الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لِأَنَّ تَعْيِينَ الْوَقْتِ لَمْ تَكُنْ الْمَصْلَحَةُ فِيهِ بَلْ تَبَعٌ لِلظَّنِّ الْكَاذِبِ وَقِيلَ هُوَ قَضَاءٌ قَوْلَانِ لِلْقَاضِي وَالْغَزَالِيِّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ.
[الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْأَدَاءِ الَّذِي يَثْبُتُ مَعَهُ الْإِثْمُ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الْأَدَاءِ الَّذِي لَا يَثْبُتُ مَعَهُ الْإِثْمُ]
(الْفَرْقُ السَّابِعُ وَالسِّتُّونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْأَدَاءِ الَّذِي يَثْبُتُ مَعَهُ الْإِثْمُ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الْأَدَاءِ الَّذِي لَا يَثْبُتُ مَعَهُ الْإِثْمُ) اعْلَمْ أَنَّ هَذَا الْفَرْقَ قَدْ أَشْكَلَ عَلَى جَمَاعَةٍ مِنْ الْفُقَهَاءِ وَاسْتَشْكَلُوا كَيْفَ تَكُونُ الْعِبَادَةُ أَدَاءً وَفَاعِلُهَا آثِمٌ وَسِرُّ الْفَرْقِ فِي ذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ سبحانه وتعالى جَعَلَ أَرْبَابَ الْأَعْذَارِ يُدْرِكُونَ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ عِنْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ بِإِدْرَاكِ وَقْتٍ يَسَعُ خَمْسَ رَكَعَاتٍ بَعْدَ الطَّهَارَةِ وَاتَّفَقَ النَّاسُ عَلَى أَنَّ مَا خَرَجَ وَقْتُهُ قَبْلَ زَوَالِ الْعُذْرِ لَا يَلْزَمُ أَرْبَابَ الْأَعْذَارِ فَدَلَّ لُزُومُ الصَّلَاتَيْنِ لَهُمْ عِنْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ عَلَى بَقَاءِ وَقْتِهَا وَلَمَّا كَانَ الْأَدَاءُ كَمَا تَقَدَّمَ إيقَاعُ الْوَاجِبِ فِي وَقْتِهِ الْمَحْدُودِ لَهُ شَرْعًا كَمَا تَقَدَّمَ تَحْرِيرُهُ لَزِمَ أَنْ يَكُونَ الظُّهْرُ وَالْعَصْرُ أَدَاءً فِي حَقِّ كُلِّ أَحَدٍ إلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ؛ لِأَنَّا لَمَّا حَدَّدْنَا الْأَدَاءَ لَمْ نَحُدَّهُ بِالنِّسْبَةِ لِلْفَاعِلِينَ وَإِنَّمَا حَدَّدْنَاهُ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْعِبَادَةِ خَاصَّةً مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ الْفَاعِلِ مَنْ هُوَ هَلْ هُوَ ذُو عُذْرٍ أَمْ لَا.
وَلَمْ يَتَعَرَّضْ أَحَدٌ فِي حَدِّ الْأَدَاءِ وَالْقَضَاءِ لِأَحْوَالِ الْمُكَلَّفِ فِي حَدِّهِمَا بَلْ لِلْعِبَادَةِ فَقَطْ فَصَارَ الْأَدَاءُ وَالْقَضَاءُ تَابِعًا لِكَوْنِ الْعِبَادَةِ فِي وَقْتِهَا أَمْ لَا فَكَانَ الظُّهْرُ أَدَاءً إلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ بِنَاءً عَلَى صِدْقِ حَدِّ الْأَدَاءِ عَلَيْهِ وَلَمَّا كَانَ الشَّرْعُ قَدْ مَنَعَ الْمُكَلَّفَ الَّذِي لَا عُذْرَ لَهُ مِنْ تَأْخِيرِ الْعِبَادَاتِ إلَى آخِرِ الْوَقْتِ مُطْلَقًا بَلْ عَلَيْهِ أَنْ يُوقِعَ فِي آخَرَ فَسُمِّيَ الْوَقْتُ وَهُوَ مِنْ أَوَّلِ الزَّوَالِ إلَى آخِرِ الْقَامَةِ وَيَبْقَى مِنْ آخِرِ الْقَامَةِ إلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ هُوَ مِنْ الْوَقْتِ بِاعْتِبَارِ حَدِّ الْأَدَاءِ، وَغَيْرُ الْمَعْذُورِ مَمْنُوعٌ مِنْهُ فَإِذَا أَخَّرَ الْفِعْلَ إلَيْهِ وَأَوْقَعَهُ فِيهِ كَانَ مُؤَدِّيًا آثِمًا أَمَّا أَدَاؤُهُ فَلِصِدْقِ حَدِّ الْأَدَاءِ.
وَأَمَّا ثَمَّةَ فَلِتَأْخِيرِهِ عَنْ الْحَدِّ الَّذِي حُدِّدَ لَهُ مِنْ الْوَقْتِ وَلِصَاحِبِ الشَّرْعِ أَنْ يُحَدِّدَ لِلْعِبَادَةِ وَقْتًا وَيَجْعَلَ نِصْفَهُ الْأَوَّلَ لِطَائِفَةٍ وَنِصْفَهُ الْآخَرَ لِطَائِفَةٍ أُخْرَى فَتَأْثَمُ الْأُولَى بِتَعَدِّيهَا لِغَيْرِ وَقْتِهَا أَلَا تَرَى أَنَّ الْقَامَةَ وَقْتُ أَدَاءً بِلَا خِلَافٍ لِصَلَاةِ الظُّهْرِ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ وَمَعَ ذَلِكَ لَوْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّ طَائِفَةٍ أَنَّهَا لَا تَعِيشُ إلَى آخِرِ الْقَامَةِ بَلْ لِنِصْفِهَا جَعَلَ صَاحِبُ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
قَالَ (الْفَرْقُ السَّابِعُ وَالسِّتُّونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْأَدَاءِ الَّذِي يَثْبُتُ مَعَهُ الْإِثْمُ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الْأَدَاءِ الَّذِي لَا يَثْبُتُ مَعَهُ الْإِثْمُ إلَى قَوْلِهِ فَيَأْثَمُ الْأَوَّلُ بِتَعَدِّيهَا إلَى غَيْرِ وَقْتِهَا) قُلْتُ مَا قَالَهُ صَحِيحٌ عَلَى تَقْدِيرِ أَنَّ اصْطِلَاحَ الْفُقَهَاءِ مُوَافِقٌ لِتَحْدِيدِهِ الْأَدَاءَ وَإِلَّا فَهُوَ اصْطِلَاحٌ اخْتَرَعَهُ وَمَا قَالَهُ صَحِيحٌ أَيْضًا عَلَى تَسْلِيمِ اصْطِلَاحِهِ وَلَا مُشَاحَّةَ فِي الِاصْطِلَاحِ.
قَالَ (أَلَا تَرَى أَنَّ الْقَامَةَ وَقْتَ أَدَاءً بِلَا خِلَافٍ لِصَلَاةِ الظُّهْرِ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ وَمَعَ ذَلِكَ لَوْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّ طَائِفَةٍ أَنَّهَا لَا تَعِيشُ إلَى آخِرِ الْقَامَةِ بَلْ لِنِصْفِهَا جَعَلَ صَاحِبُ
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
دُونَ غَيْرِهِ.
وَأَمَّا ضَعْفُهُ فَمِنْ جِهَتَيْنِ الْجِهَةُ الْأُولَى أَنَّهُ عَلَى التَّقْرِيرِ الْأَوَّلِ، وَالثَّانِي إنْ أَرَادَ بِاخْتِصَاصِ الْحُكْمِ بِالْمَذْكُورِ دُونَ الْمَسْكُوتِ أَنَّ الْحُكْمَ النَّفْسِيَّ الْمُعَبَّرَ عَنْهُ بِالذِّكْرِ اللَّفْظِيِّ مُخْتَصٌّ بِهِ بِمَعْنَى أَنَّا حَكَمْنَا عَلَى السَّائِمَةِ مَثَلًا وَلَمْ نَحْكُمْ عَلَى الْمَعْلُوفَةِ فَلَا نِزَاعَ فِيهِ وَإِنْ أَرَادَ أَنَّ مُتَعَلِّقَ الْحُكْمِ النَّفْسِيِّ وَهُوَ النِّسْبَةُ الْوَاقِعَةُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ الْمُعَبَّرِ عَنْهَا بِالْحُكْمِ الْخَارِجِيِّ مُخْتَصٌّ بِالْمَذْكُورِ بِمَعْنَى أَنَّ الزَّكَاةَ وَاجِبَةٌ فِي السَّائِمَةِ لَيْسَتْ بِوَاجِبَةٍ فِي الْمَعْلُوفَةِ فَمَمْنُوعٌ؛ إذْ غَايَةُ الْأَمْرِ عَدَمُ الْحُكْمِ بِالْوُجُوبِ فِي الْمَعْلُوفَةِ وَهُوَ لَا يَسْتَلْزِمُ الْحُكْمَ بِعَدَمِ الْوُجُوبِ فِيهَا لِجَوَازِ أَنْ تَثْبُتَ نِسْبَتُهُ وَلَا يُحْكَمَ بِثُبُوتِهَا وَحَاصِلُهُ تَسْلِيمُ اخْتِصَاصِ النِّسْبَةِ الذِّهْنِيَّةِ دُونَ الْخَارِجِيَّةِ لَكِنْ لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا إنَّمَا يَصِحُّ فِي الْإِخْبَارِ دُونَ الْإِنْشَاءِ إذْ لَيْسَ لِنَفْسِهِ مُتَعَلِّقٌ هُوَ الْخَارِجِيُّ إلَّا أَنْ يَئُولَ بِالْخَبَرِ أَوْ يُقَالَ: إنَّ الْمُرَادَ بِالْمُتَعَلِّقِ هَاهُنَا هُوَ طَرَفُ الْحُكْمِ كَالسَّائِمَةِ مَثَلًا بِنَاءً عَلَى أَنَّ مُتَعَلِّقَ الذِّكْرِ النَّفْسِيِّ هُوَ الطَّرَفَانِ لِيَصِحَّ فِي الْإِخْبَارِ وَالْإِنْشَاءِ جَمِيعًا.
الْجِهَةُ الثَّانِيَةُ: أَنَّ هَذَا الِاسْتِدْلَالَ بِكِلَا تَقْرِيرَيْهِ كَمَا يَجْرِي هُنَا يَجْرِي فِي اللَّقَبِ بِأَنْ يُقَالَ لَوْ لَمْ يَكُنْ لِلْحَصْرِ لَكَانَ لِلِاشْتِرَاكِ وَاللَّازِمُ بَاطِلٌ أَوْ يُقَالَ لَوْ لَمْ يُفِدْ الْحَصْرَ لَمْ يُفِدْ الِاخْتِصَاصُ وَأَنَّهُ يُفِيدُهُ قَطْعًا مَعَ أَنَّ اللَّقَبَ بَاطِلٌ اتِّفَاقًا وَأَمَّا الْوَجْهُ الثَّانِي فَهُوَ أَنَّهُ إذَا قِيلَ الْفُقَهَاءُ الْحَنَفِيَّةُ فُضَلَاءُ وَلَا مُقْتَضَى لِتَخْصِيصِ الْحَنَفِيَّةِ بِالْفَضْلِ نَفَرَتْ الشَّافِعِيَّةُ وَلَوْلَا فَهْمُهُمْ نَفْيَ الْفَضْلِ عَنْ غَيْرِهِمْ لَمَا نَفَرُوا.
وَأَمَّا ضَعْفُهُ فَبِمَنْعِ الْمُلَازَمَةِ بَيْنَ النَّفْرَةِ وَفَهْمِهِمْ نَفْيِ الْفَضْلِ عَنْ غَيْرِهِمْ لِجَوَازِ أَنْ تَكُونَ النَّفْرَةُ إمَّا لِتَصْرِيحٍ بِغَيْرِهِمْ وَتَرْكِهِمْ عَلَى الِاحْتِمَالِ كَمَا يَنْفِرُ مِنْ التَّقْدِيرِ فِي الذِّكْرِ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ لِلتَّفْضِيلِ وَإِنْ جَازَ أَنْ يَكُونَ لِغَيْرِهِ وَإِمَّا لِتَوَهُّمِ الْمُعْتَقِدِينَ لِإِفَادَةِ النَّفْيِ عَنْ الْغَيْرِ قَصْدَ تِلْكَ الْإِفَادَةِ فِي الصُّورَةِ الْمَذْكُورَةِ إمَّا بِمَعْنَى أَنَّهُمْ نَفَرُوا عَنْ أَنْ تُذْكَرَ عِبَارَةٌ يَتَوَهَّمُ مِنْهَا بَعْضُ النَّاسِ نَفْيَ الْفَضْلِ عَنْهُمْ أَوْ بِمَعْنَى أَنَّ النَّفْرَةَ إنَّمَا هُوَ لِلْمُعْتَقِدَيْنِ تِلْكَ الْإِفَادَةَ بِحَسَبِ اعْتِقَادِهِمْ وَأَنَّهُ تَوَهُّمٌ.
وَأَمَّا الْوَجْهُ الثَّالِثُ فَهُوَ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم عَقِبَ نُزُولِ قَوْله تَعَالَى {إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ} [التوبة: 80] قَالَ كَمَا فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ الَّذِي لَا قَدْحَ فِي رُوَاتِهِ «لَأَزِيدَنَّ عَلَى السَّبْعِينَ» وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم فَهِمَ مِنْ الْآيَةِ أَنَّ مَا زَادَ عَلَى السَّبْعِينَ حُكْمُهُ بِخِلَافِ السَّبْعِينَ وَذَلِكَ مَفْهُومُ الْعَدَدِ وَكُلُّ مَنْ قَالَ بِهِ قَالَ بِمَفْهُومِ
الشَّرْعِ نِصْفَ الْقَامَةِ وَقْتًا لِهَؤُلَاءِ خَاصَّةً دُونَ غَيْرِهِمْ وَالنِّصْفَ الْآخَرَ مِنْ الْقَامَةِ لَيْسَ وَقْتًا لَهُمْ كَذَلِكَ هَاهُنَا وَقْتُ الظُّهْرِ إلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ وَحَجَرَ صَاحِبُ الشَّرْعِ عَلَى الْمُخْتَارِينَ الْوُصُولَ إلَيْهِ وَحَدَّدَ لَهُمْ آخِرَ الْقَامَةِ فَإِذَا تَعَدَّوْا الْقَامَةَ كَانُوا مُؤَدِّينَ آثِمِينَ فَكَذَلِكَ الْقَوْلُ فِي الْمَغْرِبِ أَدَاءً إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ بِسَبَبِ أَنَّ أَرْبَابَ الْأَعْذَارِ يُدْرِكُونَ صَلَاتَيْ اللَّيْلِ إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ وَالْإِجْمَاعُ مُنْعَقِدٌ عَلَى أَنَّ مَا خَرَجَ وَقْتُهُ لَا يَلْزَمُ أَرْبَابَ الْأَعْذَارِ أَلَا تَرَى أَنَّهُمْ يُدْرِكُونَ الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ بِإِدْرَاكِ أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ قَبْلَ الْفَجْرِ وَلَا يَلْزَمُ بِذَلِكَ صَلَاةُ النَّهَارِ الْمُتَقَدِّمِ بِسَبَبِ أَنَّ وَقْتَهُ خَرَجَ بِغُرُوبِ الشَّمْسِ.
فَإِذَا أَخَّرَ أَيْضًا الْمُكَلَّفُ الْمُخْتَارُ الْمَغْرِبَ أَوْ الْعِشَاءَ إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ كَانَ مُؤَدِّيًا آثِمًا أَمَّا أَدَاؤُهُ فَلِوُجُودِ الْأَدَاءِ فِي حَقِّهِ.
وَأَمَّا إثْمُهُ فَلِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَصَّصَهُ بِقِطْعَةٍ مِنْ الْوَقْتِ فَتَعَدَّاهَا لِنَصِيبِ غَيْرِهِ مِنْهُ وَإِنَّمَا كَانَ يَلْزَمُ الْإِشْكَالُ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الْأَدَاءِ وَالْإِثْمِ أَنْ لَوْ كَانَ حَدُّ الْأَدَاءِ إيقَاعَ الْوَاجِبِ فِي وَقْتِهِ الِاخْتِيَارِيِّ لَهُ فَكَانَ حِينَئِذٍ إيقَاعُهُ فِي غَيْرِ الِاخْتِيَارِيِّ قَضَاءً لَكِنْ حَدُّ الْأَدَاءِ إيقَاعُ الْوَاجِبِ فِي وَقْتِهِ مُطْلَقًا وَالْقَضَاءُ إيقَاعُهُ خَارِجَ وَقْتِهِ مُطْلَقًا وَلَمْ نَقُلْ إنَّهُ خَارِجَ وَقْتِهِ الِاخْتِيَارِيِّ وَكُتُبُ أُصُولِ الْفِقْهِ مُجْمِعَةٌ عَلَى ذَلِكَ وَمُصَرِّحَةٌ بِهِ فَظَهَرَ إمْكَانُ اجْتِمَاعِ الْأَدَاءِ وَالْإِثْمِ فِي حَقِّ مَنْ حُجِرَ عَلَيْهِ فِي بَعْضِ الْوَقْتِ وَعَدَمُ اجْتِمَاعِ الْإِثْمِ مَعَ الْأَدَاءِ فِي حَقِّ مَنْ لَمْ يُحْجَرْ عَلَيْهِ فِي شَيْءٍ مِنْ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
الشَّرْعِ نِصْفَ الْقَامَةِ وَقْتًا لِهَؤُلَاءِ خَاصَّةً دُونَ غَيْرِهِمْ وَالنِّصْفَ الْآخَرَ مِنْ الْقَامَةِ لَيْسَ وَقْتًا لَهُمْ) قُلْتُ مَا قَالَهُ مِنْ أَنَّ صَاحِبَ الشَّرْعِ جَعَلَ نِصْفَ الْقَامَةِ وَقْتًا لِمَنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ لَا يَعِيشُ إلَى نِصْفِهَا بَاطِلٌ لَا شَكَّ فِيهِ وَإِنْ كَانَ ذَهَبَ إلَى ذَلِكَ طَائِفَةٌ فَهُوَ مَذْهَبٌ ذَاهِبٌ وَدَعْوَى لَا حُجَّةَ عَلَيْهَا أَلْبَتَّةَ وَمَنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ ذَلِكَ فَلَا يَخْلُو أَنْ يَقَعَ الْأَمْرُ كَمَا ظَنَّهُ أَوْ لَا، فَإِنْ وَقَعَ الْأَمْرُ كَمَا ظَنَّهُ فَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ قَدْ أَوْقَعَ الصَّلَاةَ قَبْلَ مَوْتِهِ أَوْ لَا، فَإِنْ كَانَ قَدْ أَوْقَعَهَا فَقَدْ أَوْقَعَ الْوَاجِبَ وَفَازَ بِأَجْرِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَوْقَعَهَا فَلَا مُؤَاخَذَةَ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ مَاتَ فِي أَثْنَاءِ الْوَقْتِ فَلَا يُعَدُّ مُفَرِّطًا بِوَجْهٍ وَإِنْ لَمْ يَقَعْ الْأَمْرُ كَمَا ظَنَّهُ فَلَا يَخْلُو أَنْ يُوقِعَ الصَّلَاةَ فِي بَقِيَّةِ الْقَامَةِ أَوْ لَا، فَإِنْ أَوْقَعَهَا فَقَدْ فَعَلَ مَا أُمِرَ بِهِ وَلَمْ تَلْحَقْهُ مُؤَاخَذَةٌ وَلَمْ يُعَدَّ مُفَرِّطًا وَإِنْ لَمْ يُوقِعْهَا إلَّا بَعْدَ الْقَامَةِ فَهُوَ مُفَرِّطٌ أَثِمَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
قَالَ (فَكَذَلِكَ هَاهُنَا وَقْتُ الظُّهْرِ إلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ إلَى مُنْتَهَى قَوْلِهِ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَصَّهُ بِقِطْعَةٍ مِنْ الْوَقْتِ فَتَعَدَّاهَا لِنَصِيبِ غَيْرِهِ مِنْهُ) قُلْتُ مَا قَالَهُ فِي هَذَا الْفَصْلِ صَحِيحٌ عَلَى تَسْلِيمِ اصْطِلَاحِهِ وَتَصْحِيحِ حَدِّهِ بِخِلَافِ مَا نَظَرَ بِهِ وَمِنْ مَسْأَلَةِ الَّذِي يَظُنُّ أَنَّهُ لَا يَعِيشُ إلَى تَمَامِ الْوَقْتِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ أَنَّ تَحْدِيدَ وَقْتِ الِاخْتِيَارِ بِالْقَامَةِ ثَابِتٌ مِنْ الشَّرْعِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَتَحْدِيدَ الْوَقْتِ بِالظَّنِّ الْمَذْكُورِ غَيْرُ ثَابِتٍ مِنْ الشَّرْعِ وَلَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ لَا بِدَلِيلٍ ظَنِّيٍّ وَلَا قَطْعِيٍّ بِوَجْهٍ.
قَالَ (وَإِنَّمَا كَانَ يَلْزَمُ الْإِشْكَالُ إلَى قَوْلِهِ
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
الصِّفَةِ فَيَثْبُتُ مَفْهُومُ الصِّفَةِ.
وَأَمَّا ضَعْفُهُ فَبِمَنْعِ فَهْمِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ ذِكْرَ السَّبْعِينَ لِلْمُبَالَغَةِ وَمَا زَادَ عَلَى السَّبْعِينَ مِثْلُهُ فِي الْحُكْمِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَ السَّبْعِينَ وَمَا فَوْقَهَا وَهُوَ مَا يَتَبَادَرُ إلَى الْفَهْمِ مِنْ عَدَمِ الْمَغْفِرَةِ فَلَا يَتَبَادَرُ مِنْ ذِكْرِ السَّبْعِينَ أَنَّ مَا فَوْقَهَا بِخِلَافِهَا، وَأَمَّا قَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام «لَأَزِيدَنَّ عَلَى السَّبْعِينَ» فَلَعَلَّهُ مِنْ جِهَةِ عِلْمِهِ أَنَّ هَذَا الْمَعْنَى الْمُشْتَرَكَ بَيْنَ السَّبْعِينَ وَمَا فَوْقَهَا غَيْرُ مُرَادٍ فِي هَذَا الْمَقَامِ بِخُصُوصِهِ لَا مِنْ جِهَةِ فَهْمِهِ مِنْ هَذَا الْكَلَامِ وَلَوْ سَلِمَ أَنَّهُ فَهِمَهُ مِنْ هَذَا الْكَلَامِ فَيَجُوزُ أَنْ لَا يَكُونَ مِنْ التَّقْيِيدِ بِالْعَدَدِ بَلْ مِنْ جِهَةِ أَنَّ الْأَصْلَ قَبُولُ اسْتِغْفَارِ النَّبِيِّ عليه الصلاة والسلام وَقَدْ تَحَقَّقَ النَّفْيُ فِي السَّبْعِينَ فَبَقِيَ مَا فَوْقَهَا عَلَى الْأَصْلِ.
وَأَمَّا الْوَجْهُ الرَّابِعُ فَهُوَ أَنَّ يَعْلَى بْنَ أُمَيَّةَ وَعُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ فَهِمَا مِنْ قَوْله تَعَالَى {فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ} [النساء: 101] حَيْثُ قَيَّدَ قَصْرَ الصَّلَاةِ بِحَالِ الْخَوْفِ أَنَّ عَدَمَ قَصْرِهَا عِنْدَ عَدَمِ الْخَوْفِ «وَأَقَرَّ الرَّسُولُ عليه الصلاة والسلام عُمَرَ عَلَيْهِ فَقَالَ يَعْلَى لِعُمَرَ مَا بَالُنَا نَقْصُرُ وَقَدْ أَمِنَّا وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ} [النساء: 101] إلَخْ فَقَالَ عُمَرُ رضي الله عنه عَجِبْتُ مِمَّا عَجِبْتَ مِنْهُ فَسَأَلْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ صَدَقَةٌ تَصَدَّقَ اللَّهُ بِهَا عَلَيْكُمْ فَاقْبَلُوا صَدَقَتَهُ» إذْ لَوْلَا إفَادَةُ تَقْيِيدِ الْقَصْرِ بِالْخَوْفِ فِي الْآيَةِ لِعَدَمِهِ عِنْدَ عَدَمِهِ لُغَةً مَا فَهِمَاهُ وَلَمَا أَقَرَّهُ الرَّسُولُ عليه الصلاة والسلام.
وَأَمَّا ضَعْفُهُ فَبِمَنْعِ فَهْمِهَا مِنْهُ لِجَوَازِ أَنَّهُمَا حَكَمَا بِذَلِكَ بِاسْتِصْحَابِ الْحَالِ فِي وُجُوبِ إتْمَامِ الصَّلَاةِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ الْأَصْلُ وَخُولِفَ فِي الْخَوْفِ بِالْآيَةِ، وَلِذَا ذَكَرُوا الْآيَةَ عِنْدَ التَّعَجُّبِ يَعْنُونَ أَنَّ الْقَصْرَ حَالَ الْخَوْفِ إنَّمَا يَثْبُتُ بِالْآيَةِ فَمَا بَالُ حَالِ الْأَمْنِ لَمْ يَبْقَ عَلَى مَا هُوَ الْأَصْلُ مِنْ الْإِتْمَامِ بِحَيْثُ لَا يُعْدَلُ عَنْهُ فِيهِ إلَّا لِدَلِيلٍ وَلَا دَلِيلَ وَإِذَا جَازَ ذَلِكَ لَمْ يَتَعَيَّنْ أَنْ يَكُونَ الْفَهْمُ مِنْهُ فَلَا تَقُومُ بِهِ حُجَّةٌ فِيهِ وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا مَفْهُومَ الشَّرْطِ لَا الصِّفَةِ وَلَعَلَّ الْغَرَضَ مِنْهُ إلْزَامُ مَنْ لَا يَفْصِلُ بَيْنَهُمَا.
وَأَمَّا الْوَجْهُ الْخَامِسُ فَهُوَ أَنَّ إفَادَتَهُ لِتَخْصِيصٍ تُفْضِي إلَى تَكْثِيرِ الْفَائِدَةِ فَإِنَّ إثْبَاتَ الْمَذْكُورِ وَنَفْيَ غَيْرِهِ أَكْثَرُ فَائِدَةً مِنْ إثْبَاتِ الْمَذْكُورِ وَحْدَهُ وَكَثْرَةُ فَائِدَتِهِ تُرَجِّحُ الْمَصِيرَ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مُلَائِمٌ لِغَرَضِ الْعُقَلَاءِ وَأَمَّا ضَعْفُهُ فَمِنْ جِهَةِ أَنَّ هَذَا لَا يَلْزَمُ إلَّا الْقَائِلِينَ بِأَنَّ تَكْثِيرَ الْفَائِدَةِ دَالٌّ عَلَى الْوَضْعِ كَعَبَّادٍ الصَّيْمَرِيِّ وَالْجُمْهُورِ عَلَى أَنَّ الدَّالَّ عَلَى الْوَضْعِ إنَّمَا هُوَ النَّقْلُ تَوَاتُرًا أَوْ آحَادًا كَمَا تَقَرَّرَ فِي
الْوَقْتِ كَمَا يَجْتَمِعُ الْأَدَاءُ وَالْإِثْمُ فِيمَنْ أَخَّرَ إلَى آخِرِ الْقَامَةِ وَهُوَ كَانَ يَعْتَقِدُ أَنَّهُ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ إيقَاعِ الْفِعْلِ آخِرَ الْقَامَةِ فَقَدَرَ وَأَخَّرَ وَصَلَّى فَإِنَّهُ مُؤَدٍّ آثِمٌ وَيَجْتَمِعُ فِي حَقِّهِ الْأَدَاءُ عَلَى الْخِلَافِ وَالْإِثْمُ إجْمَاعًا وَإِنَّمَا وَقَعَ الْخِلَافُ فِي اجْتِمَاعِهِمَا آخِرَ النَّهَارِ وَعِنْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ فَمَذْهَبُ ابْنِ الْقَاسِمِ اجْتِمَاعُهُمَا وَمَذْهَبُ غَيْرِهِ عَدَمُ اجْتِمَاعِهِمَا فَعَلَى هَذَا يَجْتَمِعُ الْإِثْمُ وَالْأَدَاءُ فِي حَقِّ فَرِيقَيْنِ مِنْ النَّاسِ أَحَدُهُمَا الْمُخْتَارُونَ الَّذِينَ لَا عُذْرَ لَهُمْ إذَا أَخَّرُوا إلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ أَوْ بَعْدَ الْقَامَةِ وَمِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ أَوْ أَخَّرُوا الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ إلَى بَعْدِ ثُلُثِ اللَّيْلِ أَوْ نِصْفِهِ عَلَى الْخِلَافِ فِي آخِرِ وَقْتِ الْعِشَاءِ هَلْ هُوَ ثُلُثُ اللَّيْلِ أَوْ نِصْفُهُ وَهَلْ تُؤَخَّرُ الْمَغْرِبُ إلَى الشَّفَقِ أَمْ لَا وَثَانِيهِمَا الْفَرْقُ الَّذِي يَغْلِبُ عَلَى ظَنِّهِمْ عَدَمُ الْمُكْنَةِ فِي آخِرِ الْوَقْتِ الِاخْتِيَارِيِّ فَيُؤَخِّرُونَ إلَى آخِرِهِ فَإِنَّهُمْ آثِمُونَ مَعَ الْأَدَاءِ إذَا فَعَلُوا آخِرَ الْوَقْتِ الِاخْتِيَارِيِّ فِي الْقَامَةِ لِلظُّهْرِ مَثَلًا وَنَحْوُهُ مِنْ الْأَوْقَاتِ الِاخْتِيَارِيَّةِ وَتَحَرَّرَ بِهَذَا الْفَرْقِ زَوَالُ مَا اسْتَشْكَلَهُ الشَّافِعِيَّةُ عَلَيْنَا مِنْ الْجَمْعِ بَيْنَ الْأَدَاءِ وَالْإِثْمِ فَإِنَّهُمْ قَائِلُونَ بِهِ فِي الْفَرِيقِ الثَّانِي فَكَذَلِكَ يَلْزَمُهُمْ فِي الْفَرِيقِ الْأَوَّلِ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
فَمَذْهَبُ ابْنِ الْقَاسِمِ اجْتِمَاعُهُمَا وَمَذْهَبُ غَيْرِهِ عَدَمُ اجْتِمَاعِهِمَا) قُلْتُ مَا قَالَهُ مِنْ أَنَّهُ إنَّمَا كَانَ يَلْزَمُ الْإِشْكَالُ لَوْ كَانَ حَدُّ الْأَدَاءِ إيقَاعَ الْوَاجِبِ فِي وَقْتِهِ الِاخْتِيَارِيِّ صَحِيحٌ وَمَا قَالَهُ مِنْ أَنَّ كُتُبَ الْأُصُولِ مُجْمِعَةٌ عَلَى ذَلِكَ وَمُصَرِّحَةٌ بِهِ إنْ أَرَادَ أَنَّهَا مُجْمِعَةٌ عَلَى إطْلَاقِ لَفْظِ أَنَّ الْإِجْزَاءَ فِعْلُ الْوَاجِبِ فِي وَقْتِهِ الْمَحْدُودِ لَهُ هَكَذَا فَذَلِكَ صَحِيحٌ، وَإِنْ أَرَادَ أَنَّ كُتُبَ الْأُصُولِ مُصَرِّحَةٌ بِلَفْظِ الْإِطْلَاقِ بِأَنْ يَكُونَ اللَّفْظُ مَثَلًا لِأَدَاءِ فِعْلِ الْوَاجِبِ فِي وَقْتِهِ الْمَحْدُودِ لَهُ مُطْلَقًا أَوْ عَلَى الْإِطْلَاقِ فَلَا أَعْرِفُ أَنِّي وَقَفْتُ لَهُمْ عَلَى ذَلِكَ وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ أَنَّ مَنْ كَانَ يَعْتَقِدُ أَنَّهُ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ إيقَاعِ الْفِعْلِ آخِرَ الْقَامَةِ فَقَدْرَ تَمَكُّنِهِ وَصَلَّى مَدًّا آثِمٌ إجْمَاعًا غَيْرُ صَحِيحٍ وَإِنَّمَا هُوَ رَأْيٌ لِبَعْضِ النَّاسِ وَهُوَ بَاطِلٌ لَا شَكَّ فِي بُطْلَانِهِ.
قَالَ (فَعَلَى هَذَا يَجْتَمِعُ الْأَدَاءُ وَالْإِثْمُ فِي حَقِّ فَرِيقَيْنِ مِنْ النَّاسِ أَحَدُهُمَا الْمُخْتَارُونَ الَّذِينَ لَا عُذْرَ لَهُمْ إذَا أَخَّرُوا إلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ أَوْ بَعْدَ الْقَامَةِ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ إلَى آخِرِ قَوْلِهِ وَهَلْ تُؤَخَّرُ الْمَغْرِبُ إلَى الشَّفَقِ أَمْ لَا) قُلْتُ مَا قَالَهُ فِي هَذَا الْفَرْقِ صَحِيحٌ بِنَاءً عَلَى تَسْلِيمِ الِاصْطِلَاحِ الْمُتَقَدِّمِ وَتَصْحِيحِ حَدِّهِ.
قَالَ (وَثَانِيهِمَا الْفَرِيقُ الَّذِي يَغْلِبُ عَلَى ظَنِّهِمْ عَدَمُ الْمُكْنَةِ فِي آخِرِ الْوَقْتِ الِاخْتِيَارِيِّ فَيُؤَخِّرُونَ إلَى آخِرِهِ فَإِنَّهُمْ آثِمُونَ مَعَ الْأَدَاءِ إذَا فَعَلُوا آخِرَ الْوَقْتِ الِاخْتِيَارِيِّ فِي الْقَامَةِ لِلظُّهْرِ مَثَلًا وَنَحْوِهِ مِنْ الْأَوْقَاتِ الِاخْتِيَارِيَّةِ) قُلْتُ قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِصَحِيحٍ.
قَالَ (وَتَحَرَّرَ بِهَذَا الْفَرْقِ زَوَالُ مَا اسْتَشْكَلَهُ الشَّافِعِيَّةُ عَلَيْنَا مِنْ الْجَمْعِ بَيْنَ الْأَدَاءِ وَالْإِثْمِ فَإِنَّهُمْ قَائِلُونَ بِهِ فِي الْفَرِيقِ الثَّانِي فَكَذَلِكَ يَلْزَمُهُمْ فِي الْفَرِيقِ الْأَوَّلِ) قُلْتُ يَلْزَمُ ذَلِكَ كَمَا ذَكَرَ لِمَنْ.
قَالَ بِهِ مِنْ
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
مَحَلِّهِ وَعَلَيْهِ فَلَا يَلْزَمُ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ دَلَالَتَهُ عَلَى النَّفْيِ عَنْ الْغَيْرِ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الدَّالَّ عَلَى الْوَضْعِ تَكْثِيرُ الْفَائِدَةِ تَتَوَقَّفُ عَلَى تَكْثِيرِ الْفَائِدَةِ إذْ بِهِ تَثْبُتُ وَتَكْثِيرُ الْفَائِدَةِ إنَّمَا يَحْصُلُ بِدَلَالَتِهِ عَلَى النَّفْيِ عَلَى الْغَيْرِ وَذَلِكَ دَوْرٌ ظَاهِرٌ. نَعَمْ قَدْ يُقَالُ: إنَّ مَا تَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ الدَّلَالَةُ تَعَقُّلُ كَثْرَةِ الْفَائِدَةِ لَا حُصُولُهَا وَالْمَوْقُوفُ عَلَى الدَّلَالَةِ حُصُولُ كَثْرَةِ الْفَائِدَةِ لَا تَعَقُّلُهَا.
وَأَمَّا الْوَجْهُ السَّادِسُ فَهُوَ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ الْمَسْكُوتُ عَنْهُ مُخَالِفًا لِلْمَذْكُورِ فِي الْحُكْمِ فَفِي نَحْوِ قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «طَهُورُ إنَاءِ أَحَدِكُمْ إذَا وَلَغَ الْكَلْبُ فِيهِ أَنْ يَغْسِلَهُ سَبْعًا إحْدَاهُنَّ بِالتُّرَابِ» يَلْزَمُ أَنْ لَا تَكُونَ السَّبْعُ مُطَهِّرَةً؛ لِأَنَّ الطَّهَارَةَ إذَا حَصَلَتْ بِدُونِ السَّبْعِ فَلَا تَحْصُلُ بِالسَّبْعِ؛ لِأَنَّهُ تَحْصِيلُ الْحَاصِلِ وَأَنَّهُ مُحَالٌ وَكَذَلِكَ فِي قَوْلِهِ عليه السلام «خَمْسُ رَضَعَاتٍ يُحَرِّمْنَ» يَلْزَمُ أَنْ لَا يَكُونَ الْخَمْسُ مُحَرِّمَةً؛ لِأَنَّ الْحُرْمَةَ تَحْصُلُ بِدُونِ الْخَمْسِ فَلَا تَحْصُلُ بِالْخَمْسِ؛ لِأَنَّهُ تَحْصِيلُ الْحَاصِلِ وَأَنَّهُ مُحَالٌ.
وَأَمَّا ضَعْفُهُ فَبِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ دَلَالَةِ السَّبْعِ عَلَى نَفْيِ الطَّهَارَةِ فِيمَا دُونَهَا حُصُولُ الطَّهَارَةِ قَبْلَ السَّابِعَةِ وَلَا مِنْ عَدَمِ دَلَالَةِ الْخَمْسِ عَلَى نَفْيِ تَحْرِيمِ الْمُرْضِعَةِ حُصُولُ التَّحْرِيمِ قَبْلَ الْخَمْسِ لِجَوَازِ أَنْ يَثْبُتَ التَّحْرِيمُ وَأَنْ تَثْبُتَ النَّجَاسَةُ بِدَلِيلٍ آخَرَ.
أَمَّا فِي الرَّضَاعِ فَظَاهِرٌ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ التَّحْرِيمِ، وَأَمَّا فِي الْإِنَاءِ فَلِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ الْأَصْلُ الطَّهَارَةَ مَا لَمْ يَظْهَرْ دَلِيلُ النَّجَاسَةِ وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ إلَّا أَنَّ الْإِجْمَاعَ عَلَى التَّنَجُّسِ قَائِمٌ هُنَا بِوُجُودِ النَّجَسِ وَهُوَ دَلِيلٌ قَاطِعٌ فَإِذَا لَمْ يَدُلَّ الْعَدَدُ عَلَى النَّفْيِ فِيمَا دُونَهُ بَقِيَ مَا كَانَ ثَابِتًا مِنْ النَّجَاسَةِ وَعَدَمِ التَّحْرِيمِ حَتَّى يَظْهَرَ الدَّلِيلُ كَذَا فِي شَرْحِ الْعَضُدِ عَلَى مُخْتَصَرِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَحَاشِيَةِ السَّعْدِ عَلَيْهِ وَلَا يَخْفَاك أَنَّ بُطْلَانَ الْقَوْلِ بِمَفْهُومِ الْمُخَالَفَةِ لَا يُنْتِجُهُ وَاحِدٌ مِنْ الْأَمْرَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ.
أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْقَوْلَ بِالْمَفْهُومِ فِي غَيْرِ الْغَالِبِ لَا فِي الْغَالِبِ دَاعٍ إلَى الِاضْطِرَارِ الْمَذْكُورِ فِي الْغَالِبِ دُونَ غَيْرِهِ كَمَا قَالَ الْأَصْلُ بِذَلِكَ فِي بَيَانِ سِرِّ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا وَدَفَعَ مَا أَوْرَدَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ سِرُّ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا غَيْرَ ذَلِكَ وَهُوَ مَا مَرَّ عَنْ عَبْدِ السَّلَامِ فِي جَوَابِهِ عَمَّا أَوْرَدَهُ مِنْ أَنَّ التَّقْيِيدَ بِالْغَالِبِ لَمَّا كَانَتْ فَائِدَتُهُ هِيَ التَّأْكِيدُ لِثُبُوتِ الْحُكْمِ لِلْمُتَّصِفِ بِهِ؛ لِأَنَّهُ لِغَلَبَتِهِ عَلَى الْحَقِيقَةِ يُفْهَمُ مِنْ النُّطْقِ بِلَفْظِهَا أَوَّلًا لَمْ يَحْتَجْ فِيهِ إلَى الْمَفْهُومِ ضَرُورَةَ أَنَّ فَائِدَةَ التَّأْكِيدِ فِيهِ ظَاهِرَةٌ وَالْمَفْهُومُ فَائِدَةٌ خَفِيَّةٌ؛ لِأَنَّ اسْتِفَادَتَهُ بِوَاسِطَةِ أَنَّ التَّخْصِيصَ بِالذِّكْرِ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ فَائِدَةٍ وَغَيْرُ
وَيَتَّضِحُ مَذْهَبُنَا اتِّضَاحًا جَيِّدًا وَأَنَّا لَمْ نُخَالِفْ قَاعِدَةً بَلْ مَشَيْنَا عَلَى الْقَوَاعِدِ وَيَلْزَمُ الشَّافِعِيَّةَ إشْكَالٌ لَا جَوَابَ لَهُمْ عَنْهُ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ حَدُّهُمْ الْأَدَاءَ وَالْقَضَاءَ فِي كُتُبِهِمْ الْأُصُولِيَّةِ بَاطِلًا؛ لِأَنَّهُمْ أَطْلَقُوا الْقَوْلَ فِيهَا وَلَيْسَ مُطْلَقًا عَلَى مَا زَعَمُوا بَلْ يَتَعَيَّنُ أَنْ يَكُونَ الْأَدَاءُ فِي كُتُبِهِمْ إيقَاعُ الْعِبَادَةِ فِي وَقْتِهَا الِاخْتِيَارِيِّ وَالْقَضَاءُ إيقَاعُ الْعِبَادَةِ خَارِجَ وَقْتِهَا الِاخْتِيَارِيِّ أَصْلٌ لَكِنَّهُمْ فِي كُتُبِ الْأُصُولِ لَمْ يَصْنَعُوا ذَلِكَ.
(الْفَرْقُ الثَّامِنُ وَالسِّتُّونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْوَاجِبِ الْمُوَسَّعِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا قِيلَ بِهِ مِنْ وُجُوبِ الصَّوْمِ عَلَى الْحَائِضِ) قَدْ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ رضي الله عنهم فِي وُجُوبِ الصَّوْمِ عَلَى الْحَائِضِ فِي زَمَنِ الْحَيْضِ مَعَ اتِّفَاقِهِمْ عَلَى عَدَمِ صِحَّةِ الصَّوْمِ وَلَوْ أَوْقَعَتْهُ حِينَئِذٍ وَعَلَى أَنَّهَا آثِمَةٌ إذَا فَعَلَتْ فَقَالَ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ وَوَافَقَهُ جَمَاعَةٌ إنَّ الْحَيْضَ يَمْنَعُ مِنْ صِحَّةِ الصَّوْمِ دُونَ وُجُوبِهِ وَيَمْنَعُ مِنْ صِحَّةِ الصَّلَاةِ وَوُجُوبِهَا
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
الشَّافِعِيَّةِ وَذَلِكَ إذَا قَالَ: إنَّهُ أَدَاءٌ أَمَّا إذَا قَالَ: إنَّهُ قَضَاءٌ فَلَا يَلْزَمُهُ.
قَالَ (وَيَتَّضِحُ مَذْهَبُنَا اتِّضَاحًا جَيِّدًا فَإِنَّا لَمْ نُخَالِفْ قَاعِدَةً بَلْ مَشَيْنَا عَلَى الْقَوَاعِدِ) قُلْتُ مَا قَالَهُ هُنَا صَحِيحٌ بِنَاءً عَلَى مَا قُرِّرَ.
قَالَ (وَيَلْزَمُ الشَّافِعِيَّةَ إشْكَالٌ لَا جَوَابَ لَهُمْ عَنْهُ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ حَدُّهُمْ الْأَدَاءَ وَالْقَضَاءَ فِي كُتُبِهِمْ الْأُصُولِيَّةِ بَاطِلًا فَإِنَّهُمْ أَطْلَقُوا الْقَوْلَ فِيهَا إلَى قَوْلِهِ لَكِنَّهُمْ فِي كُتُبِ الْأُصُولِ لَمْ يَصْنَعُوا ذَلِكَ) قُلْتُ وَلَا صَنَعَهُ غَيْرُهُمْ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ فِيمَا عَلِمْتُ وَلَيْسَ بِنَكِيرٍ أَنْ يُطْلَقَ الْقَوْلُ وَالْمُرَادُ التَّقْيِيدُ وَغَايَتُهُ أَنْ تَقُولَ تَجَنُّبُ ذَلِكَ فِي الْحُدُودِ أَكِيدٌ.
قَالَ (الْفَرْقُ الثَّامِنُ وَالسِّتُّونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْوَاجِبِ الْمُوَسَّعِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا قِيلَ فِيهِ مِنْ وُجُوبِ الصَّوْمِ عَلَى الْحَائِضِ إلَى قَوْلِهِ وَيَمْنَعُ مِنْ صِحَّةِ الصَّلَاةِ وَوُجُوبِهَا) قُلْتُ لَيْسَ مُرَادُ مَنْ قَالَ بِوُجُوبِ الصَّوْمِ عَلَى الْحَائِضِ أَنَّهَا مُكَلَّفَةٌ بِإِيقَاعِ الصَّوْمِ فِي حَالِ الْحَيْضِ كَيْفَ وَقَدْ اتَّفَقُوا عَلَى عَدَمِ صِحَّتِهِ إنْ أَوْقَعَتْهُ وَعَلَى أَنَّهَا آثِمَةٌ بِذَلِكَ وَلَكِنْ مُرَادُهُمْ أَنَّهَا مُكَلَّفَةٌ بِالتَّعْوِيضِ وَمِنْ أَيَّامِ الْحَيْضِ الَّتِي هِيَ مِنْ رَمَضَانَ وَلَا يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ أَنَّ تَكْلِيفَهَا بِذَلِكَ لَمْ يَقَعْ فِي أَيَّامِ الْحَيْضِ بَلْ فِي أَيَّامِ التَّعْوِيضِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِلَازِمٍ أَنْ يَكُونَ زَمَنُ التَّكْلِيفِ غَيْرَ زَمَنِ إيقَاعِ الْفِعْلِ الْمُكَلَّفِ بِهِ وَلَوْ لَزِمَ ذَلِكَ لَلَزِمَ أَنْ لَا يَكُونَ أَحَدٌ مُكَلَّفًا بِجُمْلَةِ عِبَادَةٍ مُتَرَتِّبَةِ الْأَجْزَاءِ بَلْ بِكُلِّ جُزْءٍ زَمَنَهُ وَذَلِكَ مَعْلُومُ الْبُطْلَانِ قَطْعًا وَقَدْ تَقَدَّمَ لَهُ تَقْرِيرٌ أَنَّ زَمَنَ التَّكْلِيفِ يَكُونُ غَيْرَ زَمَنِ إيقَاعِ الْفِعْلِ الْمُكَلَّفِ بِهِ فِي الْفَرْقِ الْحَادِي وَالْأَرْبَعِينَ وَمِنْ لُزُومِ تَقَدُّمِ زَمَنِ التَّكْلِيفِ عَلَى زَمَنِ إيقَاعِ الْفِعْلِ فِي الْعِبَادَاتِ ذَوَاتِ الْأَجْزَاءِ الْمُتَرَتِّبَةِ ظَهَرَتْ صِحَّةُ قَوْلِ مَنْ يَقُولُ بِتَرَتُّبِ الْعِبَادَاتِ فِي الذِّمَمِ كَالدُّيُونِ وَظَهَرَ بُطْلَانُ
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
التَّخْصِيصِ بِالْحُكْمِ مُنْتَفٍ فَتَعَيَّنَ التَّخْصِيصُ بِخِلَافِ غَيْرِ الْغَالِبِ فَإِنَّهُ لَمَّا لَمْ يَظْهَرْ لِلتَّقْيِيدِ بِهِ فَائِدَةٌ غَيْرُ التَّخْصِيصِ تَعَيَّنَ فِيهِ التَّخْصِيصُ وَمِنْ هُنَا يَنْدَفِعُ قَوْلُ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ أَنَّ الْمَفْهُومَ مِنْ مُقْتَضَيَاتِ اللَّفْظِ فَلَا تُسْقِطُهُ مُوَافَقَةُ الْغَالِبِ بَلْ قَالَ زَكَرِيَّا: لِلشَّافِعِيِّ رضي الله عنه فِي الرِّسَالَةِ كَلَامٌ آخَرُ يَنْدَفِعُ بِهِ أَيْضًا تَوْجِيهَ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ لِمَا نَفَاهُ مُخَالِفًا لِلشَّافِعِيِّ بِمَا ذَكَرَ وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ إذَا ظَهَرَ لِتَخْصِيصِ الْمَنْطُوقِ فَائِدَةٌ غَيْرُ نَفْيِ الْحُكْمِ بِطَرِيقِ الِاحْتِمَالِ إلَى الْمَفْهُومِ فَيَصِيرُ الْكَلَامُ مُجْمَلًا حَتَّى لَا يَقْضِيَ فِيهِ بِمُوَافَقَةٍ أَوْ مُخَالَفَةٍ اهـ فَافْهَمْ.
وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّ ضَعْفَ دَلِيلِ الشَّيْءِ لَا يَقْتَضِي بُطْلَانَهُ عَلَى أَنَّ وُجُوهَ الِاسْتِدْلَالِ عَلَى الْقَوْلِ بِإِنْكَارِ الْمَفْهُومِ مُطْلَقًا قَدْ ضَعُفَتْ أَيْضًا فَمَا وَجْهُ إبْطَالِ مُقَابِلِهِ دُونَهُ، أَمَّا الْوَجْهُ الْأَوَّلُ فَهُوَ أَنَّهُ لَوْ ثَبَتَ الْمَفْهُومُ لَثَبَتَ بِدَلِيلٍ وَلَا دَلِيلَ؛ لِأَنَّهُ إمَّا عَقْلِيٌّ وَلَا مَدْخَلَ لَهُ فِي مِثْلِهِ وَإِمَّا نَقْلِيٌّ إمَّا مُتَوَاتِرٌ فَكَانَ يَجِبُ أَنْ لَا يَخْتَلِفَ فِيهِ وَإِمَّا آحَادٌ وَأَنَّهُ لَا يُفِيدُ فِي مِثْلِهِ.
وَأَمَّا ضَعْفُهُ فَيَمْنَعُ اشْتِرَاطَ التَّوَاتُرِ وَعَدَمَ إفَادَةِ الْآحَادِ فِي مِثْلِهِ وَإِلَّا امْتَنَعَ الْعَمَلُ بِأَكْثَرِ أَدِلَّةِ الْأَحْكَامِ لِعَدَمِ التَّوَاتُرِ فِي مُفْرَدَاتِهَا وَأَيْضًا فَإِنَّا نَقْطَعُ أَنَّ الْعُلَمَاءَ فِي الْأَعْصَارِ وَالْأَمْصَارِ كَانُوا يَكْتَفُونَ فِي فَهْمِ مَعَانِي الْأَلْفَاظِ بِالْآحَادِ كَنَقْلِهِمْ عَنْ الْأَصْمَعِيِّ وَالْخَلِيلِ وَأَبِي عُبَيْدٍ وَسِيبَوَيْهِ.
وَأَمَّا الْوَجْهُ الثَّانِي فَهُوَ أَنَّهُ لَوْ ثَبَتَ الْمَفْهُومُ لَلَزِمَ ثُبُوتُهُ فِي الْخَبَرِ لِأَنَّ الَّذِي بِهِ ثَبَتَ فِي الْأَمْرِ وَهُوَ الْحَذَرُ مِنْ عَدَمِ الْفَائِدَةِ قَائِمٌ فِي الْخَبَرِ وَالْعِلَّةُ تَدُورُ مَعَ الْمَعْلُولِ وُجُودًا وَعَدَمًا وَاللَّازِمُ وَهُوَ ثُبُوتُهُ فِي الْخَبَرِ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ فِي الشَّامِ الْغَنَمُ السَّائِمَةُ لَمْ يَدُلَّ عَلَى عَدَمِ الْمَعْلُوفَةِ بِهَا وَهُوَ مَعْلُومٌ مِنْ اللُّغَةِ وَالْعُرْفِ قَطْعًا.
وَأَمَّا ضَعْفُهُ فَيَمْنَعُ انْتِفَاءَ اللَّازِمِ لِقَوْلِ السَّعْدِ الْحَقُّ عَدَمُ التَّفْرِقَةِ بَيْنَ الْخَبَرِ وَالْإِنْشَاءِ كَمَا فِي قَوْلِنَا الْفُقَهَاءُ الْحَنَفِيَّةُ أَئِمَّةٌ فُضَلَاءُ وَمَطْلُ الْغَنِيِّ ظُلْمٌ عِنْدَ قَصْدِ الْإِخْبَارِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْمَوَاضِعِ وَنَفْيَ الْمَفْهُومِ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ بِمَعُونَةِ الْقَرَائِنِ كَمَا فِي قَوْلِنَا فِي الشَّامِ الْغَنَمُ السَّائِمَةُ لَا يُنَافِي ذَلِكَ.
وَأَمَّا الْوَجْهُ الثَّالِثُ فَهُوَ أَنَّهُ لَوْ صَحَّ الْقَوْلُ بِالْمَفْهُومِ لَلَزِمَ أَنْ لَا يَصِحَّ أَنْ يُقَالَ أَدِّ زَكَاةَ الْغَنَمِ السَّائِمَةِ وَالْمَعْلُوفَةِ مُجْتَمِعًا أَوْ أَدِّ زَكَاةَ الْغَنَمِ السَّائِمَةِ أَدِّ زَكَاةَ الْغَنَمِ الْمَعْلُوفَةِ مُتَفَرِّقًا وَتَحَقَّقَ التَّخْصِيصُ بِالصِّفَةِ فِي صُورَةِ الِاجْتِمَاعِ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْحُكْمَ عُلِّقَ بِالسَّائِمَةِ تَارَةً بِالْمَعْلُوفَةِ أُخْرَى أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّ وِزَانَ قَوْلِك فِي مَفْهُومِ الْمُخَالَفَةِ أَدِّ زَكَاةَ الْغَنَمِ السَّائِمَةِ وَالْمَعْلُوفَةِ مُجْتَمِعًا أَوْ مُتَفَرِّقًا وِزَانُ قَوْلِك فِي مَفْهُومِ
وَقَالَتْ الْحَنَفِيَّةُ يَجِبُ عَلَيْهَا الصَّوْمُ وُجُوبًا مُوَسَّعًا يُشِيرُونَ بِهَذِهِ التَّوْسِعَةِ إلَى عَدَمِ تَحَتُّمِ الصَّوْمِ فِي زَمَنِ الْحَيْضِ حَتَّى لَا يَجْتَمِعَ الْوُجُوبُ وَالْإِثْمُ فِي الْفِعْلِ فَإِنَّ الْوَاجِبَ لَا يُمْنَعُ وَهَذِهِ تُمْنَعُ مِنْ فِعْلِهِ فَلَا يُتَصَوَّرُ الْوُجُوبُ فِي حَقِّهَا وَاحْتَجَّ الْحَنَفِيَّةُ وَمَنْ قَالَ بِقَوْلِهِمْ بِوُجُوبِ الصَّوْمِ عَلَيْهَا بِوُجُوهٍ أَحَدُهَا قَوْله تَعَالَى {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} [البقرة: 185] وَهِيَ شَهِدَتْ الشَّهْرَ فَيَلْزَمُهَا الصَّوْمُ لِعُمُومِ النَّصِّ وَثَانِيهَا أَنَّهَا تَنْوِي رَمَضَانَ وَلَوْلَا تَقَدُّمُ الْوُجُوبِ لَمَا كَانَ لِهَذَا الصَّوْمِ بِرَمَضَانَ تَعَلُّقٌ وَثَالِثُهَا أَنَّ الْقَضَاءَ يُقَدَّرُ بِقَدَرِ الْأَدَاءِ الْفَائِتِ فَأَشْبَهَ قِيَمَ الْمُتْلَفَاتِ الْقَائِمَةِ مَقَامَ الْأَعْيَانِ الْمُتْلَفَةِ فَكَذَلِكَ هَذَا الْقَضَاءُ يَقُومُ مَقَامَ الْوَاجِبِ الَّذِي فَاتَ فَلَوْ لَمْ يَجِبْ شَيْءٌ مُتَقَدِّمٌ لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ يَقُومُ هَذَا الْقَضَاءُ مَقَامَهُ.
وَالْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ أَنَّ عُمُومَ النَّصِّ يَجِبُ تَخْصِيصُهُ بِالدَّلِيلِ الضَّرُورِيِّ فَإِنَّ حَقِيقَةَ الْوَاجِبِ مَا لَا يُمْنَعُ مِنْ فِعْلِهِ وَهَذِهِ مَمْنُوعَةٌ مِنْ الْفِعْلِ وَلَمَّا كَانَتْ مَمْنُوعَةً مِنْ ذَلِكَ دَلَّ ذَلِكَ عَلَى عَدَمِ الْوُجُوبِ عَلَيْهَا بِالضَّرُورَةِ وَكَيْفَ يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ إنَّ صَاحِبَ الشَّرْعِ أَوْجَبَ عَلَى مُكَلَّفٍ شَيْئًا وَيُعَاقِبُهُ إنْ لَمْ يَفْعَلْهُ وَمَعَ ذَلِكَ فَهُوَ يُعَاقِبُهُ إذَا فَعَلَ أَوْ لَمْ يَفْعَلْ.
وَهَذَا لَمْ يُعْهَدْ فِي الشَّرِيعَةِ أَصْلًا وَنَحْنُ وَإِنْ جَوَّزْنَاهُ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى مِنْ بَابِ تَكْلِيفِ مَا لَا يُطَاقُ فَنَحْنُ نَقْطَعُ بِأَنَّ الشَّرِيعَةَ لَمْ تَرِدْ بِهَذَا الْجَائِزِ بَلْ بِالرَّحْمَةِ وَتَرْكِ الْمَشَاقِّ وَالتَّيْسِيرِ وَالْإِحْسَانِ وَلِذَلِكَ قَالَ عليه السلام «بُعِثْتُ بِالْحَنِيفِيَّةِ السَّمْحَةِ» وَإِذَا كَانَ هَذَا مَعْلُومَ النَّفْيِ بِالضَّرُورَةِ مِنْ الشَّرِيعَةِ الْمُحَمَّدِيَّةِ كَانَ ذَلِكَ مِنْ أَعْظَمِ أَدِلَّةِ التَّخْصِيصِ فَيُتَخَصَّصُ بِهِ عُمُومُ الْآيَةِ بِالضَّرُورَةِ فَلَا يَسْتَقِيمُ التَّمَسُّكُ بِهَا
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
قَوْلِ مَنْ يَقُولُ بِعَدَمِ تَرَتُّبِهَا فِي الذِّمَمِ بِخِلَافِ الدُّيُونِ.
قَالَ (وَقَالَتْ الْحَنَفِيَّةُ يَجِبُ عَلَيْهَا الصَّوْمُ وُجُوبًا مُوَسَّعًا يُشِيرُونَ بِهَذِهِ التَّوَسُّعَةِ إلَى عَدَمِ تَحَتُّمِ الصَّوْمِ فِي زَمَنِ الْحَيْضِ حَتَّى لَا يَجْتَمِعَ عَلَيْهَا الْوُجُوبُ وَالْإِثْمُ فِي الْفِعْلِ فَإِنَّ الْوَاجِبَ لَا يُمْنَعُ مِنْ فِعْلِهِ وَهَذِهِ تُمْنَعُ فَلَا يُتَصَوَّرُ الْوُجُوبُ فِي حَقِّهَا) قُلْتُ إنْ سَلَّمَ الْحَنَفِيَّةُ مَنْعَهَا مِنْ الصَّوْمِ فَكَيْفَ يَقُولُونَ بِوُجُوبِهِ عَلَيْهَا وَذَلِكَ مُتَنَاقِضٌ إلَّا أَنْ يَعْنُوا بِذَلِكَ أَنَّ التَّعْوِيضَ مِنْ أَيَّامِ رَمَضَانَ مُوَسَّعُ الْوَقْتِ فَذَلِكَ صَحِيحٌ أَمَّا أَنْ يَعْنُوا بِذَلِكَ التَّوْسِعَةَ فِي إيقَاعِ الصَّوْمِ فِي أَيَّامِ الْحَيْضِ أَوْ غَيْرِهَا فَذَلِكَ لَا يَصِحُّ بِوَجْهٍ.
قَالَ: (وَاحْتَجَّ الْحَنَفِيَّةُ وَمَنْ قَالَ بِقَوْلِهِمْ بِوُجُوبِ الصَّوْمِ عَلَيْهَا بِوُجُوهٍ: أَحَدُهَا قَوْله تَعَالَى {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} [البقرة: 185] وَهِيَ شَهِدَتْ الشَّهْرَ فَيَلْزَمُهَا الصَّوْمُ لِعُمُومِ النَّصِّ، وَثَانِيهَا: أَنَّهَا تَنْوِي رَمَضَانَ وَلَوْلَا تَقَدُّمُ الْوُجُوبِ لَمَا كَانَ لِهَذَا الصَّوْمِ بِرَمَضَانَ تَعَلُّقٌ وَثَالِثُهَا أَنَّ الْقَضَاءَ يُقَدَّرُ بِقَدْرِ الْأَدَاءِ الْفَائِتِ فَأَشْبَهَ قِيَمَ الْمُتْلَفَاتِ الْقَائِمَةِ مَقَامَ الْأَعْيَانِ الْمُتْلَفَةِ فَكَذَلِكَ هَذَا الْقَضَاءُ يَقُومُ مَقَامَ الْوَاجِبِ الَّذِي فَاتَ فَلَوْ لَمْ يَجِبْ شَيْءٌ مُتَقَدِّمٌ لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ يَقُومُ هَذَا الْقَضَاءُ مَقَامَهُ، وَالْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ أَنَّ عُمُومَ النَّصِّ يَجِبُ تَخْصِيصُهُ بِالدَّلِيلِ الضَّرُورِيِّ فَإِنَّ حَقِيقَةَ الْوَاجِبِ مَا لَا يُمْنَعُ مِنْ فِعْلِهِ وَهَذِهِ مَمْنُوعَةٌ مِنْ الْفِعْلِ إلَى قَوْلِهِ فَيُتَخَصَّصُ بِهِ عُمُومُ الْآيَةِ بِالضَّرُورَةِ فَلَا يَسْتَقِيمُ التَّمَسُّكُ بِهَا)
قُلْتُ إنْ أَرَادَ
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
الْمُوَافَقَةِ لَا تَقُلْ لَهُ أُفٍّ وَاضْرِبْهُ فِي مُنَافَاةِ الْمَفْهُومِ لِلْمَنْطُوقِ فَكَمَا لَا يَجُوزُ بِلَا شَكٍّ أَنْ يُقَالَ لَا تَقُلْ لَهُ أُفٌّ وَاضْرِبْهُ؛ لِأَنَّ مَفْهُومَ لَا تَقُلْ لَهُ أُفٍّ وَهُوَ حُرْمَةُ الضَّرْبِ يُنَاقِضُ مَنْطُوقَ اضْرِبْهُ وَهُوَ جَوَازُ الضَّرْبِ وَمَفْهُومُ اضْرِبْهُ وَهُوَ جَوَازُ أَنْ يُقَالَ لَهُ أُفٍّ يُنَاقِضُ مَنْطُوقَ لَا تَقُلْ لَهُ أُفٍّ وَهُوَ حُرْمَةُ أَنْ يُقَالَ لَهُ أُفٍّ كَذَلِكَ لَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ أَدِّ زَكَاةَ الْغَنَمِ السَّائِمَةِ وَالْمَعْلُوفَةِ مُجْتَمِعًا أَوْ مُتَفَرِّقًا.
وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّ الْمَنْطُوقَيْنِ مَعَ الْمَفْهُومَيْنِ مُتَعَارِضَانِ وَالْمَنْطُوقُ أَقْوَى مِنْ الْمَفْهُومِ فَيَنْدَفِعُ الْمَفْهُومَانِ فَلَا يَبْقَى لِذِكْرِ الْقَيْدَيْنِ فَائِدَةٌ إذْ فَائِدَةُ التَّقْيِيدِ الْمَفْهُومَةِ وَيَكُونُ بِمَثَابَةِ قَوْلِك أَدِّ زَكَاةَ الْغَنَمِ فَيَضِيعُ ذِكْرُ السَّائِمَةِ وَالْمَعْلُوفَةِ بِخُصُوصِهِمَا وَاللَّازِمُ أَعْنِي صِحَّةَ أَنْ يُقَالَ أَدِّ زَكَاةَ الْغَنَمِ السَّائِمَةِ وَالْمَعْلُوفَةِ مُجْتَمِعًا أَوْ مُتَفَرِّقًا ظَاهِرُ الْبُطْلَانِ.
وَأَمَّا ضَعْفُهُ فَيَمْنَعُ الْمُلَازَمَةَ بِوُجُوهٍ:
أَحَدُهَا أَنَّ دَلَالَةَ مَفْهُومِ الْمُوَافَقَةِ عَلَى ثُبُوتِ الْحُكْمِ لِلْمَسْكُوتِ عَنْهُ قَطْعِيَّةٌ وَدَلَالَةُ مَفْهُومِ الْمُخَالَفَةِ عَلَى نَفْيِ الْحُكْمِ عَنْ الْمَسْكُوتِ عَنْهُ ظَنِّيَّةٌ.
وَثَانِيهَا: أَنَّهُ لَا تَنَاقُضَ فِي الظَّوَاهِرِ مَعَ إمْكَانِ الصَّرْفِ عَنْ مَعَانِيهَا لِدَلِيلٍ وَدَفْعُ التَّنَاقُضِ أَقْوَى دَلِيلٍ عَلَيْهِ.
وَثَالِثُهَا: أَنَّ الْفَائِدَةَ فِي ذِكْرِ الْقَيْدَيْنِ السَّائِمَةِ وَالْمَعْلُوفَةِ عَدَمُ تَخْصِيصِ أَحَدِهِمَا عَنْ الْعَامِّ فَإِنَّ الْعَامَّ ظَاهِرٌ فِي تَنَاوُلِ الْخَاصِّينَ وَيُمْكِنُ إخْرَاجُ أَحَدِهِمَا عَنْهُ تَخْصِيصًا لَهُ، إذَا ذَكَرَهُمَا بِالنُّصُوصِيَّةِ لَمْ يُمْكِنْ ذَلِكَ.
وَأَمَّا الْوَجْهُ الرَّابِعُ فَهُوَ أَنَّهُ لَوْ ثَبَتَ الْمَفْهُومُ لَلَزِمَ أَنْ لَا يَثْبُتَ خِلَافُهُ إذَا لَوْ ثَبَتَ خِلَافُهُ مَعَ ثُبُوتِهِ لَثَبَتَ التَّعَارُضُ بَيْنَ دَلِيلِ الْمَفْهُومِ وَدَلِيلِ خِلَافِهِ وَالْأَصْلُ عَدَمُ التَّعَارُضِ وَاللَّازِمُ أَعْنِيَ عَدَمَ ثُبُوتِ خِلَافِ الْمَفْهُومِ مُنْتَفٍ؛ لِأَنَّ خِلَافَ الْمَفْهُومِ قَدْ ثَبَتَ فِي نَحْوِ {لا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً} [آل عمران: 130] فَإِنَّ قَوْلَهُ أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً فِي مَعْنَى الْوَصْفِ وَمَفْهُومُهُ عَدَمُ النَّهْيِ عَنْ الْقَلِيلِ مِنْهُ وَقَدْ تَحَقَّقَ التَّحْرِيمُ فِي الْقَلِيلِ مَعَ انْتِفَاءِ الْوَصْفِ كَمَا تَحَقَّقَ فِي الْكَثِيرِ لِتَحَقُّقِ الْوَصْفِ.
وَأَمَّا ضَعْفُهُ فَبِوَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا مَنْعُ الْمُلَازَمَةِ فِي أَصْلِ الدَّلِيلِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ الْمَفْهُومُ حَقًّا وَثَبَتَ خِلَافُهُ أَحْيَانَا بِنَاءً عَلَى دَلِيلٍ قَطْعِيٍّ لَا يُعَارِضُهُ دَلِيلُ الْمَفْهُومِ لِكَوْنِهِ ظَنِّيًّا.
وَثَانِيهِمَا: مَنْعُ انْتِفَاءِ اللَّازِمِ لِجَوَازِ أَنْ يَثْبُتَ التَّعَارُضُ لِقِيَامِ دَلِيلٍ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ الْأَصْلُ عَدَمَهُ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْأَصْلَ الْبَرَاءَةُ وَيُخَالِفُهَا بِالدَّلِيلِ وَهُوَ أَكْثَرُ مِنْ أَنْ يُحْصَى اهـ مُلَخَّصًا مِنْ الْعَضُدِ وَالسَّعْدِ بِزِيَادَةٍ مِنْ الْمَحَلِّيِّ وَالْعَطَّارِ فَتَأَمَّلْ بِإِنْصَافٍ وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.