ الْوَصْفِ فَلَا يَتَسَلَّطُ النَّهْيُ عَلَيْهِ وَمُتَّصِفٌ بِذَلِكَ الْوَصْفِ فَيَتَسَلَّطُ النَّهْيُ عَلَيْهِ.
قَالَ (وَاحْتَجَّ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - بِأَنَّ النَّهْيَ يَعْتَمِدُ الْمَفَاسِدَ إلَى قَوْلِهِ وَلِنَذْكُرَ مِنْ ذَلِكَ ثَلَاثَ مَسَائِلَ) قُلْتُ فِيمَا قَالَهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فِي الْوُضُوءِ بِالْمَاءِ الْمَغْصُوبِ وَمَا أَشْبَهَهُ وَمِنْ تَسْوِيَتِهِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَسْأَلَةِ الرِّبَا نَظَرٌ فَإِنَّ هَذِهِ الْأُمُورَ لَمْ يَتَسَلَّطْ النَّهْيُ فِيهَا عَلَى الْمَاهِيَّةِ وَلَا عَلَى وَصْفِهَا بَلْ تَسَلَّطَ عَلَى الْغَصْبِ مِنْ غَيْرِ تَعَرُّضِ لِكَوْنِهِ فِي وُضُوءٍ أَوْ غَيْرِ وُضُوءٍ بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الرِّبَا فَإِنَّهُ وَإِنْ كَانَ النَّهْيُ فِي الْآيَةِ ظَاهِرُهُ التَّسَلُّطُ عَلَى الرِّبَا مِنْ غَيْرِ تَعَرُّضٍ لِكَوْنِهِ فِي الْبَيْعِ أَوْ لَا فَإِنَّ الْحَدِيثَ قَدْ بَيَّنَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «لَا تَبِيعُوا الذَّهَبَ بِالذَّهَبِ إلَّا مِثْلًا
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
الْمَذْكُورَيْنِ يَصْدُقُ عَلَيْهِ حَدُّ الْأَدَاءِ الْمَارِّ كَانَ إيقَاعُ الْمُخْتَارِينَ الظُّهْرَ بَعْدَ الْقَامَةِ وَالْعَصْرَ بَعْدَ الِاصْفِرَارِ وَالْمَغْرِبَ بَعْدَ مَا يَسَعُهَا بِشُرُوطِهَا أَوْ بَعْدَ غِيَابِ الشَّفَقِ الْأَحْمَرِ وَالْعِشَاءَ بَعْدَ الثُّلُثِ أَوْ النِّصْفِ أَدَاءً مَعَهُ الْإِثْمُ لِتَعَدِّيهِمْ مَا حَدَّدَهُ لَهُمْ صَاحِبُ الشَّرْعِ وَإِيقَاعِهِمْ الظُّهْرَ فِي الْقَامَةِ وَالْمَغْرِبَ فِيمَا يَسَعُهَا بِشُرُوطِهَا أَدَاءً لَيْسَ مَعَهُ إثْمٌ لِعَدَمِ تَعَدِّيهِمْ مَا حَدَّدَهُ لَهُمْ صَاحِبُ الشَّرْعِ إذْ لِصَاحِبِ الشَّرْعِ أَنْ يُحَدِّدَ لِلْعِبَادَةِ وَقْتًا وَيَجْعَلَ نِصْفَهُ الْأَوَّلَ لِطَائِفَةٍ وَنِصْفَهُ الْآخَرَ لِطَائِفَةٍ أُخْرَى فَتَأْثَمُ الْأُولَى بِتَعَدِّيهَا لِغَيْرِ وَقْتِهَا، أَلَا تَرَى أَنَّ الْقَامَةَ وَقْتُ أَدَاءً بِلَا خِلَافٍ لِصَلَاةِ الظُّهْرِ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ وَمَعَ ذَلِكَ لَوْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّ طَائِفَةٍ أَنَّهَا لَا تَعِيشُ إلَى آخِرِ الْقَامَةِ بَلْ لِنِصْفِهَا لَجَعَلَ صَاحِبُ الشَّرْعِ نِصْفَ الْقَامَةِ وَقْتًا لِهَؤُلَاءِ خَاصَّةً دُونَ غَيْرِهِمْ وَالنِّصْفُ الْآخَرُ مِنْ الْقَامَةِ لَيْسَ وَقْتًا لَهُمْ، فَكَذَلِكَ هَا هُنَا جَعَلَ صَاحِبُ الشَّرْعِ وَقْتَ الظُّهْرِ إلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ وَوَقْتَ الْمَغْرِبِ إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ وَحَجَرَ عَلَى الْمُخْتَارِينَ الْوُصُولَ إلَيْهِ وَجَعَلَهُمْ بِتَعَدِّي الْقَامَةِ وَغِيَابِ الشَّفَقِ الْأَحْمَرِ مُؤَدِّينَ آثِمِينَ وَجَعَلَ لِأَرْبَابِ الْأَعْذَارِ إدْرَاكَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ أَدَاءً بِلَا إثْمٍ فِيمَا يَسَعُ خَمْسَ رَكَعَاتٍ قَبْلَ الْغُرُوبِ وَإِدْرَاكُ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ أَدَاءً بِلَا إثْمٍ فِيمَا يَسَعُ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ قَبْلَ الْفَجْرِ.
فَظَهَرَ بِهَذَا تَحْرِيرُ الْفَرْقِ وَزَالَ مَا اسْتَشْكَلَهُ الشَّافِعِيَّةُ عَلَيْنَا مِنْ الْجَمْعِ بَيْنَ الْأَدَاءِ وَالْإِثْمِ عَلَى أَنَّهُمْ قَائِلُونَ بِهِ فِيمَنْ ظَنَّ مَا ذَكَرَ فَكَذَلِكَ يَلْزَمُهُمْ أَنْ يَقُولُوا بِهِ فِي الْمُخْتَارِينَ بِالْأَوْلَى هَذَا خُلَاصَةُ مَا قَالَهُ الْأَصْلُ قَالَ ابْنُ الشَّاطِّ وَمَا قَالَهُ صَحِيحٌ عَلَى تَقْدِيرِ أَنَّ اصْطِلَاحَ الْفُقَهَاءِ مُوَافِقٌ لِتَحْدِيدِهِ الْأَدَاءَ أَوْ عَلَى تَسْلِيمِ اصْطِلَاحِهِ وَلَا مُشَاحَّةَ فِي الِاصْطِلَاحِ، وَتَصْحِيحُ تَحْدِيدِهِ إلَّا أَنَّ دَعْوَاهُ أَنَّ صَاحِبَ الشَّرْعِ جَعَلَ نِصْفَ الْقَامَةِ وَقْتًا لِمَنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ لَا يَعِيشُ إلَى نِصْفِهَا بَاطِلَةٌ بِلَا شَكٍّ وَإِنْ كَانَ ذَهَبَ إلَى ذَلِكَ طَائِفَةٌ فَهُوَ مَذْهَبٌ ذَاهِبٌ وَدَعْوَى لَا حُجَّةَ عَلَيْهَا أَلْبَتَّةَ فَلَا يَصِحُّ التَّنْظِيرُ بِهِ ضَرُورَةَ أَنَّ تَحْدِيدَ وَقْتِ الِاخْتِيَارِ بِالْقَامَةِ مَثَلًا ثَابِتٌ مِنْ الشَّرْعِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَتَحْدِيدُ الْوَقْتِ بِالظَّنِّ الْمَذْكُورِ غَيْرُ ثَابِتٍ مِنْ الشَّرْعِ وَلَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ لَا بِدَلِيلٍ ظَنِّيٍّ وَلَا قَطْعِيٍّ بِوَجْهٍ بَلْ الْحَقُّ أَنَّ مَنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ ذَلِكَ إنْ وَقَعَ الْأَمْرُ لِمَا ظَنَّهُ فَأَمَّا أَنْ يُوقِعَ الصَّلَاةَ قَبْلَ مَوْتِهِ فَيَكُونُ قَدْ أَوْقَعَ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ وَفَازَ بِأَجْرِهِ.
وَأَمَّا أَنْ لَا يُوقِعَهَا فَلَا يُؤَاخَذُ؛ لِأَنَّهُ مَاتَ فِي أَثْنَاءِ