الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عُرْفِ الشَّرْعِ الْمُبَالَغَةُ فِي اجْتِنَابِ الْمُحَرَّمَاتِ وَفِعْلِ الْوَاجِبَاتِ حَتَّى يَكُونَ ذَلِكَ الْغَالِبَ عَلَى الشَّخْصِ، هَذَا هُوَ الظَّاهِرُ وَإِذَا حَصَلَ هَذَا الْوَصْفُ يَنْبَغِي أَنْ يَعْتَقِدَ أَيْضًا أَنَّ الْقَبُولَ غَيْرُ لَازِمٍ بَلْ الْمَحَلُّ قَابِلٌ لَهُ لِحُصُولِ الشَّرْطِ وَأَنَّ الْقَبُولَ مَشْرُوطٌ بِالتَّقْوَى وَلَا يَلْزَمُ مِنْ حُصُولِ الشَّرْطِ حُصُولُ الْمَشْرُوطِ وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمَحَلَّ يَبْقَى قَابِلًا لِلْقَبُولِ مِنْ غَيْرِ لُزُومِهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم دَعَا بِالْقَبُولِ مَعَ أَنَّهُ سَيِّدُ الْمُتَّقِينَ وَكَذَلِكَ إبْرَاهِيمُ وَإِسْمَاعِيلُ عليهما السلام وَالْمَدْعُوُّ بِهِ لَا بُدَّ وَأَنْ يَكُونَ بِصَدَدِ الْوُقُوعِ وَعَدَمِهِ؛ إذْ لَوْ تَعَيَّنَ وُقُوعُهُ لَكَانَ ذَلِكَ طَلَبًا لِتَحْصِيلِ الْحَاصِلِ وَهُوَ غَيْرُ جَائِزٍ فَتَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ الثَّوَابُ يُمْكِنُ حُصُولُهُ وَعَدَمُ حُصُولِهِ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
حَتَّى يَكُونَ ذَلِكَ الْغَالِبَ عَلَى الشَّخْصِ هَذَا هُوَ الظَّاهِرُ) قُلْتُ مَا قَالَهُ مِنْ أَنَّ الظَّاهِرَ فِي أَنَّ التَّقْوَى شَرْطٌ فِي الْقَبُولِ مُسَلَّمٌ وَمَا قَالَهُ مِنْ أَنَّ وَصْفَ التَّقْوَى فِي الْعُرْفِ الشَّرْعِيِّ الْمُبَالَغَةُ فِي اجْتِنَابِ الْمَنْهِيَّاتِ وَفِعْلِ الْمَأْمُورَاتِ مُسَلَّمٌ أَيْضًا إلَّا أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ بِالتَّقْوَى الْمُشْتَرَطَةِ فِي الْقَبُولِ التَّقْوَى الْعُرْفِيَّةَ الْمَذْكُورَةَ لِمُعَارَضَةِ تِلْكَ الْأَدِلَّةِ الْمُتَكَاثِرَةِ الْمُتَظَافِرَةِ بِتَرَتُّبِ الثَّوَابِ عَلَى الْأَعْمَالِ الصَّحِيحَةِ، وَلَيْسَ كَوْنُ التَّقْوَى عُرْفًا مَا فَسَّرَهَا بِهِ بِالْمُقَاوِمِ فِي الظُّهُورِ لِتِلْكَ الْأَدِلَّةِ هَذَا إنْ لَمْ تَقُلْ بِانْتِهَاءِ تِلْكَ الْأَدِلَّةِ إلَى الْقَطْعِ بِلُزُومِ تَرَتُّبِ الثَّوَابِ عَلَى الْأَعْمَالِ الْمُسْتَوْفِيَةِ لِشُرُوطِهَا وَأَرْكَانِهَا وَالْقَطْعُ بِذَلِكَ هُوَ الصَّحِيحُ عِنْدِي وَمَنْ تَتَبَّعَ الْآيَاتِ وَالْأَحَادِيثَ الْوَارِدَةَ فِي ذَلِكَ وَتَأَمَّلَ مَسَاقَ الْكَلَامِ فِيهِ عَلِمَ صِحَّةَ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
قَالَ (وَإِذَا حَصَلَ هَذَا الْوَصْفُ يَنْبَغِي أَنْ يُعْتَقَدَ أَيْضًا أَنَّ الْقَبُولَ غَيْرُ لَازِمٍ إلَى مُنْتَهَى قَوْلِهِ فَتَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ الثَّوَابُ يُمْكِنُ حُصُولُهُ وَعَدَمُ حُصُولِهِ) قُلْتُ مَا قَالَهُ مِنْ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ حُصُولِ الشَّرْطِ حُصُولُ الْمَشْرُوطِ صَحِيحٌ وَلَكِنْ لَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ عَدَمُ حُصُولِ الثَّوَابِ بَلْ يَلْزَمُ حُصُولُهُ لَا لِمُجَرَّدِ حُصُولِ الشَّرْطِ بَلْ لِلْأَدِلَّةِ الدَّالَّةِ عَلَى حُصُولِهِ وَمَا اسْتَدَلَّ بِهِ مِنْ كَوْنِ الرَّسُولِ عليه السلام دَعَا بِالْقَبُولِ قَدْ تَقَدَّمَ تَأْوِيلُهُ وَمَا قَالَهُ مِنْ أَنَّ الْمَدْعُوَّ بِهِ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ بِصَدَدِ الْوُقُوعِ وَعَدَمِهِ إنْ أَرَادَ بِاعْتِبَارِ عِلْمِنَا فَمُسَلَّمٌ وَإِنْ أَرَادَ مُطْلَقًا فَغَيْرُ مُسَلَّمٍ؛ لِأَنَّ عِلْمَ اللَّهِ تَعَالَى قَدْ تَعَلَّقَ أَزَلًا بِمَا يَكُونُ وَمَا لَا يَكُونُ وَمَا قَالَهُ مِنْ أَنَّهُ لَوْ تَعَيَّنَ وُقُوعُهُ لَكَانَ ذَلِكَ طَلَبًا لِتَحْصِيلِ الْحَاصِلِ فَكَلَامٌ لَيْسَ لَهُ حَاصِلٌ فَإِنَّ الدُّعَاءَ مَشْرُوعٌ لَا شَكَّ فِيهِ وَالْمَدْعُوُّ بِهِ مُسْتَقَرٌّ فِي عِلْمِ اللَّهِ تَعَالَى حُصُولُهُ أَوْ عَدَمُ حُصُولِهِ فَعَلَى تَقْدِيرِ تَعَلُّقِ عِلْمِ اللَّهِ تَعَالَى بِحُصُولِهِ يَكُونُ الدُّعَاءُ طَلَبًا لِتَحْصِيلِ الْحَاصِلِ وَعَلَى تَقْدِيرِ تَعَلُّقِ عِلْمِ اللَّهِ تَعَالَى بِعَدَمِ حُصُولِهِ يَكُونُ الدُّعَاءُ طَلَبًا لِتَحْصِيلِ الْمُمْتَنِعِ وَكِلَا الْأَمْرَيْنِ فِي بَادِي الرَّأْيِ مُحَالٌ.
وَذَلِكَ لَيْسَ بِصَحِيحٍ بَلْ الصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَسْتَلْزِمُ الطَّلَبُ عَقْلًا جَوَازَ الْمَطْلُوبِ بَلْ يَجُوزُ طَلَبُ الْجَائِزِ وَغَيْرِ الْجَائِزِ فَلَا فَرْقَ فِي الْعَقْلِ بَيْنَ طَلَبِ تَحْصِيلِ الْوَاقِعِ الْحَاصِلِ وَبَيْنَ طَلَبِ تَحْصِيلِ غَيْرِهِ فَإِنْ ثَبَتَ فِي ذَلِكَ فَرْقٌ شَرْعِيٌّ فَذَاكَ
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
[الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْمَفْهُومِ إذَا خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ وَبَيْنَ مَا إذَا لَمْ يَخْرُجْ مَخْرَجَ الْغَالِبِ]
الْفَرْقُ الثَّانِي وَالسِّتُّونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْمَفْهُومِ إذَا خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ)
قِيلَ: لَا يَكُونُ حُجَّةً إجْمَاعًا وَبَيْنَ مَا إذَا لَمْ يَخْرُجْ مَخْرَجَ الْغَالِبِ قِيلَ: يَكُونُ حُجَّةً عِنْدَ الْقَائِلِينَ بِالْمَفْهُومِ وَالصَّحِيحُ كَمَا فِي شَرْحِ التَّحْرِيرِ الْأُصُولِيِّ أَنَّ الْوَصْفَ الَّذِي وَقَعَ بِهِ تَقْيِيدُ الْحَقِيقَةِ إذَا خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ بِأَنْ وُجِدَ مَعَهَا فِي أَكْثَرِ صُوَرِهَا كَوَصْفِ الرَّبَائِبِ بِاَللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ فِي قَوْله تَعَالَى {وَرَبَائِبُكُمُ اللاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ} [النساء: 23] وَهُنَّ جَمْعُ رَبِيبَةٍ بِنْتُ زَوْجَةِ الرَّجُلِ مِنْ آخَرَ سُمِّيَتْ بِهِ؛ لِأَنَّهُ يُرَبِّيهَا غَالِبًا كَمَا يُرَبِّي وَلَدَهُ ثُمَّ اتَّسَعَ فِيهِ فَسُمِّيَتْ بِهِ وَإِنْ لَمْ يَرِبْهَا وَإِنَّمَا لَحِقَتْهُ الْهَاءُ مَعَ أَنَّهُ فَعِيلٌ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ؛ لِأَنَّهُ صَارَ اسْمًا فَكَوْنُهُنَّ فِي حُجُورِ أَزْوَاجِ الْأُمَّهَاتِ هُوَ الْغَالِبُ مِنْ حَالِهِنَّ فَوَصَفَهُنَّ بِهِ لِكَوْنِهِ الْغَالِبَ فَلَا يَدُلُّ الْكَلَامُ الْمُفِيدُ لِلْحُكْمِ الْمُتَعَلِّقِ بِالْحَقِيقَةِ الْمُقَيَّدَةِ بِهِ عَلَى نَفْيِ الْحُكْمِ عِنْدَ عَدَمِهِ كَالْكَلَامِ الْمُفِيدِ لِتَحْرِيمِهِنَّ عَلَيْهِمْ عَلَى عَدَمِ تَحْرِيمِهِنَّ عَلَيْهِمْ عِنْدَ عَدَمِ كَوْنِهِنَّ فِي حُجُورِهِمْ عِنْدَ الْجُمْهُورِ لَا إجْمَاعًا.
فَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه جَعَلَهُ شَرْطًا حَتَّى إنَّ الْبَعِيدَةَ عَنْ الزَّوْجِ لَا تُحَرَّمُ عَلَيْهِ كَمَا نَقَلَهُ ابْنُ عَطِيَّةَ وَغَيْرُهُ وَأَسْنَدَهُ إلَيْهِ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ فَقَالَ حَدَّثَنَا أَبُو زُرْعَةَ حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ يُوسُفَ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ حَدَّثَنِي إبْرَاهِيمُ بْنُ عُبَيْدِ بْنِ رِفَاعَةَ قَالَ أَخْبَرَنِي مَالِكُ بْنُ أَوْسِ بْنِ الْحَدَثَانِ قَالَ كَانَتْ عِنْدِي امْرَأَةٌ فَتُوُفِّيَتْ وَقَدْ وَلَدَتْ لِي فَوَجَدْت عَلَيْهَا فَلَقِيَنِي عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ فَقَالَ مَا لَكَ فَقُلْت تُوُفِّيَتْ الْمَرْأَةُ فَقَالَ عَلِيٌّ: هَلْ لَهَا ابْنَةٌ؟ فَقُلْت: نَعَمْ وَهِيَ بِالطَّائِفِ قَالَ: كَانَتْ فِي حِجْرِك؟ قُلْت: لَا، قَالَ: فَانْكِحْهَا قُلْت: فَأَيْنَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى {وَرَبَائِبُكُمُ اللاتِي فِي حُجُورِكُمْ} [النساء: 23] قَالَ: إنَّهَا لَمْ تَكُنْ فِي حِجْرِك إنَّمَا ذَلِكَ إذَا كَانَتْ فِي حِجْرِك، قَالَ الْحَافِظُ الْعِمَادُ بْنُ كَثِيرٍ: إسْنَادُهُ قَوِيٌّ ثَابِتٌ إلَى عَلِيٍّ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ وَهُوَ غَرِيبٌ جِدًّا اهـ بِتَوْضِيحٍ وَزِيَادَةٍ مِنْ الْعَطَّارِ. نَعَمْ قَدْ يُقَالُ الْمُرَادُ إجْمَاعُ الْأَرْبَعَةِ الْأَئِمَّةِ لَا جَمِيعِ الْمُجْتَهِدِينَ لَكِنْ فِي الْمُحَلَّى عَلَى جَمْعِ الْجَوَامِعِ.
وَقَدْ مَشَى فِي النِّهَايَةِ فِي آيَةِ الرَّبِيبَةِ عَلَى مَا نَقَلَهُ عَنْ الشَّافِعِيِّ مِنْ أَنَّ الْقَيْدَ فِيهَا لِمُوَافَقَةِ الْغَالِبِ لَا مَفْهُومَ لَهُ بَعْدَ أَنْ نَقَلَ عَنْ مَالِكٍ الْقَوْلَ بِمَفْهُومِهِ وَمِنْ أَنَّ الرَّبِيبَةَ الْكَبِيرَةَ وَقْتَ التَّزَوُّجِ بِأَنَّهَا لَا تَحْرُمُ عَلَى الزَّوْجِ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ فِي حِجْرِهِ وَتَرْبِيَتِهِ وَهَذَا وَإِنْ لَمْ يَسْتَمِرَّ
وَعَلَى هَذِهِ الْمَدَارِكِ وَهَذِهِ التَّقَادِيرِ يَكُونُ قَوْله تَعَالَى {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا} [الأنعام: 160] مَشْرُوطًا بِالتَّقْوَى فَإِنَّ أَمْثَالَ الْعَشْرِ هِيَ الْمَثُوبَاتُ وَلَا تَحْصُلُ إلَّا لِلْمُتَّقِينَ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ عليه السلام «صَلَاةٌ فِي مَسْجِدِي هَذَا خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ صَلَاةٍ فِي غَيْرِهِ إلَّا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ» فَإِنَّ هَذِهِ الْأَلْفَ وَالزَّائِدَ عَلَيْهَا هِيَ مَثُوبَاتٌ تَتَضَاعَفُ، وَقَوْلُهُ عليه السلام «صَلَاةٌ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ صَلَاةٍ فِي غَيْرِهِ وَصَلَاةٌ فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ بِسِتِّمِائَةِ صَلَاةٍ» وقَوْله تَعَالَى {وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ} [البقرة: 261] يَقْتَضِي مَا تَقَدَّمَ مِنْ التَّقْرِيرِ أَنْ يَكُونَ هَذَا كُلُّهُ مَشْرُوطًا بِالتَّقْوَى وَقَوْلُهُ عليه السلام «صَلَاةُ الْجَمَاعَةِ تَفْضُلُ صَلَاةَ الْفَذِّ بِخَمْسٍ أَوْ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً» فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ فَإِنَّ هَذِهِ الظَّوَاهِرَ كُلَّهَا تَقْتَضِي الْمَثُوبَاتِ مُطْلَقًا وَمَا تَقَدَّمَ مِنْ التَّقْدِيرِ يَقْتَضِي أَنَّهَا لَا تَحْصُلُ إلَّا بِالتَّقْوَى فَيَتَعَيَّنُ رَدُّ أَحَدِ الظَّاهِرَيْنِ إلَى الْآخَرِ وَأَنْ يُجْمَعَ بَيْنَهُمَا عَلَى الْوَجْهِ الْأَسَدِّ وَقَدْ بَيَّنْتُ لَكَ وَجْهَ التَّعَارُضِ وَوَجْهَ الْجَمْعِ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ فَهُوَ مَوْضِعٌ صَعْبٌ مُشْكِلٌ وَاَلَّذِي رَأَيْتُ عَلَيْهِ جَمَاعَةً مِنْ الْمُحَقِّقِينَ هُوَ مَا ذَكَرْتُهُ لَكَ فَتَأَمَّلْهُ.
(الْفَرْقُ السَّادِسُ وَالسِّتُّونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا تَعَيَّنَ وَقْتُهُ فَيُوصَفُ فِيهِ بِالْأَدَاءِ وَبَعْدَهُ بِالْقَضَاءِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا تَعَيَّنَ وَقْتُهُ وَلَا يُوصَفُ فِيهِ بِالْأَدَاءِ وَلَا بَعْدَهُ بِالْقَضَاءِ وَالتَّعْيِينُ فِي الْقِسْمَيْنِ شَرْعِيٌّ)
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
وَإِلَّا فَلَا فَرْقَ بِوَجْهٍ.
قَالَ (وَعَلَى هَذِهِ الْمَدَارِكِ وَهَذِهِ التَّقَادِيرِ يَكُونُ قَوْله تَعَالَى {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا} [الأنعام: 160] مَشْرُوطًا بِالتَّقْوَى إلَى مُنْتَهَى قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «صَلَاةُ الْجَمَاعَةِ تَفْضُلُ صَلَاةِ الْفَذِّ بِخَمْسٍ أَوْ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً» قُلْتُ مَا قَالَهُ مِنْ أَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ مَشْرُوطٌ بِالتَّقْوَى مُسَلَّمٌ لَكِنْ بِمَعْنَى الْمُوَافَاةِ عَلَى الْإِيمَانِ لَا بِمَعْنَى مُجَانَبَةِ الْعِصْيَانِ.
قَالَ (فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ فَإِنَّ هَذِهِ الظَّوَاهِرَ كُلَّهَا تَقْتَضِي الْمَثُوبَاتِ مُطْلَقًا وَمَا تَقَدَّمَ وَمِنْ التَّقْرِيرِ يَقْتَضِي أَنَّهَا لَا تَحْصُلُ إلَّا بِالتَّقْوَى) قُلْتُ لَا يُقَاوِمُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ التَّقْرِيرِ تِلْكَ الظَّوَاهِرَ عَلَى تَسْلِيمِ أَنَّهَا لَمْ تَبْلُغْ الْقَطْعَ عَلَى أَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّهَا قَدْ بَلَغَتْهُ فَإِنَّ الظَّوَاهِرَ إذَا تَظَاهَرَتْ وَتَكَاثَرَتْ وَلَمْ يُعَارِضْهَا سِوَاهَا حَصَلَ الْقَطْعُ بِمَعْنَاهَا وَهَذِهِ الظَّوَاهِرُ وَقَدْ تَظَاهَرَتْ وَتَكَاثَرَتْ وَلَمْ يُعَارِضْهَا سِوَاهَا فَإِنَّ مَا ذَكَرَهُ مُعَارِضًا لَيْسَ بِمُعَارِضٍ لِاسْتِوَاءِ احْتِمَالَاتِهِ عَلَى مَا سَبَقَ بَيَانُهُ.
قَالَ (فَيَتَعَيَّنَ رَدُّ أَحَدِ الظَّاهِرَيْنِ إلَى الْآخَرِ وَالْجَمْعُ بَيْنَهُمَا عَلَى الْوَجْهِ الْأَسَدِّ) قُلْتُ إنْ سُلِّمَ عَدَمُ الْقَطْعِ فَلَيْسَ الْوَجْهُ الْأَسَدُّ مَا ذَكَرَهُ وَاخْتَارَهُ وَإِنْ لَمْ يُسَلَّمْ فَلَا وَجْهَ لِقَوْلِهِ الْأَسَدُّ.
قَالَ (وَقَدْ بَيَّنْت لَك وَجْهَ التَّعَارُضِ وَوَجْهَ الْجَمْعِ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ فَهُوَ مَوْضِعٌ صَعْبٌ مُشْكِلٌ) قُلْتُ قَدْ تَبَيَّنَ مَا قَالَ لَكِنَّهُ لَيْسَ بِصَحِيحٍ وَتَأَمَّلْتُهُ كَمَا أَمَرَ وَلَمْ أَجِدْ مَا وَجَدَ مِنْ الصُّعُوبَةِ وَالْإِشْكَالِ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ ذِي الْمِنَّةِ وَالْإِفْضَالِ.
قَالَ (وَاَلَّذِي رَأَيْتُ عَلَيْهِ جَمَاعَةً مِنْ الْمُحَقِّقِينَ هُوَ مَا ذَكَرْتُهُ فَتَأَمَّلْهُ) قُلْتُ لَعَلَّهُمْ مُحَقِّقُونَ فِي غَيْرِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَمَّا فِي هَذِهِ فَلَا
وَمَا قَالَهُ فِي الْفَرْقِ السَّادِسِ وَالسِّتِّينَ صَحِيحٌ.
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
عَلَيْهِ مَالِكٌ فَقَدْ نَقَلَهُ الْغَزَالِيُّ وَغَيْرُهُ كَالْمَاوَرْدِيِّ وَابْنِ الصَّبَّاغِ وَغَيْرِهِمَا عَنْ دَاوُد كَمَا نَقَلَهُ ابْنُ عَطِيَّةَ عَنْ عَلِيٍّ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ وَرَوَاهُ عَنْهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَغَيْرُهُ وَمَرْجِعُ مَا نَقَلَ عَنْ دَاوُد وَعَلِيٍّ رضي الله عنه إلَى أَنَّ الْقَيْدَ لَيْسَ لِمُوَافَقَةِ الْغَالِبِ أَيْ بَلْ لِنَفْيِ الْحُكْمِ عَنْ الْمَسْكُوتِ عَنْهُ اهـ فَافْهَمْ.
وَأَوْرَدَ الْإِمَامُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ أَنَّهُ كَيْفَ يَكُونُ لِغَيْرِ الْغَالِبِ مَفْهُومًا دُونَ الْغَالِبِ وَالْقَاعِدَةُ تَقْتَضِي الْعَكْسَ وَهُوَ أَنَّهُ إذَا خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ يَكُونُ لَهُ مَفْهُومٌ لَا إذَا لَمْ يَكُنْ غَالِبًا؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ عَلَى الْحَقِيقَةِ تَدُلُّ الْعَادَةُ عَلَى ثُبُوتِهِ لَهَا فَالْمُتَكَلِّمُ يَكْتَفِي بِدَلَالَتِهَا عَلَى ثُبُوتِهِ لَهَا عَنْ ذِكْرِهِ فَإِنَّمَا ذَكَرَهُ لِيَدُلَّ عَلَى نَفْيِ الْحُكْمِ عَمَّا عَدَاهُ بِانْحِصَارِ غَرَضِهِ فِيهِ، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ عَادَةٌ فَغَرَضُ الْمُتَكَلِّمِ بِتِلْكَ الصِّفَةِ إفْهَامُ السَّامِعِ بِثُبُوتِهَا لِلْحَقِيقَةِ.
وَأَجَابَ بِأَنَّ الْقَوْلَ بِالْمَفْهُومِ لِخُلُوِّ الْقَيْدِ عَنْ الْفَائِدَةِ لَوْلَاهُ وَهُوَ إذَا كَانَ الْغَالِبُ يُفْهَمُ مِنْ الظَّنِّ بِاللَّفْظِ أَوَّلًا لِغَلَبَتِهِ فَذِكْرُهُ بَعْدَهُ يَكُونُ تَأْكِيدًا لِثُبُوتِ الْحُكْمِ لِلْمُتَّصِفِ بِهِ وَهَذِهِ فَائِدَةٌ أَمْكَنَ اعْتِبَارُ الْقَيْدِ فِيهَا فَلَا حَاجَةَ إلَى الْمَفْهُومِ بِخِلَافِ غَيْرِ الْغَالِبِ.
وَأَجَابَ الْأَصْلُ بِأَنَّ الْغَالِبَ مُلَازِمٌ لِلْحَقِيقَةِ فِي الذِّهْنِ فَذِكْرُهُ مَعَهَا عِنْدَ الْحُكْمِ عَلَيْهَا لِحُضُورِهِ فِي ذِهْنِهِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ لَوَازِمِهَا فَيَضْطَرُّهُ الْحَالُ لِلنُّطْقِ بِهِ لِذَلِكَ لَا لِتَخْصِيصِ الْحُكْمِ بِهِ بِخِلَافِ غَيْرِهِ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ اسْتِحْضَارِ الْحَقِيقَةِ الْمَحْكُومِ عَلَيْهَا حُضُورُهُ مَعَهَا فَلَا يَضْطَرُّهُ الْحَالُ لِنُطْقِهِ بِهِ مَعَهَا فَلَا بُدَّ حِينَئِذٍ مِنْ أَنْ يَكُونَ لِلْمُتَكَلِّمِ غَرَضٌ فِي نُطْقِهِ بِهِ، وَإِحْضَارُهُ مَعَ الْحَقِيقَةِ وَسَلْبُ الْحُكْمِ عَنْ صُورَةِ عَدَمِهِ يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ غَرَضَهُ فَيُحْمَلَ عَلَيْهِ حَتَّى يُصَرِّحَ بِخِلَافِهِ؛ لِأَنَّهُ الْمُتَبَادِرُ إلَى الذِّهْنِ مِنْ التَّقْيِيدِ، وَتَعَقَّبَهُ ابْنُ الشَّاطِّ بِأَنَّ مَا أَوْرَدَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَارِدٌ وَدَعْوَى الِاضْطِرَارِ بَاطِلَةٌ إذْ كَيْفَ يَكُونُ الشَّارِعُ سَوَاءٌ قُلْنَا اللَّهُ تَعَالَى أَوْ الرَّسُولُ صلى الله عليه وسلم مُضْطَرًّا إلَى النُّطْقِ بِمَا لَا يَقْصِدُهُ وَاضْطِرَارُ اللَّهِ تَعَالَى إلَى أَمْرٍ مَا مُحَالٌ وَكَذَلِكَ الرَّسُولُ صلى الله عليه وسلم مِنْ حَيْثُ هُوَ مَعْصُومٌ، وَالْحَامِلُ عَلَى هَذَا الْحَالِ إنَّمَا هُوَ الْقَوْلُ بِالْمَفْهُومِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ بَاطِلٌ عِنْدَ التَّجَرُّدِ عَنْ الْقَرَائِنِ الْمُفْهِمَةِ لِمُقْتَضَاهُ.
(قُلْت) يُعَيَّنُ أَنَّ الْبَاطِلَ هُوَ مَا لِلشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَالْأَشْعَرِيِّ وَالْإِمَامِ وَكَثِيرٍ مِنْ الْقَوْلِ بِمَفْهُومِ الْمُخَالَفَةِ بِأَقْسَامِهِ الرَّاجِعَةِ إلَى مَفْهُومِ الصِّفَةِ كَمَا مَرَّ عِنْدَ التَّجَرُّدِ عَنْ الْقَرَائِنِ الْمُفْهِمَةِ لِمُقْتَضَاهُ إذَا تَوَفَّرَتْ الشُّرُوطُ لِتَحَقُّقِهِ وَهِيَ أُمُورٌ أَحْرَى
اعْلَمْ أَنَّ هَذَا الْمَوْضِعَ وَهَذَا الْفَرْقَ لَمْ أَرَهُ لِأَحَدٍ مِنْ الْعُلَمَاءِ فِيمَ رَأَيْتُهُ وَلَمْ يَقَعْ التَّصْرِيحُ بِهِ فِيمَا وَجَدْتُهُ وَلَا التَّعْرِيضُ بَلْ التَّصْرِيحُ فِي حَدِّ الْأَدَاءِ وَالْقَضَاءِ بِضِدِّهِ فِي كُتُبِ الْأُصُولِ وَالْفُرُوعِ فَيَقُولُونَ فِي حَدِّ الْأَدَاءِ هُوَ إيقَاعُ الْوَاجِبِ فِي وَقْتِهِ الْمَحْدُودِ لَهُ شَرْعًا وَفِي حَدِّ الْقَضَاءِ هُوَ إيقَاعُ الْوَاجِبِ خَارِجَ وَقْتِهِ الْمَحْدُودِ لَهُ شَرْعًا وَهَذَانِ التَّفْسِيرَانِ بَاطِلَانِ بِسَبَبِ أَنَّ الْوَاجِبَاتِ الْفَوْرِيَّةَ كَرَدِّ الْغُصُوبِ وَالْوَدَائِعِ إذَا طُلِبَتْ وَالْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ وَأَقْضِيَةِ الْحُكَّامِ إذَا نَهَضَتْ الْحِجَاجُ كُلُّ ذَلِكَ وَاجِبٌ عَلَى الْفَوْرِ، وَمَعَ ذَلِكَ لَا يُقَالُ لَهَا إنَّهَا أَدَاءٌ إذَا وَقَعَتْ فِي وَقْتِهَا الْمَحْدُودِ لَهَا شَرْعًا وَلَا قَضَاءً إذَا وَقَعَتْ بَعْدَهُ فَإِنَّ الشَّرْعَ حَدَّدَ لَهَا زَمَانًا وَهُوَ زَمَانُ الْوُقُوعِ فَأَوَّلُهُ أَوَّلُ زَمَانِ التَّكْلِيفِ وَآخِرُهُ الْفَرَاغُ مِنْهَا بِحَسَبِهَا فِي طُولِهَا وَقِصَرِهَا فَزَمَانُهَا مَحْدُودٌ شَرْعًا مَعَ انْتِفَاءِ الْأَدَاءِ وَالْقَضَاءِ عَنْهَا فِي الْوَقْتِ وَبَعْدَهُ.
وَكَذَلِكَ إنْقَاذُ الْغَرِيقِ حَدَّدَ لَهُ الشَّرْعُ الزَّمَانَ فَأَوَّلُهُ مَا يَلِي زَمَنَ السُّقُوطِ وَآخِرُهُ الْفَرَاغُ مِنْ عِلَاجِهِ بِحَسَبِ حَالِهِ وَلَا يُوصَفُ بِأَنَّهُ أَدَاءٌ فِي الْوَقْتِ وَلَا قَضَاءٌ بَعْدَهُ مَعَ التَّحْدِيدِ الشَّرْعِيِّ، وَمِنْ ذَلِكَ الْحَجُّ إذَا قُلْنَا: إنَّهُ عَلَى الْفَوْرِ فَإِنَّ الشَّارِعَ حَدَّدَ لَهُ زَمَانًا مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ وَلَا يُوصَفُ بِأَنَّهُ قَضَاءٌ بَعْدَ هَذِهِ السَّنَةِ إذَا أُخِّرَتْ هَذِهِ الْحِجَّةُ وَلَا يَلْزَمُ مَعَهَا هَدْيُ الْقَضَاءِ، وَكَذَلِكَ إذَا قُلْنَا الْأَمْرُ لِلْفَوْرِ فَإِنَّ الْقَاضِيَ أَبَا بَكْرٍ رحمه الله قَالَ لَا بُدَّ مِنْ زَمَانٍ لِلسَّمَاعِ وَزَمَانٍ لِلتَّأَمُّلِ وَتَعَرُّفِ مَعْنَى الْخِطَابِ وَفِي الزَّمَنِ الثَّالِثِ يَكُونُ الْفِعْلُ زَمَانِيًّا وَبِالتَّأْخِيرِ عَنْهُ يُوصَفُ الْمُكَلَّفُ بِالْمُخَالَفَةِ.
وَقَدْ حَدَّدَ الشَّرْعُ الزَّمَانَ حِينَئِذٍ أَوَّلُهُ الزَّمَنُ الثَّالِثُ مِنْ زَمَنِ السَّمَاعِ وَآخِرُهُ الْفَرَاغُ مِنْ الْفِعْلِ بِحَسَبِهِ وَهَذِهِ النُّقُوضُ كُلُّهَا تُبْطِلُ حَدَّ الْأَدَاءِ فَإِنَّ حَدَّهُ يَتَنَاوَلُهَا وَلَيْسَتْ أَدَاءً فَيَكُونُ غَيْرَ مَانِعٍ وَإِيقَاعُهَا بَعْدَ وَقْتِهَا يَتَنَاوَلُهُ حَدُّ الْقَضَاءِ وَلَيْسَتْ قَضَاءً فَيَكُونُ غَيْرَ جَامِعٍ فَحِينَئِذٍ تَتَعَيَّنُ الْعِنَايَةُ بِتَحْرِيرِ الْفَرْقِ وَتَحْرِيرِ هَذِهِ الضَّوَابِطِ وَالْحُدُودِ حَتَّى يَتَّضِحَ الْحَقُّ فِي ذَلِكَ وَهُوَ أَنْ نَقُولَ الْأَدَاءُ هُوَ إيقَاعُ الْوَاجِبِ فِي وَقْتِهِ الْمَحْدُودِ لَهُ شَرْعًا لِمَصْلَحَةٍ اشْتَمَلَ عَلَيْهَا الْوَقْتُ بِالْأَمْرِ الْأَوَّلِ وَالْقَضَاءُ إيقَاعُ الْوَاجِبِ خَارِجَ وَقْتِهِ الْمَحْدُودِ لَهُ شَرْعًا لِأَجْلِ مَصْلَحَةٍ فِيهِ بِالْأَمْرِ الثَّانِي فَقَوْلُهُ فِي وَقْتِهِ احْتِرَازٌ مِنْ الْقَضَاءِ، وَقَوْلُنَا:" الْمَحْدُودُ لَهُ " احْتِرَازٌ مِنْ الْمُغَيَّا بِجَمِيعِ الْعُمْرِ، وَقَوْلُنَا:" شَرْعًا " احْتِرَازٌ مِمَّا يَحُدُّهُ أَهْلُ الْعُرْفِ، وَقَوْلُنَا:" لِمَصْلَحَةٍ اشْتَمَلَ عَلَيْهَا الْوَقْتُ " احْتِرَازٌ مِنْ تِلْكَ النُّقُوضِ كُلِّهَا، وَتَحْرِيرُهُ أَنَّا نَعْتَقِدُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى إنَّمَا عَيَّنَ شَهْرَ رَمَضَانَ لِمَصْلَحَةٍ يَشْتَمِلُ عَلَيْهَا دُونَ غَيْرِهِ طَرْدًا لِقَاعِدَةِ الشَّرْعِ فِي رِعَايَةِ
الْمَصَالِحِ
عَلَى سَبِيلِ التَّفَضُّلِ فَإِنَّا إذَا لَاحَظْنَا الشَّرَائِعَ وَجَدْنَاهَا مَصَالِحَ فِي الْأَغْلَبِ أَدْرَكْنَا ذَلِكَ وَخَفِيَ عَلَيْنَا فِي الْأَقَلِّ فَقُلْنَا ذَلِكَ الْأَقَلُّ مِنْ جِنْسِ ذَلِكَ الْأَكْثَرِ كَمَا لَوْ جَرَتْ عَادَةُ مَلِكٍ بِأَنْ لَا يَخْلَعَ الْأَخْضَرَ إلَّا عَلَى الْفُقَهَاءِ فَإِذَا رَأَيْنَا مَنْ خَلَعَ عَلَيْهِ الْأَخْضَرَ وَلَا نَعْلَمُ قُلْنَا هُوَ فَقِيهٌ طَرْدًا لِقَاعِدَةِ ذَلِكَ الْمَلِكِ وَكَذَلِكَ نَعْتَقِدُ فِيمَا لَمْ نَطَّلِعْ فِيهِ عَلَى مَفْسَدَةٍ وَلَا مَصْلَحَةٍ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
أَنْ لَا تُظْهِرَ أَوْلَوِيَّةَ الْمَسْكُوتِ عَنْهُ فِي الْحُكْمِ وَإِلَّا اسْتَلْزَمَ ثُبُوتُ الْحُكْمِ فِي الْمَسْكُوتِ عَنْهُ فَكَانَ مَفْهُومَ مُوَافَقَةٍ لَا مُخَالَفَةٍ كَتَحْرِيمِ الضَّرْبِ مِنْ قَوْله تَعَالَى {فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ} [الإسراء: 23] وَتَأْدِيَةِ مَا دُونَ الْقِنْطَارِ مِنْ قَوْله تَعَالَى {وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ} [آل عمران: 75] .
وَالثَّانِي: أَنْ لَا يَكُونَ قَدْ خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ الْمُعْتَادِ مِثْلَ {وَرَبَائِبُكُمُ اللاتِي فِي حُجُورِكُمْ} [النساء: 23] فَإِنَّ الْغَالِبَ كَوْنُ الرَّبَائِبِ فِي الْحُجُورِ وَمِنْ شَأْنِهِنَّ ذَلِكَ فَقَيَّدَ بِهِ لِذَلِكَ لَا؛ لِأَنَّ حُكْمَ اللَّاتِي لَسْنَ فِي الْحُجُورِ بِخِلَافَةِ وَمِثْلَ قَوْله تَعَالَى {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} [البقرة: 229] إذْ الْخُلْعُ غَالِبًا إنَّمَا يَكُونُ عِنْدَ خَوْفِ أَنْ لَا يَقُومَ كُلٌّ مِنْ الزَّوْجَيْنِ بِمَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى فَلَا يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّ الْخُلْعَ لَا يَجُوزُ عِنْدَ عَدَمِ الْخَوْفِ وَمِثْلَ قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «أَيُّمَا امْرَأَةٍ نَكَحَتْ نَفْسَهَا بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهَا فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ» إذْ الْمَرْأَةُ إنَّمَا تُبَاشِرُ نِكَاحَ نَفْسِهَا عِنْدَ مَنْعِ الْوَلِيِّ فَلَا يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّهَا إذَا نَكَحَتْ نَفْسَهَا بِإِذْنِ وَلِيِّهَا لَمْ يَكُنْ بَاطِلًا.
وَالثَّالِثُ: أَنْ لَا يَكُونَ لِسُؤَالِ سَائِلٍ عَنْ الْمَذْكُورِ وَلَا لِحَادِثَةٍ خَاصَّةٍ بِالْمَذْكُورِ مِثْلَ أَنْ يَسْأَلَ هَلْ فِي الْغَنَمِ السَّائِمَةِ زَكَاةٌ فَيَقُولُ فِي الْغَنَمِ السَّائِمَةِ زَكَاةٌ أَوْ يَكُونُ الْغَرَضُ بَيَانَ ذَلِكَ لَهُ السَّائِمَةُ دُونَ الْمَعْلُوفَةِ.
وَالرَّابِعُ: أَنْ لَا يَكُونَ هُنَاكَ تَقْدِيرُ جَهَالَةٍ بِحُكْمِ الْمَسْكُوتِ عَنْهُ وَإِلَّا رُبَّمَا تَرَكَ التَّعَرُّضَ لَهُ لِعَدَمِ الْعِلْمِ بِحَالِهِ وَلَا يَكُونُ خَوْفٌ يَمْنَعُ مِنْ ذِكْرِهِ كَقَوْلِ قَرِيبِ الْعَهْدِ بِالْإِسْلَامِ لِعَبْدِهِ بِحُضُورِ الْمُسْلِمِينَ تَصَدَّقْ بِهَذَا عَلَى الْمُسْلِمِينَ يُرِيدُ وَغَيْرِهِمْ وَتَرَكَهُ خَوْفًا مِنْ أَنْ يُتَّهَمَ بِالنِّفَاقِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَقْتَضِي تَخْصِيصَهُ بِالذِّكْرِ كَمُوَافَقَةِ الْوَاقِعِ فِي نَحْوِ قَوْله تَعَالَى {لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ} [آل عمران: 28] نَزَلَتْ كَمَا قَالَ الْوَاحِدِيُّ وَغَيْرُهُ فِي قَوْمٍ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ وَالَوْا الْيَهُودَ دُونَ الْمُؤْمِنِينَ.
وَأَمَّا إذَا لَمْ تَتَوَفَّرْ هَذِهِ الشُّرُوطُ بِانْتِفَاءِ الْمَذْكُورَاتِ بَلْ ثَبَتَ وَاحِدٌ مِنْهَا فَلَا يَسْتَنِدُ فِي الْعَمَلِ إلَى الْمَفْهُومِ ضَرُورَةَ أَنَّ هَذِهِ الْمَذْكُورَاتِ فَوَائِدُ ظَاهِرَةٌ وَالْمَفْهُومُ فَائِدَةٌ خَفِيفَةٌ فَيُؤَخَّرُ عَنْهَا وَيَكُونُ الْعَمَلُ حِينَئِذٍ عَلَى مُقْتَضَى الدَّلِيلِ وَلَوْ خَالَفَ الْمَفْهُومَ، فَإِذَا دَلَّ عَلَى إعْطَاءِ الْمَسْكُوتِ عَنْهُ حُكْمَ الْمَنْطُوقِ بِهِ عُمِلَ بِمُقْتَضَاهُ كَمَا فِي نَحْوِ آيَتَيْ الرَّبِيبَةِ وَالْمُوَالَاةِ وَقَوْلُ قَرِيبِ الْعَهْدِ بِالْإِسْلَامِ إلَخْ فَإِنَّ إرَادَةَ قَرِيبِ الْعَهْدِ وَغَيْرِهِمْ كَمَا عَلِمْت وَتَحَقُّقَ عِلَّةِ حُكْمِ الْمَنْطُوقِ بِهِ فِي الْمَسْكُوتِ عَنْهُ فِي الْآيَتَيْنِ مِنْ حَيْثُ إنَّ الرَّبِيبَةَ
أَنَّهُ مَصْلَحَةٌ إنْ كَانَ فِي جَانِبِ الْأَمْرِ وَفِيهِ مَفْسَدَةٌ إنْ كَانَ فِي جَانِبِ النَّوَاهِي طَرْدًا لِقَاعِدَةِ الشَّرْعِ فِي رِعَايَةِ الْمَصَالِحِ وَالْمَفَاسِدِ عَلَى سَبِيلِ التَّفَضُّلِ لَا عَلَى سَبِيلِ الْوُجُوبِ الْعَقْلِيِّ كَمَا تَقُولُهُ الْمُعْتَزِلَةُ، وَكَذَا نَقُولُ فِي أَوْقَاتِ الصَّلَوَاتِ إنَّهَا مُشْتَمِلَةٌ عَلَى مَصَالِحَ لَا نَعْلَمُهَا وَكَذَلِكَ كُلُّ تَعَبُّدِيٍّ وَمَعْنَاهُ أَنَّ فِيهِ مَصْلَحَةً لَا نَعْلَمُهَا فَحِينَئِذٍ تَتَعَيَّنُ أَوْقَاتُ الْعِبَادَاتِ
لِمَصَالِحَ فِيهَا
، وَتَعْيِينُ الْفَوْرِيَّاتِ لَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ تَبَعٌ لِلْمَأْمُورَاتِ وَطَرَيَانِ الْأَسْبَابِ فَالْغَرِيقُ لَوْ تَأَخَّرَ سُقُوطُهُ فِي الْبَحْرِ تَأَخَّرَ الزَّمَانُ أَوْ تَعَجَّلَ تَعَجَّلَ الزَّمَانُ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ.
وَكَذَلِكَ الْحَجُّ تَابِعٌ لِلِاسْتِطَاعَةِ فَلَوْ تَأَخَّرَتْ تَأَخَّرَتْ السَّنَةُ أَوْ تَقَدَّمَتْ تَقَدَّمَتْ السَّنَةُ فَصَارَ تَعْيِينُ الْوَقْتِ تَابِعًا لِلِاسْتِطَاعَةِ لَا لِمَصْلَحَةٍ فِيهِ، وَكَذَلِكَ نَقُولُ: إنَّ الْفَوْرَ تَعَيُّنُ الْوَقْتِ إذَا قُلْنَا الْأَمْرُ عَلَى الْفَوْرِ تَابِعٌ لِوُرُودِ الصِّيغَةِ فَإِنْ تَقَدَّمَتْ تَقَدَّمَ الْوَقْتُ أَوْ تَأَخَّرَتْ تَأَخَّرَ الْوَقْتُ وَكَذَلِكَ أَقْضِيَةُ الْحُكَّامِ الْوَقْتُ تَابِعٌ لِنُهُوضِ الْحِجَاجِ فَتَتَعَيَّنُ حِينَئِذٍ وَكَذَلِكَ رَدُّ الْمَغْصُوبِ وَبَقِيَّةُ النُّقُوضِ قَدْ اتَّضَحَ لَك التَّخْرِيجُ فِي ذَلِكَ وَظَهَرَ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ أَوْقَاتِ الْعِبَادَاتِ فَإِنَّهَا مُتَعَيِّنَةٌ لِمَصَالِحَ فِيهَا وَلَوْلَاهَا لَمَا تَعَيَّنَ بَعْدَ الزَّوَالِ دُونَ مَا قَبْلَهُ وَلَا رَمَضَانُ دُونَ بَقِيَّةِ شُهُورِ السَّنَةِ إذَا اتَّضَحَ لَك الْفَرْقُ فَقَوْلُهُ فِي الْحَدِّ لِمَصْلَحَةٍ اشْتَمَلَ عَلَيْهَا الْوَقْتُ احْتِرَازٌ مِنْ تَعْيِينِ الْوَقْتِ لِمَصْلَحَةِ الْمَأْمُورِ وَالتَّبَعِيَّةِ لِطَرَيَانِ الْأَسْبَابِ.
وَاتُّجِهَ أَيْضًا حَدُّ الْقَضَاءِ بِذَلِكَ لِمَا قُلْنَا إنَّهُ إيقَاعُ الْوَاجِبِ خَارِجَ وَقْتِهِ الْمَحْدُودِ لَهُ شَرْعًا لِمَصْلَحَةٍ اشْتَمَلَ عَلَيْهَا الْوَقْتُ فَلَا يَكُونُ الْفِعْلُ مَوْصُوفًا بِالْقَضَاءِ إلَّا إذَا وَقَعَ خَارِجَ وَقْتِهِ الْمَحْدُودِ لِمَصْلَحَةٍ فِيهِ، وَقَوْلُنَا فِي الْقَضَاءِ بِالْأَمْرِ الثَّانِي احْتِرَازٌ مِنْ نَقْضٍ وَهُوَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ لِقَضَاءِ رَمَضَانَ جُمْلَةَ السَّنَةِ كُلِّهَا الَّتِي تَلِي شَهْرَ الْأَدَاءِ فَهُوَ وَاجِبٌ وَقَعَ فِي وَقْتِهِ الْمَحْدُودِ لَهُ شَرْعًا وَلَيْسَ أَدَاءً فَخَرَجَ بِقَوْلِنَا بِالْأَمْرِ الْأَوَّلِ أَنَّ الْقَضَاءَ وَجَبَ بِأَمْرٍ جَدِيدٍ وَدَخَلَ فِي حَدِّ الْقَضَاءِ وَلَمْ يَخْرُجْ مِنْهُ بِقَوْلِنَا بِالْأَمْرِ الثَّانِي وَسَبَبُ انْدِرَاجِهِ فِي حَدِّ الْأَدَاءِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى عَيَّنَ السَّنَةَ لِمَصْلَحَةٍ تَخْتَصُّ بِهَا لَا نَعْلَمُهَا فَالسَّنَةُ كَأَوْقَاتِ الصَّلَوَاتِ لَيْسَتْ تَابِعَةً لِغَيْرِهَا بِخِلَافِ سَنَةِ الْحَجِّ تَابِعَةٌ لِلِاسْتِطَاعَةِ فَإِنْ قُلْت وَسَنَةُ الْقَضَاءِ أَيْضًا تَابِعَةٌ لِتَرْكِ الصَّوْمِ قُلْت مُسَلَّمٌ لَكِنْ هَذَا وَقْتٌ حُدِّدَ طَرَفَاهُ وَجُعِلَ وَاجِبًا مُوَسَّعًا بِخِلَافِ الْحَجِّ.
وَلَمَّا تَرَتَّبَ رَمَضَانُ مِنْ بَيْنِ سَائِرِ الشُّهُورِ لِلْأَدَاءِ رُتِّبَ مَا بَعْدَهُ لِلْقَضَاءِ إلَى شَعْبَانَ فِي أَصْلِ الشَّرِيعَةِ مُعَيَّنًا فِي حَقِّ كُلِّ مُكَلَّفٍ بِخِلَافِ الْحَجِّ لَمْ يُعَيَّنْ لَهُ إلَّا مَا كَانَ عَقِيبَ الِاسْتِطَاعَةِ وَهِيَ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ النَّاسِ وَسَنَةُ الْقَضَاءِ لَا تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ النَّاسِ فَهَذَا هُوَ الْفَرْقُ فَإِنْ قُلْتَ مَا ذَكَرْتَهُ لَا يَتِمُّ لِاتِّفَاقِ النَّاسِ عَلَى أَنَّ الْحَجَّ يُوصَفُ بِالْقَضَاءِ مَعَ خُرُوجِهِ عَمَّا ذَكَرْته مِنْ التَّحْدِيدِ فَيَقُولُونَ فِي الْحَجِّ بَعْدَ الْحِجَّةِ الْفَاسِدَةِ قَضَاءٌ وَيَقُولُونَ إنَّ النَّوَافِلَ تُقْضَى وَلَيْسَ لَهَا وَقْتٌ مَحْدُودٌ بِالتَّفْسِيرِ الَّذِي ذَكَرْتَهُ فَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يُقْضَى مَا لَهُ سَبَبٌ وَعِنْدَ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ مَا شُرِعَ فِيهِ مِنْ الطَّاعَاتِ وَأَبْطَلَهُ عَلَى تَفْصِيلٍ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
حُرِّمَتْ لِئَلَّا يَقَعَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ أُمِّهَا التَّبَاغُضُ لَوْ أُبِيحَتْ بِأَنْ يَتَزَوَّجَهَا فَيُوجَدُ نَظَرًا لِلْعَادَةِ فِي مِثْلِ ذَلِكَ سَوَاءٌ كَانَتْ فِي حِجْرِ الزَّوْجِ أَمْ لَا، وَمِنْ حَيْثُ إنَّ مُوَالَاةَ الْمُؤْمِنِ الْكَافِرَ حُرِّمَتْ لِعَدَاوَةِ الْكَافِرِ لَهُ وَهِيَ مَوْجُودَةٌ سَوَاءٌ وَالَى الْمُؤْمِنَ أَمْ لَا، وَقَدْ عَمَّ مَنْ وَالَاهُ وَمَنْ يُوَالِيهِ قَوْله تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ} [المائدة: 57] إلَى قَوْلِهِ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاءَ وَقِيَاسُ الْمَسْكُوتِ الْمُشْتَمِلِ عَلَى عِلَّةِ الْحُكْمِ عَلَى الْمَنْطُوقِ لَا يَمْتَنِعُ؛ إذْ كَيْفَ يَمْتَنِعُ وَهُنَاكَ مَنْ يَقُولُ إنَّ الْمَعْرُوضَ لِلصِّفَةِ وَنَحْوِهَا كَالْغَنَمِ فِي حَدِيثِ «فِي الْغَنَمِ السَّائِمَةِ زَكَاةٌ» يَعُمُّ الْمَسْكُوتَ عَنْهُ كَالْمَعْلُوفَةِ فِي الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ بِدُونِ قِيَاسٍ؛ لِأَنَّ عَارِضَهُ مِنْ الصِّفَةِ وَنَحْوِهَا بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمَسْكُوتِ الْمُشْتَمِلِ عَلَى الْعِلَّةِ كَأَنَّهُ لَمْ يُذْكَرْ.
نَعَمْ الْحَقُّ عَدَمُ الْعُمُومِ لَا سِيَّمَا وَقَدْ ادَّعَى بَعْضُهُمْ الْإِجْمَاعَ عَلَيْهِ وَقَوْلُ إمَامِنَا - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِأَنَّ الْمَعْلُوفَةَ فِيهَا الزَّكَاةُ لَمْ يَكُنْ مِنْ حَيْثُ شُمُولُ الْغَنَمِ لِلْمَعْلُوفَةِ فِي الْحُكْمِ كَمَا قِيلَ بَلْ إمَّا لِكَوْنِ حَدِيثِ «فِي كُلِّ أَرْبَعِينَ شَاةً شَاةٌ» مَنْطُوقًا عَارَضَ مَفْهُومَ حَدِيثِ «فِي الْغَنَمِ السَّائِمَةِ زَكَاةٌ» فَيُقَدَّمُ عَلَيْهِ كَمَا قَالُوا بِالْمِنَّةِ مَنْ قَتَلَ مَنْ لَمْ يَجْنِ جِنَايَةً تُوجِبُ الْقَتْلَ وَلَدًا كَانَ أَوْ غَيْرَ وَلَدٍ لِلْأَدِلَّةِ الدَّالَّةِ عَلَى ذَلِكَ الْمُعَارِضَةِ لِمَفْهُومِ قَوْله تَعَالَى {وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ} [الإسراء: 31] لَا لِكَوْنِهِ غَالِبًا فِي مَجْرَى الْعَادَةِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ فَإِنَّهُمْ كَانُوا لَا يَقْتُلُونَ إلَّا خَوْفَ الْفَقْرِ وَالْفَضِيحَةِ فِي الْبَنَاتِ وَهُوَ الْوَأْدُ الَّذِي صَرَّحَ بِهِ اللَّهُ تَعَالَى بِقَوْلِهِ فِي كِتَابِهِ الْعَزِيزِ {وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ} [التكوير: 8] وَالْوَأْدُ الْقَتْلُ فَإِنَّهُمْ كَانُوا يَدْفِنُونَهُنَّ أَحْيَاءً فَيَمُتْنَ مِنْ غَمِّ التُّرَابِ وَثِقَلِهِ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى {وَلا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ} [البقرة: 255] أَيْ لَا يُثْقِلُهُ وَإِمَّا لِكَوْنِهِ عُمُومًا فِي خُصُوصِ عَيْنِ الْغَنَمِ فَيَتَرَجَّحُ عَلَى حَدِيثِ فِي الْغَنَمِ إلَخْ؛ لِأَنَّهُ عُمُومٌ فِي خُصُوصِ حَالِ الْغَنَمِ لِمَا مَرَّ عَنْ الْإِمَامِ ابْنِ الْعَرَبِيِّ فِي كِتَابِ الْأَحْكَامِ مِنْ أَنَّ حَالَ الْعَيْنِ أَرْجَحُ مِنْ حَالِ الْحَالِ.
وَإِذَا دَلَّ الدَّلِيلُ عَلَى إعْطَاءِ الْمَسْكُوتِ عَنْهُ نَقِيضَ حُكْمِ الْمَنْقُوضِ بِهِ عُمِلَ بِمُقْتَضَاهُ كَمَا فِي نَحْوِ الْغَنَمِ الْمَعْلُوفَةِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ بِعَدَمِ الزَّكَاةِ فِيهَا؛ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ فَتَبْقَى الْمَعْلُوفَةُ الَّتِي لَمْ يَنُصَّ عَلَيْهَا الْأَصْلُ كَمَا سَيَأْتِي وَإِذَا كَانَ الْقَوْلُ بِمَفْهُومِ الْمُخَالَفَةِ بَاطِلًا كَانَ الصَّحِيحُ مُقَابِلَهُ وَهُوَ مَا أَشَارَ لَهُ فِي جَمْعِ الْجَوَامِعِ بِقَوْلِهِ وَأَنْكَرَ أَبُو حَنِيفَةَ الْكُلَّ مُطْلَقًا قَالَ الْمَحَلِّيُّ أَيْ لَمْ يَقُلْ بِشَيْءٍ مِنْ مَفَاهِيمِ الْمُخَالَفَةِ وَإِنْ قَالَ فِي الْمَسْكُوتِ