الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وُجُودَهَا الْمُنْدَرِجَ فِي الزَّمَنِ الْمَاضِي بَلْ يَجْرِي عَلَيْهَا الْآنَ حُكْمُ عِبَادَةٍ أُخْرَى لَمْ تُوجَدْ قَطُّ وَمَا لَمْ يُوجَدْ قَطُّ يُسْتَأْنَفُ فِعْلُهُ فَيُسْتَأْنَفُ فِعْلُ هَذِهِ فَهِيَ مِنْ قَاعِدَةِ تَقْدِيرِ رَفْعِ الْوَاقِعَاتِ لَا مِنْ قَاعِدَةِ رَفْعِ الْوَاقِعَاتِ فَإِنْ قُلْت وَأَيُّ دَلِيلٍ وُجِدَ فِي الشَّرِيعَةِ يَقْتَضِي تَمَكُّنَ الْمُكَلَّفِ مِنْ هَذَا التَّقْدِيرِ، وَأَنَّ هَذَا التَّقْدِيرَ يَتَحَقَّقُ وَلَوْ صَحَّ ذَلِكَ لَتَمَكَّنَ الْمُكَلَّفُ مِنْ إسْقَاطِ جَمِيعِ أَعْمَالِهِ الْحَسَنَةِ وَالْقَبِيحَةِ فِي الزَّمَانِ الْمَاضِي بِطَرِيقِ التَّقْدِيرِ وَالْقَصْدِ إلَيْهَا فَيَقْصِدُ الْإِنْسَانُ إبْطَالَ مَا مَضَى لَهُ مِنْ جِهَادٍ وَهِجْرَةٍ وَسَعْيٍ فِي طَلَبِ الْعِلْمِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَعْمَالِ بَلْ يَكُونُ إذَا قَصَدَ إلَى إبْطَالِ مَا تَقَدَّمَ لَهُ مِنْ الْإِيمَانِ بِمُجَرَّدِ الْقَصْدِ لِعَدَمِ اعْتِبَارِهِ مِنْ غَيْرِ كُفْرٍ وَلَا رِدَّةٍ وَلَا مَعْنَى مِنْ الْمَعَانِي الْمُنَافِيَةِ لِلْإِيمَانِ أَنْ يَصِيرَ كَافِرًا غَيْرَ مُؤْمِنٍ فِي الزَّمَانِ الْمَاضِي وَأَنَّ حُكْمَ إيمَانِهِ الْمُتَقَدِّمِ الْآنَ حُكْمُ عَدَمِهِ وَحُكْمُ جَمِيعِ أَعْمَالِهِ الصَّالِحَةِ كُلِّهَا كَذَلِكَ.
وَكَذَلِكَ يَقْصِدُ إلَى إبْطَالِ زِنَاهُ وَسَرِقَتِهِ وَحِرَابَتِهِ وَأَكْلِهِ الرِّبَا وَأَمْوَالَ الْيَتَامَى وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْمَنَاحِسِ وَالْقَبَائِحِ أَنْ يَصِيرَ حُكْمُهَا الْآنَ حُكْمَ الْمَعْدُومِ فِي الزَّمَانِ الْمَاضِي فَيَسْتَرِيحَ مِنْ مُؤَاخَذَتِهَا؛ لِأَنَّ عَدَمَ الْمُؤَاخَذَةِ هِيَ أَثَرُ هَذَا التَّقْدِيرِ وَجَمِيعُ ذَلِكَ لَمْ يَقُلْ بِهِ وَلَا قَالَ فَقِيهٌ بِفَتْحِ هَذَا الْقِيَاسِ وَلَمْ نَجِدْهُ إلَّا فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ الْأَرْبَعِ وَجَمِيعُ مَا يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ فِيهِ مِنْ التَّعْلِيلِ أَمْكَنَ وُجُودُهُ فِي جَمِيعِ تِلْكَ الصُّوَرِ أَوْ فِي بَعْضِهَا وَلَمْ يَرِدْ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ الْأَرْبَعِ نَصٌّ يُخَصِّصُهَا بِهَذَا الْحُكْمِ وَيَمْنَعُ مِنْ الْقِيَاسِ عَلَيْهَا بَلْ الْمُقَرَّرُ فِي الشَّرِيعَةِ أَنَّ عَدَمَ اعْتِبَارِ مَا وَقَعَ فِي الزَّمَنِ الْمَاضِي يَتَوَقَّفُ عَلَى أَسْبَابِ غَيْرِ الرَّفْضِ كَالْإِسْلَامِ يَهْدِمُ مَا قَبْلَهُ وَالْهِجْرَةُ تَهْدِمُ مَا قَبْلَهَا وَكَذَلِكَ التَّوْبَةُ وَالْحَجُّ وَعَكْسُهَا فِي الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ لَهَا مَا يُبْطِلُهَا وَهِيَ الرِّدَّةُ وَالنُّصُوصُ دَلَّتْ عَلَى اعْتِبَارِ هَذِهِ الْأَسْبَابِ أَمَّا الرَّفْضُ فَمَا نَعْلَمُ أَحَدًا ذَكَرَ دَلِيلًا شَرْعِيًّا يَقْتَضِي اعْتِبَارَهُ وَأَنَّ مُجَرَّدَ الْقَصْدِ مُؤَثِّرٌ فِي الْأَعْمَالِ هَذَا التَّأْثِيرَ قُلْت هَذَا سُؤَالٌ حَسَنٌ قَوِيٌّ مُتَّجِهٌ وَلَمْ أَجِدْ شَيْئًا لَهُ اتِّجَاهٌ يَقْتَضِي انْدِفَاعَهُ عَلَى الْوَجْهِ التَّامِّ فَالْأَحْسَنُ الِاعْتِرَافُ بِهِ.
(الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ: إنْ قَدِمَ زَيْدٌ آخِرَ الشَّهْرِ فَأَنْتِ طَالِقٌ مِنْ أَوَّلِهِ فَإِنَّهَا مُبَاحَةُ الْوَطْءِ بِالْإِجْمَاعِ إلَى قُدُومِ زَيْدٍ فَإِذَا قَدِمَ زَيْدٌ آخِرَ الشَّهْرِ هَلْ تَطْلُقُ مِنْ الْآنَ أَوْ مِنْ أَوَّلِ الشَّهْرِ وَهُوَ الَّذِي يَرَاهُ ابْنُ يُونُسَ مِنْ أَصْحَابِنَا مُقْتَضَى الْمَذْهَبِ فَيَقْضِي بِوُقُوعِ الطَّلَاقِ فِيهِ وَالتَّحْرِيمُ فِي أَوَّلِ الشَّهْرِ فَيَرْفَعُ الْإِبَاحَةَ الْكَائِنَةَ فِي وَسَطِ الشَّهْرِ وَهِيَ كَانَتْ وَاقِعَةً فَيَلْزَمُ رَفْعُ الْوَاقِعِ وَهُوَ مُحَالٌ كَمَا تَقَدَّمَ.
وَالْجَوَابُ أَنَّهُ مِنْ بَابِ التَّقْدِيرِ الشَّرْعِيِّ بِمَعْنَى أَنَّا نُقَدِّرُ أَنَّ تِلْكَ الْإِبَاحَةَ فِي حُكْمِ الْعَدَمِ لَا أَنَّا نَعْتَقِدُ أَنَّهَا ارْتَفَعَتْ مِنْ الزَّمَنِ الْمَاضِي بَلْ حُكْمُهَا الْآنَ حُكْمُ الْمُرْتَفِعَةِ وَقَدْ تَقَدَّمَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِي بَابِ فَرْقِ الشُّرُوطِ وَالْبَحْثِ فِيهَا مَعَ الشَّافِعِيِّ فَلْتُطَالَعْ مِنْ هُنَاكَ فَإِنَّهُ مُسْتَوْفًى.
(الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ) إذَا أَعْتَقَ عَنْ غَيْرِهِ فَإِنَّا نُقَدِّرُ لَهُ الْمِلْكَ قَبْلَ الْعِتْقِ عَنْهُ مَعَ أَنَّ الْوَاقِعَ عَدَمُ مِلْكِهِ لَهُ قَبْلَ الْعِتْقِ وَذَلِكَ الْعَدَمُ مِنْ جُمْلَةِ الْوَاقِعَاتِ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
الْقَضَاءِ عِنْدَ تَعَذُّرِ الْأَدَاءِ بِسَبَبَيْنِ أَحَدُهُمَا رُؤْيَةُ الْهِلَالِ وَثَانِيهِمَا خُرُوجُ شَهْرِ الْأَدَاءِ وَلَمْ يَصُمْ فِيهِ فَافْهَمْ.
(وَالْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) أَنَّ الْمَرِيضَ إذَا كَانَ يَقْدِرُ عَلَى الصَّوْمِ لَكِنْ مَعَ مَشَقَّةٍ عَظِيمَةٍ لَا يُخْشَى مَعَهَا عَلَى نَفْسِهِ وَلَا عُضْوٍ مِنْ أَعْضَائِهِ فَإِنَّهُ يَسْقُطُ عَنْهُ الْخِطَابُ بِخُصُوصِ رَمَضَانَ لِأَجْلِ الْمَشَقَّةِ وَيَبْقَى مُخَاطَبًا بِأَحَدِ الشَّهْرَيْنِ إمَّا شَهْرُ الْأَدَاءِ أَوْ شَهْرُ الْقَضَاءِ وَيَتَعَيَّنُ الْقَضَاءُ فِي حَقِّهِ عِنْدَ تَعَذُّرِ الْأَدَاءِ بِالسَّبَبَيْنِ الْمُتَقَدِّمَيْنِ فِي مَسْأَلَةِ الْمُسَافِرِ فَإِنْ كَانَ يَخْشَى عَلَى نَفْسِهِ أَوْ عُضْوٍ مِنْ أَعْضَائِهِ أَوْ مَنْفَعَةٍ مِنْ مَنَافِعِهِ تَعَيَّنَ الْأَدَاءُ لِلتَّحْرِيمِ كَمَا يَتَعَيَّنُ الْقَضَاءُ لِلْوُجُوبِ إنْ كَانَ مُسْتَجْمِعَ الشَّرَائِطِ سَالِمَ الْمَوَانِعِ زَمَنَهُ فَإِنْ أَقْدَمَ وَهُوَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ وَصَامَ الْأَدَاءَ الْمُحَرَّمَ عَلَيْهِ احْتَمَلَ كَمَا قَالَهُ الْغَزَالِيُّ فِي الْمُسْتَصْفَى عَدَمَ الْإِجْزَاءِ نَظَرًا لِكَوْنِ الْمُحَرَّمِ لَا يُجْزِئُ عَنْ الْوَاجِبِ وَالْإِجْزَاءُ نَظَرًا لِكَوْنِهِ مُتَقَرِّبًا إلَى اللَّهِ تَعَالَى بِتَرْكِ شَهْوَتَيْ فَمِهِ وَفَرْجِهِ إذْ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ أَنَّهُ غَيْرُ الْوَاجِبِ بَعْدَ عُمُومِهِ كَمَا تَقَدَّمَ جَانِيًا عَلَى نَفْسِهِ بِعَدَمِ حِفْظِهَا عَنْ الْإِلْقَاءِ فِي التَّهْلُكَةِ كَمَا أَنَّ الْمُصَلِّيَ فِي الدَّارِ الْمَغْصُوبَةِ مُتَقَرِّبٌ إلَى اللَّهِ تَعَالَى بِرُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ وَتَعْظِيمِهِ وَإِجْلَالِهِ وَجَانٍ عَلَى صَاحِبِ الدَّارِ وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.
[الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَيْسَ بِوَاجِبٍ فِي الْحَالِ وَالْمَآلِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَيْسَ بِوَاجِبٍ فِي الْحَالِ وَهُوَ وَاجِبٌ فِي الْمَآلِ]
(الْفَرْقُ الرَّابِعُ وَالْخَمْسُونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَيْسَ بِوَاجِبٍ فِي الْحَالِ وَالْمَآلِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَيْسَ بِوَاجِبٍ فِي الْحَالِ وَهُوَ وَاجِبٌ فِي الْمَآلِ) مَا لَيْسَ بِوَاجِبٍ فِي الْحَالِ وَالْمَآلِ نَحْوَ مَا يُخْرِجُهُ مَالِكُ النِّصَابِ مُطْلَقًا نَاوِيًا بِإِخْرَاجِهِ صَدَقَةَ التَّطَوُّعِ لَا الزَّكَاةَ فَلَا يُجْزِئُهُ عَمَّا يَجِبُ عَلَيْهِ فِي زَكَاةِ مَا مَلَكَهُ مِنْ النِّصَابِ عَلَى تَقْدِيرِ دَوَرَانِ الْحَوْلِ قَطْعًا؛ إذْ الْأَصْلُ عَدَمُ إجْزَاءِ مَا لَيْسَ بِوَاجِبٍ أَصْلًا عَنْ الْوَاجِبِ وَمَا لَيْسَ بِوَاجِبٍ فِي الْحَالِ وَهُوَ وَاجِبٌ فِي الْمَآلِ نَحْوَ مَا يُخْرِجُهُ مَالِكُ النِّصَابِ نَاوِيًا بِهِ الزَّكَاةَ لَا صَدَقَةَ التَّطَوُّعِ قَبْلَ الْحَوْلِ إمَّا بِالشَّهْرِ وَنَحْوِهِ عِنْدَنَا وَإِمَّا فِي أَوَّلِ الْحَوْلِ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ فَفِي إجْزَائِهِ عَمَّا يَجِبُ عَلَيْهِ فِي زَكَاةِ مَا مَلَكَهُ مِنْ النِّصَابِ عَلَى تَقْدِيرِ دَوَرَانِ الْحَوْلِ نَظَرٌ لِأَمْرَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ قَصَدَ بِالْمُخْرَجِ الْوَاجِبَ فِي الْمَآلِ عَلَى تَقْدِيرِ دَوَرَانِ الْحَوْلِ لَا التَّطَوُّعَ فَمَا أَجْزَأَ عَنْ الْوَاجِبِ إلَّا وَاجِبٌ عَلَى الْأَصْلِ وَثَانِيهِمَا قَاعِدَةُ أَنَّ كُلَّ حَقٍّ وَلَوْ بَدَنِيًّا خِلَافًا لِجَدِيدِ الشَّافِعِيِّ تَعَلَّقَ بِسَبَبَيْنِ أَوْ بِسَبَبٍ وَشَرْطٍ لَا يَمْتَنِعُ قَطْعًا تَقْدِيمُهُ عَلَى شَرْطِهِ أَوْ ثَانِي سَبَبِهِ بِخِلَافِ تَقْدِيمِهِ عَلَيْهَا فَإِنَّهُ يَمْتَنِعُ قَطْعًا وَعَدَمُ إجْزَائِهِ خِلَافٌ قَالَ
وَالْوَاقِعُ مِنْ عَدَمٍ أَوْ وُجُودٍ فِي الزَّمَنِ الْمَاضِي يَسْتَحِيلُ رَفْعُهُ فَكَيْفَ يَرْتَفِعُ عَدَمُ الْمِلْكِ وَيَثْبُتُ نَقِيضُهُ وَهُوَ الْمِلْكُ، وَالْجَوَابُ عَنْهُ أَنَّهُ مِنْ بَابِ التَّقْدِيرِ فَيُقَدَّرُ ذَلِكَ الْعَدَمُ فِي حُكْمِ الْمُرْتَفِعِ لَا لِأَنَّا نَرْفَعُهُ بَلْ نُعْطِيهِ الْآنَ حُكْمَ الِارْتِفَاعِ مِنْ إجْزَاءِ الْعِتْقِ وَثُبُوتِ الْوَلَاءِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ تُقَدَّرُ مِلْكُ الدِّيَةِ فِي قَتْلِ الْخَطَأِ مِنْ قَبْلِ الْمَوْتِ بِالزَّمَنِ لِيَصِحَّ الْإِرْثُ خَاصَّةً وَهَذِهِ التَّقَادِيرُ كَثِيرَةٌ فِي الشَّرِيعَةِ وَقَدْ بَيَّنْت ذَلِكَ كُلَّهُ مُسْتَوْفًى فِي كِتَابِ الْأُمْنِيَّةِ فِي إدْرَاكِ النِّيَّةِ وَأَنَّهُ لَا يَخْلُو بَابٌ مِنْ أَبْوَابِ الْفِقْهِ عَنْ التَّقْدِيرِ وَهَذِهِ الْفُرُوعُ كُلُّهَا تَقْتَضِي الْفَرْقَ بَيْنَ قَاعِدَةِ ارْتِفَاعِ الْوَاقِعِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ تَقْدِيرِ ارْتِفَاعِ الْوَاقِعِ وَأَنَّ الْأَوَّلَ مُسْتَحِيلٌ مُطْلَقًا وَالثَّانِيَ مُمْكِنٌ مُطْلَقًا وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ.
(الْفَرْقُ السَّابِعُ وَالْخَمْسُونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ تَدَاخُلِ الْأَسْبَابِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ تَسَاقُطِهَا)
اعْلَمْ أَنَّ التَّدَاخُلَ وَالتَّسَاقُطَ بَيْنَ الْأَسْبَابِ قَدْ اسْتَوَيَا فِي أَنَّ الْحُكْمَ لَا يَتَرَتَّبُ عَلَى السَّبَبِ الَّذِي دَخَلَ فِي غَيْرِهِ وَلَا عَلَى السَّبَبِ الَّذِي سَقَطَ بِغَيْرِهِ فَهَذَا هُوَ وَجْهُ الْجَمْعِ بَيْنَ الْقَاعِدَتَيْنِ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ التَّدَاخُلَ بَيْنَ الْأَسْبَابِ مَعْنَاهُ أَنْ يُوجَدَ سَبَبَانِ مُسَبِّبُهُمَا وَاحِدٌ فَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهِمَا مُسَبَّبٌ وَاحِدٌ مَعَ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَقْتَضِي مُسَبَّبًا مِنْ ذَلِكَ النَّوْعِ وَمُقْتَضَى الْقِيَاسِ أَنْ يَتَرَتَّبَ مِنْ ذَلِكَ النَّوْعِ مُسَبَّبَانِ وَقَدْ وَقَعَ الْأَوَّلُ فِي كَثِيرٍ مِنْ الصُّوَرِ وَالثَّانِي أَيْضًا وَاقِعٌ فِي الشَّرِيعَةِ وَهُوَ الْأَكْثَرُ أَمَّا التَّدَاخُلُ الَّذِي هُوَ أَقَلُّ فَقَدْ وَقَعَ فِي الشَّرِيعَةِ فِي سِتَّةِ أَبْوَابٍ:
الْأَوَّلُ: الطَّهَارَاتُ كَالْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ إذَا تَكَرَّرَتْ أَسْبَابُهُمَا الْمُخْتَلِفَةُ كَالْحَيْضِ وَالْجَنَابَةِ أَوْ الْمُتَمَاثِلَةُ كَالْجَنَابَتَيْنِ وَالْمُلَامَسَتَيْنِ فِي الْوُضُوءِ فَإِنَّهُ يُجْزِئُ وُضُوءٌ وَاحِدٌ وَغُسْلٌ وَاحِدٌ وَدَخَلَ أَحَدُ السَّبَبَيْنِ فِي الْآخَرِ فَلَمْ يَظْهَرْ لَهُ أَثَرٌ وَكَالْوُضُوءِ مَعَ الْغُسْلِ فَإِنَّ سَبَبَ الْوُضُوءِ الَّذِي هُوَ الْمُلَامَسَةُ انْدَرَجَ فِي الْجَنَابَةِ فَلَمْ يَتَرَتَّبْ عَلَيْهِ وُجُوبُ وُضُوءٍ وَأَجْزَأَهُ الْغُسْلُ، الثَّانِي: الصَّلَوَاتُ كَتَدَاخُلِ تَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ مَعَ صَلَاةِ الْفَرْضِ مَعَ تَعَدُّدِ سَبَبِهِمَا فَيَدْخُلُ دُخُولُ الْمَسْجِدِ الَّذِي هُوَ سَبَبُ التَّحِيَّةِ فِي الزَّوَالِ الَّذِي هُوَ سَبَبُ الظُّهْرِ مَثَلًا فَيَقُومُ سَبَبُ الزَّوَالِ مَقَامَ سَبَبِ الدُّخُولِ فَيُكْتَفَى بِهِ، الثَّالِثُ: الصِّيَامُ كَصِيَامِ رَمَضَانَ مَعَ صِيَامِ الِاعْتِكَافِ، فَإِنَّ الِاعْتِكَافَ سَبَبٌ لِتَوَجُّهِ الْأَمْرِ بِالصَّوْمِ وَرُؤْيَةِ هِلَالِ رَمَضَانَ سَبَبُ تَوَجُّهِ الْأَمْرِ بِصَوْمِ رَمَضَانَ فَيَدْخُلُ سَبَبُ الِاعْتِكَافِ فِي سَبَبِ رُؤْيَةِ الْهِلَالِ وَيَتَدَاخَلُ الِاعْتِكَافُ وَرُؤْيَةُ الْهِلَالِ.
الرَّابِعُ: الْكَفَّارَاتُ فِي الْأَيْمَانِ عَلَى الْمَشْهُورِ فِي حِلِّ الْأَيْمَانِ عَلَى التَّكْرَارِ دُونَ الْإِنْشَاءِ بِخِلَافِ تَكْرَارِ الطَّلَاقِ يُحْمَلُ عَلَى الْإِنْشَاءِ حَتَّى يُرِيدَ التَّكْرَارَ وَفِي كَفَّارَةِ إفْسَادِ رَمَضَانَ إذَا تَكَرَّرَ الْوَطْءُ مِنْهُ فِي الْيَوْمِ الْوَاحِدِ عِنْدَنَا عَلَى الْخِلَافِ وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الْيَوْمَيْنِ وَلَهُ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
وَمَا قَالَهُ فِي الْفَرْقِ السَّابِعِ وَالْخَمْسِينَ صَحِيحٌ.
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
ابْنُ الشَّاطِّ: وَالْأَصَحُّ نَظَرًا امْتِنَاعُ التَّقْدِيمِ فِي الزَّكَاةِ قُلْت وَذَلِكَ لِأَنَّ تَعْلِيقَ وُجُوبِ الْأَدَاءِ بِالشَّرْطِ أَوْ السَّبَبِ الثَّانِي يَمْنَعُ تَمَامَ السَّبَبِيَّةِ وَلَا يَتَحَقَّقُ الْوُجُوبُ قَبْلَ تَمَامِ سَبَبِهِ وَالْإِجْمَاعُ عَلَى عَدَمِ إجْزَاءِ نَفْلٍ عَنْ فَرْضٍ فَمِنْ هُنَا قَالَ فِي شَرْحِ التَّحْرِيرِ الْأُصُولِيِّ: وَالْأَوْجَهُ قَوْلُ الْحَنَفِيَّةِ بِعَدَمِ جَوَازِ تَقْدِيمِ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ قَبْلَ الْحِنْثِ لِعَقْلِيَّةِ سَبَبِيَّةِ الْحِنْثِ لَهَا دُونَ عَقْلِيَّةِ سَبَبِيَّةِ الْيَمِينِ لَهَا؛ لِأَنَّ الْكَفَّارَةَ فِي التَّحْقِيقِ لِسَتْرِ مَا وَقَعَ مِنْ الْإِخْلَالِ بِتَوْقِيرِ مَا يَجِبُ لِاسْمِ اللَّهِ تَعَالَى وَتَلَافِيهِ، وَهَذَا إنَّمَا يَكُونُ عَنْ الْحِنْثِ لَا عَنْ الْيَمِينِ مِنْ حَيْثُ هِيَ، وَأَيْضًا أَقَلُّ مَا فِي السَّبَبِ أَنْ يَكُونَ مُفْضِيًا إلَى الْمُسَبَّبِ وَالْيَمِينُ لَيْسَتْ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا مَانِعَةٌ مِنْ عَدَمِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ فَكَيْفَ تَكُونُ مُفْضِيَةً إلَيْهِ عَلَى أَنَّهُ لَوْ سَلَّمَ أَنَّ الْيَمِينَ سَبَبُهَا فَالْحِنْثُ شَرْطُ وُجُوبِهَا لِلْقَطْعِ بِأَنَّهَا لَا تَجِبُ قَبْلَهُ وَإِلَّا وَجَبَتْ بِمُجَرَّدِ الْيَمِينِ وَالْمَشْرُوطُ لَا يُوجَدُ قَبْلَ شَرْطِهِ فَلَا تَقَعُ وَاجِبَةً قَبْلَهُ فَلَا يَسْقُطُ الْوُجُوبُ قَبْلَ ثُبُوتِهِ وَلَا عِنْدَ ثُبُوتِهِ بِفِعْلٍ قَبْلَهُ لَمْ يَكُنْ وَاجِبًا وَمَا وَقَعَ مِنْ الشَّرْعِ بِخِلَافِهِ كَالزَّكَاةِ يَقْتَصِرُ عَلَى مَوْرِدِهِ وَلَا يَلْحَقُ بِهِ غَيْرُهُ.
قَالَ: وَمَا فَرَّقُوا بِهِ بَيْنَ الْحَقِّ الْمَالِيِّ وَالْبَدَنِيِّ لِقَوْلِ الشَّافِعِيِّ فِي الْجَدِيدِ بِجَوَازِ تَعْجِيلِ الْكَفَّارَةِ الْمَالِيَّةِ لِلْيَمِينِ قَبْلَ الْحِنْثِ دُونَ الْبَدَنِيَّةِ وَهِيَ الصَّوْمُ بِأَنَّ الْحِنْثَ شَرْطٌ فِي الْكَفَّارَةِ وَالْيَمِينُ سَبَبُهَا وَالشَّرْطُ عِنْدَهُ إنَّمَا يُؤَثِّرُ فِي تَأْخِيرِ وُجُوبِ الْأَدَاءِ لَا فِي انْعِقَادِ السَّبَبِ، وَالْحَقُّ الْمَالِيُّ لِلَّهِ تَعَالَى يَنْفَصِلُ وُجُوبُ أَدَائِهِ عَنْ نَفْسِ وُجُوبِهِ لِتَغَايُرِ الْمَالِ وَالْفِعْلِ فَجَازَ اتِّصَافُ الْمَالِ بِنَفْسِ الْوُجُوبِ وَلَا يَثْبُتُ وُجُوبُ الْأَدَاءِ الَّذِي هُوَ الْفِعْلُ إلَّا بَعْدَ الْحِنْثِ كَمَا فِي الْحَقِّ الْمَالِيِّ لِلْعَبْدِ بِخِلَافِ الْحَقِّ الْبَدَنِيِّ لِلَّهِ فَإِنَّهُ لَا يَنْفَصِلُ وُجُوبُ أَدَائِهِ عَنْ نَفْسِ وُجُوبِهِ بَلْ نَفْسُ وُجُوبِهِ وُجُوبُ أَدَائِهِ فَلَوْ تَأَخَّرَ وُجُوبُ أَدَائِهِ انْتَفَى الْوُجُوبُ فَلَا يَجُوزُ الْأَدَاءُ؛ لِأَنَّهُ أَدَاءٌ قَبْلَ الْوُجُوبِ حِينَئِذٍ.
وَمِنْ ثَمَّةَ جَازَ تَعْجِيلُ الزَّكَاةِ قَبْلَ الْحَوْلِ وَلَمْ يَجُزْ تَعْجِيلُ الصَّلَاةِ قَبْلَ الْوَقْتِ فَهُوَ سَاقِطٌ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ الْوَاجِبَ لِلَّهِ تَعَالَى عَلَى الْعِبَادِ هُوَ الْعِبَادَةُ وَهُوَ فِعْلٌ يُبَاشِرُهُ الْمَرْءُ بِخِلَافِ هَوَى النَّفْسِ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ تَعَالَى بِإِذْنِهِ وَالْمَالُ آلَةٌ يَتَأَدَّى بِهِ الْوَاجِبُ كَمَنَافِعِ الْبَدَنِ فَيَكُونُ الْمَالِيُّ كَالْبَدَنِيِّ فِي أَنَّ الْمَقْصُودَ بِالْوُجُوبِ الْأَدَاءُ وَأَنَّ تَعَلُّقَ وُجُوبِ الْأَدَاءِ بِالشَّرْطِ يَمْنَعُ تَمَامَ السَّبَبِيَّةِ فِيهِمَا جَمِيعًا عَلَى أَنَّ وُجُوبَ الْأَدَاءِ بَعْدَ تَمَامِ السَّبَبِ قَدْ يَنْفَصِلُ عَنْ نَفْسِ الْوُجُوبِ فِي الْبَدَنِيِّ أَيْضًا فَإِنَّ الْمُسَافِرَ
قَوْلَانِ فِي الرَّمَضَانَيْنِ، الْخَامِسُ: الْحُدُودُ الْمُتَمَاثِلَةُ وَإِنْ اخْتَلَفَتْ أَسْبَابُهَا كَالْقَذْفِ وَشُرْبِ الْخَمْرِ أَوْ تَمَاثَلَتْ كَالزِّنَى مِرَارًا وَالسَّرِقَةِ مِرَارًا وَالشُّرْبِ مِرَارًا قَبْلَ إقَامَةِ الْحَدِّ عَلَيْهِ وَهِيَ مِنْ أَوْلَى الْأَسْبَابِ بِالتَّدَاخُلِ؛ لِأَنَّ تَكَرُّرَهَا مُهْلِكٌ، السَّادِسُ: الْأَمْوَالُ كَالْوَاطِئِ بِالشُّبْهَةِ الْمُتَّحِدَةِ إذَا تَكَرَّرَ الْوَطْءُ فَإِنَّ كُلَّ وَطْأَةٍ لَوْ انْفَرَدَتْ أَوْجَبَتْ مَهْرًا تَامًّا مِنْ صَدَاقِ الْمِثْلِ وَلَا يَجِبُ فِي ذَلِكَ إلَّا صَدَاقٌ وَاحِدٌ وَكَدِيَةِ الْأَطْرَافِ مَعَ النَّفْسِ فَإِنَّهُ إذَا قَطَعَ أَطْرَافَهُ وَسَرَى ذَلِكَ لِنَفْسِهِ اكْتَفَى صَاحِبُ الشَّرْعِ بِدِيَةٍ وَاحِدَةٍ لِلنَّفْسِ مَعَ أَنَّ الْوَاجِبَ قَبْلَ السَّرَيَانِ نَحْوَ عَشْرِ دِيَاتٍ بِحَسَبِ تَعَدُّدِ الْعُضْوِ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ وَمَعَ ذَلِكَ يَسْقُطُ الْجَمِيعُ وَلَا يَلْزَمُ إلَّا دِيَةٌ وَاحِدَةٌ تَفْرِيعٌ عَلَى هَذَا قَدْ يَدْخُلُ الْقَلِيلُ مَعَ الْكَثِيرِ كَدِيَةِ الْأُصْبُعِ مَعَ النَّفْسِ وَالْكَثِيرُ مَعَ الْقَلِيلِ كَدِيَةِ الْأَطْرَافِ مَعَ النَّفْسِ وَالْمُتَقَدِّمُ مَعَ الْمُتَأَخِّرِ كَحَدَثِ الْوُضُوءِ مَعَ الْجَنَابَةِ وَالْمُتَأَخِّرُ مَعَ الْمُتَقَدِّمِ كَالْوَطَآتِ الْمُتَأَخِّرَةِ مَعَ الْوَطْأَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ الْأُولَى.
وَمُوجِبَاتُ أَسْبَابِ الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ مَعَ انْدِرَاجِهِ فِي الْمُوجِبِ الْأَوَّلِ وَالطَّرَفَانِ فِي وَسَطٍ كَانْدِرَاجِ الْوَطْأَةِ الْأُولَى وَالْآخِرَةِ فِي وَطْءِ الشُّبْهَةِ فَإِنَّهَا قَدْ تُوطَأُ أَوَّلًا وَهِيَ مَرِيضَةُ الْجِسْمِ عَدِيمَةُ الْمَالِ ثُمَّ تَصِحُّ وَتَرِثُ مَالًا عَظِيمًا ثُمَّ تَسْقَمُ فِي جِسْمِهَا وَيَذْهَبُ مَالُهَا وَهِيَ تُوطَأُ فِي تِلْكَ الْأَحْوَالِ كُلِّهَا بِشُبْهَةٍ وَاحِدَةٍ فَإِنَّهَا يَجِبُ لَهَا عِنْدَ الشَّافِعِيِّ صَدَاقُ الْمِثْلِ فِي أَعْظَمِ أَحْوَالِهَا وَأَعْظَمُ أَحْوَالِهَا فِي هَذِهِ الصُّورَةِ الْحَالَةُ الْوُسْطَى فَيَجِبُ الصَّدَاقُ بِاعْتِبَارِهَا وَتَدْخُلُ فِيهَا الْحَالَةُ الْأُولَى وَالْحَالَةُ الْأَخِيرَةُ فَيَنْدَرِجُ الطَّرَفَانِ فِي الْوَسَطِ وَهَذَا الْمِثَالُ إنَّمَا يَجِبُ عَلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَأَمَّا عَلَى مَذْهَبِ مَالِكٍ فَإِنَّمَا يَعْتَبِرُ الْوَطْأَةَ الْأُولَى كَيْفَ كَانَتْ وَكَيْفَ صَادَفَتْ وَيَنْدَرِجُ مَا بَعْدَهَا فِيهَا وَتَكُونُ عِنْدَهُ مِنْ بَابِ انْدِرَاجِ الْمُتَأَخِّرِ فِي الْمُتَقَدِّمِ لَا مِنْ بَابِ انْدِرَاجِ الطَّرَفَيْنِ فِي الْوَسَطِ.
وَأَمَّا الْقِسْمُ الَّذِي هُوَ أَكْثَرُ فِي الشَّرِيعَةِ وَهُوَ عَدَمُ التَّدَاخُلِ مَعَ تَمَاثُلِ الْأَسْبَابِ فَكَالْإِتْلَافَيْنِ يَجِبُ بِهِمَا ضَمَانَانِ وَلَا يَتَدَاخَلَانِ وَكَالطَّلَاقَيْنِ يَتَعَدَّدُ أَثَرُهُمَا وَلَا يَتَدَاخَلَانِ بَلْ يُنْقِصُ كُلُّ طَلَاقٍ مِنْ الْعِصْمَةِ طَلْقَةً إلَّا أَنْ يَنْوِيَ التَّأْكِيدَ أَوْ الْخَبَرَ عَنْ الْأَوَّلِ وَالزَّوَالَيْنِ فَإِنَّهُمَا يُوجِبَانِ ظُهْرَيْنِ وَكَذَلِكَ بَقِيَّةُ أَوْقَاتِ الصَّلَوَاتِ وَأَسْبَابِهَا وَكَالنَّذْرَيْنِ يَتَعَدَّدُ مَنْذُورُهُمَا وَلَا يَتَدَاخَلُ وَكَالْوَصِيَّتَيْنِ بِلَفْظٍ وَاحِدٍ لِشَخْصٍ وَاحِدٍ فَإِنَّهُ يَتَعَدَّدُ لَهُ الْمُوصَى بِهِ عَلَى الْخِلَافِ وَكَالسَّبَبَيْنِ لِرَجُلٍ وَاحِدٍ أَوْ رَجُلَيْنِ بِمَعْنًى وَاحِدٍ أَوْ مُخْتَلِفٍ فَإِنَّهُ يُوجِبُ تَعَدُّدَ التَّعْزِيرِ وَالْمُؤَاخَذَةِ وَكَمَا لَوْ اسْتَأْجَرَ مِنْهُ شَهْرًا ثُمَّ اسْتَأْجَرَ مِنْهُ شَهْرًا وَلَمْ يُعَيِّنْ فَإِنَّهُ يَحْمِلْ عَلَى شَهْرَيْنِ وَكَمَا لَوْ اشْتَرَى مِنْهُ صَاعًا مِنْ هَذِهِ الصُّبْرَةِ ثُمَّ اشْتَرَى مِنْهُ صَاعًا مِنْ هَذِهِ الصُّبْرَةِ فَإِنَّهُ يَحْمِلُ عَلَى صَاعَيْنِ وَهُوَ كَثِيرٌ جِدًّا فِي الشَّرِيعَةِ، الْأَصْلُ أَنْ يَتَرَتَّبَ عَلَى كُلِّ سَبَبٍ مُسَبَّبُهُ، وَالتَّدَاخُلُ عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ.
وَأَمَّا تَسَاقُطُ الْأَسْبَابِ فَإِنَّمَا يَكُونُ عِنْدَ التَّعَارُضِ وَتَنَافِي الْمُسَبَّبَاتِ بِأَنْ يَكُونَ أَحَدُ السَّبَبَيْنِ يَقْتَضِي شَيْئًا وَالْآخَرُ يَقْتَضِي ضِدَّهُ فَيُقَدِّمُ صَاحِبُ الشَّرْعِ الرَّاجِحَ مِنْهُمَا عَلَى الْمَرْجُوحِ فَيَسْقُطُ الْمَرْجُوحُ أَوْ يَسْتَوِيَانِ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
إذَا صَامَ فِي رَمَضَانَ جَازَ اتِّفَاقًا وَإِنْ تَأَخَّرَ وُجُوبُ الْأَدَاءِ إلَى مَا بَعْدَ الْإِقَامَةِ بِالْإِجْمَاعِ اهـ كَلَامُهُ مَعَ شَيْءٍ مِنْ مَتْنِ التَّحْرِيرِ بِتَصَرُّفٍ وَحَذْفٍ مَا فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ بِإِمْعَانٍ (وَصْلٌ فِي زِيَادَةِ تَوْضِيحٍ) هَذَا الْفَرْقُ بِذِكْرِ ثَلَاثِ مَسَائِلَ.
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ يَتَعَلَّقُ الْوُجُوبُ فِي الْوَاجِبِ الْمُوَسَّعِ بِآخِرِ الْوَقْتِ وَفِعْلُ الْمُعَجِّلِ قَبْلَ ذَلِكَ نَفْلٌ يَسُدُّ مَسَدَّ الْفَرْضِ عَلَى مَا تَقَرَّرَ عِنْدَهُمْ فَقَالَ الْأَصْحَابُ لَهُمْ لَوْ صَحَّ مَا ذَكَرْتُمُوهُ لَصَحَّ أَنْ يُصَلِّيَ قَبْلَ الزَّوَالِ وَيُجْزِئُ عَنْهُ إذَا زَالَتْ الشَّمْسُ فَيَكُونُ نَفْلًا سَدَّ مَسَدَّ الْفَرْضِ وَأَجْزَأَ عَنْهُ بَعْدَ جَرَيَانِهِ وَهُوَ خِلَافُ الْإِجْمَاعِ فَكَذَلِكَ مَا بَعْدَ الزَّوَالِ لِانْحِصَارِ الْوُجُوبِ عِنْدَكُمْ فِي آخِرِ الْقَامَةِ فَمَا هُوَ وَاقِعٌ بَعْدَ الزَّوَالِ أَوْ قَبْلَهُ سَوَاءٌ فِي كَوْنِهِ غَيْرَ وَاجِبٍ، فَإِذَا أَجْزَأَ أَحَدُهُمَا عَنْ الْوَاجِبِ وَجَبَ أَنْ يُجْزِئَ الْآخَرُ عَنْ الْوَاجِبِ، فَإِذَا قُلْتُمْ قَدْ قَصَدَ بِهِ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ فِي الْمَآلِ عِنْدَ آخِرِ الْوَقْتِ وَلَمْ يَقْصِدْ بِهِ التَّطَوُّعَ.
قُلْنَا: وَكَذَلِكَ يَقْصِدُ بِهِ قَبْلَ الزَّوَالِ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ فِي آخِرِ الْوَقْتِ وَيُجْزِئُ وَلَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ قُلْت وَمَا فَرَّقَ بِهِ الْأَصْلُ لَهُمْ بَيْنَ الصَّلَاةِ قَبْلَ الزَّوَالِ وَيَنْوِي بِهَا الْوَاجِبَ فِي الْمَآلِ وَبَيْنَ الصَّلَاةِ بَعْدَ الزَّوَالِ وَيَنْوِي بِهَا الْوَاجِبَ فِي الْمَآلِ أَيْضًا بِأَنَّ الصَّلَاةَ قَبْلَ الزَّوَالِ إذَا قَصَدَ بِهَا الْوَاجِبَ عَلَيْهِ فِي الْمَآلِ عِنْدَ آخِرِ الْقَامَةِ إنَّمَا وِزَانُهَا إخْرَاجُ الزَّكَاةِ قَبْلَ مِلْكِ النِّصَابِ وَيَنْوِي بِهَا مَا يَجِبُ عَلَيْهِ فِي الْمَآلِ عِنْدَ مِلْكِ النِّصَابِ وَدَوَرَانِ الْحَوْلِ وَهَذَا لَا يُجْزِئُ إجْمَاعًا؛ لِأَنَّهُ إيقَاعُ الْفِعْلِ قَبْلَ سَبَبِهِ وَشَرْطِهِ وَالصَّلَاةُ بَعْدَ الزَّوَالِ إذَا قَصَدَ بِهَا الْوَاجِبَ عَلَيْهِ فِي الْمَآلِ عِنْدَ آخِرِ الْقَامَةِ إنَّمَا وِزَانُهَا إخْرَاجُ الزَّكَاةِ بَعْدَ مِلْكِ النِّصَابِ وَقَبْلَ الْحَوْلِ إذَا كَمَا أَنَّ النِّصَابَ سَبَبٌ لِلْوُجُوبِ بَعْدَ الْحَوْلِ كَذَلِكَ الزَّوَالُ سَبَبٌ لِلْوُجُوبِ آخِرَ الْقَامَةِ وَهَذَا لَمْ يُجْمَعْ عَلَى عَدَمِ إجْزَائِهِ؛ لِأَنَّهُ إيقَاعٌ لِلْفِعْلِ بَيْنَ سَبَبِهِ وَشَرْطِهِ وَالْحُكْمُ إذَا تَوَسَّطَ بَيْنَ سَبَبَيْهِ أَوْ سَبَبِهِ وَشَرْطِهِ جَرَى فِيهِ الْخِلَافُ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ بِخِلَافِ تَقَدُّمِهِ عَلَيْهِمَا فَكَانَ مَا أَوْقَعَهُ الْمُصَلِّي قَبْلَ الزَّوَالِ نَفْلًا مُطْلَقًا وَإِنْ نَوَى بِهِ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ فِي الْمَالِ بِخِلَافِ مَا أَوْقَعَهُ بَعْدَ الزَّوَالِ فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ نَفْلًا مُطْلَقًا إذَا لَمْ يَنْوِ بِهِ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ فِي الْمَآلِ أَمَّا إذَا نَوَى بِهِ ذَلِكَ فَإِنَّهُ وَإِنْ كَانَ نَفْلًا فِي الْحَالِ إلَّا أَنَّهُ وَاجِبٌ فِي الْمَآلِ فَمَا أَجْزَأَ عَنْ الْوَاجِبِ إلَّا وَاجِبٌ اهـ بِتَوْضِيحٍ وَإِنْ كَانَ أَيْ مَا فَرَّقَ
فَيَتَسَاقَطَانِ مَعًا هَذَا هُوَ ضَابِطُ هَذَا الْقِسْمِ وَهُوَ قِسْمَانِ: تَارَةً يَقَعُ الِاخْتِلَافُ فِي جَمِيعِ الْأَحْكَامِ وَتَارَةً فِي الْبَعْضِ.
أَمَّا الْقِسْمُ الْأَوَّلُ وَهُوَ التَّنَافِي فِي جَمِيعِ الْأَحْكَامِ فَكَالرَّدَّةِ مَعَ الْإِسْلَامِ وَالْقَتْلِ وَالْكُفْرِ مَعَ الْقَرَابَةِ الْمُوجِبَةِ لِلْمِيرَاثِ فَإِنَّهُمَا يَقْتَضِيَانِ عَدَمَ الْإِرْثِ وَكَالدَّيْنِ مُسْقِطٌ لِلزَّكَاةِ وَأَسْبَابُهَا تُوجِبُهَا، وَكَالْبَيِّنَتَيْنِ إذَا تَعَارَضَتَا أَوْ الْأَصْلَيْنِ إذَا قُطِعَ رَجُلٌ مَلْفُوفٌ فِي الثِّيَابِ فَتَنَازَعَ هُوَ وَالْوَلِيُّ فِي كَوْنِهِ كَانَ حَيًّا حَالَةَ الْجِنَايَةِ فَالْأَصْلُ بَقَاءُ الْحَيَاةِ وَالْأَصْلُ أَيْضًا عَدَمُ وُجُوبِ الْقِصَاصِ وَالْغَالِبَيْنِ وَهُمَا الظَّاهِرَانِ كَاخْتِلَافِ الزَّوْجَيْنِ فِي مَتَاعِ الْبَيْتِ فَإِنَّ الْيَدَ لِلرَّجُلِ ظَاهِرَةٌ فِي الْمِلْكِ وَكَوْنُ الْمُدَّعِي فِيهِ مِنْ قُمَاشِ النِّسَاءِ دُونَ الرِّجَالِ ظَاهِرٌ فِي كَوْنِهِ لِلْمَرْأَةِ دُونَ الرَّجُلِ فَقَدَّمْنَا نَحْنُ هَذَا الظَّاهِرَ وَسَوَّى الشَّافِعِيُّ بَيْنَهُمَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ لَهُمَا مَعًا يَدًا وَهِيَ ظَاهِرَةٌ فِي الْمِلْكِ وَمَالِكٌ يَقُولُ الْيَدُ خَالِصَةٌ بِالرَّجُلِ؛ لِأَنَّهُ صَاحِبُ الْمَنْزِلِ.
وَكَذَلِكَ إذَا كَانَ الْمَتَاعُ يَصْلُحُ لَهُمَا قُدِّمَ مِلْكُ الرَّجُلِ فِيهِ بِنَاءً عَلَى اخْتِصَاصِهِ بِالْيَدِ وَكَالْمُنْفَرِدَيْ نِ بِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ وَالسَّمَاءُ مُصْحِيَةٌ وَالْمِصْرُ كَبِيرٌ قُدِّمَ مِلْكُ ظَاهِرِ الْعَدَالَةِ، وَقَدَّمَ سَحْنُونٌ ظَاهِرَ الْحَالِ وَقَالَ الظَّاهِرُ كَذِبُهُمَا؛ لِأَنَّ الْعَدَدَ الْعَظِيمَ مَعَ ارْتِفَاعِ الْمَوَانِعِ يَقْتَضِي أَنْ يَرَاهُ جَمْعٌ عَظِيمٌ فَانْفِرَادُ هَذَيْنِ دَلِيلُ كَذِبِهِمَا وَلَمْ يُوجِبْ الصَّوْمَ بِشَهَادَتِهِمَا، وَالْأَصْلُ وَالظَّاهِرُ كَالْمَقْبَرَةِ الْمَنْبُوشَةِ الْأَصْلُ عَدَمُ النَّجَاسَةِ وَالظَّاهِرُ عَدَمُ وُجُودِهَا بِسَبَبِ النَّبْشِ فَهَذِهِ الْأَقْسَامُ كُلُّهَا مُتَنَافِيَةٌ مِنْ جَمِيعِ الْوُجُوهِ فِي مُسَبَّبَاتِهَا.
وَأَمَّا التَّسَاقُطُ بِسَبَبِ التَّنَافِي فِي بَعْضِ الْوُجُوهِ وَفِي بَعْضِ الْأَحْكَامِ كَالنِّكَاحِ مَعَ الْمِلْكِ إذَا عَقَدَ عَلَى أَمَتِهِ فَإِنَّ النِّكَاحَ يُوجِبُ إبَاحَةَ الْوَطْءِ وَالْمِلْكُ يُوجِبُ مَعَ ذَلِكَ مِلْكَ الرَّقَبَةِ وَالْمَنَافِعِ فَسَقَطَ النِّكَاحُ تَغْلِيبًا لِلْمِلْكِ بِسَبَبِ قُوَّتِهِ وَتَكُونُ الْإِبَاحَةُ الْحَاصِلَةُ مُضَافَةً لِلْمِلْكِ فَقَطْ وَلَا يَحْصُلُ تَدَاخُلٌ فَلَا يُقَالُ هِيَ مُضَافَةٌ لَهُمَا أَلْبَتَّةَ وَكَمَا إذَا اشْتَرَى امْرَأَتَهُ وَصَيَّرَهَا أَمَتَهُ فَإِنَّ النِّكَاحَ السَّابِقَ يَقْتَضِي الْإِبَاحَةَ وَكَذَلِكَ الشِّرَاءُ اللَّاحِقُ يَقْتَضِي الْإِبَاحَةَ مَعَ بَقِيَّةِ آثَارِ الْمِلْكِ فَأَسْقَطَ الشَّرْعُ النِّكَاحَ السَّابِقَ بِالْمِلْكِ اللَّاحِقِ عَكْسُ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ فَإِنَّ الْأَوَّلَ قُدِّمَ فِيهِ السَّابِقُ وَهَذَا قُدِّمَ فِيهِ اللَّاحِقُ.
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْمِلْكَ أَقْوَى مِنْ النِّكَاحِ لِاشْتِمَالِهِ عَلَى إبَاحَةِ الْوَطْءِ وَغَيْرِهِ فَلَمَّا كَانَ أَقْوَى قَدَّمَهُ صَاحِبُ الشَّرْعِ سَابِقًا وَلَاحِقًا وَلَاحَظْنَا أَنَّ السَّابِقَ يُقَدَّمُ بِحُصُولِهِ فِي الْمَحَلِّ وَسَبْقِهِ وَإِلَّا لَانْدَفَعَ الشِّرَاءُ عَنْ الزَّوْجَةِ وَبَقِيَتْ زَوْجَةً وَبَطَلَ الْبَيْعُ لَكِنَّ السِّرَّ مَا ذَكَرْته لَك، وَمِنْ ذَلِكَ عِلْمُ الْحَاكِمِ مَعَ الْبَيِّنَةِ إذَا شَهِدَتْ بِمَا يَعْلَمُهُ فَإِنَّ الْحُكْمَ مُضَافٌ لِلْبَيِّنَةِ دُونَ عِلْمِهِ عِنْدَ مَالِكٍ وَالْقَضَاءُ بِالْعِلْمِ سَاقِطٌ حَذَرًا مِنْ الْقُضَاةِ السُّوءِ وَسَدًّا لِذَرِيعَةِ الْفَسَادِ عَلَى الْحُكْمِ بِالتُّهَمِ وَعَلَى النَّاسِ بِالْقَضَاءِ عَلَيْهِمْ بِالْبَاطِلِ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ عِلْمُهُ مُقَدَّمٌ عَلَى الْبَيِّنَةِ؛ لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ لَا تُفِيدُ إلَّا الظَّنَّ وَالْعِلْمُ أَوْلَى مِنْ الظَّنِّ وَيَحْتَمِلُ مَذْهَبُهُ أَنَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا وَيَجْعَلُ الْحُكْمَ مُضَافًا إلَيْهِمَا لِعَدَمِ التَّنَافِي بَيْنَهُمَا وَمِنْ ذَلِكَ مَنْ وُجِدَ فِي حَقِّهِ سَبَبَانِ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
.
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
بِهِ الْأَصْلُ بَيْنَ الصَّلَاةِ إلَخْ جَوَابًا عَنْ الْحَنَفِيَّةِ لَا بَأْسَ بِهِ كَمَا قَالَ ابْنُ الشَّاطِّ إلَّا أَنَّهُ يُعْلَمُ سُقُوطُهُ مِمَّا قَدَّمْته عَنْ شَرْحِ التَّحْرِيرِ الْأُصُولِيِّ فَمِنْ هُنَا قَالَ ابْنُ الشَّاطِّ وَالْأَصَحُّ نَظَرًا لُزُومُ عَدَمِ الْإِجْزَاءِ فِي مَسْأَلَةِ الْحَنَفِيَّةِ فَيُصَادِمُهُمْ الْإِجْمَاعُ اهـ فَافْهَمْ.
(الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) تَعْجِيلُ زَكَاةِ الْفِطْرِ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ مِنْ آخِرِ أَيَّامِ رَمَضَانَ بِيَوْمٍ أَوْ ثَلَاثَةٍ يَجُوزُ عِنْدَنَا وَتُجْزِئُ عَنْ الزَّكَاةِ الْوَاجِبَةِ إذَا تَوَجَّهَتْ عَلَيْهِ عِنْدَ سَبَبِهَا الَّذِي هُوَ غُرُوبُ الشَّمْسِ مِنْ آخِرِ أَيَّامِ رَمَضَانَ أَوْ طُلُوعِ الْفَجْرِ عَلَى الْخِلَافِ فِي ذَلِكَ وَنَوَى بِهَا الْوَاجِبَ عَلَيْهِ فِي الْمَآلِ عِنْدَ جَرَيَانِ السَّبَبِ لَا صَدَقَةَ التَّطَوُّعِ وَإِلَّا لَمْ تَجُزْ عَنْهُ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ إخْرَاجَهَا بَعْدَ أَحَدِ أَسْبَابِهَا الَّذِي هُوَ الْخَلَلُ الْوَاقِعُ فِي الصَّوْمِ؛ لِأَنَّ زَكَاةَ الْفِطْرِ جَابِرَةٌ لِمَا عَسَاهُ اخْتَلَّ عَنْ صَوْمِ رَمَضَانَ بِالرَّفَثِ وَغَيْرِهِ مِنْ أَسْبَابِ النَّقْصِ كَمَا أَنَّ سُجُودَ السَّهْوِ جَابِرٌ لِمَا نَقَصَ مِنْ الصَّلَاةِ وَلِذَلِكَ وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ أَنَّهَا طُهْرَةٌ لِلصَّائِمِ وَقَدْ تَقَدَّمَ الصَّوْمُ وَالْحُكْمُ إذَا تَوَسَّطَ بَيْنَ سَبَبَيْهِ أَوْ سَبَبِهِ وَشَرْطِهِ جَرَى فِيهِ الْخِلَافُ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ كَمَا عَلِمْت فَتَنَبَّهْ.
(الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ)
قَالَ الْحَطَّابُ عِنْدَ قَوْلِ خَلِيلٍ وَدَمُ التَّمَتُّعِ يَجِبُ بِإِحْرَامِ الْحَجِّ أَيْ وُجُوبًا غَيْرَ مُحَتَّمٍ؛ لِأَنَّهُ مُعَرَّضٌ لِلسُّقُوطِ بِالْمَوْتِ وَالْفَوَاتِ فَإِذَا رَمَى الْعَقَبَةَ تَحَتَّمَ الْوُجُوبُ كَمَا نَقُولُ فِي كَفَّارَةِ الظِّهَارِ أَنَّهَا تَجِبُ بِالْعَوْدِ وُجُوبًا غَيْرَ مُحَتَّمٍ بِمَعْنَى أَنَّهَا تَسْقُطُ بِمَوْتِ الزَّوْجَةِ وَطَلَاقِهَا فَإِنْ وَطِئَ تَحَتَّمَ الْوُجُوبُ نَقَلَهُ كَنُونِ فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى عبق وَفِي حَاشِيَةِ الْبُنَانِيِّ عَلَى عبق إنَّ الْأَبِيَّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ عَلَى أَحَادِيثِ الْإِشْرَاكِ فِي الْهَدْيِ عَلَى قَوْلِ الرَّاوِي فَأَمَرَنَا إذَا أَحْلَلْنَا أَنْ نُهْدِيَ نَقْلٌ عَنْ الْمَازِرِيِّ أَنَّهُ قَالَ: مَذْهَبُنَا أَنَّ هَدْيَ التَّمَتُّعِ إنَّمَا يَجِبُ بِالْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ.
وَفِي وَقْتِ جَوَازِ نَحْرِهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ: فَالصَّحِيحُ وَاَلَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ أَنَّهُ يَجُوزُ نَحْرُهُ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الْعُمْرَةِ وَقَبْلَ الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ، وَالثَّانِي: لَا يَجُوزُ حَتَّى يُحْرِمَ بِالْحَجِّ، وَالثَّالِثُ: أَنَّهُ يَجُوزُ بَعْدَ الْإِحْرَامِ بِالْعُمْرَةِ اهـ.
وَعَنْ عِيَاضٍ أَنَّهُ قَالَ وَفِي الْحَدِيثِ حُجَّةٌ لِمَنْ يُجِيزُ نَحْرَ الْهَدْيِ لِلتَّمَتُّعِ بَعْدَ التَّحَلُّلِ بِالْعُمْرَةِ وَقَبْلَ الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ وَهُوَ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عِنْدَنَا وَالْأُخْرَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إلَّا بَعْدَ الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ؛ لِأَنَّهُ بِذَلِكَ يَصِيرُ مُتَمَتِّعًا وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ جَارٍ عَلَى تَقْدِيمِ الْكَفَّارَةِ عَلَى الْحِنْثِ وَعَلَى تَقْدِيمِ الزَّكَاةِ عَلَى الْحَوْلِ وَقَدْ يُفَرِّقُ بَيْنَ هَذِهِ الْأُصُولِ وَالْأَوَّلِ ظَاهِرُ الْأَحَادِيثِ لِقَوْلِهِ إذَا أَحْلَلْنَا
لِلتَّوْرِيثِ بِالْفَرْضِ فِي أَنْكِحَةِ الْمَجُوسِ فَإِنَّهُ يَرِثُ بِأَقْوَاهُمَا وَيَسْقُطُ الْآخَرُ مَعَ أَنَّ كِلَيْهِمَا يَقْتَضِي الْإِرْثَ كَالِابْنِ إذَا كَانَ أَخًا لِأُمٍّ كَمَا إذَا تَزَوَّجَ أُمَّهُ فَوَلَدُهَا حِينَئِذٍ ابْنُهُ وَهُوَ أَخُوهُ لِأُمِّهِ فَإِنَّهُ يَرِثُ بِالْبُنُوَّةِ وَتَسْقُطُ الْأُخُوَّةُ أَمَّا إنْ كَانَا سَبَبَيْنِ الْفَرْضَ وَالتَّعْصِيبَ فَإِنَّهُ يَرِثُ بِهِمَا كَالزَّوْجِ ابْنُ عَمٍّ يَأْخُذُ النِّصْفَ بِالزَّوْجِيَّةِ وَالنِّصْفَ الْآخَرَ بِكَوْنِهِ ابْنَ عَمٍّ فَهَذِهِ مَثَلٌ وَمَسَائِلُ تُوجِبُ الْفَرْقَ بَيْنَ قَاعِدَةِ تَدَاخُلِ الْأَسْبَابِ وَتَسَاقُطِهَا عَلَى اخْتِلَافِ التَّدَاخُلِ وَالتَّسَاقُطِ.
(الْفَرْقُ الثَّامِنُ وَالْخَمْسُونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْمَقَاصِدِ وَقَاعِدَةِ الْوَسَائِلِ) وَرُبَّمَا عَبَّرَ عَنْ الْوَسَائِلِ بِالذَّرَائِعِ وَهُوَ اصْطِلَاحُ أَصْحَابِنَا وَهَذَا اللَّفْظُ الْمَشْهُورُ فِي مَذْهَبِنَا وَلِذَلِكَ يَقُولُونَ سَدُّ الذَّرَائِعِ وَمَعْنَاهُ حَسْمُ مَادَّةِ وَسَائِلِ الْفَسَادِ دَفْعًا لَهَا فَمَتَى كَانَ الْفِعْلُ السَّالِمُ عَنْ الْمَفْسَدَةِ وَسِيلَةً لِلْمَفْسَدَةِ مَنَعَ مَالِكٌ مِنْ ذَلِكَ الْفِعْلِ فِي كَثِيرٍ مِنْ الصُّوَرِ وَلَيْسَ سَدُّ الذَّرَائِعِ مِنْ خَوَاصِّ مَذْهَبِ مَالِكٍ كَمَا يَتَوَهَّمُهُ كَثِيرٌ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ بَلْ الذَّرَائِعُ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ قِسْمٌ أَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى سَدِّهِ وَمَنْعِهِ وَحَسْمِهِ كَحَفْرِ الْآبَارِ فِي طُرُقِ الْمُسْلِمِينَ فَإِنَّهُ وَسِيلَةٌ إلَى إهْلَاكِهِمْ وَكَذَلِكَ إلْقَاءُ السُّمِّ فِي أَطْعِمَتِهِمْ وَسَبُّ الْأَصْنَامِ عِنْدَ مَنْ يُعْلَمُ مِنْ حَالِهِ أَنَّهُ يَسُبُّ اللَّهَ تَعَالَى عِنْدَ سَبِّهَا وَقِسْمٌ أَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى عَدَمِ مَنْعِهِ وَأَنَّهُ ذَرِيعَةٌ لَا تُسَدُّ وَوَسِيلَةٌ لَا تُحْسَمُ كَالْمَنْعِ مِنْ زِرَاعَةِ الْعِنَبِ خَشْيَةَ الْخَمْرِ فَإِنَّهُ لَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ وَكَالْمَنْعِ مِنْ الْمُجَاوَرَةِ فِي الْبُيُوتِ خَشْيَةَ الزِّنَى.
وَقِسْمٌ اخْتَلَفَ فِيهِ الْعُلَمَاءُ هَلْ يُسَدُّ أَمْ لَا؟ كَبُيُوعِ الْآجَالِ عِنْدَنَا كَمَنْ بَاعَ سِلْعَةً بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ إلَى شَهْرٍ ثُمَّ اشْتَرَاهَا بِخَمْسَةٍ قَبْلَ الشَّهْرِ فَمَالِكٌ يَقُولُ: إنَّهُ أَخْرَجَ مِنْ يَدِهِ خَمْسَةً الْآنَ وَأَخَذَ عَشْرَةً آخِرَ الشَّهْرِ فَهَذِهِ وَسِيلَةٌ لِسَلَفِ خَمْسَةٍ بِعَشْرَةٍ إلَى أَجَلٍ تَوَسُّلًا بِإِظْهَارِ صُورَةِ الْبَيْعِ لِذَلِكَ وَالشَّافِعِيُّ يَقُولُ يُنْظَرُ إلَى صُورَةِ الْبَيْعِ وَيُحْمَلُ الْأَمْرُ عَلَى ظَاهِرِهِ فَيَجُوزُ ذَلِكَ وَهَذِهِ الْبُيُوعُ يُقَالُ إنَّهَا تَصِلُ إلَى أَلْفِ مَسْأَلَةٍ اخْتَصَّ بِهَا مَالِكٌ وَخَالَفَهُ فِيهَا الشَّافِعِيُّ وَكَذَلِكَ اُخْتُلِفَ فِي النَّظَرِ إلَى النِّسَاءِ هَلْ يُحَرَّمُ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى الزِّنَى أَوْ لَا يُحَرَّمُ وَالْحُكْمُ بِالْعِلْمِ هَلْ يُحَرَّمُ؛ لِأَنَّهُ وَسِيلَةٌ لِلْقَضَاءِ بِالْبَاطِلِ مِنْ الْقُضَاةِ السُّوءِ أَوْ لَا يُحَرَّمُ وَكَذَلِكَ اُخْتُلِفَ فِي تَضْمِينِ الصُّنَّاعِ؛ لِأَنَّهُمْ يُؤَثِّرُونَ فِي السِّلَعِ بِصَنْعَتِهِمْ فَتَتَغَيَّرُ السِّلَعُ فَلَا يَعْرِفُهَا رَبُّهَا إذَا بِيعَتْ فَيَضْمَنُونَ سَدًّا لِذَرِيعَةِ الْأَخْذِ أَمْ لَا يَضْمَنُونَ؛ لِأَنَّهُمْ أُجَرَاءُ وَأَصْلُ الْإِجَارَةِ عَلَى الْأَمَانَةِ قَوْلَانِ وَكَذَلِكَ تَضْمِينُ حَمَلَةِ الطَّعَامِ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
قَالَ (الْفَرْقُ الثَّامِنُ وَالْخَمْسُونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْمَقَاصِدِ وَقَاعِدَةِ الْوَسَائِلِ) قُلْت: جَمِيعُ مَا قَالَهُ فِي هَذَا الْفَرْقِ صَحِيحٌ غَيْرَ مَا قَالَهُ مِنْ أَنَّ حُكْمَ الْوَسَائِلِ حُكْمُ مَا أَفَضْت إلَيْهِ مِنْ وُجُوبٍ أَوْ غَيْرِهِ فَإِنَّ ذَلِكَ مَبْنِيٌّ عَلَى قَاعِدَةِ أَنَّ مَا لَا يَتِمُّ الْوَاجِبُ إلَّا بِهِ فَهُوَ وَاجِبٌ وَالصَّحِيحُ أَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ لَازِمٍ فِيمَا لَمْ يُصَرِّحْ الشَّرْعُ بِوُجُوبِهِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
وَمَا قَالَ فِي الْفَرْقِ التَّاسِعِ وَالْخَمْسِينَ وَالْفَرْقِ السِّتِّينَ وَالْحَادِي وَالسِّتِّينَ صَحِيحٌ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
أَنْ نُهْدِيَ. اهـ.
قَالَ وَبِكَلَامِ الْأَبِيِّ هَذَا تَعْلَمُ أَنَّهُ يَتَعَيَّنُ صِحَّةُ حَمْلِ قَوْلِ خَلِيلٍ وَأَجْزَأَ قَبْلَهُ عَلَى ظَاهِرِهِ أَيْ وَأَجْزَأَ نَحْرُ دَمِ التَّمَتُّعِ قَبْلَ الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ وَسُقُوطُ تَعَقُّبِ الشُّرَّاحِ الْمُعْتَدِّ بِهِمْ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ لَمْ يُصَرِّحْ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْمَذْهَبِ بِأَنَّ نَحْرَ الْهَدْيِ قَبْلَ الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ مُجْزِئٌ وَتَأَوُّلِهِمْ لَهُ بِأَنَّ الْمُرَادَ وَأَجْزَأَ دَمُ التَّمَتُّعِ بِمَعْنَى تَقْلِيدِهِ وَإِشْعَارِهِ قَبْلَ الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ وَلَوْ عِنْدَ إحْرَامِ الْعُمْرَةِ بَلْ وَلَوْ سَاقَهُ فِيهَا ثُمَّ حَجَّ مِنْ عَامِهِ كَمَا يَأْتِي لَهُ مِنْ غَيْرِ دَاعٍ لِذَلِكَ اهـ. بِتَوْضِيحٍ لِلْمُرَادِ.
وَقَالَ الرَّهُونِيُّ وَكَنُونِ وَاللَّفْظُ لَهُ يَتَعَيَّنُ فِيهِ مَا قَالَهُ الشُّرَّاحُ وَلَا دَلِيلَ لِلْبُنَانِيِّ فِي كَلَامِ الْأَبِيِّ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ عَنْ الْمَازِرِيِّ وَالْجُمْهُورِ إلَخْ يَحْتَمِلُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ جُمْهُورُ الْمُجْتَهِدِينَ كَمَا هُوَ الشَّأْنُ فِي هَذِهِ الْعِبَارَةِ حَيْثُ أَطْلَقَهَا أَهْلُ الْخِلَافِ الْكَبِيرِ وَإِنْ كَانَتْ تَشْمَلُ الْإِمَامَ مَالِكًا لَكِنْ لَا تَصْرِيحَ فِيهَا بِنِسْبَةِ ذَلِكَ إلَيْهِ مَعَ أَنَّ غَيْرَ وَاحِدٍ مِنْ حُفَّاظِ الْمَذْهَبِ أَيْ كَالْبَاجِيِّ وَأَبِي بَكْرِ بْنِ الْعَرَبِيِّ وَالْقَاضِي عَبْدِ الْوَهَّابِ وَسَنَدٍ وَابْنِ الْفَرَسِ وَالْجُنَيْدِ وَغَيْرِهِمْ نَسَبُوا لَهُ عَكْسَ ذَلِكَ نَصًّا.
وَأَمَّا مَا نَقَلَهُ عَنْ عِيَاضٍ فَلَيْسَ فِيهِ أَنَّ الرِّوَايَةَ بِالْجَوَازِ هِيَ الْمَشْهُورَةُ أَوْ الرَّاجِحَةُ أَوْ مُسَاوِيَةٌ لِلْأُخْرَى عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ وَفِي الْحَدِيثِ حُجَّةٌ لِمَنْ يُجِيزُ نَحْرَ هَدْيِ التَّمَتُّعِ إلَخْ وَإِنْ كَانَ فِي الْأَبِيِّ كَذَلِكَ مُخَالِفًا لِمَا لِعِيَاضٍ فِي الْإِكْمَالِ فَإِنَّ الَّذِي فِيهِ تَقْلِيدُ هَدْيِ التَّمَتُّعِ إلَخْ كَذَا فِي نُسْخَةٍ عَتِيقَةٍ مَظْنُونٍ بِهَا الصِّحَّةُ وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّهُ أَيْ عِيَاضًا ذَكَرَ الْمَسْأَلَةَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ فَلَمْ يَذْكُرْ فِيهَا جَوَازَ ذَلِكَ عَنْ أَحَدٍ أَصْلًا وَإِنَّمَا ذَكَرَ جَوَازَ نَحْرِهِ بَعْدَ الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ لَا قَبْلَهُ عَنْ الشَّافِعِيِّ فَكَيْفَ يَذْكُرُ فِي ذَلِكَ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ مَالِكٍ.
وَيُؤَيِّدُهُ أَيْضًا أَنَّ اللَّخْمِيَّ إنَّمَا ذَكَرَ الْخِلَافَ فِي التَّقْلِيدِ لَا فِي النَّحْرِ فَتَعَيَّنَ أَنَّ لَفْظَةَ نَحْرٍ فِي نَقْلِ الْأَبِيِّ عَنْ عِيَاضٍ تَصْحِيفٌ وَإِنَّمَا هِيَ تَقْلِيدٌ وَيَشْهَدُ لِذَلِكَ كَلَامُ حُفَّاظِ الْمَذْهَبِ اُنْظُرْهُ فِي الرَّهُونِيِّ وَالْحَطَّابِ اهـ.
وَخُلَاصَةُ مَا يُفِيدُهُ كَلَامُهُمَا أَنَّ كَلَامَ الْمَازِرِيِّ وَإِنْ أَفَادَ أَنَّ الْقَوْلَ لَهُ بِجَوَازِ نَحْرِ دَمِ التَّمَتُّعِ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الْعُمْرَةِ وَقَبْلَ الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ قَوْلٌ فِي الْمَذْهَبِ إلَّا أَنَّهُ لَيْسَ قَوْلَ جُمْهُورِ أَهْلِ الْمَذْهَبِ حَتَّى يَكُونَ هُوَ الْمَشْهُورُ بَلْ هُوَ قَوْلُ جُمْهُورِ الْمُجْتَهِدِينَ كَمَا هُوَ الشَّأْنُ فِي هَذِهِ الْعِبَارَةِ حَيْثُ أَطْلَقَهَا أَهْلُ الْخِلَافِ الْكَبِيرِ وَشُمُولُهَا احْتِمَالًا لِلْإِمَامِ مَالِكٍ حِينَئِذٍ لَا يَقْتَضِي أَنَّهَا الْمَشْهُورُ فِي مَذْهَبِهِ كَيْفَ وَقَدْ نَسَبَ لَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ
لِئَلَّا تَمْتَدَّ أَيْدِيهِمْ إلَيْهِ وَهُوَ كَثِيرٌ فِي الْمَسَائِلِ فَنَحْنُ قُلْنَا بِسَدِّ هَذِهِ الذَّرَائِعِ وَلَمْ يَقُلْ بِهَا الشَّافِعِيُّ فَلَيْسَ سَدُّ الذَّرَائِعِ خَاصًّا بِمَالِكٍ رحمه الله بَلْ قَالَ بِهَا هُوَ أَكْثَرُ مِنْ غَيْرِهِ وَأَصْلُ سَدِّهَا مُجْمَعٌ عَلَيْهِ.
(تَنْبِيهٌ) اعْلَمْ أَنَّ الذَّرِيعَةَ كَمَا يَجِبُ سَدُّهَا يَجِبُ فَتْحُهَا وَتُكْرَهُ وَتُنْدَبُ وَتُبَاحُ فَإِنَّ الذَّرِيعَةَ هِيَ الْوَسِيلَةُ فَكَمَا أَنَّ وَسِيلَةَ الْمُحَرَّمِ مُحَرَّمَةٌ فَوَسِيلَةُ الْوَاجِبِ وَاجِبَةٌ كَالسَّعْيِ لِلْجُمُعَةِ وَالْحَجِّ وَمَوَارِدُ الْأَحْكَامِ عَلَى قِسْمَيْنِ مَقَاصِدُ وَهِيَ الْمُتَضَمِّنَةُ لِلْمَصَالِحِ وَالْمَفَاسِدِ فِي أَنْفُسِهَا وَوَسَائِلُ وَهِيَ الطُّرُقُ الْمُفْضِيَةُ إلَيْهَا وَحُكْمُهَا حُكْمُ مَا أَفَضْت إلَيْهِ مِنْ تَحْرِيمٍ وَتَحْلِيلٍ غَيْرَ أَنَّهَا أَخْفَضُ رُتْبَةً مِنْ الْمَقَاصِدِ فِي حُكْمِهَا وَالْوَسِيلَةُ إلَى أَفْضَلِ الْمَقَاصِدِ أَفْضَلُ الْوَسَائِلِ وَإِلَى أَقْبَحِ الْمَقَاصِدِ أَقْبَحُ الْوَسَائِلِ وَإِلَى مَا يُتَوَسَّطُ مُتَوَسِّطَةٌ وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى حُسْنِ الْوَسَائِلِ الْحَسَنَةِ قَوْله تَعَالَى {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلا نَصَبٌ وَلا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلا إِلا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ} [التوبة: 120] فَأَثَابَهُمْ اللَّهُ عَلَى الظَّمَأِ وَالنَّصَبِ وَإِنْ لَمْ يَكُونَا مِنْ فِعْلِهِمْ بِسَبَبِ أَنَّهُمَا حَصَلَا لَهُمْ بِسَبَبِ التَّوَسُّلِ إلَى الْجِهَادِ الَّذِي هُوَ وَسِيلَةٌ لِإِعْزَازِ الدِّينِ وَصَوْنِ الْمُسْلِمِينَ فَيَكُونُ الِاسْتِعْدَادُ وَسِيلَةَ الْوَسِيلَةِ.
(تَنْبِيهٌ) الْقَاعِدَةُ أَنَّهُ كُلَّمَا سَقَطَ اعْتِبَارُ الْمَقْصِدِ سَقَطَ اعْتِبَارُ الْوَسِيلَةِ فَإِنَّهَا تَبَعٌ لَهُ فِي الْحُكْمِ وَقَدْ خُولِفَتْ هَذِهِ الْقَاعِدَةُ فِي الْحَجِّ فِي إمْرَارِ الْمُوسَى عَلَى رَأْسِ مَنْ لَا شَعْرَ لَهُ مَعَ أَنَّهُ وَسِيلَةٌ إلَى إزَالَةِ الشَّعْرِ فَيَحْتَاجُ إلَى دَلِيلٍ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ مَقْصُودٌ فِي نَفْسِهِ وَإِلَّا فَهُوَ مُشْكِلٌ عَلَى الْقَاعِدَةِ.
(تَنْبِيهٌ) قَدْ تَكُونُ وَسِيلَةُ الْمُحَرَّمِ غَيْرَ مُحَرَّمَةٍ إذَا أَفَضْت إلَى مَصْلَحَةٍ رَاجِحَةٍ كَالتَّوَسُّلِ إلَى فِدَاءِ الْأَسَارَى بِدَفْعِ الْمَالِ لِلْكُفَّارِ الَّذِي هُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْهِمْ الِانْتِفَاعُ بِهِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُمْ مُخَاطَبُونَ بِفُرُوعِ الشَّرِيعَةِ عِنْدَنَا وَكَدَفْعِ مَالٍ لِرَجُلٍ يَأْكُلُهُ حَرَامًا حَتَّى لَا يَزْنِيَ بِامْرَأَةٍ إذَا عَجَزَ عَنْ دَفْعِهِ عَنْهَا إلَّا بِذَلِكَ، وَكَدَفْعِ الْمَالِ لِلْمُحَارِبِ حَتَّى لَا يَقَعَ الْقَتْلُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ صَاحِبِ الْمَالِ عِنْدَ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَلَكِنَّهُ اشْتَرَطَ فِيهِ أَنْ يَكُونَ يَسِيرًا، فَهَذِهِ الصُّوَرُ كُلُّهَا الدَّفْعُ وَسِيلَةٌ إلَى الْمَعْصِيَةِ بِأَكْلِ الْمَالِ وَمَعَ ذَلِكَ فَهُوَ مَأْمُورٌ بِهِ لِرُجْحَانِ مَا يَحْصُلُ مِنْ الْمَصْلَحَةِ عَلَى هَذِهِ الْمَفْسَدَةِ.
(تَنْبِيهٌ) تَفَرَّعَ عَلَى هَذَا الْفَرْقِ فَرْقٌ آخَرُ وَهُوَ الْفَرْقُ بَيْنَ كَوْنِ الْمَعَاصِي أَسْبَابًا لِلرُّخَصِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مُقَارَنَةِ الْمَعَاصِي لِأَسْبَابِ الرُّخَصِ، فَإِنَّ الْأَسْبَابَ مِنْ جُمْلَةِ الْوَسَائِلِ وَقَدْ الْتَبَسَتْ هَاهُنَا عَلَى كَثِيرٍ مِنْ الْفُقَهَاءِ فَأَمَّا الْمَعَاصِي فَلَا تَكُونُ أَسْبَابًا لِلرُّخَصِ وَلِذَلِكَ الْعَاصِي بِسَفَرِهِ لَا يَقْصُرُ وَلَا يُفْطِرُ؛ لِأَنَّ سَبَبَ هَذَيْنِ السَّفَرُ وَهُوَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ مَعْصِيَةٌ فَلَا يُنَاسِبُ الرُّخْصَةَ؛ لِأَنَّ تَرْتِيبَ التَّرَخُّصِ عَلَى الْمَعْصِيَةِ سَعْيٌ فِي تَكْثِيرِ تِلْكَ الْمَعْصِيَةِ بِالتَّوْسِعَةِ عَلَى الْمُكَلَّفِ بِسَبَبِهَا.
وَأَمَّا مُقَارَنَةُ الْمَعَاصِي لِأَسْبَابِ الرُّخَصِ فَلَا تَمْتَنِعُ إجْمَاعًا كَمَا يَجُوزُ لِأَفْسَقِ النَّاسِ وَأَعْصَاهُمْ التَّيَمُّمُ إذَا عَدِمَ الْمَاءَ وَهُوَ رُخْصَةٌ وَكَذَلِكَ الْفِطْرُ إذَا أَضَرَّ بِهِ الصَّوْمُ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
مِنْ حُفَّاظِ الْمَذْهَبِ عَكْسَ ذَلِكَ نَصًّا وَأَنَّ كَلَامَ عِيَاضٍ عَلَى نَقْلِ الْأَبِيِّ لَيْسَ فِيهِ أَنَّ الرِّوَايَةَ بِالْجَوَازِ مَشْهُورَةٌ أَوْ رَاجِحَةٌ أَوْ مُسَاوِيَةٌ لِلْأُخْرَى عَلَى أَنَّ فِي نُسْخَةٍ عَتِيقَةٍ مَظْنُونٍ بِهَا الصِّحَّةُ مِنْ نُسَخِ الْإِكْمَالِ مُخَالِفَةٍ لِمَا فِي نَقْلِ الْأَبِيِّ عَنْهُ حَيْثُ إنَّهَا بِلَفْظٍ يُجِيزُ تَقْلِيدَ هَدْيِ التَّمَتُّعِ إلَخْ لَا بِلَفْظٍ يُجِيزُ نَحْرَ هَدْيٍ إلَخْ كَمَا فِي نَقْلِ الْأَبِيِّ وَيُؤَيِّدُهَا أَمْرَانِ:
أَحَدُهُمَا: ذَكَرَ عِيَاضٌ الْمَسْأَلَةَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ بِدُونِ أَنْ يَذْكُرَ فِيهَا جَوَازَ ذَلِكَ عَنْ أَحَدٍ بَلْ إنَّمَا ذَكَرَ جَوَازَ النَّحْرِ بَعْدَ الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ لَا قَبْلَهُ عَنْ الشَّافِعِيِّ فَقَطْ فَكَيْفَ يَذْكُرُ فِي ذَلِكَ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ مَالِكٍ، وَثَانِيهِمَا: أَنَّ اللَّخْمِيَّ إنَّمَا ذَكَرَ الْخِلَافَ فِي التَّقْلِيدِ لَا فِي النَّحْرِ فَتَعَيَّنَ أَنَّ لَفْظَةَ نَحْرٍ فِي نَقْلِ الْأَبِيِّ عَنْ عِيَاضٍ تَصْحِيفٌ وَإِنَّمَا هِيَ تَقْلِيدٌ كَمَا يَشْهَدُ لِذَلِكَ كَلَامُ حُفَّاظِ الْمَذْهَبِ، نَعَمْ الْقَوْلُ بِجَوَازِ نَحْرِ هَدْيِ التَّمَتُّعِ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الْعُمْرَةِ وَقَبْلَ الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ وَإِنْ ثَبَتَ بِذَلِكَ أَنَّهُ ضَعِيفٌ فِي مَذْهَبِنَا إلَّا أَنَّهُ قَوِيٌّ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ بِنَاءً عَلَى الْقَاعِدَةِ الْمُعْتَبَرَةِ عِنْدَهُمْ مِنْ أَنَّ كُلَّ حَقٍّ مَالِيٍّ تَعَلَّقَ بِسَبَبَيْنِ جَازَ تَقْدِيمُهُ عَلَى ثَانِيهِمَا كَمَا نَقَلَهُ الْجَمَلُ عَلَى الْجَلَالَيْنِ عَنْ شَيْخِهِ، ثُمَّ قَالَ: وَأَمَّا صَوْمُ الثَّلَاثَةِ الْأَيَّامِ مِمَّنْ فَقَدَ الْهَدْيَ أَوْ ثَمَنَهُ فَلَا يَجُوزُ تَقْدِيمُهَا عَلَى ثَانِي سَبَبَيْهَا؛ لِأَنَّ الصَّوْمَ عِبَادَةٌ بَدَنِيَّةٌ لَا مَالِيَّةٌ اهـ.
قُلْت: وَقَدْ تَرَتَّبَ الْآنَ عَلَى إخْرَاجِ الْهَدْيِ مِنْ مَكَّةَ إلَى الْحِلِّ وَذَبْحِهِ بِمَكَّةَ وَعَلَى الْإِتْيَانِ بِهِ مِنْ عَرَفَةَ إلَى مِنًى وَذَبْحُهُ بِمِنًى إمَّا إتْلَافُ مَالٍ وَإِمَّا عَدَمُ انْتِفَاعِ الْفُقَرَاءِ بِالْهَدْيِ كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى مَنْ حَجَّ وَشَاهَدَ ذَلِكَ فَالْأَسْهَلُ إمَّا الْعَمَلُ بِمُقَابِلِ الْمَشْهُورِ بِنَاءً عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْحَطَّابُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مِنْ جَوَازِ الْعَمَلِ بِالشَّاذِّ فِي خَاصَّةِ النَّفْسِ وَأَنَّهُ يُقْدِمُ عَلَى الْعَمَلِ بِمَذْهَبِ الْغَيْرِ؛ لِأَنَّهُ قَوْلٌ فِي الْمَذْهَبِ وَهُوَ اخْتِيَارُ الْمَغَارِبَةِ وَإِمَّا تَقْلِيدُ الشَّافِعِيِّ فِي جَوَازِ نَحْرِهِ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الْعُمْرَةِ وَقَبْلَ الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ بِنَاءً عَلَى مَا نَقَلَهُ الدُّسُوقِيُّ عَنْ أَشْيَاخِهِ مِنْ عَدَمِ جَوَازِ الْعَمَلِ بِالْقَوْلِ الضَّعِيفِ فِي خَاصَّةِ النَّفْسِ بَلْ يُقَدِّمُ الْعَمَلَ بِقَوْلِ الْغَيْرِ عَلَيْهِ إنْ كَانَ رَاجِحًا؛ لِأَنَّ قَوْلَ الْغَيْرِ قَوِيٌّ فِي مَذْهَبِهِ وَتَقْلِيدُ الشَّافِعِيِّ أَوْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي عَدَمِ اشْتِرَاطِ الْجَمْعِ فِي الْهَدْيِ بَيْنَ الْحِلِّ وَالْحَرَمِ بِنَاءً عَلَى الْخِلَافِ عِنْدَنَا فِي أَنَّهُ إذَا لَمْ يُوجَدْ نَصٌّ لِأَهْلِ الْمَذْهَبِ فِي نَازِلَةٍ فَاَلَّذِي أَفْتَى بِهِ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ أَنَّهُ يَرْجِعُ لِمَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّ مَسَائِلَ الْخِلَافِ الَّتِي بَيْنَ مَالِكٍ وَبَيْنَهُ اثْنَانِ