الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تَعْظِيمَ عَظِيمٍ مِنَّا فَعَلَ مَعَهُ ذَلِكَ جَعَلَ اللَّهُ تَعَالَى ذَلِكَ تَعْظِيمًا لَهُ، وَمِنْ ذَلِكَ أَنَّ أَحَدَنَا إذَا مَرَّ بِبُيُوتِ الْأَكَابِرِ يُسَلِّمُ عَلَيْهِمْ وَيُحَيِّهِمْ بِالتَّحِيَّةِ اللَّائِقَةِ بِهِمْ، وَالسَّلَامُ فِي حَقِّهِ تَعَالَى مُحَالٌ؛ لِأَنَّهُ دُعَاءٌ بِالسَّلَامَةِ وَهُوَ سَالِمٌ لِذَاتِهِ عَنْ جَمِيعِ النَّقَائِصِ أَوْ هُوَ مِنْ الْمُسَالَمَةِ، وَهِيَ التَّأْمِينُ مِنْ الضَّرَرِ، وَهُوَ تَعَالَى يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ فَاسْتَغْنَى عَنْ ذَلِكَ لِتَعَذُّرِ مَعَانِيهِ فِي حَقِّهِ تَعَالَى بَلْ وَرَدَ أَنْ نَقُولَ لَهُ تَعَالَى أَنْتَ السَّلَامُ وَمِنْك السَّلَامُ وَإِلَيْك يَعُودُ السَّلَامُ حَيِّنَا رَبَّنَا بِالسَّلَامِ أَيْ أَنْتَ السَّالِمُ لِذَاتِك وَمِنْك يَصْدُرُ السَّلَامُ لِعِبَادِك.
وَإِلَيْك يَرْجِعُ طَلَبُهَا فَاعْطِنَا إيَّاهَا، وَلَمَّا اسْتَحَالَ السَّلَامُ فِي حَقِّهِ تَعَالَى أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ مُقَامَهُ لِيَتَمَيَّزَ بَيْتُ الرَّبِّ عَنْ غَيْرِهِ مِنْ الْبُيُوتِ بِصُورَةِ التَّعْظِيمِ بِمَا يَلِيقُ بِالرُّبُوبِيَّةِ، وَلِذَلِكَ نَابَتْ الْفَرِيضَةُ عَنْ النَّافِلَةِ فِي ذَلِكَ لِحُصُولِ التَّمْيِيزِ بِهَا، وَلَمَّا كَانَ سَبَبُ التَّحِيَّاتِ فِي هَذِهِ الْبِقَاعِ الْمُعَظَّمَةِ تَمْيِيزَهَا اُخْتُصَّ بِاَللَّهِ تَعَالَى وَاشْتُهِرَ بِاسْمِ اخْتِصَاصِهِ بِهِ، وَهُوَ لَفْظُ الْبُيُوتِ فَإِنَّ شَأْنَ الرَّئِيسِ وَالْمَلِكِ الْعَظِيمِ أَنْ يَكُونَ فِي بَيْتِهِ وَيَحُلَّ فِي بَيْتِهِ وَيَخْتَصَّ بِهِ، وَلَمْ يُوجَدْ مِنْ الْأَزْمِنَةِ مَا اُشْتُهِرَ بِاَللَّهِ تَعَالَى هَذِهِ الشُّهْرَةَ حَتَّى يَحْتَاجَ إلَى تَمْيِيزٍ يَخْتَصُّ بِهِ يُنَاسِبُ الرُّبُوبِيَّةَ، فَهَذَا هُوَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْأَزْمِنَةِ وَالْبِقَاعِ فِي هَذَا الْمَعْنَى فَإِنْ قُلْت فَقَدْ وَرَدَ «أَنَّ الثُّلُثَ الْأَخِيرَ مِنْ اللَّيْلِ يَنْزِلُ الرَّبُّ تَعَالَى فِيهِ سَمَاءَ الدُّنْيَا فَيَقُولُ هَلْ مِنْ دَاعٍ فَأَسْتَجِيبَ لَهُ هَلْ مِنْ مُسْتَغْفِرٍ فَأَغْفِرَ لَهُ» فَقَدْ اخْتَصَّ هَذَا الْوَقْتُ مِنْ الزَّمَانِ بِهِ تَعَالَى كَمَا اخْتَصَّتْ الْمَسَاجِدُ بِأَنَّهَا بُيُوتُهُ فَيَنْبَغِي أَنْ يُشْرَعَ فِيهِ مَا يُوجِبُ التَّمْيِيزَ كَمَا شُرِعَ فِي الْمَسْجِدِ.
قُلْت: الْأَزْمِنَةُ الَّتِي جَرَتْ عَادَةُ الْمُلُوكِ بِالْقُدُومِ فِيهَا عَلَى الرَّعَايَا شَأْنُهَا أَنْ تُعَظَّمَ بِالزِّينَةِ فِي الْمَدَائِنِ وَغَيْرِ الزِّينَةِ مِنْ أَسْبَابِ الِاحْتِفَالِ، وَكَانَ يَلْزَمُنَا مِثْلُ ذَلِكَ فِي هَذَا الزَّمَانِ غَيْرَ أَنَّ اللَّيْلَ لَا يُلَازِمُ الصَّوْمَ شَرْعًا فَشُرِعَ فِيهِ مَا يُنَاسِبُهُ مِنْ الدُّعَاءِ وَالتَّضَرُّعِ وَالِاسْتِغْفَارِ، وَإِنَّمَا الْفَرْقُ بَيْنَ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ، وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
فِي أَوْصَافِ الْمِيَاهِ الْمُتَوَسَّلِ بِهِ إلَى مَعْرِفَةِ الطُّهُورِيَّةِ، وَفِي قِيَمِ الْمُتْلَفَاتِ الْمُتَوَسَّلِ بِهِ إلَى مَعْرِفَةِ قِيمَةِ الْمُتْلَفِ وَالسَّعْيِ إلَى الْجُمُعَةِ الْمُتَوَسَّلِ بِهِ إلَى إيقَاعِهَا فِي الْجَامِعِ، وَالسَّفَرِ إلَى الْحَجِّ الْمُتَوَسَّلِ بِهِ إلَى إيقَاعِهِ بِعَرَفَةَ وَحَوْلَ الْكَعْبَةِ.
وَقَدْ يَجِبُ إيجَابَ الْمَقَاصِدِ وَهُوَ كَثِيرٌ فِي الشَّرِيعَةِ أَيْضًا كَالصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ وَصَوْمِ رَمَضَانَ وَالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا هُوَ وَاجِبٌ؛ لِأَنَّهُ مَقْصِدٌ لِنَفْسِهِ لَا لِأَنَّهُ وَسِيلَةٌ لِغَيْرِهِ فَعَلَى قَاعِدَةِ أَنَّ اسْتِقْبَالَ الْجِهَةِ يَكْفِي يَكُونُ النَّظَرُ فِي الْجِهَةِ وَاجِبًا وُجُوبَ الْمَقَاصِدِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْكَعْبَةَ لَمَّا بَعُدَتْ عَنْ الْإِبْصَارِ جِدًّا وَتَعَذَّرَ الْجَزْمُ بِحُصُولِهَا جَعَلَ الشَّرْعُ الِاجْتِهَادَ فِي الْجِهَةِ هُوَ الْوَاجِبُ نَفْسُهُ وَهُوَ الْمَقْصُودُ دُونَ عَيْنِ الْكَعْبَةِ، فَلَا يَجِبُ أَلْبَتَّةَ فَإِذَا اجْتَهَدَ ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ أَخْطَأَ عَيْنَ الْكَعْبَةِ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ الْإِعَادَةُ أَمَّا إذَا أَخْطَأَ الْجِهَةَ فَقَدْ أَخْطَأَ الْمَقْصُودَ فَيَلْزَمُ الْإِعَادَةُ، وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَعَلَى قَاعِدَةِ أَنَّ اسْتِقْبَالَ السَّمْتِ لَا بُدَّ مِنْهُ يَكُونُ النَّظَرُ فِي الْجِهَةِ وَاجِبًا وُجُوبَ الْوَسَائِلِ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ إنَّمَا هُوَ لِتَحْصِيلِ عَيْنِ الْكَعْبَةِ الَّذِي هُوَ الْوَاجِبُ الْمَقْصُودُ لِنَفْسِهِ فَإِذَا أَخْطَأَ الْعَيْنَ فِي اجْتِهَادِهِ فِي الْجِهَةِ وَجَبَتْ الْإِعَادَةُ؛ لِأَنَّ الْقَاعِدَةَ أَنَّ الْوَسِيلَةَ إذَا لَمْ يَحْصُلْ مَقْصِدُهَا سَقَطَ اعْتِبَارُهَا، وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَبِالْجُمْلَةِ فَالْخِلَافُ فِي كُلٍّ مِنْ السَّمْتِ وَالْجِهَةِ أَمَّا فِي السَّمْتِ فَهُوَ أَنَّهُ هَلْ يَجِبُ وُجُوبَ الْمَقَاصِدِ أَوْ لَا يَجِبُ مُطْلَقًا لَا وُجُوبَ الْمَقَاصِدِ وَلَا وُجُوبَ الْوَسَائِلِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ وَسِيلَةً لِغَيْرِهِ؟ قَوْلَانِ، وَأَمَّا فِي الْجِهَةِ فَهُوَ أَنَّهَا هَلْ تَجِبُ وُجُوبَ الْمَقَاصِدِ أَوْ وُجُوبَ الْوَسَائِلِ؟ قَوْلَانِ فَالْجِهَةُ وَاجِبَةٌ بِالْإِجْمَاعِ، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي صُورَةِ وُجُوبِهَا هَلْ وُجُوبَ الْوَسَائِلِ أَوْ الْمَقَاصِدِ وَفِي السَّمْتِ هَلْ يَجِبُ وُجُوبَ الْمَقَاصِدِ أَوْ لَا مُطْلَقًا.
فَقَوْلُ الْعُلَمَاءِ: هَلْ الْوَاجِبُ الْجِهَةُ أَوْ السَّمْتُ؟ قَوْلَانِ فِيهِ قَيْدٌ مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ هَلْ الْوَاجِبُ وُجُوبَ الْمَقَاصِدِ السَّمْتُ أَوْ الْجِهَةُ؟ قَوْلَانِ وَبِهَذَا الْقَيْدِ يَتَّضِحُ أَنَّ الْقَوْلَيْنِ فِي أَنَّهُ هَلْ تَجِبُ الْإِعَادَةُ عَلَى مَنْ أَخْطَأَ فِي اجْتِهَادِهِ أَمْ لَا مَبْنِيَّانِ عَلَى الْخِلَافِ فِي أَنَّ الْجِهَةَ هَلْ تَجِبُ وُجُوبَ الْمَقَاصِدِ، فَإِذَا حَصَلَ الِاجْتِهَادُ فِيهَا فَلَا إعَادَةَ، وَإِنْ أَخْطَأَ الْعَيْنَ لِأَنَّهُ قَدْ أَدَّى الْوَاجِبَ عَلَيْهِ أَوْ تَجِبُ وُجُوبَ الْوَسَائِلِ فَإِذَا حَصَلَ الِاجْتِهَادُ فِيهَا وَأَخْطَأَ الْعَيْنَ وَجَبَتْ الْإِعَادَةُ؛ لِأَنَّ الْوَسِيلَةَ إذَا لَمْ تُفْضِ إلَى مَقْصُودِهَا سَقَطَ اعْتِبَارُهَا، وَالصَّحِيحُ مِنْ الْأَقْوَالِ أَنَّ الْجِهَةَ وَاجِبَةٌ وُجُوبَ الْمَقَاصِدِ، وَأَنَّ الْإِعَادَةَ لَازِمَةٌ عِنْدَ تَبَيُّنِ الْخَطَأِ فِيهَا لَا فِي الْعَيْنِ فَافْهَمْ وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.
[الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَنْ يَتَعَيَّنُ تَقْدِيمُهُ وَمَنْ يَتَعَيَّنُ تَأْخِيرُهُ فِي الْوِلَايَاتِ وَالْمَنَاصِبِ]
الْفَرْقُ السَّادِسُ وَالتِّسْعُونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَنْ يَتَعَيَّنُ تَقْدِيمُهُ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَنْ يَتَعَيَّنُ تَأْخِيرُهُ فِي الْوِلَايَاتِ وَالْمَنَاصِبِ وَالِاسْتِحْقَاقَات الشَّرْعِيَّةِ)
لَا خَفَاءَ فِي أَنَّهُ يَجِبُ تَقْدِيمُ مَنْ هُوَ مُتَّصِفٌ بِالْأَهْلِيَّةِ لِأَيِّ وِلَايَةٍ أَوْ مَنْصِبٍ أَوْ اسْتِحْقَاقٍ مِنْ الْوِلَايَةِ وَالْمَنَاصِبِ وَالِاسْتِحْقَاقَات الشَّرْعِيَّةِ وَتَأْخِيرُ مَنْ لَيْسَ مُتَّصِفًا بِالْأَهْلِيَّةِ لِذَلِكَ ضَرُورَةَ أَنَّ الْمَصْلَحَةَ الْمَقْصُودَةَ مِنْ ذَلِكَ إنَّمَا تَحْصُلُ مِمَّنْ اتَّصَفَ بِالْأَهْلِيَّةِ لَا مِمَّنْ لَيْسَ كَذَلِكَ، فَيُقَدَّمُ فِي أَمَانَةِ الْأَيْتَامِ مَنْ اتَّصَفَ بِأَهْلِيَّةِ تَنْمِيَةِ أَمْوَالِهِمْ وَتَقْدِيرِ أَمْوَالِ النَّفَقَاتِ وَأَحْوَالِ الْكَوَافِلِ وَالْمُنَاظَرَاتِ عِنْدَ الْحُكَّامِ عَنْ أَمْوَالِهِمْ عَلَى مَنْ لَمْ يَتَّصِفْ بِتِلْكَ الْأَهْلِيَّةِ، وَيُقَدَّمُ فِي جِبَايَةِ الصَّدَقَاتِ مَنْ فِيهِ أَهْلِيَّةُ مَعْرِفَةِ مَقَادِيرِ النُّصُبِ وَأَحْكَامِ الزَّكَاةِ مِنْ الْخُلْطَةِ وَغَيْرِهَا عَلَى مَنْ لَمْ تَكُنْ فِيهِ تِلْكَ
(الْفَرْقُ الْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ النُّوَاحُ حَرَامٌ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الْمَرَاثِي مُبَاحَةٌ) اعْلَمْ أَنَّهُ قَدْ اُشْتُهِرَ بَيْنَ النَّاسِ تَحْرِيمُ النُّوَاحِ وَتَفْسِيقُ النَّائِحَةِ دُونَ تَفْسِيقِ الشُّعَرَاءِ الَّذِينَ يَرْثُونَ الْمَوْتَى مِنْ الْمُلُوكِ وَالْأَعْيَانِ، وَكَانَ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ رحمه الله يَقُولُ إنَّ بَعْضَ الْمَرَاثِي حَرَامٌ كَالنُّوَاحِ وَتَحْرِيرُ الْقَوْلِ فِيهِمَا وَضَبْطُهُمَا أَنَّ النُّوحَ إنَّمَا حَرُمَ؛ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي نِسْبَةَ الرَّبِّ سبحانه وتعالى إلَى الْجَوْرِ فِي قَضَائِهِ وَالتَّبَرُّمَ بِقَدَرِهِ، وَأَنَّ الْوَاقِعَ مِنْ مَوْتِ هَذَا الْمَيِّتِ لَمْ يَكُنْ مَصْلَحَةً بَلْ مَفْسَدَةً عَظِيمَةً، وَتَكُونُ النَّائِحَةُ تَذْكُرُ كَلَامًا يُقَرِّرُ ذَلِكَ فِي النُّفُوسِ، وَتُوَضِّحُهُ لِلْأَفْهَامِ وَتَحْمِلُ السَّامِعِينَ عَلَى اعْتِقَادِ ذَلِكَ فَكُلُّ لَفْظٍ تَضَمَّنَ ذَلِكَ كَانَ حَرَامًا نَظْمًا كَانَ أَوْ نَثْرًا مَرْثِيَّةً أَوْ نُوَاحًا، وَقَدْ جَاءَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم التَّصْرِيحُ بِتَحْرِيمِ النُّوَاحِ، وَوَرَدَ فِي الْحَدِيثِ «أَنَّ النَّائِحَةَ تُكْسَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ قَمِيصَيْنِ قَمِيصٌ مِنْ جَرَبٍ وَقَمِيصٌ مِنْ قَطِرَانٍ» وَسِرُّهُ أَنَّ الْأَجْرَبَ سَرِيعُ الْأَلَمِ لِتَقَرُّحِ جِلْدِهِ.
وَالْقَطِرَانُ يُقَوِّي شُعْلَةَ النَّارِ فَيَكُونُ عَذَابُهَا بِالنَّارِ بِسَبَبِ هَذَيْنِ الْقَمِيصَيْنِ أَشَدَّ الْعَذَابِ وَفِي أَبِي دَاوُد «لَعَنَ اللَّهُ النَّائِحَةَ وَالْمُسْتَمِعَةَ» قَالَ سَنَدٌ مِنْ أَصْحَابِنَا هِيَ الَّتِي تَتَّخِذُ النُّوَاحَ صَنْعَةً، قَالَ وَإِلَّا فَالْمَرَّةُ مَكْرُوهَةٌ لِمَا فِي الْبُخَارِيِّ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم تَرَكَ نِسَاءَ جَعْفَرٍ لَمْ يُسْكِتْهُنَّ» وَفِيهِ عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه جِيءَ بِأَبِي يَوْمَ أُحُدٍ وَقَدْ مُثِّلَ بِهِ وَسَاقَ الْحَدِيثَ إلَى أَنْ قَالَ فَسَمِعَ صَوْتَ نَائِحَةٍ فَقَالَ مَنْ هَذِهِ؟ فَقَالُوا ابْنَةُ عُمَرَ فَقَالَ فَلْتَبْكِي مَا زَالَتْ الْمَلَائِكَةُ تُظِلُّهُ بِأَجْنِحَتِهَا حَتَّى رُفِعَ وَفِيهِ «عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ رضي الله عنها أَخَذَ عَلَيْنَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنْ لَا نَنُوحَ فَمَا وَفَتْ مِنَّا امْرَأَةٌ غَيْرُ خَمْسِ نِسْوَةٍ سَمَّتْهُنَّ» ، وَالنُّوَاحُ مِنْ الْكَبَائِرِ.
وَصُورَتُهُ أَنْ تَقُولَ النَّائِحَةُ لَفْظًا يَقْتَضِي فَرْطَ جَمَالِ الْمَيِّتِ وَحُسْنِهِ وَكَمَالِهِ وَشُجَاعَتِهِ وَبَرَاعَتِهِ وَأُبَّهَتِهِ وَرِئَاسَتِهِ، وَتُبَالِغَ فِيمَا كَانَ يَفْعَلُ مِنْ إكْرَامِ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
الْأَهْلِيَّةُ، وَيُقَدَّمُ فِي الصَّلَاةِ مَنْ كَانَ أَهْلًا فِي مَعْرِفَةِ أَحْكَامِهَا وَعَوَارِضِ سَهْوِهَا وَاسْتِخْلَافِهَا وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ عَوَارِضِهَا وَمَصَالِحِهَا عَلَى مَنْ لَيْسَ أَهْلًا فِي ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ أَهْلًا فِي غَيْرِ ذَلِكَ.
وَأَمَّا الْأَتَمُّ قِيَامًا بِذَلِكَ فَلَا يَجِبُ حَتْمُ تَقْدِيمِهِ عَلَى مَنْ هُوَ دُونَهُ مِمَّنْ لَهُ أَهْلِيَّةُ الْقِيَامِ بِذَلِكَ بَلْ يَجُوزُ تَقْدِيمُ غَيْرِ الْأَتَمِّ عَلَى الْأَتَمِّ ضَرُورَةَ أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ تِلْكَ الْمَصَالِحِ حَاصِلٌ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّهُ مُتَّصِفٌ بِالْأَهْلِيَّةِ لِذَلِكَ فَلَا وَجْهَ لِتَعْيِينِ الْأَتَمِّ إلَّا عَلَى وَجْهِ الْأَوْلَوِيَّةِ خَاصَّةً وَقَوْلُ الْعُلَمَاءِ إنَّ الْإِمَامَ إذَا وَجَدَ مَنْ هُوَ أَصْلَحُ لِلْقَضَاءِ مِمَّنْ هُوَ مُتَوَلٍّ الْآنَ وَجَبَ عَلَيْهِ عَزْلُ الْأَوَّلِ وَتَوْلِيَةُ الْأَصْلَحِ لِئَلَّا يُفَوِّتَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ مَصْلَحَةَ الْأَفْضَلِ مِنْهُمَا، وَيَحْرُمُ عَلَيْهِ أَنْ يَعْزِلَ الْأَعْلَى بِالْأَدْنَى لِئَلَّا يُفَوِّتَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ مَصْلَحَةَ الْأَعْلَى وَلَا يَنْفُذُ عَزْلُ الْأَعْلَى؛ لِأَنَّ الْإِمَامَ الَّذِي عَزَلَهُ مَعْزُولٌ عَنْ عَزْلِهِ، وَإِنَّمَا وَلَّاهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ اهـ.
يَتَعَيَّنُ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى أَنَّ الْمُتَوَلِّيَ قَاصِرٌ عَنْ الْأَهْلِيَّةِ لَا عَلَى أَنَّهُ أَهْلٌ، وَلَكِنَّ غَيْرَهُ أَمَسُّ مِنْهُ بِالْأَهْلِيَّةِ إذْ لَا وَجْهَ لِعَزْلِهِ حِينَئِذٍ، وَالْحَالُ أَنَّ الْمَصْلَحَةَ الْمَقْصُودَةَ مِنْ الْقَضَاءِ كَمَا تَحْصُلُ مِنْ الْفَاضِلِ الْمُتَّصِفِ بِالْأَهْلِيَّةِ كَذَلِكَ تَحْصُلُ مِنْ الْمَفْضُولِ الْمُتَّصِفِ بِهَا، وَتَعْيِينُ تَقْدِيمِ النِّسَاءِ عَلَى الرِّجَالِ فِي بَابِ الْحَضَانَةِ إنَّمَا هُوَ؛ لِأَنَّ الرِّجَالَ لَيْسُوا كَالنِّسَاءِ فِي أَهْلِيَّةِ الْقِيَامِ بِمَصَالِحِ أُمُورِ الْحَضَانَةِ فَإِنَّ النِّسَاءَ أَصْبَرُ عَلَى أَخْلَاقِ الصِّبْيَانِ وَأَشَدُّ شَفَقَةً وَرَأْفَةً وَأَقَلُّ أَنَفَةً عَنْ قَاذُورَاتِ الْأَطْفَالِ وَأَكْثَرُ إقَامَةً بِالْمَنْزِلِ، وَالرِّجَالُ عَلَى الْعَكْسِ مِنْ ذَلِكَ فِي هَذِهِ الْأَحْوَالِ فَتَعْيِينُ تَقْدِيمِ النِّسَاءِ عَلَيْهِمْ لِذَلِكَ لَا لِكَوْنِهِنَّ أَمَسَّ مِنْهُمْ بِالْأَهْلِيَّةِ، كَمَا إنَّ تَقْدِيمَ الرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ فِي الْإِمَامَةِ وَالْحُرُوبِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ الْمَنَاصِبِ لِأَنَّهُنَّ لَسْنَ كَالرِّجَالِ فِي أَهْلِيَّةِ الْقِيَامِ بِمَصَالِحِ تِلْكَ الْمَنَاصِبِ وَالْوِلَايَاتِ، بَلْ الْأَهْلِيَّةُ فِيهَا لَيْسَتْ بِثَابِتَةٍ لِجَمِيعِ الرِّجَالِ أَلَا تَرَى قَوْلَهُ «صلى الله عليه وسلم أَقَضَاكُمْ عَلِيٌّ» مَعَ قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «أَعْلَمُكُمْ بِالْحَلَالِ وَالْحَرَامِ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ» فَإِنَّهُ صلى الله عليه وسلم لَمَّا عَلِمَ أَنَّ الْقَضَاءَ تَبَعُ الْحِجَاجِ وَأَحْوَالِهَا، وَأَنَّ مَنْ كَانَ لَهَا أَشَدُّ تَفَطُّنًا كَانَ أَقْضَى مِنْ غَيْرِهِ مِمَّنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ تِلْكَ الْأَهْلِيَّةُ فَيُقَدَّمُ فِي الْقَضَاءِ عَلَيْهِ.
وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ الْغَيْرُ شَدِيدَ الْمَعْرِفَةِ بِالْحَلَالِ وَالْحَرَامِ إذْ هُوَ يُخْدَعُ بِأَيْسَرِ الشُّبُهَاتِ، وَلِكَوْنِ الْقَضَاءِ عِبَارَةً عَنْ التَّفَطُّنِ لِلْحِجَاجِ قَالَ عليه السلام «إنَّمَا أَنَا بَشَرٌ وَإِنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إلَيَّ وَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ يَكُونُ أَلْحَنَ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ فَأَقْضِيَ لَهُ عَلَى نَحْوِ مَا أَسْمَعُ» فَظَهَرَ الْجَمْعُ بَيْنَ حَدِيثَيْ عَلِيٍّ وَمُعَاذٍ، وَأَنَّ مَنْ لَهُ أَهْلِيَّةُ الْقِيَامِ بِالْفُتْيَا مِنْ حَيْثُ إنَّهُ شَدِيدُ الْمَعْرِفَةِ بِالْحَلَالِ وَالْحَرَامِ لَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَهْلِيَّةُ الْقِيَامِ بِالْقَضَاءِ كَمَا إنَّ مَنْ لَهُ أَهْلِيَّةُ الْقِيَامِ بِإِمَامَةِ الصَّلَاةِ لَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَهْلِيَّةُ الْقِيَامِ بِإِمَامَةِ الْخِلَافَةِ ضَرُورَةَ أَنَّ إمَامَةَ الْخِلَافَةِ مُشْتَمِلَةٌ عَلَى سِيَاسَةِ الْأُمَّةِ وَمَعْرِفَةِ الشَّرِيعَةِ وَضَبْطِ الْجُيُوشِ وَوِلَايَةِ الْأَكْفَاءِ وَعَزْلِ الضُّعَفَاءِ وَمُكَافَحَةِ الْأَضْدَادِ وَالْأَعْدَاءِ وَتَصْرِيفِ الْأَمْوَالِ وَأَخْذِهَا مِنْ مَظَانِّهَا وَصَرْفِهَا فِي مُسْتَحَقَّاتِهَا إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا هُوَ مَعْرُوفٌ بِالْإِمَامَةِ الْكُبْرَى، وَمِنْ حَيْثُ إنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ التَّقْدِيمِ فِي الصَّلَاةِ التَّقْدِيمُ فِي الْخِلَافَةِ كَانَتْ إشَارَةُ عُمَرَ بِقَوْلِهِ لِأَبِي بَكْرٍ رضي الله عنهما فِي أَمْرِ الْإِمَامَةِ رَضِيَك رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِدِينِنَا أَفَلَا نَرْضَاك لِدُنْيَانَا إلَى أَنَّ تَقْدِيمَهُ فِي الصَّلَاةِ دَلِيلٌ عَلَى تَقْدِيمِهِ رضي الله عنه لِلْإِمَامَةِ لَا تَسْتَقِيمُ فِي ظَاهِرِ الْحَالِ إلَّا أَنْ يُقَالَ لَيْسَ مُرَادُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّك