الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
آخِرَ وَقْتِ الصَّلَاةِ لِتَعَذُّرِ مَا قَبْلَهُ وَتَعَذُّرِ غَيْرِهِ لَا لِأَنَّهُ وَاجِبٌ بِحُكْمِ الْأَصَالَةِ فَفَرَّقَ بَيْنَ قَضَاءِ رَمَضَانَ عَلَى الْمُفَرِّطِ الَّذِي يَتَعَيَّنُ فِي حَقَّةِ الْأَدَاءُ وَبَيْنَ الْقَضَاءِ فِي حَقِّ الْمُسَافِرِ أَنَّ الْقَضَاءَ عَلَى الْمُفَرِّطِ وَاجِبٌ بِخُصُوصِهِ وَعُمُومِهِ بِسَبَبٍ وَاحِدٍ وَهُوَ الْفِطْرُ فِي رَمَضَانَ وَعَلَى الْمُسَافِرِ بِسَبَبَيْنِ أَحَدُهُمَا رُؤْيَةُ الْهِلَالِ فَإِنَّهَا أَوْجَبَتْ الْعُمُومَ الَّذِي فِي الْقَضَاءِ وَهُوَ كَوْنُهُ أَحَدَ الشَّهْرَيْنِ، وَثَانِيهِمَا خُرُوجُ شَهْرِ الْأَدَاءِ وَلَمْ يَصُمْ فِيهِ فَإِنَّهُ يُوجِبُ خُصُوصَ الْقَضَاءِ فَتَأَمَّلْ الْفَرْقَ.
(الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) الْمَرِيضُ إذَا كَانَ يَقْدِرُ عَلَى الصَّوْمِ لَكِنْ مَعَ مَشَقَّةٍ عَظِيمَةٍ لَا يَخْشَى مَعَهَا عَلَى نَفْسِهِ وَلَا عُضْوٍ مِنْ أَعْضَائِهِ فَهَذَا يُسْقِطُ عَنْهُ الْخِطَابَ بِخُصُوصِ رَمَضَانَ لِأَجْلِ الْمَشَقَّةِ وَيَبْقَى مُخَاطَبًا بِأَحَدِ الشَّهْرَيْنِ إمَّا شَهْرُ الْأَدَاءِ أَوْ شَهْرُ الْقَضَاءِ وَيَتَعَيَّنُ الْقَضَاءُ فِي حَقِّهِ بِالسَّبَبَيْنِ الْمُتَقَدِّمَيْنِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي مَسْأَلَةِ الْعَبْدِ حَرْفًا بِحَرْفٍ فَإِنْ كَانَ يَخْشَى عَلَى نَفْسِهِ أَوْ عُضْوٍ مِنْ أَعْضَائِهِ أَوْ مَنْفَعَةٍ مِنْ مَنَافِعِهِ فَهَذَا يُحَرِّمُ عَلَيْهِ الصَّوْمَ وَلَا نَقُولُ إنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ أَحَدُ الشَّهْرَيْنِ بَلْ يَتَعَيَّنُ الْأَدَاءُ لِلتَّحْرِيمِ وَالْقَضَاءِ لِلْوُجُوبِ إنْ بَقِيَ مُسْتَجْمِعَ الشَّرَائِطِ سَالِمَ الْمَوَانِعِ فِي زَمَانِ الْقَضَاءِ، فَإِنْ أَقْدَمَ وَصَامَ وَفَعَلَ الْمُحَرَّمَ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ إنَّهُ غَيْرُ الْوَاجِبِ بَعْدَ عُمُومِهِ كَمَا تَقَدَّمَ فَهَلْ يُجْزِئُ عَنْهُ؟ قَالَ الْغَزَالِيُّ فِي الْمُسْتَصْفَى: يَحْتَمِلُ عَدَمَ الْإِجْزَاءِ؛ لِأَنَّ الْمُحَرَّمَ لَا يُجْزِئُ عَنْ الْوَاجِبِ وَيَحْتَمِلُ الْإِجْزَاءَ كَالصَّلَاةِ فِي الدَّارِ الْمَغْصُوبَةِ فَإِنَّهُ مُتَقَرِّبٌ إلَى اللَّهِ تَعَالَى بِتَرْكِ شَهْوَتَيْ فَمِهِ وَفَرْجِهِ جَانٍ عَلَى نَفْسِهِ كَمَا أَنَّ الْمُصَلِّيَ فِي الدَّارِ الْمَغْصُوبَةِ مُتَقَرِّبٌ إلَى اللَّهِ بِرُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ وَتَعْظِيمِهِ وَإِجْلَالِهِ وَجَانٍ عَلَى صَاحِبِ الدَّارِ وَهُوَ تَخْرِيجٌ حَسَنٌ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
لِأَنَّهُ وَاجِبٌ بِحُكْمِ الْأَصَالَةِ) قُلْت: مَا قَالَهُ هُنَا صَحِيحٌ.
قَالَ (مُفَرِّقٌ بَيْنَ قَضَاءِ رَمَضَانَ عَلَى الْمُفَرِّطِ الَّذِي يَتَعَيَّنُ فِي حَقِّهِ الْأَدَاءُ وَبَيْنَ الْقَضَاءِ فِي حَقِّ الْمُسَافِرِ آخِرَ الْمَسْأَلَةِ) قُلْت: أَمَّا قَوْلُهُ إنَّ الْقَضَاءَ عَلَى الْمُفَرِّطِ وَاجِبٌ بِخُصُوصِهِ وَعُمُومِهِ بِسَبَبٍ وَاحِدٍ فَصَحِيحٌ وَأَمَّا قَوْلُهُ وَعَلَى الْمُسَافِرِ بِسَبَبَيْنِ: أَحَدُهُمَا رُؤْيَةُ الْهِلَالِ فَإِنَّهَا أَوْجَبَتْ الْعُمُومَ الَّذِي فِي الْقَضَاءِ وَهُوَ كَوْنُهُ أَحَدَ الشَّهْرَيْنِ فَلَمْ تُوجِبْ الرُّؤْيَةُ الْعُمُومَ فَإِنَّ الْعُمُومَ مِنْ حَيْثُ هُوَ عُمُومٌ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ الْوُجُوبُ وَلَيْسَ الْعُمُومُ هُوَ كَوْنُهُ أَحَدَ الشَّهْرَيْنِ بَلْ أَحَدُ الشَّهْرَيْنِ خُصُوصٌ غَيْرُ مُعَيَّنٍ.
قَالَ (الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) الْمَرِيضُ إذَا كَانَ يَقْدِرُ عَلَى الصَّوْمِ لَكِنْ مَعَ مَشَقَّةٍ عَظِيمَةٍ لَا يَخْشَى مَعَهَا عَلَى نَفْسِهِ وَلَا عُضْوٍ مِنْ أَعْضَائِهِ فَهَذَا يَسْقُطُ عَنْهُ الْخِطَابُ بِخُصُوصِ رَمَضَانَ لِأَجْلِ الْمَشَقَّةِ وَيَبْقَى مُخَاطَبًا بِأَحَدِ الشَّهْرَيْنِ إلَى قَوْلِهِ إنْ بَقِيَ مُسْتَجْمِعَ الشَّرَائِطِ سَالِمَ الْمَوَانِعِ فِي زَمَنِ الْقَضَاءِ قُلْت: مَا قَالَهُ مِنْ أَنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ أَحَدُ الشَّهْرَيْنِ وَأَنَّهُ يَتَعَيَّنُ الْقَضَاءُ عِنْدَ تَعَذُّرِ الْأَدَاءِ صَحِيحٌ.
قَالَ (فَإِنْ أَقْدَمَ وَصَامَ وَفَعَلَ الْمُحَرَّمَ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ إنَّهُ غَيْرُ الْوَاجِبِ إلَى قَوْلِهِ وَهُوَ تَخْرِيجٌ حَسَنٌ) قُلْت: مَا قَالَهُ ظَاهِرٌ
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
بِهَا فَالْقَادِرُ إذًا مَطْلُوبٌ بِإِقَامَةِ الْفَرْضِ وَغَيْرُ الْقَادِرِ مَطْلُوبٌ بِتَقْدِيمِ ذَلِكَ الْقَادِرِ إذْ لَا يُتَوَصَّلُ إلَى قِيَامِ الْقَادِرِ إلَّا بِالْإِقَامَةِ مِنْ بَابِ مَا لَا يَتِمُّ الْوَاجِبُ إلَّا بِهِ وَبِهَذَا الْوَجْهِ يَرْتَفِعُ مَنَاطُ الْخِلَافِ فَلَا يَبْقَى لِلْمُخَالَفَةِ وَجْهٌ ظَاهِرٌ اهـ كَلَامُ أَبِي إِسْحَاقَ بِتَغْيِيرٍ مَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ إجْزَاءِ مَا لَيْسَ بِوَاجِبٍ عَنْ الْوَاجِبِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ تَعَيُّنِ الْوَاجِبِ]
(الْفَرْقُ الثَّالِثُ وَالْخَمْسُونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ إجْزَاءِ مَا لَيْسَ بِوَاجِبٍ عَنْ الْوَاجِبِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ تَعَيُّنِ الْوَاجِبِ الْمُخَيَّرِ)
وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا مِنْ جِهَتَيْنِ: الْأُولَى: أَنَّ الْوَاجِبَ فِي الْقَاعِدَةِ الْأُولَى خُصُوصٌ مُعَيَّنٌ مِنْ قِبَلِ الْآمِرِ لَا مَوْكُولٌ تَعَيُّنُهُ إلَى خِيرَةِ الْمَأْمُورِ وَالْوَاجِبُ فِي الْقَاعِدَةِ الثَّانِيَةِ خُصُوصٌ غَيْرُ مُعَيَّنٍ مِنْ قِبَلِ الْآمِرِ وَإِنَّمَا تَعَيُّنُهُ مَوْكُولٌ إلَى خِيرَةِ الْمَأْمُورِ، وَالْجِهَةُ الثَّانِيَةُ: أَنَّ الْقَاعِدَةَ الْأُولَى لَمَّا تَعَيَّنَ فِيهَا الْوَاجِبُ مِنْ قِبَلِ الْآمِرِ كَانَ الْأَصْلُ عَدَمَ إجْزَاءِ غَيْرِهِ عَنْهُ وَإِنَّمَا جَرَى إجْزَاءُ غَيْرِ الْوَاجِبِ عَنْهُ عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ فِي إحْدَى عَشْرَةَ مَسْأَلَةً فِي الْمَذْهَبِ أَشَارَ لَهَا الشَّيْخُ أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الزَّوَاوِيُّ كَمَا فِي كَبِيرِ مَيَّارَةَ عَلَى نَظْمِ ابْنِ عَاشِرٍ بِقَوْلِهِ:
مَسَائِلُ يَجْرِي نَقْلُهَا عَنْ فَرِيضَةٍ
…
شُذُوذًا فَلَا تَتْبَعْ سِوَى قَوْلِ شُهْرَةِ
مُجَدِّدٌ طَهُرَ سَاهِيًا وَهُوَ مُحْدِثٌ
…
وَلُمْعَةُ عُضْوٍ طَهُرَتْ بِفَضِيلَةِ
وَآتٍ بِغُسْلٍ سَاهِيًا عَنْ جَنَابَةٍ
…
نَوَى جُمُعَةً وَاحْكُمْ لِتَارِكِ سَجْدَةِ
مِنْ الْفَرْضِ يَأْتِي بِالسُّجُودِ لِسَهْوِهِ
…
وَمُبْطِلُهَا يَأْتِي بِخَامِسِ رَكْعَةِ
وَمَنْ لَمْ يُسَلِّمْ ظَنَّ فِيهَا سَلَامَهُ
…
وَآتٍ بِنَفْلٍ قَبْلَ خَتْمِ فَرِيضَةِ
وَمَنْ لَمْ يُسَلِّمْ أَوْ يَظُنُّ سَلَامَهُ
…
لِثَالِثَةٍ قَدْ قَامَ فَافْهَمْ بِصُورَةِ
وَيُجْزِئُ فِي الْمَشْهُورِ مَنْ طَافَ عِنْدَهُمْ
…
طَوَافَ وَدَاعٍ ذَاهِلًا عَنْ إفَاضَةِ
وَذُو مُتْعَةٍ قَدْ سَاقَ هَدْيَ تَطَوُّعٍ
…
فَيُجْزِئُ قَدْ قَالُوا لِوَاجِبِ مُتْعَةِ
وَقَدْ قَالَهُ ابْنُ الْمَاجِشُونِ إذَا رَمَى
…
جِمَارًا لِسَهْوٍ لَا يُعِيدُ لِجَمْرَةِ
وَبَيَانُهَا أَنَّهَا عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ
(الْقِسْمُ الْأَوَّلُ) مُحْتَوٍ عَلَى ثَلَاثِ مَسَائِلَ مِنْ الطَّهَارَةِ وَقَعَتْ فِي الْمَذْهَبِ عَلَى قَوْلَيْنِ بِالْإِجْزَاءِ وَعَدَمِهِ مَشْهُورُهُمَا الثَّانِي وَذَكَرَهَا الْأَصْلُ بِقَوْلِهِ:
الْأُولَى: إذَا تَوَضَّأَ مُجَدِّدًا ثُمَّ تَيَقَّنَ أَنَّهُ كَانَ مُحْدِثًا هَلْ يُجْزِئُهُ أَمْ لَا؟ قَوْلَانِ وَالْمَذْهَبُ عَدَمُ الْإِجْزَاءِ.
الثَّانِيَةُ: إذَا اغْتَسَلَ لِجُمُعَةٍ نَاسِيًا لِجَنَابَتِهِ الْمَذْهَبُ عَدَمُ الْإِجْزَاءِ وَقِيلَ تُجْزِئُ
الثَّالِثَةُ: إذَا نَسِيَ لُمْعَةً مِنْ الْغَسْلَةِ الْأُولَى فِي وُضُوئِهِ وَكَانَ غَسْلُهَا بِنِيَّةِ السُّنَّةِ
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ) الصَّبِيُّ إذَا صَلَّى بَعْدَ الزَّوَالِ ثُمَّ بَلَغَ فِي الْقَامَةِ قَالَ مَالِكٌ: يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُصَلِّيَ مَرَّةً أُخْرَى؛ لِأَنَّ سَبَبَ الْوُجُوبِ وُجِدَ فِي حَقِّهِ وَهُوَ مَا قَارَنَهُ مِنْ إجْزَاءِ الْقَامَةِ فِي زَمَنِ بُلُوغِهِ وَمَا لَيْسَ بِوَاجِبٍ وَهُوَ مَا أَوْقَعَهُ أَوَّلًا يُجْزِئُ عَنْ الْوَاجِبِ الَّذِي تَوَجَّهَ عَلَيْهِ ثَانِيًا، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ؛ لِأَنَّ الزَّوَالَ مَثَلًا إنَّمَا جَعَلَهُ اللَّهُ تَعَالَى سَبَبًا لِوُجُوبِ صَلَاةٍ وَاحِدَةٍ وَقَدْ فَعَلَهَا فَلَوْ أَوْجَبْنَا عَلَيْهِ صَلَاةً أُخْرَى لَكَانَ الزَّوَالُ سَبَبًا لِوُجُوبِ صَلَاتَيْنِ وَهُوَ خِلَافُ الْإِجْمَاعِ وَجَوَابُهُ أَنَّ الْقَامَةَ كُلَّهَا أَسْبَابٌ فَجَمِيعُ أَجْزَائِهَا ظَرْفٌ لِلْوُجُوبِ وَسَبَبٌ لِلْوُجُوبِ كَمَا تَقَدَّمَ الْبَحْثُ فِي هَذَا الْفَرْقِ فَالْجُزْءُ الْأَوَّلُ مِنْ الْقَامَةِ فِي حَقِّ الصَّبِيِّ سَبَبٌ لِلْفِعْلِ وَالْجُزْءُ الَّذِي قَارَنَهُ بَعْدَ الْبُلُوغِ سَبَبٌ لِلْوُجُوبِ فِي صَلَاةٍ أُخْرَى وَنَحْنُ نَمْنَعُ أَنَّ الزَّوَالَ لَا يَكُونُ سَبَبًا لِصَلَاتَيْنِ؛ لِأَنَّهُ إمَّا أَنْ يَدَّعِيَهُ فِي كُلِّ صُورَةٍ فَيَكُونَ ذَلِكَ مُصَادَرَةً عَلَى صُورَةِ النِّزَاعِ وَإِنْ ادَّعَاهُ فِيمَا عَدَا صُورَةَ النِّزَاعِ فَلَا يُمْكِنُهُ إلْحَاقُ صُورَةِ النِّزَاعِ بِصُورَةِ الْإِجْمَاعِ إلَّا بِالْقِيَاسِ فَإِذَا قَاسَ فَرَّقْنَا بِأَنَّ صُورَةَ النِّزَاعِ وُجِدَ فِيهَا حَالَتَانِ تَقْتَضِيَانِ الْوُجُوبَ وَالنَّدْبَ وَهُمَا الصِّبَا وَالْبُلُوغُ بِخِلَافِ صُورَةِ الْإِجْمَاعِ لَيْسَ فِيهَا إلَّا حَالَةٌ وَاحِدَةٌ فَكَانَتْ الصَّلَاةُ وَاحِدَةً لِاتِّحَادِ الشَّرْطِ أَمَّا مَعَ تَعَدُّدِ الشَّرْطِ وَاخْتِلَافِهِ جَازَ اخْتِلَافُ الْمَشْرُوطِ وَالصِّبَا شَرْطٌ فِي تَوَجُّهِ النَّدْبِ وَالْبُلُوغُ شَرْطٌ فِي تَوَجُّهِ الْوُجُوبِ.
(الْفَرْقُ الرَّابِعُ وَالْخَمْسُونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَيْسَ بِوَاجِبٍ فِي الْحَالِ وَالْمَآلِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَيْسَ بِوَاجِبٍ فِي الْحَالِ وَهُوَ وَاجِبٌ فِي الْمَآلِ) فَالْأَوَّلُ لَا يُجْزِئُ عَنْ الْوَاجِبِ وَالثَّانِي قَدْ يُجْزِئُ عَنْهُ وَيَتَّضِحُ الْفَرْقُ بِذِكْرِ ثَلَاثِ مَسَائِلَ:
(الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى) الزَّكَاةُ إذَا عُجِّلَتْ قَبْلَ الْحَوْلِ إمَّا بِالشَّهْرِ وَنَحْوِهِ عِنْدَنَا وَإِمَّا فِي أَوَّلِ الْحَوْلِ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ فَهَذَا الْمُعَجَّلُ لَيْسَ بِوَاجِبٍ فَإِنَّ دَوَرَانَ الْحَوْلِ شَرْطٌ فِي الْوُجُوبِ وَالْمَشْرُوطُ لَا يُوجَدُ قَبْلَ شَرْطِهِ، فَإِذَا دَارَ الْحَوْلُ وَتَوَجَّهَ الْخِطَابُ بِوُجُوبِ الزَّكَاةِ عَلَيْهِ أَجْزَأَ عَنْهُ مَا تَقَدَّمَ مَعَ أَنَّهُ غَيْرُ وَاجِبٍ فَمَا الْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا الْمُخْرَجِ وَبَيْنَ مَا إذَا نَوَى بِإِخْرَاجِهِ صَدَقَةَ التَّطَوُّعِ فَإِنَّهُ لَا يُجْزِئُ عَنْهُ وَالْفَرْقُ أَنَّ صَدَقَةَ التَّطَوُّعِ لَيْسَتْ بِوَاجِبَةٍ فِي الْحَالِ وَلَا فِي الْمَآلِ فَلَمْ تُجْزِئْ عَنْهُ وَأَمَّا الْمُعَجِّلُ لِلزَّكَاةِ فَهُوَ قَاصِدٌ بِالْمُخْرَجِ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
قَالَ (الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ) الصَّبِيُّ إذَا صَلَّى بَعْدَ الزَّوَالِ ثُمَّ بَلَغَ فِي الْقَامَةِ، قَالَ مَالِكٌ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُصَلِّيَ مَرَّةً أُخْرَى إلَى آخِرِ الْمَسْأَلَةِ قُلْت: مَا قَالَهُ فِيهَا صَحِيحٌ.
قَالَ (الْفَرْقُ الرَّابِعُ وَالْخَمْسُونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَيْسَ بِوَاجِبٍ فِي الْحَالِ وَالْمَآلِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَيْسَ بِوَاجِبٍ فِي الْحَالِ وَهُوَ وَاجِبٌ فِي الْمَآلِ إلَى آخِرِهِ) قُلْت: مَا قَالَهُ مِنْ احْتِمَالِ الْخِلَافِ ظَاهِرٌ وَمَا قَالَهُ مِنْ الْجَوَابِ عَنْ السُّؤَالِ لَا بَأْسَ بِهِ وَالْأَصَحُّ نَظَرُ امْتِنَاعِ التَّقْدِيمِ فِي الزَّكَاةِ وَلُزُومُ عَدَمِ الْإِجْزَاءِ فِي مَسْأَلَةِ الْحَنَفِيَّةِ فَيُصَادِمُهُمْ الْإِجْمَاعُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
قَوْلَانِ فِي الْمَذْهَبِ وَمُقْتَضَاهُ عَدَمُ الْإِجْزَاءِ كَالتَّجْدِيدِ اهـ. قَالَ ابْنُ الشَّاطِّ: وَيَحْتَمِلُ عِنْدِي أَنْ لَا يَكُونَ الْقَائِلُ بِالْإِجْزَاءِ فِي هَذِهِ بَنَى قَوْلَهُ عَلَى هَذَا الْأَصْلِ أَيْ إجْزَاءُ مَا لَيْسَ بِوَاجِبٍ عَنْ الْوَاجِبِ بَلْ عَلَى أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُوقِعِينَ لِهَذِهِ الطِّهَارَاتِ إنَّمَا أَرَادَ بِهَا إحْرَازَ كَمَالِهَا وَالْكَمَالُ فِي رَأْيِهِ يَتَضَمَّنُ الْأَجْزَاءَ بِخِلَافِ رَأْيِ غَيْرِهِ مِنْ أَنَّ الْكَمَالَ لَا يَتَضَمَّنُ الْإِجْزَاءَ فَيَكُونُ الْخِلَافُ فِي الْإِجْزَاءِ وَعَدَمِهِ مَبْنِيًّا عَلَى الْخِلَافِ فِي ذَلِكَ فَلَا تَكُونُ هَذِهِ الثَّلَاثُ الْمَسَائِلِ مِنْ إجْزَاءِ مَا لَيْسَ بِوَاجِبٍ عَنْ الْوَاجِبِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا يَكُونَ الْقَائِلُ أَيْضًا بِالْإِجْزَاءِ بَنَى قَوْلَهُ عَلَى ذَلِكَ الْأَصْلِ بَلْ عَلَى أَنَّ الطَّهَارَةَ لَا يُشْتَرَطُ فِيهَا تَعْيِينُ نِيَّةِ الْفَرْضِ وَلَا نِيَّةِ النَّفْلِ فَلَا يَكُونُ عَلَى هَذَا مِنْ إجْزَاءِ مَا لَيْسَ بِوَاجِبٍ عَنْ الْوَاجِبِ. اهـ.
(وَالْقِسْمُ الثَّانِي) مُحْتَوٍ عَلَى خَمْسِ مَسَائِلَ مِنْ الصَّلَاةِ وَقَعَتْ فِي الْمَذْهَبِ أَيْضًا عَلَى قَوْلَيْنِ بِالْإِجْزَاءِ وَعَدَمِهِ مَشْهُورُهُمَا الثَّانِي ذَكَرَ الْأَصْلُ مِنْهَا ثَلَاثَةً:
الْأُولَى: إذَا سَلَّمَ مِنْ اثْنَيْنِ سَاهِيًا ثُمَّ قَامَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ بِنِيَّةِ النَّافِلَةِ هَلْ تُجْزِئَاهُ عَنْ رَكْعَتَيْ الْفَرْضِ أَمْ لَا؟ قَوْلَانِ.
الثَّانِيَةُ: إذَا ظَنَّ أَنَّهُ سَلَّمَ مِنْ فَرْضِهِ فَصَلَّى بَقِيَّةَ فَرْضِهِ بِنِيَّةِ النَّافِلَةِ هَلْ يُجْزِئُهُ أَمْ لَا؟ قَوْلَانِ.
الثَّالِثَةُ: إذَا سَهَا عَنْ سَجْدَةٍ مِنْ الرَّكْعَةِ الْأُولَى وَقَامَ إلَى خَامِسَةٍ سَاهِيًا هَلْ تُجْزِئُهُ عَنْ الرَّكْعَةِ الَّتِي نَسِيَ مِنْهَا السَّجْدَةَ أَمْ لَا؟ قَوْلَانِ. قَالَ ابْنُ الشَّاطِّ وَمَسْأَلَةُ الْمُسَلِّمِ مِنْ اثْنَتَيْنِ وَالظَّانِّ أَنَّهُ سَلَّمَ مِنْ إجْزَاءِ مَا لَيْسَ بِوَاجِبٍ عَنْ الْوَاجِبِ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ وَأَمَّا مَسْأَلَةُ السَّاهِي عَنْ سَجْدَةٍ مِنْ الْأُولَى الْقَائِمِ إلَى خَامِسَةٍ فَيَحْتَمِلُ أَيْضًا أَنْ لَا يَكُونَ مِنْ إجْزَاءِ مَا لَيْسَ بِوَاجِبٍ عَنْ الْوَاجِبِ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ إنَّمَا قَامَ فِي الْخَامِسَةِ لِأَدَاءِ بَقِيَّةِ فَرْضِهِ فِيمَا يَعْتَقِدُ
الرَّابِعَةُ أَشَارَ لَهَا أَبُو الْعَبَّاسِ الزَّوَاوِيُّ بِقَوْلِهِ:
وَاحْكُمْ لِتَارِكِ سَجْدَةٍ
…
مِنْ الْفَرْضِ يَأْتِي بِالسُّجُودِ لِسَهْوِهِ
يَعْنِي وَاحْكُمْ بِالْإِجْزَاءِ عَلَى مُقَابِلِ الْمَشْهُورِ لِتَارِكِ سَجْدَةٍ مِنْ صَلَاةِ الْفَرْضِ فِي حَالِ إتْيَانِهِ بِسَجْدَةِ سَهْوِهِ فِي الصَّلَاةِ قَبْلَ السَّلَامِ أَوْ بَعْدَهُ.
الْخَامِسَةُ: أَشَارَ لَهَا أَبُو الْعَبَّاسِ الزَّوَاوِيُّ بِقَوْلِهِ:
وَمَنْ لَمْ يُسَلِّمْ أَوْ يَظُنَّ سَلَامَهُ
…
لِثَالِثَةٍ قَدْ قَامَ فَافْهَمْ بِصُورَةِ
يَعْنِي وَمَنْ قَامَ مِنْ ثَانِيَةِ فَرْضٍ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُسَلِّمَ أَوْ يَظُنَّ السَّلَامَ لِثَالِثَةٍ بِنِيَّةِ النَّفْلِ أَيْضًا أَمَّا إنْ سَلَّمَ أَوْ ظَنَّ السَّلَامَ فَهُمَا الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى
الْوَاجِبَ عَلَى تَقْدِيرِ دَوَرَانِ الْحَوْلِ وَلَمْ يَقْصِدْ التَّطَوُّعَ وَإِذَا قَصَدَ بِهِ الْوَاجِبَ فِي الْمَآلِ فَمَا أَجْزَأَ عَنْ الْوَاجِبِ إلَّا وَاجِبٌ.
(الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ يَتَعَلَّقُ الْوُجُوبُ فِي الْوَاجِبِ الْمُوسِعِ بِآخِرِ الْوَقْتِ وَفِعْلُ الْمُعَجَّلِ قَبْلَ ذَلِكَ نَفْلٌ يَسُدُّ مَسَدَّ الْفَرْضِ عَلَى مَا تَقَرَّرَ عِنْدَهُمْ فَقَالَ الْأَصْحَابُ لَهُمْ لَوْ صَحَّ مَا ذَكَرْتُمُوهُ لَصَحَّ أَنْ يُصَلِّيَ قَبْلَ الزَّوَالِ وَيُجْزِئُ عَنْهُ إذَا زَالَتْ الشَّمْسُ فَيَكُونُ نَفْلًا سَدَّ مَسَدَّ الْفَرْضِ وَأَجْزَأَ عَنْهُ بَعْدَ طَرَيَانِهِ وَهُوَ خِلَافُ الْإِجْمَاعِ فَكَذَلِكَ مَا بَعْدَ الزَّوَالِ لِانْحِصَارِ الْوُجُوبِ عِنْدَكُمْ فِي آخِرِ الْقَامَةِ فَمَا وَقَعَ بَعْدَ الزَّوَالِ أَوْ قَبْلَهُ سَوَاءٌ فِي كَوْنِهِ غَيْرَ وَاجِبٍ، فَإِذَا أَجْزَأَ أَحَدُهُمَا عَنْ الْوَاجِبِ وَجَبَ أَنْ يُجْزِئَ الْآخَرُ عَنْ الْوَاجِبِ، فَإِذَا قُلْتُمْ قَدْ قَصَدَ بِهِ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ فِي الْمَآلِ عِنْدَ آخِرِ الْوَقْتِ وَلَمْ يَقْصِدْ بِهِ التَّطَوُّعَ قُلْنَا: وَكَذَلِكَ يَقْصِدُ بِهِ قَبْلَ الزَّوَالِ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ فِي آخِرِ الْوَقْتِ وَيُجْزِئُ وَلَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ.
وَهَذَا السُّؤَالُ قَوِيٌّ جِدًّا فِي بَادِئِ الرَّأْيِ غَيْرَ أَنَّ الْجَوَابَ عَنْهُ أَنَّ الصَّلَاةَ قَبْلَ الزَّوَالِ إذَا قَصَدَ بِهَا الْوَاجِبَ عَلَيْهِ فِي الْمَآلِ عِنْدَ آخِرِ الْقَامَةِ إنَّمَا وِزَانُهُ إخْرَاجُ الزَّكَاةِ قَبْلَ مِلْكِ النِّصَابِ وَيَنْوِي بِهَا مَا يَجِبُ عَلَيْهِ فِي الْمَآلِ عِنْدَ مِلْكِ النِّصَابِ وَدَوَرَانِ الْحَوْلِ وَهَذَا لَا يُجْزِئُ إجْمَاعًا؛ لِأَنَّهُ إيقَاعُ الْفِعْلِ قَبْلَ سَبَبِهِ وَوِزَانُ مَسْأَلَتِنَا الْإِخْرَاجُ بَعْدَ مِلْكِ النِّصَابِ وَقَبْلَ الْحَوْلِ؛ فَإِنَّ النِّصَابَ سَبَبٌ وَالزَّوَالُ أَيْضًا سَبَبٌ لِلْوُجُوبِ آخِرَ الْقَامَةِ كَمَا أَنَّ النِّصَابَ سَبَبُ الْوُجُوبِ بَعْدَ الْحَوْلِ فَالصَّلَاةُ قَبْلَ الزَّوَالِ إنَّمَا وِزَانُهَا الْإِخْرَاجُ قَبْلَ النِّصَابِ فَظَهَرَ الْفَرْقُ بَيْنَ الصَّلَاةِ قَبْلَ الزَّوَالِ وَيَنْوِي بِهَا الْوَاجِبَ فِي الْمَآلِ فِي أَنَّهُ تَقَدَّمَ عَلَى الْأَسْبَابِ مُطْلَقًا وَبَيْنَ الصَّلَاةِ بَعْدَ الزَّوَالِ فِي أَنَّهُ بَعْدَ السَّبَبِ فَلَا يَلْزَمُ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ فَانْدَفَعَ السُّؤَالُ عَنْ الْحَنَفِيَّةِ وَلَمْ يَكُنْ مَا أَوْقَعَهُ الْمُصَلِّي نَفْلًا مُطْلَقًا لَا يَجِبُ فِي الْحَالِ وَلَا فِي الْمَآلِ بَلْ مَا يَجِبُ فِي الْمَآلِ وَبِهِ يَظْهَرُ الْفَرْقُ أَيْضًا بَيْنَ صَلَاتِهِ هَذِهِ وَبَيْنَ أَنْ يُصَلِّيَ بِنِيَّةِ النَّافِلَةِ.
(الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) زَكَاةُ الْفِطْرِ يَجُوزُ تَعْجِيلُهَا قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ بِيَوْمٍ أَوْ ثَلَاثَةٍ عِنْدَنَا وَتُجْزِئُ عَنْ الزَّكَاةِ الْوَاجِبَةِ إذَا تَوَجَّهَتْ عَلَيْهِ عِنْدَ سَبَبِهَا وَلَوْ أَخْرَجَ صَدَقَةَ التَّطَوُّعِ لَمْ تُجْزِئْ عَنْهُ، وَالْفَرْقُ أَنَّهُ أَخْرَجَهَا بِنِيَّةِ الْوَاجِبِ عَلَيْهِ فِي الْمَآلِ عِنْدَ طَرَيَان السَّبَبِ بِخِلَافِ صَدَقَةِ التَّطَوُّعِ، فَإِنَّهَا لَيْسَتْ وَاجِبَةً عَلَيْهِ فِي الْحَالِ وَلَا فِي الْمَآلِ فَلَمْ تُجْزِئْ عَنْهُ، فَإِنْ قُلْت فَهَذَا وَاجِبٌ تَقَدَّمَ عَلَى سَبَبِهِ فَإِنَّ سَبَبَ وُجُوبِ زَكَاةِ الْفِطْرِ غُرُوبُ الشَّمْسِ مِنْ آخِرِ أَيَّامِ رَمَضَانَ أَوْ طُلُوعُ الْفَجْرِ عَلَى الْخِلَافِ فِي ذَلِكَ فَالْإِخْرَاجُ قَبْلَ ذَلِكَ إخْرَاجٌ قَبْلَ السَّبَبِ وَهُوَ الْإِخْرَاجُ قَبْلَ مِلْكِ النِّصَابِ وَالْإِخْرَاجُ قَبْلَ مِلْكِ النِّصَابِ لَا يُجْزِئُ فَيَلْزَمُ أَنْ لَا تُجْزِئَ الزَّكَاةُ الْمُخْرَجَةُ هُنَا. قُلْت: سُؤَالٌ حَسَنٌ غَيْرَ أَنَّ زَكَاةَ الْفِطْرِ لَهَا تَعَلُّقٌ بِصَوْمِ رَمَضَانَ فَهِيَ جَابِرَةٌ لِمَا عَسَاهُ اخْتَلَّ عَنْهُ بِالرَّفَثِ وَغَيْرِهِ مِنْ أَسْبَابِ النَّقْصِ كَمَا أَنَّ السُّجُودَ فِي السَّهْوِ جَابِرٌ لِمَا نَقَصَ مِنْ الصَّلَاةِ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ وَلِذَلِكَ وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ أَنَّهَا طُهْرَةٌ لِلصَّائِمِ وَقَدْ تَقَدَّمَ الصَّوْمُ فَيَكُونُ إخْرَاجُهَا بَعْدَ أَحَدِ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
وَالْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ مِنْ هَذَا الْقِسْمِ وَلِذَا قَالَ فَافْهَمْ بِصُورَةِ.
وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ مُحْتَوٍ عَلَى ثَلَاثِ مَسَائِلَ مِنْ الْحَجِّ وَقَعَتْ فِي الْمَذْهَبِ أَيْضًا عَلَى قَوْلَيْنِ بِالْإِجْزَاءِ وَعَدَمِهِ لَكِنَّ الْمَشْهُورَ مِنْهُمَا هُنَا الْإِجْزَاءُ ذَكَرَ الْأَصْلُ مِنْهَا وَاحِدَةً.
الْأُولَى: إذَا نَسِيَ طَوَافَ الْإِفَاضَةِ وَقَدْ طَافَ طَوَافَ الْوَدَاعِ وَرَاحَ إلَى بَلَدِهِ أَجْزَأَهُ طَوَافُ الْوَدَاعِ عَنْ طَوَافِ الْإِفَاضَةِ كَذَا فِي الْأَصْلِ قَالَ ابْنُ الشَّاطِّ: وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مِنْ إجْزَاءِ مَا لَيْسَ بِوَاجِبٍ عَنْ الْوَاجِبِ لَكِنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ فِيهَا قَوْلَيْنِ وَهِيَ مَحَلٌّ لِاحْتِمَالِ الْخِلَافِ اهـ. قُلْت: وَقَدْ صَرَّحَ بِالْخِلَافِ فِيهَا كَغَيْرِهَا وَأَنَّ الْمَشْهُورَ مِنْهُمَا الْإِجْزَاءُ قَوْلُ أَبِي الْعَبَّاسِ الزَّوَاوِيِّ وَيُجْزِئُ فِي الْمَشْهُورِ مَنْ طَافَ عِنْدَهُمْ طَوَافَ وَدَاعٍ ذَاهِلًا عَنْ إفَاضَةٍ الثَّانِيَةُ أَشَارَ إلَيْهَا أَبُو الْعَبَّاسِ الزَّوَاوِيُّ بِقَوْلِهِ:
وَذُو مُتْعَةٍ قَدْ سَاقَ هَدْيَ تَطَوُّعٍ
…
فَيُجْزِئُ قَدْ قَالُوا لِوَاجِبِ مُتْعَةِ
يَعْنِي أَنَّ الْمُعْتَمِرَ إذَا سَاقَ هَدْيَ التَّطَوُّعِ فِي عُمْرَتِهِ فَلَمَّا حَلَّ مِنْهَا وَجَبَ نَحْرُهُ إلَّا إنْ أَخَّرَهُ لِيَوْمِ النَّحْرِ ثُمَّ بَدَا لَهُ وَأَحْرَمَ بِالْحَجِّ وَحَجَّ مِنْ عَامِهِ ذَلِكَ وَصَارَ مُتَمَتِّعًا فَإِنَّ هَدْيَ التَّطَوُّعِ يُجْزِئُهُ عَنْ مُتْعَتِهِ وَلَوْ لَمْ يَنْوِ عِنْدَ سَوْقِهِ أَنَّهُ يَجْعَلُهُ فِي مُتْعَتِهِ عَلَى تَأْوِيلِ سَنَدٍ وَهُوَ الْمَذْهَبُ كَمَا أَجْزَأَ عَنْ قِرَانِهِ كَمَا فِي حَاشِيَةِ شَيْخِنَا عَلَى تَوْضِيحِ الْمَنَاسِكِ لِلْوَالِدِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -.
الثَّالِثَةُ: أَشَارَ لَهَا أَبُو الْعَبَّاسِ الزَّوَاوِيُّ بِقَوْلِهِ:
وَقَدْ قَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ إذَا رَمَى
…
جِمَارَ السَّهْوِ لَا يُعِيدُ لِجَمْرَةِ
أَيْ إذَا نَسِيَ جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ ثُمَّ رَمَاهَا سَاهِيًا كَمَا وَقَعَ ذَلِكَ لِعَبْدِ الْمَلِكِ أَيْ ابْنِ الْمَاجِشُونِ كَمَا فِي كَبِيرِ مَيَّارَةَ عَلَى ابْنِ عَاشِرٍ قُلْت وَيُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِ شَيْخِنَا فِي حَاشِيَتِهِ كَمَا أَجْزَأَ أَيْ هَدْيُ التَّطَوُّعِ عَنْ قِرَانِهِ زِيَادَةُ مَسْأَلَةٍ رَابِعَةٍ فِي هَذَا الْقِسْمِ وَنَظَمْتهَا فِي بَيْتٍ يَلْحَقُ بِنَظْمِ أَبِي الْعَبَّاسِ الْمَذْكُورِ بِقَوْلِي:
وَزِدْ قَارِنًا يُجْزِئُهُ هَدْيُ تَطَوُّعٍ
…
بِوَاجِبِ هَدْيٍ لِلْقِرَانِ كَمُتْعَةِ
وَمِنْ هُنَا اُشْتُهِرَ أَنَّ تَطَوُّعَاتِ الْحَجِّ تُجْزِئُ عَنْ وَاجِبِ جِنْسِهَا فَتَكُونَ جُمْلَةُ النَّظَائِرِ اثْنَيْ عَشْرَ مَسْأَلَةً أَرْبَعَةٌ مِنْ إجْزَاءِ مَا لَيْسَ بِوَاجِبٍ عَنْ الْوَاجِبِ شُذُوذًا عَلَى احْتِمَالٍ وَأَرْبَعَةٌ مِنْ ذَلِكَ شُذُوذًا بِدُونِ احْتِمَالٍ وَأَرْبَعَةٌ مِنْ ذَلِكَ عَلَى مَشْهُورِ الْمَذْهَبِ وَمَا عَدَا هَذِهِ النَّظَائِرَ فَهُوَ جَارٍ عَلَى الْأَصْلِ مِنْ عَدَمِ إجْزَاءِ مَا لَيْسَ بِوَاجِبٍ عَنْ الْوَاجِبِ اتِّفَاقًا
سَبَبَيْهَا الَّذِي هُوَ الْخَلَلُ الْوَاقِعُ فِي الصَّوْمِ وَالْحُكْمُ إذَا تَوَسَّطَ بَيْنَ سَبَبَيْهِ أَوْ سَبَبِهِ وَشَرْطِهِ جَرَى فِيهِ الْخِلَافُ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ بِخِلَافِ تَقَدُّمِهِ عَلَيْهِمَا وَفِي الْإِخْرَاجِ قَبْلَ مِلْكِ النِّصَابِ تَقَدَّمَ عَلَيْهِمَا فَلَا جَرَمَ لَمْ يُجْزِئْ وَهَاهُنَا تَوَسَّطَ وَهُوَ سَبَبُ الْإِجْزَاءِ فَظَهَرَ بِهَذِهِ الْمَسَائِلِ الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَيْسَ بِوَاجِبٍ فِي الْحَالِ وَلَا فِي الْمَآلِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَيْسَ بِوَاجِبٍ فِي الْحَالِ وَهُوَ وَاجِبٌ فِي الْمَآلِ وَأَنَّ الْأَوَّلَ أَبْعَدُ فِي الْإِجْزَاءِ عَنْ الْوَاجِبِ مِنْ إجْزَاءِ الثَّانِي عَنْ الْوَاجِبِ.
(الْفَرْقُ الْخَامِسُ وَالْخَمْسُونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ مِلْكِ الْقَرِيبِ مِلْكًا مُحَقَّقًا يَقْتَضِي الْعِتْقَ عَلَى الْمَالِكِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مِلْكِ الْقَرِيبِ مِلْكًا مُقَدَّرًا لَا يَقْتَضِي الْعِتْقَ عَلَى الْمَالِكِ)
وَذَلِكَ أَنَّ الْمِلْكَ الْمُحَقَّقَ هُوَ أَنْ يُحَقَّقَ تَنَافِيهِ بِإِجْلَالِ الْآبَاءِ وَاحْتِرَامِ الْأَبْنَاءِ فَيُعْتَقُ الْأَبْنَاءُ وَالْآبَاءُ بِهِ وَغَيْرُهُمْ فِيهِ الْخِلَافُ فَمَنْ اشْتَرَى أَبَاهُ أَوْ وُهِبَ لَهُ فَقِبَلَهُ وَنَحْوَ ذَلِكَ فَقَدْ مَلَكَهُ مِلْكًا مُحَقَّقًا فَيُعْتَقُ عَلَيْهِ.
وَأَمَّا إنْ قَالَ لِغَيْرِهِ أَعْتِقْ عَنْ كَفَّارَةٍ عَلَيَّ عَبْدًا مِنْ عَبِيدِك فَأَعْتَقَ عَنْهُ أَبَا الطَّالِبِ لِلْعِتْقِ الَّذِي عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ فَإِنَّ الْقَاعِدَةَ أَنَّ الْعِتْقَ يَصِحُّ وَتَبْرَأُ ذِمَّتُهُ مِنْ الْعِتْقِ وَيَكُونُ الْوَلَاءُ لِلْمُعْتَقِ عَنْهُ فَلِأَجْلِ بَرَاءَةِ الذِّمَّةِ وَثُبُوتِ الْوَلَاءِ يَتَعَيَّنُ تَقْدِيرُ الْمِلْكِ لِلْمُعْتَقِ عَنْهُ قَبْلَ صُدُورِ الْعِتْقِ فِي الزَّمَنِ الْفَرْدِ حَتَّى يَكُونَ الْعِتْقُ فِي مِلْكٍ لَهُ فَتَبْرَأَ ذِمَّتُهُ مِنْ الْكَفَّارَةِ وَيَصِيرَ الْوَلَاءُ لَهُ بِمُقْتَضَى الْعِتْقِ فِي مِلْكِهِ فَهَذَا مِلْكٌ مُقَدَّرٌ مِنْ قِبَلِ صَاحِبِ الشَّرْعِ لِضَرُورَةِ ثُبُوتِ الْأَحْكَامِ لَا إنَّهُ مِلْكٌ مُحَقَّقٌ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ هَذَا الْمِلْكِ الْمُقَدَّرِ هُوَ أَنَّ بِالْمَمْلُوكِ مِنْ جِهَةِ مَنْ قُدِّرَ الْمِلْكُ لَهُ فَإِنَّ الْوَاقِعَ أَنَّهُ لَمْ يَمْلِكْهُ وَإِنَّمَا الشَّرْعُ أَعْطَى هَذَا الْمِلْكَ الْمَعْدُومَ حُكْمَ الْمَوْجُودِ وَالْوَاقِعُ الْمُحَقَّقُ عَدَمُ الْمِلْكِ فَلَا جَرَمَ لَا يَلْزَمُ بِهَذَا الْمِلْكِ الْمُقَدَّرِ عِتْقٌ بَلْ يَقَعُ عِتْقُ وَالِدِهِ عَنْ كَفَّارَتِهِ وَتُجْزِئُ عَنْهُ، وَلَوْ قُلْنَا إنَّهُ عَتَقَ عَلَيْهِ بِالْمِلْكِ لَمْ يُجْزِئْ عَنْ الْكَفَّارَةِ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَحِقَّ عِتْقَهُ بِسَبَبٍ غَيْرِ الْعَتَاقِ عَنْ الْكَفَّارَةِ لَا يُجْزِئُ عِتْقُهُ عَنْ الْكَفَّارَةِ وَهَذَا هُوَ تَحْقِيقُ الْفَرْقِ بَيْنَ الْقَاعِدَتَيْنِ.
(الْفَرْقُ السَّادِسُ وَالْخَمْسُونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ رَفْعِ الْوَاقِعَاتِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ تَقْدِيرِ ارْتِفَاعِهَا) هَاتَانِ الْقَاعِدَتَانِ تَلْتَبِسَانِ عَلَى كَثِيرٍ مِنْ الْفُقَهَاءِ الْفُضَلَاءِ مَعَ أَنَّ الْقَاعِدَةَ الْأُولَى قَاعِدَةُ امْتِنَاعٍ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
قَالَ شِهَابُ الدِّينِ (الْفَرْقُ الْخَامِسُ وَالْخَمْسُونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ مِلْكِ الْقَرِيبِ مِلْكًا مُحَقَّقًا يَقْتَضِي الْعِتْقَ عَلَى الْمَالِكِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مِلْكِ الْقَرِيبِ مِلْكًا مُقَدَّرًا لَا يَقْتَضِي الْعِتْقَ عَلَى الْمَالِكِ إلَى آخِرِهِ)
قُلْت: هَذَا الْفَرْقُ مَبْنِيٌّ عَلَى لُزُومِ تَقْدِيرِ الْمِلْكِ فِيمَا مَثَّلَ بِهِ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ تَقْدِيرَ الْمِلْكِ فِي ذَلِكَ لَيْسَ بِاللَّازِمِ فَلَا مَانِعَ مِنْ إجْزَاءِ الْعِتْقِ عَنْ الْمُعْتَقِ عَنْهُ مِنْ غَيْرِ تَقْدِيرِ مِلْكِهِ لِمَنْ أَعْتَقَهُ عَنْهُ.
قَالَ (الْفَرْقُ السَّادِسُ وَالْخَمْسُونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ رَفْعِ الْوَاقِعَاتِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ تَقْدِيرِ ارْتِفَاعِهَا إلَى آخِرِهِ) قُلْت: جَمِيعُ مَا قَالَهُ فِي هَذَا الْفَرْقِ صَحِيحٌ
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
فَلَوْ صَلَّى الْإِنْسَانُ أَلْفَ رَكْعَةٍ مَا أَجْزَأَتْ عَنْ صَلَاةِ الصُّبْحِ أَوْ دَفَعَ أَلْفَ دِينَارٍ صَدَقَةً مَا أَجْزَأَتْ عَنْ دِينَارِ الزَّكَاةِ وَغَيْرُ ذَلِكَ فَمِنْ هُنَا قَالَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - إذَا صَلَّى الصَّبِيُّ بَعْدَ الزَّوَالِ ثُمَّ بَلَغَ فِي الْقَامَةِ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُصَلِّيَ مَرَّةً أُخْرَى؛ لِأَنَّ سَبَبَ الْوُجُوبِ وُجِدَ فِي حَقِّهِ وَهُوَ مَا قَارَنَهُ مِنْ أَجْزَاءِ الْقَامَةِ فِي زَمَنِ بُلُوغِهِ وَمَا لَيْسَ بِوَاجِبٍ وَهُوَ مَا أَوْقَعَهُ أَوَّلًا لَا يُجْزِئُ عَنْ الْوَاجِبِ الَّذِي تَوَجَّهَ عَلَيْهِ ثَانِيًا وَذَلِكَ أَنَّ كُلَّ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ الْقَامَةِ ظَرْفٌ لِلْوُجُوبِ وَسَبَبٌ لِلْوُجُوبِ كَمَا تَقَدَّمَ فَالْجُزْءُ الْأَوَّلُ الَّذِي قَارَنَهُ شَرْطُ النَّدْبِ الَّذِي هُوَ الصِّبَا فِي حَقِّ الصَّبِيِّ سَبَبُ الْفِعْلِ نَدْبًا لَا وُجُوبًا وَالْجُزْءُ الَّذِي قَارَنَهُ بَعْدَ شَرْطِ الْوُجُوبِ الَّذِي هُوَ الْبُلُوغُ سَبَبٌ لِلْوُجُوبِ فِي صَلَاةٍ أُخْرَى فَقَوْلُ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَا تَجِبُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ؛ لِأَنَّ الزَّوَالَ مَثَلًا إنَّمَا جَعَلَهُ اللَّهُ تَعَالَى سَبَبًا لِوُجُوبِ صَلَاةٍ وَاحِدَةٍ وَقَدْ فَعَلَهَا فَلَوْ أَوْجَبْنَا عَلَيْهِ صَلَاةً أُخْرَى لَكَانَ الزَّوَالُ سَبَبًا لِوُجُوبِ صَلَاتَيْنِ وَهُوَ خِلَافُ الْإِجْمَاعِ لَا يُرَدُّ؛ لِأَنَّهُ إمَّا أَنْ يَدَّعِيَ أَنَّ الزَّوَالَ لَا يَكُونُ سَبَبًا لِصَلَاتَيْنِ فِي كُلِّ صُورَةٍ فَيَكُونُ ذَلِكَ مُصَادَرَةً عَلَى صُورَةِ النِّزَاعِ وَإِمَّا أَنْ يَدَّعِيَ ذَلِكَ فِيمَا عَدَا صُورَةَ النِّزَاعِ فَلَا يُمْكِنُهُ إلْحَاقُ صُورَةِ النِّزَاعِ بِصُورَةِ الْإِجْمَاعِ إلَّا بِالْقِيَاسِ.
فَإِذَا قَاسَ فَرَّقْنَا بِأَنَّ صُورَةَ النِّزَاعِ وُجِدَ فِيهَا حَالَتَانِ تَقْتَضِيَانِ النَّدْبَ وَالْوُجُوبَ وَهُمَا الصِّبَا وَالْبُلُوغُ وَلَيْسَ فِي صُورَةِ الْإِجْمَاعِ إلَّا حَالَةٌ وَاحِدَةٌ تَقْتَضِي الْوُجُوبَ هِيَ الْبُلُوغُ فَاتَّحَدَتْ الصَّلَاةُ فِي صُورَةِ الْإِجْمَاعِ لِاتِّحَادِ الشَّرْطِ الَّذِي هُوَ الْبُلُوغُ وَتَعَدَّدَتْ فِي صُورَةِ النِّزَاعِ لِتَعَدُّدِ الشَّرْطِ وَاخْتِلَافِهِ فَلِذَا جَازَ فِيهَا اخْتِلَافُ الْمَشْرُوطِ الَّذِي هُوَ الصَّلَاتَانِ بِاخْتِلَافِ الشَّرْطِ الَّذِي هُوَ الصِّبَا الشَّرْطُ فِي تَوَجُّهِ النَّدْبِ وَالْبُلُوغِ الشَّرْطُ فِي تَوَجُّهِ الْوُجُوبِ وَأَمَّا الْقَاعِدَةُ الثَّانِيَةُ فَإِنَّهُ لَمَّا كَانَ الْوَاجِبُ فِيهَا خُصُوصَ غَيْرِ مُعَيَّنٍ مِنْ قِبَلِ الْآمِرِ لَمْ يَكُنْ إجْزَاءُ الْجُمُعَةِ عَنْ الظُّهْرِ مَثَلًا لِنَحْوِ الْمَرْأَةِ وَالْعَبْدِ وَالْمُسَافِرِ إذَا حَضَرُوهَا مَعَ أَنَّهَا غَيْرُ وَاجِبَةٍ عَلَيْهِمْ بِعَيْنِهَا عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ، وَأَنَّهُ مِنْ بَابِ إجْزَاءِ مَا لَيْسَ بِوَاجِبٍ عَنْ الْوَاجِبِ بَلْ هُوَ عَلَى الْأَصْلِ مِنْ إتْيَانِ الْمَأْمُورِ بِمَا تَعَلَّقَ بِهِ الْوُجُوبُ لَا بِغَيْرِهِ إذْ الْوُجُوبُ هُنَا مُتَعَلِّقٌ بِوَاحِدٍ غَيْرِ مُعَيَّنٍ مِنْ الصَّلَاتَيْنِ إمَّا الظُّهْرُ وَإِمَّا الْجُمُعَةُ فَإِذَا أَحْرَمَ كُلٌّ مِنْ الْمَرْأَةِ وَالْعَبْدِ وَالْمُسَافِرِ بِالْجُمُعَةِ فَقَدْ أَحْرَمَ بِإِحْدَى الصَّلَاتَيْنِ وَعُيِّنَ ذَلِكَ الْوَاحِدُ الْمُبْهَمُ الَّذِي عَلَّقَ الْآمِرُ بِهِ الْوُجُوبَ
وَاسْتِحَالَةٌ عَقْلِيَّةٌ لَا سَبِيلَ إلَى أَنْ يَقَعَ شَيْءٌ مِنْهَا فِي الشَّرِيعَةِ وَالْقَاعِدَةُ الثَّانِيَةُ وَاقِعَةٌ فِي الشَّرِيعَةِ فِي مَوَاقِعِ الْإِجْمَاعِ وَمَوَاقِعِ الْخِلَافِ وَلَقَدْ حَضَرْت يَوْمًا فِي مَجْلِسٍ فِيهِ فَاضِلَانِ كَبِيرَانِ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِلْآخَرِ: مَا مَعْنَى قَوْلِ الْعُلَمَاءِ الرَّدُّ بِالْعَيْبِ رَفْعٌ لِلْعَقْدِ مِنْ أَصْلِهِ أَوْ مِنْ حِينِهِ قَوْلَانِ أَمَّا مِنْ حِينِهِ فَمُسَلَّمٌ مَعْقُولٌ.
وَأَمَّا مِنْ أَصْلِهِ فَغَيْرُ مَعْقُولٍ بِسَبَبِ أَنَّ الْعَقْدَ وَاقِعٌ فِي نَفْسِهِ وَهُوَ مِنْ جُمْلَةِ مَا تَضَمَّنَهُ الزَّمَانُ الْمَاضِي، وَالْقَاعِدَةُ الْعَقْلِيَّةُ أَنَّ رَفْعَ الْوَاقِعِ مُحَالٌ وَإِخْرَاجُ مَا تَضَمَّنَهُ الزَّمَانُ الْمَاضِي مُحَالٌ فَمَا مَعْنَى قَوْلِهِمْ إنَّهُ رَفْعٌ لِلْعَقْدِ مِنْ أَصْلِهِ؟ قَالَ لَهُ الْآخَرُ: مَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهُ يَرْجِعُ إلَى رَفْعِ آثَارِهِ دُونَ نَفْسِ الْعَقْدِ فَقَالَ لَهُ: الْآثَارُ وَالْأَحْكَامُ هِيَ أَيْضًا وَاقِعَةٌ مِنْ جُمْلَةِ الْوَاقِعَاتِ وَقَدْ تَضَمَّنَهَا أَيْضًا الزَّمَانُ الْمَاضِي فَيَسْتَحِيلُ رَفْعُهَا كَالْعَقْدِ وَيَمْتَنِعُ إخْرَاجُهَا مِنْ الزَّمَانِ الْمَاضِي كَسَائِرِ الْمَاضِيَاتِ، فَقَالَ لَهُ الْآخَرُ: هَذَا السُّؤَالُ يَرِدُ عَلَى مِثْلِي وَأَظْهَرَ الْغَضَبَ وَالنُّفُورَ لِقَلِقِهِ وَقُوَّةِ السُّؤَالِ وَافْتَرَقَا عَنْ غَيْرِ جَوَابٍ وَمَا سَبَبُ ذَلِكَ إلَّا الْجَهْلُ بِهَذَا الْفَرْقِ وَهَا أَنَا أُوَضِّحُهُ لَك بِذِكْرِ مَسَائِلَ أَرْبَعٍ.
(الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى) الرَّدُّ بِالْعَيْبِ الْمُتَقَدِّمِ ذِكْرُهَا وَالسُّؤَالُ فِيهَا فَنَقُولُ الْعَقْدُ وَاقِعٌ وَلَا سَبِيلَ إلَى رَفْعِهِ لَكِنَّ مِنْ قَوَاعِدِ الشَّرْعِ التَّقْدِيرَاتِ وَهِيَ إعْطَاءُ الْمَوْجُودِ حُكْمَ الْمَعْدُومِ وَالْمَعْدُومِ حُكْمَ الْمَوْجُودِ فَهَذَا الْعَقْدُ وَإِنْ كَانَ وَاقِعًا لَكِنْ يُقَدِّرُهُ الشَّرْعُ مَعْدُومًا أَيْ يُعْطِيهِ الْآنَ حُكْمَ عَقْدٍ لَمْ يُوجَدْ لَا أَنَّهُ يُرْفَعُ بَعْدَ وُجُودِهِ فَانْدَفَعَ الْإِشْكَالُ وَفَائِدَةُ الْخِلَافِ تَظْهَرُ فِي وَلَدِ الْجَارِيَةِ وَالْبَهَائِمِ الْمَبِيعَةِ لِمَنْ تَكُونُ وَكَذَلِكَ الْغَلَّاتُ عِنْدَ مَنْ يَقُولُ بِذَلِكَ هَلْ تَكُونُ فِي الزَّمَانِ الْمَاضِي لِلْبَائِعِ إنْ قَدَّرْنَاهُ مَعْدُومًا مِنْ أَصْلِهِ أَوْ الْمُشْتَرِي إنْ جَعَلْنَاهُ مَرْفُوعًا مِنْ حِينِهِ فَهَذَا كُلُّهُ فِقْهٌ مُسْتَقِيمٌ وَلَيْسَ فِيهِ مُخَالَفَةُ قَاعِدَةٍ عَقْلِيَّةٍ حَتَّى يَلْزَمَ وُرُودُ الشَّرْعِ بِخِلَافِ الْعَقْلِ وَهُوَ مِنْ قَاعِدَةِ تَقْدِيرِ رَفْعِ الْوَاقِعَاتِ لَا مِنْ قَاعِدَةِ رَفْعِ الْوَاقِعَاتِ.
(الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) رَفْضُ النِّيَّاتِ فِي الْعِبَادَاتِ كَالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَالْحَجِّ وَالطَّهَارَةِ وَرَفْعُ هَذِهِ الْعِبَادَاتِ بَعْدَ وُقُوعِهَا فِي جَمِيعِ ذَلِكَ قَوْلَانِ وَالْمَشْهُورُ فِي الْحَجِّ وَالْوُضُوءِ عَدَمُ الرَّفْعِ وَفِي الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ صِحَّةُ الرَّفْضِ وَذَلِكَ كُلُّهُ مِنْ الْمُشْكِلَاتِ فَإِنَّ النِّيَّةَ وَقَعَتْ وَكَذَلِكَ الْعِبَادَةُ فَكَيْفَ يَصِحُّ رَفْعُ الْوَاقِعِ وَكَيْفَ يَصِحُّ الْقَصْدُ إلَى الْمُسْتَحِيلِ بَلْ النِّيَّةُ وَاقِعَةٌ قَطْعًا وَالْعِبَادَةُ مُحَقَّقَةٌ جَزْمًا فَالْقَصْدُ لِرَفْضِ ذَلِكَ وَإِبْطَالُهُ قَصْدٌ لِلْمُسْتَحِيلِ وَرَفْعُ الْوَاقِعِ وَإِخْرَاجُ مَا انْدَرَجَ فِي الزَّمَنِ الْمَاضِي مِنْهُ وَكُلُّ ذَلِكَ مُسْتَحِيلٌ كَمَا تَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي الرَّدِّ بِالْعَيْبِ.
وَالْجَوَابُ عَنْهُ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ بَابِ التَّقْدِيرَاتِ الشَّرْعِيَّةِ بِمَعْنَى أَنَّ صَاحِبَ الشَّرْعِ يُقَدِّرُ هَذِهِ النِّيَّةَ أَوْ هَذِهِ الْعِبَادَةَ فِي حُكْمِ مَا لَمْ يُوجَدْ لَا أَنَّهُ يُبْطِلُ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
غَيْرَ قَوْلِهِ بِتَقْدِيرِ الْمِلْكِ لِلْمُعْتَقِ عَنْهُ فَإِنَّهُ.
وَإِنْ كَانَ التَّقْدِيرُ مِمَّا ثَبَتَ لَهُ حُكْمٌ فِي مَوَاضِعَ فَلَا حَاجَةَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ إلَيْهِ وَلَا دَلِيلَ عَلَيْهِ وَغَيْرَ قَوْلِهِ بِتَقْدِيرِ مِلْكِ الدِّيَةِ فِي قَتْلِ الْخَطَأِ فَإِنَّهُ لَيْسَ مَوْضِعَ تَقْدِيرِ الْمِلْكِ أَعْنِي بَعْدَ إنْفَاذِ الْمُقَاتِلِ، وَقَبْلَ زُهُوقِ الرُّوحِ بَلْ هُوَ مَوْضِعُ تَحْقِيقٍ لِلْمِلْكِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
وَوَكَّلَ تَعَيُّنَهُ إلَى خِيرَةِ الْمَأْمُورِ، فَإِذَا اخْتَارَ إيقَاعَ الْجُمُعَةِ لَا تَقَعُ إلَّا وَاجِبَةً فَالْحُرُّ إذَا اقْتَدَى بِهِ لَمْ يَكُنْ مُفْتَرِضٌ ائْتَمَّ بِمُتَنَفِّلٍ فَيَنْبَغِي أَنْ يَصِحَّ اقْتِدَاؤُهُ بِهِ فِي الْجُمُعَةِ كَمَا يَصِحُّ اقْتِدَاؤُهُ بِهِ فِي الظُّهْرِ بِيَوْمِ الْجُمُعَةِ وَغَيْرِهِ كَمَا هُوَ مُقْتَضَى الْمَذْهَبِ.
وَإِنْ قَالَ الْأَصْلُ مَعَ أَنِّي لَمْ أَذْكُرْ أَنِّي رَأَيْت فَرْعَ صِحَّةِ اقْتِدَاءِ الْحُرِّ بِالْعَبْدِ فِي ظُهْرِ غَيْرِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ وَاقْتِدَاؤُهُ بِهِ فِي ظُهْرِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ كَاقْتِدَائِهِ بِهِ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ، وَلَمْ يَظْهَرْ قَوْلُ أَهْلِ الْمَذْهَبِ لَا يَؤُمُّ الْعَبْدُ فِي الْجُمُعَةِ حُرًّا؛ لِأَنَّ الْمَذْهَبَ أَنَّ الْمُفْتَرِضَ لَا يَأْتَمُّ بِالْمُتَنَفِّلِ فَافْهَمْ وَبِالْجُمْلَةِ فَالْوَاجِبُ نَوْعَانِ مُخَيَّرٌ وَوَاجِبٌ غَيْرُ مُخَيَّرٍ وَالْوُجُوبُ فِي غَيْرِ الْمُخَيَّرِ مُتَعَلِّقٌ بِوَاحِدٍ مُعَيَّنٍ مِمَّا فِيهِ الْمَعْنَى الْعَامُّ الَّذِي يُقَالُ لَهُ الْمُشْتَرَكُ أَيْ خَصَّهُ بِهِ الْآمِرُ وَلَمْ يَكِلْ تَعَيُّنَهُ إلَى خِيرَةِ الْمَأْمُورِ فَلِذَا كَانَ الْأَصْلُ عَدَمَ إجْزَاءِ غَيْرِهِ مِنْ أَفْرَادِ جِنْسِهِ عَنْهُ وَالْقَوْلُ بِإِجْزَائِهِ عَنْهُ إنَّمَا وَقَعَ فِي الْمَذْهَبِ عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ فِي اثْنَتَيْ عَشْرَةَ مَسْأَلَةً كَمَا عَلِمْت وَالْوُجُوبُ فِي الْمُخَيَّرِ مُتَعَلِّقٌ بِوَاحِدٍ غَيْرِ مُعَيَّنٍ مِمَّا فِيهِ الْمَعْنَى الْعَامُّ الَّذِي يُقَالُ لَهُ الْمُشْتَرَكُ أَيْ لَمْ يُعَيِّنْهُ الْآمِرُ بَلْ وَكَّلَ تَعَيُّنَهُ إلَى خِيرَةِ الْمَأْمُورِ فَمَا اخْتَارَهُ الْمَأْمُورُ مِنْ الْوَاحِدِ الْمُبْهَمِ الَّذِي تَعَلَّقَ بِهِ الْوُجُوبُ كَانَ هُوَ الْوَاجِبُ عَلَيْهِ وَأَوْضَحَ لَك قَاعِدَةَ الْوَاجِبِ الْمُخَيَّرِ بِثَلَاثِ مَسَائِلَ أُخَرَ.
(الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى) أَنَّ الْوَاجِبَ عَلَى الْمُكَفِّرِ إحْدَى خِصَالِ الْكَفَّارَةِ مِنْ الْعِتْقِ أَوْ الْإِطْعَامِ أَوْ الْكِسْوَةِ بِلَا تَعْيِينٍ مِنْ قِبَلِ الْآمِرِ بَلْ التَّعْيِينُ مَوْكُولٌ لِخِيرَةِ الْمُكَفِّرِ فَإِذَا اخْتَارَ وَاحِدَةً مِنْهَا كَانَ هُوَ الْوَاجِبُ عَلَيْهِ عَلَى الْأَصْلِ لَا غَيْرُهُ حَتَّى يَكُونَ عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ.
(وَالْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) أَنَّ الْمُسَافِرَ فِي رَمَضَانَ يَجِبُ عَلَيْهِ أَحَدُ الشَّهْرَيْنِ إمَّا شَهْرُ الْأَدَاءِ أَوْ شَهْرُ الْقَضَاءِ بِدُونِ تَعْيِينٍ مِنْ قِبَلِ الْآمِرِ بَلْ التَّعْيِينُ وَكَّلَهُ لِخِيرَةِ الْمُسَافِرِ فَإِذَا اخْتَارَ صَوْمَ رَمَضَانَ أَوْ شَهْرَ الْقَضَاءِ وَصَامَهُ كَانَ قَدْ صَامَ مَا هُوَ الْوَاجِبُ عَلَيْهِ عَلَى الْأَصْلِ لَا غَيْرُهُ حَتَّى يَكُونَ عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ وَتَعَيَّنَ خُصُوصُ شَهْرِ الْقَضَاءِ عَلَيْهِ إذَا لَمْ يَخْتَرْ صِيَامَ رَمَضَانَ إنَّمَا كَانَ لِتَعَذُّرِ غَيْرِهِ لَا لِأَنَّهُ وَاجِبٌ بِخُصُوصِهِ كَمَا يَتَعَيَّنُ آخِرُ وَقْتِ الصَّلَاةِ لِتَعَذُّرِ مَا قَبْلَهُ وَتَعَذُّرِ غَيْرِهِ لَا لِأَنَّهُ وَاجِبٌ بِحُكْمِ الْأَصَالَةِ فَقَضَاءُ رَمَضَانَ عَلَى الْمُفَرِّطِ الَّذِي يَتَعَيَّنُ فِي حَقِّهِ الْأَدَاءُ يُفَارِقُ الْقَضَاءَ فِي حَقِّ الْمُسَافِرِ مِنْ جِهَةِ أَنَّ الْأَوَّلَ وَاجِبٌ بِخُصُوصِهِ وَعُمُومِهِ بِسَبَبٍ وَاحِدٍ وَهُوَ الْفِطْرُ فِي رَمَضَانَ وَالثَّانِي لَا يَتَعَلَّقُ بِعُمُومِهِ وُجُوبٌ أَصْلًا وَإِنَّمَا يَتَعَيَّنُ فِي حَقِّهِ خُصُوصُ شَهْرِ