الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَضَعْنَا النَّجَاسَةَ فِي طَرَفِهِ بَلْ الْأَجْزَاءُ بَعِيدَةٌ مِنْ مَحَلِّ النَّجَاسَةِ لَيْسَ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ قَطْعًا فَلَا يَكُونُ الْقَضَاءُ بِتَطْهِيرِ الْأَجْزَاءِ الْبَعِيدَةِ رُخْصَةً بَلْ قَضَاءً بِالْحُكْمِ لِانْتِفَاءِ سَبَبِهِ وَلَيْسَ هُوَ مِنْ بَابِ الرُّخَصِ وَكَذَلِكَ إذَا تَوَالَى الصَّبُّ وَالْغُسْلُ عَلَى الثَّوْبِ الْمُتَنَجِّسِ فَقُطِعَ بِعَدَمِ تِلْكَ الصِّفَاتِ الْمُوجِبَةِ لِكَوْنِ الْعَيْنِ نَجِسَةً أَوْ مُتَنَجِّسَةً فَوَجَبَ أَنْ يَزُولَ حُكْمُ التَّنْجِيسِ لِزَوَالِ سَبَبِهِ كَمَا يَزُولُ وُجُوبُ الزَّكَاةِ لِعَدَمِ النِّصَابِ وَيَزُولُ وُجُوبُ الصَّوْمِ فِي رَمَضَانَ لِزَوَالِ رَمَضَانَ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَحْكَامِ فِي الشَّرِيعَةِ الَّتِي لَا يُسَمَّى شَيْءٌ مِنْهَا رُخْصَةً فَكَذَلِكَ هَا هُنَا فَظَهَرَ أَنَّ مَا قَالُوهُ مِنْ أَنَّ إزَالَةَ النَّجَاسَةِ مِنْ بَابِ الرُّخَصِ لَا حَقِيقَةَ لَهُ بَلْ هِيَ مِنْ بَابِ الْعَزَائِمِ عَلَى وَفْقِ الْقَوَاعِدِ لَا عَلَى خِلَافِهَا
(الْفَرْقُ الثَّانِي وَالثَّمَانُونَ الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ إزَالَةِ الْوُضُوءِ لِلْجَنَابَةِ بِالنِّسْبَةِ إلَى النَّوْمِ خَاصَّةً وَبَيْنَ قَاعِدَةِ إزَالَةِ الْحَدَثِ عَنْ الرَّجُلِ خَاصَّةً بِالنِّسْبَةِ إلَى الْخُفِّ) اعْلَمْ أَنَّهُ قَدْ وَقَعَ فِي مَذْهَبِ مَالِكٍ رحمه الله وَفِي غَيْرِهِ مِنْ الْمَذَاهِبِ فَتَاوَى مُشْكِلَةٌ فِي الْأَحْدَاثِ وَأَحْكَامِهَا وَقَدْ وَرَدَ الْحَدِيثُ الصَّحِيحُ فِي الْجُنُبِ يُرِيدُ النَّوْمَ أَنَّهُ يَتَوَضَّأُ لِلنَّوْمِ خَاصَّةً لَا لِلصَّلَاةِ وَلَا لِغَيْرِهَا فَقَالَ الْفُقَهَاءُ هَذَا وُضُوءٌ يَرْفَعُ حَدَثَ الْجَنَابَةِ بِالنِّسْبَةِ إلَى النَّوْمِ خَاصَّةً فَهَذَا حَدَثٌ قَدْ ارْتَفَعَ بِالنِّسْبَةِ إلَى شَيْءٍ خَاصٍّ وَهَذَا وُضُوءٌ لَا يُزِيلُهُ الْحَدَثُ الْأَصْغَرُ لِأَنَّهُ لَمْ يُجْعَلْ رَافِعًا لِلْحَدَثِ الْأَصْغَرِ وَإِنَّمَا يُزِيلُهُ الْحَدَثُ الْأَكْبَرُ وَهُوَ الْجَنَابَةُ فَقَطْ فَهَذِهِ قَاعِدَةٌ مُقَرَّرَةٌ فِي الْحَدَثِ فِي الْمَذْهَبِ وَيُلْقُونَ هَذَا الْوُضُوءَ لُغْزًا عَلَى الطَّلَبَةِ فَيَقُولُونَ هَلْ تَعْلَمُونَ وُضُوءًا لَا يُزِيلُهُ الْبَوْلُ وَنَحْوُهُ فَيَشْكُلُ ذَلِكَ عَلَى الْمَسْئُولِ وَيُرِيدُونَ هَذَا الْوُضُوءَ هَذِهِ قَاعِدَةٌ قَدْ تَقَرَّرَتْ ثُمَّ قَالُوا إذَا غَسَلَ إحْدَى رِجْلَيْهِ ثُمَّ أَدْخَلَهَا فِي الْخُفِّ قَبْلَ غَسْلِ الْأُخْرَى هَلْ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَمْسَحَ عَلَى الْخُفِّ قَوْلَانِ مَبْنِيَّانِ عَلَى أَنَّ الْحَدَثَ هَلْ يَرْتَفِعُ عَنْ كُلِّ عُضْوٍ عَلَى حِيَالِهِ أَوْ لَا يَرْتَفِعُ إلَّا بَعْدَ غُسْلِ الْجَمِيعِ فَعَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ يَجُوزُ لَهُ الْمَسْحُ عَلَى هَذَا الْخُفِّ لِأَنَّهُ لَبِسَهُ بَعْدَ رَفْعِ الْحَدَثِ عَنْ مَحَلِّهِ وَعَلَى الْقَوْلِ الْآخَرِ لَا يَجُوزُ لَهُ الْمَسْحُ فَقِيلَ لَهُمْ إنَّ الْحَدَثَ لَهُ مَعْنَيَانِ أَحَدُهُمَا الْأَسْبَابُ الْمُوجِبَةُ لَهُ كَالْخَارِجِ مِنْ السَّبِيلَيْنِ وَنَحْوِهِ فَيُقَالُ أَحْدَثَ إذَا وُجِدَ مِنْهُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ وَكَذَلِكَ يَقُولُ الْفُقَهَاءُ النَّوْمُ هَلْ هُوَ حَدَثٌ أَوْ سَبَبٌ لِلْحَدَثِ قَوْلَانِ وَلِلْخَارِجِ مِنْ السَّبِيلَيْنِ عَلَى وَجْهِ الْعَادَةِ حَدَثٌ قَوْلًا وَاحِدًا وَثَانِيهِمَا الْمَنْعُ الْمُرَتَّبُ عَلَى هَذِهِ الْأَسْبَابِ يُسَمَّى حَدَثًا وَهُوَ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ يَرْجِعُ إلَى التَّحْرِيمِ الْخَاصِّ بِالْإِقْدَامِ عَلَى الصَّلَوَاتِ وَنَحْوِهَا فَهَذَا الْمَنْعُ يُسَمَّى حَدَثًا أَيْضًا وَهُوَ الَّذِي يَقُولُ الْفُقَهَاءُ فِيهِ إنَّ الْمُتَطَهِّرَ يَنْوِي رَفْعَ الْحَدَثِ أَيْ يَنْوِي
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
قَالَ عِيَاضٌ إنَّ أَبَا الْمَعَالِيَ الْجُوَيْنِيَّ قَدَّمَ عَبْدَ الْحَقِّ الصَّقَلِّيَّ صَلَّى بِهِ وَقَالَ لَهُ الْبَعْضُ يَدْخُلُ فِي الْكُلِّ يَعْرِضُ لَهُ بِمَسْحِ الرَّأْسِ إذْ كَانَ أَبُو الْمَعَالِي شَافِعِيًّا اهـ.
وَهِيَ أَنَّ الْعِبْرَةَ بِمَذْهَبِ الْمَأْمُومِ مُطْلَقًا وَإِنَّمَا يَنْبَغِي مَا ذُكِرَ فِي هَذَا الْفَرْقِ عَلَى الْقَاعِدَةِ الَّتِي حَكَاهَا الشَّيْخُ حِجَازِيٌّ عَلَى الْمَجْمُوعِ بِقِيلِ مِنْ أَنَّ الْعِبْرَةَ بِمَذْهَبِ الْإِمَامِ مُطْلَقًا قَالَ الْحَطَّابُ أَجَازَ الْقَرَافِيُّ فِي الْفَرْقِ السَّادِسِ وَالسَّبْعِينَ الصَّلَاةَ خَلْفَ الْمُخَالِفِ وَإِنْ رَآهُ يَفْعَلُ مَا يُخَالِفُ مَذْهَبَهُ اهـ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ وَحَرِّرْ وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.
[الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْخِلَافُ يَتَقَرَّرُ فِي مَسَائِلِ الِاجْتِهَادِ قَبْلَ حُكْمِ الْحَاكِمِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَسَائِلُ الِاجْتِهَادِ يَبْطُلُ الْخِلَافُ فِيهَا]
(الْفَرْقُ السَّابِعُ وَالسَّبْعُونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْخِلَافُ يَتَقَرَّرُ فِي مَسَائِلِ الِاجْتِهَادِ قَبْلَ حُكْمِ الْحَاكِمِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَسَائِلُ الِاجْتِهَادِ يَبْطُلُ الْخِلَافُ فِيهَا وَيَتَعَيَّنُ قَوْلُ وَاحِدٍ بَعْدَ حُكْمِ الْحَاكِمِ وَهُوَ مَا حَكَمَ بِهِ الْحَاكِمُ عَلَى الْأَوْضَاعِ الشَّرْعِيَّةِ) بِمَعْنَى أَنَّ الْمُفْتِي الْمُخَالِفَ إذَا اسْتَفْتَى فِي عَيْنِ تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ الَّتِي وَقَعَ الْحُكْمُ فِيهَا لَا تَسُوغُ لَهُ الْفَتْوَى فِيهَا بِعَيْنِهَا لِأَنَّهُ قَدْ نَفَذَ فِيهَا الْحُكْمُ بِقَوْلِهِ قَائِلٍ وَمَضَى الْعَمَلُ بِهَا أَمَّا إذَا اسْتَفْتَى فِي مِثْلِ تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ قَبْلَ أَنْ يَقَعَ الْحُكْمُ فِيهَا فَإِنَّهُ يُفْتِي بِمَذْهَبِهِ عَلَى أَصْلِهِ فَالْخِلَافُ إنَّمَا يَبْطُلُ بِالنَّظَرِ إلَى الْمَسْأَلَةِ الْمُعَيَّنَةِ خَاصَّةً مَثَلًا وَقْفُ الْمُشَاعِ إذَا حَكَمَ حَاكِمٌ بِصِحَّتِهِ ثُمَّ رُفِعَتْ الْوَاقِعَةُ عَيْنَهَا لِمَنْ لَا يَرَى صِحَّتَهُ وَكَانَ يُفْتِي بِبُطْلَانِهِ فَهُوَ لَا يَرُدُّهُ وَلَا يَنْقُضُهُ وَنِكَاحُ مَنْ قَالَ لَهَا إنْ تَزَوَّجْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ إذَا حَكَمَ حَاكِمٌ بِصِحَّتِهِ ثُمَّ رُفِعَتْ مَسْأَلَتُهُ عَيْنُهَا لِمَنْ كَانَ يَرَى لُزُومَ الطَّلَاقِ لَهُ كَانَ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَرُدَّ هَذَا النِّكَاحَ وَلَا يَنْقُضَهُ هَذَا هُوَ مَذْهَبُ الْجُمْهُورِ وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَلِذَلِكَ وَقَعَ لَهُ فِي كِتَابِ الزَّكَاةِ وَغَيْرِهِ أَنَّ حُكْمَ الْحَاكِمِ فِي مَسَائِلِ الِاجْتِهَادِ لَا يُرَدُّ وَلَا يُنْقَضُ وَأَفْتَى مَالِكٌ فِي السَّاعِي الشَّافِعِيِّ إذَا أَخَذَ مِنْ الْأَرْبَعِينَ شَاةً لِرَجُلَيْنِ خَلِيطَيْنِ فِي الْغَنَمِ شَاةً بِأَنَّهُمَا يَقْتَسِمَانِهَا بَيْنَهُمَا وَلَا يَخْتَصُّ بِهَا مَنْ أُخِذَتْ مِنْهُ كَمَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ وَأَبْطَلَ مَا كَانَ يُفْتِي بِهِ وَيَعْتَقِدُهُ مِنْ أَنَّ الشَّاةَ تَكُونُ مَظْلِمَةً مِمَّنْ أُخِذَتْ مِنْهُ مُعَلِّلًا بِأَنَّهُ قَدْ حَكَمَ الْحَاكِمُ بِخِلَافِهِ فَلَا يَتَعَرَّضُ لِحُكْمِهِ بِرَدٍّ وَلَا نَقْضٍ وَوَقَعَ لَهُ ذَلِكَ فِي عِدَّةِ مَسَائِلَ فِي الْعُقُودِ وَالْفُسُوخِ وَإِنَّ صَلَاةَ الْجَمَاعَةِ إذَا حَكَمَ الْإِمَامُ فِيهَا لَا تُصَلَّى إلَّا بِإِذْنٍ مِنْ الْإِمَامِ وَغَيْرِ ذَلِكَ بَلْ قَالَ فِي جَمْعِ الْجَوَامِعِ لَا يُنْقَضُ الْحُكْمُ فِي الِاجْتِهَادِيَّاتِ وِفَاقًا قَالَ الْمَحَلِّيُّ لَا مِنْ الْحَاكِمِ بِهِ وَلَا مِنْ غَيْرِهِ بِأَنْ اخْتَلَفَ الِاجْتِهَادُ اهـ.
لَكِنْ قَالَ الْأَصْلُ وَوَقَعَ لِلشَّافِعِيَّةِ فِي كُتُبِهِمْ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِهِمْ أَنَّ الْحُكْمَ إذَا رُفِعَ لِمَنْ لَا يَعْتَقِدُهُ لَا يُنَفِّذُهُ أَيْ لَا يُقِرُّهُ عَلَى حُكْمِ ذَلِكَ الْحَاكِمِ بَلْ يُمَكَّنُ مِنْ الْخُصُومَةِ فِيهِ عَلَى خِلَافِ مَا عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ وَمَالِكٌ مِنْ أَنَّهُ يُقِرُّهُ عَلَى حُكْمِ ذَلِكَ الْحَاكِمِ.
وَلَا
بِفِعْلِهِ ارْتِفَاعَ ذَلِكَ الْمَنْعِ وَالْمَنْعُ قَابِلٌ لِلرَّفْعِ كَمَا يَرْتَفِعُ تَحْرِيمُ الْأَجْنَبِيَّةِ بِالْعَقْدِ عَلَيْهَا وَتَحْرِيمُ الْمُطَلَّقَةِ بِالرَّجْعَةِ وَتَحْرِيمُ الْمَيْتَةِ بِالِاضْطِرَارِ.
وَأَمَّا رَفْعُ تِلْكَ الْفَضَلَاتِ الْخَارِجَةِ مِنْ السَّبِيلَيْنِ بِالْوُضُوءِ فَمُتَعَذَّرٌ بِالضَّرُورَةِ وَلَمَّا أَجْمَعَ النَّاسُ عَلَى أَنَّ الْحَدَثَ يَرْتَفِعُ بِالطَّهَارَةِ دَلَّ عَلَى أَنَّهُ الْمَنْعُ مِنْ الْإِقْدَامِ عَلَى الصَّلَاةِ وَمَسِّ الْمُصْحَفِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَتَحَرَّرَ حِينَئِذٍ أَنَّ الْحَدَثَ لَهُ مَعْنَيَانِ الْأَسْبَابُ الْمُوجِبَةُ وَالْمَنْعُ الْمُرَتَّبُ عَلَيْهَا وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَقَوْلُهُمْ إنَّ الْحَدَثَ يَرْتَفِعُ عَنْ كُلِّ عُضْوٍ عَلَى حِيَالِهِ مُشْكِلٌ بِسَبَبِ أَنَّ هَذَا الْمَنْعَ يَتَعَلَّقُ بِالْمُكَلَّفِ لَا بِالْعُضْوِ فَالْمُكَلَّفُ هُوَ الْمَمْنُوعُ مِنْ الصَّلَاةِ لَا إنَّ الْعُضْوَ هُوَ الْمَمْنُوعُ مِنْ الصَّلَاةِ وَالْمَنْعُ فِي حَقِّ الْمُكَلَّفِ بَاقٍ وَلَوْ غَسَلَ جَمِيعَ الْأَعْضَاءِ إلَّا لُمْعَةً وَاحِدَةً فَقَوْلُهُمْ الْحَدَثُ يَرْتَفِعُ عَنْ الْعُضْوِ بِانْفِرَادِهِ غَيْرُ مَعْقُولٍ وَإِنَّمَا يُعْقَلُ أَنْ لَوْ كَانَ ذَلِكَ الْعُضْوُ مَمْنُوعًا فِي نَفْسِهِ مِنْ الصَّلَاةِ فَإِذْنٌ لَهُ وَحْدَهُ دُونَ غَيْرِهِ مِنْ الْأَعْضَاءِ فَحِينَئِذٍ نَقُولُ إنَّ الْحَدَثَ ارْتَفَعَ عَنْهُ وَحْدَهُ لَكِنَّ الْمَمْنُوعَ هُوَ الْمُكَلَّفُ وَالْمَنْعُ بَاقٍ وَلَمْ يَتَغَيَّرْ حُكْمُ الْقَوْلِ بِأَنَّ الْحَدَثَ يَرْتَفِعُ عَنْ كُلِّ عُضْوٍ بِانْفِرَادِهِ غَيْرِ مَعْقُولٍ وَتَخْرِيجُ مَسْأَلَةِ الْخُفِّ عَلَى هَذِهِ الْقَاعِدَةِ لَا يَصِحُّ فَإِنْ قُلْت لِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ غُسْلُ الرِّجْلِ يَرْتَفِعُ الْمَنْعُ بِهِ عَنْ الْمُكَلَّفِ بِاعْتِبَارِ لُبْسِ الْخُفِّ خَاصَّةً وَيَبْقَى الْمُكَلَّفُ مَمْنُوعًا مِنْ الصَّلَاةِ كَمَا قُلْنَا فِي الْوُضُوءِ يَرْفَعُ الْجَنَابَةَ بِاعْتِبَارِ النَّوْمِ خَاصَّةً وَيَبْقَى الْمُكَلَّفُ مَمْنُوعًا مِنْ الصَّلَاةِ فَتَكُونُ هَذِهِ الْقَاعِدَةُ مِثْلَ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ سَوَاءً وَيَنْدَفِعُ الْإِشْكَالُ عَنْ هَذِهِ الْمَقَالَةِ قُلْتُ هَذَا الْجَوَابُ لَا يَصِحُّ لِأَنَّ قَوْلَهُمْ الْحَدَثُ يَرْتَفِعُ عَنْ عُضْوٍ وَحْدَهُ لَمْ يُخَصِّصُوا بِهِ الرِّجْلَ بَلْ عَمَّمُوهُ فِي جَمِيعِ الْأَعْضَاءِ وَاتَّفَقْنَا عَلَى أَنَّ غُسْلَ الْوَجْهِ لَا يَرْفَعُ الْحَدَثَ بِاعْتِبَارِ خُفٍّ وَلَا غَيْرِهِ.
وَكَذَا الْيَدَانِ وَالرَّأْسُ لَا يَرْفَعُ الْحَدَثَ بِاعْتِبَارِ شَيْءٍ وَلَا الْمُكَلَّفُ تُبَاحُ لَهُ الصَّلَاةُ بِهِ وَحْدَهُ فَصَارَتْ هَذِهِ الْمَقَالَةُ غَيْرَ مَعْقُولَةٍ وَلِأَنَّ الْوُضُوءَ إنَّمَا قُلْنَا إنَّهُ يَرْفَعُ الْجَنَابَةَ بِاعْتِبَارِ النَّوْمِ خَاصَّةً لِوُرُودِ النَّصِّ فِيهِ وَفِي رَفْعِ الْحَدَثِ عَنْ كُلِّ عُضْوٍ وَحْدَهُ لَيْسَ فِيهِ نَصٌّ وَلَا قِيَاسٌ فَإِنَّ هَذِهِ الْأُمُورَ تَعَبُّدِيَّةٌ وَقَدْ عُلِّلَ الْوُضُوءُ هُنَاكَ بِأُمُورٍ كُلِّهَا بَاطِلَةٌ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ تَعَبُّدٌ وَمَعَ التَّعَبُّدِ لَا يَصِحُّ الْقِيَاسُ وَلَوْ صَحَّتْ تِلْكَ الْمَعَانِي فَلَيْسَتْ مَوْجُودَةً فِي كُلِّ عُضْوٍ وَحْدَهُ فَإِنَّ مَسْحَ الرَّأْسِ وَحْدَهُ لَيْسَ مِنْ جُمْلَةِ الْوُضُوءِ حَتَّى يَصِحَّ الْقِيَاسُ عَلَيْهِ فَظَهَرَ أَنَّ الْقَوْلَ بِرَفْعِ الْحَدَثِ عَنْ كُلِّ عُضْوٍ بِانْفِرَادِهِ قَوْلٌ بَاطِلٌ وَإِنَّمَا يَصِحُّ أَنْ لَوْ ثَبَتَتْ الْإِبَاحَةُ عَقِيبَهُ لَكِنَّ الْمَنْعَ بَاقٍ إجْمَاعًا فَالْحَدَثُ بَاقٍ وَيَنْبَغِي أَنْ يُعْلَمَ أَنَّ قَوْلَنَا إنَّ الْحَدَثَ يَرْتَفِعُ عَنْ كُلِّ عُضْوٍ وَحْدَهُ قَوْلٌ بَاطِلٌ وَإِنَّ الْقَوْلَ بِثُبُوتِ الْحَدَثِ فِي الْأَعْضَاءِ وَفِي كُلِّ عُضْوٍ وَحْدَهُ أَيْضًا قَوْلٌ بَاطِلٌ لِأَنَّ الْحَدَثَ هُوَ الْمَنْعُ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
يَنْقُضُهُ بَلْ يُزْجَرُ عَنْ الْخُصُومَةِ فِيهِ نَظَرًا لِوَجْهَيْنِ هُمَا سِرُّ الْفَرْقِ بَيْنَ الْقَاعِدَتَيْنِ الْمَذْكُورَتَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ
لَوْلَا ذَلِكَ
لَمَا اسْتَقَرَّتْ لِلْحُكَّامِ قَاعِدَةٌ وَلَبَقِيَتْ الْخُصُومَاتُ عَلَى حَالِهَا بَعْدَ الْحُكْمِ وَذَلِكَ يُوجِبُ دَوَامَ التَّشَاجُرِ وَالتَّنَازُعِ وَانْتِشَارِ الْفَسَادِ وَدَوَامِ الْعِنَادِ وَهُوَ مُنَافٍ لِلْحِكْمَةِ الَّتِي لِأَجْلِهَا نُصِبَ الْحُكَّامُ وَعَلَى هَذَا الْوَجْهِ اقْتَصَرَ الْمَحَلِّيُّ حَيْثُ قَالَ إذْ لَوْ جَازَ نَقْضُهُ لَجَازَ نَقْضُ النَّقْضِ وَهَلُمَّ فَتَفُوتُ مَصْلَحَةُ نَصْبِ الْحَاكِمِ مِنْ فَصْلِ الْحُكُومَاتِ وَثَانِيهِمَا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ لِلْحَاكِمِ أَنْ يُنْشِئَ الْحُكْمَ فِي مَوَاضِعِ الِاجْتِهَادِ بِحَسَبِ مَا يَقْتَضِي الدَّلِيلُ عِنْدَهُ أَوْ عِنْدَ إمَامِهِ الَّذِي قَلَّدَهُ فَهُوَ مُنْشِئٌ لِحُكْمِ الْإِلْزَامِ فِيمَا يَلْزَمُ وَالْإِبَاحَةِ فِيمَا يُبَاحُ كَالْقَضَاءِ بِأَنَّ الْمَوَاتَ الَّذِي ذَهَبَ إحْيَاؤُهُ صَارَ مُبَاحًا مُطْلَقًا كَمَا كَانَ قَبْلَ الْإِحْيَاءِ وَالْإِنْشَاءِ بِمَعْنَى أَنَّهُ مُنَفِّذٌ لِحُكْمِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى وَجْهِ الْإِلْزَامِ بَلْ إنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ جَعَلَ لَهُ أَنَّ مَا حَكَمَ بِهِ فَهُوَ إمَّا نَفْسُ حُكْمِهِ تَعَالَى بِنَاءً عَلَى الْقَوْلِ بِتَصْوِيبِ الْمُجْتَهِدِينَ وَإِمَّا أَنَّهُ كَالنَّصِّ الْوَارِدِ مِنْ قِبَلِ اللَّهِ تَعَالَى فِي خُصُوصِ تِلْكَ الْوَاقِعَةِ مِنْ جِهَةِ مَنْعِهِ تَعَالَى مِنْ نَقْضِ أَحْكَامِ الْمُجْتَهِدِينَ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ الْمَفْسَدَةِ بِنَاءً عَلَى الْقَوْلِ بِعَدَمِ التَّصْوِيبِ فَيَئُولُ الْحَالُ فِيهَا إلَى مَا يُشْبِهُ تَعَارُضَ الْخَاصِّ وَالْعَامِّ بِوَجْهٍ مَا فَيُقَدَّمُ الْخَاصُّ عَلَى الْقَاعِدَةِ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ مَثَلًا دَلَّ الدَّلِيلُ عِنْدَ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَلَى أَنَّ تَعْلِيقَ الطَّلَاقِ قَبْلَ مِلْكِ الْعِصْمَةِ يَلْزَمُ وَهَذَا الدَّلِيلُ يَشْمَلُ صُوَرًا لَا نِهَايَةَ لَهَا فَإِذَا رُفِعَتْ صُورَةٌ مِنْ تِلْكَ الصُّوَرِ إلَى حَاكِمٍ شَافِعِيٍّ وَحَكَمَ بِصِحَّةِ النِّكَاحِ وَاسْتِمْرَارِ الْعِصْمَةِ وَإِبْطَالِ الطَّلَاقِ الْمُعَلَّقِ عَلَى ذَلِكَ النِّكَاحِ كَانَ حُكْمُ الشَّافِعِيِّ كَالنَّصِّ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى الْوَارِدِ مِنْ خُصُوصِ تِلْكَ الصُّورَةِ مِنْ الْجِهَةِ الْمَذْكُورَةِ فَيَكُونُ الْحَالُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى التَّعْلِيقُ قَبْلَ الْمِلْكِ لَازِمٌ وَقَالَ التَّعْلِيقُ قَبْلَ الْمِلْكِ فِي حَقِّ هَذِهِ الْمَرْأَةِ غَيْرُ لَازِمٍ وَالْعِصْمَةُ فِيهَا تَسْتَمِرُّ فَقُلْنَا هَذَانِ نَصَّانِ خَاصٌّ وَعَامٌّ فَنُقَدِّمُ الْخَاصَّ عَلَى الْعَامِّ عَلَى الْقَاعِدَةِ الْأُصُولِيَّةِ فَكَمَا أَنَّ مَالِكًا - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَقُولُ فِيمَا لَوْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى اُقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ.
وَقَالَ لَا تَقْتُلُوا الرُّهْبَانَ إنَّا نَقْتُلُ الْمُشْرِكِينَ وَنَتْرُكُ الرُّهْبَانَ جَمْعًا بَيْنَ نَصَّيْ الْخَاصِّ وَالْعَامِّ كَذَلِكَ يَقُولُ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - هُنَا أَعْمَلُ هَذَا الْحُكْمَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ فَتَبْقَى بَقِيَّةُ الصُّورَةِ عِنْدِي يَصِحُّ فِيهَا التَّعْلِيقُ قَبْلَ النِّكَاحِ جَمْعًا بَيْنَ مَا هُوَ كَنَصَّيْ الْخَاصِّ وَالْعَامِّ وَلِيُّ الْمُفْتِي كَالْحَاكِمِ فِيمَا ذُكِرَ بَلْ هُوَ نَاقِلٌ وَمُخْبِرٌ وَمُعَرِّفٌ بِالْحُكْمِ اُنْظُرْ كِتَابَ الْإِحْكَامِ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الْفَتَاوَى وَالْأَحْكَامِ لِلْأَصْلِ وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ (تَنْبِيهٌ) الشَّرْطُ فِي كَوْنِ حُكْمِ الِاجْتِهَادِيَّاتِ لَا يَنْقُضُ أَنْ