الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَالْوُقُوفِ عَلَى بُقْعَةٍ خَاصَّةٍ دُونَ سَائِرِ الْبِقَاعِ
وَهَذِهِ مَصَالِحُ لَا تُحْصَى وَلَا تَصْلُحُ إلَّا لِلْمُبَاشِرِ
كَالصَّلَاةِ فِي حُكْمِهَا وَمَصَالِحِهَا فَمَنْ لَاحَظَ هَذَا الْمَعْنَى، وَهُوَ مَالِكٌ رضي الله عنه وَمَنْ وَافَقَهُ قَالُوا: لَا تَجُوزُ النِّيَابَةُ فِي الْحَجِّ وَمَنْ لَاحَظَ الْفَرْقَ بَيْنَ الْحَجِّ وَالصَّلَاةِ وَمُشَابَهَةَ النُّسُكِ فِي الْمَالِيَّةِ فَإِنَّ الْحَجَّ لَا يَعْرَى عَنْ الْقُرْبَةِ الْمَالِيَّةِ غَالِبًا فِي الْإِنْفَاقِ فِي الْأَسْفَارِ قَالَ تَجُوزُ النِّيَابَةُ فِي الْحَجِّ، وَالشَّائِبَةُ الْأُولَى أَقْوَى وَأَظْهَرُ وَهِيَ الَّتِي تَحْصُلُ فِي الْحَجِّ بِالذَّاتِ، وَالْمَالِيَّةُ إنَّمَا حَصَلَتْ بِطَرِيقِ الْعَرَضِ كَمَا تَحْصُلُ فِيمَنْ احْتَاجَ لِلرُّكُوبِ إلَى الْجُمُعَاتِ فَاكْتَرَى لِذَلِكَ فَإِنَّ الْمَالِيَّةَ عَارِضَةٌ فِي الْجُمُعَاتِ وَلَا تَصِحُّ النِّيَابَةُ فِيهَا إجْمَاعًا فَكَذَلِكَ يَنْبَغِي فِي الْحَجِّ وَهُوَ الْأَظْهَرُ وَبِهِ يَظْهَرُ رُجْحَانُ مَذْهَبِ مَالِكٍ رحمه الله عَلَى غَيْرِهِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ.
(الْفَرْقُ الْحَادِيَ عَشَرَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يُضْمَنُ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَا يُضْمَنُ)
اعْلَمْ أَنَّ أَسْبَابَ الضَّمَانِ فِي الشَّرِيعَةِ ثَلَاثَةٌ لَا رَابِعَ لَهَا أَحَدُهَا الْعُدْوَانُ كَالْقَتْلِ وَالْإِحْرَاقِ وَهَدْمِ الدُّورِ وَأَكْلِ الْأَطْعِمَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَسْبَابِ إتْلَافِ الْمُتَمَوَّلَاتِ فَمَنْ تَعَدَّى فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ وَجَبَ عَلَيْهِ الضَّمَانُ إمَّا الْمِثْلُ إنْ كَانَ مِثْلِيًّا، أَوْ الْقِيمَةُ إنْ كَانَ مُقَوَّمًا، أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ مِنْ الْجَوَابِرِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ قَاعِدَةِ الزَّوَاجِرِ وَالْجَوَابِرِ، وَثَانِيهَا التَّسَبُّبُ لِلْإِتْلَافِ كَحَفْرِ الْآبَارِ فِي طُرُقِ الْحَيَوَانِ فِي غَيْرِ الْأَرْضِ الْمَمْلُوكَةِ لِلْحَافِرِ، أَوْ فِي أَرْضِهِ لَكِنْ حَفَرَهَا لِهَذَا الْغَرَضِ وَكَوَقِيدِ النَّارِ قَرِيبًا مِنْ الزَّرْعِ، أَوْ الْأَنْدَرِ فَتَعْدُو فَتُحْرِقُ مَا جَاوَرَهَا وَكَرَمْيِ مَا يُزْلِقُ النَّاسَ فِي الطُّرُقَاتِ فَيَعْطَبُ بِسَبَبِ ذَلِكَ حَيَوَانٌ، أَوْ غَيْرُهُ وَكَالْكَلِمَةِ الْبَاطِلَةِ عِنْدَ ظَالِمٍ إغْرَاءً عَلَى مَالِ إنْسَانٍ فَإِنَّ الظَّالِمَ إذَا أَخَذَ الْمَالَ بِذَلِكَ السَّبَبِ مِنْ الْكَلَامِ ضَمِنَهُ الْمُتَكَلِّمُ وَكَتَقْطِيعِ الْوَثِيقَةِ الْمُتَضَمِّنَةِ لِلْحَقِّ وَلِلشَّهَادَةِ بِهِ فَيَضِيعُ الْحَقُّ بِسَبَبِ تَقْطِيعِهَا فَيَضْمَنُ عِنْدَ مَالِكٍ ذَلِكَ الْحَقَّ لِتَسَبُّبِهِ فِيهِ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يَضْمَنُ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
فَضَرَبَتْ بِيَدِهَا فَكَسَرَتْ الْقَصْعَةَ فَأَخَذَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الْكِسْرَتَيْنِ فَضَمَّ إحْدَاهُمَا إلَى الْأُخْرَى وَجَعَلَ فِيهَا جَمِيعَ الطَّعَامِ وَيَقُولُ غَارَتْ أُمُّكُمْ كُلُوا كُلُوا حَتَّى جَاءَتْ قَصْعَتُهَا الَّتِي فِي بَيْتِهَا وَحَبَسَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْقَصْعَةَ حَتَّى فَرَغُوا فَدَفَعَ الصَّفْحَةَ الصَّحِيحَةَ إلَى الرَّسُولِ وَحَبَسَ الْمَكْسُورَةَ فِي بَيْتِهِ» ، وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ «أَنَّ عَائِشَةَ كَانَتْ هِيَ الَّتِي غَارَتْ وَكَسَرَتْ الْإِنَاءَ وَأَنَّهَا قَالَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَا كَفَّارَةُ مَا صَنَعْتُ قَالَ: إنَاءٌ مِثْلُ إنَاءٍ وَطَعَامٌ مِثْلُ طَعَامٍ» كَمَا فِي بِدَايَةِ الْمُجْتَهِدِ، وَأَمَّا غَيْرُ ذَلِكَ مِنْ الْجَوَابِرِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي الْفَرْقِ التَّاسِعِ وَالثَّلَاثِينَ بَيْنَ قَاعِدَتَيْ الزَّوَاجِرِ وَالْجَوَابِرِ.
(وَصْلٌ) إذَا اجْتَمَعَ مِنْ أَسْبَابِ الضَّمَانِ الثَّلَاثَةِ سَبَبَانِ كَالْمُبَاشَرَةِ وَالتَّسَبُّبِ مِنْ جِهَتَيْنِ كَمَنْ حَفَرَ بِئْرًا لِإِنْسَانٍ لِيَقَعَ فِيهِ فَجَاءَهُ آخَرُ فَأَلْقَاهُ فِيهِ فَهَذَا مُبَاشِرٌ وَالْأَوَّلُ مُتَسَبِّبٌ فَالْغَالِبُ تَقْدِيمُ الْمُبَاشَرَةِ عَلَى التَّسَبُّبِ لِأَنَّ شَأْنَ الشَّرِيعَةِ تَقْدِيمُ الرَّاجِحِ عِنْدَ التَّعَارُضِ فَيُقَدَّمُ فِي الْمِثَالِ الْمَذْكُورِ الْمُلْقِي فَيَكُونُ الضَّمَانُ عَلَيْهِ دُونَ الْحَافِرِ وَقَدْ لَا تُقَدَّمُ الْمُبَاشَرَةُ عَلَى التَّسَبُّبِ لِضَعْفِهَا عَنْهُ بَلْ إمَّا أَنْ يُجْعَلَ الضَّمَانُ عَلَى الْمُبَاشِرِ وَالْمُتَسَبِّبِ مَعًا إذَا كَانَتْ الْمُبَاشَرَةُ مَغْمُورَةً كَقَتْلِ الْمُكْرَهِ فَإِنَّ الْقِصَاصَ يَجِبُ عَلَيْهَا وَلَا تُغَلَّبُ الْمُبَاشَرَةُ لِقُوَّةِ التَّسَبُّبِ، وَإِمَّا أَنْ يُجْعَلَ الضَّمَانُ عَلَى الْمُتَسَبِّبِ وَحْدَهُ إذَا وَقَعَتْ الْمُبَاشَرَةُ مِنْ نَفْسِ الْمَقْتُولِ جَهْلًا كَتَقْدِيمِ السُّمِّ لِإِنْسَانٍ فِي طَعَامِهِ فَيَأْكُلُهُ جَاهِلًا بِهِ فَإِنَّهُ مُبَاشِرٌ لِقَتْلِ نَفْسِهِ، وَوَاضِعُ السُّمِّ مُتَسَبِّبٌ فَالْقِصَاصُ عَلَى الْمُتَسَبِّبِ وَحْدَهُ أَوْ وَقَعَتْ الْمُبَاشَرَةُ مِنْ الْحُكَّامِ كَمَا إذَا شَهِدَ شُهُودُ الزُّورِ، أَوْ الْجَهَلَةُ بِمَا يُوجِبُ ضَيَاعَ الْمَالِ عَلَى الْإِنْسَانِ، ثُمَّ يَعْتَرِفُونَ بِالْكَذِبِ، أَوْ الْجَهَالَةِ فَإِنَّهُمْ يَضْمَنُونَ مَا أَتْلَفُوهُ بِشَهَادَتِهِمْ لِأَنَّهُمْ مُتَسَبِّبُونَ كَالْمُكْرِهِ بِكَسْرِ الرَّاءِ بِجَامِعِ مُطْلَقِ التَّسَبُّبِ وَلَا يُنْقَضُ الْحُكْمُ وَلَا يَضْمَنُ الْحَاكِمُ شَيْئًا مَعَ أَنَّهُ الْمُبَاشِرُ، وَالشَّاهِدَ مُتَسَبِّبٌ لِأَنَّ
الْمَصْلَحَةَ الْعَامَّةَ
قَدْ اقْتَضَتْ عَدَمَ تَضْمِينِ الْحُكَّامِ مَا أَخْطَئُوا فِيهِ لِأَنَّ الضَّمَانَ لَوْ تَطَرَّقَ إلَيْهِمْ مَعَ كَثْرَةِ الْحُكُومَاتِ وَتَرَدُّدِ الْخُصُومَاتِ لَزَهِدَ الْأَخْيَارُ فِي الْوِلَايَاتِ وَاشْتَدَّ امْتِنَاعُهُمْ فَيَفْسُدُ حَالُ النَّاسِ بِعَدَمِ الْحُكَّامِ فَكَانَ الشَّاهِدُ بِالضَّمَانِ أَوْلَى لِأَنَّهُ مُتَسَبِّبٌ لِلْحَاكِمِ فِي الْإِلْزَامِ وَالتَّنْفِيذِ وَكَمَا قِيلَ الْحَاكِمُ أَسِيرُ الشَّاهِدِ وَيَقَعُ فِي هَذَا الْبَابِ مَسَائِلُ كَثِيرَةٌ مُخْتَلَفٌ فِيهَا، وَلَكِنَّ الْأَصْلَ هُوَ مَا تَقَدَّمَ فِي أَسْبَابِ الضَّمَانِ وَعَدَمِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ تَدَاخُلِ الْجَوَابِرِ فِي الْحَجِّ وَقَاعِدَةِ مَا لَا يَتَدَاخَلُ الْجَوَابِرُ فِيهِ فِي الْحَجِّ]
(الْفَرْقُ الثَّانِيَ عَشَرَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ تَدَاخُلِ الْجَوَابِرِ فِي الْحَجِّ وَقَاعِدَةِ مَا لَا يَتَدَاخَلُ الْجَوَابِرُ فِيهِ فِي الْحَجِّ)
تَقَدَّمَ الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَتَيْ الْجَوَابِرِ وَالزَّوَاجِرِ مُطْلَقًا وَأَنَّهُ اُخْتُلِفَ فِي بَعْضِ الْكَفَّارَاتِ هَلْ هِيَ زَوَاجِرُ لِمَا فِيهَا مِنْ مَشَاقِّ تَحَمُّلِ الْأَمْوَالِ وَغَيْرِهَا، أَوْ هِيَ جَوَابِرُ لِأَنَّهَا عِبَادَاتٌ لَا تَصِحُّ إلَّا بِنِيَّاتٍ وَلَيْسَ التَّقَرُّبُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى زَاجِرًا بِخِلَافِ الْحُدُودِ وَالتَّعْزِيرَاتِ فَإِنَّهَا لَيْسَتْ قُرُبَاتٍ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ فِعْلًا لِلْمَزْجُورِينَ وَذَكَرَ الشَّيْخُ مُنْلَا عَلِيٌّ قَارِي فِي شَرْحِهِ عَلَى الْمَنْسَكِ الْمُتَوَسِّطِ فِي كَفَّارَاتِ الْحَجِّ ثَلَاثَةَ أَقْوَالٍ: الْأَوَّلُ لِلشَّافِعِيَّةِ أَنَّهَا كَالْحُدُودِ زَوَاجِرُ لَا جَوَابِرُ قَالَ فَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ جَمَاعَةَ عَنْ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ أَنَّهُ إذَا ارْتَكَبَ مَحْظُورَ الْإِحْرَامِ عَامِدًا يَأْثَمُ وَلَا يُخْرِجُهُ الْفِدْيَةُ وَالْعَزْمُ عَلَيْهَا عَنْ كَوْنِهِ عَاصِيًا قَالَ النَّوَوِيُّ وَرُبَّمَا ارْتَكَبَ بَعْضُ الْعَامَّةِ شَيْئًا مِنْ هَذِهِ الْمُحَرَّمَاتِ
ثَمَنَ الْوَرَقَةِ خَاصَّةً فَاعْتَبَرَ الْإِتْلَافَ دُونَ السَّبَبِ وَمَالِكٌ اعْتَبَرَهُمَا مَعًا وَرَأَى أَنَّهُ أَتْلَفَ الْحَقَّ بِالْمُبَاشَرَةِ بِالْإِتْلَافِ وَأَتْلَفَ الْحَقَّ بِالتَّسَبُّبِ فَرَتَّبَ عَلَى الْوَجْهَيْنِ مُقْتَضَاهُمَا وَكَمَنْ مَرَّ عَلَى حِبَالَةٍ فَوَجَدَ فِيهَا صَيْدًا يُمْكِنُهُ تَخْلِيصُهُ وَحَوْزُهُ لِصَاحِبِهِ فَتَرَكَهُ حَتَّى مَاتَ يَضْمَنُهُ عِنْدَ مَالِكٍ؛ لِأَنَّ صَوْنَ مَالِ الْمُسْلِمِ وَاجِبٌ وَمَنْ تَرَكَ وَاجِبًا فِي الصَّوْنِ ضَمِنَ وَكَذَلِكَ إذَا مَرَّ بِلُقَطَةٍ يَعْلَمُ أَنَّهُ إذَا تَرَكَهَا أَخَذَهَا مَنْ يَجْحَدُهَا وَجَبَ عَلَيْهِ أَخْذُهَا.
وَإِنْ تَرَكَهَا حَتَّى تَلِفَتْ مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى أَخْذِهَا ضَمِنَهَا وَلِلسَّبَبِ الْمُوجِبِ لِلضَّمَانِ نَظَائِرُ كَثِيرَةٌ مِنْهَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَمِنْهَا مُخْتَلَفٌ فِيهِ لَكِنْ حَصَلَ الِاتِّفَاقُ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ عَلَى أَنَّ التَّسَبُّبَ مُوجِبٌ لِلضَّمَانِ.
وَثَالِثُهَا وَضْعُ الْيَدِ الَّتِي لَيْسَتْ بِمُؤْتَمَنَةٍ وَقَوْلِي " لَيْسَتْ بِمُؤْتَمَنَةٍ " خَيْرٌ مِنْ قَوْلِي الْيَدُ الْعَادِيَةُ فَإِنَّ الْيَدَ الْعَادِيَةَ تَخْتَصُّ بِالسُّرَّاقِ وَالْغُصَّابِ وَنَحْوِهِمْ، وَتَبْقَى مِنْ الْأَيْدِي الْمُوجِبَةِ لِلضَّمَانِ قَبْضٌ بِغَيْرِ عُدْوَانٍ بَلْ بِإِذْنِ الْمَالِكِ كَقَبْضِ الْمَبِيعِ، أَوْ بَقَاءِ يَدِ الْبَائِعِ فَإِنَّهُ مِنْ ضَمَانِ الْبَائِعِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَمِنْ ضَمَانِ الْمُشْتَرِي بَعْدَ الْقَبْضِ مَعَ عَدَمِ الْعُدْوَانِ وَكَقَبْضِ الْمَبِيعِ بَيْعًا فَاسِدًا فَإِنَّهُ مِنْ ضَمَانِ الْمُشْتَرِي عِنْدَنَا بِالْقِيمَةِ إذَا تَغَيَّرَ سُوقُهُ، أَوْ تَغَيَّرَ فِي ذَاتِهِ أَوْ تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْغَيْرِ، أَوْ تَلِفَ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ، أَوْ أَتْلَفَهُ الْمُشْتَرِي وَهَذَا السَّبَبُ الْأَخِيرُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الشَّافِعِيَّةِ دُونَ مَا قَبْلَهُ مِنْ حَوَالَةِ الْأَسْوَاقِ وَنَحْوِهَا وَكَقَبْضِ الْعَوَارِيِّ وَالرُّهُونِ الَّتِي يُغَابُ عَلَيْهَا كَالْحُلِيِّ وَالسِّلَاحِ وَأَنْوَاعِ الْعُرُوضِ عَلَى الْخِلَافِ فِي ذَلِكَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الشَّافِعِيُّ وَكَقَبْضِ الْأَعْيَانِ الَّتِي تُقْتَرَضُ فَإِنَّ الْمُقْتَرِضَ يَضْمَنُهَا اتِّفَاقًا مَعَ عَدَمِ الْعُدْوَانِ وَنَظَائِرُهَا كَثِيرَةٌ وَخَرَجَ بِقَوْلِي " الَّتِي لَيْسَتْ بِمُؤْتَمَنَةٍ " الْيَدُ الْمُؤْتَمَنَةُ كَوَضْعِ الْيَدِ فِي الْوَدَائِعِ وَالْقِرَاضِ وَالْمُسَاقَاةِ وَأَيْدِي الْأُجَرَاءِ.
وَوَضْعُ الْأَيْدِي عِنْدَ مَالِكٍ فِي الْإِجَارَةِ تَخْتَلِفُ فَاسْتَثْنَى مِنْهَا صُورَتَيْنِ: الْأَجِيرَ الَّذِي يُؤَثِّرُ فِي الْأَعْيَانِ بِصَنْعَتِهِ كَالْخَيَّاطِ وَالصَّبَّاغِ وَالْقَصَّارِ؛ لِأَنَّ السِّلْعَةَ إذَا تَغَيَّرَتْ بِالصَّنْعَةِ لَا يَعْرِفُهَا رَبُّهَا إذَا وَجَدَهَا قَدْ بِيعَتْ فِي الْأَسْوَاقِ
فَكَانَ الْأَصْلَحُ لِلنَّاسِ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
وَقَالَ أَنَا أَفْتَدِي مُتَوَهِّمًا أَنَّهُ بِالْتِزَامِ الْفِدْيَةِ يَتَخَلَّصُ مِنْ وَبَالِ الْمَعْصِيَةِ وَذَلِكَ خَطَأٌ صَرِيحٌ وَجَهْلٌ قَبِيحٌ فَإِنَّهُ يَحْرُمُ عَلَيْهِ الْفِعْلُ فَإِذَا خَالَفَ أَثِمَ وَلَزِمَتْهُ الْفِدْيَةُ وَلَيْسَتْ الْفِدْيَةُ مُبِيحَةً لِلْإِقْدَامِ عَلَى فِعْلِ الْمُحَرَّمِ، وَجَهَالَةُ هَذَا الْفِعْلِ كَجَهَالَةِ مَنْ يَقُولُ أَنَا أَشْرَبُ الْخَمْرَ وَأَزْنِي وَالْحَدُّ يُطَهِّرُنِي وَمَنْ فَعَلَ شَيْئًا مِمَّا يُحْكَمُ بِتَحْرِيمِهِ فَقَدْ أَخْرَجَ حَجَّهُ عَنْ أَنْ يَكُونَ مَبْرُورًا اهـ.
الثَّانِي وَالثَّالِثُ لِأَصْحَابِهِ الْأَحْنَافِ أَنَّهَا وَسَائِرَ الْكَفَّارَاتِ لَيْسَتْ كَالْحُدُودِ فِي كَوْنِهَا زَوَاجِرَ بَلْ هِيَ جَوَابِرُ إمَّا مُطْلَقًا، أَوْ لِغَيْرِ الْمُصِرِّ قَالَ وَقَدْ صَرَّحَ أَصْحَابُنَا بِأَنَّ الْحَدَّ لَا يَكُونُ طُهْرَةً مِنْ الذَّنْبِ وَلَا يَعْمَلُ فِي سُقُوطِ الْإِثْمِ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ التَّوْبَةِ فَإِنْ تَابَ كَانَ الْحَدُّ طُهْرَةً لَهُ وَسَقَطَتْ عَنْهُ الْعُقُوبَةُ الْأُخْرَوِيَّةُ بِالْإِجْمَاعِ، وَإِلَّا فَلَا.
وَأَمَّا الْكَفَّارَةُ فَفِيهَا قَوْلَانِ: الْأَوَّلُ لِصَاحِبِ الْمُلْتَقَطِ قَالَ فِي بَابِ الْإِيمَانِ: إنَّ الْكَفَّارَةَ تَرْفَعُ الْإِثْمَ، وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ التَّوْبَةُ مِنْ تِلْكَ الْجِنَايَةِ اهـ.
وَالثَّانِي لِلشَّيْخِ نَجْمِ الدِّينِ النَّسَفِيِّ فَقَدْ ذَكَرَ فِي تَفْسِيرِ التَّيْسِيرِ عِنْدَ قَوْله تَعَالَى {فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [البقرة: 178] أَيْ اصْطَادَ بَعْدَ هَذَا الِابْتِدَاءِ قِيلَ هُوَ الْعَذَابُ فِي الْآخِرَةِ مَعَ الْكَفَّارَةِ فِي الدُّنْيَا إذَا لَمْ يَتُبْ مِنْهُ فَإِنَّهَا لَا تَرْفَعُ الذَّنْبَ عَنْ الْمُصِرِّ اهـ، وَهَذَا تَفْصِيلٌ حَسَنٌ وَتَقْيِيدٌ مُسْتَحْسَنٌ يُجْمَعُ بِهِ بَيْنَ الْأَدِلَّةِ وَالرِّوَايَاتِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِحَقَائِقِ الْحَالَاتِ اهـ بِتَوْضِيحٍ لِلْمُرَادِ.
وَكَفَّارَاتُ الْحَجِّ ثَلَاثٌ: (الْكَفَّارَةُ الْأُولَى) جَزَاءُ الصَّيْدِ وَهُوَ دَمُ تَخْيِيرٍ بَيْنَ مَا يَعْدِلُهُ الْحُكْمَانِ يَجِبُ لِقَتْلِ صَيْدٍ بَرِّيٍّ فِي الْإِحْرَامِ، أَوْ الْحَرَمِ مَأْكُولًا، أَوْ غَيْرَهُ وَحْشِيًّا، أَوْ مُتَأَنِّسًا مَمْلُوكًا، أَوْ مُبَاحًا فَيُحَكِّمُ قَاتِلُهُ حَكَمَيْنِ عَدْلَيْنِ عَدَالَةَ شَهَادَةٍ فَقِيهَيْنِ بِأَحْكَامِ الصَّيْدِ وَلَمَّا أَشْبَهَ جَزَاءُ الصَّيْدِ إتْلَافَ أَمْوَالِ النَّاسِ وَكَانَ الْإِجْمَاعُ مُنْعَقِدًا عَلَى تَعَدُّدِ الضَّمَانِ فِيمَا يَتَعَدَّدُ الْإِتْلَافُ فِيهِ وَأَنَّ الْعَمْدَ وَالْخَطَأَ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ قَالَهُ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَتَعَدَّدُ الْجَزَاءُ بِتَعَدُّدِ الصَّيْدِ وَلَوْ خَطَأً عَلَى قَاعِدَةِ الْإِتْلَافِ بَلْ الْجَاهِلُ هَهُنَا كَالْجَاهِلِ فِي الصَّلَاةِ يَجْرِي مَجْرَى الْعَامِدِ لَا مَجْرَى النَّاسِي لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي الْعِصْيَانِ هَذَا بِعَمْدِهِ وَهَذَا بِتَرْكِ تَعَلُّمِهِ وَبِهَذَا أَيْضًا قَالَ الْحَنَابِلَةُ فَفِي كَشَّافِ الْقِنَاعِ عَلَى الْإِقْنَاعِ مَعَ الْمَتْنِ وَتَتَعَدَّدُ كَفَّارَةُ الصَّيْدِ أَيْ جَزَاؤُهُ بِتَعَدُّدِهِ أَيْ الصَّيْدِ وَلَوْ قُتِلَتْ الصَّيُودُ مَعًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ} [المائدة: 95] قَالَ.
وَقَالَ أَحْمَدُ إذَا جَامَعَ أَهْلَهُ بَطَلَ حَجُّهُ لِأَنَّهُ شَيْءٌ لَا يَقْدِرُ عَلَى رَدِّهِ وَالصَّيْدُ إذَا قَتَلَهُ فَقَدْ ذَهَبَ لَا يَقْدِرُ عَلَى رَدِّهِ وَالشَّعْرُ إذَا حَلَقَهُ فَقَدْ ذَهَبَ فَهَذِهِ الثَّلَاثَةُ الْعَمْدُ وَالْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ فِيهَا سَوَاءٌ قَالَ وَيُلْحَقُ بِالْحَلْقِ التَّقْلِيمُ بِجَامِعِ الْإِتْلَافِ اهـ.
وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يَتَّحِدُ الْجَزَاءُ بِالتَّأْوِيلِ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يُعْذَرُ بِالتَّأْوِيلِ وَالنِّسْيَانِ وَالْجَهْلِ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ كَالْوَطْءِ فِي رَمَضَانَ نَاسِيًا فَأُلْحِقَ الْجَاهِلُ بِالنَّاسِي لَا بِالْعَامِدِ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْجَهْلِ الَّذِي هُوَ عُذْرٌ فِي الشَّرِيعَةِ وَالْجَهْلِ الَّذِي لَيْسَ عُذْرًا فِي الشَّرِيعَةِ وَبَيْنَ الْعِلْمِ الَّذِي هُوَ فَرْضُ عَيْنٍ وَالْعِلْمِ الَّذِي هُوَ فَرْضُ كِفَايَةٍ، وَمُقْتَضَى تِلْكَ الْقَوَاعِدِ أَنْ يَضْمَنَ الْجَاهِلُ هَهُنَا فَإِنَّ الْأَصْلَ وُجُوبُ تَحْصِيلِ الْعِلْمِ، وَأَنَّ تَارِكَ التَّعَلُّمِ عَاصٍ وَلَيْسَ الْجَهْلُ هَهُنَا مِمَّا يَشُقُّ الِاحْتِرَازُ مِنْهُ عَلَى الْمُكَلَّفِ حَتَّى يَعْذُرَهُ الشَّرْعُ بِهِ كَمَنْ أَكَلَ طَعَامًا نَجِسًا لَا يَعْلَمُ أَوْ وَطِئَ أَجْنَبِيَّةً يَظُنُّهَا امْرَأَتَهُ أَوْ شَرِبَ خَمْرًا يَظُنُّهَا جُلَّابًا، وَنَحْوَ ذَلِكَ وَلِذَلِكَ أَجْرَى مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - الْجَاهِلَ فِي الصَّلَاةِ مَجْرَى الْعَامِدِ لَا مَجْرَى النَّاسِي لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي الْعِصْيَانِ
تَضْمِينَ الْأُجَرَاءِ فِي ذَلِكَ وَهُوَ مِنْ بَابِ الِاسْتِحْسَانِ وَلَمْ يَرَهُ الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه بَلْ طَرَدَ قَاعِدَةَ الْأَمَانَةِ فِي الْإِجَارَةِ، وَالْأَجِيرَ عَلَى حَمْلِ الطَّعَامِ الَّذِي تَتُوقُ النَّفْسُ إلَى تَنَاوُلِهِ كَالْفَوَاكِهِ وَالْأَشْرِبَةِ وَالْأَطْعِمَةِ الْمَطْبُوخَةِ فَإِنَّ الْأَجِيرَ يَضْمَنُ سَدًّا لِذَرِيعَةِ التَّنَاوُلِ مِنْهَا وَطَرَدَ الشَّافِعِيُّ الْقَاعِدَةَ أَيْضًا هَهُنَا فَلَمْ يَضْمَنْ أَيْضًا وَكَأَيْدِي الْأَوْصِيَاءِ عَلَى أَمْوَالِ الْيَتَامَى، وَالْحُكَّامِ عَلَى ذَلِكَ وَأَمْوَالِ الْغَائِبِينَ وَالْمَجَانِينِ فَجَمِيعُ ذَلِكَ لَا ضَمَانَ فِيهِ؛ لِأَنَّ الْأَيْدِيَ فِيهِ مُؤْتَمَنَةٌ فَهَذِهِ الْأَسْبَابُ الثَّلَاثَةُ هِيَ أَسْبَابُ الضَّمَانِ فَهِيَ قَاعِدَةُ مَا يُضْمَنُ وَمَا عَدَاهَا فَهُوَ قَاعِدَةُ مَا لَا يُضْمَنُ كَمَا تَقَدَّمَ مِنْ النَّظَائِرِ، وَإِذَا اجْتَمَعَ مِنْهَا سَبَبَانِ كَالْمُبَاشَرَةِ وَالتَّسَبُّبِ مِنْ جِهَتَيْنِ غُلِّبَتْ الْمُبَاشَرَةُ عَلَى التَّسَبُّبِ كَمَنْ حَفَرَ بِئْرًا لِإِنْسَانٍ لِيَقَعَ فِيهِ فَجَاءَهُ آخَرُ فَأَلْقَاهُ فِيهِ فَهَذَا مُبَاشِرٌ وَالْأَوَّلُ مُتَسَبِّبٌ فَالضَّمَانُ عَلَى الثَّانِي دُونَ الْأَوَّلِ تَقْدِيمًا لِلْمُبَاشَرَةِ عَلَى التَّسَبُّبِ؛ لِأَنَّ شَأْنَ الشَّرِيعَةِ تَقْدِيمُ الرَّاجِحِ عِنْدَ التَّعَارُضِ إلَّا أَنْ تَكُونَ الْمُبَاشَرَةُ مَغْمُورَةً كَقَتْلِ الْمُكْرَهِ فَإِنَّ الْقِصَاصَ يَجِبُ عَلَيْهِمَا وَلَا تُغَلَّبُ الْمُبَاشَرَةُ لِقُوَّةِ التَّسَبُّبِ وَكَتَقْدِيمِ السُّمِّ لِإِنْسَانٍ فِي طَعَامِهِ فَيَأْكُلُهُ جَاهِلًا بِهِ فَإِنَّهُ مُبَاشِرٌ لِقَتْلِ نَفْسِهِ.
وَوَاضِعُ السُّمِّ مُتَسَبِّبٌ، وَالْقِصَاصُ عَلَى الْمُتَسَبِّبِ وَحْدَهُ وَكَشُهُودِ الزُّورِ، أَوْ الْجَهَلَةِ يَشْهَدُونَ بِمَا يُوجِبُ ضَيَاعَ الْمَالِ عَلَى إنْسَانٍ، ثُمَّ يَعْتَرِضُونَ بِالْكَذِبِ، أَوْ الْجَهَالَةِ فَإِنَّهُمْ يَضْمَنُونَ مَا أَتْلَفُوهُ بِشَهَادَتِهِمْ وَلَا يُنْقَضُ الْحُكْمُ وَلَا يَضْمَنُ الْحَاكِمُ شَيْئًا مَعَ أَنَّهُ الْمُبَاشِرُ، وَالشَّاهِدَ مُتَسَبِّبٌ، غَيْرَ أَنَّ
الْمَصْلَحَةَ الْعَامَّةَ
قَدْ اقْتَضَتْ عَدَمَ تَضْمِينِ الْحُكَّامِ مَا اخْطَئُوا فِيهِ؛ لِأَنَّ الضَّمَانَ لَوْ تَطَرَّقَ إلَيْهِمْ مَعَ كَثْرَةِ الْحُكُومَاتِ وَتَرَدُّدِ الْخُصُومَاتِ لَزَهِدَ الْأَخْيَارُ فِي الْوِلَايَاتِ وَاشْتَدَّ امْتِنَاعُهُمْ فَيَفْسُدُ حَالُ النَّاسِ بِعَدَمِ الْحُكَّامِ فَكَانَ الشَّاهِدُ بِالضَّمَانِ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ مُتَسَبِّبٌ لِلْحَاكِمِ فِي الْإِلْزَامِ وَالتَّنْفِيذِ وَكَمَا قِيلَ الْحَاكِمُ أَسِيرُ الشَّاهِدِ وَيَقَعُ فِي هَذَا الْبَابِ مَسَائِلُ كَثِيرَةٌ مُخْتَلَفٌ فِيهَا وَلَكِنَّ الْأَصْلَ هُوَ مَا قَدَّمْته فِي أَسْبَابِ الضَّمَانِ وَعَدَمِهِ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
هَذَا بِعَمْدِهِ وَهَذَا بِتَرْكِ تَعَلُّمِهِ.
(الْكَفَّارَةُ الثَّانِيَةُ) الْفِدْيَةُ وَهِيَ دَمُ تَخْيِيرٍ بَيْنَ مُقَدَّرٍ شَرْعًا فِي قَوْله تَعَالَى {فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} [البقرة: 196] يَجِبُ بِفِعْلِ الْمُتَلَبِّسِ بِالْإِحْرَامِ مَا فِيهِ تَرَفُّهٌ، أَوْ إزَالَةُ أَذًى مِنْ الْمَمْنُوعَاتِ كَأَنْ يَلْبَسَ مَخِيطًا مَعْمُولًا عَلَى قَدْرِ الْبَدَنِ، أَوْ بَعْضِهِ عَلَى الْوَجْهِ الْمُعْتَادِ، أَوْ يَسْتَعْمِلَ طِيبًا مُؤَنَّثًا، أَوْ يَدْهُنَ شَعْرَ رَأْسِهِ، أَوْ لِحْيَتَهُ، أَوْ سَائِرَ جَسَدِهِ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِي الدُّهْنِ طِيبٌ مَا لَمْ يَدْهُنْ بَاطِنَ كَفِّهِ وَقَدَمَيْهِ لِشُقُوقٍ وَنَحْوِهَا بِمَا لَا طِيبَ فِيهِ، وَإِلَّا فَلَا فِدْيَةَ، أَوْ يُزِيلَ وَسَخًا عَنْ ظَاهِرِ بَدَنِهِ، أَوْ يُزِيلَ ظُفُرًا وَاحِدًا لِإِمَاطَةِ أَذًى عَنْهُ، أَوْ ظُفُرَيْنِ فَأَكْثَرَ لِلتَّرَفُّهِ لَا ظُفُرًا وَاحِدًا لِكَسْرٍ بِقَدْرِهِ، أَوْ يُزِيلَ شَعْرًا كَثِيرًا زَائِدًا عَلَى اثْنَيْ عَشَرَ مُطْلَقًا أَوْ شَعْرَةً وَاحِدَةً لِإِمَاطَةِ أَذًى عَنْهُ أَوْ يَقْتُلَ قَمْلًا كَثِيرًا زَائِدًا عَلَى اثْنَيْ عَشَرَ وَلَا يُوجِبُهَا اللُّبْسُ إلَّا إذَا انْتَفَعَ بِهِ مِنْ حَرٍّ، أَوْ بَرْدٍ، أَوْ دَامَ عَلَيْهِ كَالْيَوْمِ كَمَا فِي ابْنِ شَاسٍ فَقَيَّدَ بِقَوْلِهِ كَالْيَوْمِ لِأَنَّهُ انْتِفَاعٌ مِنْ حَرٍّ، أَوْ بَرْدٍ فِي الْجُمْلَةِ وَيُوجِبُهَا مَا عَدَا اللُّبْسَ بِلَا تَفْصِيلٍ لِأَنَّهُ لَا يَقَعُ إلَّا مُنْتَفَعًا بِهِ كَمَا فِي عبق وَقَاعِدَةُ الْفِدْيَةِ أَنَّ النِّسْيَانَ وَالْعُذْرَ فِي ارْتِكَابِ مُوجِبِهَا لَا يُسْقِطُهَا، وَإِنَّمَا يُسْقِطُ الْإِثْمَ كَمَا فِي الْأَصْلِ وَالْمُخْتَصَرِ وَضَابِطُ قَاعِدَةِ مَا تَتَّحِدُ فِيهِ وَمَا تَتَعَدَّدُ عِنْدَ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ مَتَى اُرْتُكِبَتْ مُوجِبَاتُهَا لِمُسْتَنَدٍ مُحَقَّقٍ أَوْ اتَّحَدَتْ النِّيَّةُ، أَوْ الزَّمَانُ بِأَنْ يَكُونَ الْكُلُّ عَلَى الْفَوْرِ، أَوْ السَّبَبُ بِأَنْ يُقَدِّمَ مَا نَفْعُهُ أَعَمُّ عَلَى مَا نَفْعُهُ أَخَصُّ عِنْدَنَا، أَوْ يَتَّحِدَ الْمَرَضُ، أَوْ غَيْرُهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ اتَّحَدَتْ الْفِدْيَةُ وَيُزَادُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، أَوْ اتَّحَدَ الْجِنْسُ قَالَ فِي الْمَنْسَكِ الْمُتَوَسِّطِ الْمُسَمَّى بِلُبَابِ الْمَنَاسِكِ.
وَمَا ذُكِرَ مِنْ اتِّحَادِ الْجَزَاءِ فِي تَعَدُّدِ الْجِنَايَةِ إنَّمَا هُوَ فِيمَا إذَا اتَّحَدَ جِنْسُ الْجِنَايَةِ فَاللُّبْسُ جِنْسٌ وَالطِّيبُ جِنْسٌ وَالْحَلْقُ جِنْسٌ وَقَلْمُ الْأَظْفَارِ جِنْسٌ اهـ أَيْ وَقِسْ عَلَى ذَلِكَ وَمَتَى اُرْتُكِبَتْ مُوجِبَاتُهَا جَهْلًا مَحْضًا، أَوْ تَعَدَّدَتْ النِّيَّةُ أَوْ الزَّمَانُ، أَوْ السَّبَبُ بِأَنْ يُقَدِّمَ مَا نَفْعُهُ أَخَصُّ عَلَى مَا نَفْعُهُ أَعَمُّ عِنْدَنَا وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ بِأَنْ يَلْبَسَ فِي مَوْضِعَيْنِ: أَحَدُهُمَا لِعُذْرٍ وَالْآخَرُ لِغَيْرِ عُذْرٍ، أَوْ لِعُذْرٍ آخَرَ سَوَاءٌ يَكُونُ عَلَى وَجْهِ الِاسْتِمْرَارِ أَوْ الِانْفِصَالِ بَيْنَهُمَا بِالْخُلْعِ وَالِاسْتِرْجَاعِ كَمَا فِي شَرْحِ الْقَارِيّ عَلَى الْمَنْسَكِ الْمُتَوَسِّطِ، أَوْ كَفَّرَ لِلْمُوجِبِ الْأَوَّلِ قَبْلَ فِعْلِ الثَّانِي كَأَنْ لَبِسَ، ثُمَّ كَفَّرَ وَدَامَ عَلَى لُبْسِهِ، أَوْ نَزَعَ، ثُمَّ كَفَّرَ، ثُمَّ لَبِسَ تَعَدَّدَتْ الْفِدْيَةُ وَيُزَادُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، أَوْ يَجْمَعُ بَيْنَ الْأَجْنَاسِ الْمُخْتَلِفَةِ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ قَالَ فِي الْمَنْسَكِ الْمُتَوَسِّطِ فَإِذَا جَمَعَ بَيْنَهُمَا فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ لَمْ يَتَّحِدْ الْجَزَاءُ بَلْ يَتَعَدَّدُ لِكُلِّ جِنْسٍ مُوجَبُهُ - بِفَتْحِ الْجِيمِ أَيْ الَّذِي أَوْجَبَهُ الشَّارِعُ - بِحَسَبِ اخْتِلَافِ مُوجِبِهِ فَمَوَاضِعُ اتِّحَادِهَا عِنْدَ أَصْحَابِنَا أَرْبَعَةٌ وَعِنْدَ الْإِمَامِ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله خَمْسَةٌ:
الْمَوْضِعُ الْأَوَّلُ ظَنُّ إبَاحَةِ أَسْبَابِهَا لِمُسْتَنَدٍ وَصُورَةٍ عِنْدَنَا قَالَ الْحَطَّابُ: ثَلَاثَةٌ؛ الْأُولَى قَالَ سَنَدٌ مَنْ يَطُوفُ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ فِي عُمْرَتِهِ، ثُمَّ يَسْعَى وَيُحِلُّ أَيْ فَيَنْعَقِدُ أَنَّهُ خَرَجَ مِنْ إحْرَامِهِ فَيَفْعَلُ سَائِرَ مُوجِبَاتِ الْفِدْيَةِ
الثَّانِيَةُ مَنْ يَرْفُضُ إحْرَامَهُ فَيَعْتَقِدُ اسْتِبَاحَةَ مَوَانِعِهِ.
الثَّالِثَةُ مَنْ أَفْسَدَ إحْرَامَهُ بِالْوَطْءِ، ثُمَّ فَعَلَ مُوجِبَاتِ الْفِدْيَةِ مُتَأَوِّلًا بِأَنَّ الْإِحْرَامَ
(الْفَرْقُ الثَّانِيَ عَشَرَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ تَدَاخُلِ الْجَوَابِرِ فِي الْحَجِّ وَقَاعِدَةِ مَا لَا يَتَدَاخَلُ الْجَوَابِرُ فِيهِ فِي الْحَجِّ)
تَقَدَّمَ الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْجَوَابِرِ وَالزَّوَاجِرِ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ، وَالْمَقْصُودُ هَهُنَا بَيَانُ قَاعِدَةِ ذَلِكَ فِي الْحَجِّ خَاصَّةً، أَمَّا الصَّيْدُ فَيَتَعَدَّدُ الْجَزَاءُ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ إتْلَافٌ عَلَى قَاعِدَةِ الْإِتْلَافِ وَهُوَ غَيْرُ مُتَوَقِّفٍ عَلَى الْإِثْمِ بَلْ يُضْمَنُ الصَّيْدُ عَمْدًا وَخَطَأً فَأَشْبَهَ إتْلَافَ أَمْوَالِ النَّاسِ فَإِنَّ الْإِجْمَاعَ مُنْعَقِدٌ عَلَى تَعَدُّدِ الضَّمَانِ فِيمَا يَتَعَدَّدُ الْإِتْلَافُ فِيهِ وَأَنَّ الْعَمْدَ وَالْخَطَأَ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ وَكَذَلِكَ هَهُنَا وَيَتَّحِدُ الْجَزَاءُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله بِالتَّأْوِيلِ وَعَذَرَهُ الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه بِالتَّأْوِيلِ وَالنِّسْيَانِ وَالْجَهْلِ فَلَمْ يُوجِبْ عَلَيْهِ شَيْئًا كَالْوَاطِئِ فِي رَمَضَانَ نَاسِيًا، وَأَلْحَقَ الْجَاهِلَ بِالنَّاسِي.
وَقَدْ تَقَدَّمَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْجَهْلِ الَّذِي هُوَ عُذْرٌ فِي الشَّرِيعَةِ وَالْجَهْلِ الَّذِي لَيْسَ عُذْرًا فِي الشَّرِيعَةِ وَبَيْنَ الْعِلْمِ الَّذِي هُوَ فَرْضُ عَيْنٍ وَالْعِلْمِ الَّذِي هُوَ فَرْضُ كِفَايَةٍ وَمُقْتَضَى تِلْكَ الْقَوَاعِدِ أَنْ يَضْمَنَ الْجَاهِلُ هَهُنَا فَإِنَّ الْأَصْلَ وُجُوبُ تَحْصِيلِ الْعِلْمِ، وَأَنَّ تَارِكَ التَّعَلُّمِ عَاصٍ إلَّا مَا يَشُقُّ مِنْ ذَلِكَ فَيُعْذَرُ فِيهِ بِالْجَهْلِ كَمَنْ أَكَلَ طَعَامًا نَجِسًا لَا يَعْلَمُ، أَوْ وَطِئَ أَجْنَبِيَّةً يَظُنُّهَا امْرَأَتَهُ، أَوْ شَرِبَ خَمْرًا يَظُنُّهُ جُلَّابًا وَنَحْوَهُ فَإِنَّ الِاحْتِرَازَ مِنْ الْجَهْلِ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ يَشُقُّ عَلَى الْمُكَلَّفِ، فَعَذَرَهُ الشَّرْعُ بِهَذَا الْجَهْلِ دُونَ مَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ مِنْهُ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَسْطُ هَذَا فَالْحَقُّ حِينَئِذٍ أَنَّ الضَّمَانَ عَلَى الْجَاهِلِ وَغَيْرِهِ وَلِذَلِكَ أَجْرَى مَالِكٌ رحمه الله الْجَاهِلَ فِي الصَّلَاةِ مَجْرَى الْعَامِدِ لَا مَجْرَى النَّاسِي لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي الْعِصْيَانِ هَذَا بِعَمْدِهِ وَهَذَا بِتَرْكِ تَعَلُّمِهِ قَالَ مَالِكٌ رحمه الله مَنْ أَفْسَدَ حَجَّهُ فَأَصَابَ صَيْدًا، أَوْ حَلَقَ، أَوْ تَطَيَّبَ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ تَعَدَّدَتْ الْفِدْيَةُ وَجَزَاءُ الصَّيْدِ إنْ أَصَابَهُ وَاتَّحَدَ هَذَا الْوَطْءُ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
تَسْقُطُ حُرْمَتُهُ بِالْفَسَادِ، أَوْ جَاهِلًا بِوُجُوبِ إتْمَامِهِ اهـ بِتَوْضِيحٍ لِلْمُرَادِ.
وَفِي الْأَصْلِ قَالَ مَالِكٌ رحمه الله: مَنْ أَفْسَدَ حَجَّهُ فَأَصَابَ صَيْدًا، أَوْ حَلَقَ، أَوْ تَطَيَّبَ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ تَعَدَّدَتْ الْفِدْيَةُ وَجَزَاءُ الصَّيْدِ إنْ أَصَابَهُ وَاتَّحَدَ الْهَدْيُ وَلَوْ تَعَدَّدَ الْوَطْءُ لِأَنَّهُ لِلْإِفْسَادِ، وَإِفْسَادُ الْفَاسِدِ مُحَالٌ فَإِنْ كَانَ مُتَأَوِّلًا بِسُقُوطِ جَزَائِهِ، أَوْ جَاهِلًا بِمُوجِبِ إتْمَامِهِ اتَّحَدَتْ الْفِدْيَةُ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ الْجُرْأَةُ عَلَى مُحَرَّمٍ فَعُذْرُهُ بِالْجَهْلِ، وَإِنْ كَانَتْ الْقَاعِدَةُ تَقْتَضِي عَدَمَ عُذْرِهِ بِهِ لِأَنَّهُ جَهْلٌ يُمْكِنُ دَفْعُهُ بِالتَّعَلُّمِ كَمَا قَالَ فِي الصَّلَاةِ، غَيْرَ أَنَّهُ لَاحَظَ هَهُنَا مَعْنًى مَفْقُودًا فِي الصَّلَاةِ وَهُوَ كَثْرَةُ مَشَاقِّ الْحَجِّ فَنَاسَبَ التَّخْفِيفُ، غَيْرَ أَنَّ هَهُنَا إشْكَالًا وَهُوَ أَنَّ النِّسْيَانَ فِي الْحَجِّ لَا يَمْنَعُ الْفِدْيَةَ وَهُوَ مُسْقِطٌ لِلْإِثْمِ إجْمَاعًا وَأَسْقَطَ مَالِكٌ - أَيْ الْجَابِرَ - بِالْجَهْلِ وَالتَّأْوِيلِ الْفَاسِدِ الَّذِي يَثْبُتُ الْإِثْمُ مَعَهُمَا وَالْإِثْمُ أَنْسَبُ لِلُزُومِ الْجَابِرِ مِنْ عَدَمِ الْإِثْمِ قَالَهُ الْأَصْلُ وَلَا يَخْفَاكَ أَنَّهُ لَمْ يَسْقُطْ بِهِمَا الْجَابِرُ رَأْسًا بَلْ إنَّمَا أُسْقِطَ تَعَدُّدُهُ بِتَعَدُّدِ مُوجِبِهِ نَظَرًا لِكَثْرَةِ مَشَاقِّ الْحَجِّ فَتَأَمَّلْ بِدِقَّةٍ وَعِنْدَ الْأَحْنَافِ قَالَ فِي رَدِّ الْمُحْتَارِ نَقْلًا عَنْ اللُّبَابِ وَاعْلَمْ أَنَّ الْمُحْرِمَ إذَا نَوَى رَفْضَ الْإِحْرَامِ فَجَعَلَ يَصْنَعُ مَا يَصْنَعُهُ الْحَلَالُ مِنْ لُبْسِ الثِّيَابِ وَالتَّطَيُّبِ وَالْحَلْقِ وَالْجِمَاعِ وَقَتْلِ الصَّيْدِ فَإِنَّهُ لَا يَخْرُجُ بِذَلِكَ مِنْ الْإِحْرَامِ وَعَلَيْهِ أَنْ يَعُودَ كَمَا كَانَ مُحْرِمًا وَيَجِبُ دَمٌ وَاحِدٌ لِجَمِيعِ مَا ارْتَكَبَ وَلَوْ كُلَّ الْمَحْظُورَاتِ، وَإِنَّمَا يَتَعَدَّدُ الْجَزَاءُ بِتَعَدُّدِ الْجِنَايَاتِ إذَا لَمْ يَنْوِ الرَّفْضَ ثُمَّ نِيَّةُ الرَّفْضِ إنَّمَا تُعْتَبَرُ مِمَّنْ زَعَمَ أَنَّهُ خَرَجَ مِنْهُ بِهَذَا الْقَصْدِ لِجَهْلِهِ مَسْأَلَةَ عَدَمِ الْخُرُوجِ، وَأَمَّا مَنْ عَلِمَ أَنَّهُ لَا يَخْرُجُ مِنْهُ بِهَذَا الْقَصْدِ فَإِنَّهَا لَا تُعْتَبَرُ مِنْهُ اهـ.
قُلْت: وَلَا يَخْفَاكَ أَنَّ هَذَا تَدَاخُلٌ لِجَمِيعِ الْمَحْظُورَاتِ لَا لِخُصُوصِ مُوجِبَاتِ الْفِدْيَةِ وَهُوَ فُسْحَةٌ فِي الدِّينِ فَاحْفَظْهُ.
2 -
(الْمَوْضِعُ الثَّانِي) عِنْدَنَا أَنْ يَتَعَدَّدَ مُوجَبُهَا بِفَوْرٍ وَاحِدٍ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ بِأَنْ يَلْبَسَ وَيَتَطَيَّبَ وَيَحْلِقَ وَيُقَلِّمَ، سَوَاءٌ كَانَ السَّبَبُ وَاحِدًا أَوْ مُتَعَدِّدًا بِأَنْ يَلْبَسَ لِعُذْرٍ وَيَفْعَلَ الْبَاقِيَ لِغَيْرِ عُذْرٍ لَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَخْرُجَ لِلْأَوَّلِ قَبْلَ أَنْ يَفْعَلَ مَا بَعْدَهُ، وَإِلَّا تَعَدَّدَتْ، وَفِي كَوْنِ الْمُرَادِ بِالْفَوْرِ حَقِيقَتَهُ - أَيْ مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ بِأَنْ تَكُونَ تِلْكَ الْأَفْعَالُ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ، وَهُوَ مَا يُفِيدُهُ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ وَأَقَرَّهُ ابْنُ عَرَفَةَ -، أَوْ مَجَازَهُ، وَأَنَّ الْيَوْمَ فَوْرٌ وَالتَّرَاخِيَ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ لَا أَقَلُّ - وَهُوَ مَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ ابْنِ الْحَاجِبِ وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ التَّتَّائِيُّ - خِلَافٌ اعْتَمَدَ عبق الْأَوَّلَ وَسَلَّمَ الْبُنَانِيُّ وَغَيْرُهُ، وَعِنْدَ الْأَحْنَافِ أَنْ يَتَعَدَّدَ مُوجَبُهَا بِفَوْرٍ وَاحِدٍ بِثَلَاثَةِ شُرُوطٍ:
الْأَوَّلُ أَنْ يَكُونَ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ لَا مِنْ أَجْنَاسٍ، وَإِلَّا تَعَدَّدَتْ كَمَا عَلِمْت، الثَّانِي: أَنْ لَا يُكَفِّرَ لِلْأَوَّلِ، وَإِلَّا فَكَفَّارَتَانِ كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا مَرَّ، الثَّالِثُ أَنْ يَتَّحِدَ السَّبَبُ فِي تَعَدُّدِ ذَلِكَ الْمُوجَبِ قَالَ فِي لُبَابِ الْمَنَاسِكِ مَعَ بَعْضٍ مِنْ شَرْحِ الْقَارِيّ وَهَذَا إذَا اتَّحَدَ سَبَبُ اللُّبْسِ فَإِنْ تَعَدَّدَ السَّبَبُ كَمَا إذَا اُضْطُرَّ إلَى لُبْسِ ثَوْبٍ فَلَبِسَ ثَوْبَيْنِ فَإِنْ لَبِسَهُمَا عَلَى مَوْضِعِ الضَّرُورَةِ، نَحْوُ أَنْ يَحْتَاجَ إلَى قَمِيصٍ فَلَبِسَ قَمِيصَيْنِ، أَوْ قَمِيصًا وَجَبَتْ، أَوْ يَحْتَاجَ إلَى قَلَنْسُوَةٍ فَلَبِسَهَا مَعَ الْعِمَامَةِ فَعَلَيْهِ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ لِأَنَّ مَحَلَّ الْجِنَايَةِ مُتَّحِدٌ فَلَا نَظَرَ إلَى الْفِعْلِ الْمُتَعَدِّدِ يَتَخَيَّرُ فِيهَا لِوُقُوعِ أَصْلِ الْجِنَايَةِ لِضَرُورَةِ مَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمُحِيطِ، وَكَذَا إذَا لَبِسَهُمَا عَلَى مَوْضِعَيْنِ لِضَرُورَةٍ بِهِمَا فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ بِأَنْ لَبِسَ عِمَامَةً وَخُفًّا بِعُذْرٍ فِيهِمَا فَعَلَيْهِ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ يَتَخَيَّرُ فِيهَا لِأَنَّ اللُّبْسَ
لِأَنَّهُ لِلْإِفْسَادِ، وَإِفْسَادُ الْفَاسِدِ مُحَالٌ فَإِنْ كَانَ مُتَأَوِّلًا بِسُقُوطِ إجْزَائِهِ، أَوْ جَاهِلًا بِمُوجَبِ إتْمَامِهِ اتَّحَدَتْ الْفِدْيَةُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ الْجُرْأَةُ عَلَى مُحَرَّمٍ فَعُذْرُهُ بِالْجَهْلِ، وَإِنْ كَانَتْ الْقَاعِدَةُ تَقْتَضِي عَدَمَ عُذْرِهِ بِهِ؛ لِأَنَّهُ جَهْلٌ يُمْكِنُ دَفْعُهُ بِالتَّعَلُّمِ كَمَا قَالَ فِي الصَّلَاةِ، غَيْرَ أَنَّهُ لَاحَظَ هَهُنَا مَعْنًى مَفْقُودًا فِي الصَّلَاةِ وَهُوَ كَثْرَةُ مَشَاقِّ الْحَجِّ فَنَاسَبَ التَّخْفِيفُ، غَيْرَ أَنَّ هَهُنَا إشْكَالًا وَهُوَ أَنَّ النِّسْيَانَ فِي الْحَجِّ لَا يَمْنَعُ الْفِدْيَةَ وَهُوَ مُسْقِطٌ لِلْإِثْمِ إجْمَاعًا وَأَسْقَطَ مَالِكٌ بِالْجَهْلِ وَالتَّأْوِيلِ الْفَاسِدِ الَّذِي يَثْبُتُ الْإِثْمُ مَعَهُمَا، وَالْإِثْمُ أَنْسَبُ لِلُّزُومِ الْجَابِرِ مِنْ عَدَمِ الْإِثْمِ.
وَضَابِطُ قَاعِدَةِ مَا تَتَّحِدُ الْفِدْيَةُ فِيهِ وَمَا تَتَعَدَّدُ أَنَّهُ مَتَى اتَّحَدَتْ النِّيَّةُ، أَوْ الْمَرَضُ الَّذِي هُوَ السَّبَبُ، أَوْ الزَّمَانُ بِأَنْ يَكُونَ الْكُلُّ عَلَى الْفَوْرِ اتَّحَدَتْ الْفِدْيَةُ وَمَتَى وَقَعَ التَّعَدُّدُ فِي النِّيَّةِ، أَوْ السَّبَبِ، أَوْ الزَّمَانِ تَعَدَّدَتْ الْفِدْيَةُ وَيَظْهَرُ ذَلِكَ بِالْفُرُوعِ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ إذَا لَبِسَ قَلَنْسُوَةً لِوَجَعٍ، ثُمَّ نَزَعَهَا وَعَادَ إلَيْهِ الْوَجَعُ فَلَبِسَهَا إنْ نَزَعَهَا مُعْرِضًا عَنْهَا فَعَلَيْهِ فِي اللُّبْسِ الثَّانِي وَالْأَوَّلِ فِدْيَتَانِ، وَإِنْ كَانَ نَزَعَهَا نَاوِيًا رَدَّهَا عِنْدَ مُرَاجَعَةِ الْمَرَضِ فَفِدْيَةٌ وَاحِدَةٌ لِأَجْلِ اتِّحَادِ النِّيَّةِ وَالسَّبَبِ، وَلَوْ لَبِسَ الثِّيَابَ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ نَاوِيًا لُبْسَهَا إلَى بُرْئِهِ مِنْ مَرَضِهِ، أَوْ لَمْ يَكُنْ بِهِ وَجَعٌ وَهُوَ يَنْوِي لُبْسَهَا مَرَّةً جَهْلًا، أَوْ نِسْيَانًا، أَوْ جُرْأَةً فَكَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ لِاتِّحَادِ النِّيَّةِ وَكَذَلِكَ الطِّيبُ مَعَ اتِّحَادِ النِّيَّةِ وَتَعَدُّدِهَا فَإِنْ دَاوَى قُرْحَةً بِدَوَاءٍ فِيهِ طِيبٌ فَفِدْيَتَانِ لِتَعَدُّدِ السَّبَبِ وَالنِّيَّةِ، وَإِنْ احْتَاجَ فِي فَوْرٍ وَاحِدٍ لِأَصْنَافٍ مِنْ الْمَحْظُورَاتِ فَلَبِسَ خُفَّيْنِ وَقَمِيصًا وَقَلَنْسُوَةً وَسَرَاوِيلَ فَكَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ، وَإِنْ احْتَاجَ إلَى خُفَّيْنِ فَلَبِسَهُمَا ثُمَّ احْتَاجَ إلَى قَمِيصٍ فَلَبِسَهُ فَعَلَيْهِ كَفَّارَتَانِ لِتَعَدُّدِ السَّبَبِ، وَإِنْ قَلَّمَ الْيَوْمَ ظُفُرَ يَدِهِ وَفِي غَدٍ ظُفُرَ يَدِهِ الْأُخْرَى فَفِدْيَتَانِ لِتَعَدُّدِ الزَّمَانِ، وَإِنْ لَبِسَ وَتَطَيَّبَ وَحَلَقَ وَقَلَّمَ ظُفُرَهُ فِي فَوْرٍ وَاحِدٍ فَفِدْيَةٌ وَاحِدَةٌ، وَإِنْ تَعَدَّدَتْ الْمَحَالُّ تَعَدَّدَتْ الْفِدْيَةُ وَقَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ رحمه الله وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه: هَذِهِ أَجْنَاسٌ لَا تَتَدَاخَلُ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
عَلَى وَجْهٍ وَاحِدٍ، وَإِنْ لَبِسَهُمَا عَلَى مَوْضِعَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ مَوْضِعِ الضَّرُورَةِ وَغَيْرِ الضَّرُورَةِ كَمَا إذَا اُضْطُرَّ إلَى لُبْسِ الْعِمَامَةِ فَلَبِسَهَا مَعَ الْقَمِيصِ مَثَلًا، أَوْ لَبِسَ قَمِيصًا لِلضَّرُورَةِ وَخُفَّيْنِ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ فَعَلَيْهِ كَفَّارَتَانِ كَفَّارَةُ الضَّرُورَةِ يَتَخَيَّرُ فِيهَا وَكَفَّارَةُ الِاخْتِيَارِ لَا يَتَخَيَّرُ فِيهَا أَيْ بَلْ يَتَحَتَّمُ الْكَفَّارَةُ عَنْهَا وَهَذَا الْحُكْمُ فِي الْحَلْقِ بِأَنْ حَلَقَ بَعْضَ أَعْضَائِهِ لِعُذْرٍ وَبَعْضَهَا لِغَيْرِ عُذْرٍ وَلَوْ فِي مَجْلِسٍ يَتَعَدَّدُ الْجَزَاءُ وَهَذَا فِي الطِّيبِ اهـ.
وَاعْتَمَدُوا أَنَّ الْيَوْمَ - أَيْ مِقْدَارَهُ - فِي اللِّبَاسِ كَالْمَجْلِسِ فِي غَيْرِهِ قَالَ الْقَارِيّ عَلَى اللُّبَابِ عِنْدَ قَوْلِهِ عَطْفًا عَلَى مَا يَتَّحِدُ فِيهِ الْجَزَاءُ مَعَ تَعَدُّدِ اللُّبْسِ وَجَمَعَ اللِّبَاسَ كُلَّهُ فِي مَجْلِسٍ، أَوْ يَوْمٍ مَا نَصُّهُ وَاعْلَمْ أَنَّهُ ذَكَرَ بَعْضُهُمْ مَا يُفِيدُ أَنَّ الْيَوْمَ فِي اتِّحَادِ الْجَزَاءِ فِي حُكْمِ اللُّبْسِ كَالْمَجْلِسِ فِي غَيْرِهِ مِنْ الطِّيبِ وَالْحَلْقِ وَالْقَصِّ وَالْجِمَاعِ كَمَا سَيَأْتِي لِأَنَّهُ ذَكَرَ الْفَارِسِيُّ وَالطَّرَابُلُسِيُّ أَنَّهُ إنْ لَبِسَ الثِّيَابَ كُلَّهَا مَعًا وَلَبِسَ خُفَّيْنِ فَعَلَيْهِ دَمٌ وَاحِدٌ، وَإِنْ لَبِسَ قَمِيصًا بَعْضَ يَوْمِهِ، ثُمَّ لَبِسَ فِي يَوْمِهِ سَرَاوِيلَ، ثُمَّ لَبِسَ خُفَّيْنِ وَقَلَنْسُوَةً فَعَلَيْهِ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَيَّدَ بِالْيَوْمِ لَا بِالْمَجْلِسِ، وَفِي الْكَرْمَانِيِّ وَلَوْ جَمَعَ اللِّبَاسَ كُلَّهُ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ فَعَلَيْهِ دَمٌ وَاحِدٌ لِوُقُوعِهِ عَلَى جِهَةٍ وَاحِدَةٍ وَسَبَبٍ وَاحِدٍ فَصَارَ لِجِنَايَةٍ وَاحِدَةٍ وَمِثْلُهُ مَا ذَكَرَ بَعْضُهُمْ فِي حَلْقِ الرَّأْسِ إذَا حَلَقَ فِي أَرْبَعِ مَجَالِسَ عَلَيْهِ دَمٌ وَاحِدٌ وَقِيلَ عَلَيْهِ أَرْبَعُ دِمَاءٍ وَقَدْ صَرَّحَ فِي مُنْيَةِ الْمَنَاسِكِ بِتَعَدُّدِ الْجَزَاءِ فِي تَعَدُّدِ الْأَيَّامِ حَيْثُ قَالَ: وَإِنْ لَبِسَ الْعِمَامَةَ يَوْمًا، ثُمَّ لَبِسَ الْقَمِيصَ يَوْمًا آخَرَ ثُمَّ الْخُفَّيْنِ يَوْمًا آخَرَ، ثُمَّ السَّرَاوِيلَ يَوْمًا آخَرَ فَعَلَيْهِ لِكُلِّ لُبْسٍ دَمٌ، ثُمَّ قَالَ وَالْمُعْتَبَرُ مِقْدَارُ الْيَوْمِ لَا عَيْنُهُ وَبِهَذَا صَحَّ قَوْلُهُ وَحُكْمُ اللَّيْلِ كَالْيَوْمِ أَيْ فِي جَمِيعِ مَا ذُكِرَ اهـ.
(الْمَوْضِعُ الثَّالِثُ) عِنْدَنَا أَنْ يَنْوِيَ التَّكْرَارَ، وَلَوْ بَعُدَ مَا بَيْنَ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي بِشَرْطِ أَنْ يَفْعَلَ الثَّانِيَ قَبْلَ أَنْ يَخْرُجَ لِلْأَوَّلِ قَالَ عبق وَصُوَرُ نِيَّةِ التَّكْرَارِ ثَلَاثٌ:
الْأَوَّلُ أَنْ يَنْوِيَ فِعْلَ كُلِّ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ مِنْ مُوجِبَاتِ الْفِدْيَةِ.
الثَّانِيَةُ أَنْ يَنْوِيَ فِعْلَ مُوجِبٍ مِنْ مُوجِبَاتِ الْفِدْيَةِ وَيَفْعَلَ ذَلِكَ أَوْ مُتَعَدِّدًا مِنْهُ قَالَ الْحَطَّابُ بِأَنْ يَلْبَسَ لِعُذْرٍ وَيَنْوِيَ أَنَّهُ إذَا زَالَ الْعُذْرُ تَجَرَّدَ فَإِنْ عَادَ إلَيْهِ الْعُذْرُ عَادَ إلَى اللُّبْسِ، أَوْ يَتَدَاوَى بِدَوَاءٍ فِيهِ طِيبٌ وَيَنْوِيَ أَنَّهُ كُلَّمَا احْتَاجَ إلَى الدَّوَاءِ فَعَلَ، وَمَحَلُّ النِّيَّةِ مِنْ حِينِ لُبْسِهِ الْأَوَّلِ قَالَهُ سَنَدٌ وَهُوَ الَّذِي يُفْهَمُ مِنْ لَفْظِ الْمُدَوَّنَةِ، وَأَمَّا مَنْ لَبِسَ ثَوْبًا، ثُمَّ نَزَعَهُ لِيَلْبَسَ غَيْرَهُ، أَوْ نَزَعَهُ عِنْدَ النَّوْمِ لِيَلْبَسَهُ إذَا اسْتَيْقَظَ فَقَالَ هَذَا فِعْلٌ وَاحِدٌ مُتَّصِلٌ فِي الْعُرْفِ وَلَا يَضُرُّ تَفْرِقَتُهُ فِي الْحِسِّ وَقَدْ صَرَّحَ فِي الْمُدَوَّنَةِ بِأَنَّ فِي ذَلِكَ فِدْيَةً وَاحِدَةً اهـ.
الصُّورَةُ الثَّالِثَةُ أَنْ يَنْوِيَ مُتَعَدِّدًا مِنْ مُوجِبَاتِ الْفِدْيَةِ مُعَيَّنًا فَلَا تَتَعَدَّدُ عَلَيْهِ الْفِدْيَةُ فِي صُورَةٍ مِنْ الصُّوَرِ الثَّلَاثِ بِفِعْلِ مَا نَوَاهُ، أَوْ بِفِعْلِ بَعْضِهِ وَسَوَاءٌ كَانَتْ نِيَّتُهُ فِي الصُّوَرِ الثَّلَاثِ عِنْدَ فِعْلِ مُوجِبٍ مِنْ مُوجِبَاتِ الْفِدْيَةِ أَوْ عِنْدَ إرَادَةِ فِعْلِهِ، أَوْ قَبْلَهُمَا وَقَوْلُ تت عَقِبَ قَوْلِ خَلِيلٍ التَّكْرَارُ عِنْدَ الْفِعْلِ الْأَوَّلِ اهـ مِثْلُهُ نِيَّةُ التَّكْرَارِ عِنْدَ الْإِحْرَامِ كَمَا يُفِيدُهُ الْحَطَّابُ وَالْمَوَّاقُ وَغَيْرُهُمَا فَإِنَّمَا احْتَرَزَا بِهِ عَنْ نِيَّةِ التَّكْرَارِ بَعْدَ الْفِعْلِ الْأَوَّلِ اهـ كَلَامُ عبق بِتَصَرُّفٍ وَزِيَادَةٍ.
وَمُرَادُهُ قَوْلُ الْحَطَّابِ فَرْعٌ مِمَّا تَتَّحِدُ فِيهِ الْفِدْيَةُ: إذَا كَانَتْ نِيَّةُ فِعْلِ جَمِيعِ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ مِنْ مُوجِبَاتِ الْفِدْيَةِ قَالَهُ اللَّخْمِيُّ وَنَقَلَهُ خَلِيلٌ فِي الْمَنَاسِكِ اهـ، وَفِي الْمَوَّاقِ وَاللَّخْمِيِّ إنْ لَبِسَ وَتَطَيَّبَ وَحَلَقَ وَقَلَّمَ فَإِنْ كَانَتْ بِنِيَّةِ فِعْلِ جَمِيعِهَا فَعَلَيْهِ فِدْيَةٌ وَاحِدَةٌ، وَإِنْ بَعُدَ
كَالْحُدُودِ الْمُخْتَلِفَةِ، وَحُجَّةُ مَالِكٍ رحمه الله أَنَّ الْمُعْتَبَرَ هُوَ التَّرَفُّهُ وَهُوَ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا فَالْمُوجِبُ وَاحِدٌ.
وَمُوجَبُ الْجَمِيعِ وَاحِدٌ وَهُوَ الْفِدْيَةُ فَتَتَدَاخَلُ كَحُدُودِ شُرْبِ الْخَمْرِ الْمُخْتَلِفَةِ الْأَنْوَاعِ وَفِي الْجَلَّابِ إنْ احْتَاجَ إلَى قَمِيصٍ فَلَبِسَهُ، ثُمَّ احْتَاجَ إلَى سَرَاوِيلَ فَلَبِسَهُ فَكَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ لِحُصُولِ السَّتْرِ مِنْ الْقَمِيصِ لِجَمِيعِ الْجَسَدِ، وَإِنْ احْتَاجَ إلَى سَرَاوِيلَ، ثُمَّ إلَى قَمِيصٍ فَفِدْيَتَانِ؛ لِأَنَّهُ اسْتَفَادَ بِالْقَمِيصِ مِنْ السَّتْرِ مَا لَمْ يَسْتَفِدْهُ مِنْ السَّرَاوِيلِ فَهَذَا تَحْقِيقُ الْفَرْقِ بَيْنَ مَا يَتَدَاخَلُ فِي الْحَجِّ وَمَا لَا يَتَدَاخَلُ
(الْفَرْقُ الثَّالِثَ عَشَرَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ التَّفْضِيلِ بَيْنَ الْمَعْلُومَاتِ)
وَهِيَ عِشْرُونَ قَاعِدَةً
(الْقَاعِدَةُ الْأُولَى) تَفْضِيلُ الْمَعْلُومِ عَلَى غَيْرِهِ بِذَاتِهِ دُونَ سَبَبٍ يَعْرِضُ لَهُ يُوجِبُ التَّفْضِيلَ لَهُ عَلَى غَيْرِهِ، وَلَهُ مُثُلٌ: أَحَدُهَا الْوَاجِبُ لِذَاتِهِ الْمُسْتَغْنِي فِي وُجُودِهِ عَنْ غَيْرِهِ كَذَاتِ اللَّهِ سبحانه وتعالى وَصِفَاتِهِ الْمَعْنَوِيَّةِ السَّبْعَةِ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
قَالَ: (الْفَرْقُ الثَّالِثَ عَشَرَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ التَّفْضِيلِ بَيْنَ الْمَعْلُومَاتِ وَهِيَ عِشْرُونَ قَاعِدَةً) .
قُلْت: الْفَضْلُ كَوْنُ مَعْلُومٍ مَا مُنْفَرِدًا بِصِفَةِ مَدْحٍ، أَوْ بِمَزِيَّةٍ فِي صِفَةِ مَدْحٍ، وَالتَّفْضِيلُ عَلَى ضَرْبَيْنِ عَقْلِيٍّ وَوَضْعِيٍّ، وَمَعْنَى الْعَقْلِيِّ أَنَّ فَضْلَ الْمُتَّصِفِ بِالْفَضْلِ لِمَعْقُولِهِ لَا لِغَيْرِ ذَلِكَ، وَمَعْنَى الْوَضْعِيِّ أَنَّ فَضْلَ الْمُتَّصِفِ بِهِ لَيْسَ لِمَعْقُولِهِ بَلْ لِمُوجِبٍ غَيْرِهِ أَوْجَبَ لَهُ ذَلِكَ قَالَ شِهَابُ الدِّينِ (الْقَاعِدَةُ الْأُولَى: تَفْضِيلُ الْمَعْلُومِ عَلَى غَيْرِهِ بِذَاتِهِ دُونَ سَبَبٍ يَعْرِضُ لَهُ يُوجِبُ التَّفْضِيلَ لَهُ عَلَى غَيْرِهِ وَلَهُ مُثُلٌ؛ أَحَدُهَا الْوَاجِبُ لِذَاتِهِ الْمُسْتَغْنِي فِي وُجُودِهِ عَنْ غَيْرِهِ كَذَاتِ اللَّهِ سبحانه وتعالى وَصِفَاتِهِ الْمَعْنَوِيَّةِ السَّبْعَةِ
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
مَا بَيْنَ تِلْكَ الْأَفْعَالِ فَذَلِكَ سَوَاءٌ، وَإِنْ كَانَتْ نِيَّتُهُ أَحَدَهَا، ثُمَّ حَدَثَتْ نِيَّةٌ فَفَعَلَ أَيْضًا كَانَ لِكُلِّ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ فِدْيَةٌ إلَّا إنْ فَعَلَ فِي فَوْرٍ وَاحِدٍ اهـ نَعَمْ قَدْ مَرَّ عَنْ الْحَطَّابِ فِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ أَنَّ مَحَلَّ النِّيَّةِ مِنْ حِينِ لُبْسِهِ الْأَوَّلِ قَالَهُ سَنَدٌ وَهُوَ يُفْهَمُ مِنْ لَفْظِ الْمُدَوَّنَةِ اهـ وَسَيَأْتِي لَفْظُ الْمُدَوَّنَةِ الَّذِي يُفْهَمُ مِنْهُ ذَلِكَ وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ إنَّمَا احْتَرَزَ بِهِ عَنْ نِيَّةِ التَّكْرَارِ بَعْدَ الْفِعْلِ الْأَوَّلِ فَعُلِمَ مَا فِي تَنْظِيرِ الْبُنَانِيِّ عَلَى قَوْلِهِ مِثْلُهُ نِيَّةُ التَّكْرَارِ عِنْدَ الْإِحْرَامِ فَتَأَمَّلْ بِإِنْصَافٍ وَلَا تَنْظُرْ لِمَنْ قَالَ وَسَوَاءٌ كَانَتْ نِيَّةُ التَّكْرَارِ لِلْمُوجِبِ الْوَاحِدِ، أَوْ الْمُتَعَدِّدِ لِعُذْرٍ وَاحِدٍ، أَوْ مُتَعَدِّدٍ، أَوْ جَهْلًا، أَوْ نِسْيَانًا، أَوْ جُرْأَةً فَفِي عبق أَنَّ قَوْلَ تت أَمَّا لَوْ تَدَاوَى لِقُرْحَةٍ أُخْرَى لَتَعَدَّدَتْ اهـ. يُحْمَلُ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَنْوِ مُدَاوَاةَ الثَّانِيَةِ عِنْدَ الْأُولَى اهـ وَسَلَّمَهُ الْبُنَانِيُّ وَغَيْرُهُ.
وَقَالَ مَالِكٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ إذَا لَبِسَ قَلَنْسُوَةً لِوَجَعٍ، ثُمَّ نَزَعَهَا وَعَادَ إلَيْهِ الْوَجَعُ فَلَبِسَهَا إنْ نَزَعَهَا مُعْرِضًا عَنْهَا فَعَلَيْهِ فِي اللُّبْسِ الثَّانِي وَالْأَوَّلِ فِدْيَتَانِ، وَإِنْ كَانَ نَزَعَهَا نَاوِيًا رَدَّهَا عِنْدَ مُرَاجَعَةِ الْمَرَضِ فَفِدْيَةٌ وَاحِدَةٌ لِأَجْلِ اتِّحَادِ النِّيَّةِ وَالسَّبَبِ وَلَوْ لَبِسَ الثِّيَابَ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ نَاوِيًا لُبْسَهَا إلَى بُرْئِهِ مِنْ مَرَضِهِ، أَوْ لَمْ يَكُنْ بِهِ وَجَعٌ وَهُوَ يَنْوِي لُبْسَهَا مَرَّةً جَهْلًا، أَوْ نِسْيَانًا، أَوْ جُرْأَةً فَكَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ لِاتِّحَادِ النِّيَّةِ اهـ نَقَلَهُ الْأَصْلُ وَعِنْدَ الْأَحْنَافِ عَدَمُ الْعَزْمِ عَلَى التَّرْكِ عِنْدَ النَّزْعِ بِثَلَاثَةِ شُرُوطٍ تُعْلَمُ مِمَّا مَرَّ:
أَحَدُهَا أَنْ لَا يُكَفِّرَ عَنْ الْأَوَّلِ.
الثَّانِي اتِّحَادُ جِنْسِ الْمُوجِبِ.
الثَّالِثُ اتِّحَادُ السَّبَبِ قَالَ الْقَارِيّ عَلَى اللُّبَابِ مَعَ الْمَتْنِ وَلَوْ كَانَ بِهِ حُمَّى غِبٍّ بِكَسْرِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَتَشْدِيدِ الْمُوَحَّدَةِ أَوْ بِأَنْ تَأْتِيَ يَوْمًا بَعْدَ يَوْمٍ وَنَحْوَ ذَلِكَ فَجَعَلَ يَلْبَسُ الْمَخِيطَ يَوْمًا أَيْ لِلِاحْتِيَاجِ إلَيْهِ وَيَنْزِعُهُ يَوْمًا لِلِاسْتِغْنَاءِ عَنْهُ فَمَا دَامَتْ الْحُمَّى تَأْخُذُهُ فَاللُّبْسُ مُتَّحِدٌ وَعَلَيْهِ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ، وَإِنْ زَالَتْ هَذِهِ وَحَدَثَتْ أُخْرَى اخْتَلَفَ حُكْمُ اللِّبَاسِ فَعِنْدَهُمَا عَلَيْهِ كَفَّارَتَانِ كَفَّرَ لِلْأَوَّلِ، أَوْ لَا وَعِنْدَهُ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ إنْ لَمْ يُكَفِّرْ، وَإِنْ كَفَّرَ فَكَفَّارَةٌ أُخْرَى عَلَى مَا فِي الْبَدَائِعِ وَغَيْرِهِ، أَوْ حَصَرَهُ عَدُوٌّ أَيْ فِي حِصْنٍ وَنَحْوِهِ فَاحْتَاجَ إلَى اللُّبْسِ لِلْقِتَالِ أَيَّامًا أَيْ مَثَلًا يَلْبَسُهَا إذَا خَرَجَ عَلَيْهِ أَيْ عَلَى الْعَدُوِّ، أَوْ بِعَكْسِهِ وَيَنْزِعُهَا إذَا رَجَعَ أَيْ هُوَ أَوْ عَدُوُّهُ، أَوْ لَمْ يَنْزِعْ أَصْلًا أَيْ وَلَوْ رَجَعَ الْعَدُوُّ، أَوْ لَمْ يَرْجِعْ أَيْ لِلْعَدُوِّ وَلَكِنْ يَلْبَسُ فِي وَقْتٍ وَيَنْزِعُ فِي وَقْتٍ أَيْ وَالْعِلَّةُ قَائِمَةٌ بِأَنْ لَمْ يَذْهَبْ هَذَا الْعَدُوُّ فَإِنْ ذَهَبَ وَجَاءَ عَدُوٌّ غَيْرُهُ لَزِمَهُ كَفَّارَةٌ أُخْرَى، أَوْ كَانَ بِهِ أَيْ وَقَعَ بِالْمُحْرِمِ ضَرُورَةٌ أُخْرَى أَيْ غَيْرُ ضَرُورَةِ الْإِحْصَارِ لِأَجْلِهَا يَلْبَسُ فِي النَّهَارِ أَيْ لِلِاحْتِيَاجِ إلَيْهِ وَيَنْزِعُ فِي اللَّيْلِ لِلِاسْتِغْنَاءِ عَنْهُ، أَوْ فَعَلَ بِالْعَكْسِ أَيْ بِأَنْ لَبِسَ فِي اللَّيْلِ وَنَزَعَ فِي النَّهَارِ لِبَرْدٍ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ الضَّرُورَاتِ، أَوْ لَمْ يَنْزِعْ وَلَوْ مَعَ الِاسْتِغْنَاءِ عَنْهُ وَالْعِلَّةُ لَازِمَةٌ لِأَنَّ لُزُومَهَا يَقُومُ مَقَامَ دَوَامِهَا فَمَا دَامَ الْعُذْرُ أَيْ مَوْجُودًا حَقِيقَةً وَحُكْمًا فَاللُّبْسُ مُتَّحِدٌ فِي جَمِيعِ مَا ذُكِرَ مِنْ الصُّوَرِ وَعَلَيْهِ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ أَيْ لِلتَّدَاخُلِ يَتَخَيَّرُ فِيهَا أَيْ لِارْتِكَابِهِ مَعْذُورًا فَإِنْ زَالَ الْعُذْرُ الَّذِي لِأَجْلِهِ لَبِسَ أَيْ بِالْكُلِّيَّةِ بِيَقِينٍ فَنَزَعَ، أَوْ لَمْ يَنْزِعْ وَحَدَثَ عُذْرٌ آخَرُ أَيْ فَلَبِسَ، أَوْ لَمْ يَحْدُثْ عُذْرٌ وَلَكِنْ دَامَ عَلَى اللُّبْسِ أَيْ بِلَا عُذْرٍ فَعَلَيْهِ كَفَّارَةٌ أُخْرَى فَإِذَا كَانَ عَلَى شَكٍّ مِنْ زَوَالِ الْعُذْرِ فَاسْتَمَرَّ أَيْ عَلَى لُبْسِهِ فَعَلَيْهِ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ مَا لَمْ يَتَيَقَّنْ زَوَالَهُ وَالْأَصْلُ فِي جِنْسِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ أَنَّهُ يُنْظَرُ إلَى اتِّحَادِ الْجِهَةِ وَاخْتِلَافِهَا لَا إلَى صُورَةِ اللُّبْسِ، لَكِنْ هُنَا دَقِيقَةٌ وَهِيَ أَنَّهُ إذَا كَانَ بَقَاءُ
وَهِيَ الْعِلْمُ وَالْقُدْرَةُ وَالْإِرَادَةُ وَالْحَيَاةُ وَالْكَلَامُ النَّفْسَانِيُّ وَالسَّمْعُ وَالْبَصَرُ.
وَثَانِيهِمَا الْعِلْمُ حَسَنٌ لِذَاتِهِ وَهُوَ أَفْضَلُ مِنْ الظَّنِّ لِلْقَطْعِ بِعَدَمِ الْجَهْلِ مَعَهُ وَتَجْوِيزِ الْجَهْلِ مَعَ الظَّنِّ وَذَلِكَ لِذَاتِ الْعِلْمِ لَا لِصِفَةٍ قَامَتْ بِهِ كَمَا أَنَّ الْجَهْلَ نَقِيصَةٌ لِذَاتِهِ لَا لِصِفَةٍ قَامَتْ بِهِ أَوْجَبَتْ نَقْصَهُ بِخِلَافِ الْجَاهِلِ وَالْعَالِمِ، نَقْصُ الْجَاهِلِ لِصِفَةٍ قَامَتْ بِهِ وَهِيَ الْجَهْلُ وَفَضْلُ الْعَالِمِ لِصِفَةٍ قَامَتْ بِهِ وَهِيَ الْعِلْمُ.
وَثَالِثُهَا الْحَيَاةُ أَفْضَلُ مِنْ الْمَوْتِ لِذَاتِهَا لَا لِمَعْنًى أَوْجَبَ لَهَا ذَلِكَ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
وَهِيَ الْعِلْمُ وَالْقُدْرَةُ وَالْإِرَادَةُ وَالْحَيَاةُ وَالْكَلَامُ النَّفْسَانِيُّ وَالسَّمْعُ وَالْبَصَرُ) قُلْت: مَا قَالَهُ مِنْ أَنَّ التَّفْضِيلَ بِالذَّاتِ لَهُ مُثُلٌ لَيْسَ بِصَحِيحٍ بَلْ لَا مِثَالَ لَهُ إلَّا وَاحِدٌ وَهُوَ ذَاتُ اللَّهِ تَعَالَى وَصِفَاتُهُ وَلَا يَسُوغُ أَنْ يُقَالَ: إنَّهَا مُثُلٌ بِاعْتِبَارِ الذَّاتِ وَالصِّفَاتِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَسُوغُ أَنْ يُقَالَ إنَّهَا غَيْرُهُ.
قَالَ: (وَثَانِيهَا الْعِلْمُ حَسَنٌ لِذَاتِهِ) قُلْت مَا قَالَهُ فِي ذَلِكَ لَيْسَ بِجَارٍ عَلَى مَذْهَبِ الْأَشْعَرِيَّةِ فِي قَوْلِهِمْ إنَّ الْحُسْنَ وَالْقُبْحَ لَيْسَا بِذَاتِيَّيْنِ، وَإِنَّمَا يَجْرِي ذَلِكَ عَلَى مَذْهَبِ الْمُعْتَزِلَةِ فَقَوْلُهُ لَيْسَ بِصَحِيحٍ، قَالَ:(وَهُوَ أَفْضَلُ مِنْ الظَّنِّ لِلْقَطْعِ بِعَدَمِ الْجَهْلِ مَعَهُ وَتَجْوِيزِ الْجَهْلِ مَعَ الظَّنِّ) قُلْت مَا قَالَهُ هُنَا كَلَامٌ سَاقِطٌ عَدِيمُ التَّحْصِيلِ، كَيْفَ يَكُونُ الْعِلْمُ أَفْضَلَ مِنْ الظَّنِّ بِسَبَبِ الْقَطْعِ بِعَدَمِ الْجَهْلِ مَعَهُ وَتَجْوِيزِ الْجَهْلِ مَعَ الظَّنِّ؟ وَقَدْ زَعَمَ أَنَّهُ حَسَنٌ لِذَاتِهِ وَالذَّاتِيُّ لَا يُعَلَّلُ، وَكَيْفَ يَجُوزُ الْجَهْلُ مَعَ الظَّنِّ، وَالْجَهْلُ وَالظَّنُّ ضِدَّانِ فَكَيْفَ يَجُوزُ اجْتِمَاعُهُمَا هَذَا كُلُّهُ كَلَامُ مَنْ لَمْ يُحَصِّلْ شَيْئًا مِنْ عِلْمِ الْكَلَامِ أَلْبَتَّةَ.
قَالَ (وَذَلِكَ لِذَاتِ الْعِلْمِ لَا لِصِفَةٍ قَامَتْ بِهِ كَمَا أَنَّ الْجَهْلَ نَقِيصَةٌ لِذَاتِهِ لَا لِصِفَةٍ قَامَتْ بِهِ أَوْجَبَتْ نَقْصَهُ) .
قُلْت: قَوْلُهُ لَا لِصِفَةٍ قَامَتْ بِهِ يُشْعِرُ أَنَّهُ يَجُوزُ قِيَامُ الصِّفَةِ بِالصِّفَةِ وَذَلِكَ مُحَالٌ عِنْدَ أَهْلِ هَذَا الْعِلْمِ. قَالَ (بِخِلَافِ الْجَاهِلِ وَالْعَالِمِ؛ نَقْصُ الْجَاهِلُ لِصِفَةٍ قَامَتْ بِهِ وَهِيَ الْجَهْلُ، وَفَضْلُ الْعَالِمِ لِصِفَةٍ قَامَتْ بِهِ وَهِيَ الْعِلْمُ) قُلْت: مَا قَالَهُ هُنَا صَحِيحٌ. قَالَ: (وَثَالِثُهَا الْحَيَاةُ أَفْضَلُ مِنْ الْمَوْتِ لِذَاتِهَا لَا لِمَعْنًى أَوْجَبَ لَهَا ذَلِكَ) . قُلْت: مَا قَالَهُ
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
الْعُذْرِ حُكْمِيًّا، أَوْ زَوَالُهُ حَقِيقِيًّا فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ نَزْعُهُ لِئَلَّا يَكُونَ عَاصِيًا، وَإِنْ سَقَطَ عَنْهُ الْكَفَّارَةُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ فَلِبَقَاءِ الْعِلَّةِ فِي الْجُمْلَةِ اهـ بِتَغَيُّرٍ مَا.
(الْمَوْضِعُ الرَّابِعُ) أَنْ يَتَّحِدَ السَّبَبُ وَقَدْ مَرَّ أَنَّ صُورَتَهُ عِنْدَ الْأَحْنَافِ أَنْ يَلْبَسَ فِي مَوْضِعَيْنِ مِنْ الْجَسَدِ كِلَيْهِمَا بِعُذْرٍ، أَوْ كِلَيْهِمَا بِغَيْرِ عُذْرٍ وَعِنْدَ أَصْحَابِنَا أَنْ يُقَدِّمَ مَا نَفْعُهُ أَعَمُّ عَلَى مَا نَفْعُهُ أَخَصُّ كَأَنْ يَلْبَسَ أَوَّلًا الثَّوْبَ ثُمَّ السَّرَاوِيلَ، أَوْ يُقَدِّمَ الْقَلَنْسُوَةَ عَلَى الْعِمَامَةِ، أَوْ الْقَمِيصَ عَلَى الْجُبَّةِ إذَا كَانَ الْقَمِيصُ أَطْوَلَ مِنْ الْجُبَّةِ وَالسَّرَاوِيلِ أَمَّا إذَا طَالَتْ السَّرَاوِيلُ، أَوْ الْجُبَّةُ طُولًا لَهُ بَالٌ يَحْصُلُ بِهِ انْتِفَاعٌ، أَوْ دَفْعُ حَرٍّ أَوْ بَرْدٍ فَيَتَعَدَّدُ كَمَا إذَا عَكَسَ فَقَدَّمَ السَّرَاوِيلَ عَلَى الْقَمِيصِ فَفِي الْجَلَّابِ إنْ احْتَاجَ إلَى قَمِيصٍ فَلَبِسَهُ، ثُمَّ احْتَاجَ إلَى سَرَاوِيلَ فَلَبِسَهَا فَكَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ لِحُصُولِ السَّتْرِ مِنْ الْقَمِيصِ لِجَمِيعِ الْجَسَدِ فَإِنْ احْتَاجَ إلَى سَرَاوِيلَ، ثُمَّ إلَى قَمِيصٍ فَفِدْيَتَانِ لِأَنَّهُ اسْتَفَادَ بِالْقَمِيصِ مِنْ السَّتْرِ مَا لَمْ يَسْتَفِدْهُ مِنْ السَّرَاوِيلِ نَقَلَهُ الْأَصْلُ.
(فَرْعٌ) إذَا تَعَدَّدَ مُوجِبُ الْحَفْنَةِ بِأَنْ قَتَلَ قَمْلًا قَلِيلًا وَأَزَالَ شَعْرًا قَلِيلًا لَا لِإِمَاطَةِ أَذًى وَقَلَّمَ ظُفُرًا وَاحِدًا لَا لِإِمَاطَةِ أَذًى أَيْضًا وَأَلْقَى قُرَادًا كَثِيرًا، أَوْ قَلِيلًا عَنْ بَعِيرِهِ جَرَى فِيهِ مِثْلُ ذَلِكَ أَيْضًا فَتَتَّحِدُ إنْ ظَنَّ الْإِبَاحَةَ لِمُسْتَنَدٍ، أَوْ فَعَلَ ذَلِكَ فِي فَوْرٍ إذَا لَمْ يَخْرُجُ لِلْأَوَّلِ قَتْلُ الثَّانِي، وَإِلَّا تَعَدَّدَتْ الْجَفْنَةُ كَمَا إذَا تَرَاخَى مَا بَيْنَهُمَا كَذَا فِي عبق وَحَاشِيَةِ شَيْخِنَا عَلَى تَوْضِيحِ الْمَنَاسِكِ.
(الْمَوْضِعُ الْخَامِسُ) عِنْدَ الْأَحْنَافِ خَاصَّةً أَنْ يَتَّحِدَ الْجِنْسُ كَمَا مَرَّ تَوْضِيحُهُ عَنْ اللُّبَابِ هَذَا وَقَوْلُ الْأَصْلِ وَضَابِطُ قَاعِدَةِ مَا تَتَّحِدُ الْفِدْيَةُ فِيهِ وَمَا تَتَعَدَّدُ أَنَّهُ مَتَى اتَّحَدَتْ النِّيَّةُ أَوْ الْمَرَضُ الَّذِي هُوَ السَّبَبُ، أَوْ الزَّمَانُ بِأَنْ يَكُونَ الْكُلُّ عَلَى الْفَوْرِ اتَّحَدَتْ الْفِدْيَةُ وَمَتَى وَقَعَ التَّعَدُّدُ فِي النِّيَّةِ، أَوْ السَّبَبِ أَوْ الزَّمَانِ تَعَدَّدَتْ الْفِدْيَةُ اهـ فِيهِ نَظَرٌ بِوَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا أَنَّ فِيهِ قُصُورًا لَا يَخْفَى مِنْ الضَّابِطِ الْمَارِّ.
ثَانِيهِمَا أَنَّ السَّبَبَ لَا يَنْحَصِرُ فِي الْمَرَضِ لَا عِنْدَنَا وَلَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ أَمَّا عِنْدَنَا فَلِأَنَّهُ مُطْلَقُ الِانْتِفَاعِ وَلَوْ لِغَيْرِ مَرَضٍ، وَأَمَّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَلِأَنَّهُ - كَمَا عَلِمْت - الْمَرَضُ، أَوْ غَيْرُهُ فَتَأَمَّلْ بِإِنْصَافٍ وَلَا تَنْظُرْ لِمَنْ قَالَ: وَأَمَّا ضَابِطُ التَّدَاخُلِ وَعَدَمِهِ عِنْدَ الْإِمَامِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فَهُوَ أَنَّهُ مَتَى اتَّحَدَ السَّبَبُ، أَوْ الْجِنْسُ وَلَوْ تَعَدَّدَ الزَّمَانُ اتَّحَدَتْ الْفِدْيَةُ وَقِيلَ: إنَّهُ مَتَى اتَّحَدَ السَّبَبُ فَقَطْ اتَّحَدَتْ وَمَتَى تَعَدَّدَ السَّبَبُ أَوْ الْجِنْسُ، أَوْ تَعَدَّدَ السَّبَبُ فَقَطْ تَعَدَّدَتْ قَالَ فِي كَشَّافِ الْقِنَاعِ عَلَى الْإِقْنَاعِ مَعَ الْمَتْنِ (وَإِنْ كَرَّرَ مَحْظُورًا مِنْ جِنْسٍ غَيْرِ) قَتْلِ (صَيْدٍ، مِثْلُ أَنْ حَلَقَ) ثُمَّ أَعَادَ (أَوْ قَلَّمَ) ثُمَّ أَعَادَ (أَوْ لَبِسَ) مَخِيطًا، ثُمَّ أَعَادَ (أَوْ تَطَيَّبَ) ثُمَّ أَعَادَ (أَوْ وَطِئَ) ثُمَّ أَعَادَ (أَوْ فَعَلَ غَيْرَهَا مِنْ الْمَحْظُورَاتِ) كَأَنْ بَاشَرَ دُونَ الْفَرْجِ (ثُمَّ أَعَادَ) ذَلِكَ (ثَانِيًا وَلَوْ غَيْرَ الْمَوْطُوءِ) أَوَّلًا (أَوْ) كَانَ تَكْرِيرُهُ لِلْمَحْظُورِ (يَلْبَسُ مَخِيطًا فِي رَأْسِهِ) فَعَلَيْهِ فِدْيَةٌ وَاحِدَةٌ قَالَ فِي الشَّرْحِ بِأَنْ لَبِسَ قَمِيصًا وَسَرَاوِيلَ وَعِمَامَةً وَخُفَّيْنِ كَفَاهُ فِدْيَةٌ وَاحِدَةٌ لِأَنَّ الْجَمِيعَ يُلْبَسُ فَأَشْبَهَ الطِّيبَ فِي رَأْسِهِ وَبَدَنِهِ (أَوْ بِدَوَاءٍ فِيهِ طِيبٌ) ذَكَرَهُ فِي الْإِنْصَافِ الْمَذْهَبُ وَأَنَّ عَلَيْهِ الْأَصْحَابَ وَبَنَاهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ عَلَى رِوَايَةِ أَنَّ الْحُكْمَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَسْبَابِ لَا بِاخْتِلَافِ الْأَوْقَاتِ وَالْأَجْنَاسِ وَهُوَ ظَاهِرٌ إذْ الطِّيبُ وَتَغْطِيَةُ الرَّأْسِ جِنْسَانِ كَمَا تَقَدَّمَ
وَسَبَبُ تَفْضِيلِهَا كَوْنُهَا يَتَأَتَّى مَعَهَا الْعِلْمُ وَالْقُدْرَةُ وَالْإِرَادَةُ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ التَّصَرُّفَاتِ وَصِفَاتِ الْكَمَالِ كَالنُّبُوءَةِ وَالرِّسَالَةِ وَغَيْرِهِمَا، وَتَعَذَّرَ جَمِيعُ ذَلِكَ مَعَ الْمَوْتِ.
وَتِلْكَ الْحَيَاةُ لِذَاتِهَا لَا لِمَعْنًى أَوْجَبَ لَهَا ذَلِكَ.
(الْقَاعِدَةُ الثَّانِيَةُ) التَّفْضِيلُ بِالصِّفَةِ الْحَقِيقِيَّةِ الْقَائِمَةِ بِالْمُفَضَّلِ وَلَهُ مُثُلٌ أَحَدُهَا تَفْضِيلُ الْعَالِمِ عَلَى الْجَاهِلِ بِالْعِلْمِ.
وَثَانِيهَا تَفْضِيلُ الْفَاعِلِ الْمُخْتَارِ عَلَى الْمُوجَبِ بِالذَّاتِ بِسَبَبِ الْإِرَادَةِ وَالِاخْتِيَارِ الْقَائِمِ بِهِ.
وَثَالِثُهَا تَفْضِيلُ الْقَادِرِ عَلَى الْعَاجِزِ بِسَبَبِ الْقُدْرَةِ الْوُجُودِيَّةِ الْقَائِمَةِ بِهِ، فَهَذَا كُلُّهُ تَفْضِيلٌ بِالصِّفَاتِ الْقَائِمَةِ بِالْمُفَضَّلِ لَا لِذَاتِهِ وَبِهِ خَالَفَ الْقَاعِدَةَ الْأُولَى
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
فِي ذَلِكَ دَعْوَى بِغَيْرِ حُجَّةٍ.
قَالَ (وَسَبَبُ تَفْضِيلِهَا كَوْنُهَا يَتَأَتَّى مَعَهَا الْعِلْمُ وَالْقُدْرَةُ وَالْإِرَادَةُ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ التَّصَرُّفَاتِ، وَصِفَاتُ الْكَمَالِ كَالنُّبُوءَةِ وَالرِّسَالَةِ وَغَيْرِهِمَا وَتَعَذَّرَ جَمِيعُ ذَلِكَ مَعَ الْمَوْتِ وَتِلْكَ لِلْحَيَاةِ لِذَاتِهَا لَا لِمَعْنًى أَوْجَبَ لَهَا ذَلِكَ) . قُلْت: عَادَ إلَى تَعْلِيلِ الذَّاتِيِّ ثُمَّ كَرَّ إلَى عَدَمِ التَّعْلِيلِ وَذَلِكَ كُلُّهُ غَيْرُ صَحِيحٍ.
قَالَ: (الْقَاعِدَةُ الثَّانِيَةُ التَّفْضِيلُ بِالصِّفَةِ الْحَقِيقِيَّةِ الْقَائِمَةِ بِالْمُفَضَّلِ وَلَهُ مُثُلٌ أَحَدُهَا تَفْضِيلُ الْعَالِمِ عَلَى الْجَاهِلِ بِالْعِلْمِ) .
قُلْت: أَطْلَقَ الْقَوْلَ فِي التَّفْضِيلِ بِالْعِلْمِ وَذَلِكَ غَيْرُ صَحِيحٍ فَإِنَّهُ رُبَّمَا كَانَ الْجَهْلُ بِبَعْضِ الْعُلُومِ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ الْعِلْمِ وَقَدْ اسْتَعَاذَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مِنْ عِلْمٍ لَا يَنْفَعُ.
قَالَ: (وَثَانِيهَا تَفْضِيلُ الْفَاعِلِ الْمُخْتَارِ عَلَى الْمُوجِبِ بِالذَّاتِ بِسَبَبِ الْإِرَادَةِ وَالِاخْتِيَارِ الْقَائِمِ بِهِ) .
قُلْت: مَا قَالَهُ هُنَا مَبْنِيٌّ عَلَى تَصْحِيحِ الْإِيجَابِ الذَّاتِيِّ وَلَيْسَ ذَلِكَ بِصَحِيحٍ عِنْدَ أَهْلِ الْحَقِّ مِنْ الْمُتَكَلِّمِينَ.
قَالَ: (وَثَالِثُهَا تَفْضِيلُ الْقَادِرِ عَلَى الْعَاجِزِ بِسَبَبِ الْقُدْرَةِ الْوُجُودِيَّةِ الْقَائِمَةِ بِهِ فَهَذَا كُلُّهُ تَفْضِيلٌ بِالصِّفَاتِ الْقَائِمَةِ بِالْمُفَضَّلِ لَا لِذَاتِهِ وَبِهِ خَالَفَ الْقَاعِدَةَ الْأُولَى) . قُلْت: أَطْلَقَ الْقَوْلَ فِي الْقُدْرَةِ وَكَانَ حَقُّهُ أَنْ يُفَصِّلَ الْقُدْرَةَ الْقَدِيمَةَ مِنْ الْحَادِثَةِ.
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
وَيُمْكِنُ حَمْلُ كَلَامِهِ عَلَى تَكْرَارِ الطِّيبِ فَقَطْ بِأَنْ تَطَيَّبَ أَوَّلًا، ثُمَّ أَعَادَهُ بِدَوَاءٍ مُطَيَّبٍ فَهَذَا جِنْسٌ وَاحِدٌ لَا لُبْسَ مَعَهُ وَلَا تَغْطِيَةَ رَأْسٍ بِخِلَافِ مَا لَوْ غَطَّى رَأْسَهُ، ثُمَّ أَعَادَهُ بِدَوَاءٍ مُطَيَّبٍ فَإِنَّهُ عَلَى مُقْتَضَى كَلَامِهِ يَلْزَمُهُ فِدْيَتَانِ لِتَغْطِيَةِ الرَّأْسِ فِدْيَةٌ وَلِلطِّيبِ فِدْيَةٌ وَقَوْلُهُ (قَبْلَ التَّكْفِيرِ عَنْ الْأَوَّلِ) مُتَعَلِّقٌ بِأَعَادَ (فَ) عَلَيْهِ (كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ تَابَعَ الْفِعْلَ، أَوْ فَرَّقَهُ) لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَوْجَبَ فِي حَلْقِ الرَّأْسِ فِدْيَةً وَاحِدَةً وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ مَا وَقَعَ فِي دَفْعَةٍ، أَوْ دَفْعَتَانِ (فَلَوْ قَلَّمَ ثَلَاثَةَ أَظْفَارٍ، أَوْ قَطَعَ ثَلَاثَ شَعَرَاتٍ فِي أَوْقَاتٍ قَبْلَ التَّكْفِيرِ لَزِمَهُ دَمٌ) أَوْ صِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، أَوْ إطْعَامُ سِتَّةِ مَسَاكِينَ وَلَمْ تَلْزَمْهُ ثَانِيَةٌ لِمَا تَقَدَّمَ (وَإِنْ كَفَّرَ عَنْ) الْفِعْلِ (الْأَوَّلِ لَزِمَهُ عَنْ الثَّانِي كَفَّارَةٌ) ثَانِيَةٌ لِأَنَّ السَّبَبَ الْمُوجِبُ لِلْكَفَّارَةِ الثَّانِيَةِ غَيْرُ عَيْنِ السَّبَبِ الْمُوجِبِ لِلْكَفَّارَةِ الْأُولَى أَشْبَهَ مَا لَوْ حَلَفَ، ثُمَّ حَنِثَ وَكَفَّرَ، ثُمَّ حَلَفَ وَحَنِثَ اهـ بِحُرُوفِهِ.
قَالَ الْأَصْلُ: وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّ مُوجِبَاتِ الْفِدْيَةِ أَجْنَاسٌ لَا تَتَدَاخَلُ كَالْحُدُودِ الْمُخْتَلِفَةِ وَحُجَّةُ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّ الْمُعْتَبَرَ هُوَ التَّرَفُّهُ وَهُوَ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا فَالْمُوجِبُ بِالْكَسْرِ وَاحِدٌ وَمُوجَبُ الْجَمِيعِ بِالْفَتْحِ وَاحِدٌ وَهُوَ الْفِدْيَةُ فَتَتَدَاخَلُ كَحُدُودِ شُرْبِ الْخَمْرِ الْمُخْتَلِفَةِ الْأَنْوَاعِ.
(الْكَفَّارَةُ الثَّالِثَةُ الْهَدْيُ) وَهُوَ دَمٌ مُرَتَّبٌ بَيْنَ مُقَدَّرٍ شَرْعًا فِي قَوْله تَعَالَى {فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ} [البقرة: 196] يَجِبُ لِفَسَادِ إحْرَامٍ أَوْ تَمَتُّعٍ، أَوْ قِرَانٍ، أَوْ نَقْصٍ فِي إحْرَامٍ كَتَرْكِ نَحْوِ وَاجِبٍ مِنْ وَاجِبَاتِهِ أَوْ فَوَاتِ حَجٍّ وَكَمَذْيٍ، أَوْ مُقَدِّمَاتِ جِمَاعٍ بِلَا إنْزَالٍ، أَوْ إنْزَالٍ بِمُجَرَّدِ النَّظَرِ وَالْفِكْرِ، أَوْ لِنَذْرِ عَيْنٍ لِلْمَسَاكِينِ، أَوْ أَطْلَقَ، أَوْ يَكُونُ تَطَوُّعًا وَلَا يَتَّحِدُ الْهَدْيُ مَعَ تَعَدُّدِ سَبَبِهِ إلَّا فِي خَمْسِ مَسَائِلَ تَصَيَّدْتهَا مِنْ كَلَامِ أَصْحَابِنَا الْآنَ {وَيَخْلُقُ مَا لا تَعْلَمُونَ} [النحل: 8] الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى:
تَكَرُّرُ الْوَطْءِ الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ:
تَرْكُ النُّزُولِ بِالْمُزْدَلِفَةِ وَمَبِيتِ لَيَالِي مِنًى وَرَمْيُ جَمِيعِ الْجَمَرَاتِ وَلَوْ عَمْدًا عَلَى الْمُعْتَمَدِ وَيَدْخُلُ بِالْأَوْلَى تَرْكُ مَبِيتِ لَيَالِي مِنًى فَقَطْ وَتَرْكُ رَمْيِ جَمِيعِ الْجَمَرَاتِ فَقَطْ كَمَا لَا يَخْفَى.
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ:
تَرْكُ ذِي النَّفْسِ طَوَافَ الْقُدُومِ مَعَ تَأْخِيرِ السَّعْيِ لِلْإِفَاضَةِ الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ:
تَرْكُ الْإِتْيَانِ بِالتَّلْبِيَةِ عَقِبَ الْإِحْرَامِ وَعَقِبَ السَّعْيِ مَعًا.
الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ: تَرْكُ الْقَادِرِ الْمَشْيَ فِي الطَّوَافِ وَالسَّعْيِ مَعًا وَبِالْجُمْلَةِ فَدِمَاءُ الْحَجِّ عِنْدَنَا ثَلَاثَةٌ مَجْمُوعَةٌ فِي قَوْلِي:
ثَلَاثَةٌ دِمَاءُ حَجٍّ حُصِرُوا
…
أَحَدُهَا الْمُرَتَّبُ الْمُقَدَّرُ
وَذَا هُوَ الْهَدْيُ لِنَقْصٍ أَوْ فَسَادْ
…
فَوَاتِ حَجٍّ أَوْ تَمَتُّعٍ يُرَادْ
قِرَانٍ أَوْ نَذْرٍ لِمِسْكِينٍ بَدَا
…
أَوْ مُطْلَقًا أَوْ ذَا تَطَوُّعٍ غَدَا
وَالثَّانِ جَا مُخَيَّرًا مُقَدَّرَا
…
وَذَا هُوَ الْفِدْيَةُ حَيْثُمَا تَرَى
وَالثَّالِثُ الْمُخَيَّرُ الْمُعَدَّلُ
…
وَذَا جَزَاءُ الصَّيْدِ حَيْثُ يَحْصُلُ
وَجَعَلَ الشَّافِعِيَّةُ فِي الْوَطْءِ الْمُفْسِدِ وَالْحَصْرِ عَنْ إتْمَامِ الشَّكِّ دَمًا مُرَتَّبًا مُعَدَّلًا لَا مُقَدَّرًا فَأَوْجَبُوا ذَبْحَ الشَّاةِ عَلَى الْقَادِرِ الْمَحْصُورِ لِلتَّحَلُّلِ وَعَلَى الْعَاجِزِ الْعُدُولُ إلَى الْإِطْعَامِ فِي مَحَلِّ الْإِحْصَارِ بِقَدْرِ قِيمَةِ الشَّاةِ بِتَقْوِيمِ عَدْلَيْنِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَعَلَى الْعَاجِزِ عَنْهُ أَيْضًا الْعُدُولُ إلَى الصَّوْمِ عَنْ كُلِّ مُدٍّ يَوْمًا حَيْثُ شَاءَ وَأَوْجَبُوا فِي الْوَطْءِ الْمُفْسِدِ ذَبْحَ بَدَنَةٍ فَإِنْ عَجَزَ عَنْهَا فَبَقَرَةٌ فَإِنْ عَجَزَ عَنْهَا فَسَبْعُ شِيَاهٍ مِنْ الْغَنَمِ فَإِنْ عَجَزَ عَنْهَا قَوَّمَ