الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَيَظْهَرُ لَك بِاعْتِبَارِ هَذَا التَّقْرِيرِ أَنَّ التَّقْدِيمَ فِي الصَّلَاةِ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ مِنْ حَيْثُ هُوَ تَقْدِيمٌ فِي الصَّلَاةِ التَّقْدِيمُ فِي الْإِمَامَةِ الْعُظْمَى؛ لِأَنَّ الْإِمَامَةَ الْعُظْمَى مُشْتَمِلَةٌ عَلَى سِيَاسَةِ الْأُمَّةِ وَمَعْرِفَةِ مُعَاقَدِ الشَّرِيعَةِ وَضَبْطِ الْجُيُوشِ وَوِلَايَةِ الْأَكْفَاءِ وَعَزْلِ الضُّعَفَاءِ وَمُكَافَحَةِ الْأَضْدَادِ وَالْأَعْدَاءِ وَتَصْرِيفِ الْأَمْوَالِ وَأَخْذِهَا مِنْ مَظَانِّهَا وَصَرْفِهَا فِي مُسْتَحَقَّاتِهَا إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا هُوَ مَعْرُوفٌ بِالْإِمَامَةِ الْكُبْرَى.
وَعَلَى هَذَا وَرَدَ سُؤَالٌ عَنْ قَوْلِ عُمَرَ لِأَبِي بَكْرٍ رضي الله عنهما فِي أَمْرِ الْإِمَامَةِ رَضِيَك رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِدِينِنَا أَفَلَا نَرْضَاك لِدُنْيَانَا إشَارَةٌ لِتَقْدِيمِهِ فِي الصَّلَاةِ فَجَعَلَ عُمَرُ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
بِهَا فَفِي ذَلِكَ نَظَرٌ، وَالْأَظْهَرُ عِنْدَ التَّأَمُّلِ فِي ذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَجِبُ وُجُوبَ حَتْمٍ تَقْدِيمُ الْأَقْوَمِ بِتِلْكَ الْمَصَالِحِ، بَلْ يَجُوزُ تَقْدِيمُ غَيْرِ الْأَقْوَمِ بِهَا وَتَقْدِيمُ الْأَقْوَمِ أَوْلَى، وَدَلِيلُ ذَلِكَ أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ تِلْكَ الْمَصَالِحِ حَاصِلٌ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّهُ مُتَّصِفٌ بِالْأَهْلِيَّةِ لِذَلِكَ فَلَا وَجْهَ لِتَعَيُّنِ الْأَقْوَمِ إلَّا عَلَى وَجْهِ الْأَوْلَوِيَّةِ خَاصَّةً، وَلَا يَصِحُّ الِاعْتِرَاضُ عَلَى هَذَا بِتَعْيِينِ تَقْدِيمِ النِّسَاءِ عَلَى الرِّجَالِ فِي بَابِ الْحَضَانَةِ فَإِنَّ الرِّجَالَ لَيْسُوا كَالنِّسَاءِ فِي الْقِيَامِ بِمَصَالِحِ أُمُورِ الْحَضَانَةِ فَتَعَيَّنَ تَقْدِيمُهُنَّ عَلَيْهِمْ لِذَلِكَ، وَلَيْسَ الْكَلَامُ فِيمَا هَذَا سَبِيلُهُ، وَإِنَّمَا الْكَلَامُ فِي مِثْلِ رَجُلَيْنِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَهْلِيَّةُ وِلَايَةِ الْقَضَاءِ غَيْرَ أَنَّ أَحَدَهُمَا أَصْلَحُ لَهَا مَعَ أَنَّ الْأَدْنَى صَالِحٌ لَهَا أَيْضًا.
قَالَ: (وَيَظْهَرُ لَك بِاعْتِبَارِ هَذَا التَّقْرِيرِ أَنَّ التَّقْدِيمَ فِي الصَّلَاةِ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ مِنْ حَيْثُ هُوَ تَقْدِيمٌ فِي الصَّلَاةِ التَّقْدِيمُ فِي الْإِمَامَةِ الْعُظْمَى إلَى قَوْلِهِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا هُوَ مَعْرُوفٌ بِالْإِمَامَةِ الْكُبْرَى) . قُلْت: مَا قَالَهُ مِنْ أَنَّ أَهْلِيَّةَ الْقِيَامِ بِإِمَامَةِ الصَّلَاةِ لَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَهْلِيَّةُ الْقِيَامِ بِإِمَامَةِ الْخِلَافَةِ صَحِيحٌ.
قَالَ: (وَعَلَى هَذَا وَرَدَ سُؤَالٌ عَنْ قَوْلِ عُمَرَ لِأَبِي بَكْرٍ رضي الله عنهما فِي أَمْرِ الْإِمَامَةِ رَضِيَك رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِدِينِنَا أَفَلَا نَرْضَاك لِدُنْيَانَا إشَارَةً لِتَقْدِيمِهِ رضي الله عنه فِي الصَّلَاةِ فَجَعَلَ عُمَرُ رضي الله عنه
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
فِيهِ الزَّكَاةُ يُؤَدِّي إلَى تَرْكِ إخْرَاجِ الزَّكَاةِ مَعَ وُجُوبِهَا عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ عَدَمَ التَّعْيِينِ وَكَوْنَ الْأَصْلِ عَدَمُ وُقُوعِهِ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ حُجَّةً لِلْمُكَلَّفِ وَعُذْرًا عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى هَذَا هُوَ ضَابِطُ مَا يَجِبُ الْفَحْصُ عَنْهُ مِنْ الْأَسْبَابِ وَالشُّرُوطِ، وَضَابِطُ مَا لَا يَجِبُ الْفَحْصُ عَنْهُ مِنْ ذَلِكَ فَاعْلَمْهُ وَاعْتَمِدْ عَلَيْهِ وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ
[الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْأَفْضَلِيَّةِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الْمَزِيَّةِ وَالْخَاصِّيَّةِ]
الْفَرْقُ الْحَادِي وَالتِّسْعُونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْأَفْضَلِيَّةِ وَبَيْن قَاعِدَةِ الْمَزِيَّةِ وَالْخَاصِّيَّةِ)
وَذَلِكَ أَنَّ الْقَاعِدَةَ أَنَّ الْمَفْضُولَ يَجُوزُ أَنْ يَخْتَصَّ بِخَصْلَةٍ لَيْسَتْ فِي الْمَجْمُوعِ الْحَاصِلِ لِلْفَاضِلِ مِنْ الْفَضَائِلِ، وَحِينَئِذٍ فَقَاعِدَةُ الْأَفْضَلِيَّةِ أَنْ يَكُونَ الْمَجْمُوعُ الْحَاصِلُ لِلْفَاضِلِ مِنْ الْفَضَائِلِ دُونَ الْمَجْمُوعِ الْحَاصِلِ لِلْمَفْضُولِ، وَقَاعِدَةُ الْمَزِيَّةِ وَالْخَاصِّيَّةِ أَنْ يَخْتَصَّ الْمَفْضُولُ بِخَصْلَةٍ لَمْ تَحْصُلْ فِي مَجْمُوعِ الْفَاضِلِ، وَمَنْ اسْتَقْرَى ذَلِكَ فِي الْمَخْلُوقَاتِ وَجَدَ لَهُ أَمْثِلَةً كَثِيرَةً مِنْهَا مَا وَرَدَ فِي الصَّحِيحِ عَنْ النَّبِيِّ عليه الصلاة والسلام أَنَّهُ قَالَ «إذَا أَذَّنَ الْمُؤَذِّنُ وَلَّى الشَّيْطَانُ وَلَهُ ضُرَاطٌ فَإِذَا فَرَغَ الْمُؤَذِّنُ مِنْ الْأَذَانِ أَقْبَلَ فَإِذَا أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ أَدْبَرَ فَإِذَا أَحْرَمَ الْعَبْدُ بِالصَّلَاةِ جَاءَهُ الشَّيْطَانُ فَيَقُولُ لَهُ اُذْكُرْ كَذَا اُذْكُرْ كَذَا حَتَّى يَضِلَّ الرَّجُلُ فَلَا يَدْرِي كَمْ صَلَّى» ، فَحَصَلَ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ الشَّيْطَانَ يَنْفِرُ مِنْ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ وَلَا يَنْفِرُ مِنْ الصَّلَاةِ، وَأَنَّهُ لَا يَهَابُهَا وَيَهَابُهُمَا مَعَ أَنَّهُمَا وَسِيلَتَانِ إلَيْهَا، وَالْوَسَائِلُ أَخْفَضُ رُتْبَةً مِنْ الْمَقَاصِدِ، وَأَيْضًا أَيْنَ هِيَ مِنْهُمَا وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ «أَفْضَلُ أَعْمَالِكُمْ الصَّلَاةُ» وَكَتَبَ عُمَرُ رضي الله عنه إلَى عُمَّالِهِ أَنَّ أَهَمَّ أُمُورِكُمْ عِنْدِي الصَّلَاةُ كَمَا جَاءَ فِي الْأَثَرِ
وَمِنْهَا مَا وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ عَنْ النَّبِيِّ عليه السلام أَنَّهُ قَالَ «أَقْرَؤُكُمْ أُبَيٌّ وَأَفْرَضُكُمْ زَيْدٌ وَأَعْلَمُكُمْ بِالْحَلَالِ وَالْحَرَامِ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ وَأَقْضَاكُمْ عَلِيٌّ» إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا وَرَدَ فِي فَضْلِ الصَّحَابَةِ مَعَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ رضي الله عنه أَفْضَلُ مِنْ الْجَمِيعِ وَعَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ أَفْضَلُ مِنْ أُبَيٍّ وَزَيْدٍ، وَمَعَ ذَلِكَ فَقَدْ فَضَلَاهُ فِي الْفَرَائِضِ وَالْقِرَاءَةِ، وَمَا سَبَبُ ذَلِكَ إلَّا أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَحْصُلَ لِلْمَفْضُولِ مَا لَمْ يَحْصُلْ لِلْفَاضِلِ
وَمِنْهَا «قَوْلُهُ عليه السلام لِعُمَرَ مَا سَلَكَ عُمَرُ وَادِيًا وَلَا فَجًّا إلَّا سَلَكَ الشَّيْطَانُ فَجًّا غَيْرَهُ» فَأَخْبَرَهُ عليه السلام أَنَّ الشَّيْطَانَ يَنْفِرُ مِنْ عُمَرَ وَلَا يُلَابِسُهُ، وَأَخْبَرَ عَنْ نَفْسِهِ «عليه السلام أَنَّهُ قَدْ تَفَلَّتَ عَلَيَّ الشَّيْطَانُ الْبَارِحَةَ لِيُفْسِدَ عَلَيَّ صَلَاتِي فَلَوْلَا أَنِّي تَذَكَّرْتُ دَعْوَةَ أَخِي سُلَيْمَانَ لَرَبَطْته بِسَارِيَةٍ مِنْ سِوَارِي الْمَسْجِدِ حَتَّى يَلْعَبَ بِهِ صِبْيَانُ الْمَدِينَةِ» ، وَفِي حَدِيثِ الْإِسْرَاءِ «أَنَّ شَيْطَانًا قَصَدَهُ عليه السلام بِشُعْلَةٍ مِنْ نَارٍ فَأَمَرَهُ جِبْرِيلُ عليه السلام بِالتَّعَوُّذِ مِنْهُ فَلَمْ يَنْفِرْ الشَّيْطَانُ مِنْهُ عليه السلام كَمَا نَفَرَ مِنْ عُمَرَ وَأَيْنَ عُمَرُ مِنْهُ عليه السلام» غَيْرَ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَحْصُلَ لِلْمَفْضُولِ مَا لَا يَحْصُلُ لِلْفَاضِلِ.
وَمِنْهَا أَنَّ الْأَنْبِيَاءَ - صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ - أَفْضَلُ مِنْ الْمَلَائِكَةِ عَلَى الصَّحِيحِ، وَقَدْ حَصَلَ لِلْمَلَائِكَةِ الْمُوَاظَبَةُ عَلَى الْعِبَادَةِ مَعَ جَمِيعِ الْأَنْفَاسِ يُلْهَمُ أَحَدُهُمْ التَّسْبِيحَ كَمَا يُلْهَمُ أَحَدُنَا النَّفَسَ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْفَضَائِلِ وَالْمَزَايَا الَّتِي لَمْ تَحْصُلْ لِلْبَشَرِ، وَمَعَ ذَلِكَ فَالْأَنْبِيَاءُ أَفْضَلُ مِنْهُمْ؛ لِأَنَّ الْمَجْمُوعَ الْحَاصِلَ لِلْأَنْبِيَاءِ مِنْ الْمَزَايَا وَالْمَحَاسِنِ أَعْظَمُ مِنْ الْمَجْمُوعِ الْحَاصِلِ لِلْمَلَائِكَةِ وَمِنْهَا مَا مَرَّ عَنْ الْإِمَامِ مَالِكٍ مِنْ أَنَّ الْمَدِينَةَ أَفْضَلُ مِنْ مَكَّةَ، وَإِنْ كَانَ الْعَمَلُ فِي مَكَّةَ أَكْثَرَ مِنْ الْعَمَلِ فِيهَا؛ لِأَنَّ أَسْبَابَ التَّفْضِيلِ لَا تَنْحَصِرُ فِي مَزِيدِ الْمُضَاعَفَةِ
ذَلِكَ دَلِيلًا عَلَى تَقْدِيمِهِ رضي الله عنه لِلْإِمَامَةِ وَهَذَا فِي ظَاهِرِ الْحَالِ لَا يَسْتَقِيمُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ التَّقْدِيمِ فِي الصَّلَاةِ التَّقْدِيمُ فِي الْخِلَافَةِ.
وَالْجَوَابُ عَنْ هَذَا السُّؤَالِ مِنْ وُجُوهٍ الْأَوَّلُ مَا ذَكَرَهُ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ وَهُوَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَعْلَمُ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ هُوَ الْمُتَعَيِّنُ لِلْخِلَافَةِ، وَلَمْ يُمْكِنْ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ مِنْ قِبَلِ نَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ عليه السلام يَتَّبِعُ مَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ، وَمَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ شَيْءٌ يُعْتَمَدُ عَلَيْهِ فَعِنْدَ ذَلِكَ، وُكِّلَ الْأَمْرُ فِيهِ إلَى الِاجْتِهَادِ فَكَانَ عليه السلام يُشِيرُ إلَى خِلَافَتِهِ بِالْإِيمَاءِ وَأَنْوَاعِ التَّكْرِيمِ وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِ بِمَحَاسِنِهِ الَّتِي تُوجِبُ تَقْدِيمَهُ فَمِنْ ذَلِكَ تَقْدِيمُهُ عليه السلام فِي الصَّلَاةِ «وَقَوْلُهُ عليه السلام فِي مَرَضِ مَوْتِهِ يَأْبَى اللَّهُ وَالْمُسْلِمُونَ إلَّا أَبَا بَكْرٍ» مُشِيرًا بِذَلِكَ إلَى أَنَّ مَنْ كَانَ مُتَعَيِّنًا لِلْخِلَافَةِ كَيْفَ يَتَقَدَّمُ عَلَيْهِ غَيْرُهُ لِلصَّلَاةِ فَمُرَادُ عُمَرَ رضي الله عنه أَنَّك رَضِيَك النَّبِيُّ عليه السلام لِدِينِنَا الرِّضَا الْخَاصَّ الَّذِي تَقَدَّمَ تَفْسِيرُهُ فَيَتَعَيَّنُ عَلَيْنَا أَنْ نَرْضَاك لِلْخِلَافَةِ.
وَلَيْسَ الْمُرَادُ مُطْلَقَ الرِّضَا بِحَيْثُ يَقْتَصِرُ عَلَى أَهْلِيَّتِهِ لِلْإِمَامَةِ فِي الصَّلَاةِ خَاصَّةً الثَّانِي أَنَّ عُمَرَ رضي الله عنه قَصَدَ بِذَلِكَ تَسْكِينَ الثَّائِرَةِ وَالْفِتْنَةِ وَرَدْعَ الْأَهْوَاءِ بِذِكْرِ حُجَّةٍ ظَاهِرَةٍ لِيَسْكُنَ لَهَا أَكْثَرُ النَّاسِ فَيَنْدَفِعَ الْفَسَادُ.
وَثَالِثُهَا أَنْ يُجْعَلَ قَوْلُ عُمَرَ رَضِيَك النَّبِيُّ عليه السلام لِدِينِنَا عَلَى ظَاهِرِهِ وَتُجْعَلَ الْإِضَافَةُ عَلَى بَابِهَا مُوجِبَةً لِلْعُمُومِ كَمَا تَقَرَّرَ أَنَّهُ هُوَ اللُّغَةُ عِنْدَ الْأُصُولِيِّينَ فَجَعَلُوهَا مِنْ صِيَغِ الْعُمُومِ لُغَةً، وَمِنْهُ قَوْلُهُ عليه السلام «هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ الْحِلُّ مَيْتَتُهُ» فَكَانَ ذَلِكَ عَامًّا فِي جَمِيعِ مَاءِ الْبَحْرِ وَمَيْتَتِهِ بِسَبَبِ الْإِضَافَةِ فَفَهِمَ عُمَرُ مِنْ إشَارَتِهِ عليه السلام أَنَّ الصِّدِّيقَ مَرْضِيٌّ لِجَمِيعِ حُرُمَاتِ الدِّينِ وَمِنْ جُمْلَةِ ذَلِكَ أَحْوَالُ الْأُمَّةِ وَالنَّظَرُ فِي مَصَالِحِ الْمِلَّةِ فَإِنَّهُ مِنْ أَعَمِّ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
ذَلِكَ دَلِيلًا عَلَى تَقْدِيمِهِ لِلْإِمَامَةِ، وَهَذَا فِي ظَاهِرِ الْحَالِ لَا يَسْتَقِيمُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ التَّقْدِيمِ فِي الصَّلَاةِ التَّقْدِيمُ فِي الْخِلَافَةِ، وَالْجَوَابُ عَنْ هَذَا السُّؤَالِ مِنْ وُجُوهٍ إلَى مُنْتَهَى قَوْلِهِ
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
فَالصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ بِمِنًى عِنْدَ التَّوَجُّهِ لِعَرَفَةَ أَفْضَلُ مِنْهَا بِمَسْجِدِ مَكَّةَ وَإِنْ انْتَفَتْ عَنْهَا الْمُضَاعَفَةُ، وَمِنْهَا أَنَّ فِي الشَّعِيرِ مِنْ الْخَوَاصِّ الطَّيِّبَةِ مَا لَيْسَ فِي الْبُرِّ وَفِي الْخَوَاصِّ النَّافِعَةِ بِالْحَالِ وَغَيْرِهَا مَا لَيْسَ فِي الذَّهَبِ، وَمِنْهَا أَنَّهُ قَدْ يَكُونُ فِي الْمَدِينَةِ فَقِيرٌ عِنْدَهُ ابْنَةٌ حَسْنَاءُ أَوْ تُحْفَةٌ غَرِيبَةٌ لَيْسَتْ عِنْدَ مَلِكِهَا، وَمَجْمُوعُ مَا حَصَلَ لِلْمَلِكِ قَدْرُ مَا حَصَلَ لِذَلِكَ الْفَقِيرِ أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً وَبِالْجُمْلَةِ فَبِسَبَبِ قَاعِدَةِ أَنَّ الْمَفْضُولَ يَجُوزُ أَنْ يَخْتَصَّ بِمَا لَيْسَ لِلْفَاضِلِ ظَهَرَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْقَاعِدَتَيْنِ وَانْدَفَعَ التَّنَاقُصُ فِي مِثْلِ كَوْنِ الصَّلَاةِ أَفْضَلَ مِنْ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ، وَقَدْ جَعَلَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُمَا أَنَّ الشَّيْطَانَ يَنْفِرُ مِنْهُمَا دُونَهُمَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(فَائِدَةٌ) ذَكَرَ الشَّيْخُ أَحْمَدُ بْنُ أَحْمَدَ بَابَا التنبكتي فِي نَيْلِ الِابْتِهَاجِ آخِرَ تَرْجَمَةِ الْإِمَامِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْعَبْدُوسِيِّ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الرَّصَّاعِ أَنَّ صَاحِبَ التَّرْجَمَةِ كَانَ يَقُولُ فِي مَجْلِسِهِ بِجَامِعِ الْقَصْرِ مِنْ تُونُسَ مِمَّا جُرِّبَ لِتَسْهِيلِ الرِّزْقِ وَالْأَمَانِ وَالتَّحَصُّنِ مِنْ آفَاتِ الزَّمَانِ أَنْ تَكْتُبَ فِي وَرَقَةٍ، وَيُجْعَلَ عَلَى الرَّأْسِ مَنَاقِبَ السَّادَاتِ الْكِرَامِ مِنْ الصَّحَابَةِ جَمَعَهُمْ مِنْ كُتُبٍ عَدِيدَةٍ أَثْنَى عَلَيْهِمْ سَيِّدُ الْمُرْسَلِينَ صلى الله عليه وسلم قَالَ الرَّصَّاعُ: وَقَدْ قَيَّدْتهَا قَدِيمًا وَوَجَدْت لَهَا بَرَكَاتٍ فِي جَمِيعِ الْحَالَاتِ.
قَالَ رضي الله عنه وَهِيَ قَالَ صلى الله عليه وسلم «مَنْ أَحَبَّ أَبَا بَكْرٍ فَقَدْ أَقَامَ الدِّينَ وَمَنْ أَحَبَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ فَقَدْ أَوْضَحَ السَّبِيلَ وَمَنْ أَحَبَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ فَقَدْ اسْتَضَاءَ بِنُورِ اللَّهِ وَمَنْ أَحَبَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ فَقَدْ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى أَلَا وَإِنَّ أَرْأَفَ أُمَّتِي بِأُمَّتِي أَبُو بَكْرٍ وَإِنَّ أَقْوَاهُمْ صَلَابَةً فِي دِينِ اللَّهِ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَإِنَّ أَشَدَّهُمْ حَيَاءً عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ وَإِنَّ أَقْضَاهُمْ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَلِكُلِّ نَبِيٍّ حَوَارِيٌّ وَحَوَارِيِّي الزُّبَيْرُ وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَنْظُرَ إلَى شَهِيدٍ يَمْشِي عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ فَلْيَنْظُرْ إلَى طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ وَسَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ مِنْ أَحْبَابِ الرَّحْمَنِ وَسَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ يَدُورُ مَعَ الْحَقِّ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ تَاجِرُ اللَّهِ وَأَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ أَمِينُ اللَّهِ وَمَا أَقَلَّتْ الْغَبْرَاءُ وَلَا أَظَلَّتْ الْخَضْرَاءُ أَصْدَقَ لَهْجَةً مِنْ أَبِي ذَرٍّ. وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَنْظُرَ إلَى زُهْدِ عِيسَى فَلْيَنْظُرْ إلَى زُهْدِ أَبِي ذَرٍّ وَإِنَّ اللَّهَ لَيَرْضَى لِرِضَا سَلْمَانَ وَيَسْخَطُ لِسُخْطِ سَلْمَانَ وَإِنَّ الْجَنَّةَ لَتَشْتَاقُ إلَى سَلْمَانَ أَشَدَّ مِنْ اشْتِيَاقِ سَلْمَانَ إلَى الْجَنَّةِ وَلِكُلِّ أُمَّةٍ حَلِيمٌ وَحَلِيمُ هَذِهِ الْأُمَّةِ أَبُو هُرَيْرَةَ وَحُذَيْفَةُ بْنُ الْيَمَانِ مِنْ أَصْفِيَاءِ الرَّحْمَنِ وَإِنَّ أَعْلَمَ النَّاسِ بِالْحَلَالِ وَالْحَرَامِ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ وَإِنَّ أَعْلَمَ النَّاسِ بِالْفَرَائِضِ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ وَإِنَّ أَقْرَأَ أُمَّتِي أُبَيّ بْنُ كَعْبٍ وَحَمْزَةُ أَسَدُ اللَّهِ وَأَسَدُ رَسُولِهِ. وَخَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ سَيْفُ اللَّهِ وَسَيْفُ رَسُولِهِ وَجَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ ذُو الْجَنَاحَيْنِ فِي الْجَنَّةِ يَطِيرُ بِهِمَا فِيهَا حَيْثُ يَشَاءُ وَالْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ سَيِّدَا شَبَابِ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَأَبُوهُمَا خَيْرٌ مِنْهُمَا وَالْعَبَّاسُ عَمِّي وَصِنْوُ أَبِي وَرَضِيت لِأُمَّتِي مَا رَضِيَ لَهَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ وَصَوْتُ أَبِي طَلْحَةَ فِي الْجَيْشِ خَيْرٌ مِنْ مِائَةٍ أَوْ خَيْرٌ مِنْ فِئَةٍ وَلِكُلِّ نَبِيٍّ خَادِمٌ وَخَادِمِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ وَلِكُلِّ نَبِيٍّ خَلِيلٌ وَخَلِيلِي سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ وَلِكُلِّ أُمَّةٍ فَارِسٌ وَفَارِسُ الْقُرْآنِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْعَبَّاسِ وَأَوَّلُ مَنْ يَقْرَعُ بَابَ الْجَنَّةِ بِلَالٌ وَإِنَّ أَوَّلَ مَنْ يَأْكُلُ مِنْ ثِمَارِهَا أَبُو الدَّحْدَاحِ وَإِنَّ أَوَّلَ مَنْ تُصَافِحُهُ الْمَلَائِكَةُ أَبُو الدَّرْدَاءِ وَإِنَّ أَوَّلَ مَنْ يَرِدُ حَوْضِي صُهَيْبُ بْنُ سِنَانٍ وَالْمِقْدَادُ بْنُ الْأَسْوَدِ مِنْ الْمُجْتَهِدِينَ وَعَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ مِنْ الصِّدِّيقِينَ