الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مِنْ الْقَاعِدَتَيْنِ فَعَلَى هَذَا تَكُونُ الْجِهَةُ وَاجِبَةً بِالْإِجْمَاعِ إنَّمَا الْخِلَافُ فِي صُورَةِ وُجُوبِهَا هَلْ وُجُوبَ الْوَسَائِلِ أَوْ الْمَقَاصِدِ، وَيَكُونُ السَّمْتُ لَيْسَ وَاجِبًا مُطْلَقًا إلَّا عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ فَإِنَّهُ وَاجِبٌ وُجُوبَ الْمَقَاصِدِ فَقَوْلُ الْعُلَمَاءِ هَلْ الْوَاجِبُ الْجِهَةُ أَوْ السَّمْتُ قَوْلَانِ يَصِحُّ فِيهِ قَيْدٌ لَطِيفٌ فَيَكُونُ مَعْنَاهُ هَلْ الْوَاجِبُ وُجُوبَ الْمَقَاصِدِ السَّمْتُ أَوْ الْجِهَةُ؟ قَوْلَانِ فَبِهَذَا الْقَيْدِ اسْتَقَامَ حِكَايَةُ الْخِلَافِ، وَاتَّضَحَ أَيْضًا بِهِ تَخْرِيجُ الْخِلَافِ هَلْ تَجِبُ الْإِعَادَةُ عَلَى مَنْ أَخْطَأَ فِي اجْتِهَادِهِ أَمْ لَا؟ قَوْلَانِ مَبْنِيَّانِ عَلَى أَنَّ الْجِهَةَ وَاجِبَةٌ وُجُوبَ الْمَقَاصِدِ، وَقَدْ حَصَلَ الِاجْتِهَادُ فِيهَا وَهُوَ الْوَاجِبُ عَلَيْهِ فَقَطْ لَا شَيْءَ وَرَاءَهُ أَوْ وَاجِبَةٌ وُجُوبَ الْوَسَائِلِ فَتَجِبُ الْإِعَادَةِ؛ لِأَنَّ الْوَسِيلَةَ إذَا لَمْ تُفْضِ إلَى مَقْصُودِهَا سَقَطَ اعْتِبَارُهَا وَاتَّضَحَ الْخِلَافُ وَالتَّخْرِيجُ، وَانْدَفَعَ الْإِشْكَالُ حِينَئِذٍ بِهَذَا الْقَيْدِ الزَّائِدِ وَبِهَذَا التَّقْرِيرِ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
مِنْ الْقَاعِدَتَيْنِ، فَعَلَى هَذَا تَكُونُ الْجِهَةُ وَاجِبَةً بِالْإِجْمَاعِ إنَّمَا الْخِلَافُ فِي صُورَةِ وُجُوبِهَا هَلْ وُجُوبَ الْوَسَائِلِ أَوْ الْمَقَاصِدِ، وَيَكُونُ السَّمْتُ لَيْسَ وَاجِبًا مُطْلَقًا إلَّا عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ فَإِنَّهُ وَاجِبٌ وُجُوبَ الْمَقَاصِدِ، فَقَوْلُ الْعُلَمَاءِ هَلْ الْوَاجِبُ الْجِهَةُ أَوْ السَّمْتُ؟ قَوْلَانِ يَظْهَرُ فِيهِ قَيْدٌ لَطِيفٌ فَيَكُونُ مَعْنَاهُ هَلْ الْوَاجِبُ وُجُوبُ الْمَقَاصِدِ السَّمْتُ أَوْ الْجِهَةُ قَوْلَانِ فَبِهَذَا الْقَيْدِ اسْتَقَامَ حِكَايَةُ الْخِلَافِ، وَاتَّضَحَ أَيْضًا بِهِ تَخْرِيجُ الْخِلَافِ هَلْ تَجِبُ الْإِعَادَةُ عَلَى مَنْ أَخْطَأَ فِي اجْتِهَادِهِ أَمْ لَا؟ قَوْلَانِ مَبْنِيَّانِ عَلَى أَنَّ الْجِهَةَ وَاجِبَةٌ وُجُوبَ الْمَقَاصِدِ، وَقَدْ حَصَلَ الِاجْتِهَادُ فِيهَا وَهُوَ الْوَاجِبُ عَلَيْهِ فَقَطْ لَا شَيْءٌ وَرَاءَهُ، أَوْ وَاجِبَةٌ وُجُوبَ الْوَسَائِلِ فَتَجِبُ الْإِعَادَةُ؛ لِأَنَّ الْوَسِيلَةَ إذَا لَمْ تُفْضِ إلَى مَقْصُودِهَا سَقَطَ اعْتِبَارُهَا، وَاتَّضَحَ الْخِلَافُ وَالتَّخْرِيجُ وَانْدَفَعَ الْإِشْكَالُ حِينَئِذٍ بِهَذَا الْقَيْدِ الزَّائِدِ وَبِهَذَا التَّقْرِيرِ) قُلْت جَمِيعُ مَا قَالَهُ فِي هَذَا الْفَصْلِ تَحْرِيرُ خِلَافٍ وَلَا كَلَامَ فِيهِ غَيْرَ أَنَّ الصَّحِيحَ مِنْ الْأَقْوَالِ أَنَّ الْجِهَةَ وَاجِبَةٌ وُجُوبَ الْمَقَاصِدِ، وَأَنَّ الْإِعَادَةَ لَازِمَةٌ عِنْدَ الْخَطَأِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
رَقَبَةٌ فَمَاتَتْ أَوْ تَعَيَّبَتْ سَقَطَ عَنْهُ الْأَمْرُ بِالْعِتْقِ وَجَازَ لَهُ الِانْتِقَالُ إلَى الصِّيَامِ ضَرُورَةَ التَّصَرُّفِ بِالتَّخْيِيرِ مَعَ الْآفَةِ السَّمَاوِيَّةِ فِي الْأَخِيرِ يَقُومُ مَقَامَ حُصُولِ الْآفَةِ فِي جَمِيعِ الرِّقَابِ ابْتِدَاءً فَلِذَا لَمْ نَقُلْ تَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ رَقَبَةٌ لَا بُدَّ مِنْهَا تَثْبُتُ فِي ذِمَّتِهِ وَثَالِثُهَا إذَا كَانَ لَهُ عِدَّةُ ثِيَابٍ لِلسُّتْرَةِ فِي الصَّلَاةِ فَلَهُ أَنْ يَتَصَرَّفَ بِهِبَةٍ أَوْ بَيْعٍ أَوْ نَحْوِهِمَا فِيمَا عَدَا وَاحِدًا مِنْهَا فَإِذَا تَصَرَّفَ وَأَبْقَى وَاحِدًا فَطَرَأَتْ عَلَيْهِ الْآفَةُ الْمَانِعَةُ لَهُ مِنْ أَنْ يُصَلِّيَ فِيهِ صَلَّى عُرْيَانًا غَيْرَ آثِمٍ وَيَسْقُطُ التَّكْلِيفُ بِالْكُلِّيَّةِ ضَرُورَةَ أَنَّ التَّصَرُّفَ بِالتَّخْيِيرِ مَعَ الْعُذْرِ فِي الْأَخِيرِ يَقُومُ مَقَامَ الْعُذْرِ فِي الْجَمِيعِ وَرَابِعُهَا إذَا كَانَ عِنْدَهُ قَدْرُ كِفَايَتِهِ مِنْ الْمَاءِ لِطَهَارَتِهِ مِرَارًا فَلَهُ هِبَةُ مَا عَدَا كِفَايَتَهُ مِنْ الْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَ تِلْكَ الْمَقَادِيرِ فَإِذَا وَهَبَهُ وَأَبْقَى كِفَايَتَهُ مِنْهُ فَتَلِفَ مَا أَبْقَاهُ سَقَطَ التَّكْلِيفُ بِالْوُضُوءِ بِالْكُلِّيَّةِ مِنْ غَيْرِ إثْمٍ وَقَامَ التَّصَرُّفُ بِالتَّخْيِيرِ مَعَ الْآفَةِ فِي الْأَخِيرِ مَقَامَ حُصُولِ الْعُذْرِ فِي الْجَمِيعِ فِي عَدَمِ الْإِثْمِ وَسُقُوطِ التَّكْلِيفِ وَخَامِسُهَا إذَا كَانَ عِنْدَهُ صَاعَانِ فَأَكْثَرُ مِنْ الطَّعَامِ لِزَكَاةِ الْفِطْرِ فَلَهُ التَّصَرُّفُ بِبَيْعٍ أَوْ هِبَةٍ فِيمَا عَدَا الصَّاعَ الْوَاحِدَ فَإِذَا بَاعَهُ أَوْ وَهَبَهُ وَتَرَكَ صَاعًا وَاحِدًا فَلَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ إخْرَاجِهِ حَتَّى تَلِفَ مِنْ غَيْرِ سَبَبٍ مِنْ قَبْلِهِ سَقَطَ عَنْهُ زَكَاةُ الْفِطْرِ إذَا قُلْنَا إنَّ وُجُوبَهَا مُوَسَّعٌ مِنْ غُرُوبِ الشَّمْسِ مِنْ رَمَضَانَ إلَى غُرُوبِهَا مِنْ يَوْمِ الْفِطْرِ وَصَارَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ جَاءَ وَقْتُ الْوُجُوبِ وَلَيْسَ عِنْدَهُ طَعَامٌ أَلْبَتَّةَ.
وَبِالْجُمْلَةِ فَالتَّصَرُّفُ بِالتَّخْيِيرِ بَيْنَ أَفْرَادِ الْجِنْسِ مَعَ الْآفَةِ فِي الْأَخِيرِ كَمَا يَقُومُ مَقَامَ حُصُولِ الْعُذْرِ فِي الْجَمِيعِ فِي هَذِهِ النَّظَائِرِ وَنَحْوِهَا مِنْ الصُّوَرِ الْكَثِيرَةِ الَّتِي تَجِدُهَا فِي الشَّرِيعَةِ إذَا اسْتَقْرَيْتهَا كَذَلِكَ يَقُومُ تَفْوِيتُ غَيْرِ الْجُزْءِ الْأَخِيرِ مِنْ أَجْزَاءِ الْقَامَةِ مَثَلًا بِمُقْتَضَى التَّخْيِيرِ مَعَ حُصُولِ الْعُذْرِ كَالْحَيْضِ فِي الْجُزْءِ الْأَخِيرِ مَقَامَ حُصُولِ الْعُذْرِ فِي جَمِيعِ الْأَجْزَاءِ إذْ كَمَا أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ قِيَامِ الْمُعَارِضِ فِي جَمِيعِ صُوَرِ السَّبَبِ وَبَيْنَ قِيَامِهِ فِي بَعْضِ صُوَرِهِ إذَا كَانَ التَّخْيِيرُ فِي الْبَعْضِ الْآخَرِ فِي جَمِيعِ صُوَرِهِ هَذِهِ النَّظَائِرُ وَنَحْوُهَا مِمَّا هُوَ كَثِيرٌ فِي الشَّرِيعَةِ كَذَلِكَ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا فِي صُورَةِ النِّزَاعِ فَتَأَمَّلْ هَذَا الْفَرْقَ فَهُوَ دَقِيقٌ وَهُوَ عُمْدَةُ الْمَذْهَبِ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.
[الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ اسْتِلْزَامِ إيجَابِ الْمَجْمُوعِ لِوُجُوبِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ أَجْزَائِهِ]
(الْفَرْقُ التَّاسِعُ وَالثَّمَانُونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ اسْتِلْزَامِ إيجَابِ الْمَجْمُوعِ لِوُجُوبِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ أَجْزَائِهِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الْأَمْرِ الْأَوَّلِ لَا يُوجِبُ الْقَضَاءَ، وَإِنْ كَانَ الْفِعْلُ فِي الْقَضَاءِ جُزْءَ الْأَوَّلِ، وَالْجُزْءُ الْآخَرُ خُصُوصُ الْوَقْتِ) قَالَ: الْأَصْلُ أَنَّهُمَا وَإِنْ اشْتَرَكَتَا فِي أَنَّ الْأَمْرَ مُرَكَّبٌ فِيهِمَا بِسَبَبِ أَنَّ الْأَمْرَ بِالْعِبَادَةِ فِي وَقْتٍ مُعَيَّنٍ أَمْرٌ بِالْعِبَادَةِ وَبِكَوْنِهَا فِي وَقْتٍ مُعَيَّنٍ، وَهُوَ أَمْرٌ بِمَجْمُوعِ الْفِعْلِ وَتَخْصِيصِهِ بِالزَّمَانِ إلَّا أَنَّهُ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ تَخْصِيصَ صَاحِبِ الشَّرْعِ بَعْضَ الْأَوْقَاتِ بِأَفْعَالٍ مُعَيَّنَةٍ دُونَ بَقِيَّةِ الْأَوْقَاتِ لَمَّا كَانَ يَقْتَضِي اخْتِصَاصَ ذَلِكَ الْوَقْتِ الْمُعَيَّنِ بِمَصْلَحَةٍ، وَكَانَ الْأَصْلُ عَدَمَ مَصْلَحَةِ الْفِعْلِ فِي غَيْرِ الْوَقْتِ الَّذِي عُيِّنَ لَهُ كَانَ لَفْظُ تَخْصِيصِهِ دَالًّا عَلَى عَدَمِ مَصْلَحَةِ ذَلِكَ الْفِعْلِ فِي غَيْرِهِ فَلَا تُفْعَلُ تِلْكَ الْعِبَادَةُ أَلْبَتَّةَ فَإِنْ وَرَدَ الْأَمْرُ بِالْقَضَاءِ دَلَّ الْأَمْرُ الثَّانِي عَلَى أَنَّ مَا بَعْدَ ذَلِكَ الْوَقْتِ مِمَّا يُقَارِبُ الْوَقْتَ الْأَوَّلَ فِي مَصْلَحَةِ الْوُجُوبِ، وَإِنْ لَمْ يَصِلْ إلَى مِثْلِ مَصْلَحَتِهِ إذْ لَوْ وَصَلَ إلَيْهَا لَسَوَّى بَيْنَهُمَا فِي الْأَمْرِ الْأَوَّلِ، وَحَيْثُ لَمْ يُسَوِّ بَيْنَهُمَا دَلَّ ذَلِكَ عَلَى التَّفَاوُتِ بَيْنَهُمَا، وَبُنِيَ هَذَا الْفَرْقُ
وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ الصَّفِّ الطَّوِيلِ فَهُوَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى إنَّمَا أَوْجَبَ عَلَيْنَا أَنْ نَسْتَقْبِلَ الْكَعْبَةَ الِاسْتِقْبَالَ الْعَادِيَّ لَا الْحَقِيقِيَّ، وَالْعَادَةُ أَنَّ الصَّفَّ الطَّوِيلَ إذَا قَرُبَ مِنْ الشَّيْءِ الْقَصِيرِ الَّذِي يُسْتَقْبَلُ يَكُونُ أَطْوَلَ مِنْهُ، وَيَجِدُ بَعْضُهُمْ نَفْسَهُ خَارِجَةً عَنْ ذَلِكَ الشَّيْءِ الْمُسْتَقْبَلِ الَّذِي هُوَ أَقْصَرُ مِنْ الصَّفِّ الطَّوِيلِ، وَإِذَا بَعُدَ ذَلِكَ الصَّفُّ الطَّوِيلُ بُعْدًا كَثِيرًا عَنْ ذَلِكَ الشَّيْءِ الْقَصِيرِ يَجِدُ كُلُّ وَاحِدٍ مِمَّنْ فِي ذَلِكَ الصَّفِّ الطَّوِيلِ نَفْسَهُ مُسْتَقْبِلًا لِذَلِكَ الشَّيْءِ الْقَصِيرِ فِي نَظَرِ الْعَيْنِ بِسَبَبِ الْبُعْدِ، أَلَا تَرَى أَنَّ النَّخْلَةَ الْبَعِيدَةَ أَوْ الشَّجَرَةَ إذَا اسْتَقْبَلَهَا الرَّكْبُ الْعَظِيمُ الْكَثِيرُ الْعَدَدِ مِنْ الْبُعْدِ يَجِدُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الرَّكْبِ أَوْ الْقَافِلَةِ نَفْسَهُ قُبَالَةَ تِلْكَ الشَّجَرَةِ، وَيَقُولُ الرَّكْبُ بِجُمْلَتِهِ نَحْنُ قُبَالَةَ تِلْكَ الشَّجَرَةِ، وَنَحْنُ سَائِرُونَ إلَيْهَا وَإِذَا قَرُبُوا مِنْ الشَّجَرَةِ جِدًّا لَمْ يَبْقَ قُبَالَتَهَا إلَّا النَّفَرُ الْيَسِيرُ مِنْ ذَلِكَ الرَّكْبِ فَكَذَلِكَ الصَّفُّ الطَّوِيلُ بِمِصْرَ أَوْ بِخُرَاسَانَ لَوْ كُشِفَ الْغِطَاءُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْكَعْبَةِ الْمُعَظَّمَةِ بِحَيْثُ كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ يُبْصِرُ الْكَعْبَةَ لَرَأَى نَفْسَهُ قُبَالَةَ الْكَعْبَةِ بِسَبَبِ الْبُعْدِ كَمَا قُلْنَا فِي الرَّكْبِ مَعَ الشَّجَرَةِ فَقَدْ حَصَلَ فِي حَقِّهِمْ الِاسْتِقْبَالُ الْعَادِيُّ، وَهُوَ الْمَطْلُوبُ الشَّرْعِيُّ وَكَذَلِكَ نَقُولُ فِي الْبَلَدَيْنِ الْمُتَقَارِبَيْنِ لَوْ كُشِفَ الْغِطَاءُ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الْكَعْبَةِ لَرَأَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ نَفْسَهُ قُبَالَةَ الْكَعْبَةِ، فَهُمَا كَالصَّفِّ الطَّوِيلِ سَوَاءٌ وَالْجَمِيعُ مَبْنِيٌّ عَلَى هَذِهِ الْقَاعِدَةِ وَهِيَ أَنَّ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
قَالَ: (وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ الصَّفِّ الطَّوِيلِ إلَى آخِرِ مَا قَالَهُ فِي هَذَا الْفَرْقِ) .
قُلْت: هَذَا الْجَوَابُ إنَّمَا هُوَ جَوَابُ الْقَائِلِينَ بِالسَّمْتِ دَفْعًا لِاسْتِدْلَالِ الْقَائِلِينَ بِالْجِهَةِ عَلَيْهِمْ بِالصَّفِّ الطَّوِيلِ، وَلِلْقَائِلَيْنِ بِالْجِهَةِ أَنْ يَقُولُوا سَلَّمْنَا صِحَّةَ هَذَا الْجَوَابِ؛ لِأَنَّهُ مُحَصِّلٌ لِمَقْصُودِنَا مِنْ الْقَوْلِ بِالْجِهَةِ وَغَيْرُ مُحَصِّلٍ لِمَقْصُودِكُمْ مِنْ الْقَوْلِ بِالسَّمْتِ الْحَقِيقِيِّ الَّذِي هُوَ الْعَيْنُ مِنْ غَيْرِ شَرْطِ الْمُعَايَنَةِ لِتَعَذُّرِ ذَلِكَ مَعَ الْبُعْدِ وَمَآلِ قَوْلِكُمْ بِالسَّمْتِ الْعَادِيِّ غَيْرِ الْحَقِيقِيِّ إلَى قَوْلِنَا بِالْجِهَةِ، فَعَلَى التَّحْقِيقِ ذَلِكَ الْجَوَابُ لَيْسَ بِجَوَابٍ
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
عَلَى أَمْرَيْنِ: الْأَمْرُ الْأَوَّلُ أَنَّ الْمُرَادَ بِقَاعِدَةِ اسْتِلْزَامِ إيجَابِ الْمَجْمُوعِ لِوُجُوبِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ أَجْزَائِهِ هُوَ أَنَّ إيجَابَ الْمَجْمُوعِ يَسْتَلْزِمُ إيجَابَ كُلِّ جُزْءٍ مُطْلَقًا كَانَ مَجْمُوعًا مَعَ غَيْرِهِ أَمْ غَيْرَ مَجْمُوعٍ، فَإِذَا كَانَ الْأَمْرُ بِالْعِبَادَةِ فِي وَقْتٍ مُعَيَّنٍ أَمْرًا بِالْعِبَادَةِ وَبِكَوْنِهَا فِي وَقْتٍ، وَذَهَبَ الْجُزْءُ الثَّانِي وَهُوَ تَخْصِيصُهُ بِعَيْنِ ذَلِكَ الزَّمَانِ يَبْقَى الْفِعْلُ وَاجِبًا.
الْأَمْرُ الثَّانِي اطِّرَادُ قَاعِدَةِ صَاحِبِ الشَّرْعِ فِي رِعَايَةِ الْمَصَالِحِ لِوُجُوبِ رِعَايَتِهَا عَقْلًا فِي كُلِّ فِعْلٍ وَلَوْ تَعَبُّدِيًّا، وَمَعْنَى كَوْنِهِ تَعَبُّدِيًّا أَنَّ فِيهِ مَعْنًى لَمْ نَعْلَمْهُ لَا أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ مَعْنًى.
وَقَالَ وَقَاعِدَةُ أَنَّ الْأَمْرَ الْأَوَّلَ لَا يَقْتَضِي الْقَضَاءَ بَلْ الْقَضَاءُ إنَّمَا يَجِبُ بِأَمْرٍ جَدِيدٍ هُوَ الْقَوْلُ الْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ الْعُلَمَاءِ الْمُلَاحِظِينَ هَذَا الْفَرْقَ بَيْنَ الْقَاعِدَتَيْنِ، وَالْقَوْلُ بِأَنَّ الْقَضَاءَ بِالْأَمْرِ الْأَوَّلِ قَوْلُ مَنْ لَاحَظَ التَّسْوِيَةَ وَالْمُشْتَرَكَ بَيْنَ الْقَاعِدَتَيْنِ، هَذَا خُلَاصَةُ كَلَامِهِ. قَالَ ابْنُ الشَّاطِّ: وَفِي كَلَامِهِ هَذَا فِي هَذَا الْفَرْقِ ضُرُوبٌ مِنْ الْفَسَادِ لَا يَفُوهُ بِمِثْلِهَا مُحَصِّلٌ: الضَّرْبُ الْأَوَّلُ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ أَنْ يُرَادَ بِالْقَاعِدَةِ الْأُولَى أَنَّ إيجَابَ الْمَجْمُوعِ يَسْتَلْزِمُ إيجَابَ كُلِّ جُزْءٍ مُطْلَقًا، بَلْ إنَّمَا يَصِحُّ أَنْ يُرَادَ بِهَا أَنَّ إيجَابَ الْمَجْمُوعِ يَسْتَلْزِمُ إيجَابَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْأَجْزَاءِ مَجْمُوعًا مَعَ غَيْرِهِ مِنْهَا.
الضَّرْبُ الثَّانِي أَنَّ الْفِعْلَ الْمُعَيَّنَ زَمَانُهُ لَا يَصِحُّ انْفِكَاكُهُ عَنْ ذَلِكَ الزَّمَانِ وَمَتَى قُدِّرَ انْفِكَاكُهُ عَنْهُ فَلَيْسَ هُوَ ذَلِكَ الْفِعْلُ كَمَا أَنَّهُ لَيْسَ هُوَ ذَلِكَ الزَّمَانُ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْفِعْلِ الْمُوقَعِ فِيهِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ إذَا فُعِلَتْ رَكْعَةٌ مُفْرَدَةٌ مِنْ صَلَاةِ الصُّبْحِ مَثَلًا لَا تَكُونُ جُزْءًا مِنْ صَلَاةِ الصُّبْحِ أَصْلًا، وَإِنَّمَا تَكُونُ جُزْءًا مِنْهَا إذَا فُعِلَتْ مَعَ أُخْرَى بِشَرْطِ اسْتِيفَاءِ شُرُوطِ صَلَاةِ الصُّبْحِ مِنْ نِيَّةٍ وَغَيْرِهَا.
الضَّرْبُ الثَّالِثُ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ اطِّرَادُ قَاعِدَةِ صَاحِبِ الشَّرْعِ فِي رِعَايَةِ الْمَصَالِحِ بِمَعْنَى الْمَنَافِعِ الدُّنْيَوِيَّةِ خَاصَّةً؛ لِأَنَّ رِعَايَتَهَا بِهَذَا الْمَعْنَى مِنْ مُجَوِّزَاتِ الْعَقْلِ لَا مِنْ مُوجِبَاتِهِ، وَالدَّلَائِلُ الشَّرْعِيَّةُ الْقَطْعِيَّةُ وَإِنْ دَلَّتْ عَلَى رِعَايَةِ مَصَالِحِ أُمُورٍ كَثِيرَةٍ مِنْ الْمَأْمُورَاتِ وَالْمَنْهِيَّاتِ إلَّا أَنَّهَا لَمْ تَدُلَّ عَلَى رِعَايَتِهَا فِي جَمِيعِ الْمَأْمُورَاتِ وَالْمَنْهِيَّاتِ إذْ لَا نَعْلَمُ قَاطِعًا فِي ذَلِكَ، وَلَيْسَتْ رِعَايَةُ الشَّارِعِ الْمَصَالِحَ بِحُكْمٍ مِنْهُ شَرْعِيٍّ فَيَكْفِي فِيهِ الظَّنُّ بَلْ ذَلِكَ أَمْرٌ وُجُودِيٌّ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ الْقَطْعِ، وَبِالْجُمْلَةِ فَيَجُوزُ عَقْلًا شَرْعُ أَمْرٍ مَا لِغَيْرِ مَصْلَحَةٍ فِيهِ إلَّا مَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مِنْ الثَّوَابِ فَلَا يَصِحُّ أَنْ تَكُونَ قَاعِدَةُ رِعَايَةِ الْمَصَالِحِ مُطَّرِدَةً إلَّا إذَا أُرِيدَ بِالْمَصَالِحِ الْمَنَافِعُ عَلَى الْإِطْلَاقِ دُنْيَوِيَّةً أَوْ أُخْرَوِيَّةً فَافْهَمْ.
الضَّرْبُ الرَّابِعُ أَنَّ قَوْلَهُ فِي الْفَرْقِ أَنَّ تَخْصِيصَ الشَّارِعِ بَعْضَ الْأَوْقَاتِ بِأَفْعَالٍ مُعَيَّنَةٍ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يَقْتَضِي اخْتِصَاصَ ذَلِكَ الْوَقْتِ الْمُعَيَّنِ بِمَصْلَحَةٍ، وَالْأَصْلُ عَدَمُ وُجُودِهَا فِي غَيْرِهِ يَدُلُّ لَفْظُ تَخْصِيصِ ذَلِكَ الْوَقْتِ عَلَى عَدَمِ مَصْلَحَةِ ذَلِكَ الْفِعْلِ فِي غَيْرِهِ، وَقَوْلُهُ فِيهِ فَإِنْ وَرَدَ الْأَمْرُ بِالْقَضَاءِ دَلَّ الْأَمْرُ الثَّانِي إلَخْ لَيْسَ بِصَحِيحَيْنِ إلَّا عَلَى تَسْلِيمِ دَعْوَى عُمُومِ رِعَايَةِ الْمَصَالِحِ، وَقَدْ عَلِمْت أَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ ذَلِكَ بِقَاطِعٍ.
الضَّرْبُ الْخَامِسُ أَنَّ مَنْ قَالَ الْقَضَاءُ بِأَمْرٍ جَدِيدٍ لَمْ يُلَاحِظْ ذَلِكَ الْفَرْقَ بَلْ لَاحَظَ أَنَّ الْأَمْرَ الْمُؤَقَّتَ لَا يَقْتَضِي الْقَضَاءَ فَلَا بُدَّ فِي شَرْعِ الْقَضَاءِ مِنْ أَمْرٍ جَدِيدٍ، وَأَنَّ مَنْ قَالَ الْقَضَاءُ بِالْأَمْرِ الْأَوَّلِ لَا يَقُولُ إنَّهُ مِنْ مُقْتَضَاهُ لَفْظًا بَلْ يَقُولُ إنَّهُ مِنْ مُقْتَضَاهُ قِيَاسًا عَلَى الْحُقُوقِ الْمُتَرَتِّبَةِ فِي الذِّمَمِ اهـ. كَلَامُ ابْنِ الشَّاطِّ وَفِي جَمْعِ الْجَوَامِعِ مَعَ شَرْحِ الْمَحَلِّيِّ مَسْأَلَةٌ قَالَ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ وَعَبْدُ الْجَبَّارِ مِنْ الْمُعْتَزِلَةِ الْأَمْرُ بِشَيْءٍ مُؤَقَّتٍ يَسْتَلْزِمُ الْقَضَاءَ لَهُ إذَا لَمْ
اللَّهَ تَعَالَى إنَّمَا أَمَرَ بِالِاسْتِقْبَالِ الْعَادِيِّ دُونَ الْحَقِيقِيِّ مَعَ الْبُعْدِ وَمَعَ الْقُرْبِ الْوَاجِبُ الِاسْتِقْبَالُ الْحَقِيقِيُّ.
حَتَّى إنَّهُ إذَا صُفَّ صَفٌّ مَعَ حَائِطِ الْكَعْبَةِ فَصَادَفَ أَحَدُهُمْ نِصْفَهُ قُبَالَةَ الْكَعْبَةِ وَنِصْفَهُ خَارِجًا عَنْهَا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِأَنْ يَسْتَقْبِلَ بِجُمْلَتِهِ الْكَعْبَةَ فَإِذَا لَمْ يَحْصُلْ ذَلِكَ اسْتَدَارَ، وَكَذَلِكَ الصَّفُّ الطَّوِيلُ بِقُرْبِ الْكَعْبَةِ يُصَلُّونَ دَائِرَةً أَوْ قَوْسًا إنْ قَصُرُوا عَنْ الدَّائِرَةِ وَفِي الْبُعْدِ يُصَلُّونَ خَطًّا مُسْتَقِيمًا بِسَبَبِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ التَّقْرِيرِ، وَأَنَّهُمْ إذَا كَانُوا خَطًّا مَعَ الْبُعْدِ يَكُونُونَ مُسْتَقْبِلِينَ عَادَةً بِخِلَافِهِمْ مَعَ الْقُرْبِ فَقَدْ ظَهَرَ الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ اسْتِقْبَالِ السَّمْتِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ اسْتِقْبَالِ الْجِهَةِ.
وَصَحَّ جَرَيَانُ الْخِلَافِ فِي ذَلِكَ وَانْدَفَعَتْ الْإِشْكَالَاتُ الَّتِي عَلَيْهَا وَهُوَ مِنْ الْمَوَاطِنِ الْجَلِيلَةِ الَّتِي يَحْتَاجُ إلَيْهَا الْفُقَهَاءُ، وَلَمْ أَرَ أَحَدًا حَرَّرَهُ هَذَا التَّحْرِيرَ إلَّا الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ رحمه الله وَقَدَّسَ رُوحَهُ فَلَقَدْ كَانَ شَدِيدَ التَّحْرِيرِ لِمَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ فِي الشَّرِيعَةِ مَعْقُولِهَا وَمَنْقُولِهَا، وَكَانَ يُفْتَحُ عَلَيْهِ بِأَشْيَاءَ لَا تُوجَدُ لِغَيْرِهِ رحمه الله رَحْمَةً وَاسِعَةً.
(الْفَرْقُ السَّادِسُ وَالتِّسْعُونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَنْ يَتَعَيَّنُ تَقْدِيمُهُ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَنْ يَتَعَيَّنُ تَأْخِيرُهُ فِي الْوِلَايَاتِ وَالْمَنَاصِبِ وَالِاسْتِحْقَاقَات الشَّرْعِيَّةِ)
اعْلَمْ أَنَّهُ يَجِبُ أَنْ يُقَدَّمَ فِي كُلِّ وِلَايَةٍ مَنْ هُوَ أَقْوَمُ بِمَصَالِحِهَا عَلَى مَنْ هُوَ دُونَهُ، فَيُقَدَّمُ فِي وِلَايَةِ الْحُرُوبِ مَنْ هُوَ أَعْرَفُ بِمَكَائِدِ الْحُرُوبِ وَسِيَاسَةِ الْجُيُوشِ وَالصَّوْلَةِ عَلَى الْأَعْدَاءِ وَالْهَيْبَةِ عَلَيْهِمْ، وَيُقَدَّمُ فِي الْقَضَاءِ مَنْ هُوَ أَعْرَفُ بِالْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ وَأَشَدُّ تَفَطُّنًا لِحِجَاجِ الْخُصُومِ وَخُدَعِهِمْ، وَهُوَ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
بَلْ تَسْلِيمٌ لِقَوْلِ الْمُخَالِفِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
قَالَ: (الْفَرْقُ السَّادِسُ وَالتِّسْعُونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَنْ يَتَعَيَّنُ تَقْدِيمُهُ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَنْ يَتَعَيَّنُ تَأْخِيرُهُ فِي الْوِلَايَاتِ وَالْمَنَاصِبِ وَالِاسْتِحْقَاقَات الشَّرْعِيَّةِ اعْلَمْ أَنَّهُ يَجِبُ أَنْ يُقَدَّمَ فِي كُلِّ وِلَايَةٍ مَنْ هُوَ أَقْوَمُ بِمَصَالِحِهَا عَلَى مَنْ هُوَ دُونَهُ إلَى قَوْلِهِ
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
يُفْعَلْ فِي وَقْتِهِ لِإِشْعَارِ الْأَمْرِ بِطَلَبِ اسْتِدْرَاكِهِ أَيْ الْفِعْلِ إنْ لَمْ يَقَعْ فِي وَقْتِهِ؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ مِنْهُ الْفِعْلُ أَيْ مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَ فِي الْوَقْتِ أَوْ خَارِجِهِ.
وَقَالَ الْأَكْثَرُ الْقَضَاءُ بِأَمْرٍ جَدِيدٍ كَالْأَمْرِ فِي حَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ «مَنْ نَسِيَ الصَّلَاةَ فَلْيُصَلِّهَا إذَا ذَكَرَهَا» وَفِي حَدِيثِ مُسْلِمٍ «إذَا رَقَدَ أَحَدُكُمْ عَنْ الصَّلَاةِ أَوْ غَفَلَ عَنْهَا فَلْيُصَلِّهَا إذَا ذَكَرَهَا» ، وَالْقَصْدُ مِنْ الْأَمْرِ الْفِعْلُ فِي الْوَقْتِ لَا مُطْلَقًا اهـ.
وَشَرْحُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَا خَفَاءَ فِي أَنَّا إذَا تَعَقَّلْنَا صَوْمًا مَخْصُوصًا وَقُلْنَا: صُمْ صَوْمَ يَوْمِ الْخَمِيسِ فَقَدْ تَعَقَّلْنَا أَمْرَيْنِ وَتَلَفَّظْنَا بِلَفْظَيْنِ، وَأَمَّا أَنَّ الْمَأْمُورَ بِهِ هُوَ هَذَانِ الْأَمْرَانِ أَوْ شَيْءٌ وَاحِدٌ يَصْدُقَانِ عَلَيْهِ، وَيُعَبَّرُ عَنْهُ بِاللَّفْظِ الْمُرَكَّبِ مِنْهُمَا مِثْلِ صَوْمِ يَوْمِ الْخَمِيسِ فَمُخْتَلَفٌ فِيهِ فَمَنْ ذَهَبَ إلَى الْأَوَّلِ جَعَلَ الْقَضَاءَ بِالْأَمْرِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ الْمَأْمُورَ بِهِ شَيْئَانِ فَإِنْ انْتَفَى أَحَدُهُمَا بَقِيَ الْآخَرُ وَمَنْ ذَهَبَ إلَى الثَّانِي جَعَلَ الْقَضَاءَ بِأَمْرٍ جَدِيدٍ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الْوُجُودِ إلَّا شَيْءٌ وَاحِدٌ فَإِذَا انْتَفَى سَقَطَ الْمَأْمُورُ بِهِ ثُمَّ اخْتِلَافُهُمْ فِي هَذَا الْأَصْلِ، وَهُوَ أَنَّ الْمُطْلَقَ وَالْقَيْدَ بِحَسَبِ الْوُجُودِ شَيْئَانِ أَوْ شَيْءٌ وَاحِدٌ يَصْدُقُ عَلَيْهِ الْمَعْنَيَانِ نَاظِرِينَ إلَى اخْتِلَافٍ فِي أَصْلٍ آخَرَ، وَهُوَ أَنَّ تَرَكُّبَ الْمَاهِيَّةِ مِنْ الْجِنْسِ وَالْفَصْلِ وَتَمَايُزَهُمَا هَلْ هُوَ بِحَسَبِ الْخَارِجِ أَوْ مُجَرَّدِ الْعَقْلِ فَإِنْ قُلْنَا بِالْأَوَّلِ كَانَ الْمُطْلَقُ وَالْقَيْدُ شَيْئَيْنِ؛ لِأَنَّهُمَا بِمَنْزِلَةِ الْجِنْسِ وَالْفَصْلِ وَإِنْ قُلْنَا بِالثَّانِي، وَهُوَ الْحَقُّ كَانَا بِحَسَبِ الْوُجُودِ شَيْئًا وَاحِدًا كَذَا ذَكَرَهُ الْمُحَقِّقُ التَّفْتَازَانِيُّ فِي حَاشِيَةِ الْعَضُدِ، وَحَاصِلُ مَا أَشَارَ إلَيْهِ الْمَحَلِّيُّ بِقَوْلِهِ وَالْقَصْدُ مِنْ الْأَمْرِ الْأَوَّلِ إلَخْ مِنْ رَدِّ قَوْلِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ مِنْهُ الْفِعْلُ أَنَّا سَلَّمْنَا أَنَّ الْكَوْنَ فِي الْوَقْتِ بِهِ كَمَالُ الْفِعْلِ؛ لِأَنَّهُ مَصْلَحَةٌ لَهُ لَكِنْ لَا نُسَلِّمُ بَقَاءَ الْوُجُوبِ مَعَ النَّقْصِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَبْقَى إذَا انْفَرَدَ بِهِ الطَّلَبُ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ الْمَطْلُوبُ شَيْءٌ وَاحِدٌ وَقَدْ انْتَفَى بِانْتِفَاءِ جُزْئِهِ أَفَادَهُ الشِّرْبِينِيُّ قَالَ الْعَطَّارُ: وَلَمْ يَذْكُرْ الْمَحَلِّيُّ هَذَا الِاسْتِدْلَالَ قَصْدًا بَلْ عَلَى سَبِيلِ التَّبَعِ وَالتَّتِمَّةِ لِلِاسْتِدْلَالِ بِالْحَدِيثَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ الدَّالَّيْنِ عَلَى أَنَّ الْقَضَاءَ بِأَمْرٍ جَدِيدٍ فَلَا يُقَالُ إنَّ هَذَا الِاسْتِدْلَالَ بِمُجَرَّدِهِ لَا يَسْتَلْزِمُ كَوْنَ الْقَضَاءِ بِأَمْرٍ جَدِيدٍ اهـ.
قُلْت وَمِنْهُ يُعْلَمُ أُمُورٌ: الْأَمْرُ الْأَوَّلُ الْفَرْقُ بَيْنَ الْقَاعِدَتَيْنِ بِمَا يَنْدَفِعُ عَنْهُ جَمِيعَ مَا أَوْرَدَهُ ابْنُ الشَّاطِّ مِنْ ضُرُوبِ الْفَسَادِ، وَهُوَ أَنَّ الْقَاعِدَةَ الْأُولَى مِنْ اسْتِلْزَامِ الْمَجْمُوعِ لِوُجُوبِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ أَجْزَائِهِ مَبْنِيَّةٌ كَقَوْلِ الرَّازِيّ وَعَبْدِ الْجَبَّارِ بِأَنَّ الْأَمْرَ الْأَوَّلَ يُوجِبُ الْقَضَاءَ عَلَى أَنَّ الْمُطْلَقَ وَالْقَيْدَ بِحَسَبِ الْوُجُودِ الْخَارِجِيِّ شَيْئَانِ مُتَمَايَزَانِ تَمَايُزَ الْجِنْسِ وَالْفَصْلِ بِحَسَبِ الْخَارِجِ عَلَى الْقَوْلِ بِهِ. وَالْقَاعِدَةُ الثَّانِيَةُ مِنْ أَنَّ الْأَمْرَ الْأَوَّلَ لَا يُوجِبُ الْقَضَاءَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى أَنَّ الْمُطْلَقَ وَالْقَيْدَ شَيْءٌ وَاحِدٌ يَصْدُقُ عَلَيْهِ الْمَعْنَيَانِ، وَيَتَمَيَّزَانِ فِيهِ تَمَيُّزَ الْجِنْسِ وَالْفَصْلِ بِمُجَرَّدِ الْعَقْلِ بِهِ وَيَكُونُ سِرُّ هَذَا الْفَرْقِ هُوَ مَا ذَكَرَهُ الْأَصْلُ.
الْأَمْرُ الثَّانِي انْدِفَاعُ الضَّرْبِ الْأَوَّلِ عَنْ كَلَامِ الْأَصْلِ إذْ لَا يَتَّجِهُ عَدَمُ صِحَّةِ قَاعِدَةِ أَنَّ إيجَابَ الْمَجْمُوعِ يَسْتَلْزِمُ إيجَابَ كُلِّ جُزْءٍ مُطْلَقًا إلَّا إذَا قُلْنَا بِبِنَائِهَا عَلَى أَنَّ الْمُطْلَقَ وَالْقَيْدَ شَيْءٌ وَاحِدٌ، أَمَّا إذَا بَنَيْنَاهَا عَلَى أَنَّهُمَا شَيْئَانِ فَلَا يَتَّجِهُ ذَلِكَ.
الْأَمْرُ الثَّالِثُ انْدِفَاعُ الضَّرْبِ الثَّانِي أَيْضًا حَيْثُ بُنِينَا عَلَى أَنَّ الْمُطْلَقَ وَالْقَيْدَ شَيْئَانِ لَا شَيْءٌ وَاحِدٌ إذْ لَا يَتِمُّ قِيَاسُ الْقَاعِدَةِ الْمَذْكُورَةِ عَلَى كَوْنِهَا مُفْرَدَةً مِنْ صَلَاةِ الصُّبْحِ مَثَلًا لَا يَصِحُّ أَنْ تَكُونَ هِيَ نَفْسُ الصُّبْحِ إلَّا إذَا بُنِيَتْ تِلْكَ الْقَاعِدَةُ عَلَى أَنَّهُمَا شَيْءٌ وَاحِدٌ فَافْهَمْ. الْأَمْرُ الرَّابِعُ انْدِفَاعُ