الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فُرُوضِ الْكِفَايَاتِ فَهُوَ مِنْ الدِّينِ، وَيَكُونُ قَوْلُهُ أَفَلَا نَرْضَاك لِدُنْيَانَا أَيْ هَؤُلَاءِ إنَّمَا يَتَنَازَعُونَ يَعْنِي الْأَنْصَارَ فِي أُمُورِ رِئَاسَةٍ وَعُلُوٍّ وَحُصُولِ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ مِنْ قِبَلِهِمْ، وَهَذَا أَمْرٌ دُنْيَوِيٌّ لَا دِينِيٌّ فَيَكُونُ حَسِيسًا بِالنِّسْبَةِ إلَى الدِّينِ الَّذِي هُوَ مِنْ جُمْلَةِ مَصَالِحِ الْأُمَّةِ وَالْمِلَّةِ، وَهَذَا كَلَامٌ صَحِيحٌ فَإِنَّ الْمَرْضِيَّ لِمَعَالِي الْأُمُورِ لَا يَقْصُرُ دُونَ خَسِيسِهَا فَانْدَفَعَ بِهَذِهِ الْوُجُوهِ هَذَا السُّؤَالُ، وَكَانَ الصِّدِّيقُ رضي الله عنه أَجَلَّ مِنْ هَذَا كُلِّهِ بَيْنَ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم، وَإِنَّمَا قَامَ الْأَنْصَارُ فِي مُنَازَعَتِهِ لِطَلَبِ الْعُلُوِّ وَالرِّئَاسَةِ، وَلِهَذَا قَالَ قَائِلُهُمْ مِنَّا أَمِيرٌ وَمِنْكُمْ أَمِيرٌ وَمَعْلُومٌ أَنَّ الشَّرِكَةَ فِي الْإِمَامَةِ لَيْسَتْ مِنْ مَصَالِحِ الدِّينِ، فَإِنَّ ذَلِكَ يُفْضِي إلَى الْمُخَالَفَةِ وَالْمُشَاقَقَةِ لَكِنْ لَمَّا لَمْ يَجِدْ هَذَا الْقَائِلُ الْأَمْرَ يَصْفُو لَهُ وَحْدَهُ طَلَبَ الشَّرِكَةَ تَحْصِيلًا لِمَقْصِدِهِ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ لَيْسَ مَصْلَحَةً لِلنَّاسِ.
وَقَدْ قَالَ الْعُلَمَاءُ رحمهم الله إنَّ قَوْله تَعَالَى {وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ} [الزخرف: 44] إنَّهُ الْخِلَافَةُ وَإِنَّهُ «كَانَ صلى الله عليه وسلم يَطُوفُ عَلَى الْقَبَائِلِ فِي أَوَّلِ أَمْرِهِ لِيَنْصُرُوهُ فَيَقُولُونَ لَهُ وَيَكُونُ لَنَا الْأَمْرُ مِنْ بَعْدِك فَيَقُولُ صلى الله عليه وسلم إنِّي قَدْ مُنِعْتُ مِنْ ذَلِكَ وَإِنَّهُ قَدْ أُنْزِلَ عَلَيَّ {وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ} [الزخرف: 44] » فَلَمْ يَكُنْ لِلْأَنْصَارِ فِي هَذَا الشَّأْنِ شَيْءٌ، وَهَذَا مُسْتَوْعَبٌ فِي كُتُبِ الْإِمَامَةِ وَمَوْضِعُهُ مِنْ أُصُولِ الدِّينِ لَيْسَ هَذَا مَوْضِعُهُ، وَقَدْ سُئِلَ بَعْضُ عُلَمَاءِ الْقَيْرَوَانِ مَنْ كَانَ مُسْتَحِقًّا لِلْخِلَافَةِ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ سُبْحَانَ اللَّهِ إنَّا بِالْقَيْرَوَانِ نَعْلَمُ مَنْ هُوَ أَصْلَحُ مِنَّا بِالْقَضَاءِ، وَمَنْ هُوَ أَصْلَحُ مِنَّا لِلْفُتْيَا وَمَنْ هُوَ أَصْلَحُ مِنَّا لِلْإِمَامَةِ أَيَخْفَى ذَلِكَ عَنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إنَّمَا يَسْأَلُ عَنْ هَذِهِ الْمَسَائِلِ أَهْلُ الْعِرَاقِ، وَصَدَقَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فِيمَا قَالَهُ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
إنَّمَا يَسْأَلُ عَنْ هَذَا الْمَسَائِلِ أَهْلُ الْعِرَاقِ، وَصَدَقَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فِيمَا قَالَهُ) .
قُلْت: الْجَوَابَاتُ لَا بَأْسَ بِهَا غَيْرَ مَا تَضَمَّنَهُ الْجَوَابُ الْأَخِيرُ مِنْ الْحَمْلِ عَلَى الْأَنْصَارِ فِي قَوْلِهِ إنَّمَا قَامُوا فِي مُنَازَعَتِهِ لِطَلَبِ
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ مِنْ وُفُودِ الرَّحْمَنِ وَإِنَّ أَفْضَلَ النِّسَاءِ آسِيَةُ وَمَرْيَمُ وَخَدِيجَةُ وَفَاطِمَةُ بِنْتُ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم وَفَضْلُ عَائِشَةَ عَلَى النِّسَاءِ كَفَضْلِ الثَّرِيدِ عَلَى سَائِرِ الطَّعَامِ وَنِسَائِي خَيْرُ نِسَاءِ هَذِهِ الْأُمَّةِ وَأَحَبُّهُنَّ إلَيَّ عَائِشَةُ وَأَصْحَابِي كُلُّهُمْ كَالنُّجُومِ بِأَيِّهِمْ اقْتَدَيْتُمْ اهْتَدَيْتُمْ وَمَنْ أَحَبَّ أَصْحَابِي فَقَدْ أَحَبَّنِي وَمَنْ أَبْغَضَ أَصْحَابِي فَقَدْ أَبْغَضَنِي أَلَا وَإِنَّ عَلَيْهِ لَعْنَةَ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ لَا يَقْبَلُ اللَّهُ مِنْهُ صَرْفًا وَلَا عَدْلًا» .
هَذِهِ وَصِيَّةُ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم فِي سَادَاتِنَا نَفَعَنَا اللَّهُ بِهِمْ وَحَشَرَنَا فِي زُمْرَتِهِمْ وَنَرْغَبُ مِنْ حَامِلِ هَذَا الْكِتَابِ أَنْ يُعْطِيَ مِنْهُ نُسَخًا لِلْمُؤْمِنِينَ وَالسَّلَامُ مِنْ كَاتِبِهِ مُحَمَّدِ بْنِ قَاسِمٍ الرَّصَّاعِ اهـ.
نَقَلْته مِنْ خَطِّ وَالِدِي قَائِلًا نَقَلْته مِنْ خَطِّ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ إبْرَاهِيمَ بْنِ هِلَالٍ قَالَ نَقَلْته مِنْ خَطِّ الرَّصَّاعِ وَقَدْ رَأَيْت لِعَمِّي نَزِيلِ الْمَدِينَةِ الْحَاجِّ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَحْمَدَ شَرْحًا عَلَى هَذِهِ الْمَنَاقِبِ رحمه الله اهـ بِلَفْظِهِ
[الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الِاسْتِغْفَارِ مِنْ الذُّنُوبِ الْمُحَرَّمَاتِ]
(الْفَرْقُ الثَّانِي وَالتِّسْعُونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ الِاسْتِغْفَارِ مِنْ الذُّنُوبِ الْمُحَرَّمَاتِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الِاسْتِغْفَارِ مِنْ تَرْكِ الْمَنْدُوبَاتِ) لَا خَفَاءَ فِي أَنَّ الِاسْتِغْفَارَ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ طَلَبُ الْمَغْفِرَةِ لَا يَحْسُنُ فِيمَا لَيْسَ فِي فِعْلِهِ أَوْ تَرْكِهِ الْعُقُوبَاتُ مِنْ الْمَكْرُوهَاتِ وَالْمَنْدُوبَاتِ وَالْمُبَاحَاتِ وَإِنَّمَا يَحْسُنُ فِيمَا فِي فِعْلِهِ أَوْ تَرْكِهِ الْعُقُوبَاتُ مِنْ تَرْكِ الْوَاجِبَاتِ وَفِعْلِ الْمُحَرَّمَاتِ إلَّا أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا كَانَ يُعَاقِبُ عَلَى الذَّنْبِ بِأَحَدِ ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ وَيُثِيبُ عَلَى الطَّاعَةِ بِأَحَدِ ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ أَيْضًا أَمَّا ثَلَاثَةُ الْعِقَابِ
فَأَحَدُهَا الْمُؤْلِمَاتُ كَالنَّارِ وَغَيْرِهَا وَهَذَا هُوَ الْغَالِبُ فِي ذَلِكَ
وَثَانِيهَا تَيْسِيرُ الْمَعْصِيَةِ فِي شَيْءٍ آخَرَ فَيَجْتَمِعُ عَلَى الْعَاصِي عُقُوبَتَانِ الْأُولَى وَالثَّانِيَةُ فَقَدْ جَعَلَ سُبْحَانَهُ الْعُسْرَى مُسَبَّبَةً عَنْ الْمَعَاصِي الْمُتَقَدِّمَةِ فِي قَوْله تَعَالَى {وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى} [الليل: 8]{وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى} [الليل: 9]{فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى} [الليل: 10] وَجَعَلَ سُبْحَانَهُ الرِّدَّةَ مُسَبَّبَةً عَنْ الْمَعْصِيَةِ فِي قَوْله تَعَالَى {إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ - ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا مَا نَزَّلَ اللَّهُ} [محمد: 25 - 26] الْآيَةَ لِأَنَّ قَوْله تَعَالَى ذَلِكَ إشَارَةً إلَى الرِّدَّةِ وَقَوْلُهُ بِأَنَّهُمْ قَالُوا الْبَاءُ سَبَبِيَّةٌ وَقَالَ عليه السلام «إنَّ الرَّجُلَ لَيُخْتَمُ لَهُ بِالْكُفْرِ بِسَبَبِ كَثْرَةِ ذُنُوبِهِ»
وَثَالِثُهَا تَفْوِيتُ الطَّاعَاتِ كَمَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ الْآيَاتُ الدَّالَّةُ عَلَى سَلْبِ الْفَلَاحِ وَالْخَيْرِ بِسَبَبِ الْأَوْصَافِ الْمَذْمُومَةِ الْمَذْكُورَةِ فِيهَا مِنْ نَحْوِ قَوْله تَعَالَى {سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ} [الأعراف: 146] وقَوْله تَعَالَى {وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} [المائدة: 108]{إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ} [الأنعام: 21]
وَأَمَّا ثَلَاثَةُ الثَّوَابِ فَأَحَدُهَا الْأُمُورُ الْمُسْتَلَذَّاتُ كَمَا فِي الْجَنَّاتِ مِنْ الْمَأْكُولِ وَالْمَشْرُوبِ وَغَيْرِهِمَا
وَثَانِيهَا تَيْسِيرُ الطَّاعَاتِ فَيَجْتَمِعُ لِلْعَبْدِ مَثُوبَتَانِ فَقَدْ جَعَلَ سُبْحَانَهُ الْيُسْرَى مُسَبَّبَةً عَنْ الْإِعْطَاءِ وَمَا مَعَهُ فِي قَوْله تَعَالَى {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى} [الليل: 5]{وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى} [الليل: 6]{فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى} [الليل: 7] وَقَالَ تَعَالَى {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا} [العنكبوت: 69]{وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا} [الطلاق: 2]{يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا} [الأنفال: 29] إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْآيَاتِ
وَثَالِثُهَا تَعْسِيرُ الْمَعَاصِي عَلَيْهِ وَصَرْفُهَا عَنْهُ وَكَانَ نِسْيَانُ الْإِنْسَانِ الْأَذَانَ أَوْ الْإِقَامَةَ أَوْ غَيْرَهُمَا مِنْ الْمَنْدُوبَاتِ فَيُحْرَمُ ثَوَابَهَا مِنْ أَعْظَمِ الْمَصَائِبِ سِيَّمَا وَكَلِمَاتُ الْأَذَانِ طَيِّبَةٌ مُشْتَمِلَةٌ عَلَى الثَّنَاءِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى وَتُوجِبُ لِقَائِلِهَا ثَوَابًا سَرْمَدِيًّا خَيْرًا مِنْ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا وَمُصِيبَةُ فَوَاتِ ثَوَابِهَا مُسَبَّبَةٌ عَنْ مَعَاصٍ سَابِقَةٍ وَقَعَتْ