الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَثَانِيهَا أَنَّ الصَّفَّ الطَّوِيلَ أَجْمَعَ النَّاسُ عَلَى صِحَّةِ صَلَاتِهِ مَعَ أَنَّهُ خَرَجَ بَعْضُهُ عَنْ السَّمْتِ قَطْعًا فَإِنَّ الْكَعْبَةَ عَرْضُهَا عِشْرُونَ ذِرَاعًا وَطُولُهَا خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ ذِرَاعًا عَلَى مَا قِيلَ، وَالصَّفُّ الطَّوِيلُ مِائَةُ ذِرَاعٍ فَأَكْثَرُ فَبَعْضُهُ خَارِجٌ عَنْ السَّمْتِ قَطْعًا فَقَوْلُهُمْ إنَّ الْقَاعِدَةَ اسْتِقْبَالُ السَّمْتِ مُشْكِلٌ. وَثَالِثُهَا أَنَّ الْبَلَدَيْنِ الْمُتَقَارِبَيْنِ يَكُونُ اسْتِقْبَالُهُمَا وَاحِدًا مَعَ أَنَّا نَقْطَعُ بِأَنَّهُمَا أَطْوَلُ مِنْ سَمْتِ الْكَعْبَةِ وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ بِأَنَّ صَلَاةَ أَحَدِهِمَا صَحِيحَةٌ وَالْأُخْرَى بَاطِلَةٌ وَلَوْ قِيلَ ذَلِكَ لَكَانَ تَرْجِيحًا مِنْ غَيْرِ مُرَجِّحٍ فَإِنَّهُ لَيْسَ إحْدَاهُمَا أَوْلَى مِنْ الْأُخْرَى بِالْبُطْلَانِ فَهَذِهِ أُمُورٌ مُجْمَعٌ عَلَيْهَا كُلِّهَا وَجَمِيعُهَا يَقْتَضِي الْإِشْكَالَ عَلَى هَاتَيْنِ الْقَاعِدَتَيْنِ.
الْجَوَابُ عَنْهُ وَهُوَ سِرُّ الْفَرْقِ مَا كَانَ يَذْكُرُهُ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بَعْدَ أَنْ كَانَ يُورِدُ هَذَا الْإِشْكَالَ فَلَا يُجِيبُهُ أَحَدٌ عَنْهُ فَكَانَ يَقُولُ الشَّيْءُ قَدْ يَجِبُ إيجَابَ الْوَسَائِلِ، وَقَدْ يَجِبُ إيجَابَ الْمَقَاصِدِ فَالْأَوَّلُ كَالنَّظَرِ فِي أَوْصَافِ الْمِيَاهِ فَإِنَّهُ وَاجِبٌ وُجُوبَ الْوَسَائِلِ فَإِنَّهُ يُتَوَسَّلُ بِهِ إلَى مَعْرِفَةِ الطَّهُورِيَّةِ وَكَالنَّظَرِ فِي قِيَمِ الْمُتْلَفَاتِ فَإِنَّهُ وَسِيلَةٌ إلَى مَعْرِفَةِ قِيمَةِ الْمُتْلَفِ، وَكَالسَّعْيِ إلَى الْجُمُعَةِ وَاجِبٌ؛ لِأَنَّهُ وَسِيلَةٌ إلَى إيقَاعِهَا فِي الْجَامِعِ، وَكَذَلِكَ السَّفَرُ إلَى الْحَجِّ وَهُوَ كَثِيرٌ فِي الشَّرِيعَةِ، وَمِثَالُ مَا يَجِبُ وُجُوبَ الْمَقَاصِدِ الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ وَصَوْمُ رَمَضَانَ وَالْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ وَالْإِيمَانُ وَالتَّوْحِيدُ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا هُوَ وَاجِبٌ؛ لِأَنَّهُ مَقْصِدٌ لِنَفْسِهِ لَا؛ لِأَنَّهُ وَسِيلَةٌ لِغَيْرِهِ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
قَالَ (وَثَانِيهَا أَنَّ الصَّفَّ الطَّوِيلَ أَجْمَعَ النَّاسُ عَلَى صِحَّةِ صَلَاتِهِ إلَخْ) قُلْت هُوَ أَقْوَى حُجَجِ الْقَائِلِينَ بِالْجِهَةِ قَالَ: (وَالْجَوَابُ عَنْهُ وَهُوَ سِرُّ الْفَرْقِ مَا كَانَ يَذْكُرُهُ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - إلَى قَوْلِهِ لَا أَنَّهُ وَسِيلَةٌ لِغَيْرِهِ) . قُلْت: مَا ذَكَرَهُ حَاكِيًا لَهُ عَنْ عِزِّ الدِّينِ مِنْ أَنَّ الْوَاجِبَ عَلَى ضَرْبَيْنِ: وَاجِبٌ وُجُوبَ الْوَسَائِلِ، وَوَاجِبٌ وُجُوبَ الْمَقَاصِدِ صَحِيحٌ كَمَا ذَكَرَ
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
يَلْزَمُ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَالِكُ الْجِنْسِ الْمُتَحَقِّقِ فِي فَرْدٍ مَا فَتَأَمَّلْ بِإِنْصَافٍ السُّؤَالُ الثَّانِي أَنَّهُمْ وَافَقُوا الْجُمْهُورَ عَلَى أَنَّ الصِّيعَانَ الْمُسْتَوِيَةَ مِنْ الصُّبْرَةِ وَالْأَرْطَالَ الْمُسْتَوِيَةَ مِنْ الزَّيْتِ تُمْلَكُ أَعْيَانُهَا وَإِنَّمَا تَعَيَّنَ بِالتَّعْيِينِ مَعَ أَنَّ الْأَغْرَاضَ مُسْتَوِيَةٌ فِي تِلْكَ الْأَفْرَادِ اسْتِوَاءَهَا فِي أَعْيَانِ النُّقُودِ وَقَوْلُ الْأَصْلِ إنَّ الصِّيعَانَ وَالْأَرْطَالَ الْمُسْتَوِيَةَ وَسَائِلُ لِتَحْصِيلِ الْأَغْرَاضِ مِنْ السِّلَعِ وَالْمَقَاصِدِ إنَّمَا هِيَ السِّلَعُ فَتَقَعُ الْمُشَاحَنَةُ مِنْ تَعْيِينَاتِهَا مِنْ حَيْثُ إنَّهَا مَقَاصِدُ وَالسِّلَعُ وَإِنْ لَمْ تَتَعَلَّقْ الْأَغْرَاضُ بِأَفْرَادِهَا كَأَعْيَانِ النُّقُودِ إلَّا أَنَّ أَعْيَانَ النُّقُودِ تُفَارِقُهَا فِي أَنَّهَا وَسَائِلُ لِتَحْصِيلِ الْأَغْرَاضِ مِنْ السِّلَعِ فَاجْتَمَعَ فِيهَا أَمْرَانِ كَوْنُهَا وَسَائِلَ وَعَدَمُ تَعَلُّقِ الْأَغْرَاضِ بِخِلَافِ السِّلَعِ فَلَمْ يُوجَدْ إلَّا الثَّانِي فَقَطْ قَالَ ابْنُ الشَّاطِّ إنَّهُ فَرْقٌ لَا أَثَرَ لَهُ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ لِصَاحِبِ ذَلِكَ الْمُعَيَّنِ غَرَضٌ فِيهِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ الْغَرَضُ مِنْ الْأَغْرَاضِ الْمُعْتَادَةِ فَالصَّحِيحُ تَعَيُّنُ النَّقْدَيْنِ بِالتَّعَيُّنِ وَلُزُومِ رَدِّ الْمَغْصُوبِ مِنْهُمَا بِعَيْنِهِ إلَّا أَنْ يَفُوتَ فَيَلْزَمُ الْبَدَلُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ اهـ فَتَأَمَّلْ.
الصُّورَةُ الثَّانِيَةُ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ لَا يَجُوزُ لِمَنْ لَهُ دَيْنٌ عَلَى رَجُلٍ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ مَا يَتَأَخَّرُ قَبْضُهُ كَدَارٍ يَسْكُنُهَا أَوْ ثَمَرَةٍ يَتَأَخَّرُ جِذَاذُهَا أَوْ عَبْدٍ يَسْتَخْدِمُهُ وَنَحْوُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ فَسْخُ دَيْنٍ فِي دَيْنٍ لِأَنَّ هَذِهِ الْأُمُورَ لَمَّا كَانَتْ يَتَأَخَّرُ قَبْضُهَا أَشْبَهَتْ الدَّيْنَ وَفِيهَا مَفْسَدَةُ الدَّيْنِ مِنْ جِهَةِ أَنَّ فِيهَا الْمُطَالَبَةَ فَفِيهِ مُخَالَفَةٌ لِمَا فِي هَذَا الْفَرْقِ مِنْ أَنَّ الْمُعَيَّنَ لَا يَكُونُ فِي الذِّمَّةِ فَلَا يَكُونُ دَيْنًا.
وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ أَشْهَبَ يَجُوزُ ذَلِكَ وَلَيْسَ هَذَا فَسْخُ دَيْنٍ فِي دَيْنٍ بَلْ دَيْنٌ مُعَيَّنٌ فِي مُعَيَّنٍ فَلَا مُخَالَفَةَ فَمِنْ هُنَا جَرَى عَمَلُ الشَّيْخِ عَلِيٍّ الْأُجْهُورِيِّ عَلَى قَوْلِ أَشْهَبَ فَكَانَتْ لَهُ حَانُوتٌ سَاكِنٌ فِيهَا مُجَلِّدُ الْكُتُبِ وَكَانَ إذَا تَرَتَّبَ لَهُ أُجْرَةٌ فِي ذِمَّتِهِ يَسْتَأْجِرُهُ بِهَا عَلَى تَجْلِيدِ كُتُبِهِ وَيَقُولُ هَذَا عَلَى قَوْلِ أَشْهَبَ وَصَحَّحَهُ الْمُتَأَخِّرُونَ وَأَفْتَى بِهِ ابْنُ رُشْدٍ كَمَا فِي حَاشِيَةِ الصَّاوِيِّ عَلَى شَرْحِ أَقْرَبِ الْمَسَالِكِ وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.
[الْفَرَقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ وُجُودِ السَّبَبِ الشَّرْعِيِّ سَالِمًا عَنْ الْمُعَارِضِ مِنْ غَيْرِ تَخْيِيرٍ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ وُجُودِ السَّبَبِ الشَّرْعِيِّ سَالِمًا عَنْ الْمُعَارِضِ مَعَ التَّخْيِيرِ]
(الْفَرْقُ الثَّامِنُ وَالثَّمَانُونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ وُجُودِ السَّبَبِ الشَّرْعِيِّ سَالِمًا عَنْ الْمُعَارِضِ مِنْ غَيْرِ تَخْيِيرٍ فَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مُسَبَّبُهُ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ وُجُودِ السَّبَبِ الشَّرْعِيِّ سَالِمًا عَنْ الْمُعَارِضِ مَعَ التَّخْيِيرِ فَلَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مُسَبَّبُهُ وَلَمْ يُمَيَّزْ أَحَدُهُمَا عَنْ الْآخَرِ إلَّا بِالتَّخْيِيرِ وَعَدَمِهِ مَعَ اشْتِرَاكِهِمَا فِي الْوُجُودِ وَالسَّلَامَةِ عَنْ الْمُعَارِضِ) وَذَلِكَ أَنَّ أَجْزَاءَ الْوَقْتِ كَاَلَّذِي بَيْنَ الزَّوَالِ إلَى آخِرِ الْقَامَةِ إنَّمَا يَجِبُ مِنْهَا لِأَدَاءِ الظُّهْرِ جُزْءٌ وَاحِدٌ فَقَطْ فَإِذَا تَصَرَّفَتْ الْمَرْأَةُ فِي ضَيَاعٍ مَا عَدَا الْآخِرَ مِنْهَا بِالْإِتْلَافِ ثُمَّ طَرَأَ عَلَيْهَا عُذْرُ الْحَيْضِ فِي ذَلِكَ الْجُزْءِ الْآخِرِ قَامَ وُجُودُ ذَلِكَ الْعُذْرِ فِيهِ مَقَامَ وُجُودِهِ فِي جَمِيعِ أَجْزَاءِ الْوَقْتِ فَكَمَا أَنَّ وُجُودَهُ فِي جَمِيعِهَا يُسْقِطُ الصَّلَاةَ كَذَلِكَ وُجُودُهُ فِي الْجُزْءِ الْآخِرِ يُسْقِطُهَا إذْ مِنْ حُجَّةِ الْمَرْأَةِ أَنْ تَقُولَ إنَّ تَسَلُّطِيِّ عَلَى أَوَّلِ الْوَقْتِ بِالتَّخْيِيرِ بَيْنَ أَجْزَاءِ الْقَامَةِ فِي إيقَاعِ الصَّلَاةِ يَنْفِي عَنِّي وُجُوبَ الصَّلَاةِ فَإِنِّي جُعِلَ لِي أَنْ أُؤَخِّرَ وَأُعَيِّنَ مُطْلَقَ جُزْءٍ مِنْ الْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَ أَجْزَاءِ الْقَامَةِ فِي الْجُزْءِ الْأَخِيرِ فَلَمَّا عَيَّنَهُ تَلِفَ بِالْحَيْضِ وَمَا سِرُّ ذَلِكَ إلَّا التَّخْيِيرُ هُنَا بِخِلَافِ رُؤْيَةِ الْهِلَالِ فَإِنَّهُ سَبَبٌ لِوُجُوبِ الصَّوْمِ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ إذَا وُجِدَ سَالِمًا عَنْ الْمُعَارِضِ الْوُجُوبُ بِلَا تَخْيِيرٍ فَمِنْ هُنَا يَظْهَرُ قَوْلُ الْمَالِكِيَّةِ الْمُعْتَبَرَةُ مِنْ الْأَوْقَاتِ فِي الصَّلَوَاتِ أَوَاخِرُهَا دُونَ أَوَائِلِهَا.
فَإِنْ وُجِدَ الْعُذْرُ الْمُسْقِطُ لِلصَّلَاةِ آخِرَ الْوَقْتِ
إذَا تَقَرَّرَتْ هَذِهِ الْقَاعِدَةُ فَاخْتَلَفَ النَّاسُ فِي الْجِهَةِ هَلْ هِيَ وَاجِبَةٌ وُجُوبَ الْوَسَائِلِ، وَأَنَّ النَّظَرَ فِيهَا إنَّمَا هُوَ لِتَحْصِيلِ عَيْنِ الْكَعْبَةِ وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ رحمه الله، وَإِذَا أَخْطَأَ فِي الْجِهَةِ وَجَبَتْ الْإِعَادَةُ؛ لِأَنَّ الْقَاعِدَةَ أَيْضًا أَنَّ الْوَسِيلَةَ إذَا لَمْ يَحْصُلْ مَقْصِدُهَا سَقَطَ اعْتِبَارُهَا وَالنَّظَرُ فِي الْجِهَةِ وَاجِبٌ وُجُوبَ الْمَقَاصِدِ، وَأَنَّ الْكَعْبَةَ لَمَّا بَعُدَتْ عَنْ الْأَبْصَارِ جِدًّا، وَتَعَذَّرَ الْجَزْمُ بِحُصُولِهَا جَعَلَ الشَّرْعُ الِاجْتِهَادَ فِي الْجِهَةِ هُوَ الْوَاجِبُ نَفْسُهُ، وَهُوَ الْمَقْصُودُ دُونَ عَيْنِ الْكَعْبَةِ فَإِذَا اجْتَهَدَ ثُمَّ تَبَيَّنَ خَطَؤُهُ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ الْإِعَادَةُ.
وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فَعَلَى هَذَا التَّقْرِيرِ يَصِيرُ الْخِلَافُ فِي السَّمْتِ هَلْ يَجِبُ وُجُوبَ الْمَقَاصِدِ أَوْ لَا يَجِبُ أَلْبَتَّةَ لَا وُجُوبَ الْمَقَاصِدِ وَلَا وُجُوبَ الْوَسَائِلِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ وَسِيلَةً لِغَيْرِهِ قَوْلَانِ وَهَلْ تَجِبُ الْجِهَةُ وُجُوبَ الْمَقَاصِدِ أَمْ وُجُوبَ الْوَسَائِلِ قَوْلَانِ هَذَا هُوَ تَوْجِيهُ الْقَوْلَيْنِ فِي كُلِّ وَاحِدَةٍ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
قَالَ (إذَا تَقَرَّرَتْ هَذِهِ الْقَاعِدَةُ فَاخْتَلَفَ النَّاسُ فِي الْجِهَةِ هَلْ هِيَ وَاجِبَةٌ وُجُوبَ الْوَسَائِلِ، وَأَنَّ النَّظَرَ فِيهَا إنَّمَا هُوَ لِتَحْصِيلِ عَيْنِ الْكَعْبَةِ، وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ رحمه الله وَإِذَا أَخْطَأَ فِي الْجِهَةِ وَجَبَتْ الْإِعَادَةُ لِأَنَّ الْقَاعِدَةَ أَيْضًا أَنَّ الْوَسِيلَةَ إذَا لَمْ يَحْصُلْ مَقْصِدُهَا سَقَطَ اعْتِبَارُهَا، وَالنَّظَرُ فِي الْجِهَةِ وَاجِبٌ وُجُوبَ الْمَقَاصِدِ، وَأَنَّ الْكَعْبَةَ لَمَّا بَعُدَتْ مِنْ الْأَبْصَارِ جِدًّا وَتَعَذَّرَ الْجَزْمُ بِحُصُولِهَا جَعَلَ الشَّرْعُ الِاجْتِهَادَ فِي الْجِهَةِ هُوَ الْوَاجِبُ نَفْسُهُ وَهُوَ الْمَقْصُودُ دُونَ عَيْنِ الْكَعْبَةِ، فَإِذَا اجْتَهَدَ ثُمَّ تَبَيَّنَ خَطَؤُهُ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ الْإِعَادَةُ، وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ) قُلْت: يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ بِالْخَطَأِ خَطَأَ عَيْنِ الْكَعْبَةِ لَا خَطَأَ الْجِهَةِ فَإِنَّ خَطَأَ الْجِهَةِ خَطَأُ الْمَقْصُودِ فَتَلْزَمُ الْإِعَادَةُ عَلَى الْمَذْهَبِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي خَطَأِ الْعَيْنِ فِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ.
قَالَ: (فَعَلَى هَذَا التَّقْرِيرِ يَصِيرُ الْخِلَافُ فِي السَّمْتِ هَلْ يَجِبُ وُجُوبَ الْمَقَاصِدِ أَوْ لَا يَجِبُ أَلْبَتَّةَ لَا وُجُوبَ الْمَقَاصِدِ وَلَا وُجُوبَ الْوَسَائِلِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ وَسِيلَةً لِغَيْرِهِ قَوْلَانِ وَهَلْ تَجِبُ الْجِهَةُ وُجُوبَ الْمَقَاصِدِ أَمْ وُجُوبَ الْوَسَائِلِ؟ قَوْلَانِ هَذَا هُوَ تَوْجِيهُ الْقَوْلَيْنِ فِي كُلِّ وَاحِدَةٍ
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
سَقَطَتْ الصَّلَاةُ الَّتِي لَمْ تَكُنْ فُعِلَتْ قَبْلَ طَرَيَان الْعُذْرِ وَلَا عِبْرَةَ بِمَا وُجِدَ مِنْ الْوَقْتِ فِي أَوَّلِهِ أَوْ وَسَطِهِ سَالِمًا مِنْ الْعُذْرِ وَكَذَلِكَ إذَا ذَهَبَ الْعُذْرُ آخِرَ الْوَقْتِ فَظَهَرَتْ الْحَائِضُ حِينَئِذٍ وَجَبَتْ الصَّلَاةُ وَلَا عِبْرَةَ بِوُجُودِ الْعُذْرِ أَوَّلَ الْوَقْتِ أَوْ وَسَطَهُ وَيَسْقُطُ مَا أَوْرَدَهُ الشَّافِعِيَّةُ عَلَيْهِمْ حَيْثُ وَافَقُوهُمْ فِي الشِّقِّ الثَّانِي وَخَالَفُوهُمْ فِي الشِّقِّ الْأَوَّلِ وَقَالُوا إنَّكُمْ مَعَاشِرَ الْمَالِكِيَّةِ أَجْمَعْتُمْ مَعَنَا عَلَى أَنَّ الْوُجُوبَ فِي الصَّلَاةِ وُجُوبٌ مُوَسَّعٌ مُتَعَلِّقٌ بِمُطْلَقٍ مِنْ الْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَ أَجْزَاءِ الْقَامَةِ وَإِذَا وُجِدَ أَوَّلُ الْوَقْتِ فَقَدْ وُجِدَ الْقَدْرُ الْمُشْتَرَكُ فِي ضِمْنِهِ وَهُوَ مُتَعَلِّقُ الْوُجُوبِ وَسَبَبُهُ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ عُذْرٌ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ كَالْحَيْضِ وَغَيْرِهِ وَقَدْ وُجِدَ السَّبَبُ الْمُوجِبُ لِلصَّلَاةِ أَوَّلَ الْوَقْتِ سَالِمًا عَنْ الْمُعَارِضِ فَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ الْوُجُوبُ فَإِذَا حَاضَتْ بَعْدَ ذَلِكَ حَاضَتْ بَعْدَ تَرَتُّبِ الْوُجُوبِ عَلَيْهَا فَتُقْضَى بِعُذْرٍ وَانْقِضَاءِ مُدَّةِ الْحَيْضِ وَأَنْتُمْ إذَا قُلْتُمْ لَا يَجِبُ عَلَيْهَا بِذَلِكَ شَيْءٌ بَلْ إنَّمَا يُعْتَبَرُ آخِرُ الْوَقْتِ فِي طَرَيَان الْعُذْرِ وَزَوْلِهِ فَهَذَا مِنْ مَالِكٍ رحمه الله يَقْتَضِي أَنَّهُ يَعْتَقِدُ أَنَّ الْوُجُوبَ مُتَعَلِّقٌ بِآخِرِ الْوَقْتِ كَمَا قَالَهُ الْحَنَفِيَّةُ مَعَ أَنَّ الْمَالِكِيَّةَ لَا تُسَاعِدُ عَلَى ذَلِكَ فَيَكُونُ مَذْهَبُ مَالِكٍ مِنْ جِهَةِ عَدَمِ اعْتِبَارِ السَّبَبِ الْمُوجِبِ السَّالِمِ عَنْ الْمُعَارِضِ وَعَدَمِ جَرْيِهِ عَلَى أَصْلِهِ فِي الْوَاجِبِ الْمُوَسَّعِ مُشْكِلًا جِدًّا وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيَّةِ مِنْ جِهَةِ اعْتِبَارِ السَّبَبِ الْمُوجِبِ السَّالِمِ عَنْ الْمُعَارِضِ وَالْجَرْيُ عَلَى أَصْلِهِ فِي الْوَاجِبِ الْمُوَسَّعِ سَالِمًا عَنْ الْإِشْكَالِ وَبَيَانُ سُقُوطِهِ أَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ مَالِكًا لَمْ يَعْتَبِرْ السَّبَبَ الْمُوجِبَ السَّالِمَ مِنْ الْمُعَارِضِ وَخَالَفَ أَصْلَهُ فِي الْوَاجِبِ الْمُوَسَّعِ إذْ لَيْسَ كُلُّ سَبَبٍ كَذَلِكَ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مُسَبَّبُهُ بَلْ إنَّمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مُسَبَّبُهُ حَيْثُ كَانَ مِنْ غَيْرِ تَخْيِيرٍ كَرُؤْيَةِ الْهِلَالِ أَمَّا حَيْثُ كَانَ مَعَ التَّخْيِيرِ كَمَا هُنَا فَلَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مُسَبَّبُهُ إلَّا إذَا تَعَيَّنَ الْجُزْءُ الْأَخِيرُ مِنْ بَيْنِ أَجْزَاءِ الْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ الْمُخَيَّرِ فِيهَا بِفَوَاتِ مَا عَدَاهُ.
فَالْفَرْقُ فِي الشَّرْعِ وَاقِعٌ بَيْنَ وُجُودِ السَّبَبِ سَالِمًا عَنْ الْمُعَارِضِ مَعَ عَدَمِ التَّخْيِيرِ بَيْنَ أَفْرَادِهِ فَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مُسَبَّبُهُ لِتَحَقُّقِ شَرْطِ التَّرَتُّبِ الَّذِي هُوَ عَدَمُ التَّخْيِيرِ كَمَا قُلْنَاهُ فِي رُؤْيَةِ الْهِلَالِ وَغَيْرِهِ وَبَيْنَ وُجُودِهِ مَعَ التَّخْيِيرِ فَلَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مُسَبَّبُهُ لِعَدَمِ تَحَقُّقِ شَرْطِ التَّرَتُّبِ الَّذِي هُوَ عَدَمُ التَّخْيِيرِ كَمَا قُلْنَاهُ فِي أَوْقَاتِ الصَّلَوَاتِ وَلَهُ نَظَائِرُ فِي الشَّرِيعَةِ الْحَنِيفِيَّةِ السَّمْحَةِ أَحَدُهَا إذَا بَاعَ صَاعًا وَاحِدًا مِنْ صُبْرَةٍ فَتَصَرَّفَ بِمُقْتَضَى التَّخْيِيرِ فِيمَا عَدَا الصَّاعَ الْوَاحِدَ بِبَيْعٍ مِنْ غَيْرِ مُشْتَرِي الصَّاعِ أَوْ نَحْوِهِ وَتَلِفَ الصَّاعُ الْبَاقِي بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ انْفَسَخَ الْعَقْدُ وَلَمْ يُنْقَلْ الصَّاعُ لِلذِّمَّةِ كَمَا لَوْ تَلِفَتْ الصُّبْرَةُ كُلُّهَا بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ ضَرُورَةَ أَنَّ الْعَقْدَ لَمَّا تَعَلَّقَ بِمُطْلَقِ صَاعٍ مِنْ الْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَ صِيعَانِ الصُّبْرَةِ وَكَانَ لَهُ أَنْ يَتَصَرَّفَ مُقْتَضَى التَّخْيِيرِ فِيمَا عَدَا الصَّاعَ الْوَاحِدَ كَانَتْ الْآفَةُ فِي الصَّاعِ الْوَاحِدِ حِينَئِذٍ كَالْآفَةِ فِي الْجَمِيعِ إذْ مِنْ حُجَّةِ الْبَائِعِ أَنْ يَقُولَ إنَّ تَسَلُّطِي بِالتَّخْيِيرِ بَيْنَ صِيعَانِ الصُّبْرَةِ فِي تَوْفِيَتِهِ يَنْفِي عَنِّي الْعُدْوَانَ فِيمَا تَعَدَّيْتُ فِيهِ فَلَا أَضْمَنُ.
وَالسِّرُّ فِي ذَلِكَ هُوَ التَّخْيِيرُ إذْ لَوْلَا التَّخْيِيرُ لَكَانَ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَقُولَ الْعَقْدُ اقْتَضَى مُطْلَقَ الصَّاعِ وَقَدْ وُجِدَ فِي صَاعٍ مِنْ الصِّيعَانِ الَّتِي تَعَدَّيْتُ عَلَيْهَا أَيُّهَا الْبَائِعُ وَمَنْ تَعَدَّى عَلَى الْمَبِيعِ ضَمِنَهُ فَيَلْزَمُك أَيُّهَا الْبَائِعُ الضَّمَانُ وَثَانِيهَا إذَا وَجَبَ عَلَيْهِ عِتْقُ رَقَبَةٍ فِي الْكَفَّارَةِ وَعِنْدَهُ رِقَابٌ فَلَهُ أَنْ يَتَصَرَّفَ بِالْعِتْقِ وَغَيْرِهِ فِيمَا عَدَا الْوَاحِدَ فَإِذَا تَصَرَّفَ وَلَمْ يَبْقَ إلَّا