الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
زَكَوِيَّةٌ احْتِرَازًا مِنْ أَجْرِ الْعَقَارِ فَإِنَّهُ لَا يُزَكَّى، وَإِنْ كَانَ مُتَمَوَّلًا نَشَأَ عَنْ مُتَمَوَّلٍ، غَيْرَ أَنَّهُ غَيْرُ زَكَوِيٍّ - أَعْنِي الْأَصْلَ - وَهَهُنَا قَاعِدَةٌ وَهِيَ سِرُّ الْفَرْقِ بَيْنَ الْأَرْبَاحِ وَالْفَوَائِدِ يُحْتَاجُ إلَيْهَا بَعْدَ تَقَرُّرِ الْأَحْكَامِ فِيهَا وَهِيَ أَنَّ صَاحِبَ الشَّرْعِ مَتَى أَثْبَتَ حُكْمًا حَالَةَ عَدَمِ سَبَبِهِ، أَوْ شَرْطِهِ فَإِنْ أَمْكَنَ تَقْدِيرُهُمَا مَعَهُ فَهُوَ أَقْرَبُ مِنْ إثْبَاتِهِ دُونَهُمَا فَإِنَّ إثْبَاتَ الْمُسَبَّبِ دُونَ سَبَبِهِ وَالْمَشْرُوطِ بِدُونِ شَرْطِهِ خِلَافُ الْقَوَاعِدِ فَإِنْ أَلْجَأَتْ الضَّرُورَةُ إلَى ذَلِكَ وَامْتَنَعَ التَّقْدِيرُ عُدَّ ذَلِكَ الْحُكْمُ مُسْتَثْنًى مِنْ تِلْكَ الْقَوَاعِدِ كَمَا أَثْبَتَ الشَّارِعُ الْمِيرَاثَ فِي دِيَةِ الْخَطَأِ.
وَالْمِيرَاثُ فِي الشَّرِيعَةِ مَشْرُوطٌ بِتَقَدُّمِ مِلْكِ الْمَيِّتِ عَلَى الْمَالِ الْمَوْرُوثِ، قَدَّرَ الْعُلَمَاءُ رحمهم الله الْمِلْكَ فِي الدِّيَةِ مُتَقَدِّمًا عَلَى الْمَوْتِ بِالزَّمَنِ الْفَرْدِ حَتَّى يَصِحَّ حُكْمُ التَّوْرِيثِ فِيهَا وَكَذَلِكَ إذَا صَحَّحْنَا عِتْقَ الْإِنْسَانِ عَنْ غَيْرِهِ فِي كَفَّارَةٍ أَوْ تَطَوُّعٍ بِإِذْنِهِ، أَوْ بِغَيْرِ إذْنِهِ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ رضي الله عنه فِي اشْتِرَاطِ الْإِذْنِ قَدَّرْنَا ثُبُوتَ الْمِلْكِ قَبْلَ صُدُورِ صِيغَةِ الْعِتْقِ بِالزَّمَنِ الْفَرْدِ حَتَّى تَبْرَأَ ذِمَّةُ الْمُعْتَقِ عَنْهُ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
غَيْرَ أَنَّهُ غَيْرُ ذَكَوِيٍّ أَعْنِي الْأَصْلَ ") قُلْت: مَسْأَلَةُ الْمَالِكِيَّةِ الْقِيَاسُ عَلَى السِّخَالِ كَمَا ذُكِرَ وَلِلشَّافِعِيَّةِ فُرُوقٌ فِيهَا نَظَرٌ قَالَ (وَهَهُنَا قَاعِدَةٌ وَهِيَ سِرُّ الْفَرْقِ بَيْنَ الْأَرْبَاحِ وَالْفَوَائِدِ يُحْتَاجُ إلَيْهَا بَعْدَ تَقَرُّرِ الْأَحْكَامِ فِيهَا إلَى قَوْلِهِ عُدَّ مُسْتَثْنًى مِنْ تِلْكَ الْقَوَاعِدِ) .
قُلْت: فِيمَا قَالَهُ مِنْ ذَلِكَ نَظَرٌ قَالَ (كَمَا أَثْبَتَ الشَّارِعُ الْمِيرَاثَ فِي دِيَةِ الْخَطَأِ، وَالْمِيرَاثُ فِي الشَّرِيعَةِ مَشْرُوطٌ بِتَقَدُّمِ مِلْكِ الْمَيِّتِ عَلَى الْمَالِ الْمَوْرُوثِ قَدَّرَ الْعُلَمَاءُ الْمِلْكَ فِي الدِّيَةِ مُتَقَدِّمًا عَلَى الْمَوْتِ بِالزَّمَنِ الْفَرْدِ حَتَّى يَصِحَّ حُكْمُ التَّوْرِيثِ فِيهَا) قُلْت لَيْسَ مِلْكُ الْمَقْتُولِ خَطَأً لِلدِّيَةِ مُقَدَّرًا عِنْدِي بَلْ هُوَ مُحَقَّقٌ، وَإِنَّمَا الْمُقَدَّرُ مِلْكُ الْمَقْتُولِ عَمْدًا لِلدِّيَةِ وَقَدْ سَبَقَ التَّنْبِيهُ عَلَى ذَلِكَ.
قَالَ: (وَكَذَلِكَ إذَا صَحَّحْنَا عِتْقَ الْإِنْسَانِ عَنْ غَيْرِهِ فِي كَفَّارَةٍ أَوْ تَطَوُّعٍ بِإِذْنِهِ، أَوْ بِغَيْرِ إذْنِهِ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ رضي الله عنه فِي اشْتِرَاطِ الْإِذْنِ قَدَّرْنَا ثُبُوتَ الْمِلْكِ قَبْلَ صُدُورِ صِيغَةِ الْعِتْقِ بِالزَّمَنِ الْفَرْدِ حَتَّى تَبْرَأَ ذِمَّةُ الْمُعْتَقِ عَنْهُ
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
الْفَائِدَةِ وَهَذَا قِيَاسٌ صَحِيحٌ لَمْ يُسَلَّمْ لَهُ أَنَّ نِصَابَ الْحَوْلَيْنِ يَتِمُّ بِرِبْحِهِ، وَإِنَّمَا سَلَّمَهُ الشَّافِعِيُّ فِيمَنْ اشْتَرَى بِمِائَةِ دِرْهَمٍ سِلْعَةً قِيمَتُهَا مِائَتَا دِرْهَمٍ، ثُمَّ بَاعَهَا بِمِائَتَيْ دِرْهَمٍ بَعْدَ أَنْ حَالَ الْحَوْلُ مِنْ يَوْمِ اشْتَرَاهَا فَإِنَّ الزَّكَاةَ فِيهَا وَهَذَا أَصْلٌ يَصِحُّ قِيَاسُنَا عَلَيْهِ وَلَا يُخِلُّ بِالْقِيَاسِ الْمَذْكُورِ اخْتِلَافُ حُكْمِ الْعَيْنِ وَالْمَاشِيَةِ فِي الْفَوَائِدِ مِنْ جِهَةِ أَنَّ الْمَاشِيَةَ إذَا أَفَادَ مِنْهَا شَيْئًا وَعِنْدَهُ نِصَابٌ مِنْ جِنْسِهَا كَانَ حُكْمُ الْفَائِدَةِ فِي الْحَوْلِ حُكْمَ أَصْلِ النِّصَابِ الَّذِي كَانَ عِنْدَهُ بِخِلَافِ الْعَيْنِ فَإِنَّهُ يُزَكِّي الْفَائِدَةَ لِحَوْلِهَا وَالنِّصَابَ الَّذِي كَانَ عِنْدَهُ لِحَوْلِهِ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ شَرْطِ الْفَرْعِ إذَا قِيسَ عَلَى الْأَصْلِ لِعِلَّةٍ جَامِعَةٍ بَيْنَهُمَا فِي حُكْمٍ مِنْ الْأَحْكَامِ أَنْ يُقَاسَ عَلَيْهِ فِي سَائِرِ أَحْكَامِهِ.
وَإِنَّمَا يَلْزَمُ أَنْ يَدُلَّ الدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ الْعِلَّةَ الَّتِي جَمَعَتْ بَيْنَهُمَا فِي ذَلِكَ الْحُكْمِ لَهَا اخْتِصَاصٌ بِذَلِكَ الْحُكْمِ دُونَ غَيْرِهِ، وَإِنْ فَارَقَ الْأَصْلُ الْفَرْعَ فِي أَحْكَامٍ غَيْرِهَا لَا تَعَلُّقَ لَهَا بِتِلْكَ الْعِلَّةِ لِأَنَّ مَا مِنْ فَرْعٍ إلَّا وَهُوَ يُخَالِفُ الْأَصْلَ الَّذِي قِيسَ عَلَيْهِ فِي عِدَّةِ أَحْكَامٍ، وَفِي مَسْأَلَتِنَا قَاسَ إتْمَامَ نِصَابِ الْمَاشِيَةِ بِنَمَائِهَا الَّذِي هُوَ أَوْلَادُهَا عَلَى إتْمَامِ نِصَابِ الْعَيْنِ بِنَمَائِهِ لِعِلَّةٍ صَحِيحَةٍ وَهِيَ أَنَّ هَذَا أَيْ الْأَوْلَادُ نَمَاءٌ حَادِثٌ مِنْ الْعَيْنِ الَّتِي تَجِبُ فِيهَا الزَّكَاةُ وَهِيَ الْمَاشِيَةُ وَهُوَ مِنْ جِنْسِهَا فَوَجَبَ أَنْ يَكْمُلَ بِهَا نِصَابُهَا كَالْعَيْنِ وَهَذِهِ عِلَّةٌ تَخْتَصُّ بِالنَّمَاءِ دُونَ الْفَوَائِدِ فَاخْتِلَافُ الْعَيْنِ وَالْمَاشِيَةِ فِي الْفَوَائِدِ لَا فِي النَّمَاءِ لَا يَمْنَعُ اجْتِمَاعَهُمَا فِي النَّمَاءِ الَّذِي هُوَ مِنْ جِنْسِ الْأَصْلِ، وَإِنَّمَا اُخْتُلِفَ فِي الْفَوَائِدِ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ الْأَصْلِ وَزَكَاةُ الْمَاشِيَةِ لَهَا تَعَلُّقٌ بِالسَّاعِي فَإِذَا لَمْ تَجِبْ زَكَاتُهَا لِزَكَاةِ الْأَصْلِ لَمْ يُمْكِنْ تَكَرُّرُ السَّاعِي وَنِعْمَتْ الْمَعْدِلَةُ بَيْنَ أَرْبَابِ الْأَمْوَالِ وَالْمَسَاكِينِ فَإِنَّ الْفَائِدَةَ إذَا أُضِيفَتْ إلَى أَقَلَّ مِنْ النِّصَابِ زُكِّيَتْ بَعْدَ اسْتِكْمَالِ حَوْلِ الْفَائِدَةِ، وَإِذَا أُضِيفَتْ إلَى النِّصَابِ زُكِّيَتْ لِحَوْلِ النِّصَابِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْعَيْنُ فَإِنَّ رَبَّ الْمَالِ يُخْرِجُ زَكَاتَهُ فَيُمْكِنُ إخْرَاجُهُ عِنْدَ حُلُولِ حَوْلِهِ الْمُخْتَصِّ بِهِ فَلَمْ تَدْعُ ضَرُورَةٌ إلَى اعْتِبَارِهِ لِحَوْلِ النِّصَابِ فَتُعَجَّلُ قَبْلَ حُلُولِهِ، وَلَا أَنْ يُضَافَ إلَى أَقَلَّ مِنْ النِّصَابِ فَيُزَكَّى إلَى أَكْثَرَ مِنْ حَوْلِهِ فَلِذَلِكَ افْتَرَقَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ اهـ بِتَصَرُّفٍ مَا.
[الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْوَاجِبَاتِ وَالْحُقُوقِ الَّتِي تُقَدَّمُ عَلَى الْحَجِّ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَا يُقَدَّمُ عَلَيْهِ]
(الْفَرْقُ التَّاسِعُ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْوَاجِبَاتِ وَالْحُقُوقِ الَّتِي تُقَدَّمُ عَلَى الْحَجِّ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَا يَتَقَدَّمُ عَلَيْهِ) .
الْفَرْقُ بَيْنَ مَا يُقَدَّمُ وَمَا لَا يُقَدَّمُ عَلَى الْحَجِّ مِنْ الْوَاجِبَاتِ وَالْحُقُوقِ مَبْنِيٌّ عَلَى قَاعِدَةِ أَنَّهُ إذَا تَعَارَضَتْ الْحُقُوقُ قُدِّمَ مِنْهَا أَحَدُ ثَلَاثَةِ أَنْوَاعٍ عَلَى مَا يُقَابِلُهُ:
النَّوْعُ الْأَوَّلُ: مَا جَعَلَهُ صَاحِبُ الشَّرْعِ مُضَيَّقًا مِنْ حَيْثُ إنَّ التَّضْيِيقَ يُشْعِرُ بِكَثْرَةِ اهْتِمَامِهِ بِهِ يُقَدَّمُ عَلَى مَا جُوِّزَ لِلْمُكَلَّفِ تَأْخِيرُهُ، وَجَعْلُهُ مُوَسَّعًا عَلَيْهِ وَمِنْ ذَلِكَ تَقْدِيمُ مَا يُخْشَى فَوَاتُهُ عَلَى مَا لَا يُخْشَى فَوَاتُهُ، وَإِنْ كَانَ أَعْلَى رُتْبَةً مِنْهُ وَلَهُ نَظَائِرُ كَثِيرَةٌ فِي الشَّرِيعَةِ مِنْهَا تَقْدِيمُ حِكَايَةِ قَوْلِ الْمُؤَذِّنِ عَلَى قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ لِأَنَّ قِرَاءَةَ الْقُرْآنِ لَا تَفُوتُ وَحِكَايَةَ قَوْلِ الْمُؤَذِّنِ تَفُوتُ بِالْفَرَاغِ مِنْ الْأَذَانِ وَمِنْهَا تَقْدِيمُ صَوْنِ الْأَمْوَالِ إذَا خَرَجَتْ عَنْ الْعَادَةِ عَلَى الْعِبَادَاتِ فَيُنْتَقَلُ لِلتَّيَمُّمِ عَنْ الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ إذَا خَرَجَ ثَمَنُ الْمَاءِ فِي شِرَائِهِ لَهُمَا عَنْ الْعَادَةِ بِأَنْ كَانَ لَهُ بَالٌ لَا يَلْزَمُهُ بَذْلُهُ فِي شِرَائِهِ إنْ ظَنَّ وُجُودَ الْمَاءِ كَمَا فِي ابْنِ حَمْدُونٍ عَلَى صَغِيرِ مَيَّارَةَ عَلَى ابْنِ عَاشِرٍ لَا إنْ زَادَ عَلَى الثُّلُثِ فَقَطْ لِأَنَّ الثُّلُثَ لَا يَكُونُ
مِنْ الْكَفَّارَةِ الْوَاجِبَةِ عَلَيْهِ فَإِنَّ الْوَاجِبَ مِنْ الْكَفَّارَاتِ لَا يَبْرَأُ مِنْهُ بِعِتْقِ غَيْرِ مَمْلُوكِهِ حَتَّى يَثْبُتَ لَهُ الْوَلَاءُ أَيْضًا فَإِنَّ الْوَلَاءَ لَا يَثْبُتُ أَصْلُهُ عَنْ غَيْرِ مَمْلُوكٍ لِلْمُعْتَقِ عَنْهُ، أَمَّا غَيْرُ أَصَالَةٍ بِطَرِيقِ الْإِذْنِ فَيَحْصُلُ بِغَيْرِ تَمَلُّكٍ، هَهُنَا هُوَ أَصَالَةٌ فَتَعَيَّنَ تَقْدِيرُ الْمَالِكِ لِلْعِتْقِ عَنْهُ قُبَيْلَ صُدُورِ صِيغَةِ الْعِتْقِ بِالزَّمَنِ الْفَرْدِ لِضَرُورَةِ ثُبُوتِ هَذِهِ الْأَحْكَامِ، فَإِذَا قَالَ لَهُ: أَعْتِقْ عَبْدَك عَنِّي، نُقَدِّرُ هَذِهِ الصِّيغَةَ مُشْتَمِلَةً عَلَى التَّوْكِيلِ فِي شِرَاءِ عَبْدٍ لَهُ مِنْ نَفْسِهِ وَأَنَّهُ يَتَوَلَّى طَرَفَيْ الْعَقْدِ، وَمُشْتَمِلَةً أَيْضًا عَلَى أَنَّهُ وَكَّلَهُ أَنْ يُعْتِقَهُ عَنْهُ عَنْ كَفَّارَتِهِ بَعْدَ اسْتِقْرَارِ الْمِلْكِ لَهُ فَهِيَ صِيغَةٌ مُشْتَمِلَةٌ عَلَى وَكَالَتَيْنِ وَكَالَةِ الْمُعَاوَضَةِ وَوَكَالَةِ الْعِتْقِ، فَضَرُورَةُ ثُبُوتِ حُكْمِ الْعِتْقِ عَنْ الْغَيْرِ يُحْوِجُ إلَى هَذِهِ التَّقَادِيرِ، وَنَظَائِرُهُ كَثِيرَةٌ فِي الشَّرِيعَةِ وَهَذِهِ الْقَاعِدَةُ تُعْرَفُ بِقَاعِدَةِ التَّقْدِيرَاتِ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
مِنْ الْكَفَّارَةِ الْوَاجِبَةِ عَلَيْهِ إلَى قَوْلِهِ لِضَرُورَةِ ثُبُوتِ هَذِهِ الْأَحْكَامِ) قُلْت: لَا حَاجَةَ إلَى تَقْدِيرِ الْمِلْكِ لِلْمُعْتَقِ عَنْهُ وَلَا دَلِيلَ عَلَيْهِ فَإِنَّ مِثْلَ هَذَا مِنْ الْأُمُورِ الْمَالِيَّةِ تَصِحُّ فِيهِ النِّيَابَةُ اتِّفَاقًا وَقَدْ تَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا.
قَالَ: (فَإِذَا قَالَ لَهُ: أَعْتِقْ عَبْدَك عَنِّي نُقَدِّرُ هَذِهِ الصِّيغَةَ مُشْتَمِلَةً عَلَى التَّوْكِيلِ فِي شِرَاءِ عَبْدٍ لَهُ مِنْ نَفْسِهِ، وَأَنَّهُ يَتَوَلَّى طَرَفَيْ الْعَقْدِ) .
قُلْت: لَا يَصِحُّ الشِّرَاءُ هُنَا بِوَجْهٍ فَإِنَّهُ لَا عِوَضَ فَلَا وَجْهَ لِتَوْكِيلِهِ عَلَى الشِّرَاءِ قَالَ (وَمُشْتَمِلَةً أَيْضًا عَلَى أَنَّهُ وَكَّلَهُ أَنْ يُعْتِقَهُ عَنْهُ عَنْ كَفَّارَتِهِ بَعْدَ اسْتِقْرَارِ الْمِلْكِ لَهُ فَهِيَ صِيغَةٌ مُشْتَمِلَةٌ عَلَى وَكَالَتَيْنِ وَكَالَةِ الْمُعَاوَضَةِ وَوَكَالَةِ الْعِتْقِ) .
قُلْت: وَلَا تَصِحُّ أَيْضًا وَكَالَتُهُ عَلَى الْعِتْقِ فَإِنَّهُ لَمْ يَسْبِقْهُ مِلْكٌ قَالَ (فَضَرُورَةُ ثُبُوتِ حُكْمِ الْعِتْقِ عَنْ الْغَيْرِ يُحْوِجُ إلَى هَذِهِ التَّقَادِيرِ، وَنَظَائِرُهُ كَثِيرَةٌ فِي الشَّرِيعَةِ) .
قُلْت: لَا حَاجَةَ إلَى شَيْءٍ مِمَّا ذَكَرَهُ مِنْ التَّقَادِيرِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَمَّا فِي غَيْرِهَا فَرُبَّمَا اُحْتِيجَ إلَى ذَلِكَ، وَكَيْفَ يَقُولُ: إنَّ الصِّيغَةَ مُشْتَمِلَةٌ عَلَى التَّوْكِيلِ، وَأَيُّ صِيغَةٍ فِيمَا إذَا أَعْتَقَ عَنْهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ؟ هَذَا كُلُّهُ لَا يَصِحُّ.
قَالَ (وَهَذِهِ الْقَاعِدَةُ تُعْرَفُ بِقَاعِدَةِ التَّقْدِيرَاتِ
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
كَثِيرًا إلَّا إذَا كَانَ لِلْمَاءِ كَبِيرُ ثَمَنٍ أَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ كَأَنْ يَكُونَ بِدِرْهَمٍ فَهَذَا وَإِنْ زَادَ بِأَكْثَرَ مِنْ نِصْفِهِ وَأَضْعَافِهِ فَلَا ضَرَرَ عَلَيْهِ فِيهِ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ الْحَطَّابِ عَلَى مَنْسَكِ خَلِيلٍ فِي شِرَاءِ نَعْلِ الْإِحْرَامِ فَتَنَبَّهْ، وَلَا يَجِبُ الْحَجُّ إذَا أَفْرَطَتْ الْغَرَامَاتُ فِي الطُّرُقَاتِ قَالَ الْعَدَوِيُّ عَلَى الْخَرَشِيِّ وَلَا يَسْقُطُ الْحَجُّ إذَا أَخَذَ ظَالِمٌ شَيْئًا لَا يُجْحَفُ بِهِ، وَإِذَا أَخَذَ لَا يَرْجِعُ بَلْ يَقِفُ عِنْدَ قَوْلِهِ آخُذُ هَذَا الْقَدْرَ، وَعُلِمَ مِنْهُ ذَلِكَ عَادَةً كَعَشَّارٍ فَإِنْ كَانَ يُعْلَمُ أَنَّهُ يَأْخُذُ مَا يُجْحِفُ، أَوْ يَنْكُثُ وَلَوْ قَلَّ الْمَجْمُوعُ وَمِثْلُ النُّكُوثِ تَعَدُّدُ الظَّالِمِ فَيَسْقُطُ عَنْهُ الْحَجُّ اهـ.
قَالَ الْخَرَشِيُّ وَكَذَا يَسْقُطُ إنْ شَكَّ أَنَّهُ يَنْكُثُ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ وَهُوَ الْمَذْهَبُ اهـ أَفَادَهُ شَيْخُنَا فِي حَاشِيَةِ تَوْضِيحِ الْمَنَاسِكِ وَمِنْهَا تَقْدِيمُ صَوْنِ النُّفُوسِ وَالْأَعْضَاءِ وَالْمَنَافِعِ عَلَى الْعِبَادَاتِ فَيُقَدَّمُ إنْقَاذُ الْغَرِيقِ وَالْحَرِيقِ وَنَحْوِهِمَا إذَا تَعَيَّنَ ذَلِكَ عَلَيْهِ عَلَى الصَّلَاةِ وَلَوْ كَانَ فِيهَا، أَوْ خَشِيَ فَوَاتَ وَقْتِهَا وَمِنْهَا تَقْدِيمُ صَوْنِ مَالِ الْغَيْرِ إذَا خُشِيَ فَوَاتُهُ عَلَى الصَّلَاةِ عِنْدَ مَنْ يَقُولُ حَقُّ الْعَبْدِ مُقَدَّمٌ بِدَلِيلِ تَرْكِ الطَّهَارَاتِ وَالْعِبَادَاتِ إذَا عَارَضَهَا ضَرَرُ الْعَبْدِ لَا عِنْدَ مَنْ يَقُولُ حَقُّ اللَّهِ يُقَدَّمُ لِأَنَّ حَقَّ الْعَبْدِ يَقْبَلُ الْإِسْقَاطَ بِالْمُحَالَلَةِ وَالْمُسَامَحَةِ دُونَ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى.
(النَّوْعُ الثَّانِي) الْوَاجِبُ عَلَى الْفَوْرِ يُقَدَّمُ عَلَى الْوَاجِبِ عَلَى التَّرَاخِي لِأَنَّ الْأَمْرَ بِالتَّعْجِيلِ يَقْتَضِي الْأَرْجَحِيَّةَ عَلَى مَا جُعِلَ لَهُ تَأْخِيرُهُ، مَثَلًا حَقُّ الْوَالِدَيْنِ وَاجِبٌ عَلَى الْفَوْرِ إجْمَاعًا فَيُقَدَّمُ عَلَى الْحَجِّ إذَا قُلْنَا إنَّهُ عَلَى التَّرَاخِي وَحَقُّ السَّيِّدِ وَاجِبٌ فَوْرِيٌّ فَيُقَدَّمُ عَلَى الْحَجِّ إذَا قُلْنَا بِذَلِكَ وَحَقُّ الزَّوْجِ فَوْرِيٌّ فَيُقَدَّمُ عَلَى الْحَجِّ إذَا قُلْنَا بِذَلِكَ، وَالدَّيْنُ الْحَالُّ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ فَوْرِيٌّ يَمْنَعُ الْخُرُوجَ إلَى الْحَجِّ إذَا قُلْنَا بِذَلِكَ وَلَا يَمْنَعُ ذَلِكَ الدَّيْنُ الْمُؤَجَّلُ.
(النَّوْعُ الثَّالِثُ) فَرْضُ الْأَعْيَانِ يُقَدَّمُ عَلَى فَرْضِ الْكِفَايَةِ لِأَنَّ طَلَبَ الْفِعْلِ مِنْ جَمِيعِ الْمُكَلَّفِينَ يَقْتَضِي أَرْجَحِيَّةَ مَا طُلِبَ مِنْ الْبَعْضِ فَقَطْ وَلِأَنَّ فَرْضَ الْكِفَايَةِ يَعْتَمِدُ عَدَمَ تَكَرُّرِ الْمَصْلَحَةِ بِتَكَرُّرِ الْفِعْلِ وَفَرْضَ الْأَعْيَانِ يَعْتَمِدُ تَكَرُّرَ الْمَصْلَحَةِ بِتَكَرُّرِ الْفِعْلِ، وَالْفِعْلُ الَّذِي تَتَكَرَّرُ مَصْلَحَتُهُ فِي جَمِيعِ صُوَرِهِ أَقْوَى فِي اسْتِلْزَامِ الْمَصْلَحَةِ مِنْ الَّذِي لَا تُوجَدُ الْمَصْلَحَةُ مَعَهُ إلَّا فِي بَعْضِ صُوَرِهِ قَالَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: الْحَجُّ أَفْضَلُ مِنْ الْغَزْوِ لِأَنَّ الْغَزْوَ فَرْضُ كِفَايَةٍ وَالْحَجَّ فَرْضُ عَيْنٍ وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ رضي الله عنهما يُكْثِرُ الْحَجَّ وَلَا يَحْضُرُ الْغَزْوَ وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِيمَنْ أَتَى مُرَاهَقًا وَعَلَيْهِ صَلَاةُ الْعِشَاءِ وَلَمْ يَبْقَ قَبْلَ الْفَجْرِ إلَّا مِقْدَارُ رَكْعَةٍ لِلْعِشَاءِ وَالْوُقُوفِ فَخَافَ بِاشْتِغَالِهِ بِأَحَدِهِمَا فَوَاتَ الْآخَرِ هَلْ يُصَلِّي مُطْلَقًا، أَوْ يُدْرِكُ الْوُقُوفَ مُطْلَقًا، وَإِنْ كَانَ حِجَازِيًّا صَلَّى، وَإِلَّا أَدْرَكَ الْوُقُوفَ، أَوْ يُصَلِّي وَهُوَ مَاشٍ، أَوْ رَاكِبٌ كَصَلَاةِ الْمُسَايَفَةِ فَيُدْرِكَهُمَا مَعًا؟
أَقْوَالٌ أَرْبَعَةٌ رَجَّحَ الْأَوَّلَ خَلِيلٌ فِي مُخْتَصَرِهِ حَيْثُ قَالَ وَصَلَّى وَلَوْ فَاتَ وَجَعَلَهُ الْأَصْلُ مَذْهَبَ مَالِكٍ وَمَا عَدَاهُ أَقْوَالًا لِلشَّافِعِيَّةِ وَقَالَ إنَّهُ الْحَقُّ لِأَنَّ الصَّلَاةَ أَفْضَلُ وَهِيَ فَوْرِيَّةٌ إجْمَاعًا اهـ وَسَلَّمَهُ ابْنُ الشَّاطِّ وَقَالَ فِي الْمَدْخَلِ اخْتَلَفَ عُلَمَاؤُنَا فِيهِ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْوَالٍ وَذَكَرَهَا عَلَى التَّرْتِيبِ الْمَذْكُورِ، وَقَالَ: وَالْمَشْهُورُ الْأَوَّلُ، وَرَجَّحَ الرَّابِعَ اهـ.
وَقَالَ الْعَلَّامَةُ الْأَمِيرُ فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى عَبْدِ السَّلَامِ عَلَى الْجَوْهَرَةِ وَلَا يُنَافِي أَفْضَلِيَّةَ الصَّلَاةِ قَوْلُ الْمَالِكِيَّةِ كَجَمْعٍ مِنْ غَيْرِهِمْ بِتَقْدِيمِ الْوُقُوفِ عَلَى الصَّلَاةِ حَيْثُ.