الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(الْفَرْقُ الثَّامِنُ وَالسَّبْعُونَ الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَنْ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُفْتِيَ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَنْ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُفْتِيَ) اعْلَمْ أَنَّ طَالِبَ الْعِلْمِ لَهُ أَحْوَالٌ الْحَالَةُ الْأُولَى أَنْ يَشْتَغِلَ بِمُخْتَصَرٍ مِنْ مُخْتَصَرَاتِ مَذْهَبِهِ فِيهِ مُطْلَقَاتٌ مُقَيَّدَةٌ فِي غَيْرِهِ وَعُمُومَاتٌ مَخْصُوصَةٌ فِي غَيْرِهِ وَمَتَى كَانَ الْكِتَابُ الْمُعَيَّنُ حَفِظَهُ وَفَهِمَهُ كَذَلِكَ أَوْ جَوَّزَ عَلَيْهِ أَنْ يَكُونَ كَذَلِكَ حَرُمَ عَلَيْهِ أَنْ يُفْتِيَ بِمَا فِيهِ وَإِنْ أَجَادَهُ حِفْظًا وَفَهْمًا إلَّا فِي مَسْأَلَةٍ يُقْطَعُ فِيهَا أَنَّهَا مُسْتَوْعَبَةُ التَّقْيِيدِ وَأَنَّهَا لَا تَحْتَاجُ إلَى مَعْنًى آخَرَ مِنْ كِتَابٍ آخَرَ فَيَجُوزُ لَهُ أَنْ يَنْقُلَهَا لِمَنْ يَحْتَاجُهَا عَلَى وَجْهِهَا مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ وَلَا نُقْصَانٍ وَتَكُونُ هِيَ عَيْنَ الْوَاقِعَةِ الْمَسْئُولِ عَنْهَا لَا أَنَّهَا تُشْبِهُهَا وَلَا تُخَرَّجُ عَلَيْهَا بَلْ هِيَ هِيَ حَرْفًا بِحَرْفٍ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ هُنَالِكَ فُرُوقٌ تَمْنَعُ مِنْ الْإِلْحَاقِ أَوْ تَخْصِيصٌ أَوْ تَقْيِيدٌ يَمْنَعُ مِنْ الْفُتْيَا بِالْمَحْفُوظِ فَيَجِبُ الْوَقْفُ.
الْحَالَةُ الثَّانِيَةُ أَنْ يَتَّسِعَ تَحْصِيلُهُ فِي الْمَذْهَبِ بِحَيْثُ يَطَّلِعُ مِنْ تَفَاصِيلِ الشُّرُوحَاتِ وَالْمُطَوَّلَاتِ عَلَى تَقْيِيدِ الْمُطْلَقَاتِ وَتَخْصِيصِ الْعُمُومَاتِ وَلَكِنَّهُ مَعَ ذَلِكَ لَمْ يَضْبِطْ مَدَارِكَ إمَامِهِ وَمُسْنَدَاتِهِ فِي فُرُوعِهِ ضَبْطًا مُتْقَنًا بَلْ سَمِعَهَا مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ مِنْ أَفْوَاهِ الطَّلَبَةِ وَالْمَشَايِخِ فَهَذَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُفْتِيَ بِجَمِيعِ مَا يَنْقُلُهُ وَيَحْفَظُهُ فِي مَذْهَبِهِ اتِّبَاعًا لِمَشْهُورِ ذَلِكَ الْمَذْهَبِ بِشُرُوطِ الْفُتْيَا وَلَكِنَّهُ إذَا وَقَعَتْ لَهُ وَاقِعَةٌ لَيْسَتْ فِي حِفْظِهِ لَا يُخَرِّجُهَا عَلَى مَحْفُوظَاتِهِ وَلَا يَقُولُ هَذِهِ تُشْبِهُ الْمَسْأَلَةَ الْفُلَانِيَّةَ لِأَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا يَصِحُّ مِمَّنْ أَحَاطَ بِمَدَارِكِ إمَامِهِ وَأَدِلَّتِهِ وَأَقْيِسَتِهِ وَعِلَلِهِ الَّتِي اعْتَمَدَ عَلَيْهَا مُفَصَّلَةً وَمَعْرِفَةِ رُتَبِ تِلْكَ الْعِلَلِ وَنِسْبَتِهَا إلَى الْمَصَالِحِ الشَّرْعِيَّةِ وَهَلْ هِيَ مِنْ بَابِ الْمَصَالِحِ الضَّرُورِيَّةِ أَوْ الْحَاجِيَّةِ أَوْ التَّتْمِيمِيَّةِ وَهَلْ هِيَ مِنْ بَابِ الْمُنَاسِبِ الَّذِي اُعْتُبِرَ نَوْعُهُ فِي نَوْعِ الْحُكْمِ أَوْ جِنْسُهُ فِي جِنْسِ الْحُكْمِ وَهَلْ هِيَ مِنْ بَابِ الْمَصْلَحَةِ الْمُرْسَلَةِ الَّتِي هِيَ أَدْنَى رُتَبِ الْمَصَالِحِ أَوْ مِنْ قَبِيلِ مَا شَهِدَتْ لَهَا أُصُولُ الشَّرْعِ بِالِاعْتِبَارِ أَوْ هِيَ مِنْ بَابِ قِيَاسِ الشَّبَهِ أَوْ الْمُنَاسِبِ أَوْ قِيَاسِ الدَّلَالَةِ أَوْ قِيَاسِ الْإِحَالَةِ أَوْ الْمُنَاسِبِ الْقَرِيبِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ تَفَاصِيلِ الْأَقْيِسَةِ وَرُتَبِ الْعِلَلِ فِي نَظَرِ الشَّرْعِ عِنْدَ الْمُجْتَهِدِينَ وَسَبَبُ ذَلِكَ أَنَّ النَّاظِرَ فِي مَذْهَبِهِ وَالْمُخَرِّجَ عَلَى أُصُولِ إمَامِهِ نِسْبَتُهُ إلَى مَذْهَبِهِ وَإِمَامِهِ كَنِسْبَةِ إمَامِهِ إلَى صَاحِبِ الشَّرْعِ فِي اتِّبَاعِ نُصُوصِهِ وَالتَّخْرِيجِ عَلَى مَقَاصِدِهِ فَكَمَا أَنَّ إمَامَهُ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَقِيسَ مَعَ قِيَامِ الْفَارِقِ لِأَنَّ الْفَارِقَ مُبْطِلٌ لِلْقِيَاسِ وَالْقِيَاسُ الْبَاطِلُ لَا يَجُوزُ الِاعْتِمَادُ عَلَيْهِ فَكَذَلِكَ هُوَ أَيْضًا لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُخَرِّجَ عَلَى مَقَاصِدِ إمَامِهِ فَرْعًا عَلَى فَرْعٍ نَصَّ عَلَيْهِ إمَامُهُ مَعَ قِيَامِ الْفَارِقِ بَيْنَهُمَا لَكِنَّ الْفُرُوقَ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
الصَّلَاةِ قَبْلَ إلَّا وَلَا مِنْ الْقَضَاءِ بِنَفْيِ النِّكَاحِ قَبْلَ إلَّا لِأَجْلِ عَدَمِ الشَّرْطِ فِيهِمَا الْقَضَاءُ بِالْقَبُولِ لِلصَّلَاةِ بَعْدَ إلَّا لِوُجُودِ الطَّهَارَةِ وَالْقَضَاءُ بِصِحَّةِ النِّكَاحِ بَعْدَ إلَّا لِوُجُودِ الْوَلِيِّ وَلَمَّا لَمْ يَلْزَمْ ذَلِكَ دَلَّ عَلَى أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مِنْ النَّفْيِ لَيْسَ بِإِثْبَاتٍ وَإِلَّا لَزِمَ تَخَلُّفُ الْمَدْلُولِ عَنْ الدَّلِيلِ وَهُوَ خِلَافُ الْأَصْلِ فَلَزِمَ أَنْ نَقُولَ فِي دَفْعِهِ أَنَّ هَذَا الِاسْتِثْنَاءَ الْوَارِدَ فِي الْحَدِيثَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ وَنَحْوِهِمَا مِنْ بَابِ الشُّرُوطِ وَنَحْنُ إنَّمَا نَدَّعِي أَنَّ ذَلِكَ فِي غَيْرِ الشُّرُوطِ فَلَا يَرِدُ عَلَيْنَا الشُّرُوطُ هَذَا هُوَ حَقِيقَةُ الْفَرْقِ بَيْنَ الْقَاعِدَتَيْنِ الْمَذْكُورَتَيْنِ فَتَأَمَّلْهُ وَخَرَجَ عَلَيْهِ الِاسْتِثْنَاءَاتُ الْوَاقِعَةُ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَكَلَامِ الْعَرَبِ وَالْحَالِفِينَ وَغَيْرِهِمْ وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.
[الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ إنْ وَقَاعِدَةِ إذَا وَإِنْ كَانَ كِلَاهُمَا لِلشَّرْطِ]
(الْفَرْقُ الْخَامِسُ وَالسَّبْعُونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ إنْ وَقَاعِدَةِ إذَا وَإِنْ اشْتَرَكَا فِي كَوْنِ كُلٍّ مِنْهُمَا لِلشَّرْطِ أَيْ لِمُطْلَقِ الرَّبْطِ بَيْنَ جُمْلَتَيْنِ وَفِي الدَّلَالَةِ عَلَى مُطْلَقِ الزَّمَانِ أَيْ زَمَنٍ غَيْرِ مُعَيَّنٍ لَا عُمُومِ الْأَزْمَانِ) لَكِنْ بَيْنَهُمَا فَرْقٌ مِنْ وَجْهَيْنِ الْوَجْهُ الْأَوَّلُ أَنَّ إنْ تَدُلُّ عَلَى الزَّمَانِ الْتِزَامًا مِنْ جِهَةِ أَنَّهَا مِنْ الْحُرُوفِ الَّتِي تُلَازِمُ الدُّخُولَ عَلَى الْفِعْلِ وَالْفِعْلُ يَدُلُّ عَلَى الزَّمَانِ وَعَلَى الشَّرْطِ بِالْمُطَابَقَةِ بِعَكْسِ إذَا فَفِي قَوْلِك إنْ جَاءَ زَيْدٌ فَأَكْرِمْهُ تَدُلُّ عَلَى إنْ بِالْمُطَابَقَةِ عَلَى أَنَّ الْإِكْرَامَ يَتَوَقَّفُ عَلَى الْمَجِيءِ وَبِالِالْتِزَامِ مِنْ الْجِهَةِ الْمَذْكُورَةِ عَلَى أَنَّ الْمَجِيءَ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ أَنْ يَكُونَ فِي زَمَانٍ فَافْهَمْ وَفِي نَحْوِ قَوْلِك إذَا جَاءَ زَيْدٌ فَأَكْرِمْهُ تَدُلُّ إذَا بِالْمُطَابَقَةِ عَلَى الزَّمَانِ وَبِالِالْتِزَامِ عَلَى الشَّرْطِ أَيْ تَوَقُّفُ الْإِكْرَامِ عَلَى الْمَجِيءِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ} [النصر: 1] إلَى قَوْلِهِ فَسَبِّحْ وَقَدْ تَكُونُ ظَرْفًا مَحْضًا كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى} [الليل: 1]{وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى} [الليل: 2] أَيْ أُقْسِمُ بِاللَّيْلِ فِي حَالَةِ غَشَيَانِهِ وَبِالنَّهَارِ فِي حَالَةِ تَجَلِّيهِ لِأَنَّهُمَا أَكْمَلُ أَحْوَالِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْقَسَمُ تَعْظِيمٌ وَالتَّعْظِيمُ يُنَاسِبُ أَعْظَمَ الْأَحْوَالِ فَلَا تَدُلُّ إذَا الظَّرْفِيَّةُ عَلَى الشَّرْطِ الْتِزَامًا إلَّا فِي بَعْضِ صُوَرِهَا وَهُوَ مَا إذَا دَخَلَتْ عَلَى شَرْطٍ وَمَشْرُوطٍ بِخِلَافِ إنْ فَلَا تُفَارِقُ الدَّلَالَةَ عَلَى الشَّرْطِ وَالْوَجْهُ الثَّانِي أَنَّ إنْ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَا تَدُلُّ عَلَيْهِ مِنْ الزَّمَانِ بِالْجِهَةِ الْمَذْكُورَةِ أَوْسَعَ مِنْ الْمَظْرُوفِ فَإِذَا قَالَ إنْ مِتُّ فَأَنْتِ طَالِقٌ لَمْ يَلْزَمْهُ طَلَاقٌ قَطْعًا إذْ لَا طَلَاقَ بَعْدَ الْمَوْتِ.
وَأَمَّا إذَا فَالصَّحِيحُ كَمَا قَالَ ابْنُ الشَّاطِّ أَنَّهَا إنْ لَمْ تَدْخُلْ عَلَى شَرْطٍ وَمَشْرُوطٍ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ زَمَانُهَا أَوْسَعَ مِنْ الْمَظْرُوفِ إذْ لَا إشْكَالَ فِي أَنَّ الظَّرْفَ يَجُوزُ فِيهِ ذَلِكَ بِمَعْنَى أَنَّهُ يُجَاءُ بِلَفْظِ الْيَوْمِ مَثَلًا فَيُقَالُ أَكَلْت يَوْمَ الْخَمِيسِ وَإِنْ كَانَ الْأَكْلُ لَمْ يَقَعْ فِي جَمِيعِهِ كَمَا يُقَالُ وُلِدَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَامَ الْفِيلِ وَتُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سَنَةَ سِتِّينَ مِنْ عَامِ الْفِيلِ وَهُوَ لَمْ يُولَدْ إلَّا فِي جُزْءٍ مِنْ عَامِ الْفِيلِ وَلَمْ يَقَعْ مَوْتُهُ إلَّا فِي جُزْءٍ مِنْ السَّنَةِ
إنَّمَا تَنْشَأُ عَنْ رُتَبِ الْعِلَلِ وَتَفَاصِيلِ أَحْوَالِ الْأَقْيِسَةِ فَإِذَا كَانَ إمَامُهُ أَفْتَى فِي فَرْعٍ بُنِيَ عَلَى عِلَّةٍ اُعْتُبِرَ فَرْعُهَا فِي نَوْعِ الْحُكْمِ لَا يَجُوزُ لَهُ هُوَ أَنْ يُخَرِّجَ عَلَى أَصْلِ إمَامِهِ فَرْعًا مِثْلَ ذَلِكَ الْفَرْعِ لَكِنَّ عِلَّتَهُ مِنْ قَبِيلِ مَا شَهِدَ جِنْسُهُ لِجِنْسِ الْحُكْمِ فَإِنَّ النَّوْعَ عَلَى النَّوْعِ مُقَدَّمٌ عَلَى الْجِنْسِ فِي النَّوْعِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ اعْتِبَارِ الْأَقْوَى اعْتِبَارُ الْأَضْعَفِ وَكَذَلِكَ إذَا كَانَ إمَامُهُ قَدْ اعْتَبَرَ مَصْلَحَةً سَالِمَةً عَنْ الْمُعَارِضِ لِقَاعِدَةٍ أُخْرَى فَوَقَعَ لَهُ هُوَ فَرْعٌ فِيهِ عَيْنُ تِلْكَ الْمَصْلَحَةِ لَكِنَّهَا مُعَارَضَةٌ بِقَاعِدَةٍ أُخْرَى أَوْ بِقَوَاعِدَ فَيَحْرُمُ عَلَيْهِ التَّخْرِيجُ حِينَئِذٍ لِقِيَامِ الْفَارِقِ أَوْ تَكُونُ مَصْلَحَةُ إمَامِهِ الَّتِي اعْتَمَدَ عَلَيْهَا مِنْ بَابِ الضَّرُورِيَّاتِ فَيُفْتِي هُوَ بِمِثْلِهَا وَلَكِنَّهَا مِنْ بَابِ الْحَاجَاتِ أَوْ التَّتِمَّاتِ وَهَاتَانِ ضَعِيفَتَانِ مَرْجُوحَتَانِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْأُولَى وَلَعَلَّ إمَامَهُ رَاعَى خُصُوصَ تِلْكَ الْقَوِيَّةِ وَالْخُصُوصُ فَائِتٌ هُنَا وَمَتَى حَصَلَ التَّرَدُّدُ فِي ذَلِكَ وَالشَّكُّ.
وَجَبَ التَّوَقُّفُ كَمَا أَنَّ إمَامَهُ لَوْ وَجَدَ صَاحِبَ الشَّرْعِ قَدْ نَصَّ عَلَى حُكْمٍ وَمَصْلَحَةٍ مِنْ بَابِ الضَّرُورِيَّاتِ حَرُمَ عَلَيْهِ أَنْ يَقِيسَ عَلَيْهِ مَا هُوَ مِنْ بَابِ الْحَاجَاتِ أَوْ التَّتِمَّاتِ لِأَجْلِ قِيَامِ الْفَارِقِ فَكَذَلِكَ هَذَا الْمُقَلِّدُ لَهُ لِأَنَّ نِسْبَتَهُ إلَيْهِ فِي التَّخْرِيجِ كَنِسْبَةِ إمَامِهِ لِصَاحِبِ الشَّرْعِ وَالضَّابِطُ لَهُ وَلِإِمَامِهِ فِي الْقِيَاسِ وَالتَّخْرِيجِ أَنَّهُمَا مَتَى جَوَّزَا فَارِقًا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُعْتَبَرًا حَرُمَ الْقِيَاسُ وَلَا يَجُوزُ الْقِيَاسُ إلَّا بَعْدَ الْفَحْصِ الْمُنْتَهِي إلَى غَايَةٍ أَنَّهُ لَا فَارِقَ هُنَاكَ وَلَا مُعَارِضَ وَلَا مَانِعَ يَمْنَعُ مِنْ الْقِيَاسِ وَهَذَا قَدْرٌ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الْمُجْتَهِدِينَ وَالْمُقَلِّدِينَ لِلْأَئِمَّةِ الْمُجْتَهِدِينَ فَمَهْمَا جَوَّزَ الْمُقَلِّدُ فِي مَعْنًى ظَفِرَ بِهِ فِي فَحْصِهِ وَاجْتِهَادِهِ أَنْ يَكُونَ إمَامُهُ قَصَدَهُ أَوْ يُرَاعِيهِ حَرُمَ عَلَيْهِ التَّخْرِيجُ فَلَا يَجُوزُ التَّخْرِيجُ حِينَئِذٍ إلَّا لِمَنْ هُوَ عَالِمٌ بِتَفَاصِيلِ أَحْوَالِ الْأَقْيِسَةِ وَالْعِلَلِ وَرُتَبِ الْمَصَالِحِ وَشُرُوطِ الْقَوَاعِدِ وَمَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ مُعَارِضًا وَمَا لَا يَصْلُحُ وَهَذَا لَا يَعْرِفُهُ إلَّا مَنْ يَعْرِفُ أُصُولَ الْفِقْهِ مَعْرِفَةً حَسَنَةً فَإِذَا كَانَ مَوْصُوفًا بِهَذِهِ الصِّفَةِ وَحَصَلَ لَهُ هَذَا الْمَقَامُ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ مَقَامٌ آخَرُ وَهُوَ النَّظَرُ وَبَذْلُ الْجَهْدِ فِي تَصَفُّحِ تِلْكَ الْقَوَاعِدِ الشَّرْعِيَّةِ وَتِلْكَ الْمَصَالِحِ وَأَنْوَاعِ الْأَقْيِسَةِ وَتَفَاصِيلِهَا فَإِذَا بَذَلَ جَهْدَهُ فِيمَا يَعْرِفُهُ وَوَجَدَ مَا يَجُوزُ أَنْ يَعْتَبِرَهُ إمَامُهُ فَارِقًا أَوْ مَانِعًا أَوْ شَرْطًا وَهُوَ لَيْسَ فِي الْحَادِثَةِ الَّتِي يَرُومُ تَخْرِيجَهَا حَرُمَ عَلَيْهِ التَّخْرِيجُ وَإِنْ لَمْ يَجِدْ شَيْئًا بَعْدَ بَذْلِ الْجَهْدِ وَتَمَامِ الْمَعْرِفَةِ جَازَ لَهُ التَّخْرِيجُ حِينَئِذٍ.
وَكَذَلِكَ الْقَوْلُ فِي إمَامِهِ مَعَ صَاحِبِ الشَّرْعِ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ إمَامُهُ مَوْصُوفًا بِصِفَاتِ الِاجْتِهَادِ الَّتِي بَعْضُهَا مَا تَقَدَّمَ اشْتِرَاطُهُ فِي حَقِّ الْمُقَلِّدِ الْمُخْرَجِ ثُمَّ بَعْدَ اتِّصَافِهِ بِصِفَاتِ الِاجْتِهَادِ يَنْتَقِلُ إلَى مَقَامِ بَذْلِ الْجَهْدِ فِيمَا عَلِمَهُ مِنْ الْقَوَاعِدِ وَتَفَاصِيلِ الْمَدَارِكِ فَإِذَا بَذَلَ جَهْدَهُ وَوَجَدَ حِينَئِذٍ مَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ فَارِقًا أَوْ مَانِعًا أَوْ شَرْطًا قَائِمًا فِي الْفَرْعِ الَّذِي يَرُومُ قِيَاسَهُ عَلَى كَلَامِ صَاحِبِ الشَّرْعِ حَرُمَ عَلَيْهِ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
الْمَذْكُورَةِ وَإِنْ دَخَلَتْ عَلَى شَرْطٍ وَمَشْرُوطٍ فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ وُقُوعُ ذَلِكَ الْمَشْرُوطِ بَعْدَ وُقُوعِ الشَّرْطِ مُمْكِنًا أَوْ لَا فَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُمْكِنٍ كَقَوْلِهِ إذَا مِتَّ فَأَنْتِ طَالِقٌ لَمْ يَقَعْ الطَّلَاقُ إذْ لَيْسَ مَعْنَاهُ إيقَاعَ الطَّلَاقِ فِي زَمَنِ الْمَوْتِ بِعَيْنِهِ حَتَّى يُقَالَ يَلْزَمُهُ الطَّلَاقُ لِأَنَّ ظَرْفَ الْمَوْتِ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَوْسَعَ مِنْ الْمَظْرُوفِ الَّذِي هُوَ الطَّلَاقُ فَيَدْخُلُ فِيهِ زَمَنٌ مِنْ أَزْمِنَةِ الْحَيَاةِ يَقَعُ فِيهِ الطَّلَاقُ فَيَلْزَمُهُ عَلَى خِلَافٍ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ مَبْنِيٍّ عَلَى مُلَاحَظَةِ هَذَا الْوَجْهِ بَلْ مَعْنَاهُ إيقَاعُ الطَّلَاقِ فِي الزَّمَنِ الَّذِي يَلِي زَمَنَ الْمَوْتِ لِمَا سَيَتَّضِحُ وَلَا طَلَاقَ بَعْدَ الْمَوْتِ وَإِنْ كَانَ مُمْكِنًا كَقَوْلِهِ إذَا دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ لَزِمَهُ الطَّلَاقُ إذْ لَيْسَ مَعْنَاهُ إيقَاعَ الطَّلَاقِ فِي زَمَنِ الدُّخُولِ بِعَيْنِهِ بَلْ مَعْنَاهُ إيقَاعُهُ فِي الزَّمَنِ الَّذِي يَلِي زَمَنَ الدُّخُولِ لِضَرُورَةِ مُقْتَضَى الْفَاءِ الَّتِي لِلتَّعْقِيبِ وَإِنْ لَزِمَ عَنْ ذَلِكَ أَمْرَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّ إذَا ظَرْفٌ لِلدُّخُولِ لَا ظَرْفٌ لِلطَّلَاقِ بَلْ ظَرْفُ الطَّلَاقِ غَيْرُ مُصَرَّحٍ بِهِ وَالثَّانِي تَعَلُّقُهَا بِدَخَلْت الَّذِي هُوَ فِعْلُ الشَّرْطِ لَا بِطَالِقٍ وَإِنْ كَانَ هُوَ مُقْتَضَى قَوْلِ النَّحْوِيِّينَ الْمُضَافُ إلَيْهِ لَا يَعْمَلُ فِي الْمُضَافِ لِأَنَّ قَوْلَهُمْ هَذَا قَاعِدَةٌ لَا يُسَلَّمُ فِيهَا الْإِطْلَاقُ اهـ كَلَامُ ابْنِ الشَّاطِّ بِتَصَرُّفٍ وَتَوْضِيحٍ.
(قُلْتُ) وَيُقَرُّ بِهِ قَوْلُ النَّحْوِيِّينَ الْعَامِلُ فِي أَسْمَاءِ الشُّرُوطِ فِعْلُ الشَّرْطِ لَا الْجَوَابُ لِأَنَّ رُتْبَةَ الْجَوَابِ مَعَ مُتَعَلِّقَاتِهِ التَّأْخِيرُ عَنْ الشَّرْطِ فَلَا يَعْمَلُ فِي مُتَقَدِّمٍ عَلَيْهِ وَلِأَنَّهُ قَدْ يَقْتَرِنُ بِالْفَاءِ وَإِذَا الْفُجَائِيَّةِ وَمَا بَعْدَهُمَا لَا يَعْمَلُ فِيمَا قَبْلَهُمَا وَهَاتَانِ الْعِلَّتَانِ مُتَحَقِّقَتَانِ أَيْضًا فِي إذَا وَالْعِلَّةُ تَدُورُ مَعَ الْمَعْلُولِ فَلِذَا اُضْطُرُّوا فِي إذَا وَنَحْوِهَا عَلَى تَسْلِيمِ إطْلَاقِ الْقَاعِدَةِ الْمَذْكُورَةِ إلَى تَكَلُّفَاتٍ مِنْهَا أَنَّ عَامِلَهَا مَحْذُوفٌ يَدُلُّ عَلَيْهِ الْجَوَابُ لَا الْجَوَابُ لِمَا عَلِمْت وَمِنْهَا أَنَّ عَامِلَهَا هُوَ الْجَوَابُ وَتَقْيِيدُ الْقَاعِدَتَيْنِ الْمَذْكُورَتَيْنِ أَعْنِي قَاعِدَةَ مَا رُتْبَتُهُ لَا يَعْمَلُ فِيمَا تَقَدَّمَ عَلَيْهِ وَقَاعِدَةُ مَا بَعْدَ الْفَاءِ وَإِذَا الْفُجَائِيَّةِ إلَخْ بِغَيْرِ الظُّرُوفِ لِتَوَسُّعِهِمْ فِي الظُّرُوفِ وَإِنْ لَمْ تَسْتَحِقَّ التَّصْدِيرَ فَمَا ظَنُّك بِمَا يَسْتَحِقُّهُ وَمِنْهَا قَوْلُ الْعَلَّامَةِ الْخُضَرِيِّ عَلَى ابْنِ عَقِيلٍ عَلَى الْأَلْفِيَّةِ وَمَنْ جَعَلَ شَرْطَهَا هُوَ الْعَامِلُ كَسَائِرِ الشُّرُوطِ قَالَ إنَّهَا غَيْرُ مُضَافَةٍ إلَيْهِ مِثْلُهَا كَمَا يَقُولُ الْجَمِيعُ فِيهَا إذَا جَزَمَتْ كَمَا فِي الْمُغْنِي وَحِينَئِذٍ فَالْفَرْقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ (إذْ وَحَيْثُ) أَنَّهَا يَحْصُلُ الرَّبْطُ فِيهَا بَيْنَ جُمْلَتَيْ الْجَوَابِ وَالشَّرْطِ بِكَوْنِهَا شَرْطًا كَمَا فِي أَيْنَ وَمَتَى وَأَمَّا إذْ وَحَيْثُ فَلَوْلَا الْإِضَافَةُ مَا حَصَلَ بِهِمَا رَبْطٌ وَعِنْدَ تَجَرُّدِهَا عَنْ الشَّرْطِ تَكُونُ مُضَافَةً لِلْجُمْلَةِ بَعْدَهَا بِلَا خِلَافٍ فِيمَا يَظْهَرُ لِيَحْصُلَ بِهَا الرَّبْطُ فَتَدَبَّرْ اهـ.
وَمِنْهَا قَوْلُ الْعَلَّامَةِ الْأَمِيرِ عَلَى الْمُغْنِي كُلُّ كَلِمَتَيْنِ فَأَكْثَرَ كَانَتَا
الْقِيَاسُ وَوَجَبَ التَّوَقُّفُ.
وَإِنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ عَدَمُ جَمِيعِ ذَلِكَ وَأَنَّ الْفَرْعَ مُسَاوٍ لِلصُّورَةِ الَّتِي نَصَّ عَلَيْهَا صَاحِبُ الشَّرْعِ وَجَبَ عَلَيْهِ الْإِلْحَاقُ حِينَئِذٍ وَكَذَلِكَ مُقَلِّدُهُ وَحِينَئِذٍ بِهَذَا التَّقْرِيرِ يَتَعَيَّنُ عَلَى مَنْ لَا يَشْتَغِلُ بِأُصُولِ الْفِقْهِ أَنْ لَا يُخَرِّجَ فَرْعًا أَوْ نَازِلَةً عَلَى أُصُولِ مَذْهَبِهِ وَمَنْقُولَاتِهِ وَإِنْ كَثُرَتْ مَنْقُولَاتُهُ جِدًّا فَلَا تُفِيدُ كَثْرَةُ الْمَنْقُولَاتِ مَعَ الْجَهْلِ بِمَا تَقَدَّمَ كَمَا أَنَّ إمَامَهُ لَوْ كَثُرَتْ مَحْفُوظَاتُهُ لِنُصُوصِ الشَّرِيعَةِ مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَأَقْضِيَةِ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم وَلَمْ يَكُنْ عَالِمًا بِأُصُولِ الْفِقْهِ حَرُمَ عَلَيْهِ الْقِيَاسُ وَالتَّخْرِيجُ عَلَى الْمَنْصُوصَاتِ مِنْ قِبَلِ صَاحِبِ الشَّرْعِ بَلْ حَرُمَ عَلَيْهِ الِاسْتِنْبَاطُ مِنْ نُصُوصِ الشَّارِعِ لِأَنَّ الِاسْتِنْبَاطَ فَرْعُ مَعْرِفَةِ أُصُولِ الْفِقْهِ فَهَذَا الْبَابُ الْمُجْتَهِدُونَ وَالْمُقَلِّدُونَ فِيهِ سَوَاءٌ فِي امْتِنَاعِ التَّخْرِيجِ بَلْ يُفْتِي كُلُّ مُقَلِّدٍ وَصَلَ إلَى هَذِهِ الْحَالَةِ الَّتِي هِيَ ضَبْطُ مُطْلَقَاتِ إمَامِهِ بِالتَّقْيِيدِ وَضَبْطُ عُمُومَاتِ مَذْهَبِهِ بِمَنْقُولَاتِ مَذْهَبِهِ خَاصَّةً مِنْ غَيْرِ تَخْرِيجٍ إذَا فَاتَهُ شَرْطُ التَّخْرِيجِ كَمَا أَنَّ إمَامَهُ لَوْ فَاتَهُ شَرْطُ أُصُولِ الْفِقْهِ وَحِفْظِ النُّصُوصِ وَاسْتَوْعَبَهَا يَصِيرُ مُحَدِّثًا نَاقِلًا فَقَطْ لَا إمَامًا مُجْتَهِدًا كَذَلِكَ هَذَا الْمُقَلِّدُ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ فَالنَّاسُ مُهْمِلُونَ لَهُ إهْمَالًا شَدِيدًا وَيَقْتَحِمُونَ عَلَى الْفُتْيَا فِي دِينِ اللَّهِ تَعَالَى وَالتَّخْرِيجِ عَلَى قَوَاعِدِ الْأَئِمَّةِ مِنْ غَيْرِ شُرُوطِ التَّخْرِيجِ وَالْإِحَاطَةِ بِهَا فَصَارَ يُفْتِي مَنْ لَمْ يُحِطْ بِالتَّقْيِيدَاتِ وَلَا بِالتَّخْصِيصَاتِ مِنْ مَنْقُولَاتِ إمَامِهِ وَذَلِكَ لَعِبٌ فِي دَيْنِ اللَّهِ تَعَالَى وَفُسُوقٌ مِمَّنْ يَتَعَمَّدُهُ أَوَ مَا عَلِمُوا أَنَّ الْمُفْتِيَ مُخْبِرٌ عَنْ اللَّهِ تَعَالَى وَأَنَّ مَنْ كَذَبَ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى أَوْ أَخْبَرَ عَنْهُ مَعَ ضَبْطِ ذَلِكَ الْخَبَرِ فَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى بِمَنْزِلَةِ الْكَاذِبِ عَلَى اللَّهِ فَلْيَتَّقِ اللَّهَ تَعَالَى امْرُؤٌ فِي نَفْسِهِ وَلَا يَقْدُمُ عَلَى قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ بِغَيْرِ شَرْطِهِ.
(تَنْبِيهٌ) :
كُلُّ شَيْءٍ أَفْتَى فِيهِ الْمُجْتَهِدُ فَخَرَجَتْ فُتْيَاهُ فِيهِ عَلَى خِلَافِ الْإِجْمَاعِ أَوْ الْقَوَاعِدِ أَوْ النَّصِّ أَوْ الْقِيَاسِ الْجَلِيِّ السَّالِمِ عَنْ الْمُعَارِضِ الرَّاجِحِ لَا يَجُوزُ لِمُقَلِّدِهِ أَنْ يَنْقُلَهُ لِلنَّاسِ وَلَا يُفْتِي بِهِ فِي دِينِ اللَّهِ تَعَالَى فَإِنَّ هَذَا الْحُكْمَ لَوْ حَكَمَ بِهِ حَاكِمٌ لَنَقَضْنَاهُ وَمَا لَا نُقِرُّهُ شَرْعًا بَعْدَ تَقَرُّرِهِ بِحُكْمِ الْحَاكِمِ أَوْلَى أَنْ لَا نُقِرَّهُ شَرْعًا إذَا لَمْ يَتَأَكَّدْ وَهَذَا لَمْ يَتَأَكَّدْ فَلَا نُقِرُّهُ شَرْعًا وَالْفُتْيَا بِغَيْرِ شَرْعٍ حَرَامٌ فَالْفُتْيَا بِهَذَا الْحُكْمِ حَرَامٌ وَإِنْ كَانَ الْإِمَامُ الْمُجْتَهِدُ غَيْرَ عَاصٍ بِهِ بَلْ مُثَابًا عَلَيْهِ لِأَنَّهُ بَذَلَ جَهْدَهُ عَلَى حَسَبِ مَا أُمِرَ بِهِ وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ عليه السلام «إذَا اجْتَهَدَ الْحَاكِمُ فَأَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ وَإِنْ أَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانِ» فَعَلَى هَذَا يَجِبُ عَلَى أَهْلِ الْعَصْرِ تَفَقُّدُ مَذَاهِبِهِمْ فَكُلُّ مَا وَجَدُوهُ مِنْ هَذَا النَّوْعِ يَحْرُمُ عَلَيْهِمْ الْفُتْيَا بِهِ وَلَا يَعْرَى مَذْهَبٌ مِنْ الْمَذَاهِبِ عَنْهُ لَكِنَّهُ قَدْ يَقِلُّ وَقَدْ يَكْثُرُ غَيْرَ أَنَّهُ لَا يَقْدِرُ أَنْ يَعْلَمَ هَذَا فِي مَذْهَبِهِ إلَّا مَنْ عَرَفَ الْقَوَاعِدَ وَالْقِيَاسَ الْجَلِيَّ وَالنَّصَّ الصَّرِيحَ وَعَدَمَ الْمُعَارِضِ لِذَلِكَ وَذَلِكَ يَعْتَمِدُ تَحْصِيلَ أُصُولِ الْفِقْهِ وَالتَّبَحُّرَ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
بِمَنْزِلَةِ كَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ بِمَعْنَى وُقُوعِهِمَا مَعًا جُزْءُ كَلَامٍ يَجُوزُ أَنْ تَعْمَلَ أُولَاهُمَا فِي الثَّانِيَةِ كَالْمُضَافِ إلَيْهِ وَلَا يَجُوزُ الْعَكْسُ إذْ لَمْ تُعْهَدْ كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ بَعْضُ أَجْزَائِهَا مُقَدَّمٌ مِنْ وَجْهٍ مُؤَخَّرٌ مِنْ آخَرَ فَكَذَلِكَ مَا هُوَ بِمَنْزِلَتِهَا فِي الْمَعْنَى فَمِنْ ثَمَّ لَمْ تَعْمَلْ صِلَةٌ فِي مَوْصُولٍ وَلَا تَابِعٌ فِي مَتْبُوعٍ وَلَا مُضَافٌ إلَيْهِ فِي مُضَافٍ.
وَأَمَّا كَلِمَةُ الشَّرْطِ وَالشَّرْطِ فَلَيْسَتَا كَكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ إذْ لَا يَقَعَانِ مَوْقِعَ الْمُفْرَدِ كَالْفَاعِلِ وَالْمَفْعُولِ وَالْمُبْتَدَأِ فَيَجُوزُ عَمَلُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي الْآخَرِ نَحْوُ مَتَى تَذْهَبْ أَذْهَبْ وَ {أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} [الإسراء: 110] نَعَمْ إنْ لَمْ يَعْمَلْ الشَّرْطُ فِي كَلِمَتِهِ نَحْوُ مَنْ قَامَ قُمْت جَازَ وُقُوعُهَا مَوْقِعَ الْمُبْتَدَأِ عَلَى مَا هُوَ مَذْهَبُ بَعْضِهِمْ اهـ.
قَالَ الشَّيْخُ الْأَبْيَارِيُّ فِي الْقَصْرِ الْمَبْنِيِّ أَيْ فَإِنَّ مَنْ هُنَا غَيْرُ ظَرْفٍ فَهِيَ تَعْمَلُ فِي الشَّرْطِ وَهُوَ لَا يَعْمَلُ فِيهَا لَكِنَّ هَذَا الْمَذْهَبَ ضَعِيفٌ اهـ إذْ لَا مَعْنَى لِجَعْلِ كَلِمَةِ إذَا مَعَ الشَّرْطِ إذَا جَزَمَتْ كَكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ وَجَعْلُهَا مَعَهُ إذَا لَمْ تَجْزِمْ لَيْسَتْ كَكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ وَأَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ قَدْ جَعَلُوهُمَا كَسَائِرِ كَلِمَاتِ الشَّرْطِ مَعَ شُرُوطِهَا مُطْلَقًا قَيْدًا لِجُمْلَةِ الْجَزَاءِ.
وَأَمَّا عَدَمُ تَسْلِيمِ إطْلَاقِ الْقَاعِدَةِ الْمَذْكُورَةِ كَمَا لِابْنِ الشَّاطِّ فَلَا يَحْتَاجُونَ لِشَيْءٍ مِنْ هَذِهِ التَّكَلُّفَاتِ فَتَأَمَّلْ بِإِنْصَافٍ بَلْ قَالَ ابْنُ الشَّاطِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَلَى الْجَزْمِ بِعَدَمِ تَسْلِيمِ إطْلَاقِهَا وَجَعَلَ إذَا فِي قَوْله تَعَالَى {وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ} [الكهف: 24] ظَرْفًا لِلنِّسْيَانِ.
وَلَمْ يُصَرِّحْ بِظَرْفِ الذِّكْرِ يَنْدَفِعُ مِنْ أَصْلِهِ مَا أَوْرَدَهُ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ عَلَى جَعْلِ إذَا ظَرْفًا لَا ذُكِرْ الَّذِي هُوَ الْجَوَابُ لِأَنَّهُ لَيْسَ مُضَافًا إلَيْهِ لَا لَنَسِيت الَّذِي هُوَ الشَّرْطُ وَإِنْ جَازَ بِالنَّظَرِ لِذَاتِهِ لِكَوْنِهِ مُضَافًا إلَيْهِ وَالْمُضَافُ إلَيْهِ لَا يَعْمَلُ فِي الْمُضَافِ مِنْ أَنَّ الذِّكْرَ ضِدُّ النِّسْيَانِ وَقَدْ دَلَّتْ الْآيَةُ عَلَى وُقُوعِهِمَا فِي إذَا وَالضِّدَّانِ لَا يَجْتَمِعَانِ فَكَيْفَ أَمَرَ بِالذِّكْرِ فِي زَمَنِ النِّسْيَانِ وَلَمْ نَحْتَجْ لِلْجَوَابِ عَنْهُ الْمَبْنِيِّ عَلَى صِحَّتِهِ بِأَنَّ الظَّرْفَ قَدْ يَكُونُ أَوْسَعَ مِنْ الْمَظْرُوفِ فَيَفْضُلُ مِنْ زَمَانِ إذَا زَمَانٌ لَيْسَ فِيهِ نِسْيَانٌ يَقَعُ فِيهِ الذِّكْرُ فَلَا يَجْتَمِعُ الضِّدَّانِ عَلَى أَنْ لَا يَصِحَّ أَنْ يَكُونَ الظَّرْفُ أَوْسَعَ مِنْ الْمَظْرُوفِ عَلَى الْحَقِيقَةِ وَإِنَّمَا مَعْنَى كَوْنِ الظَّرْفِ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَوْسَعَ مِنْ الْمَظْرُوفِ كَمَا مَرَّ أَنَّهُ يُطْلَقُ لَفْظُ الْيَوْمِ مَثَلًا فِي فِعْلٍ يَقَعُ فِي بَعْضِهِ لَا فِي جَمِيعِهِ وَذَلِكَ الْإِطْلَاقُ حَقِيقَةٌ لُغَوِيَّةٌ لِلْإِطْرَادِ وَلَيْسَ ذَلِكَ حَقِيقَةً مَعْنَوِيَّةً بِمَعْنَى أَنَّ ظَرْفَ الْفِعْلِ يَكُونُ أَوْسَعَ مِنْهُ فِي الْمَعْنَى فَإِنَّ ذَلِكَ شَيْءٌ لَا يَصِحُّ بِوَجْهٍ وَلَمْ يَزَلْ الْإِشْكَالُ يَقَعُ عِنْدَ كَثِيرٍ مِنْ النَّاسِ بَيْنَ الْحَقَائِقِ الْمَعْنَوِيَّةِ وَالْحَقَائِقِ اللَّفْظِيَّةِ فَيَظُنُّهَا شَيْئًا وَاحِدًا وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ قَالَ وَمَعْنَى قَوْله تَعَالَى {وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ} [الزخرف: 39] وَلَنْ يَنْفَعَكُمْ الْيَوْمَ اشْتِرَاكُكُمْ
فِي الْفِقْهِ فَإِنَّ الْقَوَاعِدَ لَيْسَتْ مُسْتَوْعَبَةً فِي أُصُولِ الْفِقْهِ بَلْ لِلشَّرِيعَةِ قَوَاعِدُ كَثِيرَةٌ جِدًّا عِنْدَ أَئِمَّةِ الْفَتْوَى وَالْفُقَهَاءِ لَا تُوجَدُ فِي كُتُبِ أُصُولِ الْفِقْهِ أَصْلًا وَذَلِكَ هُوَ الْبَاعِثُ لِي عَلَى وَضْعِ هَذَا الْكِتَابِ لِأَضْبِطَ تِلْكَ الْقَوَاعِدَ بِحَسَبِ طَاقَتِي وَلِاعْتِبَارِ هَذَا الشَّرْطِ يَحْرُمُ عَلَى أَكْثَرِ النَّاسِ الْفَتْوَى فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ فَهُوَ أَمْرٌ لَازِمٌ وَكَذَلِكَ كَانَ السَّلَفُ رضي الله عنهم مُتَوَقِّفِينَ فِي الْفُتْيَا تَوَقُّفًا شَدِيدًا وَقَالَ مَالِكٌ لَا يَنْبَغِي لِلْعَالِمِ أَنْ يُفْتِيَ حَتَّى يَرَاهُ النَّاسُ أَهْلًا لِذَلِكَ وَيَرَى هُوَ نَفْسَهُ أَهْلًا لِذَلِكَ يُرِيدُ تَثْبُتُ أَهْلِيَّتُهُ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ.
وَيَكُونُ هُوَ بِيَقِينٍ مُطَّلِعًا عَلَى مَا قَالَهُ الْعُلَمَاءُ فِي حَقِّهِ مِنْ الْأَهْلِيَّةِ لِأَنَّهُ قَدْ يَظْهَرُ مِنْ الْإِنْسَانِ أَمْرٌ عَلَى ضِدِّ مَا هُوَ عَلَيْهِ فَإِذَا كَانَ مُطَّلِعًا عَلَى مَا وَصَفَهُ بِهِ النَّاسُ حَصَلَ الْيَقِينُ فِي ذَلِكَ وَمَا أَفْتَى مَالِكٌ حَتَّى أَجَازَهُ أَرْبَعُونَ مُحَنَّكًا لِأَنَّ التَّحَنُّكَ وَهُوَ اللِّثَامُ بِالْعَمَائِمِ تَحْتَ الْحَنَكِ شِعَارُ الْعُلَمَاءِ حَتَّى إنَّ مَالِكًا سُئِلَ عَنْ الصَّلَاةِ بِغَيْرِ تَحَنُّكٍ فَقَالَ لَا بَأْسَ بِذَلِكَ وَهُوَ إشَارَةٌ إلَى تَأَكُّدِ التَّحْنِيكِ وَهَذَا هُوَ شَأْنُ الْفُتْيَا فِي الزَّمَنِ الْقَدِيمِ وَأَمَّا الْيَوْمَ فَقَدْ انْخَرَقَ هَذَا السِّيَاجُ وَسَهُلَ عَلَى النَّاسِ أَمْرُ دِينِهِمْ فَتَحَدَّثُوا فِيهِ بِمَا يَصْلُحُ وَبِمَا لَا يَصْلُحُ وَعَسُرَ عَلَيْهِمْ اعْتِرَافُهُمْ بِجَهْلِهِمْ وَأَنْ يَقُولَ أَحَدُهُمْ لَا يَدْرِي فَلَا جَرَمَ آلَ الْحَالُ لِلنَّاسِ إلَى هَذِهِ الْغَايَةِ بِالِاقْتِدَاءِ بِالْجُهَّالِ.
الْحَالَةُ الثَّالِثَةُ أَنْ يَصِيرَ طَالِبُ الْعِلْمِ إلَى مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ الشُّرُوطِ مَعَ الدِّيَانَةِ الْوَازِعَةِ وَالْعَدَالَةِ الْمُتَمَكِّنَةِ فَهَذَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُفْتِيَ فِي مَذْهَبِهِ نَقْلًا وَتَخْرِيجًا وَيَعْتَمِدُ عَلَى مَا يَقُولُهُ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ.
(الْفَرْقُ التَّاسِعُ وَالسَّبْعُونَ الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ النَّقْلِ وَقَاعِدَةِ الْإِسْقَاطِ) اعْلَمْ أَنَّ الْحُقُوقَ وَالْأَمْلَاكَ يَنْقَسِمُ التَّصَرُّفُ فِيهَا إلَى نَقْلٍ وَإِسْقَاطٍ فَالنَّقْلُ يَنْقَسِمُ إلَى مَا هُوَ بِعِوَضٍ فِي الْأَعْيَانِ كَالْبَيْعِ وَالْقَرْضِ وَإِلَى مَا هُوَ فِي الْمَنَافِعِ كَالْإِجَارَةِ وَالْمُسَاقَاةِ وَالْمُزَارَعَةِ وَالْقِرَاضِ وَالْجَعَالَةِ وَإِلَى مَا هُوَ بِغَيْرِ عِوَضٍ كَالْهَدَايَا وَالْوَصَايَا وَالْعُمْرَى وَالْوَقْفِ وَالْهِبَاتِ وَالصَّدَقَاتِ وَالْكَفَّارَاتِ وَالزَّكَاةِ وَالْمَسْرُوقِ مِنْ أَمْوَالِ الْكُفَّارِ وَالْغَنِيمَةِ فِي الْجِهَادِ فَإِنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ نَقْلُ مِلْكٍ فِي أَعْيَانٍ بِغَيْرِ عِوَضٍ.
وَأَمَّا الْإِسْقَاطُ فَهُوَ إمَّا بِعِوَضٍ كَالْخُلْعِ وَالْعَفْوِ عَلَى مَالٍ وَالْكِتَابَةِ وَبَيْعِ الْعَبْدِ مِنْ نَفْسِهِ وَالصُّلْحِ عَلَى الدَّيْنِ وَالتَّعْزِيرِ فَجَمِيعُ هَذِهِ الصُّوَرِ يَسْقُطُ فِيهَا الثَّابِتُ وَلَا يَنْتَقِلُ إلَى الْبَاذِلِ مَا كَانَ يَمْلِكُهُ الْمَبْذُولُ لَهُ مِنْ الْعِصْمَةِ وَبَيْعِ الْعَبْدِ وَنَحْوِهِمَا وَإِمَّا بِغَيْرِ عِوَضٍ كَالْإِبْرَاءِ مِنْ الدُّيُونِ وَالْقِصَاصِ وَالتَّعْزِيرِ وَحَدِّ الْقَذْفِ وَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَإِيقَافِ الْمَسَاجِدِ وَغَيْرِهَا فَجَمِيعُ هَذِهِ الصُّوَرِ يَسْقُطُ فِيهَا الثَّابِتُ وَلَا يَنْتَقِلُ لِغَيْرِ الْأَوَّلِ وَيَخْرُجُ عَلَى هَذَا الْفَرْقِ ثَلَاثُ مَسَائِلَ (الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى) الْإِبْرَاءُ مِنْ الدَّيْنِ هَلْ يَفْتَقِرُ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
فِي الْعَذَابِ بِسَبَبِ ظُلْمِكُمْ إذْ ظَلَمْتُمْ يَعْنِي أَنَّ إذْ ظَلَمْتُمْ تَعْلِيلٌ لِنَفْيِ النَّفْعِ الْمَأْخُوذِ مِنْ لَنْ أَيْ أَنَّهُمْ لِعِظَمِ مَا هُمْ فِيهِ لَا يُهَوِّنُ عَلَيْهِمْ اشْتِرَاكُهُمْ فِي الْعَذَابِ كَمَا كَانَ فِي الدُّنْيَا كَمَا فِي الْمُغْنِي وَحَوَاشِيهِ نَعَمْ ظَاهِرُ قَوْلِهِ بِسَبَبِ ظُلْمِكُمْ إذْ ظَلَمْتُمْ الْجَرْيُ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ إذَا التَّعْلِيلِيَّةَ ظَرْفٌ وَالتَّعْلِيلُ مُسْتَفَادٌ مِنْ قُوَّةِ الْكَلَامِ لَا مِنْ اللَّفْظِ فَإِنَّهُ إذَا قِيلَ ضَرَبْته إذْ أَسَاءَ وَأُرِيدَ بِإِذْ الْوَقْتُ اقْتَضَى ظَاهِرُ الْحَالِ أَنَّ الْإِسَاءَةَ سَبَبُ الضَّرْبِ لِأَنَّ تَعْلِيقَ الْحُكْمِ بِوَصْفٍ يُشْعِرُ بِعَلِيَّتِهِ لَا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهَا حَرْفٌ بِمَنْزِلَةِ لَامِ الْعِلَّةِ وَذَلِكَ لِقَوْلِهِ فِي الْمُغْنِي وَالْجُمْهُورُ لَا يُثْبِتُونَ هَذَا الْقِسْمَ أَيْ كَوْنَ إذْ حَرْفًا بِمَنْزِلَةِ لَامِ الْعِلَّةِ وَلِذَا قَالَ الرَّضِيُّ فِي قَوْله تَعَالَى {وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ} [الأحقاف: 11] الْآيَةَ وَقَوْلُهُ {وَإِذْ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ} الْآيَةَ.
وَقَوْلُهُ {فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتَابَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ} [المجادلة: 13] الْآيَةَ أَنَّ الْفَاءَ لِإِجْرَاءِ الظَّرْفِ مَجْرَى كَلِمَةِ الشَّرْطِ كَمَا ذَكَرَهُ سِيبَوَيْهِ فِي نَحْوِ زَيْدٌ حِينَ لَقِيته فَأَنَا أُكْرِمُهُ وَهُوَ فِي إذْ مُطَّرِدٌ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِنْ بَابِ {وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ} [المدثر: 5] أَيْ مِمَّا أُضْمِرَ فِيهِ وَإِنَّمَا جَازَ إعْمَالُ الْمُسْتَقْبَلِ الَّذِي هُوَ سَيَقُولُونَ وَآوَوْا وَأَقِيمُوا فِي الظُّرُوفِ الْمَاضِيَةِ الَّتِي هِيَ إذْ لَمْ يَهْتَدُوا وَمَا مَعَهُ وَإِنْ كَانَ وُقُوعُ الْمُسْتَقْبَلِ فِي الزَّمَنِ الْمَاضِي مُحَالًا لِمَا ذُكِرَ فِي نَحْوِ أَمَّا زَيْدٌ فَمُنْطَلِقٌ مِنْ أَنَّ الْغَرَضَ الْمَعْنَوِيَّ هُوَ قَصْدُ الْمُلَازَمَةِ حَتَّى كَانَ هَذِهِ الْأَفْعَالُ الْمُسْتَقْبَلَةُ وَقَعَتْ فِي الْأَزْمِنَةِ الْمَاضِيَةِ وَصَارَتْ لَازِمَةً لَهَا كُلُّ ذَلِكَ لِقَصْدِ الْمُبَالَغَةِ اهـ نَقَلَهُ الْأَبْيَارِيُّ فِي الْقَصْرِ لَكِنْ أَوْرَدَ فِي الْمُغْنِي عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ إذْ التَّعْلِيلِيَّةَ ظَرْفٌ إشْكَالَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ لَوْ اُسْتُفِيدَ التَّعْلِيلُ مِنْ قُوَّةِ الْكَلَامِ لَكَانَ إذَا حُذِفَتْ إذْ وَحَلَّ مَحَلُّهَا وَقْتٌ اُسْتُفِيدَ التَّعْلِيلُ مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ كَذَلِكَ لِاخْتِلَافِ زَمَنِ الْفِعْلَيْنِ فَإِنَّ يَنْفَعُ مُسْتَقْبَلٌ لِاقْتِرَانِهِ بِلَنْ وَظَلَمَ مَاضٍ وَكَذَا إذْ وَلَا بُدَّ فِي التَّعْلِيلِ مِنْ اتِّحَادِ الزَّمَانَيْنِ فِي الْمِثَالِ.
وَثَانِيهِمَا أَنَّ إذْ لَا تُبْدَلُ مِنْ الْيَوْمِ لِاخْتِلَافِ الزَّمَانَيْنِ أَيْ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ فَهُمَا مُتَبَايِنَانِ وَلَا يَصِحُّ إبْدَالُ أَحَدِ الْمُتَبَايِنَيْنِ مِنْ الْآخَرِ وَلَا تَكُونُ ظَرْفًا لِيَنْفَعَ لِأَنَّهُ لَا يَعْمَلُ فِي ظَرْفَيْنِ زَمَانِيَّيْنِ لَيْسَ أَحَدُهُمَا تَابِعًا لِلْآخَرِ وَلَا مُنْدَرِجًا فِيهِ مَعَ أَنَّ النَّفْعَ لَيْسَ وَاقِعًا فِي وَقْتِ الظُّلْمِ وَلَا تَكُونُ ظَرْفًا لَمُشْتَرِكُونَ لِأَنَّ مَعْمُولَ خَبَرِ الْأَحْرُفِ السِّتَّةِ يَعْنِي إنَّ وَأَخَوَاتِهَا لَا يَتَقَدَّمُ عَلَيْهَا.
وَلِأَنَّ مَعْمُولَ الصِّلَةِ لَا يَتَقَدَّمُ عَلَى الْمَوْصُولِ وَلِأَنَّ اشْتِرَاكَهُمْ فِي الْآخِرَةِ لَا فِي زَمَنِ ظُلْمِهِمْ وَأَجَابَ عَنْ هَذَا الثَّانِي بِأَرْبَعَةِ أَجْوِبَةٍ أَشَارَ لِأَوَّلِهَا وَثَانِيهَا بِقَوْلِهِ.
وَقَالَ أَبُو الْفَتْحِ رَاجَعْت أَبَا عَلِيٍّ مِرَارًا فِي قَوْله تَعَالَى {وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ} [الزخرف: 39] الْآيَةَ مُسْتَشْكِلًا إبْدَالَ إذْ مِنْ الْيَوْمِ فَآخِرُ مَا تَحَصَّلَ مِنْهُ أَنَّ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ مُتَّصِلَتَانِ وَأَنَّهُمَا فِي حُكْمِ اللَّهِ تَعَالَى سَوَاءٌ فَكَانَ الْيَوْمُ مَاضٍ أَوْ