الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مِنْ الْمَذَاهِبِ مَعَ أَنَّهُ قَدْ أَوْصَلَ الِاجْتِهَادَ حَدَّهُ.
وَصَارَ الْجَهْلُ لَهُ ضَرُورِيًّا لَا يُمْكِنُهُ دَفْعُهُ عَنْ نَفْسِهِ، وَمَعَ ذَلِكَ فَلَمْ يُعْذَرْ بِهِ حَتَّى صَارَتْ هَذِهِ الصُّورَةُ فِيمَا يُعْتَقَدُ أَنَّهَا مِنْ بَابِ تَكْلِيفِ مَا لَا يُطَاقُ فَإِنَّ تَكْلِيفَ الْمَرْأَةِ الْبَلْهَاءِ الْمَفْسُودَةِ الْمِزَاجِ النَّاشِئَةِ فِي الْأَقَالِيمِ الْمُنْحَرِفَةِ عَمَّا يُوجِبُ اسْتِقَامَةَ الْعَقْلِ كَأَقَاصِي بِلَادِ السُّودَانِ وَأَقَاصِي بِلَادِ الْأَتْرَاكِ فَإِنَّ هَذِهِ الْأَقَالِيمَ لَا يَكُونُ لِلْعَقْلِ فِيهَا كَبِيرُ رَوْنَقٍ، وَلِذَلِكَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي بِلَادِ الْأَتْرَاكِ عِنْدَ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ {وَجَدَ مِنْ دُونِهِمَا قَوْمًا لا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلا} [الكهف: 93] وَمَنْ لَا يَفْهَمُ الْقَوْلَ وَبَعُدَتْ أَهْلِيَّتُهُ لِهَذِهِ الْغَايَةِ مَعَ أَنَّهُ مُكَلَّفٌ بِأَدِلَّةِ الْوَحْدَانِيَّةِ وَدَقَائِقِ أُصُولِ الدِّينِ أَنَّهُ تَكْلِيفُ مَا لَا يُطَاقُ، فَتَكْلِيفُ هَذَا الْجِنْسِ كُلِّهِ مِنْ هَذَا النَّوْعِ مَعَ أَنَّهُمْ مِنْ أَهْلِ الْيَأْسِ بِسَبَبِ الْكُفْرَانِ وَقَعُوا لِلْجَهْلِ.
وَأَمَّا الْفُرُوعُ دُونَ الْأُصُولِ فَقَدْ عَفَا صَاحِبُ الشَّرْعِ عَنْ ذَلِكَ، وَمَنْ بَذَلَ جَهْدَهُ فِي الْفُرُوعِ فَأَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ وَمَنْ أَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانِ كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ قَالَ الْعُلَمَاءُ: وَيَلْحَقُ بِأُصُولِ الدِّينِ أُصُولُ الْفِقْهِ قَالَ أَبُو الْحُسَيْنِ فِي كِتَابِ الْمُعْتَمَدِ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ إنَّ أُصُولَ الْفِقْهِ اخْتَصَّ بِثَلَاثَةِ أَحْكَامٍ عَنْ الْفِقْهِ أَنَّ الْمُصِيبَ فِيهِ وَاحِدٌ وَالْمُخْطِئَ فِيهِ آثِمٌ، وَلَا يَجُوزُ التَّقْلِيدُ فِيهِ وَهَذِهِ الثَّلَاثَةُ الَّتِي حَكَاهَا هِيَ فِي أُصُولِ الدِّينِ بِعَيْنِهَا فَظَهَرَ لَك الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يَكُونُ الْجَهْلُ فِيهِ عُذْرًا وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَا يَكُونُ الْجَهْلُ فِيهِ عُذْرًا.
(الْفَرْقُ الْخَامِسُ وَالتِّسْعُونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ اسْتِقْبَالِ الْجِهَةِ فِي الصَّلَاةِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ اسْتِقْبَالِ السَّمْتِ)
اعْلَمْ أَنَّهُ قَدْ وَقَعَ فِي الْمَذَاهِبِ عَامَّةً قَوْلُهُمْ إنَّ الْقَاعِدَةَ أَنَّ اسْتِقْبَالَ الْجِهَةِ يَكْفِي وَآخَرُونَ يَقُولُونَ بَلْ الْقَاعِدَةُ أَنَّ اسْتِقْبَالَ سَمْتِ الْكَعْبَةِ لَا بُدَّ مِنْهُ، وَهَذِهِ الْمَقَالَاتُ وَالْإِطْلَاقَاتُ فِي غَايَةِ الْإِشْكَالِ بِسَبَبِ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
قَالَ: (الْفَرْقُ الْخَامِسُ وَالتِّسْعُونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ اسْتِقْبَالِ الْجِهَةِ فِي الصَّلَاةِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ اسْتِقْبَالِ السَّمْتِ إلَى قَوْلِهِ
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
ثَوَابًا كَتَفْصِيلِ الْقَصْرِ عَلَى الْإِتْمَامِ مَعَ اشْتِمَالِ الْإِتْمَامِ عَلَى مَزِيدِ الْخُشُوعِ وَالْإِجْلَالِ وَأَنْوَاعِ التَّقَرُّبِ وَكَتَفْضِيلِ الصُّبْحِ عَلَى سَائِرِ الصَّلَوَاتِ عِنْدَنَا بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا الصَّلَاةُ الْوُسْطَى وَكَتَفْضِيلِ الْعَصْرِ عَلَى رَأْيِ أَبِي حَنِيفَةَ بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا الصَّلَاةُ الْوُسْطَى مَعَ تَقْصِيرِ الْقِرَاءَةِ فِيهَا بِالنِّسْبَةِ إلَى الظُّهْرِ وَكَتَفْضِيلِ رَكْعَةِ الْوِتْرِ عَلَى رَكْعَتِي الْفَجْرِ وَمِنْ ذَلِكَ مَا وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ أَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام قَالَ «مَنْ قَتَلَ الْوَزَغَةَ فِي الضَّرْبَةِ الْأُولَى فَلَهُ مِائَةُ حَسَنَةٍ وَمَنْ قَتَلَهَا فِي الثَّانِيَةِ فَلَهُ سَبْعُونَ حَسَنَةً» فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ كُلَّمَا كَثُرَ الْفِعْلُ كَانَ الثَّوَابُ أَقَلَّ وَمَا ذَلِكَ إلَّا لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَقْتُلْهَا فِي الضَّرْبَةِ وَهِيَ حَيَوَانٌ لَطِيفٌ لَا يَحْتَاجُ إلَى كَثْرَةِ مُتُونَةٍ فِي الضَّرْبِ دَلَّ عَلَى ضَعْفِ عَزْمِهِ وَقِلَّةِ اهْتِمَامِهِ بِأَمْرِ صَاحِبِ الشَّرْعِ فَنَقَصَ أَجْرُهُ عَنْ الْمِائَةِ إلَى السَّبْعِينَ وَإِنْ كَثُرَ فِعْلُهُ عَلَى خِلَافِ الْقَاعِدَةِ إذْ لِلَّهِ تَعَالَى أَنْ يَفْعَلَ مَا يَشَاءُ وَيَحْكُمَ مَا يُرِيدُ لَا رَادَّ لِحُكْمِهِ وَلَا مُعَقِّبَ لِصُنْعِهِ قُلْتُ وَمِنْ ذَلِكَ أَيْضًا مَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْإِمَامُ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - مِنْ تَفْضِيلِ الْمَدِينَةِ عَلَى مَكَّةَ إذْ لَا مَعْنَى لِتَفْضِيلِ مَكَّةَ عَلَيْهَا عِنْدَ غَيْرِهِ مِنْ الْأَئِمَّةِ إلَّا أَنَّ ثَوَابَ الْعَمَلِ فِي مَكَّةَ أَكْثَرُ مِنْ ثَوَابِ الْعَمَلِ فِيهَا.
وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ إنَّ أَسْبَابَ التَّفْضِيلِ لَا تَنْحَصِرُ فِي مَزِيدِ الْمُضَاعَفَةِ فَالصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ بِمِنًى عِنْدَ التَّوَجُّهِ لِعَرَفَةَ أَفْضَلُ مِنْهَا بِمَسْجِدِ مَكَّةَ وَإِنْ انْتَفَتْ عَنْهَا الْمُضَاعَفَةُ فَافْهَمْ قَالَ ابْنُ الشَّاطِّ مَا حَاصِلُهُ وَلَمْ يَثْبُتْ فِي الشَّرِيعَةِ مَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ دَلِيلًا عَلَى تَفْضِيلِ اللَّهِ تَعَالَى أَحَدَ الْفِعْلَيْنِ الْمُتَسَاوِيَيْنِ فِي الْمَصْلَحَةِ عَلَى الْآخَرِ وَقَاعِدَةُ مُرَاعَاةِ الْمَصَالِحِ وَإِنَّهَا إذَا بَلَغَتْ إلَى حَدِّهَا فِي الْكَثْرَةِ لَزِمَ الْوُجُوبُ وَإِذَا لَمْ تَبْلُغْ فَلَا بُدَّ مِنْ الثَّوَابِ وَالنَّدْبِ تَقْتَضِي لُزُومَ الْوُجُوبِ فِي الْمُتَسَاوِيَيْنِ مَعًا إنْ بَلَغَتْ مَصْلَحَتُهُمَا إلَى رُتْبَةِ الْوَاجِبَاتِ أَوْ النَّدْبِ فِيهِمَا مَعًا وَإِنْ لَمْ تَبْلُغْ مَصْلَحَتُهُمَا إلَى تِلْكَ الرُّتْبَةِ فَوَجَبَ حَمْلُ الْمُتَسَاوِيَيْنِ فِي الْمَصْلَحَةِ حِينَئِذٍ عَلَى مَا تَقْتَضِيهِ هَذِهِ الْقَاعِدَةُ فَتَأَمَّلْ اهـ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يَثْبُتُ فِي الذِّمَمِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَا يَثْبُتُ فِيهَا]
(الْفَرْقُ السَّابِعُ وَالثَّمَانُونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يَثْبُتُ فِي الذِّمَمِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَا يَثْبُتُ فِيهَا) الَّذِي لَا يَثْبُتُ فِي الذِّمَمِ هُوَ الْمُعَيَّنَاتُ الْمُشَخَّصَاتُ فِي الْخَارِجِ الْمَرْئِيَّةُ بِالْحِسِّ وَاَلَّذِي يَثْبُتُ فِيهَا هُوَ مَا عَدَاهَا وَيَظْهَرُ أَثَرُ ذَلِكَ فِي الْمُعَامَلَاتِ وَفِي الصَّلَوَاتِ وَالزَّكَوَاتِ أَمَّا فِي الْمُعَامَلَاتِ فَفِي قَاعِدَتَيْنِ إحْدَاهُمَا قَاعِدَةُ الِاسْتِحْقَاقِ أَوْ الْمَوْتِ لِمَا وَقَعَ الْعَقْدُ عَلَيْهِ يُوجِبُ فِي الْمُعَيَّنِ انْفِسَاخَ الْعَقْدِ وَفِي غَيْرِ الْمُعَيَّنِ لَا يُوجِبُهُ فَإِذَا اشْتَرَى سِلْعَةً مُعَيَّنَةً فَاسْتُحِقَّتْ انْفَسَخَ الْعَقْدُ أَوْ مَا فِي الذِّمَّةِ كَمَا فِي السَّلَمِ فَأَعْطَاهُ ذَلِكَ وَعَيَّنَهُ ثُمَّ اُسْتُحِقَّ لَمْ يَنْفَسِخْ الْعَقْدُ بَلْ يَرْجِعُ إلَى غَيْرِ مَا اُسْتُحِقَّ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّ مَا فِي الذِّمَّةِ لَمْ يَخْرُجْ مِنْهَا وَإِذَا اسْتَأْجَرَ دَابَّةً مُعَيَّنَةً لِلْحَمْلِ أَوْ غَيْرِهِ كَالرُّكُوبِ فَاسْتُحِقَّتْ أَوْ مَاتَتْ انْفَسَخَ الْعَقْدُ أَوْ غَيْرَ مُعَيَّنَةٍ لِذَلِكَ فَعَطِبَتْ أَوْ اُسْتُحِقَّتْ لَمْ يَنْفَسِخْ الْعَقْدُ بَلْ يُطَالِبُهُ بِغَيْرِهَا لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ غَيْرُ مُعَيَّنٍ بَلْ فِي الذِّمَّةِ فَيَجِبُ الْخُرُوجُ مِنْهُ بِكُلِّ مُعَيَّنٍ شَاءَ الْقَاعِدَةُ الثَّانِيَةُ قَاعِدَةُ التَّخْيِيرِ فِي تَسْلِيمِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ وَعَدَمِهِ فَمَتَى كَانَ فِي الذِّمَّةِ كَانَ لِمَنْ هُوَ عَلَيْهِ أَنْ يَتَخَيَّرَ بَيْنَ الْأَمْثَالِ وَيُعْطِي أَيَّ مِثْلٍ شَاءَ وَمَتَى كَانَ مُعَيَّنًا مِنْ تِلْكَ الْأَمْثَالِ لَمْ يَكُنْ لَهُ الِانْتِقَالُ عَنْهُ إلَى غَيْرِهِ فَلَوْ اكْتَالَ رِطْلَ زَيْتٍ مِنْ خَابِيَةٍ وَعَقَدَ عَلَيْهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُعْطِيَ غَيْرَهُ مِنْ الْخَابِيَةِ وَإِذَا فَرَّقَ صُبْرَتَهُ صِيعَانًا فَعَقَدَ عَلَى صَاعٍ مِنْهَا بِعَيْنِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ الِانْتِقَالُ عَنْهُ إلَى غَيْرِهِ
أُمُورٍ
أَحَدُهَا أَنَّ الْكَلَامَ فِي هَذَا إنَّمَا وَقَعَ فِيمَنْ بَعُدَ عَنْ الْكَعْبَةِ أَمَّا مَنْ قَرُبَ فَإِنَّ فَرْضَهُ اسْتِقْبَالُ السَّمْتِ قَوْلًا وَاحِدًا، وَاَلَّذِي بَعُدَ لَا يَقُولُ أَحَدٌ إنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَوْجَبَ عَلَيْهِ اسْتِقْبَالَ عَيْنِ الْكَعْبَةِ وَمُقَابَلَتَهَا وَمُعَايَنَتَهَا فَإِنَّ ذَلِكَ تَكْلِيفُ مَا لَا يُطَاقُ بَلْ الْوَاجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَبْذُلَ جَهْدَهُ فِي تَعْيِينِ جِهَةٍ يَغْلِبُ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّ الْكَعْبَةَ وَرَاءَهَا، وَإِذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ بَعْدَ بَذْلِ الْجَهْدِ فِي الْأَدِلَّةِ الدَّالَّةِ عَلَى الْكَعْبَةِ أَنَّهَا وَرَاءَ الْجِهَةِ الَّتِي عَيَّنَتْهَا أَدِلَّتُهُ، وَجَبَ عَلَيْهِ اسْتِقْبَالُهَا إجْمَاعًا فَصَارَتْ الْجِهَةُ مُجْمَعًا عَلَيْهَا وَالسَّمْتُ الَّذِي هُوَ الْعَيْنُ وَالْمُعَايَنَةُ مُجْمَعٌ عَلَى عَدَمِ التَّكْلِيفِ بِهِ، وَإِذَا كَانَ الْإِجْمَاعُ فِي الصُّورَتَيْنِ فَأَيْنَ يَكُونُ الْخِلَافُ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
وَإِذَا كَانَ الْإِجْمَاعُ فِي الصُّورَتَيْنِ فَأَيْنَ يَكُونُ الْخِلَافُ) قُلْت أَمَّا مُعَايِنُ الْكَعْبَةِ فَلَا خِلَافَ فِي أَنَّ فَرْضَهُ اسْتِقْبَالُ سَمْتِهَا كَمَا ذَكَرَ.
وَأَمَّا غَيْرُ الْمُعَايِنِ فَنَقْلُ الْخِلَافِ فِيهِ مَعْرُوفٌ هَلْ فَرْضُهُ اسْتِقْبَالُ السَّمْتِ كَالْمُعَايِنِ أَمْ فَرْضُهُ اسْتِقْبَالُ الْجِهَةِ وَظَاهِرُ الْمَنْقُولِ عَنْ الْقَائِلِينَ بِالسَّمْتِ أَنَّهُمْ يُرِيدُونَ بِذَلِكَ أَنَّ الْمُسْتَقْبِلَ لِلْكَعْبَةِ فَرْضُهُ أَنْ يَكُونَ بِحَيْثُ لَوْ قُدِّرَ خُرُوجُ خَطٍّ مُسْتَقِيمٍ عَلَى زَوَايَا قَائِمَةٍ مِنْ بَيْنِ عَيْنَيْهِ نَافِذًا إلَى غَيْرِ نِهَايَةٍ لَمَرَّ بِالْكَعْبَةِ قَاطِعًا لَهَا لَا أَنَّهُمْ يُرِيدُونَ أَنَّ فَرْضَهُ اسْتِقْبَالُ عَيْنِهَا وَمُعَايَنَتُهَا فَإِنَّ ذَلِكَ كَمَا قَالَ مِنْ تَكْلِيفِ مَا لَا يُطَاقُ وَلَا قَائِلَ بِهِ فَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ مُرَادُهُمْ يَلْزَمُ مِنْهُ تَكْلِيفُ مَا لَا يُطَاقُ إذْ فِيهِ تَكْلِيفُ الْمُعَايَنَةِ مَعَ عَدَمِهَا، وَالْوَجْهُ الْآخَرُ لَيْسَ فِيهِ ذَلِكَ فَالْخِلَافُ مُعْجَمٌ فِي الْجِهَةِ هَلْ هِيَ الْمَطْلُوبُ أَمْ لَا وَفِي السَّمْتِ هَلْ هُوَ الْمَطْلُوبُ أَمْ لَا، لَكِنَّ تَرْجِيحَ الْقَوْلِ بِالْجِهَةِ مِنْ الْإِجْمَاعِ عَلَى صِحَّةِ صَلَاةِ الصَّفِّ الْمُسْتَقِيمِ الطَّوِيلِ وَمَا فِي مَعْنَاهُ مِنْ الْمَوْضِعَيْنِ الْمُتَحَاذِيَيْنِ أَوْ الْمَوَاضِعِ، وَيُرَجَّحُ أَيْضًا بِأَنَّ التَّوَصُّلَ إلَى تَحْقِيقِ الْجِهَةِ مُتَيَسِّرٌ عَلَى الْمُكَلَّفِينَ أَوْ أَكْثَرِهِمْ بِخِلَافِ التَّوَصُّلِ إلَى تَحْقِيقِ السَّمْتِ، وَالْحَنِيفِيَّةُ سَمْحَةٌ وَدِينُ اللَّه يُسْرٌ
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
مِنْ تِلْكَ الْأَمْثَالِ.
وَأَمَّا إذَا عَقَدَ عَلَى صَاعٍ غَيْرِ مُعَيَّنٍ مِنْ جِنْسِ هَذِهِ الصُّبْرَةِ أَوْ عَلَى رِطْلٍ غَيْرِ مُعَيَّنٍ مِنْ جِنْسِ هَذَا الزَّيْتِ فَإِنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ لِعَدَمِ تَعَيُّنِهِ يَكُونُ فِي الذِّمَّةِ فَلَهُ الْخُرُوجُ عَنْهُ بِأَيِّ مِثْلٍ شَاءَ مِنْ تِلْكَ الْأَمْثَالِ وَبِالْجُمْلَةِ فَالْمُعَيَّنَاتُ لَا تَثْبُتُ فِي الذِّمَمِ وَمَا فِي الذِّمَمِ لَا يَكُونُ مُعَيَّنًا بَلْ يَتَعَلَّقُ الْحُكْمُ فِيهِ بِوَاحِدٍ غَيْرِ مُعَيَّنٍ مِنْ الْأُمُورِ الْكُلِّيَّةِ وَالْأَجْنَاسِ الْمُشْتَرَكَةِ فَيَقْبَلُ مَا لَا يَتَعَيَّنُ مِنْهَا الْبَدَلَ وَالْمُعَيَّنُ لَا يَقْبَلُ الْبَدَلَ وَالْجَمْعُ بَيْنَهُمَا مُحَالٌ.
وَأَمَّا فِي الصَّلَوَاتِ وَالزَّكَوَاتِ فَفِي قَاعِدَةِ أَنَّ مِنْ شَرْطِ الِانْتِقَالِ إلَى الذِّمَّةِ تَعَذُّرَ الْمُعَيَّنِ وَالصَّلَاةُ مِنْ حَيْثُ إنَّهَا فِعْلٌ لَا تَعَيُّنَ لَهَا مَا لَمْ تَقَعْ مِنْ أَدَاءِ الصَّلَوَاتِ الَّتِي لَمْ تَقَعْ مَعَ بَقَاءِ وَقْتِهَا وَقَضَاءُ الصَّلَوَاتِ الَّتِي لَمْ تَقَعْ مَعَ خُرُوجِ وَقْتِهَا يَكُونُ فِي الذِّمَّةِ إذْ لَا يَصِحُّ فِي الْفِعْلِ الَّذِي لَمْ يَقَعْ وَإِنْ تَعَيَّنَ بِتَعَيُّنِ وَقْتِهِ أَنْ يَكُونَ مُعَيَّنًا لِأَنَّ تَعَيُّنَهُ بِتَعَيُّنِ وَقْتِهِ لَا يَقْتَضِي جَعْلَهُ مُعَيَّنًا بِمَكَانِهِ وَسَائِرِ أَحْوَالِهِ وَالزَّكَاةُ مِنْ حَيْثُ إنَّهَا حَقٌّ وَاجِبٌ فِي الْمَالِ الْمُعَيَّنِ لَا تَكُونُ إلَّا حَقًّا مُعَيَّنًا بِمَعْنَى أَنَّهُ جُزْءٌ لِمُعَيِّنٍ فَلَا تَكُونُ فِي الذِّمَّةِ مَا وُجِدَ نِصَابُهَا فَإِذَا تَلِفَ بِعُذْرٍ لَمْ يَنْتَقِلْ الْحَقُّ الْوَاجِبُ لِتَعَيُّنِهِ إلَى الذِّمَّةِ فَلَا يَضْمَنُ مَالِكُ النِّصَابِ حِينَئِذٍ نَصِيبَ الْفُقَرَاءِ وَإِذَا تَلِفَ بِغَيْرِ عُذْرٍ تَرَتَّبَ الْحَقُّ الْوَاجِبُ فِي الذِّمَّةِ فَيَضْمَنُ مَالِكُ النِّصَابِ حِينَئِذٍ نَصِيبَ الْفُقَرَاءِ وَلَا يُعْتَبَرُ فِي الضَّمَانِ تَأَخُّرُ الْجَائِحَةِ عَنْ زَمَنِ الْوُجُوبِ فِي الزَّرْعِ أَوْ الثَّمَرَةِ مَثَلًا فَافْهَمْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (وَصْلٌ) هَذَا الْفَرْقُ غَيْرُ مُطَّرِدٍ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ بَلْ خَالَفُوهُ فِي صُورَتَيْنِ.
الصُّورَةُ الْأُولَى قَوْلُهُمْ لَا يَتَعَيَّنُ النَّقْدَانِ بِالتَّعْيِينِ وَإِنَّمَا تَقَعُ الْمُعَامَلَةُ بِهِمَا عَلَى الذِّمَمِ وَإِنْ عُيِّنَتْ النُّقُودُ إلَّا أَنْ تَخْتَصَّ بِأَمْرٍ يَتَعَلَّقُ بِهِ الْغَرَضُ كَشُبْهَةٍ فِي أَحَدِهِمَا أَوْ سِكَّةٍ رَائِجَةٍ دُونَ النَّقْدِ الْآخَرِ وَأَنَّهُ إذَا غَصَبَ غَاصِبٌ دِينَارًا مُعَيَّنًا فَلَهُ أَنْ يُعْطِيَ غَيْرَهُ مِثْلَهُ فِي الْمَحَلِّ وَيَمْنَعَ رَبَّهُ مِنْ أَخْذِ ذَلِكَ الْمُعَيَّنِ الْمَغْصُوبِ مُعَلِّلِينَ بِأَنَّ خُصُوصَاتِ الدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ لَا تَتَعَلَّقُ بِهَا الْأَغْرَاضُ فَسَقَطَ اعْتِبَارُهَا فِي نَظَرِ الشَّرْعِ إذْ لَا يَعْتَبِرُ صَاحِبُ الشَّرْعِ إلَّا مَا فِيهِ نَظَرُهُ صَحِيحٌ وَيَرِدُ عَلَيْهِ سُؤَالَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ يَلْزَمُهُ أَنْ لَا تَكُونَ أَعْيَانُ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ مَمْلُوكَةً أَيْضًا إذْ لَوْ كَانَتْ الْخُصُوصَاتُ مَمْلُوكَةً لَكَانَ لِصَاحِبِ الْمُعَيَّنِ الْمُطَالَبَةُ بِمِلْكِهِ وَأَخْذُهُ الْمُعَيَّنَ مِنْ الْغَاصِبِ وَالْمُشْتَرِي وَاللَّازِمُ بَاطِلٌ لِأَنَّهُمْ يَقُولُونَ إنَّ لِلْغَاصِبِ الْمَنْعَ مِنْ الْمُعَيَّنِ وَكَذَلِكَ الْمُشْتَرِي فِي الْعُقُودِ وَإِذَا لَمْ تُمْلَكْ أَعْيَانُ الدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ عِنْدَهُمْ لَمْ يَكُنْ الْمَمْلُوكُ إلَّا الْجِنْسَ الْكُلِّيَّ وَالْجِنْسُ الْكُلِّيُّ لَا يَصِحُّ أَنْ يُمْلَكَ أَمَّا عَلَى قَوْلِ نَافِيهِ فَظَاهِرٌ.
وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ مُثْبِتِهِ فَلِأَنَّهُ ذِهْنِيٌّ صِرْفٌ وَالذِّهْنِيُّ الصِّرْفُ لَا يَتَأَتَّى مِلْكُهُ فَيَلْزَمُ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ أَنَّ مَنْ مَلَكَ دِينَارًا أَوْ غَيْرَهُ مِنْ النُّقُودِ إمَّا أَنْ نَقْطَعَ بِأَنَّهُ لَمْ يَمْلِكْ شَيْئًا عِنْدَ مَنْ يَنْفِي الْأَجْنَاسَ أَوْ يَقَعُ الشَّكُّ فِي أَنَّهُ مَلَكَهُ أَوْ لَمْ يَمْلِكْهُ عِنْدَ مَنْ يَشُكُّ فِي الْأَجْنَاسِ وَهَذَا كُلُّهُ خُرُوجٌ عَنْ الْمَعْقُولِ وَلَا شَكَّ فِي شَنَاعَتِهِ فَلَا وَجْهَ لِالْتِزَامِهِ وَعَدَمِ الِالْتِفَاتِ لِشَنَاعَتِهِ وَكَيْفَ يَسُوغُ لِعَاقِلٍ الْتِزَامُ مَا لَا يَصِحُّ وَلَا يُعْقَلُ قَالَهُ ابْنُ الشَّاطِّ.
قُلْتُ وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّهُ عَلَى مَا حَقَّقَهُ الْجَلَالُ الدَّوَانِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ الْمُحَقِّقِينَ مِنْ أَنَّ الْجِنْسَ قَدْ يُعْتَبَرُ لَا بِشَرْطِ شَيْءٍ مِنْ تَشَخُّصٍ أَوْ كُلِّيَّةٍ فَيَتَحَقَّقُ أَفْرَادُهُ وَهُوَ الْحَقُّ كَمَا مَرَّ التَّنْبِيهُ عَلَيْهِ لَا يَظْهَرُ أَنَّهُ يَلْزَمُ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ أَنَّ مَنْ مَلَكَ دِينَارًا أَوْ غَيْرَهُ مِنْ النُّقُودِ لَمْ يَمْلِكْ شَيْئًا أَوْ يَقَعُ الشَّكُّ فِي مِلْكِهِ وَعَدَمِهِ بَلْ إنَّمَا