الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فِي مَوَارِدِ الشَّرِيعَةِ عَدَمُ اعْتِبَارِ الْمَظِنَّةِ، وَذَلِكَ فِيمَنْ أُكْرِهَ عَلَى الْكُفْرِ أَوْ الْعُقُودِ النَّاقِلَةِ لِلْأَمْلَاكِ أَوْ الْمُوجِبَةِ لِلطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَغَيْرِ ذَلِكَ فَإِنَّ تِلْكَ الْمَظَانَّ يَسْقُطُ اعْتِبَارُهَا بِالْإِكْرَاهِ وَلَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا شَيْءٌ أَلْبَتَّةَ مِمَّا شَأْنُهُ أَنْ يَتَرَتَّبَ عَلَيْهِ عَدَمُ الْإِكْرَاهِ فَهَذَا فَرْقٌ آخَرُ بَيْنَ الْمَظِنَّةِ وَالْحِكْمَةِ مِنْ جِهَةِ أَنَّ الْقَطْعَ بِعَدَمِ الْحِكْمَةِ لَا يَقْدَحُ، وَالْقَطْعَ بِعَدَمِ مَظْنُونِ الْمَظِنَّةِ يَقْدَحُ، وَيَنْبَغِي أَنْ يُتَفَطَّنَ لِهَذِهِ الْقَاعِدَةِ وَهَذِهِ التَّفَاصِيلِ فَهِيَ وَإِنْ انْبَنَى عَلَيْهَا بَيَانُ هَذَا الْفَرْقِ فَهِيَ يَحْتَاجُ إلَيْهَا الْفُقَهَاءُ رحمهم الله كَثِيرًا فِي مَوَارِدِ الْفِقْهِ وَالتَّرْجِيحِ وَالتَّعْلِيلِ إذَا تَقَرَّرَتْ هَذِهِ الْقَاعِدَةُ.
فَنَقُولُ إنَّمَا اُعْتُبِرَتْ الْبِقَاعُ فِي الْجُمُعَاتِ وَهِيَ ثَلَاثَةُ أَمْيَالٍ فِي الْإِتْيَانِ إلَيْهَا؛ لِأَنَّهَا مَظِنَّةُ أَذَانِهَا وَسَمَاعِهِ مِنْ تِلْكَ الْمَسَافَةِ إذَا هَدَأَتْ الْأَصْوَاتُ وَانْتَفَتْ الْمَوَانِعُ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «الْجُمُعَةُ عَلَى مَنْ سَمِعَ النِّدَاءَ» فَجَعَلَ مَظِنَّةَ السَّمَاعِ مَقَامَ السَّمَاعِ، وَلِذَلِكَ جُعِلَتْ الْبِقَاعُ الَّتِي فِي مَسَافَةِ الْقَصْرِ مُعْتَبَرَةً فِي قَصْرِ الصَّلَوَاتِ؛ لِأَنَّهَا مَظِنَّةُ الْمَشَقَّةِ الْمُوجِبَةِ لِلتَّرْخِيصِ.
وَأَمَّا أَهِلَّةُ شُهُورِ الْعِبَادَاتِ كَرَمَضَانَ وَشَوَّالٍ وَذِي الْحِجَّةِ وَنَحْوِهَا فَلَا حَاجَةَ فِيهَا إلَى مَظِنَّةٍ مِنْ جِهَةِ الزَّمَانِ بِسَبَبِ أَنَّ الْقَطْعَ بِحُصُولِهَا مَوْجُودٌ مِنْ جِهَةِ الرُّؤْيَةِ أَوْ إكْمَالِ الْعِدَّةِ، فَيَحْصُلُ الْقَطْعُ بِالْمَعْنَى الْمَقْصُودِ فَلَا حَاجَةَ إلَى مَظِنَّةٍ مِنْ جِهَةِ أَنَّ الزَّمَانَ يَقُومُ مَقَامَهُ فَإِنَّ الْمَظِنَّةَ إنَّمَا تُعْتَبَرُ عِنْدَ عَدَمِ الِانْضِبَاطِ، أَمَّا مَعَهُ فَلَا فَإِذَا ظَنَنَّا أَنَّ الْهِلَالَ يَطْلُعُ فِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ بِسَبَبِ قَرَائِنَ تَقَدَّمَتْ إمَّا مِنْ تَوَالِي تَمَامِ الشُّهُورِ فَنَظُنُّ نَقْصَ هَذَا الشَّهْرِ أَوْ مِنْ جِهَةِ تَوَالِي النَّقْصِ فَنَظُنُّ تَمَامَ هَذَا الشَّهْرِ أَوْ مِنْ جِهَةِ طُلُوعِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ فَنَظُنُّ تَمَامَ هَذَا الشَّهْرِ أَوْ مِنْ جِهَةِ تَأَخُّرِهِ فِي الطُّلُوعِ عِنْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ فَنَظُنُّ نُقْصَانَ هَذَا الشَّهْرِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَمَارَاتِ الدَّالَّةِ عِنْدَ أَرْبَابِ الْمَوَاقِيتِ عَلَى رُؤْيَةِ الْأَهِلَّةِ، وَيُوجِبُ أَنَّ هَذِهِ اللَّيْلَةَ هِيَ مَظِنَّةُ رُؤْيَةِ الْهِلَالِ فَإِنَّا لَا نَعْتَبِرُ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ وَلَا نُقِيمُ الْمَظِنَّةَ مَقَامَ الرُّؤْيَةِ؛ لِأَنَّ لَنَا طَرِيقًا لِلْوُصُولِ إلَى
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
وَالْعِشْرُونَ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ فِي الْوَاضِحَةِ فِيمَنْ بَاعَ جَارِيَتَهُ، وَقَالَ كَانَ لَهَا زَوْجٌ وَطَلَّقَهَا أَوْ مَاتَ عَنْهَا، وَقَالَتْ ذَلِكَ الْجَارِيَةُ لَمْ يَجُزْ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَطَأَ وَلَا يُزَوِّجَ حَتَّى تَشْهَدَ الْبَيِّنَةُ عَلَى الطَّلَاقِ أَوْ الْوَفَاةِ وَإِنْ أَرَادَ رَدَّهَا، وَادَّعَى أَنَّ قَوْلَ الْبَائِعِ وَالْجَارِيَةِ يَقْتَضِي ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ مِمَّنْ يَجْهَلُ مَعْرِفَةَ ذَلِكَ اهـ.
2 -
الْمَسْأَلَةُ التَّاسِعَةُ وَالْعِشْرُونَ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ قَالَ أَصْبَغُ: فِي الْمُظَاهِرِ يَطَأُ قَبْلَ الْكَفَّارَةِ أَنَّهُ يُعَاقَبُ وَلَا يُعْذَرُ بِجَهْلٍ اهـ وَمِثْلُ الْوَطْءِ مُقَدِّمَاتُهُ كَمَا فِي شُرُوحِ الْمُخْتَصَرِ.
2 -
. الْمَسْأَلَةُ الثَّلَاثُونَ إذَا أَطْلَقَ الزَّوْجُ فِي تَخْيِيرِ امْرَأَتِهِ بَعْدَ الْبِنَاءِ فَقَضَتْ بِوَاحِدَةٍ بَطَلَ مَا بِيَدِهَا، وَلَيْسَ لَهَا أَنْ تَخْتَارَ بَعْدَ ذَلِكَ وَتَقُولَ جَهِلْت وَظَنَنْت أَنَّ لِي أَنْ أَخْتَارَ وَاحِدَةً، وَمِثْلُ الْوَاحِدَةِ الِاثْنَانِ لِأَنَّ التَّخْيِيرَ ثَلَاثٌ قَالَ عبق فَإِنْ رَضِيَ الزَّوْجُ بِمَا أَوْقَعَتْ لَزِمَ أَفَادَهُ الْأَمِيرُ.
2 -
الْمَسْأَلَةُ الْحَادِيَةُ وَالثَّلَاثُونَ فِي التَّوْضِيحِ الَّتِي يَقُولُ لَهَا زَوْجُهَا إنْ غِبْت عَنْك أَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ فَأَمْرُك بِيَدِك فَيَغِيبُ عَنْهَا، وَتُقِيمُ بَعْدَ السِّتَّةِ الْمُدَّةَ الطَّوِيلَةَ مِنْ غَيْرِ أَنْ تُشْهِدَ أَنَّهَا عَلَى حَقِّهَا ثُمَّ تُرِيدُ أَنْ تَقْضِيَ وَتَقُولُ جَهِلْت وَظَنَنْت أَنَّ الْأَمْرَ بِيَدِي مَتَى شِئْت اهـ.
2 -
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ وَالثَّلَاثُونَ قَالَ الْأَمِيرُ عُدَّ فِي التَّوْضِيحِ مِنْهَا الشَّاهِدُ يُخْطِئُ فِي الْأَمْوَالِ وَالْحُدُودِ.
2 -
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ وَالثَّلَاثُونَ قَالَ الْأَمِيرُ عُدَّ فِي التَّوْضِيحِ مِنْهَا الْغَرِيمُ يُعْتِقُ بِحَضْرَةِ غُرَمَائِهِ فَيَسْكُتُونَ وَلَا يُنْكِرُونَ ثُمَّ يُرِيدُونَ الْقِيَامَ، وَبَقِيَ مَسْأَلَةٌ ذَكَرَهَا الْأَصْلُ وَهِيَ مَنْ قَتَلَ مُسْلِمًا فِي حَالَةِ السَّعَةِ يَظُنُّهُ حَرْبِيًّا مِنْ غَيْرِ كَشْفٍ عَنْ ذَلِكَ أَثِمَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ اسْتِقْبَالِ الْجِهَةِ فِي الصَّلَاةِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ اسْتِقْبَالِ السَّمْتِ]
. (الْفَرْقُ الْخَامِسُ وَالتِّسْعُونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ اسْتِقْبَالِ الْجِهَةِ فِي الصَّلَاةِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ اسْتِقْبَالِ السَّمْتِ) لَا خِلَافَ فِي أَنَّ فَرْضَ مَنْ قَرُبَ مِنْ الْكَعْبَةِ وَعَايَنَهَا اسْتِقْبَالُ السَّمْتِ أَيْ عَيْنِهَا فَإِذَا صَفَّ صَفٌّ مَعَ حَائِطِ الْكَعْبَةِ فَصَلَاةُ الْخَارِجِ عَنْهَا بِبَدَنِهِ أَوْ بِبَعْضِهِ بَاطِلَةٌ؛ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِأَنْ يَسْتَقْبِلَ بِجُمْلَتِهِ الْكَعْبَةَ فَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ لَهُ ذَلِكَ اسْتَدَارَ، وَكَذَلِكَ الصَّفُّ الطَّوِيلُ بِقُرْبِ الْكَعْبَةِ يُصَلُّونَ دَائِرَةً وَقَوْسًا إنْ قَصَرُوا عَنْ الدَّائِرَةِ قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ أَمَّا لَوْ خَرَجَ عَنْ السَّمْتِ بِالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ لَمْ يَصِحَّ أَيْ لِكَوْنِهِ خَالَفَ مَا أُمِرَ بِهِ، وَكَذَا مَنْ بِمَكَّةَ أَيْ فَتَجِبُ عَلَيْهِ الْمُسَامَتَةُ لِقُدْرَتِهِ عَلَى ذَلِكَ بِأَنْ يَطْلُعَ عَلَى سَطْحٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَيَعْرِفَ سَمْتَ الْكَعْبَةِ بِالْمَحِلِّ الَّذِي هُوَ فِيهِ فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ اسْتَدَلَّ أَيْ إنَّ مَنْ كَانَ فِي بَيْتِهِ وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْخُرُوجِ أَوْ كَانَ بِلَيْلٍ مُظْلِمٍ فَإِنَّهُ يَسْتَدِلُّ بِأَعْلَامِ الْبَيْتِ مِثْلِ جَبَلِ أَبِي قُبَيْسٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ، أَوْ يَسْتَدِلُّ بِالْمَطَالِعِ أَوْ الْمَغَارِبِ إنْ كَانَ لَهُ عِلْمٌ بِذَلِكَ فَإِنْ قَدَرَ بِمَشَقَّةٍ أَيْ عَلَى الْمُسَامَتَةِ كَمَا لَوْ كَانَ يَحْتَاجُ إلَى صُعُودِ السَّطْحِ، وَهُوَ شَيْخٌ كَبِيرٌ أَوْ مَرِيضٌ فَفِي الِاجْتِهَادِ نَظَرٌ أَيْ تَرَدُّدٌ حَكَاهُ ابْنُ شَاسٍ عَنْ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ.
قَالَ ابْنُ رُشْدٍ الصَّوَابُ الْمَنْعُ اهـ بِتَوْضِيحٍ مِنْ شَرْحَيْ خَلِيلٍ وَابْنِ فَرْحُونٍ قَالَ الْحَطَّابُ هَذَا مَا نَعْرِفُهُ لِأَصْحَابِنَا، وَمَا حُكِيَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ الْكَعْبَةُ قِبْلَةٌ لِأَهْلِ الْمَسْجِدِ وَالْمَسْجِدُ قِبْلَةُ أَهْلِ مَكَّةَ وَالْحَرَمُ قِبْلَةُ أَهْلِ الدُّنْيَا فَهَذَا النَّقْلُ عَنْهُ غَرِيبٌ، وَمَا أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ مِنْ حَدِيثِ عُمَرَ بْنِ حَفْصٍ الْمَكِّيِّ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - قَالَ: إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ «الْبَيْتُ قِبْلَةٌ لِأَهْلِ الْمَسْجِدِ، وَالْمَسْجِدُ قِبْلَةٌ لِأَهْلِ الْحَرَمِ، وَالْحَرَمُ قِبْلَةٌ لِأَهْلِ الْأَرْضِ» فَقَالَ التِّرْمِذِيُّ تَفَرَّدَ بِهِ عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ
الْوَصْفِ الْمَطْلُوبِ إمَّا بِالرُّؤْيَةِ أَوْ بِكَمَالِ الْعِدَّةِ، وَالْقَاعِدَةُ أَنَّهُ لَا يُعْدَلُ إلَى الْمَظِنَّةِ إلَّا عِنْدَ عَدَمِ انْضِبَاطِ الْوَصْفِ دَائِمًا أَوْ فِي الْأَغْلَبِ، وَهَاهُنَا لَيْسَ كَذَلِكَ فَلِذَلِكَ سَقَطَ اعْتِبَارُ الْمَظَانِّ مِنْ الْأَزْمِنَةِ، وَكَذَلِكَ أَوْقَاتُ الصَّلَوَاتِ لَمَّا كَانَتْ مُنْضَبِطَةً فِي نَفْسِهَا لِحُصُولِ الْقَطْعِ بِهَا فِي أَكْثَرِ صُوَرِهَا لَمْ تَقُمْ مَظَانُّهَا فِي الصُّوَرِ مَقَامَهَا، وَبِهَذَا ظَهَرَ الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْبِقَاعِ أُقِيمَتْ مَظَانُّهَا مَقَامَهَا وَبَيْنَ الْأَزْمِنَةِ لَمْ يَقُمْ مَظَانُّهَا فِي الصُّوَرِ الْمَذْكُورَةِ، وَسِرُّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْقَاعِدَةِ الْكُلِّيَّةِ الَّتِي تَقَدَّمَ تَقْرِيرُهَا قَبْلُ.
(الْفَرْقُ التَّاسِعُ وَالتِّسْعُونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْبِقَاعِ الْمُعَظَّمَةِ مِنْ الْمَسَاجِدِ تُعَظَّمُ بِالصَّلَاةِ، وَيَتَأَكَّدُ طَلَبُ الصَّلَاةِ عِنْدَ مُلَابَسَتِهَا وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الْأَزْمِنَةِ الْمُعَظَّمَةِ كَالْأَشْهُرِ الْحُرُمِ وَغَيْرِهَا لَا تُعَظَّمُ بِتَأَكُّدِ الصَّوْمِ فِيهَا)
مَعَ أَنَّ نِسْبَةَ الصَّلَوَاتِ إلَى الْبِقَاعِ كَنِسْبَةِ الصَّوْمِ إلَى الْأَزْمَانِ فَالْمَكَانُ يُصَلَّى فِيهِ، وَالزَّمَانُ يُصَامُ فِيهِ وَلَيْسَ لَنَا مَكَانٌ يُصَامُ فِيهِ إلَّا بِطَرِيقِ الْغَرَضِ كَثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ بِمَكَّةَ جَبْرًا لِمَا عَرَضَ مِنْ النُّسُكِ وَصَوْمِ أَيَّامِ الِاعْتِكَافِ فِي الْمَسَاجِدِ لِمَا عَرَضَ مِنْ الِاعْتِكَافِ، وَيُصَامُ رَمَضَانُ وَغَيْرُهُ لِعَيْنِ ذَلِكَ الزَّمَانِ لَا لِمَا عَرَضَ فِيهِ فَالصَّوْمُ بِوَصْفِهِ خَاصٌّ بِالزَّمَانِ، وَالصَّلَاةُ تَكُونُ لِلْمَكَانِ كَتَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ وَتَكُونُ لِلزَّمَانِ كَأَوْقَاتِ الصَّلَوَاتِ وَالْوِتْرِ وَرَكْعَتَيْ الْفَجْرِ وَالضُّحَى وَنَحْوِهَا، وَالْفَرْقُ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ فِي كَوْنِ الْمَسَاجِدِ تُعَظَّمُ بِالتَّحِيَّاتِ إذَا دُخِلَ إلَيْهَا وَالْأَشْهُرِ الْحُرُمِ وَنَحْوِهَا لَا تُعَظَّمُ بِالصَّوْمِ هُوَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى غَنِيٌّ عَنْ الْخَلْقِ عَلَى الْإِطْلَاقِ لَا تَزِيدُهُ طَاعَتُهُمْ وَلَا تُنْقِصُهُ مَعْصِيَتُهُمْ وَالْأَدَبُ مَعَهُ تَعَالَى اللَّائِقُ بِجَلَالِهِ مُتَعَذِّرٌ مِنَّا فَأَمَرَنَا تَعَالَى أَنْ نَتَأَدَّبَ مَعَهُ كَمَا نَتَأَدَّبُ مَعَ أَكَابِرِنَا؛ لِأَنَّهُ وَسِعَنَا، وَلِذَلِكَ أَمَرَنَا تَعَالَى بِالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَالْمَدْحِ لَهُ وَإِكْرَامِ خَاصَّتِهِ وَعَبِيدِهِ، وَلَمَّا كَانَ الْوَاحِدُ مِنَّا إذَا أَرَادَ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
وَهُوَ ضَعِيفٌ لَا يُحْتَجُّ بِهِ وَالْحَمْلُ فِيهِ عَلَيْهِ اهـ.
وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِيمَنْ بَعُدَ عَنْ الْكَعْبَةِ بِأَنْ كَانَ بِغَيْرِ مَكَّةَ هَلْ فَرْضُهُ اسْتِقْبَالُ السَّمْتِ كَالْمُعَايِنِ أَوْ فَرْضُهُ اسْتِقْبَالُ الْجِهَةِ قَوْلَانِ فِي الْمَذْهَبِ وَخَارِجِهِ، وَيَرْجِعُ لِلثَّانِي أَمْرَانِ
أَحَدُهُمَا أَنَّ الْأَوَّلَ وَإِنْ كَانَ ظَاهِرَ الْمَنْقُولِ عَنْ الْقَائِلِينَ بِهِ أَنَّهُمْ لَا يُرِيدُونَ بِذَلِكَ أَنَّ الْمُسْتَقْبِلَ لِلْكَعْبَةِ فَرْضُهُ اسْتِقْبَالُ عَيْنِهَا وَمُعَايَنَتُهَا حَتَّى يُقَالُ إنَّهُ مِنْ تَكْلِيفِ مَا لَا يُطَاقُ وَلَا قَائِلَ بِهِ، وَإِنَّمَا يُرِيدُونَ أَنَّ فَرْضَهُ أَنْ يَكُونَ بِحَيْثُ لَوْ قُدِّرَ خُرُوجُ خَطٍّ مُسْتَقِيمٍ عَلَى زَوَايَا قَائِمَةٍ مِنْ بَيْنِ عَيْنَيْهِ نَافِذًا إلَى غَيْرِ نِهَايَةٍ لَمَرَّ بِالْكَعْبَةِ قَاطِعًا لَهَا إلَّا أَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ هَذَا الَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ مُرَادُهُمْ تَكْلِيفُ مَا لَا يُطَاقُ إذْ فِيهِ تَكْلِيفُ السَّمْتِ وَالْمُعَايَنَةِ مَعَ عَدَمِهَا بِخِلَافِ الْقَوْلِ بِالْجِهَةِ فَإِنَّهُ لَيْسَ فِيهِ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا فِيهِ التَّكْلِيفُ بِتَحْقِيقِ الْجِهَةِ، وَالتَّوَصُّلُ إلَيْهِ مُتَيَسِّرٌ عَلَى جَمِيعِ الْمُكَلَّفِينَ أَوْ أَكْثَرِهِمْ. وَثَانِيهِمَا إجْمَاعُ النَّاسِ عَلَى صِحَّةِ صَلَاةِ الصَّفِّ الْمُسْتَقِيمِ الطَّوِيلِ الَّذِي طُولُهُ مِائَةُ ذِرَاعٍ فَأَكْثَرُ، وَصِحَّةِ صَلَاةِ مَا فِي مَعْنَاهُ مِنْ الْمَوْضِعَيْنِ الْمُتَحَاذِيَيْنِ أَوْ الْمَوَاضِعِ مَعَ أَنَّ بَعْضَ الصَّفِّ وَأَحَدَ الْمَوْضِعَيْنِ أَوْ الْمَوَاضِعِ خَارِجٌ عَنْ السَّمْتِ قَطْعًا فَإِنَّ الْكَعْبَةَ عَلَى مَا قِيلَ عَرْضُهَا عِشْرُونَ ذِرَاعًا وَطُولُهَا خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ ذِرَاعًا، وَالْجَوَابُ عَنْ الْأَمْرِ الثَّانِي بِأَنَّ الْقَوْلَ بِالسَّمْتِ مَبْنِيٌّ عَلَى قَاعِدَةِ: إنَّ اللَّهَ تَعَالَى إنَّمَا أَوْجَبَ عَلَيْنَا أَنْ نَسْتَقْبِلَ الْكَعْبَةَ الِاسْتِقْبَالَ الْعَادِيَّ لَا الْحَقِيقِيَّ، وَالْعَادَةُ أَنَّ الصَّفَّ الطَّوِيلَ إذَا قَرُبَ مِنْ الشَّيْءِ الْقَصِيرِ الَّذِي يُسْتَقْبَلُ يَكُونُ أَطْوَلَ مِنْهُ، وَيَجِدُ بَعْضُهُمْ نَفْسَهُ خَارِجَةً عَنْ ذَلِكَ الشَّيْءِ الْمُسْتَقْبَلِ الَّذِي هُوَ قَصِيرٌ مِنْ الصَّفِّ الطَّوِيلِ.
وَإِذَا بَعُدَ ذَلِكَ الصَّفُّ الطَّوِيلُ بُعْدًا كَثِيرًا عَنْ ذَلِكَ الشَّيْءِ الْقَصِيرِ بِأَنْ كَانَ بِمِصْرَ أَوْ خُرَاسَانَ يَجِدُ كُلُّ وَاحِدٍ مِمَّنْ فِي ذَلِكَ الصَّفِّ الطَّوِيلِ نَفْسَهُ مُسْتَقْبِلًا لِذَلِكَ الشَّيْءِ الْقَصِيرِ فِي نَظَرِ الْعَيْنِ بِسَبَبِ الْبُعْدِ، أَلَا تَرَى أَنَّ النَّخْلَةَ الْبَعِيدَةَ أَوْ الشَّجَرَةَ إذَا اسْتَقْبَلَهُمَا الرَّكْبُ الْعَظِيمُ الْكَثِيرُ الْعَدَدِ مِنْ الْبُعْدِ يَجِدُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الرَّكْبِ نَفْسَهُ قُبَالَةَ تِلْكَ الشَّجَرَةِ أَوْ النَّخْلَةِ، وَيَقُولُ الرَّاكِبُ بِجُمْلَتِهِ نَحْنُ قُبَالَةَ تِلْكَ الشَّجَرَةِ أَوْ النَّخْلَةِ وَنَحْنُ سَايِرُونِ إلَيْهَا.
وَإِذَا قَرُبُوا مِنْهَا جِدًّا لَمْ يَبْقَ قُبَالَتَهَا إلَّا النَّفَرُ الْيَسِيرُ مِنْ ذَلِكَ الرَّكْبِ، وَكَذَلِكَ الْبَلَدَانِ الْمُتَقَارِبَانِ لَوْ كُشِفَ الْغِطَاءُ بَيْنَ مَنْ فِيهِمَا وَبَيْنَ الْكَعْبَةِ لَرَأَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ نَفْسَهُ قُبَالَةَ الْكَعْبَةِ فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْقَوْلَ بِالسَّمْتِ الْعَادِيِّ دُونَ الْحَقِيقِيِّ مَآلُهُ إلَى الْقَوْلِ بِالْجِهَةِ فَهُوَ عَلَى التَّحْقِيقِ تَسْلِيمٌ لِقَوْلِ الْمُخَالِفِ وَتَحْرِيرُ الْخِلَافِ الْمَذْكُورِ وَسِرُّ الْفَرْقِ بَيْنَ قَاعِدَةِ: إنَّ اسْتِقْبَالَ الْجِهَةِ يَكْفِي عِنْدَ الْقَائِلِينَ بِهَا وَبَيْنَ قَاعِدَةِ: إنَّ اسْتِقْبَالَ السَّمْتِ لَا بُدَّ مِنْهُ عِنْدَ الْقَائِلِينَ بِهَا هُوَ مَا كَانَ يَذْكُرُهُ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - جَوَابًا عَنْ اسْتِشْكَالِهِ أَنَّ مَنْ بَعُدَ عَنْ مَكَّةَ لَا يَقُولُ أَحَدٌ إنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَوْجَبَ عَلَيْهِ اسْتِقْبَالَ عَيْنِ الْكَعْبَةِ وَمُقَابَلَتَهَا وَمُعَايَنَتَهَا، فَإِنَّ ذَلِكَ تَكْلِيفُ مَا لَا يُطَاقُ بَلْ الْوَاجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَبْذُلَ جَهْدَهُ فِي تَعْيِينِ جِهَةٍ يَغْلِبُ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّ الْكَعْبَةَ وَرَاءَهَا، وَإِذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ بَعْدَ ذَلِكَ أَنَّهَا وَرَاءَ الْجِهَةِ الَّتِي عَيَّنَتْهَا أَدِلَّتُهُ، وَجَبَ عَلَيْهِ اسْتِقْبَالُهَا إجْمَاعًا فَصَارَتْ الْجِهَةُ مُجْمَعًا عَلَيْهَا وَالسَّمْتُ الَّذِي هُوَ الْعَيْنُ وَالْمُعَايَنَةُ مُجْمَعٌ عَلَى عَدَمِ التَّكْلِيفِ بِهِ، وَإِذَا كَانَ الْإِجْمَاعُ فِي الصُّورَتَيْنِ فَأَيْنَ يَكُونُ الْخِلَافُ بِقَوْلِهِ الشَّيْءُ قَدْ يَجِبُ إيجَابَ الْوَسَائِلِ وَهُوَ كَثِيرٌ فِي الشَّرِيعَةِ كَالنَّظَرِ