الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
{برق الْبَصَر} : تحير فَزعًا
{برزت الْجَحِيم} : أظهرت
{بحيرة} : هِيَ النَّاقة الَّتِي إِذا انتجت خَمْسَة أبطن، نظرُوا إِلَى الْخَامِس، فَإِن كَانَ ذكرا ذبحوه فَأَكله الرِّجَال دون النِّسَاء، وَإِن كَانَت إنثى جدعوا آذانها هَكَذَا فِي الْجَاهِلِيَّة
{الباد} : من أهل البدو
{بلَاء} : نعْمَة وَاخْتِيَار ومكروه
{باشروهن} : جامعوهن
{بَيْنكُم} : وصلكم
{شَرّ الْبَريَّة} : أَي الْخَلِيفَة
{وَلما برزوا} : أَي ظَهَرُوا ودنوا
{لَهُم الْبُشْرَى فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا} : عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم هَذِه الرُّؤْيَا الصَّالِحَة يَرَاهَا الْمُسلم أَو يرى لَهُ فَهِيَ بشراه فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا، وبشراه فِي الْآخِرَة الْجنَّة
{بَالِغَة} : متناهية
{من بَاقِيَة} : من بَقِيَّة، أَو نفس بَاقِيَة، أَو بَقَاء
{لمن دخل بَيْتِي} : منزلي أَو مَسْجِدي أَو سفينتي
{حَتَّى تأتيهم الْبَيِّنَة} : الرَّسُول أَو الْقُرْآن
{والبلد الطّيب} : الأَرْض الْكَرِيمَة التربة
{فَمَا بلغت رسَالَته} : فَمَا أدّيت شَيْئا مِنْهَا أَن لم تبلغ جَمِيع مَا أمرت بِهِ مِمَّا يتَعَلَّق بِهِ مصَالح الْعباد وَقصد اطلاعهم عَلَيْهِ
{بِبَابِل} : هُوَ بلد من سَواد الْكُوفَة
{على أَن نسوي بنانه} : نجمع سلامياته ونضم بَعْضهَا إِلَى بعض
{بكة} : مَكَان الْبَيْت الشريف؛ وَمَكَّة: سَائِر الْبَلَد، سميت بطن مَكَّة بكة لأَنهم يتبكون فِيهَا أَي يزدحمون؛ وَسميت مَكَّة لاجتذابها النَّاس من كل أفق، من (أمتك الفصيل مَا فِي ضرع النَّاقة) : أَي استقصى فَلم يدع مِنْهُ شَيْئا)
(فصل التَّاء)
[التَّسْبِيح] : كل تَسْبِيح فِي الْقُرْآن فَهُوَ الصَّلَاة
والتزكي: الْإِسْلَام
[التَّهْلُكَة] : كل شَيْء تصير عاقبته إِلَى الْهَلَاك فَهُوَ تهلكة
[تُسنم] : كل شَيْء علا فقد تُسنم
[التباشير] : تباشير كل شَيْء أَوَائِله
[التفعال] : كل مَا ورد عَن الْعَرَب من المصادر على (تفعال) فَهُوَ بِالْفَتْح ك (التّكْرَار) و (الترداد) ، إِلَّا لفظين هما (تبيان) و (تِلْقَاء)[بِالْكَسْرِ شَاذ]
وَمَا عدا ذَلِك من أَسمَاء الْأَجْنَاس نَحْو: (بتمثال) و (تمساح) و (تقصار)[فَهُوَ بِالْكَسْرِ]
التَّاء: هِيَ تَجِيء لمعان كلهَا رَاجع إِلَى التَّأْنِيث
وتاء الْجمع، وَإِن لم تكن لمحض التَّأْنِيث على مَا هُوَ الْمُعْتَبر فِي منع الصّرْف، لَكِنَّهَا للتأنيث فِي الْجُمْلَة
وَدخُول التَّاء التَّأْنِيث فِي الْجمع إِمَّا للدلالة على النِّسْبَة ك (مهالبة) أَو على العجمة ك (جواربه) و (موازجة) وَتَكون عوضا عَن حرف مَحْذُوف كَمَا فِي (العبادلة) و (الزَّنَادِقَة)
وَإِذا كَانَت علما للمذكر الْعَاقِل فَلَا يعْتَبر تأنيثه فِي غير منع الصّرْف فَيرجع إِلَيْهِ ضمير الْمُذكر تَقول: (طَلْحَة قَائِم أَبوهُ) وَأما إِذا كَانَت علما لغيره فَيعْتَبر تأنيثه
وَتَكون للنَّقْل من الوصيفة إِلَى الإسمية، كَمَا فِي (الْحَقِيقَة) ؛ فَإِن اللَّفْظ إِذا صَار اسْما لغَلَبَة الِاسْتِعْمَال بعد مَا كَانَ وَصفا، كَانَ اسميته فرعا لوصفيته، فَيُشبه الْمُؤَنَّث لِأَن الْمُؤَنَّث فرع الْمُذكر، فتجعل التَّاء عَلامَة للفرعية
وَتَكون لتمييز الْوَاحِد من الْجِنْس نَحْو: (التمرة) ؛ وَمن الْجمع نَحْو: (التُّخمَة)
ولتأكيد الصّفة وَالْمُبَالغَة نَحْو: (عَلامَة)
ولتأكيد الْجمع نَحْو: (مَلَائِكَة) وَتَكون فِي أول الْكَلِمَة للقسم، وَهِي للمخاطب فِي الْفِعْل الْمُسْتَقْبل، وللتأنيث أَيْضا؛ وَفِي آخر الْكَلِمَة إِمَّا زَائِدَة للتأنيث فَتَصِير فِي الْوَقْف هَاء نَحْو:(قَائِمَة) أَو ثَابِتَة فِي الْوَقْف والوصل نَحْو: (أُخْت) و (بنت)
أَو تكون للْجمع مَعَ الْألف نَحْو: (مسلمات)
وَتَكون فِي آخر الْفِعْل الْمَاضِي لضمير الْمخبر مَضْمُومَة، وللمخاطب مَفْتُوحَة، ولضمير المخاطبة مَكْسُورَة
وتاء الْوحدَة: إِذا دخلت على ذَات الْأَفْرَاد يُرَاد فَرد مِنْهَا؛ وَإِذا دخلت على ذَات الْأَجْزَاء يُرَاد بعض مِنْهَا
وتاء التَّأْنِيث إِنَّمَا تكون فِي الْعَرَبِيّ لَا فِي اسْم اعجمي ك (التَّوْرَاة)
وتحذف التَّاء فِي الخماسي على (فعائل) ك (عناكب)
وَالتَّاء فِي مثل: (الْمعرفَة) و (النكرَة) و (الصّفة) و (الرسَالَة) و (الْمُقدمَة) من نفس الْكَلِمَة وَالْوَقْف عَلَيْهَا، وَكَونهَا صفة للمؤنث بِاعْتِبَار وجود التَّاء
وَقد يعبر عَن التَّاء فِي مثل (الْخَلِيفَة) بِالْهَاءِ لكَونهَا فِي صُورَة الْهَاء خطا، وَتصير فِي الْوَقْف هَاء
وتاء التَّأْنِيث المتحركة مُخْتَصَّة بِالِاسْمِ، والساكنة تلْحق الْفِعْل الْمَاضِي
قَالَ سِيبَوَيْهٍ: تَاء التَّأْنِيث تدخل على المصادر الْمُجَرَّدَة وَذَوَات الزَّوَائِد دُخُولا مضطردا فَهِيَ تدل على الْمرة الْوَاحِدَة
وَيكون مَا قبل تَاء التَّأْنِيث مَفْتُوحًا كالميم فِي
(فَاطِمَة) وَالرَّاء فِي (شَجَرَة) ، إِلَّا أَن يكون ألفا ك (قطاة) و (قناة) ؛ وَلما كَانَ مَا قبل التَّاء فِي (بنت) و (أُخْت) سَاكِنا وَلَيْسَ بِأَلف دلّ على أَن التَّاء فيهمَا أَصْلِيَّة
وَالتَّاء تكْتب طَويلا فِي الجموع وقصيرا فِي الْمُفْردَات؛ هَذَا فِي الْأَسْمَاء، وَأما فِي الْأَفْعَال فَلَا تكْتب إِلَّا طَويلا
التَّعْلِيق: هُوَ مَأْخُوذ من قَوْلهم: (امْرَأَة معلقَة) أَي: مفقودة الزَّوْج، فَتكون كالشيء الْمُعَلق، لَا مَعَ الزَّوْج لفقدانه، وَلَا بِلَا زوج لتجويزها وجوده فَلَا تقدر على التَّزَوُّج
وَالتَّعْلِيق: ربط حُصُول مَضْمُون جملَة بِحُصُول مَضْمُون جملَة أُخْرَى
وَالشّرط: تَعْلِيق حُصُول مَضْمُون جملَة بِحُصُول مَضْمُون جملَة أُخْرَى
وَشرط صِحَة التَّعْلِيق كَون الشَّرْط مَعْدُوما على خطر الْوُجُود؛ فالتعليق بكائن تَنْجِيز، وبالمستحيل بَاطِل
[ووظيفة التَّعْلِيق هِيَ أَن يكون الشَّيْء الَّذِي سيوجد بَدَلا عَن ضِدّه، لَا أَن يكون المُرَاد حَال اجتماعه مَعَ ضِدّه، كَقَوْلِك: (إِن دخلت الدَّار فَأَنت طَالِق) مَعْنَاهُ: إِن باشرت الدُّخُول بَدَلا عَن الْخُرُوج، كَقَوْلِك: إِن باشرت الدُّخُول حَالَة الْخُرُوج، وَكَذَا فِي كل تَعْلِيق]
وَالتَّعْلِيق النَّحْوِيّ: هُوَ أَن تقع الْجُمْلَة موقع المفعولين مَعًا وَأما التَّعْلِيق عَن أحد المفعولين فَفِيهِ خلاف؛ وَفِي الرضي: إِذا صدر الْمَفْعُول الثَّانِي بِكَلِمَة الِاسْتِفْهَام فَالْأولى أَن يعلق فعل الْقلب عَنهُ دون الْمَفْعُول الأول نَحْو: (علمت زيدا من هُوَ) وَجوز بَعضهم تَعْلِيقه عَن المفعولين، لِأَن معنى الِاسْتِفْهَام يعم الْجُمْلَة الَّتِي بعد (علمت) كَأَنَّهُ قيل:(علمت من زيد) وَلَيْسَ بِقَوي
وَالتَّعْلِيق: إبِْطَال عمل الْعَامِل لفظا لَا تَقْديرا على سَبِيل الْوُجُوب
والإلغاء: إبِْطَال ذَلِك لفظا وتقديرا على سَبِيل الْجَوَاز؛ وإلغاء الْعَمَل بِالتَّعْلِيقِ لَا يكون إِلَّا فِي أَفعَال الْقُلُوب وَأما قَوْله تَعَالَى: {ليَبْلُوكُمْ أَيّكُم أحسن عملا} فَالْقِيَاس: (أَيّكُم) بِفَتْح الْيَاء، وَإِنَّمَا علق فعل الْبلوى لما فِيهِ من معنى الْعلم من حَيْثُ إِنَّه طَرِيق إِلَيْهِ، كالنظر وَالِاسْتِمَاع، فَإِنَّهُمَا طَرِيقَانِ إِلَى الْعلم فتقدير الْكَلَام:(ليَبْلُوكُمْ فَيعلم أَيّكُم أحسن عملا) فَوجدَ شَرط التَّعْلِيق، وَهُوَ عدم ذكر شَيْء من مفعوليه قبل الْجُمْلَة
والإلغاء لَا يجوز إِلَّا بِشَرْط التَّوَسُّط وَالتَّأْخِير وَأَن لَا يتَعَدَّى إِلَى مصدره، وَأَن يكون قلبيا، وَالتَّعْلِيق يكون فِي ذَلِك وَفِي أشباهه
وَالتَّعْلِيق يكون مَعَ لَام الِابْتِدَاء نَحْو: (علمت لزيد قَائِم) وَمَعَ (مَا) النافية نَحْو (علمت مَا زيد ذَاهِب) وَمَعَ الِاسْتِفْهَام سَوَاء كَانَ مَعَ الْهمزَة أَو أَسمَاء الِاسْتِفْهَام نَحْو: (علمت أَزِيد أفضل أم عَمْرو)
والإلغاء فِي اللَّفْظ وَالْمعْنَى مثل (لَا) فِي {لِئَلَّا يعلم أهل الْكتاب} ؛ وَفِي اللَّفْظ دون الْمَعْنى نَحْو: (كَانَ) فِي (مَا كَانَ أحسن زيدا) ؛ وَفِي الْمَعْنى دون اللَّفْظ، وَذَلِكَ حُرُوف الْجَرّ الزَّوَائِد نَحْو:{كفى بِاللَّه شَهِيدا}
وَالْفِعْل الْمُعَلق مَمْنُوع من الْعَمَل لفظا عَامل معنى وتقديرا، لِأَن معنى (علمت لزيد قَائِم) علمت قيام زيد، كَمَا كَانَ كَذَلِك عِنْد انتصاب الجزأين
التكوين: هُوَ صفة يَتَأَتَّى بهَا إِيجَاد كل مُمكن وإعدامه على وفْق الْإِرَادَة
وَالْقُدْرَة: صفة يَتَأَتَّى بهَا كَون الْجَائِز مُمكن الْوُجُود من الْفَاعِل
والتكوين: من صِفَات الْمعَانِي، لِأَن الله تَعَالَى وصف ذَاته فِي كَلَامه الأزلي بِأَنَّهُ خَالق، فَلَو لم يكن فِي الْأَزَل خَالِقًا لزم الْكَذِب أَو الْعُدُول إِلَى الْمجَاز من غير تعذر الْحَقِيقَة هَذَا عِنْد الماتريدية فعلى هَذَا: المكون مفعول، وَأَنه حَادث بإحداث الله لوقت وجوده
[وَلَا يلْزم الْعَبَث فِي أزلية الْإِخْبَار لِأَن إِخْبَار الله وَاجِب الْبَقَاء فَيبقى إِلَى وجود المخاطبين، بِخِلَاف كَلَام الْعباد فانه عرض لَا بَقَاء لَهُ]
وَقَالَ الْمُحَقِّقُونَ من الْمُتَكَلِّمين: إِن الصّفة الْمُسَمَّاة بالتكوين والتخليق لَو كَانَت مُؤثرَة فِي وُقُوع الْمَخْلُوق فَذَلِك التَّأْثِير فِيهِ إِمَّا على سَبِيل الصِّحَّة، وَهُوَ الْمُسَمّى عندنَا بِالْقُدْرَةِ، فَالْخِلَاف لَفْظِي، أَو على سَبِيل اللُّزُوم وَالْوُجُوب، وَهُوَ قَول الفلاسفة، ونقيض القَوْل لكَونه قَادِرًا، بل التكوين من الإضافات والاعتبارات الْعَقْلِيَّة، مثل كَونه تَعَالَى قبل كل شَيْء وَمَعَهُ وَبعده ومذكورا بألسنتنا ومعبودا لنا ومحييا ومميتا وَنَحْو ذَلِك
وَالْحَاصِل فِي الْأَزَل هُوَ مبدأ التخليق والترزيق والإحياء والإماتة وَنَحْوهَا فالتكوين عِنْدهم عين المكون، فَيكون الْإِيجَاب عين الْوَاجِب، وَالْحكم عين الْمَحْكُوم، والإحداث عين الْمُحدث، وَلَا دَلِيل على كَونه صفة أُخْرَى سوى الْقُدْرَة والإرادة
[وَهَذَا الْخلاف بَين الأشاعرة والماتريدية مَبْنِيّ على الْخلاف فِي أَن الِاسْم هَل هُوَ مُشْتَرك بَين الدَّال والمدلول كَمَا هُوَ عِنْد جُمْهُور الماتريدية أم لَا كَمَا هُوَ عِنْد الْأَشْعَرِيّ وَجُمْهُور أَصْحَابه وَثَمَرَة الْخلاف تظهر فِي أَن مَدْلُول جَمِيع الْأَسْمَاء الإلهية من الصِّفَات السلبيات والإضافيات وَالصِّفَات الثبوتيات والمتشابهات ثَابت الاتصاف فِي الْأَزَل وَفِيمَا لَا يزَال عندنَا، فَيكون من قبيل إِطْلَاق الْمُشْتَقّ على الشَّيْء من غير أَن يكون مَأْخَذ الِاشْتِقَاق وصف قَائِما بِذَاتِهِ تَعَالَى وَأما عِنْد جُمْهُور الأشاعرة فمدلول الِاسْم الْمُشْتَقّ من صفة أزلية كالقادر والعالم أزلي، ومدلول الِاسْم الْمُشْتَقّ من الْفِعْل لَيْسَ بأزلي، سَوَاء كَانَ مشتقا من فعله تَعَالَى كالخالق والرازق لعدم أزلية صِفَات الْأَفْعَال عِنْدهم، أَو كَانَ مشتقا من فعل غَيره كالمعبود والمشكور، فالقسمان ليسَا بأزليين عِنْدهم فعلى هَذَا يكون من قبيل إِطْلَاق مَا بِالْقُوَّةِ على مَا بِالْفِعْلِ
وَفِي " التَّعْدِيل " صِفَات الْأَفْعَال لَيست نفس الْأَفْعَال بل منشؤها، فالصفات قديمَة وَالْأَفْعَال حَادِثَة]
والماتريدية لما أثبتوا التكوين سوى الْقُدْرَة غايروا بَين أثريهما، فأثر الْقُدْرَة صِحَة وجود الْمَقْدُور من الْقَادِر، وَأثر التكوين هُوَ الْوُجُود بِالْفِعْلِ
[وَالدَّلِيل على أَن التكوين غير المكون قَوْله تَعَالَى: {كن فَيكون} حَيْثُ أخبر عَن تكوينه
بقوله: {كن} وَعَن المكون بقوله: {فَيكون} وَلِأَن الله تَعَالَى قَالَ فِي الْأَزَل {كن} أَي: ليكن كل مَا يكون فِي وقته، وَلم يَنْعَدِم قَوْله لِأَنَّهُ مُتَكَلم قَائِل لم يزل وَلَا يزَال بِلَا كَيْفيَّة، حَتَّى إِذا كَانَ فِي وقته كَانَ بِنَاء على قَوْله: ليكن، أَي: ليوجد كل مَا من شَأْنه أَن يُوجد فِي وقته الْمَخْصُوص وَهَذَا لِأَنَّهُ لَا يَصح خطاب الْمَوْجُود ب (كن) إِذْ لَا يُوجد الْمَوْجُود ثَانِيًا، وَكَذَا الْمَعْدُوم إِذْ هُوَ لَيْسَ بِشَيْء فيخاطب، وَلَا يجوز أَن يحدث الله فعل أَو قَول لتعالي الذَّات عَن الْحَوَادِث فَوَجَبَ القَوْل بِأَنَّهُ قَالَ فِي الْأَزَل: ليكن كل مَا يكون فِي وقته، فَلَا يلْزم قدم الْمَفْعُول والمخلوق والمكون، فَكَانَ {كن فَيكون} عبارَة عَن سرعَة الإيجاد بِلَا كلفة وَالْقَوْل بِأَن المُرَاد بقوله تَعَالَى:{كن} حَقِيقَة التَّكَلُّم لَا أَنه مجَاز عَن الْإِيجَاب وموافق لمَذْهَب الْأَشْعَرِيّ فَإِن عِنْده وجود الْأَشْيَاء مُتَعَلق بِكَلَامِهِ الأزلي، وَهَذِه الْكَلِمَة دَالَّة عَلَيْهِ لَا إِن كَانَت من حُرُوف وَصَوت، أَو كَانَ لكَلَامه وَقت، تَعَالَى الله عَن ذَلِك
كَذَا فِي " شرح التأويلات " وَهَذَا مُخَالف لعامة أهل السّنة لِأَن أهل السّنة يرَوْنَ تعلق وجود الْأَشْيَاء بِخلق الله وإيجاده وَهَذَا الْكَلَام عبارَة عَن سرعَة حُصُول الْمَخْلُوق بإيجاده]
وَاعْلَم أَن الصّفة الإضافية هِيَ صفة قَائِمَة بِذَاتِهِ تَعَالَى ينشأ مِنْهَا الْإِضَافَة، كالتكوين، فَإِنَّهُ فِي الْأَزَل لم يكن ليَكُون الْعَالم كَائِنا بِهِ فِي الْأَزَل، بل ليَكُون كَائِنا بِهِ وَقت وجوده وتكوينه بَاقٍ إِلَى الْأَبَد، فَيتَعَلَّق وجود كل مَوْجُود بتكوينه الأزلي، وَهَذَا كمن علق طَلَاق امْرَأَته فِي شعْبَان بِدُخُول رَمَضَان، فَإِن التَّطْلِيق يبْقى حكما إِلَى رَمَضَان ليتعلق الطَّلَاق وَقت وجوده بذلك التَّطْلِيق، وَلَا امْتنَاع فِي الِاحْتِيَاج إِلَى الْغَيْر فِي نفس الإضافات فَإِن مَحْض الإضافات كالقبلية والمعية لَا يُسمى صِفَات لعدم قِيَامهَا بِالذَّاتِ، وَإِنَّمَا الِامْتِنَاع فِي الصِّفَات الإضافية لِئَلَّا يكون الْبَارِي تَعَالَى مستكملا بِالْغَيْر، فالكمال هُوَ الاتصاف بِالصّفةِ الْكُلية، لَا وجود جزئياتها وآثارها، وَإِلَّا لَكَانَ إِيجَاد الشَّيْء استكمالا بِهِ
[نعم نفي الاستكمال بِالْغَيْر عَنهُ تَعَالَى إِنَّمَا هُوَ بِالنّظرِ إِلَى كَمَاله الذاتي الَّذِي لَهُ مرتبَة الْغنى عَن الْعَالمين، لَا بِالنّظرِ إِلَى كَمَاله الأسمائي الَّذِي لَا بُد لكمالها من ظُهُور آثارها وترتب أَحْكَامهَا عَلَيْهَا كَمَا هُوَ عِنْد الْمُحَقِّقين من الصُّوفِيَّة]
التَّقْدِيم: هُوَ من (قدم) و (قدمت كَذَا فلَانا) : تقدمته و (قدمت بِكَذَا إِلَى فلَان) : أعلمته قبل وَقت الْحَاجة إِلَى فعله وَقبل أَن دهمه الْأَمر {وَقد قدمت إِلَيْكُم بالوعيد}
وَاعْلَم أَن أَسبَاب التَّقْدِيم وأسراره كَثِيرَة مِنْهَا: التَّبَرُّك: كتقديم اسْم الله فِي الْأُمُور ذَوَات الشَّأْن وَمِنْه {شهد الله} إِلَى آخِره
والتعظيم: نَحْو: {وَمن يطع الله وَالرَّسُول}
والتشريف: كتقديم الذّكر على الْأُنْثَى، وَالْحر على العَبْد، والحي على الْمَيِّت، وَالْخَيْل على غَيرهَا، والسمع على الْبَصَر، وَالرَّسُول على النَّبِي، وَالْإِنْس على الْجِنّ، وَالْمُؤمن على الْكَافِر،
والعاقل على غَيره، وَالسَّمَاء على الأَرْض، وَالشَّمْس على الْقَمَر، والغيب على الشَّهَادَة، وَأَشْبَاه ذَلِك
وَمِنْهَا: السَّبق، كتقديم اللَّيْل على النَّهَار، والظلمات على النُّور، وآدَم على نوح عليهما السلام، وَهُوَ على إِبْرَاهِيم، وَهُوَ على مُوسَى، وَهُوَ على عِيسَى عليهم السلام
هَذَا بِاعْتِبَار الإيجاد، وَأما بِاعْتِبَار الْإِنْزَال، فكقوله تَعَالَى:{صحف إِبْرَاهِيم ومُوسَى} {وَأنزل التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل من قبل هدى للنَّاس وَأنزل الْفرْقَان}
وَأما بِاعْتِبَار الْوُجُوب والتكليف فكتقديم الرُّكُوع على السُّجُود، وَغسل الْوُجُوه على الْأَيْدِي، والصفا على الْمَرْوَة، وَكَذَا جَمِيع الْأَعْدَاد، كل مرتبَة مِنْهَا مُتَقَدّمَة على مَا فَوْقهَا بِالذَّاتِ، وَأما مثنى وفرادى فللحث على الْجَمَاعَة
وَمِنْهَا: الْكَثْرَة كتقديم الْكَافِر على الْمُؤمن، وَالسَّارِق على السارقة، وَالزَّانِي على الزَّانِيَة، وَالرَّحْمَة على الْعَذَاب، والموتى على الْقَتْلَى بِاعْتِبَار كَثْرَة المحشور الْمَيِّت من الْمَقْتُول، وَبِالْعَكْسِ بِاعْتِبَار كَون الْمَقْتُول أَحَق بالمغفرة
وَمِنْهَا: الترقي من الْأَدْنَى إِلَى الْأَعْلَى كَقَوْلِه تَعَالَى: {ألهم أرجل يَمْشُونَ بهَا أم لَهُم أيد يبطشون بهَا}
وَمن هَذَا النَّوْع تَأْخِير الأبلغ كتقديم الرَّحْمَن على الرَّحِيم، والرؤوف على الرَّحِيم، وَالرَّسُول على النَّبِي
وَمِنْهَا: التدلي من الْأَعْلَى إِلَى الْأَدْنَى كتقديم السّنة على النّوم، وَالصَّغِير على الْكَبِير وَنَحْو ذَلِك
وَمن الْأَسْبَاب كَون التَّقْدِيم أدل على الْقُدْرَة وأعجب كَقَوْلِه تَعَالَى: {فَمنهمْ من يمشي على بَطْنه} وَقَوله: {وسخرنا مَعَ دَاوُد الْجبَال يسبحْنَ وَالطير}
وَمِنْهَا: الْمُنَاسبَة لسياق الْكَلَام
وَمِنْهَا: رِعَايَة الفواصل، وإفادة الْحصْر والاختصاص، وَتَقْدِيم الْمَعْمُول على الْعَامِل نَحْو:{أَهَؤُلَاءِ إيَّاكُمْ كَانُوا يعْبدُونَ}
وَتَقْدِيم مَا هُوَ مُتَأَخّر فِي الزَّمَان نَحْو: {فَللَّه الْآخِرَة وَالْأولَى} والفاضل على الْأَفْضَل نَحْو: {بِرَبّ هَارُون ومُوسَى} وَالضَّمِير على مَا يفسره نَحْو: {فأوجس فِي نَفسه خيفة مُوسَى} وَالصّفة الْجُمْلَة على الصّفة الْمُفْرد نَحْو: {وَنخرج لَهُ يَوْم الْقِيَامَة كتابا يلقاه منشورا}
وَتَقْدِيم بعض المعمولات على الْبَعْض لَا يكون إِلَّا بِكَوْن ذَلِك الْبَعْض أهم، لَكِن يَنْبَغِي أَن يُفَسر وَجه الْعِنَايَة بِشَأْنِهِ وَيعرف لَهُ معنى وَلَا يَكْفِي أَن يُقَال: قدم للعناية والاهتمام من غير أَن يذكر من أَيْن كَانَت تِلْكَ الْعِنَايَة، وَبِمَ كَانَ أهم فَفِي تَقْدِيم الْفَاعِل يُقَال: قدم لكَون ذكره أهم إِمَّا لِأَنَّهُ فِي
نَفسه نصب عَيْنك، وَإِمَّا لنَحْو ذَلِك من الْأَغْرَاض بِحَسب اقْتِضَاء الْمقَام وَكَذَا فِي تَقْدِيم الْجَار وَالْمَجْرُور على الْفَاعِل، كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى:{اقْترب للنَّاس حسابهم} لِأَن الْمَقْصُود الأهم الاقتراب إِلَى الْمُشْركين ليورثهم رهبة وانزعاجا من أول الْأَمر وَكَذَلِكَ فِي تَقْدِيم الْجَار وَالْمَجْرُور على الْمَفْعُول الصَّرِيح كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {هُوَ الَّذِي خلق لكم مَا فِي الأَرْض} لِأَن الْمَقْصُود الأهم الْخلق لأجل المخاطبين ليسرهم من أول الْأَمر، والمسرة والمساءة تنشآن تَارَة من التَّقْدِيم وَأُخْرَى من مَجْمُوع الْكَلَام
[وَقد يقدم الْمَعْمُول حَيْثُ لَا مجَال لتقديم الْعَامِل كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {فَأَما الْيَتِيم فَلَا تقهر وَأما السَّائِل فَلَا تنهر} فَإِن المنصوبين بالفعلين المجزومين قد يقدمان على (لَا) الناهية مَعَ امْتنَاع تقدم الْفِعْلَيْنِ عَلَيْهَا]
والتقديم فِي الذّكر لَا يسْتَلْزم التَّقْدِيم فِي الحكم
قيل لِابْنِ عَبَّاس: إِنَّك تَأمر بِالْعُمْرَةِ قبل الْحَج، وَقد بَدَأَ الله بِالْحَجِّ فَقَالَ:{وَأَتمُّوا الْحَج وَالْعمْرَة} فَقَالَ: كَيفَ تقرؤون آيَة الدّين؟ فَقَالُوا: {من بعد وَصِيَّة يُوصي بهَا أَو دين} فَقَالَ: فبماذا تبدؤون؟ قَالُوا: بِالدّينِ قَالَ: هُوَ كَذَلِك
وَتَقْدِيم الْفَاعِل على الْمَفْعُول من جِهَة كَون الْمُؤثر أشرف من الْقَابِل وَيجوز تَقْدِيم أَحدهمَا على الآخر من جِهَة أُخْرَى، وَهِي افتقار الْفِعْل المعتدي إِلَى الْمُؤثر والقابل مَعًا وَالْفِعْل لما وَجب كَونه مقدما على الْفَاعِل فِي الذِّهْن وَوَجَب تَقْدِيمه عَلَيْهِ فِي الذّكر أَيْضا وَالْفرق ظَاهر بَين (ضرب زيد) و (زيد ضرب) إِذْ الذِّهْن فِي صُورَة تَقْدِيم الْفِعْل يحكم بِإِسْنَاد مَفْهُومه إِلَى شَيْء مَا، ثمَّ يحكم بِأَنَّهُ هُوَ زيد الَّذِي كَانَ تقدم ذكره؛ فَحِينَئِذٍ قد أخبر عَن زيد بِأَن ذَلِك الشَّيْء الْمسند إِلَيْهِ هُوَ هُوَ، فزيد مخبر عَنهُ و (ضرب) جملَة من فعل وفاعل وَقعت خَبرا عَن ذَلِك الْمُبْتَدَأ وَفِي صُورَة تَقْدِيم الْفَاعِل لَا يلْزم من وقُوف الذِّهْن على معنى هَذَا اللَّفْظ أَن يحكم بِإِسْنَاد معنى آخر إِلَيْهِ، وَلَا يرد بِاحْتِمَال صِيغَة الْفِعْل وَحدهَا للصدق وَالْكذب وَلَا بِوُجُوب امْتنَاع الْإِسْنَاد إِلَى شَيْء معِين فِي صُورَة الدّلَالَة على الضَّرْب إِلَى شَيْء مُبْهَم للتناقض، إِذا الصِّيغَة إِنَّمَا وضعت لإسناده إِلَى شَيْء معِين يذكرهُ الْقَائِل، فَقبل الذّكر لَا يتم الْكَلَام وَلَا يحتملهما، وَالْفَاعِل إِذا اشْتَمَل على ضمير يعود إِلَى الْمَفْعُول يمْتَنع تَقْدِيمه على الْمَفْعُول عِنْد الْأَكْثَر وَإِن كَانَ مُتَقَدما فِي النِّيَّة، وَالِاسْم يقدم على الْفِعْل لِأَن الِاسْم لفظ دَال على الْمَاهِيّة، وَالْفِعْل لفظ دَال على حُصُول الْمَاهِيّة لشَيْء من الْأَشْيَاء فِي زمَان معِين، فالمفرد سَابق على الْمركب بِالذَّاتِ والرتبة فَوَجَبَ السَّبق عَلَيْهِ فِي الذّكر وَاللَّفْظ
وَتَقْدِيم الْجَزَاء أولى عِنْد أهل الْبَصْرَة لعدم الِاحْتِيَاج حِينَئِذٍ إِلَى حرف الْجَزَاء، خلاف التَّأْخِير
وصيانة الْكَلَام عَن الزَّوَائِد أولى
وَعند أهل الْكُوفَة تَقْدِيم الشَّرْط أولى لِأَنَّهُ سَابق فِي الْوُجُود، فَالْأولى أَن يكون سَابِقًا فِي الذّكر
والتقديم على نِيَّة التَّأْخِير تَقْدِيم معنوي، وَلَا على نِيَّة التَّأْخِير تَقْدِيم لَفْظِي، قِيَاس الْإِضَافَة المعنوية واللفظية؛ وَلَا بُد فِي تَقْدِيم الشَّيْء على الشَّيْء من تقدمه على جَمِيع أَجْزَائِهِ وَأما فِي التَّأْخِير فَإِنَّهُ يَكْفِي فِيهِ تَأْخِير جُزْء وَاحِد عَنهُ
وَلَا يجوز تَقْدِيم الصِّلَة على الْمَوْصُول، والمضمر على الظَّاهِر فِي اللَّفْظ وَالْمعْنَى إِلَّا مَا جَازَ مِنْهُ على شريطة التَّفْسِير
وَلَا يجوز تَقْدِيم الصّفة وَمَا اتَّصل بهَا على الْمَوْصُوف، وَجَمِيع تَوَابِع الْأَسْمَاء والمضاف إِلَيْهِ وَمَا اتَّصل بِهِ على الْمُضَاف
وَمَا عمل فِيهِ حرف أَو اتَّصل بِهِ لَا يقدم على الْحَرْف
وَمَا أشبه من هَذِه الْحُرُوف بِالْفِعْلِ فنصب وَرفع لَا يقدم مرفوعها على منصوبها وَالْأَفْعَال الَّتِي لَا تتصرف لَا يقدم عَلَيْهَا مَا بعْدهَا
وَالصِّفَات المشبهة بأسماء الفاعلين، وَالصِّفَات الَّتِي لَا تشبه بهَا لَا يقدم عَلَيْهَا مَا عملت فِيهِ
والحروف الَّتِي لَهَا صدر الْكَلَام لَا يقدم مَا بعْدهَا على مَا قبلهَا
وَمَا عمل فِيهِ معنى الْفِعْل لَا يقدم الْمَنْصُوب عَلَيْهِ
وَمن سنَن الْعَرَب تَقْدِيم الْكَلَام وَهُوَ فِي الْمَعْنى مُؤخر، وتأخيره وَهُوَ فِي الْمَعْنى مقدم، كَقَوْلِه: مَا بَال عَيْنك مِنْهَا المَاء ينسكب
وَقَوله تَعَالَى: {وَلَوْلَا كلمة سبقت من رَبك لَكَانَ لزاما وَأجل مُسَمّى}
[قَالَ الْعَلامَة فِي " فرائده " مَا قدم لفظا لأمر النّظم قد يعْتَبر مُؤَخرا فِي الْمَعْنى إِلَى آخر مَا قَالَ، فَلَمَّا جوز اعْتِبَار الْمُقدم لفظا مُؤَخرا معنى إِذا اتَّصل الْمُقدم مُؤَخرا فَيجوز بِالْعَكْسِ إِذا اتَّصل الْمُؤخر مقدمه معنى]
التَّفْسِير: الاستبانة والكشف والعبارة عَن الشَّيْء بِلَفْظ أسهل وأيسر من لفظ الأَصْل
وَهُوَ اصْطِلَاحا: علم يبْحَث فِيهِ عَن كَيْفيَّة النُّطْق بِأَلْفَاظ الْقُرْآن ومدلولاتها وأحكامها الإفرادية والتركيبة ومعانيها التركيبية
وَتَفْسِير الشَّيْء لَاحق بِهِ ومتمم لَهُ وجار مجْرى بعض أَجْزَائِهِ
قَالَ أهل الْبَيَان: التَّفْسِير هُوَ أَن يكون فِي الْكَلَام لبس وخفاء فَيُؤتى بِمَا يُزِيلهُ ويفسره
وَالتَّفْسِير الاسمي: يكون للماهية الاعتبارية
وَالتَّفْسِير الْحَقِيقِيّ: للماهية الْحَقِيقِيَّة، وَلَا يشْتَرط فِيهِ الطَّرْد، وَالْعَكْس بقسميه
وَيفهم مِنْهُ قطعا جَوَاز التَّفْسِير بالأعم والأخص، وكما لَا يجوز تَفْسِير الشَّيْء بِنَفسِهِ، كَذَلِك لَا يكون بِمَعْنَاهُ إِلَّا إِذا كَانَ لفظا مرادفا أجلى
وَتَفْسِير الْإِعْرَاب من مُلَاحظَة الصِّنَاعَة النحوية
وَتَفْسِير الْمَعْنى لَا يضرّهُ مُخَالفَة ذَلِك مثلا إِذا سئلنا عَن إِعْرَاب قَوْله تَعَالَى: {وَكَانُوا فِيهِ من الزاهدين} قُلْنَا: تَقْدِيره: (وَكَانُوا أَعنِي فِيهِ من الزاهدين) ونقول فِي تَفْسِيره (وَكَانُوا من الزاهدين فِيهِ)
وَتَفْسِير قَوْلنَا: (أهلك وَاللَّيْل) الْحق أهلك قبل اللَّيْل، وَتَقْدِيره: الْحق أهلك وسابق اللَّيْل
وَتَفْسِير نَحْو قَوْلهم: (ضربت زيدا سَوْطًا) : ضربت ضَرْبَة بِسَوْط، فَهُوَ لَا شكّ كَذَلِك وَلَكِن طَرِيق إعرابه أَنه على حذف الْمُضَاف أَي ضَربته ضَرْبَة سَوط فحذفت
وَالتَّفْسِير والتأويل وَاحِد؛ وَهُوَ كشف المُرَاد عَن الْمُشكل
والتأويل فِي اللُّغَة من (الأول) وَهُوَ الِانْصِرَاف، والتضعيف للتعدية، أَو من الأيل وَهُوَ الصّرْف، والتضعيف للتكثير
وَقيل: التَّأْوِيل: بَيَان أحد محتملات اللَّفْظ، وَالتَّفْسِير: بَيَان مُرَاد الْمُتَكَلّم وَلذَلِك قيل: التَّأْوِيل مَا يتَعَلَّق بالدراية، وَالتَّفْسِير مَا يتَعَلَّق بالرواية وَفِي " الرَّاغِب ": التَّفْسِير أَعم من التَّأْوِيل وَأكْثر اسْتِعْمَال التَّفْسِير فِي الْأَلْفَاظ ومفرداتها؛ وَأكْثر اسْتِعْمَال التَّأْوِيل فِي الْمعَانِي والجمل؛ وَأكْثر مَا يسْتَعْمل التَّأْوِيل فِي الْكتب الإلهية، وَالتَّفْسِير يسْتَعْمل فِيهَا وَفِي غَيرهَا
وَقَالَ أَبُو مَنْصُور الماتريدي: التَّفْسِير: الْقطع، على أَن المُرَاد من اللَّفْظ هَذَا وَالشَّهَادَة على الله أَنه عَنى بِاللَّفْظِ هَذَا، فَإِن قَامَ دَلِيل مَقْطُوع بِهِ فَصَحِيح وَإِلَّا فتفسير بِالرَّأْيِ، وَهُوَ الْمنْهِي عَنهُ، والتأويل تَرْجِيح أحد المحتملات بِدُونِ الْقطع، وَالشَّهَادَة على الله
وَكَلَام الصُّوفِيَّة فِي الْقُرْآن لَيْسَ بتفسير وَفِي " عقائد النَّسَفِيّ ": النُّصُوص على ظواهرها والعدول عَنْهَا إِلَى معَان يدعيها أهل الْبَاطِن إلحاد
وَفِي معنى الظّهْر والبطن وُجُوه أشبههَا بِالصَّوَابِ مَا قَالَه أَبُو عبيد، وَهُوَ أَن الْقَصَص الَّتِي قصها الله عَن الْأُمَم الْمَاضِيَة وَمَا عاقبهم بِهِ ظَاهرهَا الْإِخْبَار بِهَلَاك الْأَوَّلين، إِنَّمَا هُوَ حَدِيث حدث بِهِ عَن قوم، وباطنها وعظ الآخرين وتحذير أَن يَفْعَلُوا كفعلهم فَيحل بهم مثل مَا حل بهم
وَفِي تَفْسِير أبي حَيَّان: كتاب الله جَاءَ بِلِسَان عَرَبِيّ مُبين لَا رمز فِيهِ وَلَا لغز وَلَا بَاطِن وَلَا إِيمَاء بِشَيْء مِمَّا يَنْتَحِلهُ الفلاسفة وَأهل الطبائع إِلَى آخر مَا قَالَ [كَمَا فِي " الإتقان "]
وَأما مَا يذهب إِلَيْهِ بعض الْمُحَقِّقين من أَن النُّصُوص على ظواهرها وَمَعَ ذَلِك فِيهَا إشارات خُفْيَة إِلَى دقائق تنكشف على أَرْبَاب السلوك يُمكن التطبيق بَينهَا وَبَين الظَّوَاهِر المرادة فَهُوَ من كَمَال الايمان ومحض الْعرْفَان
وَتَفْسِير الْقُرْآن مَا هُوَ الْمَنْقُول عَن الصَّحَابَة، وتأويله مَا يسْتَخْرج بِحَسب الْقَوَاعِد الْعَرَبيَّة وَلَو قُلْنَا فِي قَوْله تَعَالَى:{يخرج الْحَيّ من الْمَيِّت} أُرِيد بِهِ إِخْرَاج الطير من الْبَيْضَة كَانَ تَفْسِيرا، أَو إِخْرَاج الْمُؤمن من الْكَافِر، والعالم من الْجَاهِل كَانَ تَأْوِيلا
وَتَفْسِير الْقُرْآن بِالرَّأْيِ الْمُسْتَفَاد من النّظر وَالِاسْتِدْلَال وَالْأُصُول جَائِز بِالْإِجْمَاع وَالْمرَاد بِالرَّأْيِ فِي الحَدِيث هُوَ الرَّأْي الَّذِي لَا برهَان فِيهِ
[وَلَا يَصح تَفْسِير الْقُرْآن باصطلاح الْمُتَكَلِّمين
وَتَفْسِير الْحَيّ بِالْبَاقِي الَّذِي لَا سَبِيل للفناء فِيهِ تَحْقِيق للغة بعد أَن أطلق الْحَيّ على الله تَعَالَى
وَتَأْويل الظَّوَاهِر أولى من مُخَالفَة الأوضاع اللُّغَوِيَّة لوَجْهَيْنِ: الأول: أَن تَأْوِيل الظَّوَاهِر مُتَّفق عَلَيْهِ بِخِلَاف مُخَالفَة الأوضاع، وَمُخَالفَة مَا اتّفق على جَوَاز مُخَالفَته أولى من مُخَالفَة مَا لم يتَّفق على مُخَالفَته
وَالثَّانِي: أَن مُخَالفَة الظَّوَاهِر فِي الشَّرْع أَكثر من مُخَالفَة الأوضاع اللُّغَوِيَّة عِنْد الْقَائِلين بمخالفة الأوضاع، وَإِن أَكثر الظَّوَاهِر مُخَالفَة، وَأكْثر الأوضاع مقررة، وَذَلِكَ يدل على أَن الْمَحْذُور فِي مُخَالفَة الأوضاع أعظم مِنْهُ فِي مُخَالفَة الظَّوَاهِر فَكَانَ مُخَالفَة الظَّوَاهِر أولى وعَلى هَذَا يجب حمل حَدِيث " من مَاتَ وَلم يحجّ فليمت إِن شَاءَ يَهُودِيّا وَإِن شَاءَ نَصْرَانِيّا " وَحَدِيث:" من ترك الصَّلَاة مُتَعَمدا فقد كفر " على حَالَة الاستحلال وإنكار الْوُجُوب، وَعَلِيهِ أَيْضا {وَمن كفر فَإِن الله غَنِي عَن الْعَالمين}
وَالتَّفْسِير البديعي: هُوَ أَن يَأْتِي الْمُتَكَلّم فِي أول كَلَامه بِمَعْنى لَا يسْتَقلّ الْفَهم بمعرفته دون أَن يفسره
وَمن معْجزَة التَّفْسِير مَا جَاءَ فِي الْكتاب الْجَلِيل، وَهُوَ قَوْله تَعَالَى:{وَالله خلق كل دَابَّة من مَاء فَمنهمْ من يمشي على بَطْنه} إِلَى آخِره و {لَا تَأْخُذهُ سنة وَلَا نوم} تَفْسِير للقيوم و {لم يلد} إِلَى آخِره تَفْسِير للصمد و (خلقه من تُرَاب} تَفْسِير للمثل وَنَحْو ذَلِك فِي الْقُرْآن كثير [مِمَّا يفسره بعضه بَعْضًا] وَفِي الشّعْر نَحْو قَوْله:
(آراؤكم ووجوهكم وسيوفكم
…
للحادثات إِذا دجون نُجُوم)
(مِنْهَا معالم للهدى ومصابح
…
تجلو الدجى والأخريات رجوم)
وَالْفرق بَينه وَبَين الْإِيضَاح أَن التَّفْسِير تَفْصِيل الْإِجْمَال، والإيضاح رفع الْإِشْكَال
التَّعْرِيف: هُوَ أَن يشار إِلَى الْمَعْلُوم من حَيْثُ إِنَّه مَعْلُوم
[والتعريف: بِاعْتِبَار الْمَفْهُوم لَا بِاعْتِبَار الذَّات،
والتقسيم بِاعْتِبَار الذَّات لَا الْمَفْهُوم]
وكل تَعْرِيف للوصفية الْأَصْلِيَّة فَهُوَ للْعهد الْخَارِجِي
والتعريف الْحَقِيقِيّ: هُوَ الَّذِي يقْصد بِهِ تَحْصِيل مَا لَيْسَ بحاصل من التصورات، وَيكون بِالْإِضَافَة وَالْإِشَارَة الشخصية لَا بِالنِّسْبَةِ
والتعريف اللَّفْظِيّ: أَن لَا يكون اللَّفْظ وَاضح الدّلَالَة على معنى، فيفسر بِلَفْظ وَاضح دلَالَته على ذَلِك الْمَعْنى كَقَوْلِك: الغضنفر: الْأسد
وكل تَعْرِيف معنوي فالمساواة شَرط فِيهِ دون التَّعْرِيف اللَّفْظِيّ، لِأَن الْمَقْصُود من التَّعْرِيف اللَّفْظِيّ التَّصْدِيق بِأَن هَذَا اللَّفْظ مَوْضُوع لذَلِك الْمَعْنى، فَلَا يكون الْمَقْصُود مِنْهُ حصر ذَلِك على ذَلِك اللَّفْظ، لجَوَاز أَن يكون لفظ آخر مَوْضُوعا لذَلِك الْمَعْنى، والمتأخرون لم يفرقُوا بَين التَّعْرِيف وَالتَّفْسِير فِي لُزُوم الْمُسَاوَاة، والمتقدمون لم يفرقُوا بَينهمَا فِي عدم اللُّزُوم
وتعريف المعدومات لَا يكون إِلَّا اسميا، إِذْ لَا حقائق لَهَا، بل هِيَ مفهومات
وتعريف الموجودات قد يكون حَقِيقِيًّا، إِذْ لَهَا مَعْلُومَات وحقائق
وتعريف الْإِشَارَة إِيمَاء وَقصد إِلَى حَاضر ليعرفه الْمُخَاطب بحاسته النظرية
وتعريف النداء خطاب لحاضر وَقصد لوَاحِد بِعَيْنِه
وتعريف الْخَبَر بلام الْجِنْس لإِفَادَة قصره على الْمُبْتَدَأ، وَإِن لم يكن هُنَاكَ ضمير فصل مثل:(زيد الْأَمِير)
وتعريف الْمُبْتَدَأ بلام الْجِنْس لإِفَادَة قصره على الْخَبَر، وَإِن كَانَ مَعَ ضمير الْفَصْل، مثل:(الْكَرم هُوَ التَّقْوَى وَالدّين هُوَ النَّصِيحَة) وَأما (الْحَمد لله) فَكَلَام صَاحب " الْكَشَّاف " أَن كلا من لَام الْجِنْس وَاللَّام الجارة للحصر، وَفِيه نظر؛ لِأَنَّهُ إِن أُرِيد بهَا الْجِنْس من حَيْثُ مَا هُوَ كَمَا هُوَ الْمُخْتَار فكونه لَهُ تَعَالَى لَا يُنَافِي كَونه لغيره أَيْضا؛ وَعند إِرَادَة الِاسْتِغْرَاق بهَا لَا تفيده أَيْضا فِي مثل (الْحَمد لله) إِذْ غَايَته أَن يكون الله تَعَالَى مَحْمُودًا بِكُل حمد ومستحقا لَهُ، وَهُوَ لَا يسْتَلْزم أَن لَا يحمده غَيره بِبَعْض مِنْهُ، وَيكون مُسْتَحقّا لَهُ بِمَا فِيهِ من الْجَمِيل
وَأما اللَّام الجارة فَكَلَام صَاحب " الْكَشَّاف " والعلامتين فِي كثير من الْمَوَاضِع يدل على الإفادة، وَفِي كثير مِنْهَا يدل على عدم الإفادة
وَالَّذِي يظْهر أَنَّهَا مَوْضُوعَة للاختصاص الْمُطلق، وَإِرَادَة الِاخْتِصَاص الحصري مِنْهَا بمعاونة قَرَائِن المقامات كَيفَ، وَفِي كثير من الْمَوَاضِع لَا يُمكن إِرَادَة الْحصْر مِنْهَا كَمَا فِي اللَّام الْمقدرَة فِي إِضَافَة الْعَام إِلَى الْخَاص وَفِي الْجُمْلَة) مؤدى الحصرين وَاحِد، وَسبق أَحدهمَا على الآخر لَا يَسْتَدْعِي إِلَّا كَون الثَّانِي مؤكدا للْأولِ
والتعريف الَّذِي لَا يسْتَدلّ عَلَيْهِ: هُوَ مَا كَانَ لبَيَان الْمَاهِيّة، وَالَّذِي لبَيَان الْمَفْهُوم لُغَة أَو عرفا فيستدل عَلَيْهِ صرح بِهِ ابْن الْحَاجِب فِي " أُصُوله "
والتعريف باسم الْعلم: أولى من التَّعْرِيف بِالْإِضَافَة ك (بَيت الله) و (الْكَعْبَة) و (رَسُول الله) و (مُحَمَّد) إِذا لَا تفِيد الْإِضَافَة مَا يفِيدهُ الْعلم
والتعريف بِحَسب الْمَاهِيّة: إِنَّمَا يكون بالأجزاء
المحمولة
والتعريف بِحَسب الْوُجُود: قد يكون بالأجزاء غير المحمولة
والتعريف الدوري: عبارَة عَن توقف الْمُعَرّف اَوْ بعض أَجْزَائِهِ على الْمُعَرّف
والتعريف الْمُشْتَمل على الدّور: هُوَ عبارَة عَن توقف أَجزَاء الْمُعَرّف على الْبَعْض الآخر من تِلْكَ الْأَجْزَاء
وَفِي تَعْرِيف الشَّيْء نَفسه يلْزم تقدمه على نَفسه بمرتبة وَاحِدَة
وَفِي الدوري يلْزم تقدمه عَلَيْهِ بمرتبتين إِن كَانَ صَرِيحًا
وَفِي تَعْرِيف الإضافيات لَا بُد من قيد الْحَيْثِيَّة، إِلَّا إِنَّه كثيرا مَا يحذف من اللَّفْظ لشهرة أمره، وَالْحُدُود للتصور؛ والحيثية تكون فِي الحكم، وَهُوَ لَا يعْتَبر فِي التصورات، بل هُوَ من أَحْوَال التصديقات
والتعريف بالمفرد لَا يَصح، لِأَن الشَّيْء الْمَطْلُوب تصَوره بِالنّظرِ يجب أَن يكون متصورا بِوَجْه مَا، وَإِلَّا امْتنع طلبه
وَلَا بُد من تصور يُسْتَفَاد مِنْهُ التَّصَوُّر الْمَطْلُوب، وَذَلِكَ التَّصَوُّر غير التَّصَوُّر بِوَجْه، وللتصور بِوَجْه مدْخل فِي التَّصَوُّر الْمَطْلُوب، فَوَجَبَ تحقق تصورين فِي وُقُوع التَّصَوُّر الْمَطْلُوب، فَلَا يَقع تصور الْمَطْلُوب بفرد
التَّقْسِيم: هُوَ على قسمَيْنِ: تقسم الْكُلِّي إِلَى جزيئاته
وتقسيم الْكل إِلَى أَجْزَائِهِ
فَالْأول: هُوَ أَن يضم إِلَى مَفْهُوم كلي قيود مخصصة تجامعه إِمَّا متقابلة أَو غير متقالبة ليحصل بانضمام كل قيد إِلَيْهِ قسيم مِنْهُ، فَيكون الْمقسم صَادِقا على أقسامه
وتقسيم الْكل إِلَى أَجْزَائِهِ تَفْصِيله وتحليله إِلَيْهَا، فعلا يصدق الْمقسم على أقسامه وَصرح عماد الدّين بِأَن التَّقْسِيم نوع وَاحِد لِأَن تَقْسِيم الْكُلِّي إِلَى جزئياته يرجع إِلَى تَقْسِيم الْكل إِلَى الْأَجْزَاء
فقولنا: (الْحَيَوَان إِمَّا حَيَوَان أسود وَإِمَّا حَيَوَان أَبيض) مَعْنَاهُ مَجْمُوع أَفْرَاد الْحَيَوَان بَعْضهَا حَيَوَان أسود وَبَعضهَا حَيَوَان أَبيض، والترديد لَا يسْتَلْزم اشتراكا بَين أقسامه، خلاف تَقْسِيم الْكُلِّي إِلَى أَجْزَائِهِ، كَمَا فِي المنفصلات وَقد يجْرِي فِي الجزئيات الْحَقِيقِيَّة كَمَا فِي الحمليات الشبيهة بهَا، كَقَوْلِك:(زيد إِمَّا أَن يكون قَائِما أَو قَاعِدا) والترديد الانفصالي يشبه بالترديد الحملي إِذا تعلق بكلي غير مسبور أَلا يرى الْعدَد إِمَّا زوج وَإِمَّا فَرد يحْتَمل التَّقْسِيم وَالْحمل وَالْفرق بِاعْتِبَار الْمَقَاصِد؛ وَلَا يشْتَبه بالتقسيم لِأَنَّهُ وَارِد بَين القضايا بِحَسب صدقهَا وتحققها فِي نفس الْأَمر؛ وَكَذَا لَا يشْتَبه بالترديد الحملي إِذا كَانَ مُتَعَلقا بجزئي حَقِيقِيّ أَو بكلي مسور
ثمَّ الترديد لَا يكون إِلَّا بَين الْمعَانِي المحتملة، فَلَا يُقَال: المُرَاد بالإنسان إِمَّا الْحَيَوَان النَّاطِق أَو الحجرء والتقسيم للذات، والتعريف للمفهوم
والتحديد: وضع لمعْرِفَة الجزئيات بِوَاسِطَة الكليات، والتقسيم بِالْعَكْسِ
وتقسيم الْكُلِّي إِلَى جزئياته حَقِيقِيّ نَحْو: (الْكَلِمَة اسْم أَو فعل أَو حرف)
وتقسيم الْكُلِّي إِلَى أَجْزَائِهِ مجازي كَقَوْلِه:
(فَقَالُوا: لنا ثِنْتَانِ لَا بُد مِنْهُمَا
…
صُدُور رماح أشرعت أَو سلاسل)
وتقسيم الْكُلِّي إِلَى الجزئيات كتقسيم الْجِنْس إِلَى الْأَنْوَاع، والأنواع إِلَى الْأَصْنَاف، والأصناف إِلَى الْأَشْخَاص
وتقسيم الذاتي إِلَى العرضي كتقسيم الْإِنْسَان إِلَى الْأَبْيَض وَالْأسود، وَبِالْعَكْسِ كتقسيم الْأَبْيَض إِلَى الْإِنْسَان، وَالْفرس، وتقسيم العرضي إِلَى العرضي، كتقسيم الْأَبْيَض إِلَى الطَّوِيل والقصير
والتقسيم التَّام فِي الطول أَن يكون بِلَا طفرة وَلَا وَقفه والتقسيم التَّام فِي الطول وَالْعرض أَن يكون بِالنَّفْيِ وَالْإِثْبَات متقابلا، وَهُوَ التَّقْسِيم الحاصر، لكَونه مرددا بَين النَّفْي وَالْإِثْبَات، وَالْغَرَض من القسيم تَكْثِير الوسائط فِي الْبَرَاهِين وأجزاء الْحُدُود
وَحَقِيقَة التَّقْسِيم الاستقرائي ضم الْقُيُود المتحققة فِي الْوَاقِع إِلَى مَفْهُوم كلي
وَحَقِيقَة التَّقْسِيم الْعقلِيّ ضم الْقُيُود الممكنة الانضمام بِحَسب الْعقل إِلَى مَفْهُوم كلي، سَوَاء طابق الْوَاقِع أَو لَا
والسبر والتقسيم: هُوَ حصر الْأَوْصَاف فِي الأَصْل وإلغاء الْبَعْض الْبَاقِي للعلية، كَمَا يُقَال: عِلّة الْخمر إِمَّا الْإِسْكَار أَو كَونه مَاء الْعِنَب إو الْمَجْمُوع أَو غير ذَلِك
والتقسيم يَقْتَضِي انْتِفَاء مُشَاركَة كل وَاحِد مِنْهُمَا على قسم صَاحبه، كَمَا فِي تَقْسِيم الْبَيِّنَة وَالْيَمِين بَين الْمُدَّعِي وَالْمُنكر، حَيْثُ لَا يشْتَرك أحد مِنْهُمَا فِي قسم صَاحبه بِمُقْتَضى الحَدِيث الْمَشْهُور حَتَّى صَار فِي حيّز التَّوَاتُر فعلى هَذَا لَو عجز الْمُدَّعِي عَن إِقَامَة شَاهد آخر يسْتَحْلف الْمُدعى عَلَيْهِ فَقَط، وَيقْضى عَلَيْهِ بِالنّكُولِ لَا برد الْيَمين عَلَيْهِ، فَيقْضى لَهُ لَو حلف كَمَا هُوَ عِنْد الشَّافِعِي اسْتِدْلَالا بِقَضَاء رَسُول الله بِشَاهِد وَيَمِين، فَإِن هَذَا الحَدِيث غَرِيب
والتقسيم: التكثير من الْأَعْلَى إِلَى الْأَسْفَل
والتحليل: هُوَ تَكْثِير الوسايط وإعادة الْمُقدمَات من الْأَسْفَل إِلَى الْأَعْلَى، وَإِنَّمَا يذكر للانتفاء
والتحديد: تَصْوِير وَنقش لصورة الْمَحْدُود فِي الذِّهْن، وَلَا حكم فِيهِ أصلا فالحاد إِنَّمَا ذكر الْمَحْدُود ليتوجه الذِّهْن إِلَى مَا هُوَ مَعْلُوم من وَجه مَا، ثمَّ يرسم فِيهِ صُورَة أُخْرَى أتم من الأولى، لَا ليحكم بِالْحَدِّ عَلَيْهِ، إِذْ لَيْسَ هُوَ يصور التَّصْدِيق بِثُبُوتِهِ لَهُ، فَمَا مثله إِلَّا كَمثل النقاش، إِلَّا أَن الحاد ينقش فِي الذِّهْن صُورَة معقولة وَهَذَا ينقش فِي اللَّوْح صُورَة محسوسة
والتحديد: هُوَ فعل الْحَد وَذكر الْأَشْيَاء بحدودها الدَّالَّة على حقائقها دلَالَة تفصيلية
والتقسيم البديعي: هُوَ ذكر مُتَعَدد ثمَّ إِضَافَة مَا لكل إِلَيْهِ على التَّبْعِيض ليخرج اللف والنشر نَحْو قَوْله:
(وَلَا يُقيم على ضيم يُرَاد بِهِ
…
إِلَّا الأذلان غير الْحَيّ والوتد)
(هَذَا على الْخَسْف مربوط برمتِهِ
…
وَذَا يشج فَلَا يرثي لَهُ أحد)
قَالَ السكاكي: هُوَ أَن يُرِيد الْمُتَكَلّم شَيْئا ذَا جزأين أَو أَكثر، ثمَّ يضيف إِلَى كل وَاحِد من أَجْزَائِهِ مَا هُوَ لَهُ، وَقيل: هُوَ أَن يُرِيد الْمُتَكَلّم معتددا أَو مَا هُوَ فِي حكم المتعدد، ثمَّ يذكر لكل وَاحِد من المعتددات حكمه على التَّعْيِين، وَالْكل رَاجع إِلَى مَقْصُود وَاحِد
التَّضْمِين: هُوَ إشراب معنى فعل لفعل ليعامل مُعَامَلَته وَبِعِبَارَة أُخْرَى: هُوَ أَن يحمل اللَّفْظ معنى غير الَّذِي يسْتَحقّهُ بِغَيْر آلَة ظَاهِرَة
وَالْعدْل: هُوَ أَن تُرِيدُ لفظا فتعدل عَنهُ إِلَى غَيره ك (عمر) من (عَامر) والمعدول عَن اللَّام يجوز إظهارها مَعَه، وَلذَلِك أعرب، والمتضمن لَهَا لَا يجوز إظهارها مَعَه كأسماء الِاسْتِفْهَام وَالشّرط المتضمنة معنى الْحَرْف وَلذَلِك بني التَّضْمِين ثمَّ الْأَسْمَاء المتضمنة للحرف على ثَلَاثَة أضْرب: ضرب: لَا يجوز إِظْهَار الْحَرْف مَعَه نَحْو (من) و (كم) فِي الِاسْتِفْهَام فَلَا يُقَال: (أَمن) وَلَا (أكم) حذار التّكْرَار فيبنى لَا محَالة
وَضرب: يكون الْحَرْف المتضمن مرَادا كالمنطوق بِهِ، لَكِن عدل عَن النُّطْق بِهِ إِلَى النُّطْق بِدُونِهِ، فَكَأَنَّهُ ملفوظ بِهِ، وَلَو كَانَ ملفوظا بِهِ لما يبْنى الِاسْم، وَكَذَلِكَ إِذا عدل عَن النُّطْق بِهِ
وَضرب: وَهُوَ الْإِضَافَة والظرف إِن شِئْت أظهرت الْحَرْف، وَإِن شِئْت لم تظهر، نَحْو:(قُمْت الْيَوْم) و (قُمْت فِي الْيَوْم) فَلَمَّا جَازَ إِظْهَاره لم يبن
قَالَ بَعضهم: التَّضْمِين: هُوَ أَن يسْتَعْمل اللَّفْظ فِي مَعْنَاهُ الْأَصْلِيّ، وَهُوَ الْمَقْصُود أَصَالَة، لَكِن قصد تبعيته معنى آخر يُنَاسِبه من غير أَن يسْتَعْمل فِيهِ ذَلِك اللَّفْظ أَو يقدر لَهُ لفظ آخر، فَلَا يكون التَّضْمِين من بَاب الْكِنَايَة، وَلَا من بَاب الْإِضْمَار بل من قبيل الْحَقِيقَة الَّتِي قصد بِمَعْنَاهُ الْحَقِيقِيّ معنى آخر يُنَاسِبه ويبتعه فِي الْإِرَادَة
وَقَالَ بَعضهم: التَّضْمِين: إِيقَاع لفظ موقع غَيره لتَضَمّنه مَعْنَاهُ، وَهُوَ نوع من الْمجَاز، وَلَا اخْتِصَاص للتضمين بِالْفِعْلِ، بل يجْرِي فِي الِاسْم أَيْضا قَالَ التَّفْتَازَانِيّ فِي تَفْسِير قَوْله تَعَالَى:{وَهُوَ الله فِي السَّمَاوَات وَفِي الأَرْض} لَا يجوز تعلقه بِلَفْظَة (الله) لكَونه اسْما لَا صفة، بل هُوَ مُتَعَلق بِالْمَعْنَى الوصفي الَّذِي ضمنه اسْم (الله) كَمَا فِي قَوْلك:(هُوَ حَاتِم من طي) على تضمين معنى الْجواد
وجريانه فِي الْحَرْف ظَاهر فِي قَوْله تَعَالَى: {مَا ننسخ من آيَة} فَإِن (مَا) تضمن معنى (إِن) الشّرطِيَّة وَلذَلِك لزم جزم الْفِعْل
وكل من الْمَعْنيين مَقْصُود لذاته فِي التَّضْمِين، إِلَّا أَن الْقَصْد إِلَى أَحدهمَا وَهُوَ الْمَذْكُور بِذكر مُتَعَلقَة يكون تبعا للْآخر وَهُوَ الْمَذْكُور بِلَفْظِهِ وَهَذِه التّبعِيَّة فِي الْإِرَادَة من الْكَلَام فَلَا يُنَافِي كَونه مَقْصُودا لذاته فِي الْمقَام؛ وَبِه يُفَارق التَّضْمِين الْجمع بَين الْحَقِيقَة وَالْمجَاز، فَإِن كلا من الْمَعْنيين فِي صُورَة الْجمع مُرَاد من الْكَلَام لذاته، مَقْصُود فِي الْمقَام أَصَالَة، وَلذَلِك اخْتلف فِي صِحَّته مَعَ الِاتِّفَاق فِي صِحَة التَّضْمِين
والتضمين سَمَاعي لَا قياسي، وَإِنَّمَا يذهب إِلَيْهِ
عِنْد الضَّرُورَة أما إِذا أمكن إِجْرَاء اللَّفْظ على مَدْلُوله فَإِنَّهُ يكون أولى وَكَذَا الْحَذف والإيصال، لَكِن لشيوعهما صَار كالقياس حَتَّى كثر للْعُلَمَاء التَّصَرُّف وَالْقَوْل بهما فِيمَا لَا سماح فِيهِ
وَنَظِيره مَا ذكره الْفُقَهَاء من أَن مَا ثَبت على خلاف الْقيَاس إِذا كَانَ مَشْهُورا يكون كالثبات بِالْقِيَاسِ فِي جَوَاز الْقيَاس عَلَيْهِ
وَجَاز تضمين اللَّازِم الْمُتَعَدِّي مثل: {سفه نَفسه} فَإِنَّهُ مُتَضَمّن ل (أهلك)
وَفَائِدَة التَّضْمِين هِيَ أَن تُؤدِّي كلمة مؤدى كَلِمَتَيْنِ، فالكلمتان معقودتان مَعًا قصدا وتبعا؛ فَتَارَة يَجْعَل الْمَذْكُور أصلا والمحذوف حَالا، كَمَا قيل فِي قَوْله تَعَالَى:{ولتكبروا الله على مَا هدَاكُمْ} كَأَنَّهُ قيل: ولتكبروا الله حامدين على مَا هدَاكُمْ وَتارَة بِالْعَكْسِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {وَالَّذين يُؤمنُونَ بِمَا أنزل إِلَيْك} أَي: يعترفون بِهِ مُؤمنين
وَمن تضمين لفظ معنى لفظ آخر قَوْله تَعَالَى: {وَلَا تعد عَيْنَاك عَنْهُم} أَي: لَا تفتهم عَيْنَاك مجاوزين إِلَى غَيرهم {وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالهم إِلَى أَمْوَالكُم} أَي وَلَا تضموها آكلين و {من أَنْصَارِي إِلَى الله} أَي: من ينضاف فِي نصرتي إِلَى الله و {هَل لَك إِلَى أَن تزكّى} أَي أَدْعُوك وأرشدك إِلَى أَن تزكّى و {وَمَا يَفْعَلُوا من خير فَلَنْ يكفروه} أَي: فَلَنْ يحرموه، فعدي إِلَى اثْنَيْنِ و {وَلَا تعزموا عقدَة النِّكَاح} أَي: لَا تنووه، فعدي بِنَفسِهِ لَا بعلى {وَلَا يسمعُونَ إِلَى الْمَلأ الْأَعْلَى} أَي: لَا يصغون فعدي بإلى، وَأَصله أَن يتَعَدَّى بِنَفسِهِ وَنَحْو (سمع الله لمن حَمده) أَي: اسْتَجَابَ فعدي بِاللَّامِ {وَالله يعلم الْمُفْسد من المصلح} أَي: يُمَيّز: وَمن هَذَا الْفَنّ فِي اللُّغَة شَيْء كثير لَا يكَاد يحاط بِهِ وَمن تضمين لفظ لفظا آخر قَوْله تَعَالَى: {هَل أنبئكم على من تنزل الشَّيَاطِين} إِذْ الأَصْل (أَمن) حذف حرف الِاسْتِفْهَام وَاسْتمرّ الِاسْتِعْمَال على حذفه كَمَا فِي (هَل) فَإِن الأَصْل (أهل) ، فَإِذا أدخلت حرف الْجَرّ فَقدر الْهمزَة قبل حرف الْجَرّ فِي ضميرك، كَأَنَّك تَقول:(أَعلَى من تنزل الشَّيَاطِين) كَقَوْلِك: (أَعلَى زيد مَرَرْت؟) وَهَذَا تضمين لفظ لفظا آخر
والتضمين يُطلق أَيْضا على إدراج كَلَام الْغَيْر فِي أثْنَاء الْكَلَام لقصد تَأْكِيد الْمَعْنى أَو تَرْتِيب النّظم؛ وَهَذَا هُوَ النَّوْع البديعي كإبداع حكايات المخلوقين فِي الْقُرْآن
التَّأْكِيد: هُوَ أَن يكون اللَّفْظ لتقرير الْمَعْنى الْحَاصِل قبله وتقويته
والتأسيس: هُوَ أَن يكون لإِفَادَة معنى آخر لم يكن حَاصِلا قبله وَيُسمى الأول إِعَادَة وَالثَّانِي إِفَادَة؛
والإفادة أولى وَإِذا دَار اللَّفْظ بَينهمَا تعين الْحمل على التأسيس وَلِهَذَا قَالَ أَصْحَابنَا: لَو قَالَ لزوجته (أَنْت طَالِق طَالِق طَالِق) طلقت ثَلَاثًا، وَإِن قَالَ: عنيت التَّأْكِيد صدق ديانَة لَا قَضَاء
والتأكيد إِذا كَانَ ضميرا لَا يُؤَكد بِهِ إِلَّا مُضْمر، والفصل لَيْسَ كَذَلِك، بل يَقع بعد الظَّاهِر والمضمر
والتأكيد يُفِيد مَعَ التقوية نفي احْتِمَال الْمجَاز وَلَيْسَ كَذَلِك التَّابِع
وَالْحق أَن التَّابِع لَا يُفِيد التقوية اسْتِقْلَالا، بِخِلَافِهِ تَابعا وَلَعَلَّ مُرَاد الْبَيْضَاوِيّ هَذَا من قَوْله، إِذْ التَّابِع لَا يُفِيد وَالتَّابِع من شَرطه أَن يكون على زنة الْمَتْبُوع، والتأكيد لَا يكون كَذَلِك
والتأكيد: يرفع الْإِبْهَام عَن نفس الْمَتْبُوع فِي النِّسْبَة، وَيرْفَع أَيْضا إِبْهَام مَا عَسى يتَوَهَّم فِي النِّسْبَة
والتأكيد بِذكر مَا هُوَ كالعلة أقوى من التَّأْكِيد بالتكرار الْمُجَرّد
والتكرار إِعَادَة الشَّيْء، فعلا كَانَ أَو قولا، وَتَفْسِيره بِذكر الشَّيْء مرّة بعد أُخْرَى اصْطِلَاح
والتأكيد كَمَا يكون لإِزَالَة الشَّك وَنفي الْإِنْكَار مَعَ السَّامع كَذَلِك يكون لصدق الرَّغْبَة ووفور النشاط من الْمُتَكَلّم ونيل الرواج وَالْقَبُول من السَّامع، وَكَون الْخَبَر على خلاف مَا يترقب نَحْو:{رب إِن قومِي كذبون} و {رب إِنِّي وَضَعتهَا أُنْثَى} ، وتحسين إتْيَان ضمير الشَّأْن نَحْو:{إِنَّه لَا يفلح الْكَافِرُونَ}
وَكَذَلِكَ ترك التَّأْكِيد فَإِنَّهُ كَمَا يكون لعدم الْإِنْكَار يكون أَيْضا لعدم الْبَاعِث والمحرك من جِهَة الْمُتَكَلّم، وَلعدم الرواج وَالْقَبُول من جِهَة السَّامع
وَقد يكون التَّأْكِيد لرد ظن الْمُتَكَلّم كَقَوْلِك: (أَحْسَنت إِلَيْهِ ثمَّ أَسَاءَ إِلَيّ) أَو لإِظْهَار كَمَال الْعِنَايَة كَقَوْلِه تَعَالَى: {إِنَّك لمن الْمُرْسلين} أَو كَمَال التضرع والابتهال نَحْو: {إننا آمنا} أَو كَمَال الْخَوْف نَحْو: {إِنَّك من تدخل النَّار فقد أخزيته} إِلَى غير ذَلِك من الْمعَانِي الَّتِي تناسب التَّأْكِيد بِوَجْه خطابي
وَالشَّيْء إِمَّا أَن يُؤَكد بِنَفسِهِ وَيُسمى التَّأْكِيد اللَّفْظِيّ كَقَوْلِه عليه الصلاة والسلام: " لأغزون قُريْشًا " ثَلَاثًا، أَو يُؤَكد بِغَيْرِهِ وَيُسمى التَّأْكِيد الْمَعْنَوِيّ، وَحِينَئِذٍ إِمَّا أَن يكون تَأْكِيدًا للمفرد، وَهُوَ الْمُقَابل للجملة، سَوَاء كَانَ تَأْكِيدًا للْوَاحِد مذكرا أَو مؤنثا، كَلَفْظِ النَّفس وَالْعين، أَو تَأْكِيدًا لتثنية الْمُذكر أَو الْمُؤَنَّث، كلفظة (كل) و (أَجْمَعِينَ) وأخواته؛ وَإِمَّا أَن يكون تَأْكِيدًا للجملة كلفظة (إِن) وَأَخَوَاتهَا
والفصل بَين المعطوفين يقوم مقَام التَّأْكِيد، كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى:{لقد كُنْتُم أَنْتُم وآباؤكم فِي ضلال مُبين} و {مكروا مَكْرهمْ} ك {سعى لَهَا سعيها} يحْتَمل التَّأْكِيد وَالنَّوْع و (جَلَست
جُلُوسًا) للتَّأْكِيد و (جلْسَة) بِالْكَسْرِ للنوع وبالفتح فِي الْعدَد لبَيَان الْمرة
وأدوات التَّأْكِيد: (إِن) و (أَن) الْمَفْتُوحَة على مَذْهَب التنوخي الْقَائِل بِأَنَّهَا لتأكيد النِّسْبَة، وَلَام الِابْتِدَاء، وَالْقسم، و (أَلا) الاستفتاحية، و (أما) و (هَا) التَّنْبِيه، و (كَأَن) و (لَكِن) و (لَيْت) و (لَعَلَّ) ، وَضمير الشَّأْن، وَضمير الْفَصْل، و (أما) فِي تَأْكِيد الشَّرْط، و (قد) و (السِّين) ، و (سَوف) ، والنونات فِي تَأْكِيد الفعلية، و (لَا) التبرئة، و (لن) و (لما) فِي تَأْكِيد النَّفْي
ويتفاوت التَّأْكِيد بِحَسب قُوَّة الْإِنْكَار وَضَعفه، وَإِذا اجْتمعت (إِن) وَاللَّام كَانَ بِمَنْزِلَة تَكْرِير الْجُمْلَة ثَلَاث مَرَّات، اثْنَتَانِ ل (إِن) وَوَاحِدَة للام، وَكَذَلِكَ نون التوكيد الشَّدِيدَة بِمَنْزِلَة تَكْرِير الْفِعْل ثَلَاثًا، والخفيفة بِمَنْزِلَة تكريره مرَّتَيْنِ
والتأكيد الْمَعْنَوِيّ ب (كل) و (أجمع) و (كلا) و (كلتا) وَفَائِدَته رفع توهم الْمجَاز فِي الْمسند إِلَيْهِ وَعدم الشُّمُول والإحاطة بِجَمِيعِ الْأَفْرَاد
وَيمْتَنع التَّأْكِيد ب (كل) إِذا أضيفت إِلَى ظَاهر، أَو إِلَى ضمير مَحْذُوف وَلَا يُؤَكد ب (كل) و (أجمع) إِلَّا ذُو أَجزَاء يَصح افتراقها حسا وَحكما، [قَالَ الزّجاج والمبرد فِي قَوْله تَعَالَى:{فَسجدَ الْمَلَائِكَة كلهم أَجْمَعُونَ} إِن (كلهم) دلّ على الْإِحَاطَة و (أَجْمَعُونَ) على أَن السُّجُود مِنْهُم فِي حَالَة وَاحِدَة حملا على الإفادة دون الْإِعَادَة] وَفَائِدَة (أَجْمَعِينَ) فِي قَوْله: {لأملأن جَهَنَّم من الْجنَّة وَالنَّاس أَجْمَعِينَ} إِمَّا استغراق أَفْرَاد العصاة وشمولها بِتَقْدِير الْمُضَاف، وَإِمَّا بَيَان أَن الداخلين فِي جَهَنَّم لَيْسُوا مقصورين على أحد الْفَرِيقَيْنِ؛ وَهَذَا لَا يَقْتَضِي شُمُول أَفْرَاد كلا الْفَرِيقَيْنِ، لَكِن الْأَخير يدل على جَوَاز وُقُوع (أَجْمَعِينَ) تَأْكِيدًا للمثنى وَهُوَ مَحل بحث وَلَعَلَّ المُرَاد من الْجنَّة وَالنَّاس التابعون لأبليس، وَقد ورد {لأملأن جَهَنَّم مِنْك وَمِمَّنْ تبعك مِنْهُم أَجْمَعِينَ} فَلَا مَحْذُور
والتأكيد اللَّفْظِيّ: هُوَ تكْرَار اللَّفْظ إِمَّا بمرادف نَحْو: {ضيقا حرجا} بِكَسْر الرَّاء، وَالْعرب تقدم الْأَشْهر ثمَّ تؤكده تَقول (أسود غربيب) فاستشكل بقوله تَعَالَى:{غرابيب سود} [وَالْجَوَاب أَن (سود) بدله لِأَن توكيد الألوان لَا يتَقَدَّم] فَتَأمل، وَإِمَّا بِلَفْظِهِ وَيكون فِي الِاسْم نَحْو:{دكا دكا} ، وَفِي الْفِعْل نَحْو:{فمهل الْكَافرين أمهلهم رويدا} وَفِي اسْم الْفِعْل نَحْو: {هَيْهَات هَيْهَات لما توعدون} وَفِي الْحَرْف نَحْو: {فَفِي الْجنَّة خَالِدين فِيهَا} ، وَفِي الْجُمْلَة نَحْو:{فَإِن مَعَ الْعسر يسرا وَإِن مَعَ الْعسر يسرا} وَمن هَذَا النَّوْع تَأْكِيد الضَّمِير الْمُتَّصِل بالمنفصل نَحْو: {فَاذْهَبْ أَنْت وَرَبك} والمنفصل بِمثلِهِ نَحْو: (وهم بِالآخِرَة هم
كافرون}
وتأكيد الْفِعْل بمصدره وَهُوَ عوض عَن تكْرَار الْفِعْل مرَّتَيْنِ وَفَائِدَته دفع توهم الْمجَاز فِي الْفِعْل نَحْو: {وسلموا تَسْلِيمًا} {} (وتسير الْجبَال سيرا}
وَالْأَصْل فِي هَذَا النَّوْع أَن ينعَت الْوَصْف المُرَاد كَقَوْلِه تَعَالَى: {اذْكروا الله ذكرا كثيرا} {} (وسرحوهن سراحا جميلا} وَقد يُضَاف وَصفه إِلَيْهِ نَحْو: {اتَّقوا الله حق تُقَاته} وَقد يُؤَكد بمصدر فعل آخر نَحْو: {وتبتل إِلَيْهِ تبتيلا} والتبتل مصدر (بتل) أَو اسْم عين نِيَابَة الْمصدر نَحْو: {أنبتكم من الأَرْض نباتا} أَي: إنباتا، إِذْ النَّبَات اسْم عين وَالْحَال الْمُؤَكّدَة نَحْو:{وَيَوْم أبْعث حَيا} . والتكرير أبلغ من التَّأْكِيد، وَله فَوَائِد مِنْهَا: التَّقْرِير وَقد قيل: الْكَلَام إِذا تكَرر تقرر
وَمِنْهَا زِيَادَة التَّنْبِيه على مَا يَنْفِي التُّهْمَة ليكمل تلقي الْكَلَام بِالْقبُولِ، وَهُوَ مَعَ التَّأْكِيد يجامعه ويفارقه وَيزِيد عَلَيْهِ وَينْقص عَنهُ، فَإِن التَّأْكِيد قد يكون تَكْرَارا وَقد لَا يكون، وَقد يكون التكرير غير تَأْكِيد صناعَة وَإِن كَانَ مُفِيدا للتَّأْكِيد معنى
وَمِنْه مَا وَقع فِيهِ الْفَصْل بَين المكررين كَقَوْلِه تَعَالَى: {إِن الله اصطفاك وطهرك واصطفاك على نسَاء الْعَالمين} والتأكيد لَا يفصل بَينه وَبَين مؤكده
وَالْكَلَام الابتدائي الْمُجَرّد، والطلبي الْمُؤَكّد اسْتِحْسَانًا، والإنكاري الْمَذْكُور وجوبا، فَهَذِهِ الْأَقْسَام الثَّلَاثَة ظَاهِرَة الجريان بأسرها فِي إِفَادَة الحكم دون إِفَادَة لَازمه، لِأَن الْمُؤَكّد إِذا ذكر كَانَ التَّأْكِيد رَاجعا بِحَسب الظَّاهِر إِلَى الْفَائِدَة لَا إِلَى اللَّازِم
وتأكيد الْمَدْح بِمَا يشبه الذَّم وَعَكسه نَحْو قَوْله:
(وَلَا عيب فيهم غير أَن ضيوفهم
…
تلام بنسيان الْأَحِبَّة والوطن) أكدت: أَجود فِي عقد الْإِيمَان، ووكدت: أَجود فِي القَوْل وَفِي " الدِّيوَان ": وكده أفْصح من أكده
التَّشْبِيه: فِي اللُّغَة التَّمْثِيل مُطلقًا؛ وَفِي الِاصْطِلَاح: هُوَ الدّلَالَة على اشْتِرَاك شَيْئَيْنِ فِي وصف من أَوْصَاف الشَّيْء الْوَاحِد فِي نَفسه
[والتشبيه الاصطلاحي الَّذِي يبتنى عَلَيْهِ الِاسْتِعَارَة: هُوَ أخص من مُطلق التَّشْبِيه اللّغَوِيّ فَإِنَّهُ أَعم من أَن يكون على وَجه الِاسْتِعَارَة أَو على وَجه يبتنى عَلَيْهِ الِاسْتِعَارَة أَو غير ذَلِك]
والتشبيه، على مَا قَالَه الشَّيْخ عز الدّين إِن كَانَ بِحرف فَهُوَ حَقِيقَة، وَإِلَّا فمجاز بِنَاء على أَن الْحَذف من بَاب الْمجَاز، وَالصَّحِيح، أَنه حَقِيقَة، وَله أَلْفَاظ تدل عَلَيْهِ وضعا، وَلَيْسَ فِيهِ نقل اللَّفْظ
عَن مَوْضُوعه، وَإِنَّمَا هُوَ تَوْطِئَة لمن يسْلك سَبِيل الِاسْتِعَارَة والتمثيل لِأَنَّهُ كالأصل لَهما، وَالَّذِي يَقع مِنْهُ فِي حيّز الْمجَاز عِنْد أهل البديع هُوَ الَّذِي يَجِيء على حد الِاسْتِعَارَة كَقَوْلِك لمن يتَرَدَّد فِي أَمر بَين أَن يَفْعَله أَو يتْركهُ:(إِنِّي أَرَاك تقدم رجلا وتؤخر أُخْرَى) وَالْأَصْل: (أَرَاك فِي ترددك كمن يقدم رجلا وَيُؤَخر أُخْرَى)
وَمن الشُّرُوط اللَّازِمَة فِي التَّشْبِيه أَن يشبه البليغ الأدون بالأعلى إِذا أَرَادَ الْمَدْح، والبلاغة فِي الهجو بِالْعَكْسِ وأداته الْكَاف {كرماد} و (كَأَن){كَأَنَّهُ رُؤُوس الشَّيَاطِين} و (شبه) و (مثل){مثل مَا يُنْفقُونَ} وَلَا يسْتَعْمل (مثل) إِلَّا فِي حَال أَو صفة لَهَا شَأْن، وفيهَا غرابة، والمصدر الْمُقدر بِتَقْدِير الأداة كَقَوْلِه تَعَالَى:{وَهِي تمر مر السَّحَاب} وَرُبمَا يذكر فعل يُنبئ عَن حَال التَّشْبِيه فِي الْقرب والبعد والأداة محذوفة مقدرَة لعدم استقامة الْمَعْنى بِدُونِهَا نَحْو: {يحسبه الظمآن مَاء} {يخيل إِلَيْهِ من سحرهم أَنَّهَا تسْعَى}
وَالْأَصْل دُخُول أَدَاة التَّشْبِيه على الْمُشبه بِهِ، وَقد تدخل على الْمُشبه، إِمَّا لقصد الْمُبَالغَة نَحْو:{قَالُوا إِنَّمَا البيع مثل الرِّبَا} {أَفَمَن يخلق كمن لَا يخلق}
وَإِمَّا لوضوح الْحَال نَحْو: {وَلَيْسَ الذّكر كالأنثى} وَقد تدخل على غَيرهمَا ثِقَة بفهم الْمُخَاطب نَحْو: {كونُوا أنصار الله كَمَا قَالَ عِيسَى ابْن مَرْيَم} وَالْمرَاد: كونُوا أنصار الله خالصين فِي الانقياد كشأن مخاطبي عِيسَى إِذْ قَالُوا
والتشبيه المقلوب كَقَوْلِه:
(وبدا الْمِصْبَاح كَأَن غرته
…
وَجه الْخَلِيفَة حِين يمتدح)
وَقد نظمت فِيهِ:
(لَا تقلب الشّبَه كلا فِيهِ مَا فِيهِ
…
حق التشابيه تَشْبِيه بِمَا فِيهِ)
(فالسهم فِي هدف كاللحظ فِي جَسَدِي
…
والدر فِي صدف كالثغر فِي فِيهِ)
(والبدر جَبهته والقوس حَاجِبه
…
والجوهر الْفَرد فوه لَا يُنَافِيهِ)
(وَلَا قِيَاس على تَشْبِيه خالقنا
…
لنوره الْعِزّ فِيمَا لَا يوافيه)
والتشبيه الْمُطلق: هُوَ أَن يشبه شَيْء بِشَيْء من غير عكس وَلَا تَبْدِيل كَقَوْلِه تَعَالَى: {وَله الْجوَار الْمُنْشَآت فِي الْبَحْر كالأعلام}
والتشبيه الْمَشْرُوط: هُوَ أَن يشبه شَيْء بِشَيْء لَو
ركناه وضعا وَاخْتلفَا فِي النقط مثل: (يسقين) و (يشفين)، وَكَقَوْلِه عليه الصلاة والسلام لعَلي: كَانَ بِصفتِهِ كَذَا، أَو لَوْلَا أَنه بِصفتِهِ كَذَا كَقَوْلِه:
(قد كَاد يحكيه صوب الْغَيْث منسكبا
…
لَو كَانَ طلق الْمحيا يمطر الذهبا)
(والدهر لَو لم يخن وَالشَّمْس لَو نطقت
…
وَاللَّيْث لَو لم يصد وَالْبَحْر لَو عذبا)
وتشبيه الْكِنَايَة: هُوَ أَن يشبه شَيْء بِشَيْء من غير أَدَاة التَّشْبِيه كَقَوْلِه:
(وأستمطرت لؤلؤا من نرجس فسقت
…
وردا وعضت على الْعنَّاب بالبرد)
وتشبيه التَّسْوِيَة: هُوَ أَن يَأْخُذ صفة من صِفَات نَفسه وَصفَة من الصِّفَات الْمَقْصُودَة ويشبههما بِشَيْء وَاحِد كَقَوْلِه:
(صدغ الحبيب وحالي
…
كِلَاهُمَا كالليالي)
(وثغره فِي صفاء
…
وأدمعي كاللآلي)
والتشبيه المعكوس: هُوَ أَن يشبه شَيْئَيْنِ كل وَاحِد مِنْهُمَا بِالْآخرِ كَقَوْلِه:
(رق الزّجاج وراقت الْخمر
…
فتشابها فتشاكل الْأَمر)
(فَكَأَنَّهُ خمر وَلَا قدح
…
وَكَأَنَّهُ قدح وَلَا خمر)
وتشبيه الْإِضْمَار: هُوَ أَن يكون مَقْصُوده التَّشْبِيه بِشَيْء، وَيدل ظَاهر لقطه على أَن مَقْصُوده غَيره كَقَوْلِه:
(إِن كَانَ وَجهك شمعا
…
فَمَا لجسمي يذوب)
وتشبيه التَّفْضِيل: هُوَ أَن يشبه شَيْئا بِشَيْء ثمَّ يرجع فَيرجع الْمُشبه على الْمُشبه بِهِ كَقَوْلِه:
(من قَاس جدواك بالغمام فَمَا
…
أنصف فِي الحكم بَين شَيْئَيْنِ)
(أَنْت إِذا جدت ضَاحِك أبدا
…
وَهُوَ إِذا جاد دامع الْعين)
وتشبيه محسوس بمحسوس: كتشبيه الخد بالورد واللين الناعم بالخز، ورائحة بعض الزهر بالمسك هَذَا فِي المحسوسات الأولى
وَأما فِي المحسوسات الثَّانِيَة وَهِي الأشكال المستقيمة والمستديرة والمقادير والحركات كتشبيه المنتصب بِالرُّمْحِ، وَالْقد اللَّطِيف بالغصن، وَقد نظمت فِيهِ:
(وقدك غُصْن البان خدك ورده
…
وَذَلِكَ أَمر الْحق قد بَان مزهرا)
وَالشَّيْء المستدير بالكرة وَالْحَلقَة، وعظيم الجثة بِالْجَبَلِ، والذاهب على الاسْتقَامَة بنفوذ السهْم
وَفِي الكيفيات الجسمانية، كالصلابة والرخاوة
وَفِي الكيفيات النفسانية كالغرائز والأخلاق
وَفِي حَالَة إضافية، كَمَا تَقول:(أَلْفَاظه كَالْمَاءِ فِي السلالة، وكالنسيم فِي الرقة، وكالعسل فِي الْحَلَاوَة)
وتشبيه الْمَعْقُول بالمعقول كتشبيه الْوُجُود العاري عَن الْفَوَائِد بِالْعدمِ، وتشبيه الْفَوَائِد الَّتِي تبقى بعد عدم الشَّيْء بالوجود
وتشبيه المقعول بالمحسوس، كَقَوْلِه تَعَالَى:{وَالَّذين كفرُوا أَعْمَالهم كسراب بقيعة}
وَفِي مَوضِع آخر {كرماد اشتدت بِهِ الرّيح فِي يَوْم عاصف} وتشبيه المحسوس بالمعقول غير جَائِز، لِأَن الْعُلُوم الْعَقْلِيَّة مستفادة من الْحَواس ومنتهية إِلَيْهَا، فَلَا يجوز جعل الْفَرْع أصلا وَالْأَصْل فرعا وَأما مَا جَاءَ فِي الْأَشْعَار فوجهه أَن يقدر الْمَعْقُول محسوسا على طَرِيق الْمُبَالغَة فرعا، فَيصح التَّشْبِيه حِينَئِذٍ، وَيقرب من هَذَا تَشْبِيه الْمَوْجُود بالمتخيل الَّذِي لَا وجود لَهُ فِي الْأَعْيَان، كتشبيه الْجَمْر بَين الرماد ببحر من الْمسك موجه الذَّهَب؛ وَذَلِكَ إِنَّمَا يتم أَن لَو فرض المتخيل من أُمُور كل وَاحِد مِنْهَا مَوْجُود فِي الْأَعْيَان فَحِينَئِذٍ يكون التَّشْبِيه حسنا
[وَقد يذكر مَعَ التَّشْبِيه وَجه الشّبَه كَقَوْلِك: (فلَان كالأسد فِي الشجَاعَة أَو نَتن الْفَم) إِلَى غير ذَلِك
وَقد يذكر مَعَه لأحد الطَّرفَيْنِ صفة تكون هِيَ منَاط وَجه التَّشْبِيه فِي ذَلِك الطّرف لينتقل مِنْهَا إِلَيْهِ كتشبيه الحبيب بالغزال الثني، وَذكر طيب النكهة مَقْرُونا بسواد الْخَال]
وتوافق الطَّرفَيْنِ فِي الْإِفْرَاد والتعدد غير لَازم فَإِنَّهُ قد يَتَعَدَّد الْمُشبه بِهِ ويتحد الْمُشبه وَيُسمى تَشْبِيه التَّسْوِيَة؛ وَقد ينعكس الْأَمر وَيُسمى تشيبه الْجمع
والتشبيه الْمُؤَكّد الَّذِي أجري فِيهِ الْمُشبه بِهِ على الْمُشبه نَحْو: (زيد أَسد) فَهُوَ اسْتِعَارَة عِنْد الْبَعْض
وَأما التَّجْرِيد مثل: (لقِيت مِنْهُ أسدا) فَهُوَ تَشْبِيه عِنْد بعض؛ وَالِاخْتِلَاف فيهمَا رَاجع إِلَى الِاخْتِلَاف فِي تَفْسِير الِاسْتِعَارَة والتشبيه
وَأما علو التَّشْبِيه فَهُوَ إِمَّا بإيهام اشْتِرَاك الْمُشبه مَعَ الْمُشبه بِهِ فِي جَمِيع أَوْصَافه، وَهُوَ بِحَذْف الْوَجْه، وَإِمَّا بإبهام الِاتِّحَاد بَينهمَا، وَهُوَ بِحَذْف الأداة، فَمَا لم يُوجد فِيهِ شَيْء من الْأَمريْنِ فَلَا علو فِيهِ من هَذِه الْحَيْثِيَّة، وَإِن كَانَ كلَاما بليغا فِي نَفسه، وَمَا وجد فِيهِ أَحدهمَا فَهُوَ عَال، وَمَا وجد فِيهِ كِلَاهُمَا فَهُوَ أَعلَى
التَّجْرِيد: هُوَ أَن ينتزع من أَمر ذِي صفة أَمر آخر مماثل لَهُ فِي تِلْكَ الصّفة مُبَالغَة فِي كمالها فِيهِ حَتَّى كَأَنَّهُ بلغ من الاتصاف بِتِلْكَ الصّفة إِلَى حَيْثُ يَصح أَن ينتزع مِنْهُ مَوْصُوف آخر بِتِلْكَ الصّفة، وَيكون ب (من) التجريدية، كَقَوْلِه:(لي من فلَان صديق حميم) وبالباء التجريدية الدَّاخِلَة على المنتزع مِنْهُ نَحْو قَوْلهم: (لَئِن سَأَلت فلَانا لتسألن بِهِ الْبَحْر) وَيُمكن بِدُخُول بَاء الْمَعِيَّة والمصاحبة فِي المنتزع نَحْو قَوْله:
(وشوهاء تعدو بِي إِلَى صارخ الوغى
…
بمستلئم مثل الفنيق المرحل)
وَيكون بِدُخُول (فِي) فِي المنتزع نَحْو قَوْله تَعَالَى: {لَهُم فِيهَا دَار الْخلد} وَيكون بِدُونِ توَسط حرف نَحْو قَوْله:
(وَلَئِن بقيت لأرحلن بغزوة
…
تحوي الْغَنَائِم أَو يَمُوت كريم)
يَعْنِي نَفسه
وَيكون بطرِيق الْكِنَايَة نَحْو قَوْله: (يَا خير من يركب الْمطِي وَلَا
…
يشرب كأسا بكف من بخلا)
أَي: يشرب الكأس بكف الْجواد، فقد انتزع من الممدوح جوادا يشرب هُوَ الكأس بكفه على طَرِيق الْكِنَايَة، لِأَنَّهُ إِذا انْتَفَى عَنهُ الشّرْب بكف الْبَخِيل فقد أثبت لَهُ الشّرْب بكف كريم، وَمَعْلُوم أَنه يشرب بكف نَفسه، فالكريم نَفسه
وَمن التَّجْرِيد مُخَاطبَة الْإِنْسَان نَفسه
ثمَّ اعْلَم أَن التَّجْرِيد هُوَ حذف بعض مَعَاني اللَّفْظ وَإِرَادَة الْبَعْض وَيتَعَلَّق بِمَفْهُوم اللَّفْظ
والالتفات على ماقالوا: هُوَ نقل معنوي لَا لَفْظِي فَقَط، فبينهما عُمُوم وخصوص من وَجه، كَمَا مر ذكره فِيمَا تقدم وَشَرطه أَن يكون الضَّمِير فِي الْمُنْتَقل إِلَيْهِ عَائِدًا فِي نفس الْأَمر إِلَى الْمُنْتَقل عَنهُ، فَمثل (أكْرم زيدا وَأحسن إِلَيْهِ) لَيْسَ التفاتا، فَإِن ضمير فَاعل (أكْرم) غير الضَّمِير فِي (إِلَيْهِ) وَمثل (إِنِّي أخاطبك فأجب الْمُخَاطب) تَجْرِيد، لِأَن ضمير النِّسْبَة وَاقع مَوْضِعه، وَلَيْسَ ذَلِك وضعا لضمير الْغَائِب مَوضِع ضمير الْمُتَكَلّم؛ وَكَذَلِكَ {وَمَالِي لَا أعبد الَّذِي فطرني وَإِلَيْهِ ترجعون} لِأَن الضَّمِير وَاقع فِي مَحَله فَهُوَ الْتِفَات وَتَجْرِيد على رَأْي السكاكي، وعَلى رَأْي غَيره هُوَ تَجْرِيد فَقَط
وَمثل قَوْله تَعَالَى: {حَتَّى إِذا تكلم فِي الْفلك وجرين بهم} تَجْرِيد والتفات؛ إِذْ الضميران فِي نفس الْأَمر لشَيْء وَاحِد، وبالادعاء لشيئين وَفِي قَوْله تَعَالَى:{وَالله الَّذِي أرسل الرِّيَاح} إِلَى آخِره فِي لفظ الْجَلالَة على رَأْي السكاكي الْتِفَات وَتَجْرِيد، وعَلى رَأْي غَيره تَجْرِيد فَقَط، وَقَوله:(فسقناه) الْتِفَات على رأيهما وَقَوله: (الْحَمد لله) الْتِفَات على رَأْي السكاكي وَتَجْرِيد أَيْضا، و {وَإِيَّاك نعْبد} الْتِفَات لَا تَجْرِيد وَمثل:(رَأَيْت مِنْهُ أسدا} تَجْرِيد؛ وَمثل: (تطاول ليلك) و (يكلفني ليلِي) ؛ و (فسقناه) الْتِفَات دون تَجْرِيد على رَأْي الْجُمْهُور وَمثل: {فصل لِرَبِّك وانحر} الْتِفَات وَتَجْرِيد وَلَا وَاحِد مِنْهُمَا كغالب الْقُرْآن
وَوضع الظَّاهِر مَوضِع الْمُضمر قد يجمتع مَعَ الِالْتِفَات، كَمَا فِي مثل قَوْله تَعَالَى:{وَالله الَّذِي أرسل الرِّيَاح} و (أَمِير الْمُؤمنِينَ يَأْمُرك بِكَذَا)
وينفرد الِالْتِفَات فِي نَحْو: (تطاول ليلك)
وَقد ينْفَرد وضع الظَّاهِر عَن الِالْتِفَات كَقَوْلِه تَعَالَى: {إِن أَبَانَا لفي ضلال مُبين}
وينفرد وضع الْمُضمر مَوضِع الظَّاهِر عَن الِالْتِفَات فِي نَحْو: (نعم رجلا زيد) ، لِأَن الضَّمِير وَالظَّاهِر كِلَاهُمَا على أسلوب الْغَيْبَة
وينفرد الِالْتِفَات عَنهُ كثيرا نَحْو: وَبَات وباتت لَهُ لَيْلَة
ويجتمعان فِي قَول (الْخَلِيفَة نعم الرجل أَمِير الْمُؤمنِينَ)
وَأما على رَأْي غير السكاكي فَوضع الظَّاهِر مَوضِع الْمُضمر والالتفات قد يَجْتَمِعَانِ مثل: {فصل لِرَبِّك}
وَقد ينْفَرد الِالْتِفَات وَهُوَ الْغَالِب مثل: {إياك نعْبد}
وَقد ينْفَرد وضع الظَّاهِر مثل: (الْحَمد لله) وَوضع الْمُضمر مَوضِع الظَّاهِر لَا يجْتَمع مَعَ الِالْتِفَات
التَّجْنِيس: تفعيل من الْجِنْس، وَمِنْهُم من يَقُول من الجناس، وَمِنْهُم من يَقُول من المجانسة، لِأَن إِحْدَى الْكَلِمَتَيْنِ إِذا شابهت الْأُخْرَى وَقع بَينهمَا مفاعلة الجنسية والمجانسة
والجناس: مصدر (جانس)
وَمِنْهُم من يَقُول من (التجانس) وَهُوَ التفاعل من الْجِنْس أَيْضا وَلما انقسم أقساما كَثِيرَة وتنوع أنواعا عديدة تنزل منزلَة الْجِنْس الَّذِي يصدق على كل وَاحِد من أَنْوَاعه، فَهُوَ حِينَئِذٍ جنس
وَمن أَنْوَاعه التلفيق: وَهُوَ مَا تماثل ركناه وَكَانَ كل وَاحِد مِنْهُمَا مركبا من كَلِمَتَيْنِ فَصَاعِدا كَقَوْلِه:
(إِلَى حتفي مَشى قدمي
…
أرى قدمي أراق دمي)
والمركب: وَهُوَ مَا كَانَ أحد ركنيه مركبا من كَلِمَتَيْنِ وَالْآخر لَيْسَ بمركب مثل: (سلعا) و (سل عَن) ؛ و (سل سَبِيلا) و (سلسبيلا)
والمذيل: وَهُوَ مَا زَاد أحد ركنيه على الآخر إِمَّا حرفا وَاحِدًا فِي آخِره أَو حرفين، فَصَارَ لَهُ كالذيل
نَحْو: (هُوَ حام حَامِل لأعباء الْأُمُور) و (كَاف كافل بمصالح الْجُمْهُور)
واللاحق: وَهُوَ مَا أبدل من أحد ركنيه حرف من غير مخرجه وَلَا قريب مِنْهُ، فَإِن كَانَ من مخرجه سمي مضارعا وَالْمرَاد بالمضارع هَهُنَا المشابه
نَحْو: {وهم ينهون عَنهُ وينأون عَنهُ} واللاحق ك (الْيَمين) و (الثمين)
والتام وَهُوَ مَا تماثل ركناه واتفقا لفظا وَاخْتلفَا معنى من غير تفَاوت فِي تَصْحِيح تركيبهما وَلَا اخْتِلَاف فِي حركاتهما كَقَوْلِهِم: (زائر السُّلْطَان الجائر كزائر اللَّيْث الزائر) وَكَقَوْلِه تَعَالَى: {يكَاد سنا برقه يذهب بالأبصار يقلب الله اللَّيْل وَالنَّهَار إِن فِي ذَلِك لعبرة لأولي الْأَبْصَار}
والمطرف: وَهُوَ مَا زَاد أحد ركنيه على الآخر حرفا فِي طرفه الأول، وَهُوَ عكس المذيل ك (السَّاق) و (المساق)
والمصحف: وَيُسمى جناس الْخط، وَهُوَ مَا تماثل
" قصر ثَوْبك فَإِنَّهُ أتقى وأنقى وَأبقى "
والمحرف: وَهُوَ مَا اتّفق ركناه فِي أعداد الْحُرُوف وترتيبها وَاخْتلفَا فِي الحركات، سَوَاء كَانَا من اسْمَيْنِ أَو من فعلين أَو من اسْم وَفعل، أَو من غير ذَلِك، فَإِن الْقَصْد فِيهِ اخْتِلَاف الحركات ك (الشدَّة) و (الشدَّة) وَفِي قَوْله وَتَعَالَى:{وَلَقَد أرسلنَا فيهم منذرين فَانْظُر كَيفَ كَانَ عَاقِبَة الْمُنْذرين} وكقول الْقَائِل
(وَلما أَرَانِي الشّعْر وَهُوَ مذيل
…
وجانب ذَاك الصدغ وَهُوَ مطرف)
(بدا بخمار من خمار بريقه
…
فَقلت لَهُ هَذَا الجناس المحرف)
واللفظي: هُوَ الَّذِي إِذا تماثل ركناه وتجانسا خطا خَالف أَحدهمَا الآخر بإبدال حرف فِيهِ مُنَاسبَة لفظية ك (ناضرة) و (ناظرة) ؛ وَسَماهُ قوم بجناس الْعَكْس وَهُوَ الَّذِي يشْتَمل كل وَاحِد من ركنيه على حرف آخر من غير زِيَادَة وَلَا نقص وَيُخَالف أَحدهمَا فِي التَّرْتِيب كَقَوْلِه تَعَالَى: {بَين بني إِسْرَائِيل} وَقَوله عليه الصلاة والسلام لصَاحب الْقُرْآن " اقْرَأ وارقأ "
وَالْمُطلق: هُوَ الَّذِي كل ركن مِنْهُ يباين الآخر فِي الْمَعْنى نَحْو: {وَأسْلمت مَعَ سُلَيْمَان} ؛ {ليريه كَيفَ يواري} ؛ {وَإِن يردك بِخَير فَلَا راد لفضله}
وَالْمعْنَى فِي الِاشْتِقَاق رَاجع إِلَى أصل وَاحِد كَقَوْلِه: فِي خَادِم أسود مَشْهُور بالظلم:
(فعلك من لونك مستخرج
…
وَالظُّلم مُشْتَقّ من الظُّلم)
وَكَقَوْلِه تَعَالَى: {إِذا وَقعت الْوَاقِعَة} وَقَوله: {أزفت الآزفة}
وَالْقلب مِنْهُ كلا نَحْو: (حسامه فتح لأوليائه وحتف لأعدائه) ؛ وبعضا نَحْو: (اللَّهُمَّ اسْتُرْ عوراتنا وآمن روعاتنا)
وَإِن وَقع أَحدهمَا فِي الأول وَالْآخر فِي الآخر يُسمى مجنحا ك (مرض) و (ضرم)
وَإِن كَانَ التَّرْكِيب بِحَيْثُ لَو عكس حصل عينه فمستويا نَحْو: {كل فِي فلك} ، (كَبرت آيَات رَبك) ، (كن كَمَا أمكنك) ، (دَامَ علا الْعِمَاد)(سر فَلَا كبا بك الْفرس) ، (سور حماة بربها محروس)
(آس أرملا إِذا عرا
…
وآرع إِذا الْمَرْء أسا)
وَالْإِشَارَة: وَيُسمى تجنيس الْكِنَايَة، وَهُوَ أَن لَا يظْهر بل يُشِير بِهِ، وَسبب وُرُود هَذَا النَّوْع فِي النّظم هُوَ أَن الشَّاعِر يقْصد المجانسة فِي بَيته بَين الرُّكْنَيْنِ من الجناس فَلَا يساعده الْوَزْن على إبرازهما فيضمر الْوَاحِد ويعدل بقوته إِلَى مرادف فِيهِ كِنَايَة تدل على الرُّكْن الْمُضمر فَإِن لم يتَّفق لَهُ مرادف الرُّكْن الْمُضمر يَأْتِي بِلَفْظَة فِيهَا كِنَايَة لفظية تدل عَلَيْهِ، وَهَذَا لَا يتَّفق فِي الْكَلَام المنثور، كَقَوْلِه:
(حلقت لحية مُوسَى باسمه
…
وبهارون إِذا مَا قلبا)
والإضمار: هُوَ أَن يضمر النَّاظِم ركني التَّجْنِيس، وَيَأْتِي فِي الظَّاهِر بِمَا يرادف الْمُضمر للدلالة عَلَيْهِ، فَإِن تعذر المرادف يَأْتِي بِلَفْظ فِيهِ كِنَايَة لَطِيفَة تدل على الْمُضمر بِالْمَعْنَى كَقَوْلِه:
(جمع الصِّفَات الصَّالِحَات مليكنا
…
فغدا بنصر الْحق مِنْهُ مؤيدا)
(كَأبي الْأمين برايه وكجده
…
أَنى توجه وَابْن يحيى فِي الندى)
فَأَبُو الْأمين الرشيد وجده الْمَنْصُور وَابْن يحيى الْفضل فقد قصد الشَّاعِر أَن الممدوح رشيد فِي رَأْيه مَنْصُور أَنى توجه وَهُوَ الْفضل فِي الندى
والطباق: هُوَ أَن تجمع بَين متضادين مَعَ مُرَاعَاة التقابل فَلَا يَجِيء باسم مَعَ فعل وَلَا بِفعل مَعَ اسْم، كَقَوْلِه تَعَالَى:{وتحسبهم أيقاظا وهم رقود}
التورية: وَتسَمى أَيْضا بالإيهام والتوجيه والتخييل، والتورية أولى بِالتَّسْمِيَةِ لقربها من مُطَابقَة الْمُسَمّى لِأَنَّهَا مصدر (وريت الْخَبَر تورية) إِذا سترته وأظهرت غَيره فَكَأَن الْمُتَكَلّم يَجعله وَرَاءه بِحَيْثُ لَا يظْهر
وَهِي فِي الِاصْطِلَاح أَن يذكر الْمُتَكَلّم لفظا مُفردا لَهُ حقيقتان، أَو حَقِيقَة ومجاز أَحدهمَا قريب وَدلَالَة اللَّفْظ عَلَيْهِ ظَاهِرَة وَالْآخر بعيد وَدلَالَة اللَّفْظ عَلَيْهِ خُفْيَة، وَيُرِيد الْمُتَكَلّم الْمَعْنى الْبعيد، ويوري عَنهُ بالقريب فيوهم السَّامع أول وهلة أَنه يُرِيد الْمَعْنى الْقَرِيب وَلَيْسَ كَذَلِك؛ وَلِهَذَا سمي هَذَا النَّوْع إيهاما وَمثل ذَلِك قَوْله:
(وحرف كنون تَحت رَاء وَلم يكن
…
بدال يؤم الرَّسْم غَيره النقط)
فَإِن المُرَاد الْمَعْنى الْبعيد المورى عَنهُ بالقريب هُوَ النَّاقة المهزولة المنحنية تَحت شخص يضْرب رئتها وَلم يرفق بهَا ويؤم بهَا دَارا غير الْمَطَر رسمها
وَالْمعْنَى المتقارب الْمُتَبَادر أَولا إِلَى ذهن السَّامع حُرُوف الهجاء
والتورية أَنْوَاع: مُجَرّدَة ومرشحة ومبينة ومهيأة
فالمجردة: هِيَ الَّتِي لم يذكر فِيهَا لَازم من لَوَازِم المورى بِهِ، وَهُوَ الْمَعْنى الْقَرِيب وَلَا من لَوَازِم المورى عَنهُ، وَهُوَ الْمَعْنى الْبعيد، وَأعظم أَمْثِلَة هَذَا النَّوْع قَوْله تَعَالَى:{الرَّحْمَن على الْعَرْش اسْتَوَى}
إِذْ للاستواء مَعْنيانِ: قريب وَهُوَ الِاسْتِقْرَار، وبعيد وَهُوَ الِاسْتِيلَاء وَأَنت تعلم أَن الْآيَة إِذا حملت على التَّمْثِيل فَلَا تورية فِيهَا
والمرشحة: هِيَ الَّتِي يذكر فِيهَا لَوَازِم المورى بِهِ
قبل لفظ التورية أَو بعده فَمن أعظم شَوَاهِد مَا ذكر لَازمه قبل ذكره التورية قَوْله تَعَالَى: {وَالسَّمَاء بنيناها بأيد} فَإِن قَوْله (بأيد) يحْتَمل الْجَارِحَة وَهُوَ الْمَعْنى الْقَرِيب المورى بِهِ، وَقد ذكر من لوزامه على جِهَة الترشيح (الْبناء) ، وَالْمعْنَى الْبعيد المورى عَنهُ هُوَ الْقُوَّة وعظمة الْخَالِق وَهُوَ المُرَاد وَالْآيَة أَيْضا إِذا حملت على التَّمْثِيل والتصوير على مَا هُوَ التَّحْقِيق فَلَا تورية فِيهَا
وَمن أَمْثِلَة مَا ذكر لَازمه بعد لفظ التورية قَوْله:
(مذ هَمت من وجدي فِي خالها
…
وَلم أصل مِنْهُ إِلَى اللثم)
(قَالَت قفوا وَاسْتَمعُوا مَا جرى
…
خَالِي قد هام بِهِ عمي)
فان الْمَعْنى الْقَرِيب المورى بِهِ خَال النّسَب، وَقد ذكر لَازمه بعد لفظ التورية على جِهَة الترشيح وَهُوَ الْعم
والمبينة: هِيَ الَّتِي ذكر فِيهَا لَازم المورى عَنهُ قبل لفظ التورية أَو بعده وَمن أحسن الشواهد على مَا ذكر لَازم المورى عَنهُ قبل التورية قَوْله:
(قَالُوا أما فِي جلق نزهة
…
تنسيك من أَنْت بِهِ مغرى)
(يَا عاذلي دُونك من لحظه
…
سَهْما وَمن عَارضه سطرا)
فَإِن السهْم والسطر موضعان بِدِمَشْق، وَذكر النزهة قبله هُوَ الْمُبين لَهما، وَالْمعْنَى الْقَرِيب سهم اللحظ وسطر الْعَارِض وَمن أَمْثِلَة مَا ذكر فِي المبنية لَازم المورى عَنهُ بعد لفظ التورية قَوْله:
(أرى ذَنْب السرحان فِي الْأُفق ساطعا
…
فَهَل مُمكن أَن الغزالة تطلع)
وَقد نظمت فِيهِ أَيْضا:
(أتطلع سلمى والرقيب أمامها
…
وَمن ذَنْب السرحان بطء الغزالة)
أَرَادَ بذنب السرحان ضوء الْفجْر وَهُوَ الْمَعْنى الْبعيد، وَقد بَينه بِذكر لَازمه بعده بقوله (ساطعا) ، وَكَذَا أَرَادَ بالغزالة الشَّمْس، وَهُوَ الْمَعْنى الْبعيد، وَقد بَينه بِذكر لَازمه وَهُوَ (تطلع) ، وَالْمعْنَى الْقَرِيب فِي كلا الْمَوْضِعَيْنِ الْحَيَوَان الْمَعْرُوف
والمهيأة: هِيَ الَّتِي لَا تقع فِي التورية وَلَا تتهيأ إِلَّا بِاللَّفْظِ الَّذِي قبلهَا نَحْو قَوْله:
(وسيرك فِينَا سيرة عمرية
…
فروحت عَن قلب وفرجت عَن كرب)
(وأظهرت فِينَا من سميك سنة
…
فأظهرت ذَاك الْفَرْض من ذَلِك النّدب)
فَإِن المُرَاد من الْفَرْض وَالنَّدْب مَعْنَاهُمَا الْبعيد وَهُوَ الْعَطاء بِالْفَرْضِ، وَالرجل السَّرِيع فِي الْحَوَائِج بالندب، وَلَوْلَا ذكر السّنة قبلهمَا لما تهيأت التورية فيهمَا، وَلم يفهم مِنْهُمَا الحكمان الشرعيان اللَّذَان صحت بهما التورية، أَو لَا تتهيأ إِلَّا بِاللَّفْظِ الَّذِي بعْدهَا نَحْو قَوْله:
(لَوْلَا التطير بِالْخِلَافِ وَأَنَّهُمْ
…
قَالُوا مَرِيض لَا يعود مَرِيضا)
(لقضيت نحبا فِي جنابك خدمَة
…
لأَكُون مَنْدُوبًا قضى مَفْرُوضًا)
فَإِن المُرَاد بالمندوب هَهُنَا الْمَيِّت الَّذِي يبكي
عَلَيْهِ، وَهَذَا هُوَ الْمَعْنى الْبعيد، وَالْمعْنَى الْقَرِيب أحد الْأَحْكَام الشَّرْعِيَّة، وَلَوْلَا ذكر الْمَفْرُوض بعده لم يتَنَبَّه السَّامع لِمَعْنى الْمَنْدُوب، وَلَكِن لما ذكره تهيأت التورية بِذكرِهِ
أَو تكون التورية فِي لفظين لَوْلَا كل مِنْهُمَا لما تهيأت التورية فِي الآخر نَحْو قَوْله:
(أَيهَا المنكح الثريا سهيلا
…
عمرك الله كَيفَ يَلْتَقِيَانِ)
فَإِن المُرَاد من الثريا عَليّ بن عبد الله بن الْحَارِث، وَمن سُهَيْل رجل مَشْهُور من المين، وَكِلَاهُمَا معنى بعيد، وَلَوْلَا ذكر الثريا الَّتِي هِيَ النَّجْم لم يتَنَبَّه السَّامع لسهيل الَّذِي هُوَ النَّجْم أَيْضا، وَلَوْلَا ذكر سُهَيْل لما فهمت الثريا الَّتِي هِيَ النَّجْم، فَكل وَاحِد مِنْهُمَا هيأ صَاحبه للتورية
التَّأْثِير: أثر فِيهِ تَأْثِيرا: ترك فِيهِ أثرا، فالأثر مَا ينشأ عَن تَأْثِير الْمُؤثر، وتأثير الْمُؤثر فِي الْأَثر لَا بعد وجود الْأَثر، بل زمَان وجوده، لَا يمْتَنع ذَلِك كَمَا فِي الْعلَّة مَعَ معلولها، وَإِنَّمَا الْمُمْتَنع معيتهما بِالذَّاتِ كَمَا فِي الْعلَّة مَعَ معلولها أَيْضا لتأخر الْمَعْلُول بِالذَّاتِ عَن الْعلَّة، وَكَذَا عدم الْمَعْلُول فَإِنَّهُ يتَأَخَّر عَن عدم الْعلَّة لتأخر الْمَعْلُول عَن الْعلَّة بِالذَّاتِ
فالمؤثر إِنَّمَا يُؤثر فِي الْأَثر لَا من حَيْثُ هُوَ مَوْجُود وَلَا مَعْدُوم
ثمَّ اعْلَم أَن الْمُؤثر إِمَّا الشَّيْء النفساني فِي مثله، أَو الجسماني فِي مثله، أَو فِي النفساني، أَو بِالْعَكْسِ
الأول: كتأثير المبادئ الْعَالِيَة فِي النُّفُوس الناطقة الإنسانية بإفاضة الْعُلُوم والمعارف، وَيدخل تَحت هَذَا النَّوْع الْوَحْي والكرامات لانهما إفَاضَة الْمعَانِي الْحَقِيقِيَّة على النُّفُوس البشرية المستعدة لذَلِك، وَيدخل تَحت هَذَا أَيْضا صنفان من الْآيَات والمعجزات: أَحدهمَا مَا يتَعَلَّق بِالْعلمِ الْحَقِيقِيّ، وَهُوَ أَن يُؤْتى النَّفس المستعد لذَلِك كَمَال الْعلم من غير تَعْلِيم وَتعلم حَتَّى يُحِيط بِمَعْرِِفَة حقائق الْأَشْيَاء على مَا هِيَ عَلَيْهِ فِي نفس الْأَمر بِقدر الطَّاقَة البشرية، كَمَا قَالَ عليه الصلاة والسلام:" أُوتيت جَوَامِع الْكَلم " وَقد أُوتِيَ علم الْأَوَّلين والآخرين مَعَ كَونه أُمِّيا
وَثَانِيهمَا: مَا يتَعَلَّق بالتخيل الْقوي بِأَن يلقى إِلَى من يكون مستعدا للتخيل الْقوي مَا يُقَوي على تخيلات الْأُمُور الْمَاضِيَة والاطلاع على المغيبات الْمُسْتَقْبلَة، كَمَا قَالَ تَعَالَى:{تِلْكَ من أنباء الْغَيْب نوحيها إِلَيْك مَا كنت تعلمهَا} وَقَالَ تَعَالَى: {الم غلبت الرّوم فِي أدنى الأَرْض وهم من بعد غلبهم سيغلبون فِي بضع سِنِين} وَيدخل تَحت هَذَا النَّوْع أَيْضا: [أَولا] المنامات والإلهامات لِأَنَّهَا تلقي للنَّفس مَا فِي المبادئ الْعَالِيَة من صور الْحَوَادِث، وَكَذَا يدْخل تَحت هَذَا النَّوْع صنف من السحر، وَهُوَ تَأْثِير النُّفُوس البشرية القوية فِيهَا قوتا التخيل وَالوهم فِي نفوس بشرية أُخْرَى ضَعِيفَة فهيا هَاتَانِ القوتان كنفوس البله وَالصبيان وَالنِّسَاء والعوام الَّذين لم تقو قوتهم الْعَقْلِيَّة على قمع التخيل وَترك عَادَة الانقياد، فتتخيل مَا لَيْسَ بموجود فِي الْخَارِج
مَوْجُودا فِيهِ، وَمَا هُوَ مَوْجُود فِيهِ تتخيله على ضد الْحَال الَّتِي هُوَ عَلَيْهَا وَمن هَذَا الْقَبِيل مَا فعله
سحرة فِرْعَوْن
وَالثَّانِي: كتأثير السمُوم والأدوية فِي الْأَبدَان، وَيدخل فِيهِ أَجنَاس النيرنجات والطلسمات، فَإِنَّهَا بتأثير بعض المركبات الطبيعية فِي بعض بخواص تخص كل وَاحِد مِنْهُمَا، كجذب المغناطيس، وكهرب باغض الْخلّ من الْخلّ، واختطاف الكهرباء بالتبن، وتأثير الْحجر الْمَعْرُوف فِيمَا بَين الأتراك فِي تَغْيِير الْهَوَاء ونزول الثَّلج والمطر إِلَى غير ذَلِك وَقد يستعان فِي ذَلِك بتمزيج القوى السماوية الفعالة بالقوى الأرضية المنفعلة بتحصيل المناسبات بالأجرام العلوية المؤثرة فِي عَالم الْكَوْن وَالْفساد
وَالثَّالِث: كتأثير الصُّور المستحسنة والمستقبحة فِي النُّفُوس الإنسانية؛ ويندرج فِي هَذَا النَّوْع صنف من السحر، كتأثير المعشوق فِي العاشق، وكتأثير الْحَيَوَانَات المستحسنة والأمتعة النفسية، وكتأثير أَصْنَاف الأغاني والملاهي، وكتأثير الْكَلَام فِي نفس السامعين، كَمَا ورد فِي الحَدِيث النَّبَوِيّ:" إِن من الْبَيَان لسحرا "
وَالرَّابِع: كتأثير النُّفُوس الإنسانية فِي الْأَبدَان، من تغذيتها وإنمائها، وقيامها وقعودها، إِلَى غير ذَلِك
وَمن هَذَا الْقَبِيل صنف من المعجزة، وَهُوَ مَا يتَعَلَّق بِالْقُوَّةِ المحركة للنَّفس، بِأَن يبلغ قوتها إِلَى حَيْثُ تتمكن من التَّصَرُّف فِي أجسام الْعَالم تصرفها فِي بدنهَا، كتدمير قوم برِيح عَاصِفَة أَو صَاعِقَة أَو زَلْزَلَة أَو طوفان، وَرُبمَا يستعان فِيهِ بالتضرع والابتهال إِلَى الْبَارِي تَعَالَى كَأَن يَسْتَقِي للنَّاس فيسقوا وَيَدْعُو عَلَيْهِم فيخسف بهم، وَيَدْعُو لَهُم فينجوا من المهالك ويندرج فِي هَذَا النَّوْع صنف من السحر أَيْضا، كَمَا فِي بعض النُّفُوس الخبيثة الَّتِي تقوى فِيهَا الْقُوَّة الوهمية بالرياضة والمجاهدة تسلطها على التَّأْثِير فِي إِنْسَان آخر بتوجه تَامّ وعزيمة صَادِقَة إِلَى أَن يحصل الْمَطْلُوب، كإمراض شخص بل إفنائه وَرُبمَا يستعان فِي تَقْوِيَة هَذِه الْقُوَّة الوهمية بِضَم بعض الْأَجْسَام إِلَى بعض، وبشد بعض إِلَى بعض، وغرز الإبر فِي الْأَشْيَاء، وَدفن بعض الْأَشْيَاء فِي مَوَاضِع مَخْصُوصَة، كالعتبة والمقابر وَتَحْت النَّار قَالَ الشَّيْخ سعد الدّين: غرائب الْأَحْوَال وَالْأَفْعَال الَّتِي تظهر من النُّفُوس الإنسانية فِيمَا يتَعَلَّق بأفعالها مثل المعجزات والكرامات والإصابة بِالْعينِ وَمَا يتَعَلَّق بإدراكاتها حَالَة النّوم واليقظة نَحْو مُشَاهدَة مَا لَا حُضُور لَهُ بمحض خلق الله تَعَالَى عندنَا من غير تَأْثِير للنفوس خلافًا للفلاسفة وَالْحق أَن تَأْثِير قدرَة الله تَعَالَى لَيْسَ مُنْقَطِعًا فِي كل حَال عَن تَأْثِير المؤثرات، فصدور مَا صدر عَنْهَا أَيْضا يلْزم أَن يكون بقدرة الله، فَيكون الْأَثر الصَّادِر عَنْهَا صادرا عَن قدرَة الله تَعَالَى وإرادته، صُدُور الْأَثر عَن سَبَب السَّبَب
التغليب: هُوَ لُغَة إِيرَاد اللَّفْظ الْغَالِب وَعرفا: هُوَ أَن يغلب على الشَّيْء مَا لغيره لتناسب بَينهمَا أَو اخْتِلَاط، كالأبوين فِي الْأَب وَالأُم، والمشرقين والمغربين والخافقين فِي الْمشرق وَالْمغْرب، والقمرين فِي الشَّمْس وَالْقَمَر، والعمرين فِي أبي بكر وَعمر، والمروتين فِي الصَّفَا والمروة وَلأَجل الِاخْتِلَاط أطلقت كلمة (من) على مَا لَا يعقل فِي نَحْو:{فَمنهمْ من يمشي على بَطْنه} ؛ وَأطلق اسْم المخاطبين على الغائبين فِي نَحْو: {اعبدوا ربكُم الَّذِي خَلقكُم وَالَّذين من قبلكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُون} لِأَن (لَعَلَّ) مُتَعَلقَة ب (خَلقكُم)
والمذكرين على الْمُؤَنَّث حَتَّى عدت مِنْهُم نَحْو: {وَكَانَت من القانتين} ؛ وَالْمَلَائِكَة على إِبْلِيس حَتَّى اسْتثْنِي فِي {فسجدوا إِلَّا إِبْلِيس} والمخاطبين والعقلاء على الغائبين والأنعام فِي قَوْله تَعَالَى: {يذرؤكم فِيهِ} وَمن التغليب قَوْله: {أَو لتعودن فِي ملتنا} لِأَن شعيبا لم يكن فِي ملتهم قطّ، بِخِلَاف الَّذين آمنُوا مَعَه
وَالْعرب تغلب الْأَقْرَب على الْأَبْعَد بِدَلِيل تَغْلِيب الْمُتَكَلّم على الْمُخَاطب، وهما على الْغَائِب فِي الْأَسْمَاء نَحْو:(أَنا وَأَنت قمنا) و (أَنْت وَزيد قمتما)
وَاسْتدلَّ بذلك على أَن الْمُضَارع يسْتَعْمل للْحَال بِلَا قرينَة، لِأَن الْحَال أقرب، وللمستقبل بِقَرِينَة السِّين أَو سَوف، وَإِنَّمَا الْآن والساعة قرينَة لنفي الْمجَاز لَا لتحققه، كَقَوْلِك:(رَأَيْت أسدا يفترس) ، وَكَذَا يغلب الأعرف على غَيره، وَلَو اعْترض على هَذَا بِلُزُوم كَون اسْم الْإِشَارَة أعرف من اسْم الْعلم، مَعَ أَن أَكثر النُّحَاة على عَكسه، وَلِهَذَا جَازَ نعت الْعلم باسم الْإِشَارَة دون الْعَكْس
فَلَا يُقَال: (جَاءَ هَذَا زيد) فيجاب عَنهُ بِأَن الْعلم وَإِن كَانَ أعرف مِنْهُ من حَيْثُ إِن تَعْرِيف العلمية لَا يُفَارق الْمُعَرّف حَاضرا كَانَ أَو غَائِبا، حَيا كَانَ أَو مَيتا بِخِلَاف اسْم الْإِشَارَة، لكنه فِي قطع الِاشْتِرَاك دون اسْم الْإِشَارَة، لِأَن تَعْرِيفه حظا من الْعين وَالْقلب؛ وَالْعلم حَظه من الْقلب خَاصَّة
وَقد يُرَاد بالتغليب تَعْمِيم اللَّفْظ الْعَام بِحَسب الْوَضع على مَا هُوَ غير المصطلح
قَالَ التِّرْمِذِيّ: " قد يكون التغليب لقُوَّة مَا يغلب وفضله كَمَا فِي (أَبَوَانِ) ؛ وَقد يكون لمُجَرّد كَونه مذكرا كَمَا فِي (القمرين) ؛ وَقد يكون لقلَّة حُرُوفه بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْمُغَلب عَلَيْهِ كَمَا فِي (العمرين) ، وَقد يكون لكثرته كَمَا فِي قصَّة شُعَيْب وقصة لوط وقصة مَرْيَم وقصة آدم عليهم السلام "
ومدار التغليب على جعل بعض المفهومات تَابعا لبَعض، دَاخِلا تَحت حكمه فِي التَّعْبِير عَنْهُمَا
بِعِبَارَة مَخْصُوصَة للمغلب بِحَسب الْوَضع الشخصي أَو النوعي، وَلَا عِبْرَة فِي الْوحدَة والتعدد لَا فِي جَانب الْغَالِب وَلَا فِي جَانب المغلوب
والمشاكلة وَإِن كَانَ فِيهَا أَيْضا جعل بعض المفهومات تَابعا لبَعض دَاخِلا تَحت حكمه فِي التَّعْبِير عَنهُ بِعِبَارَة الْمَتْبُوع إِلَّا أَنه يعبر فِيهَا عَن كل من المشاكلين بِعِبَارَة مُسْتَقلَّة
وشبهة الْجمع بَين الْحَقِيقَة وَالْمجَاز فِي بَاب التغليب إِنَّمَا وَردت إِذا أُرِيد كل من الْمَعْنيين بِاللَّفْظِ، وَفِيه أُرِيد بِهِ معنى وَاحِد مركب من الْمَعْنى الْحَقِيقِيّ والمجازي، وَلم يسْتَعْمل اللَّفْظ فِي كل وَاحِد مِنْهُمَا بل فِي الْمَجْمُوع مجَازًا نعم إِنَّمَا يتمشى هَذَا فِي مثل (العمرين) و {مَا تَعْبدُونَ من دون الله} وَأما فِي نَحْو {أَو لتعودن} فَلَا يتمشى، لِأَن الْعود إِن أخرج عَن مَعْنَاهُ الْحَقِيقِيّ إِلَى الْمَعْنى الْمجَازِي فَلَا تَغْلِيب؛ وَإِن أُبْقِي على مَعْنَاهُ الْحَقِيقِيّ يلْزم الْمَحْذُور الْمَذْكُور وَلَا مجَاز للتركيب بَينهمَا
وَقد يكون التغليب كِنَايَة، فَإِن قَوْله تَعَالَى:{بل أَنْتُم قوم تجهلون} من قبيل الِالْتِفَات الْمَعْدُود من الْكِنَايَة
وَاعْلَم أَن التغليب أَمر قياسي يجْرِي فِي كل متناسبين ومختلطين بِحَسب المقامات، لَكِن غَالب أمره دائر على الخفة والشرف
التلفيف: هُوَ لُغَة لف الشَّيْء فِي الشَّيْء قَالَ ابْن أبي الإصبع فِي " بَدَائِع الْقُرْآن ": هُوَ عبارَة عَن إِخْرَاج الْكَلَام مخرج التَّعْلِيم بِحكم أَو أدب لم يرد الْمُتَكَلّم ذكره، وَإِنَّمَا قصد ذكر حكم خَاص دَاخل فِي عُمُوم الحكم الْمَذْكُور الَّذِي خرج بتعليمه وَبَيَان هَذَا التَّعْرِيف أَن يسْأَل السَّائِل عَن حكم هُوَ نوع من أَنْوَاع جنس تَدْعُو الْحَاجة إِلَى بَيَانهَا، كلهَا أَو أَكْثَرهَا، فيعدل المسؤول عَن الْجَواب الْخَاص عَمَّا سُئِلَ عَنهُ من تَبْيِين ذَلِك النَّوْع، ويجيب بِجَوَاب عَام بتضمين الْإِبَانَة عَن الحكم المسؤول عَنهُ وَعَن غَيره لدعاء الْحَاجة إِلَى بَيَانه مِنْهُ قَوْله تَعَالَى:{يَسْأَلُونَك مَاذَا يُنْفقُونَ} إِلَى آخِره على مَا رُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس أَن عَمْرو بن الجموح الانصاري قَالَ: يَا رَسُول الله مَاذَا ينْفق من ينْفق من أَمْوَاله وَأَيْنَ يَضَعهَا؟ فَنزلت نقلهَا الزَّمَخْشَرِيّ فَكَانَ من قبيل تلقي السَّائِل بِمَا يتطلب وَزِيَادَة، كَمَا هِيَ طَريقَة التَّعْلِيم فِي جَوَاب الاسترشاد، إِذْ حق الْمعلم أَن يكون كطبيب يتحَرَّى شِفَاء سقيم فيبين المعالجة على مَا يَقْتَضِيهِ الْمَرَض، لَا على مَا يحكيه الْمَرِيض وَحُصُول الْجَواب ضمنا مَعَ التَّصْرِيح بِغَيْرِهِ قرينَة على عدم الاهتمام بِهِ وَمَعَ هَذَا الْكل مجمعون على أَن المسؤول عَنهُ مَذْكُور وَإِذا كَانَ كَذَلِك فقد أُجِيب عَن السُّؤَال بأزيد من جَوَابه، كَقَوْلِه تَعَالَى:{مَا كَانَ مُحَمَّدًا أَبَا أحد من رجالكم وَلَكِن رَسُول الله وَخَاتم النَّبِيين} فَإِنَّهُ جَوَاب سُؤال مُقَدّر
قيل: أَتَرَى مُحَمَّدًا أَبَا زيدا؟ فَأتى بِالْجَوَابِ الْعَام ليُفِيد هَذَا الترشيح التَّمْهِيد للمعنى المُرَاد، وَهُوَ الْإِخْبَار بِأَن مُحَمَّدًا خَاتم النَّبِيين، فالتف معنى الْخَاص فِي الْمَعْنى الْعَام فَأفَاد نفي الْأُبُوَّة بِالْكُلِّيَّةِ لأحد من الرِّجَال، وَفِي ذَلِك نفي الْأُبُوَّة لزيد
التَّقْدِير: هُوَ تَحْدِيد كل مَخْلُوق بحده الَّذِي يُوجد من حسن وقبح ونفع وضر وَغير ذَلِك
[وَالْقدر: هُوَ مَا يقدره الله من الْقَضَاء وَيُقَال: قدرت الشَّيْء أقدره، وأقدره قدرا، وَقدرته تَقْديرا فَهُوَ قدر أَي مَقْدُور، كَمَا يُقَال: هدمت الْبناء فَهُوَ هدم أَي مهدوم، وَلَك أَن تسكن الدَّال مِنْهُ وَهُوَ فِي الأَصْل مصدر يُرَاد بِهِ الْمُقدر تَارَة وَالتَّقْدِير أُخْرَى
فِي " الأساس ": الْأُمُور تجْرِي بِقدر الله ومقداره وَتَقْدِيره وإقداره ومقاديره، فالقدر وَالتَّقْدِير كِلَاهُمَا تبين كمية الْأَشْيَاء
وَيَجِيء التَّقْدِير بِمَعْنى التَّخْصِيص الَّذِي هُوَ نتيجة الْإِرَادَة التابعة للْعلم، أَو نتيجة الْحِكْمَة التابعة لَهُ كَمَا فِي " التَّعْدِيل " وَغَيره وَإِذا كَانَ التَّقْدِير تَابعا للْعلم التَّابِع للمعلوم فِي الْمَاهِيّة كَمَا هُوَ الحَدِيث الْمَشْهُور الَّذِي رَوَاهُ ثَمَانِيَة من الصَّحَابَة فتقدير السَّعَادَة قبل أَن يُولد لَا يدْخلهُ فِي حيّز ضَرُورَة السَّعَادَة وَكَذَا تَقْدِير الشقاوة قبل أَن يُولد لَا يُخرجهُ عَن قابلية السَّعَادَة، وَلَيْسَ التَّقْدِير أَنه إِن فعل كَذَا كَانَ كَذَا وَإِلَّا لَا، لِأَن الْوَاقِع بخلقه تَعَالَى أَحدهمَا معينا
ثمَّ التَّقْدِير إِمَّا بالحكم مِنْهُ تَعَالَى أَن يكون كَذَا أَو أَن لَا يكون كَذَا، إِمَّا على سَبِيل الْوُجُوب وَإِمَّا على سَبِيل الْإِمْكَان وعَلى ذَلِك قَوْله تَعَالَى:{قد جعل الله لكل شَيْء قدرا} وَإِمَّا بِإِعْطَاء الْقُدْرَة عَلَيْهِ
وَقَوله تَعَالَى: {وَكَانَ أَمر الله قدرا مَقْدُورًا} أَي قَضَاء مبتوتا وَقَالَ بَعضهم: (قدرا) إِشَارَة إِلَى مَا سبق بِهِ الْقَضَاء وَالْكِتَابَة فِي اللَّوْح الْمَحْفُوظ، وَهُوَ الْمشَار إِلَيْهِ بقوله:" فرغ رَبك من الْخلق وَالْأَجَل والرزق " و (مَقْدُورًا) إِشَارَة إِلَى مَا يحدث حَالا فحال، وَهُوَ الْمشَار إِلَيْهِ بقوله:{كل يَوْم هُوَ فِي شَأْن} يَعْنِي شؤونا يبديها لَا شؤونا يبتديها، وَلَا يُنَافِيهِ قَضِيَّة " رفعت الأقلام وجفت الصُّحُف " لِأَن الْجُود الإلهي لما كَانَ مقتضيا لتكميل الموجودات قدر بلطف حكمته زَمَانا يخرج تِلْكَ الْأُمُور من الْقُوَّة إِلَى الْفِعْل قَالَ الْفَخر الرَّازِيّ رحمه الله فِي تَفْسِير قَوْله تَعَالَى:{وَكَانَ أَمر الله قدرا مَقْدُورًا} : الْقَضَاء مَا يكون مَقْصُودا فِي الأَصْل وَالْقدر مَا يكون تَابعا، فالخير كُله بِقَضَاء، وَمَا فِي الْعَالم من الضَّرَر فبقدر]
(وَتَقْدِير الله الْأَشْيَاء على وَجْهَيْن: أَحدهمَا: بِإِعْطَاء الْقُدْرَة
وَالثَّانِي: بِأَن يجعلهما على مِقْدَار مَخْصُوص وَوجه مَخْصُوص حَسْبَمَا اقتضته الْحِكْمَة؛ وَمَا أوجده بِالْفِعْلِ بِأَن أبدعه كَامِلا دفْعَة لَا يَعْتَرِيه الْكَوْن وَالْفساد إِلَى أَن يَشَاء أَن يفنيه أَو يُبدلهُ، كالسماوات بِمَا فِيهَا؛ وَمَا جعل أُصُوله مَوْجُودَة بِالْفِعْلِ وأجراه بِالْقُوَّةِ وَقدره على وَجه لَا يَتَأَتَّى فِيهِ غير مَا قدر فِيهِ، كتقدير مني الْآدَمِيّ أَن يكون مِنْهُ إِنْسَان لَا حَيَوَان)
وَالتَّقْدِير فِي الْكَلَام: لتصحيح اللَّفْظ وَالْمعْنَى، وَقد يكون لتوضيح الْمَعْنى كَمَا قَالَ عبد القاهر فِي تَقْدِير اللَّام بَين الْمُضَاف والمضاف إِلَيْهِ
وَيَنْبَغِي تقليل الْمُقدر مَا أمكن لثقل مُخَالفَة الأَصْل، فالتقدير فِي (أَنْت مني فرسخان)(بعْدك مني فرسخان) أولى من (أَنْت مني ذُو مَسَافَة فرسخين) وَالتَّقْدِير فِي {أشربوا فِي قُلُوبهم الْعجل} (الْحبّ أولى من حب عبَادَة الْعجل) وَإِذا استدعى الْكَلَام تَقْدِير أَسمَاء متضايقة أَو مَوْصُوف وَصفَة مُضَافَة أَو جَار ومجرور مُضْمر عَائِد على مَا يحْتَاج الرابط إِلَيْهِ فَلَا يقدر أَن ذَلِك حذف دفْعَة وَاحِدَة بل على التدريج، فَيقدر فِي نَحْو (كَالَّذي يغشى عَلَيْهِ) (كدوران عين الَّذِي يغشى عَلَيْهِ) وَفِي نَحْو قَوْله تَعَالَى:{وَاتَّقوا يَوْمًا لَا تجزي نفس عَن نفس شَيْئا} (لَا تجزي فِيهِ) ثمَّ حذف الضَّمِير مَنْصُوبًا لَا مخفوضا قَالَه الْأَخْفَش
وَيَنْبَغِي أَن يكون الْمُقدر من لفظ الْمَذْكُور مهما أمكن، فَيقدر فِي (ضربي زيدا قَائِما) ضربه قَائِما، فَإِنَّهُ من لفظ الْمُبْتَدَأ دون (إِذْ كَانَ) إِن أُرِيد الْمُضِيّ و (إِذْ كَانَ) إِن أُرِيد الْمُسْتَقْبل، وَيقدر فِي (زيدا أضربه) (اضْرِب) دون (أهن) فَإِن منع من تَقْدِير الْمَذْكُور مَانع معنوي نَحْو:(زيدا اضْرِب أَخَاهُ) أَو صناعي نَحْو: (زيدا امرر بِهِ) قدر مَا لَا مَانع لَهُ؛ فَيقدر فِي الأولى (أهن) دون (اضْرِب) وَفِي الثَّانِيَة (جَاوز) دون (امرر) ، لِأَنَّهُ لَا يَتَعَدَّ بِنَفسِهِ
نعم إِن كَانَ الْعَامِل مِمَّا يتَعَدَّى تَارَة بِنَفسِهِ وَتارَة بِحرف الْجَرّ نَحْو: (نصح) فِي قَوْلك: (زيدا نصحت لَهُ) جَازَ أَن يقدر (نصحت زيدا) بل هُوَ أولى من تَقْدِير غير الملفوظ بِهِ
التَّخْصِيص: هُوَ الحكم بِثُبُوت الْمُخَصّص لشَيْء ونفيه عَمَّا سواهُ [وَكِلَاهُمَا عبارتان عَن معنى وَاحِد] وَيُقَال أَيْضا: تَمْيِيز أَفْرَاد بعض الْجُمْلَة بِحكم اخْتصَّ بِهِ
وخصصت فلَانا بِالذكر: أَي ذكرته دون غَيره
و {الله يخْتَص برحمته من يَشَاء} أَي يَجعله مُنْفَردا بِالرَّحْمَةِ لَا يرحم سواهُ،
وَتَخْصِيص تَقْدِيم مَا هُوَ أولى بالتقديم يُنَاسب فِيمَا يعْتَبر فِيهِ حَال مَا هُوَ أَعلَى حَالا وَهُوَ السَّائِل
وَتَخْصِيص تَأْخِير مَا هُوَ أولى بالتقديم يُنَاسب فِيمَا يعْتَبر فِيهِ حَال مَا هُوَ أَعلَى حَالا أَيْضا، وَهُوَ الْمُنكر
وَتَخْصِيص الْعَام بِالنِّيَّةِ مَقْبُول ديانَة لَا قَضَاء؛ وَعند الْخصاف: يَصح قَضَاء أَيْضا
والتخصيص: قصر الْعَام على بعض مَا يتَنَاوَلهُ عِنْد الشَّافِعِيَّة؛ وَأما عِنْد الحنيفة فَهُوَ الْقصر عَلَيْهِ بِدَلِيل مُسْتَقل لَفْظِي مُقَارن احْتَرز بمستقبل عَن الصّفة وَالِاسْتِثْنَاء وَالشّرط والغاية، وبلفظي عَن الْمُقْتَضى كَقَوْلِه تَعَالَى:{خَالق كل شَيْء} فَالله تَعَالَى مَخْصُوص مِنْهُ وَتَخْصِيص الْعَام بِدَلِيل الْعقل جَائِز عِنْد عَامَّة الْفُقَهَاء، وَجَاز ذَلِك عِنْد الْعَامَّة إِلَى أَن يبْقى مِنْهُ وَاحِد كاستثناء مَا زَاد على الْوَاحِد من لَفْظَة الْعُمُوم
وَجَاز ذَلِك أَيْضا فِي مَوضِع الْخَبَر، بِدَلِيل
وَتَخْصِيص السمعي بالسمعي إِذا كَانَا مثلين جَائِز، كتخصيص الْكتاب بِالْكتاب، والمتواتر بِالْكتاب، وَالْكتاب بالمتواتر وَكَذَا التَّخْصِيص بِفعل النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَكَذَا بِالْإِجْمَاع
وَفِي تَخْصِيص الْكتاب والمتواتر بِالْقِيَاسِ وَخبر الْوَاحِد اخْتِلَاف
وَمن أَصْحَاب الشَّافِعِي من أبي تَخْصِيص السّنة بِالْكتاب
وَالْخلاف فِي تَخْصِيص الْعِلَل إِنَّمَا هُوَ فِي الْأَوْصَاف المؤثرة فِي الْأَحْكَام لَا فِي الْعِلَل الَّتِي هِيَ أَحْكَام شَرْعِيَّة، كالعقود والفسوخ
وَلَا يجوز تَخْصِيص الْعلَّة على قَول مَشَايِخ سَمَرْقَنْد؛ وَإِلَيْهِ ذهب كَبِيرهمْ أَبُو مَنْصُور الماتردي، وَهُوَ أظهر أَقْوَال الشَّافِعِي، وَجوزهُ مَشَايِخ الْعرَاق وَالْقَاضِي أَبُو زيد مِمَّا وَرَاء النَّهر، وَبِه قَالَت الْمُعْتَزلَة، وَيُسمى تَخْصِيص الْقيَاس
وَلَا يخفى أَن فِي القَوْل بتخصيص الْعلَّة نِسْبَة التَّنَاقُض إِلَى الله، تَعَالَى عَن ذَلِك بَيَانه: أَن من قَالَ: إِن الْمُؤثر فِي استدعاء الحكم فِي مَوضِع النَّص هَذَا الْوَصْف فقد قَالَ: إِن الشَّرْع جعله عِلّة ودليلا وأمارة على الحكم أَيْنَمَا وجد أبدا حَتَّى يُمكنهُ التَّعْدِيَة؛ فَمَتَى وجد ذَات الْمَوْصُوف وَلَا حكم لَهُ لم يكن أَمارَة ودليلا على الحكم شرعا، فَكَأَنَّهُ قَالَ: هُوَ دَلِيل الحكم شرعا فَلَيْسَ بِدَلِيل وأمارة وَهَذَا تنَاقض ظَاهر، وَدلَالَة مَا خص فِي التَّخْصِيص فِي الْأَعْيَان بَاقِيَة
[وَفِي التَّخْصِيص فِي الْأَزْمَان زائلة بالنسخ،
والتخصيص فِي الرِّوَايَات وَفِي متفاهم النَّاس وَفِي الْعُقُوبَات يدل على نفي الحكم عَمَّا عداهُ، كَذَا فِي أَكثر الْمُعْتَبرَات، وَقَالَ صَاحب " النِّهَايَة ": ذَلِك أغلبي لَا كلي وَقَالَ بَعضهم: التَّخْصِيص فِي الرِّوَايَات يُوجب نفي الحكم عَمَّا عدا الْمَذْكُور، وَهَذَا إِذا لم يدْرك للتخصيص فَائِدَة سوى نفي الحكم عَمَّا عداهُ، فَأَما إِذا وجد فيكتفي بِهَذِهِ الْفَائِدَة، وَلَا يحكم بِنَفْي الحكم عَمَّا عداهُ بِسَبَب التَّخْصِيص وَلَو فِي الرِّوَايَات، وَهَذَا الْقَيْد يُسْتَفَاد من عبارَة الْعَلامَة النَّسَفِيّ حَيْثُ قَالَ: إِن التَّخْصِيص بالشَّيْء لَا يدل على نفي مَا عداهُ عندنَا، وَحَيْثُ دلّ إِنَّمَا دلّ لأمر خَارج لَا من التَّخْصِيص، فالاستدلال بقوله تَعَالَى:{كلا إِنَّهُم عَن رَبهم يَوْمئِذٍ لمحجوبون} من حَيْثُ كَون الْكفَّار محجوبين عُقُوبَة لَهُم، فَيكون أهل الْجنَّة بخلافهم، وَإِلَّا لَا يكون الْحجب فِي حق الْكفَّار عُقُوبَة لِاسْتِوَاء الْفَرِيقَيْنِ فِي الْحجب حِينَئِذٍ وَقَالَ بَعضهم: تَخْصِيص الشَّيْء بِالذكر لَا يدل على نفي الحكم عَن الْمَسْكُوت عَنهُ فَإِن قَوْلنَا: مُحَمَّد رَسُول الله، لَا يدل على نفي الرسَالَة عَن غَيره وَفَائِدَته تَعْظِيم الْمَذْكُور وتفضيله على غَيره، كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى:{مِنْهَا أَرْبَعَة حرم ذَلِك الدّين الْقيم} إِذْ الْمنْهِي حرَام فِي غَيره من الشُّهُور
وَفِي " حقائق الْمَنْظُومَة ": التَّخْصِيص بِالصّفةِ لَا يدل على نفي الحكم عَمَّا عداهُ، وَقَالَ ابْن كَمَال: تَخْصِيص الشَّيْء بِالذكر وَإِن لم يدل على النَّفْي عَمَّا عداهُ لكنه فِي النُّصُوص سلمنَا الْإِطْلَاق لكنه لَا يرفع الْإِيهَام
والتخصيص فِي الرِّوَايَات مثل قَوْله: " وَلَيْسَ على الْمَرْأَة أَن تنقض ضفائرها فِي الْغسْل " فَدلَّ على أَن الرجل ينْقض
وَفِي الْمُعَامَلَات مثلا إِذا أَمر بِأَن يَشْتَرِي لَهُ عبدا فَإِنَّهُ لَا يجوز أَن يَشْتَرِي لَهُ عَبْدَيْنِ
وَفِي الْعُقُوبَات مثل قَوْله تَعَالَى: {كلا إِنَّهُم عَن رَبهم يَوْمئِذٍ لمحجوبون} فَدلَّ على أَن الْمُؤمنِينَ غير محجوبين
والتخصيص: تقليل الِاشْتِرَاك فِي النكرات
والتوضيح: رفع الِاحْتِمَال فِي المعارف]
التَّيَمُّم: فِي اللُّغَة: الْقَصْد على الْإِطْلَاق
وَفِي الشَّرْع: الْقَصْد إِلَى الصَّعِيد لإِزَالَة الْحَدث
وَالتَّيَمُّم: خلف عَن الْكل، وَالْمسح عَن الْبَعْض، والصعيد إِن جعل خلفا عَن المَاء فِي التَّيَمُّم، فَحكم الأَصْل إِفَادَة الطَّهَارَة وَإِزَالَة الْحَدث فَكَذَا حكم الْخلف، وَإِن جعل خلفا عَن التَّوَضُّؤ فِي إِبَاحَة الدُّخُول فِي الصَّلَاة بِوَاسِطَة رفع الْحَدث لطهارة حصلت بِهِ لَا مَعَ الْحَدث فَكَذَا التَّيَمُّم، إِذْ لَو كَانَ خلفا فِي حق الْإِبَاحَة مَعَ الْحَدث لم يكن خلفا، وَقَالَ الشَّافِعِي: هُوَ خلف ضَرُورِيّ، بِمَعْنى أَنه تثبت خلفيته ضَرُورَة الْحَاجة إِلَى إِسْقَاط الْفَرْض عَن الذِّمَّة مَعَ قيام الْحَدث، كطهارة الْمُسْتَحَاضَة فَلَا يجوز تَقْدِيمه على الْوَقْت، وَلَا أَدَاء فرضين بِتَيَمُّم وَاحِد، أما قبل الْوَقْت فلانتفاء الضَّرُورَة المبيحة، وَأما بعد أَدَاء فرض وَاحِد فلزوال الضَّرُورَة؛ وَعِنْدنَا جَازَ قبل الْوَقْت وَأَدَاء الْفَرَائِض أَيْضا بِتَيَمُّم وَاحِد، ثمَّ إِن النِّيَّة فِي التَّيَمُّم مُتَّفق عَلَيْهَا، بِخِلَاف النِّيَّة فِي الْوضُوء وَالْغسْل قَالَ
الْحَنَفِيّ: كل من الْوضُوء وَالْغسْل طَهَارَة بالمائع فَلَا تجب فيهمَا النِّيَّة، كإزالة النَّجَاسَة، فَإِنَّهَا لَا تجب النِّيَّة فِي الطَّهَارَة لَهَا، بِخِلَاف التَّيَمُّم لِأَنَّهُ بالجامد، فيعترضه الشَّافِعِي بِأَن كلا مِنْهُمَا طَهَارَة، فيستوي جامدها ومائعها كالنجاسة، يَسْتَوِي جامدها ومائعها فِي حكمهَا، وَقد وَجَبت النِّيَّة فِي التَّيَمُّم فلتجب أَيْضا فِي الْوضُوء وَالْغسْل، فَيَقُول الْحَنَفِيّ بِالْفرقِ بإبداء خُصُوصِيَّة فِي الأَصْل وَهِي أَن الْعلَّة فِي الأَصْل كَون الطَّهَارَة بِالتُّرَابِ، لَا مُطلق الطَّهَارَة، أَو لِأَن الأَصْل فِي الشُّرُوط الْمَأْمُور بهَا أَن يُلَاحظ فِيهَا جِهَة الشّرطِيَّة، فيكتفى بِمُجَرَّد وجوده بِلَا اشْتِرَاط النِّيَّة فِيهَا، وَالْقَصْد فِي إيجادها والضوء من هَذَا الْقَبِيل، وَقد يُلَاحظ فِيهَا جِهَة كَونهَا مَأْمُورا بهَا، إِذا دلّت عَلَيْهِ قرينَة فَيشْتَرط فِيهَا النِّيَّة، وَالتَّيَمُّم من هَذَا الْقَبِيل فَإِنَّهُ وَإِن كَانَ شرطا أَيْضا لَكِن لما وَقع التَّيَمُّم جَزَاء للشّرط فِي قَوْله تَعَالَى:{وَإِن كُنْتُم مرضى} إِلَى آخِره علم أَنه لَيْسَ من الشُّرُوط الَّتِي لَا يعْتَبر فِيهَا الْقَصْد فترجح جَانب كَونه مَأْمُورا بِهِ بِالضَّرُورَةِ، فَاشْترط فِيهِ النِّيَّة لهَذِهِ الْقَرِينَة ضَرُورَة وَلما كَانَ الْوضُوء شرطا للصَّلَاة وَلم تدل قرينَة على جِهَة كَونه مَأْمُورا بِهِ لم يشْتَرط فِيهِ النِّيَّة، فَاكْتفى بِمُجَرَّد وجوده بِلَا اشْتِرَاط النِّيَّة فِيهِ، فَإِن قيل: بِمَ اشْترط النِّيَّة فِي التَّيَمُّم مَعَ أَن النَّص سَاكِت عَنهُ؟ قُلْنَا: الْأَمر بِقصد الصَّعِيد يُوجب الائتمار بِهِ، وَقصد الائتمار عين النِّيَّة، فَإِن اتّفق مسح الْوَجْه وَالْيَدَيْنِ بالصعيد من غير قصد الائتمار لَا يجوز، لِأَن الصَّعِيد طهُور حكما لَا طبعا، وَفِي الْوضُوء المَاء يزِيل النَّجَاسَة الْحَقِيقِيَّة بالطبع، فيزيل النَّجَاسَة الْحكمِيَّة بالتبع، فَلَو اتّفق غسل أَعْضَاء الْوضُوء بِغَيْر قصد إِبَاحَة الصَّلَاة تُوجد الطَّهَارَة الصَّالِحَة لإباحتها، فَتجوز الصَّلَاة بهَا
التَّأَمُّل: هُوَ اسْتِعْمَال الْفِكر
والتدبر: تصرف الْقلب بِالنّظرِ فِي الدَّلَائِل وَالْأَمر بالتدبر بِغَيْر فَاء للسؤال فِي الْمقَام، وبالفاء يكون بِمَعْنى التَّقْرِير وَالتَّحْقِيق لما بعده، كَذَلِك (تَأمل) و (فَلْيتَأَمَّل)
قَالَ بعض الأفاضل: (تَأمل) بِلَا فَاء إِشَارَة إِلَى الْجَواب الْقوي، وبالفاء إِلَى الْجَواب الضَّعِيف و (فَلْيتَأَمَّل) إِلَى الْجَواب الأضعف
وَمعنى (تَأمل) أَن فِي هَذَا الْمحل دقة وَمعنى، (فَتَأمل) فِي هَذَا الْمحل أَمر زَائِد على الدقة بتفصيل
وَمعنى (فَلْيتَأَمَّل) هَكَذَا مَعَ زِيَادَة بِنَاء على أَن كَثْرَة الْحُرُوف تدل على كَثْرَة الْمَعْنى
و (فِيهِ بحث) : مَعْنَاهُ أَعم من أَن يكون فِي هَذَا الْمقَام تَحْقِيق أَو فَسَاد، فَيحمل على الْمُنَاسب للمحل
و (فِيهِ نظر) يسْتَعْمل فِي لُزُوم الْفساد
وَإِذا كَانَ السُّؤَال أقوى يُقَال: (وَلقَائِل)، فَجَوَابه:(أَقُول) أَو (نقُول) أَي: أَقُول أَنا بإعانة سَائِر الْعلمَاء
وَإِذا كَانَ ضَعِيفا يُقَال: (فَإِن قيل) وَجَوَابه: (أُجِيب) أَو (يُقَال)
وَإِذا كَانَ أَضْعَف يُقَال: (لَا يُقَال) وَجَوَابه (لأَنا نقُول)
وَإِذا كَانَ قَوِيا يُقَال: (فَإِن قلت)، وَجَوَابه:(قُلْنَا) أَو (قلت)
وَقيل: (فَإِن قلت) بِالْفَاءِ: سُؤال عَن الْقَرِيب، وبالواو سُؤال عَن الْبعيد
و (قيل) : فِيمَا فِيهِ اخْتِلَاف؛ وَفِي بعض شُرُوح الْكَشَّاف: فِيهِ إِشَارَة إِلَى ضعف مَا قَالُوا
و (اسْتدلَّ) : فِيمَا ثَبت الدَّلِيل لَا الدَّعْوَى
و (لنا) : فِي الدَّلِيل مَعَ الدعْوَة الثَّابِتَة
[وَعبارَة (لنا) شائعة عِنْد ذكر دَلِيل على الْمُدَّعِي، ويجعلونها خَبرا لما يذكر بعْدهَا من الدَّلِيل]
و (الْأَظْهر) : فِيمَا إِذا قوي الْخلاف ك (الْأَصَح) ؛ وَإِلَّا ف (الْمَشْهُور) كَالصَّحِيحِ
و (فِي الْجُمْلَة) : يسْتَعْمل فِي الْإِجْمَال
و (بِالْجُمْلَةِ) : فِي نتيجة التَّفْصِيل
و (مُحَصل الْكَلَام) : إِجْمَال بعد تَفْصِيل
و (حَاصِل الْكَلَام) : تَفْصِيل بعد الْإِجْمَال
و (فِيهِ مَا فِيهِ) : أَي تَأمل فِيهِ حَتَّى يحصل مَا فِيهِ أَو مَا ثَبت فِيهِ من الْخلَل والضعف حَاصِل فِيهِ
والتنبيه: هُوَ إِعْلَام مَا فِي ضمير الْمُتَكَلّم للمخاطب من (نبهته) بِمَعْنى رفعته من الخمول: أَو من (نبهته من نَومه) بِمَعْنى أيقظته من نوم الْغَفْلَة أَو من (نبهته على الشَّيْء) بِمَعْنى وقفته عَلَيْهِ وَمَا ذكر فِي حيّز التَّنْبِيه بِحَيْثُ لَو تَأمل المتأمل فِي المباحث الْمُتَقَدّمَة فهمه مِنْهَا بِخِلَاف التذنيب
وَيسْتَعْمل التنبه أَيْضا فِيمَا يكون الحكم الْمَذْكُور بعده بديهيا
والتمهيد لُغَة: جعل الْمَكَان على صفة يُمكن أَن يبْنى عَلَيْهِ وَفِي " الْقَامُوس " تمهيد الْأَمر: تسويته وإصلاحه، وَذَلِكَ الْمَكَان المتصف بِتِلْكَ الصّفة يُسمى بِالْأَصْلِ
وَعرفا: هُوَ كَلَام يُوطأ بِهِ فهم كَلَام دَقِيق بِأَيّ وَجه كَانَ
التَّأْلِيف: هُوَ جمع الْأَشْيَاء المتناسبة، من الألفة، وَهُوَ حَقِيقَة فِي الْأَجْسَام، ومجاز فِي الْحُرُوف
والتنظيم: من نظم الْجَوَاهِر، وَفِيه جودة التركب
والتأليف بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْحُرُوف لتصير كَلِمَات، والتنظيم بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْكَلِمَات لتصير جملا
والتركيب: ضم الْأَشْيَاء مؤتلفة كَانَت أَولا، مرتبَة الْوَضع أَولا، فالمركب أَعم من الْمُؤلف والمرتب مُطلقًا
وَالتَّرْتِيب: أَعم مُطلقًا من التنضيد، لِأَن التَّرْتِيب عبارَة عَن وُقُوع بعض الْأَجْسَام فَوق بعض
والتنضيد: عبارَة عَن وُقُوع بَعْضهَا فَوق بعض على سَبِيل التمَاس اللَّازِم لعدم الْخَلَاء
ومراتب تأليف الْكَلَام خمس: الأولى: ضم الْحُرُوف المبسوطة بَعْضهَا إِلَى بعض لتَحْصِيل الْكَلِمَات الثَّلَاث: الِاسْم وَالْفِعْل والحرف
وَالثَّانيَِة: تأليف هَذِه الْكَلِمَات بَعْضهَا إِلَى بعض لتَحْصِيل الْجمل المفيدة، وَيُقَال لَهُ: المنثور من الْكَلَام
وَالثَّالِثَة: ضم بعض ذَلِك إِلَى بعض ضما لَهُ مباد ومقاطع ومداخل ومخارج، وَيُقَال لَهُ: المنظوم
وَالرَّابِعَة: أَن يعْتَبر فِي أَوَاخِر الْكَلَام مَعَ ذَلِك تسجيع، وَيُقَال لَهُ: المسجع
وَالْخَامِسَة: أَن يَجْعَل لَهُ مَعَ ذَلِك وزن، وَيُقَال لَهُ: الشّعْر
والمنظوم: إِمَّا محاورة وَيُقَال لَهُ الخطابة؛ وَإِمَّا مُكَاتبَة وَيُقَال لَهُ: الرسَالَة
فأنواع الْكَلَام لَا تخرج عَن هَذِه الْأَقْسَام
وَأما أَجنَاس الْكَلَام فَهِيَ مُخْتَلفَة ومراتبها فِي دَرَجَات الْبَيَان مُتَفَاوِتَة، فَمِنْهَا البليغ الرصين الجزل، وَمِنْهَا الفصيح الْقَرِيب السهل؛ وَمِنْهَا الْجَائِز الطلق الرُّسُل، وَالْأول أَعْلَاهَا، وَالثَّانِي أوسطها وَالثَّالِث أدناها وأقربها
(وَقد حازت بلاغات الْقُرْآن من كل قسم من هَذِه الْأَقْسَام حِصَّة، وَأخذت من كل نوع شُعْبَة)
وَقد تُوجد الْفَضَائِل الثَّلَاث على التَّفَرُّق فِي أَنْوَاع الْكَلَام
فَأَما أَن تُوجد مَجْمُوعَة فِي نوع وَاحِد مِنْهُ فَلم تُوجد إِلَّا فِي كَلَام الْعَلِيم العلام
التَّمْيِيز: مصدر بِمَعْنى الْمُمَيز بِفَتْح الْيَاء، على معنى أَن الْمُتَكَلّم يُمَيّز هَذَا الْجِنْس من سَائِر الْأَجْنَاس الَّتِي توقع الْإِبْهَام، أَو بِكَسْر الْيَاء، على معنى أَن هَذَا الِاسْم يُمَيّز مُرَاد الْمُتَكَلّم من غير مُرَاده
والتمييز فِي المشتبهات نَحْو {ليميز الله الْخَبيث من الطّيب}
وَفِي المختلطات نَحْو: {وامتازوا الْيَوْم أَيهَا المجرمون}
و [التَّمْيِيز] قد يُقَال للقوة الَّتِي فِي الدِّمَاغ وَبهَا تستنبط الْمعَانِي وَمِنْه: (فلَان لَا تَمْيِيز لَهُ)
وَسن التَّمْيِيز عِنْد الْفُقَهَاء: وَقت عرفان المضار من الْمَنَافِع
والتمييز: مَا يرفع الْإِبْهَام من الْمُفْرد، والمفرد هُوَ الْمُبْهم الطَّالِب للتمييز لإبهامه الناصب لَهُ، تَمَامه بِالتَّنْوِينِ مثل:(رَطْل زيتا) ؛ أَو بنُون التَّشْبِيه مثل: (منوان سمنا) ؛ أَو بنُون الْجمع مثل: (عشرُون درهما)، أَو بِالْإِضَافَة مثل:(مَا فِي السَّمَاء قدر رَاحَة سحابا) وَأما نَحْو: (طَابَ زيد نفسا) فَهُوَ تَمْيِيز عَن نِسْبَة فِي جملَة، فَإِن الْإِبْهَام إِن كَانَ فِي الْإِسْنَاد فالتمييز الرافع لَهُ تَارَة يُسمى تمييزا عَن الْجُمْلَة، وَأُخْرَى عَن ذَات مقدرَة وَإِن كَانَ الْإِبْهَام فِي أحد طرفِي الْإِسْنَاد فالتمييز الرافع لَهُ يُسمى تمييزا عَن الْمُفْرد تَارَة، وَعَن ذَات مَذْكُورَة أُخْرَى
والتمييز عَن النِّسْبَة: إِذا كَانَ اسْما يُطَابق مَا قصد فِي جَانب الْمُمَيز، من الْإِفْرَاد والتثنية وَالْجمع، إِلَّا أَن يكون جِنْسا يُطلق مُجَردا عَن التَّاء على الْقَلِيل، وَالْكثير فَإِنَّهُ يفرد حِينَئِذٍ، إِلَّا أَن يقْصد الْأَنْوَاع
والتمييز يجوز أَن يكون للتَّأْكِيد مثله فِي: (نعم الرجل رجلا) قَالَ الله تَعَالَى: {ذرعها سَبْعُونَ ذِرَاعا}
وَيجب أَن يكون التَّمْيِيز فَاعِلا؛ إِمَّا لنَفس الْفِعْل الْمَذْكُور نَحْو: (طَابَ زيد نفسا) وَإِمَّا لمتعديه نَحْو: (امْتَلَأَ الْإِنَاء مَاء) فَإِن المَاء لَا يصلح فَاعِلا للامتلاء بل لمتعديه وَهُوَ الملء لِأَنَّهُ مالىء؛ وَإِمَّا للازمه نَحْو: {وفجرنا الأَرْض عيُونا} فَإِن
الأَرْض متفجرة لَا منفجرة
وَشرط التَّمْيِيز الْمَنْصُوب بعد (أفعل) كَونه فَاعِلا فِي الْمَعْنى و {أحصى لما لَبِثُوا أمدا}
(أحصى) : فِيهِ فعل و (أمدا) مفعول مثل: و {أحصى كل شَيْء عددا}
وَيجوز حذف التَّمْيِيز إِذا دلّ عَلَيْهِ دَلِيل نَحْو: {إِن يكن مِنْكُم عشرُون صَابِرُونَ} أَي: رجلا
والمتميز فِي التَّمْيِيز لَا يلْزم أَن يكون مُبْهما قبل التَّمْيِيز
وَأما التَّعْيِين فَإِنَّهُ يلْزم فِيهِ أَن يكون الْمُتَعَيّن مُبْهما قبل التَّعْيِين
التَّصَوُّر: هُوَ بِحَسب الِاسْم تصور مَفْهُوم الشَّيْء الَّذِي لَا يُوجد وجوده فِي الْأَعْيَان، وَهُوَ جَار فِي الموجودات والمعدومات
وَأما التَّصَوُّر بِحَسب الْحَقِيقَة أَي تصور الْمَاهِيّة الْمَعْلُومَة الْوُجُود، فَهُوَ مُخْتَصّ بالموجودات
نقل عَن الشَّيْخ أَن كل مَا يحصل فِي الذِّهْن لَا يَخْلُو من أَن يكون إِمَّا صور الماهيات أَو الإذعان أَو الِاعْتِرَاف أَو الِاعْتِقَاد بمطابقة تِلْكَ الصُّور
فَالْأول: هُوَ التَّصَوُّر، وَالثَّانِي: هُوَ التَّصْدِيق
والإذعان بِاعْتِبَار حُصُوله فِي الذِّهْن أَيْضا تصور لَكِن بخصوصية كَونه إذعانا لغيره تَصْدِيق
وَحُصُول تصور الْإِنْسَان فِي الذِّهْن مَعَ تصور الْفرس لَيْسَ تصورا وَلَا تَصْدِيقًا
والتصور الَّذِي فِيهِ نِسْبَة كالمركب التقييدي لَا فرق بَينه وَبَين التَّصْدِيق، إِلَّا أَنه إِن عبر بالْكلَام التَّام يُسمى تَصْدِيقًا، وَإِن عبر بِغَيْر التَّام يُسمى تصورا
فَإِن كَانَت النِّسْبَة فِي الذِّهْن ناشئة عَمَّا فِي الْأَعْيَان كَانَت صَادِقَة، وَإِلَّا كَانَت كَاذِبَة، سَوَاء عبرت بِكَلَام تَامّ أَو غير تَامّ
وَقد يكون التَّصَوُّر بِلَا نِسْبَة أصلا، فَهُوَ لَا يحْتَمل الصدْق وَالْكذب فحصول الماهيات الْكُلية وَصُورَة الْمُمْتَنع وَنَحْو ذَلِك فِي الذِّهْن، فَإِن تِلْكَ الْأُمُور لَو لم يكن لَهَا صُورَة خَارج الذِّهْن كَانَت كَاذِبَة، بل لَا تكون صَادِقَة وَلَا كَاذِبَة لَا يُقَال: الْمُمْتَنع حَاصِل فِي الذِّهْن، وَالْحَاصِل فِي الذِّهْن مَوْجُود فِي الْأَعْيَان، فالممتنع مَوْجُود فِي الْأَعْيَان، لأَنا نقُول: الْحَاصِل فِي الذِّهْن هُوَ الْمِثَال، والمثال الْقَائِم بالذهن غير مُمْتَنع
والتصور قد يكون علما وَقد لَا يكون كالتصور الْكَاذِب
وَالْعلم قد لَا يكون تصورا كالتصديق
والتصديق أَيْضا قد يكون علما وَقد لَا يكون كالتصديق الْكَاذِب
وَالْعلم قد لَا يكون تَصْدِيقًا بل تصورا، فالعلم أَعم من وَجه من التَّصَوُّر وَكَذَا من التَّصْدِيق
والتصور الضَّرُورِيّ كتصور الْوُجُود، والنظري كتصور الْملك
والتصديق الضَّرُورِيّ كتصديق أَن الْكل أعظم من جزئه
والنظري كتصديق أَن زَوَايَا المثلث تَسَاوِي قائمتين
والتصديق أَمر كسبي، والمعرفة قد تحصل بِدُونِ الْكسْب، حَتَّى إِن بصر إِنْسَان لَو وَقع على شَيْء بِدُونِ اخْتِيَاره يحصل لَهُ معرفَة المبصر بِأَنَّهُ حجر أَو مدر بِدُونِ ربط قلبه عَلَيْهِ بالاشتغال بِأَنَّهُ هُوَ أَو غير ذَلِك
وَأما التَّصْدِيق فعبارة عَن ربط قلبه على شَيْء بِأَنَّهُ على مَا علمه من إِخْبَار الْمخبر بِأَنَّهُ كَذَا، فَربط قلبه على مَعْلُوم من خبر الْمخبر بِأَنَّهُ كَذَا كسبي يثبت بِاخْتِيَار الْمُصدق
والتصديق المنطقي الَّذِي قسم الْعلم إِلَيْهِ وَإِلَى التَّصَوُّر هُوَ بِعَيْنِه اللّغَوِيّ الْمعبر عَنهُ فِي الفارسية ب (كرديدن) الْمُقَابل للتكذيب، إِلَّا أَن التَّصْدِيق مَأْمُور بِهِ فَيكون فعلا اختياريا، بِخِلَاف التَّصْدِيق المنطقي فَإِنَّهُ قد يَخْلُو عَن الِاعْتِبَار كمن وَقع فِي قلبه تَصْدِيق النَّبِي ضَرُورَة عِنْد إِظْهَار المعجزة من غير أَن ينْسب إِلَيْهِ اخْتِيَار، فَإِنَّهُ لَا يُقَال فِي اللُّغَة إِنَّه صدقه
والتصديق إِدْرَاك الكليات، والتصور إِدْرَاك الجزئيات
والتصديق إِدْرَاك مَعَه حكم، والتصور إِدْرَاك لَا حكم مَعَه
[والتصديق يَنْقَسِم إِلَى الْعلم وَالْجهل بِخِلَاف التَّصَوُّر إِذْ لَا جهل مِنْهُ أصلا، وكل تصور مقدم على التَّصْدِيق بِدُونِ الْعَكْس، وكل تَصْدِيق مَوْقُوف على تصور بِدُونِ الْعَكْس؛ وَإِن كَانَ بعض التصورات متوقفة على بعض التصديقات كتصور الْحَقِيقَة فَإِنَّهُ يتَوَقَّف على التَّصْدِيق بالهيئة]
وَذهب الإِمَام إِلَى أَن التَّصْدِيق إِدْرَاك الْمَاهِيّة مَعَ الحكم عَلَيْهَا بِالنَّفْيِ وَالْإِثْبَات
وَذهب الْحُكَمَاء إِلَى أَنه مُجَرّد إِدْرَاك النِّسْبَة خَاصَّة والتصورات الثَّلَاثَة عِنْدهم شُرُوط لَهُ
وَهَذَا معنى قَوْلهم: التَّصْدِيق بسيط على مَذْهَب الْحُكَمَاء، ومركب على مَذْهَب الإِمَام فمذهب الْحُكَمَاء أَن التَّصْدِيق من قَوْلك:(الْعَالم حَادث) مُجَرّد إِدْرَاك نِسْبَة الْحُدُوث إِلَى الْعَالم وَمذهب الإِمَام أَنه الْمَجْمُوع من إِدْرَاك وُقُوع النِّسْبَة، وتصور الْعَالم والحدوث وَالنِّسْبَة وَمَا يتَوَصَّل بِهِ إِلَى التَّصَوُّر يدعى بالْقَوْل الشَّارِح كالحد والرسم، والمثال كالقياس والاستقراء، والتمثيل وَمَا يتَوَصَّل بِهِ إِلَى التَّصْدِيق يُسمى حجَّة
والتصور الْعَام: هُوَ حُصُول صُورَة الشَّيْء فِي الْعقل
والتصور الْخَاص: هُوَ الِاعْتِقَاد الْجَازِم الثَّابِت المطابق للْوَاقِع وَبِهَذَا الِاعْتِبَار يعتري الإنشاءات
التصريع: هُوَ أَن يخترع الشَّاعِر معنى لم يسْبق إِلَيْهِ وَلم يتبعهُ أحد فِيهِ
وَهُوَ على ضَرْبَيْنِ: عروضي وبديعي،
فالعروضي: عبارَة عَن كل بَيت اسْتَوَت عروضه وضربه فِي الْوَزْن وَالْإِعْرَاب والتقفية، إِلَّا أَن عروضه غيرت لتلحق ضربه
والبديعي: كل بَيت يتساوى الْجُزْء الْأَخير من صَدره والجزء الْأَخير من عَجزه فِي الْوَزْن وَالْإِعْرَاب والتقفية؛ وَلَا يعْتَبر بعد ذَلِك شَيْء آخر
وَهُوَ فِي الْأَشْعَار، لَا سِيمَا فِي أول القصائد، وَقد
يَقع فِي أَثْنَائِهَا
والتصريع الْكَامِل: هُوَ أَن يكون كل مصراع مُسْتقِلّا بِنَفسِهِ فِي فهم مَعْنَاهُ، وَأَن يكون الأول غير مُحْتَاج إِلَى الثَّانِي؛ فَإِذا جَاءَ جَاءَ مرتبطا بِهِ، وَأَن يكون المصراعان بِحَيْثُ يَصح وضع كل مِنْهُمَا مَوضِع الآخر
والناقص: هُوَ أَن لَا يفهم معنى الأول إِلَّا بِالثَّانِي
والمكرر: هُوَ أَن يكون بِلَفْظَة وَاحِدَة فِي المصراعين
وَإِن كَانَ فِي المصراع الأول مُعَلّقا على صفة يَأْتِي ذكرهَا فِي أول الثَّانِي يُسمى تَعْلِيقا، وَهُوَ معيب جدا
والمشطور: هُوَ أَن يكون التصريع فِي الْبَيْت مُخَالفا لقافيته
والتشطير: هُوَ أَن يقسم الشَّاعِر بَيته قسمَيْنِ ثمَّ يصرع كل شطر مِنْهُمَا، لكنه يَأْتِي بِكُل شطر من بَيته مُخَالفا لقافيته الْأُخْرَى ليتميز كل شطر عَن أَخِيه
الترصيع: [بِتَقْدِيم الرَّاء] هُوَ نوع من الطباق يُسمى ترصيع الْكَلَام، وَهُوَ اقتران الشَّيْء بِمَا يجْتَمع مَعَه فِي قدر مُشْتَرك، كَقَوْلِه تَعَالَى:{إِن لَك أَن لَا تجوع فِيهَا وَلَا تعرى وَأَنَّك لَا تظمأ فِيهَا وَلَا تضحى} جَاءَ بِالْجُوعِ مَعَ العري، وَالضُّحَى مَعَ الظمأ وَبَاب الْجُوع مَعَ الظمأ، وَالضُّحَى مَعَ العري، لَكِن الْجُوع خلو الْبَاطِن، والعري خلو الظَّاهِر، فاشتركا فِي الْخُلُو، والظمأ احتراق الْبَاطِن، وَالضُّحَى احتراق الظَّاهِر، فاشتركا أَيْضا فِي الاحتراق
التَّنْوِين: هُوَ حرف ذُو مخرج يثبت لفظا لَا خطا؛ وَإِنَّمَا سيم تنوينا لِأَنَّهُ حَادث بِفعل الْمُتَكَلّم، والتفعيل من أبنية الْأَحْدَاث وَله قُوَّة لَيست للنون، لِأَن التَّنْوِين لَا يُفَارق الِاسْم عِنْد عدم الْمَانِع، بِخِلَاف النُّون، وَلِأَن التَّنْوِين مُخْتَصّ بِالِاسْمِ وَهُوَ قوي وَالنُّون، وَلِأَن التَّنْوِين مُخْتَصّ بِالِاسْمِ وَهُوَ قوي وَالنُّون مُخْتَصَّة بِالْفِعْلِ وَهُوَ ضَعِيف
والتنوين زِيَادَة على الْكَلِمَة كالنقل فَإِنَّهُ زِيَادَة على الْفَرْض
وَإِذا وَقع بعد التَّنْوِين سَاكن يكسر لالتقاء الساكنين نَحْو: {قل هُوَ الله أحد الله}
وَإِذا انْفَتح مَا قبل التَّنْوِين يقلب فِي الْوَقْف ألفا
وَإِذا انْضَمَّ أَو أنكسر يحذف
وَمَتى أطلق التَّنْوِين فَإِنَّمَا يُرَاد بِهِ تَنْوِين الصّرْف
وَإِذا أُرِيد غَيره قيد، كالألف وَاللَّام، فَإِنَّهَا مَتى أطلقت فَإِنَّمَا يُرَاد الَّتِي للتعريف، وَإِذا أُرِيد غَيرهَا قيد بالموصولة والزائدة
نظم بعض الأدباء أَقسَام التَّنْوِين:
(أَقسَام تنوينهم عشر عَلَيْك بهَا
…
فَإِن تَحْصِيلهَا من خير مَا حرْزا)
(مكن وَعوض وقابل وَالْمُنكر زد
…
رنم أَو احك اضطرر غال وَمَا همزا)
وتنوين التَّمَكُّن: وَهُوَ اللَّاحِق للأسماء المعربة، نَحْو:{هدى وَرَحْمَة}
والتنكير: وَهُوَ اللَّاحِق لأسماء الْأَفْعَال فرقا بَين مَعْرفَتهَا ونكرتها
والمقابلة: وَهُوَ اللَّاحِق لجمع الْمُؤَنَّث السَّالِم نَحْو: (مسلمات) و (مؤمنات)
والعوض: وَهُوَ إِمَّا عوض عَن حرف آخر لفاعل
المعتل نَحْو {وَمن فَوْقهم غواش} ، أَو عَن اسْم مُضَاف إِلَيْهِ فِي (كل) و (بعض) و (أَي) نَحْو:{كل فِي فلك} ، {تِلْكَ الرُّسُل فضلنَا بَعضهم على بعض} ، و {أيا مَا تدعوا} وَعَن الْجُمْلَة الْمُضَاف إِلَيْهَا (إِذْ) نَحْو:(يَوْمئِذٍ) أَي: يَوْم إِذْ كَانَ كَذَا، أَو (إِذْ) نَحْو:{وَإِنَّكُمْ إِذا لمن المقربين} أَي: إِذا غلبتم
وتنوين الفواصل: وَهُوَ الَّذِي يُسمى فِي غير الْقُرْآن الترنم بَدَلا من حُرُوف الْإِطْلَاق نَحْو {قواريرا} {وَاللَّيْل إِذا يسر} {كلا سيكفرون} بتنوين فِي الثَّلَاثَة وَيكون فِي الِاسْم وَالْفِعْل والحرف، وَلَيْسَ الترنم مَوْضُوعا بِإِزَاءِ معنى من الْمعَانِي، بل هُوَ مَوْضُوع لغَرَض الترنم، كَمَا أَن حُرُوف التهجي مَوْضُوعَة لغَرَض التَّرْكِيب، لَا بِإِزَاءِ معنى من الْمعَانِي
وتنوين الْجمع: هُوَ تَنْوِين الْمُقَابلَة، لَا تَنْوِين التَّمَكُّن، وَلذَلِك يجمع مَعَ اللَّام
والتنوين الغالي: من الغلو وَهُوَ التجاوز عَن الْحَد كَمَا فِي قَوْله:
(وقاتم الأعماق خاوي المخترقن)
وَقد تجَاوز الْبَيْت بلحوق هَذَا التَّنْوِين عَن حد الْوَزْن، وَلِهَذَا يسْقط عَن حد التقطيع، وَمَا بَقِي من التنوينات يطْلب من المفصلات
التسلسل: هُوَ إِمَّا أَن يكون فِي الْآحَاد المجتمعة فِي الْوُجُود أَو لم يكن
الثَّانِي: كالتسلسل فِي الْحَوَادِث
وَالْأول: إِمَّا أَن يكون فِيهَا ترَتّب أَو لَا
الثَّانِي: التسلسل فِي النُّفُوس الناطقة
وَالْأول: إِمَّا أَن يكون ذَلِك التَّرْتِيب طبعيا كالتسلسل فِي الْعِلَل والمعلولات وَالصِّفَات والموصوفات؛ أَو وضعيا كالتسلسل فِي الْأَجْسَام
والتسلسل فِي جَانب الْعِلَل بَاطِل بالِاتِّفَاقِ، وَفِي المعلولات بِأَن لَا تقف، بل يكون بعد كل مَعْلُول مَعْلُول آخر فِيهِ خلاف فَعِنْدَ الْمُتَكَلِّمين لَا يجوز، وَعند الْحُكَمَاء يجوز
والتسلسل فِي الْأُمُور الاعتبارية غير مُمْتَنع بل وَاقع [بِمَعْنى أَن الِاعْتِبَار فِي تِلْكَ الْأُمُور لَا يصل إِلَى حد قد يجب وُقُوعه عِنْده وَلَا يُمكن أَن يتجاوزه، لَا بِمَعْنى أَنَّهَا تترتب فِي الِاعْتِبَار بِالْعقلِ إِلَى غير النِّهَايَة، لِأَن الْعقل لَا يقوى على اعْتِبَار مَا لَا يتناهى فَصله]
التعويض: هُوَ إِقَامَة اللَّفْظ مقَام اللَّفْظ، وَقد جرت الْعَادة على أَنهم يستعملون لفظا مقَام لفظ آخر، ثمَّ يعكسون الْقَضِيَّة فيستعملون ذَلِك الْغَيْر مقَام الأول فَمن ذَلِك لفظ (غير) فَإِنَّهُم يقيمونها مقَام (إِلَّا) فِي بَاب الِاسْتِثْنَاء، ويعكسون الْأَمر فِي بَاب الصّفة ويقيمون لفظ الْمُضَارع مقَام اسْم الْفَاعِل فيعربونه، ثمَّ يعكسون الْأَمر فيعلمونه ويقيمون
لفظ الْحَال، أَعنِي لفظ الْمُشْتَقّ مقَام الْمصدر فَيَقُولُونَ:(قُم قَائِما) ثمَّ يعكسون الْأَمر نَحْو: (أَتَيْته ركضا) فَفِي هَذِه الطَّرِيقَة إِشْعَار بِمَا بَين اللَّفْظَيْنِ من التشابه والتشابك
التَّعْلِيل: هُوَ أَن يُرِيد الْمُتَكَلّم ذكر حكم وَاقع أَو متوقع فَيقدم قبل ذكره عِلّة وُقُوعه، لكَون رُتْبَة الْعلَّة مُتَقَدّمَة على الْمَعْلُول كَقَوْلِه تَعَالَى:{لَوْلَا كتاب من الله سبق لمسكم فِيمَا أَخَذْتُم عَذَاب عَظِيم} فَسبق الْكتاب من الله عِلّة النجَاة من الْعَذَاب
وَمن أحسن أَمْثِلَة التَّعْلِيل قَوْله:
(سَأَلت الأَرْض لم جعلت مصلى
…
وَلم كَانَت لنا طهرا وطيبا)
(فَقَالَت غير ناطقة فَإِنِّي
…
حويت لكل إِنْسَان حبيبا)
[وَالتَّعْلِيل: تَقْرِير ثُبُوت الْمُؤثر لإِثْبَات الْأَثر كَمَا أَن الِاسْتِدْلَال هُوَ تَقْرِير ثُبُوت الْأَثر لإِثْبَات الْمُؤثر
وَالِاسْتِدْلَال فِي عرف أهل الْعلم: هُوَ تَقْرِير الدَّلِيل لإِثْبَات الْمَدْلُول سَوَاء كَانَ ذَلِك من الْأَثر إِلَى الْمُؤثر أَو بِالْعَكْسِ أَو من أحد الْأَمريْنِ إِلَى الآخر]
التَّحْوِيل: هُوَ عبارَة عَن تَبْدِيل ذَات إِلَى ذَات أُخْرَى مثل تَحْويل التُّرَاب إِلَى الطين
والتغيير: عبارَة عَن تَبْدِيل صفة إِلَى صفة أُخْرَى مثل تَغْيِير الْأَحْمَر إِلَى الْأَبْيَض
والتغيير إِمَّا فِي ذَات الشَّيْء أَو جزئه أَو الْخَارِج عَنهُ وَمن الأول: تَغْيِير اللَّيْل وَالنَّهَار وَمن الثَّانِي: تَغْيِير العناصر بتبديل صورها وَمن الثَّالِث: تَغْيِير الأفلاك بتبديل أوضاعها والتحويل يتَعَدَّى وَيلْزم، والتغيير لَا يكون إِلَّا مُتَعَدِّيا
والتحريف: تَغْيِير اللَّفْظ دون الْمَعْنى
والتصحيف: تَغْيِير اللَّفْظ وَالْمعْنَى
التعديد: هُوَ إِيقَاع أَسمَاء مُفْردَة على سِيَاق وَاحِد؛ فَإِن روعي فِي ذَلِك ازدواج أَو مُطَابقَة أَو تجنيس أَو مُقَابلَة فَذَلِك الْغَايَة فِي الْحسن مِثَاله قَوْله تَعَالَى: {ولنبلونكم بِشَيْء من الْخَوْف والجوع وَنقص من الْأَمْوَال والأنفس والثمرات وَبشر الصابرين} وكقول الشَّاعِر:
(الْخَيل وَاللَّيْل والبيداء تعرفنِي
…
والطعن وَالضَّرْب والقرطاس والقلم)
التعسف: هُوَ ارْتِكَاب مَا لَا يجوز عَن الْمُحَقِّقين، وَإِن جوزه الْبَعْض، وَيُطلق على ارْتِكَاب مَا لَا ضَرُورَة فِيهِ وَالْأَصْل عَدمه وَقيل: هُوَ حمل الْكَلَام على معنى لَا تكون دلَالَته عَلَيْهِ ظَاهِرَة، وَهُوَ أخف من الْبطلَان
والتساهل: يسْتَعْمل فِي كَلَام لَا خطأ فِيهِ، وَلَكِن يحْتَاج إِلَى نوع تَوْجِيه تحتمله الْعبارَة
والتسامح: اسْتِعْمَال اللَّفْظ فِي غير مَوْضِعه الْأَصْلِيّ، كالمجاز بِلَا قصد علاقَة مَقْبُولَة، وَلَا نصب قرينَة دَالَّة عَلَيْهِ اعْتِمَادًا على ظُهُور الْفَهم من ذَلِك الْمقَام
والتمحل: الاحتيال، وَهُوَ الطّلب بحيلة
والتخيير: هُوَ أَن يَأْتِي الشَّاعِر بِبَيْت يسوغ فِيهِ أَن يقفى بقواف شَتَّى، فَيتَخَيَّر مِنْهَا قافية مرجحة على سائرها يسْتَدلّ بهَا بتخييره على حسن اخْتِيَاره
كَقَوْلِه:
(إِن الْغَرِيب الطَّوِيل الذيل ممتهن
…
فَكيف حَال غَرِيب مَا لَهُ قوت)
فَإِن (مَا لَهُ قوت) أبلغ من (مَا لَهُ مَال) و (مَا لَهُ أحد) وَأبين للضَّرُورَة وأشجى للقلوب وأدعى للاستعطاف
التَّسْلِيم: تَسْلِيم كل شَيْء مَا يُنَاسِبه، فتسليم الْوَاجِبَات إخْرَاجهَا من الْعَدَم إِلَى الْوُجُود وَقد يثبت فِي قَوَاعِد الشَّرْع أَن الْوَاجِبَات لَهَا حكم الْجَوَاهِر، فَيجْرِي التَّسْلِيم فِيهَا كَمَا يجْرِي فِي الْأَعْيَان
وَالتَّسْلِيم: أَن يفْرض الْمُتَكَلّم أَو الشَّاعِر فرضا محالا إِمَّا منفيا أَو مَشْرُوطًا بِحرف الِامْتِنَاع ليَكُون مَا ذكره مُمْتَنع الْوُقُوع بِشَرْطِهِ ثمَّ يسلم وُقُوع ذَلِك تَسْلِيمًا جدليا يدل على عدم الْفَائِدَة فِي وُقُوعه،
كَقَوْلِه تَعَالَى: {مَا اتخذ الله من ولد وَمَا كَانَ مَعَه من إِلَه إِذا لذهب كل إِلَه بِمَا خلق ولعلا بَعضهم على بعض} مَعْنَاهُ وَالله أعلم: أَنه لَيْسَ مَعَه من إِلَه، وَلَو سلمنَا أَن مَعَه إِلَهًا لزم من ذَلِك أَن كل إِلَه يذهب بِمَا خلق، وَالله خَالق كل شَيْء، وَأَن بَعضهم يَعْلُو على بعض، فَلَا يتم فِي الْعَالم أَمر وَلَا ينفذ فيهم حكم، وَالْوَاقِع خلاف ذَلِك، فَفرض إِلَهَيْنِ فَصَاعِدا محَال
التَّمْثِيل: هُوَ أَن تثبت الْقَاعِدَة سَوَاء كَانَ مطابقا للْوَاقِع أم لَا، بِخِلَاف الاستشهاد
والتمثيل أَيْضا: أَن يُرِيد الْمُتَكَلّم معنى فَلَا يدل عَلَيْهِ بِلَفْظِهِ الْمَوْضُوع لَهُ وَلَا بِلَفْظ قريب مِنْهُ، وَإِنَّمَا يَأْتِي بِلَفْظ هُوَ أبعد من لفظ الإرداف يَصح أَن يكون مِثَالا للفظ الْمَعْنى المرادف، كَقَوْلِه تَعَالَى:{وَقضي الْأَمر}
وَبَاب التَّمْثِيل وَاسع فِي كَلَام الله تَعَالَى وَرَسُوله وَفِي كَلَام الْعَرَب
وَيُطلق التَّمْثِيل على التَّشْبِيه مُطلقًا وَكتب التفاسير مشحونة بِهَذَا الْإِطْلَاق وَلَا سِيمَا " الْكَشَّاف " وَيُطلق أَيْضا على مَا كَانَ وَجه التَّشْبِيه مركبا غير مُحَقّق حسا وَهُوَ مَذْهَب الشَّيْخ، وعَلى مَا كَانَ وَجهه مركبا غير مُحَقّق لَا حسا وَلَا عقلا وَهُوَ مَذْهَب السكاكي؛ وعَلى مَا وَجهه مركبا محققا أَو لَا وَهُوَ مَذْهَب الْجُمْهُور، فَلِكُل أَن يُطلق على مَا اشتهاه
[وَاعْلَم أَن الْخلاف الْمَشْهُور بَين العلامتين فِي مجْلِس أَمِير تيمور قد نَشأ من كَلَام جَار الله الْعَلامَة فِي تَفْسِير قَوْله تَعَالَى: {أُولَئِكَ على هدى من رَبهم وَأُولَئِكَ هم المفلحون} حَيْثُ قَالَ: فِيهِ اسْتِعَارَة تَبَعِيَّة على طَرِيق التَّمْثِيل لِأَن الِاسْتِعَارَة التّبعِيَّة مُفْردَة ولتمثيلية مركبة فَلَا وَجه لكَون الْمُفْرد على طَرِيق الْمركب فَقَالَ التَّفْتَازَانِيّ عَلَيْهِ الرَّحْمَة: طرفا التَّمْثِيل مفردان لِأَن كل تَشْبِيه تمثيلي إِذا ترك فِيهِ التَّشْبِيه وَكَانَ اسْتِعَارَة تصير اسْتِعَارَة تمثلية، فَإِذا كَانَ الطرفان هُنَاكَ مفردين كَانَا هُنَا أَيْضا كَذَلِك
وَقَالَ السَّيِّد الشريف: إِن طَرفَيْهِ مركبان كَمَا هُوَ مَشْهُور من الانتزاع مَعَ أَنه صرح فِي " الْمِفْتَاح " من أَن انحصار الِاسْتِعَارَة التمثيلية فِيمَا هُوَ مركب من الطَّرفَيْنِ ثمَّ لَا يخفى أَن نزاعهما لَفْظِي كَمَا حَقَّقَهُ بعض الْمُفَسّرين]
والتمثيل أَكثر من التَّشْبِيه، إِذْ كل تَمْثِيل تَشْبِيه، وَلَيْسَ كل تَشْبِيه تمثيلا
والتمثيل الملحق بِالْقِيَاسِ: هُوَ إِثْبَات حكم فِي جزئي لوُجُوده فِي جزئي لِمَعْنى مُشْتَرك بَينهمَا وَهُوَ ضَعِيف لِأَن الدَّلِيل إِذا قَامَ فِي الْمُسْتَدلّ عَلَيْهِ أغْنى عَن النّظر فِي جُزْء غَيره، لَكِن يصلح لتطييب النَّفس وَتَحْصِيل الِاعْتِقَاد
[وَإِذا لم يكن التَّشْبِيه عقليا يُقَال: إِنَّه يتَضَمَّن التَّشْبِيه وَلَا يُقَال: إِن فِيهِ تمثيلا وَضرب الْمثل وَإِن كَانَ عقليا جَازَ إِطْلَاق اسْم التَّمْثِيل عَلَيْهِ وَأَن يُقَال ضرب الِاسْم مثلا لكذا، يُقَال: ضرب النُّور مثلا لِلْقُرْآنِ والحياة للْعلم]
التتميم: هُوَ عبارَة عَن الْإِتْيَان فِي النّظم أَو النثر بِكَلِمَة إِذا طرحتها من الْكَلَام نقص حسن مَعْنَاهُ، وَهُوَ على ضَرْبَيْنِ: ضرب فِي الْمعَانِي وَضرب فِي الْأَلْفَاظ وَالَّذِي فِي الْمعَانِي هُوَ تتميم الْمَعْنى، وَالَّذِي فِي الْأَلْفَاظ هُوَ تتميم الْوَزْن، وَيَجِيء للْمُبَالَغَة وَالِاحْتِيَاط
والتتميم يرد على النَّاقِص فيتممه
والتكميل يرد على الْمَعْنى التَّام فيكمله، إِذْ الْكَمَال أَمر زَائِد على التَّمام، والتمام يُقَابل نُقْصَان الأَصْل، والكمال يُطَابق نُقْصَان الْوَصْف بعد تَمام الأَصْل، وَلِهَذَا كَانَ قَوْله تَعَالَى:{تِلْكَ عشرَة كَامِلَة} أحسن من (تَامَّة) ، لِأَن التَّمام من الْعدَد قد علم، وَإِنَّمَا احْتِمَال النَّقْص فِي صفاتها
وَقيل: الْكَمَال: اسْم لِاجْتِمَاع أبعاض الْمَوْصُوف، والتمام: اسْم للجزء الَّذِي يتم بِهِ الْمَوْصُوف
وَتمّ على أمره: أَمْضَاهُ وأتمه
وَتمّ على أَمرك: أَي أمضه وَمِنْه حَدِيث " تمّ على صومك " بِكَسْر التَّاء وَفتح الْمِيم الْمُشَدّدَة على صِيغَة الْأَمر
التَّحْقِيق: تفعيل من (حق) بِمَعْنى (ثَبت) ؛ وَقَالَ بَعضهم: التَّحْقِيق لُغَة: رَجَعَ الشَّيْء إِلَى حَقِيقَته بِحَيْثُ لَا يشوبه شُبْهَة وَهُوَ الْمُبَالغَة فِي إِثْبَات حَقِيقَة الشَّيْء بِالْوُقُوفِ عَلَيْهِ
والتحقق: مَأْخُوذ من الْحَقِيقَة، وَهُوَ كَون الْمَفْهُوم حَقِيقَة مَخْصُوصَة فِي الْخَارِج
والتحقق والوجود والحصول والثبوت والكون: كلهَا أَلْفَاظ مترادفة عندنَا
وَتَفْسِير الْوُجُود بالتحقق لدفع توهم أَن الْوُجُود مَا بِهِ التحقق
والتحقق أَعم من الْوُجُود، فَإِن عدم الْمُمْتَنع مُتَحَقق، وَلما كَانَ التحقق مرادفا للوجود لَا يُقَال عدم شريك الْبَارِي مُتَحَقق، كَمَا لَا يُقَال مَوْجُود
وَالتَّحْقِيق يسْتَعْمل فِي الْمَعْنى، والتهذيب فِي اللَّفْظ
وَالتَّحْقِيق: إِثْبَات دَلِيل الْمَسْأَلَة مُطلقًا أَو بدليلها
والتدقيق: إِثْبَات دَلِيل الْمَسْأَلَة على وَجه فِيهِ دقة، سَوَاء كَانَت الدقة لإِثْبَات دَلِيل الْمَسْأَلَة بِدَلِيل آخر أَو لغير ذَلِك مِمَّا فِيهِ دقة فَهُوَ أخص بِالْمَعْنَى الأول
وَقد يُفَسر بِأَنَّهُ إِثْبَات دَلِيل الْمَسْأَلَة بِدَلِيل آخر، فَيكون مباينا للتحقيق بِالْمَعْنَى الثَّانِي
وَالتَّحْقِيق فِي الْقِرَاءَة: يكون للرياضة والتعليم والتمرين
وَأما الترتيل فَإِنَّهُ للتدبر والتفكر والاستنباط، فَكل تَحْقِيق ترتيل وَلَا عكس وَقد نظمت فِيهِ:
(وَاحْذَرْ من اللّحن فِي الترتيل غَايَته
…
قَالُوا من الْبدع مَا سموهُ ترعيدا)
(تحزينه وَكَذَا الترقيص بدعته
…
كَذَاك تطريبه بِالْمدِّ تمديدا)
التّكْرَار: هُوَ مصدر ثلاثي يُفِيد الْمُبَالغَة ك (الترداد) مصدر (رد) عِنْد سِيبَوَيْهٍ، أَو مصدر مزِيد أَصله (التكرير) قلب الْيَاء ألفا عِنْد الكوفية، وَيجوز كسر التَّاء فَإِنَّهُ اسْم من (التكرر)
وَفسّر بَعضهم التكرير بِذكر الشَّيْء مرَّتَيْنِ وَبَعْضهمْ بِذكرِهِ مرّة بعد أُخْرَى، فَهُوَ على الأول: مَجْمُوع الذكرين؛ وعَلى الثَّانِي: الذّكر الْأَخير وأيا مَا كَانَ لَا يكون التَّفْصِيل بعد الْإِجْمَال تكريرا، بل هُوَ بَيَان وتوضيح بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْإِجْمَال لَا ذكر لَهُ ثَانِيًا
فالتفصيل بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْإِجْمَال إِفَادَة، والتكرير إِعَادَة
[وَقَالَ بَعضهم: التّكْرَار إِنَّمَا يحصل بِذكر الشَّيْء مرَّتَيْنِ مُطَابقَة بعد ذكره مُطَابقَة أَو تضمنا لَا بِذكرِهِ مُطَابقَة بعد ذكره التزاما وَلَا بِالْعَكْسِ؛ وَأما إِذا ذكر تضمنا مرَّتَيْنِ أَو ذكر تضمنا بعد ذكره مُطَابقَة فَهُوَ تكْرَار وَلَا فِيهِ تردد]
وتكرير اللَّفْظ الْوَاحِد فِي الْكَلَام الْوَاحِد حقيق بالاجتناب فِي البلاغة، إِلَّا إِذا وَقع ذَلِك لأجل غَرَض ينتحيه الْمُتَكَلّم من تفخيم أَو تهويل أَو تنويه أَو نَحْو ذَلِك فعلى هَذَا مَا معنى قَوْله تَعَالَى:{أَن تضل إِحْدَاهمَا فَتذكر إِحْدَاهمَا الْأُخْرَى} ؛ وَمَا الْفَائِدَة فِي ترك مَا هُوَ أوجز وأشبه بِالْمذهبِ الْأَشْرَف فِي البلاغة وَهُوَ (فتذكرها) الْأُخْرَى، [لمراعاة الترصيع وتوازن الْأَلْفَاظ فِي التَّرْكِيب] فليتدبر
والتكرار فِي البديع: هُوَ أَن يُكَرر الْمُتَكَلّم اللَّفْظَة الْوَاحِدَة بِاللَّفْظِ وَالْمعْنَى؛ وَالْمرَاد بذلك التهويل والوعيد، كَقَوْلِه تَعَالَى:{القارعة مَا القارعة وَمَا أَدْرَاك مَا القارعة} ، أَو الْإِنْكَار والتوبيخ كتكرار قَوْله تَعَالَى:{فَبِأَي آلَاء رَبكُمَا تُكَذِّبَانِ} أَو الاستبعاد كَقَوْلِه تَعَالَى: {هَيْهَات هَيْهَات لما توعدون} أَو لغَرَض من الْأَغْرَاض
[وَلَا بُد للمتكلم أَن يُلَاحظ التَّحَرُّز عَن التكرير فِي الْمَعْنى أَولا ثمَّ فِي اللَّفْظ، فيلاحظ التَّحَرُّز عَن انفكاك النّظم أَو التَّرْتِيب وتشويشه أَولا ثمَّ فِي الْمَعْنى
والتكرار إِذا ورد جَوَابا لكَلَام خَاص لم يكن لَهُ مَفْهُوم كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {وَمَا رَبك بظلام للعبيد} فَإِنَّهُ ورد جَوَابا لمن قَالَ (ظلام)
التَّسْبِيح: إِذا أُرِيد بِهِ التَّنْزِيه وَالذكر الْمُجَرّد لَا يتَعَدَّى بِحرف الْجَرّ، فَلَا تَقول:(سبحت بِاللَّه)
وَإِذا أُرِيد بِهِ المقرون بِالْفِعْلِ، وَهُوَ الصَّلَاة فيتعدى بِحرف الْجَرّ تَنْبِيها على ذَلِك المُرَاد
وَالتَّسْبِيح: بالطاعات والعبادات
وَالتَّقْدِيس: بالمعارف والاعتقادات
وَالتَّسْبِيح: نفي مَا لَا يَلِيق
وَالتَّقْدِيس: إِثْبَات مَا يَلِيق
وَالتَّسْبِيح حَيْثُ جَاءَ فِي الْقُرْآن يقدم على التَّحْمِيد
نَحْو: {سبح بِحَمْد رَبك} {وَسبح بِحَمْدِهِ} وَقد جَاءَ التَّسْبِيح بِمَعْنى التَّنْزِيه فِي الْقُرْآن على وُجُوه {سُبْحَانَهُ هُوَ الله الْوَاحِد القهار} أَي: أَنا المنزه عَن النظير وَالشَّرِيك {سُبْحَانَ رب السَّمَاوَات وَالْأَرْض} أَي: أَنا الْمُدبر لَهما
{سُبْحَانَ الله رب الْعَالمين} أَي: أَنا الْمُدبر لكل الْعَالمين {سُبْحَانَ رَبك رب الْعِزَّة عَمَّا يصفونَ} أَي: أَنا المنزه عَن قَول الظَّالِمين
{سُبْحَانَهُ أَن يكون لَهُ ولد} أَي: أَن المنزه عَن الصاحبة وَالْولد
وَأما تَسْبِيح التَّعَجُّب: فكقوله تَعَالَى: {سُبْحَانَ الَّذِي سخر لنا هَذَا} {سُبْحَانَ إِذا قضى أمرا فَإِنَّمَا يَقُول لَهُ كن فَيكون} {سُبْحَانَكَ لَا علم لنا إِلَّا مَا علمتنا}
التَّفْرِيق: هُوَ أَن يَأْتِي الْمُتَكَلّم أَو النَّاظِم بشيئين من نوع وَاحِد فيوقع بَينهمَا تباينا وَتَفْرِيقًا يُفِيد زِيَادَة ترشيح فِيمَا هُوَ بصدده من مدح أَو ذمّ أَو نسيب أَو غَيره من الْأَغْرَاض كَقَوْلِه:
(مَا نوال الْغَمَام وَقت ربيع
…
كنوال الْأَمِير يَوْم سخاء)
(فنوال الْأَمِير بدرة عين
…
ونوال الْغَمَام قَطْرَة مَاء)
وَالْجمع مَعَ التَّفْرِيق: هُوَ أَن يدْخل شَيْئَيْنِ من معنى وَاحِد وَيفرق بَين جهتي الإدخال، كَقَوْلِه تَعَالَى:{الله يتوفى الْأَنْفس حِين مَوتهَا} إِلَى آخِره جمع النفسين فِي حكم التوفي، ثمَّ فرق بَين جهتي التوفي بالحكم بالإمساك والإرسال
التّرْك: هُوَ إِمَّا مُفَارقَة مَا يكون الْإِنْسَان فِيهِ، أَو تَركه الشَّيْء رَغْبَة عَنهُ من غير دُخُول فِيهِ، وَمَتى علق بمفعول وَاحِد يكون بِمَعْنى الطرح أَو التَّخْلِيَة والدعة؛ وَإِذا علق بمفعولين كَانَ متضمنا معنى التصيير فَيجْرِي مجْرى أَفعَال الْقُلُوب مِنْهُ:{وتركهم فِي ظلمات لَا يبصرون} ؛ {وَتَركنَا عَلَيْهِ فِي الآخرين} أَي: أبقينا
وَترك الشَّيْء: رفضه قصدا واختيارا أَو قهرا واضطرارا فَمن الأول: {واترك الْبَحْر رهوا} ؛ وَمن الثَّانِي: {كم تركُوا من جنَّات وعيون}
وَالتّرْك: عدم فعل الْمَقْدُور، سَوَاء كَانَ هُنَاكَ قصد من التارك أَو لَا، كَمَا فِي حَالَة النّوم والغفلة، وَسَوَاء تعرض لضده أَو لم يتَعَرَّض، وَأما عدم فعل
مَا لَا قدرَة فِيهِ، فَلَا يُسمى تركا وَلذَلِك لَا يُقَال (ترك فلَان خلق الْأَجْسَام) وَقيل: يعْتَبر فِي عدم فعل الْمَقْدُور؛ وَالْقَصْد لولاه لما تعلق بِالتّرْكِ الذَّم والمدح وَالثَّوَاب وَالْعِقَاب
وَقيل: التّرْك: فعل الضِّدّ، لِأَنَّهُ مَقْدُور، وَعدم الْفِعْل مُسْتَمر من الْأَزَل، فَلَا يَصح أثرا للقدرة الْحَادِثَة
وَقد يُقَال: دوَام استمراره مَقْدُور، لِأَنَّهُ قَادر على أَن يفعل ذَلِك الْفِعْل، فيزول اسْتِمْرَار عَدمه وَعند الْجُمْهُور: هُوَ من مَا صدقَات الْفِعْل، لِأَنَّهُ كف النَّفس عَن الْإِيقَاع لَا عَدمه
والتركة: بِكَسْر الرَّاء بِمَعْنى المتروكة لُغَة
وَفِي الِاصْطِلَاح: مَا يتْركهُ الْمَيِّت خَالِيا من تعلق حق الْغَيْر
و [تريكة] : كسفينة، امْرَأَة تتْرك بِلَا تزوج
والتركة: الْمَرْأَة الربعة
وَفِي الحَدِيث: " جَاءَ الْخَلِيل إِلَى مَكَّة يطالع تركته "
وَهُوَ بِفَتْح الرَّاء: فعل بِمَعْنى مفعول أَي: مَا تَركه أَي: هَاجر وَوَلدهَا إِسْمَاعِيل قَالَ ابْن الْأَثِير: وَلَو رُوِيَ بِالْكَسْرِ فِي الرَّاء لَكَانَ وَجها بِمَعْنى الشَّيْء الْمَتْرُوك
التَّقْوَى: هُوَ على مَا قَالَه عَليّ رضي الله عنه ترك الْإِصْرَار على الْمعْصِيَة وَترك الاغترار بِالطَّاعَةِ، وَهِي الَّتِي يحصل بهَا الْوِقَايَة من النَّار والفوز بدار الْقَرار
وَغَايَة التقى الْبَرَاءَة من كل شَيْء سوى الله؛ ومبدؤه اتقاء الشّرك، وأوسطه اتقاء الْحَرَام؛ وَالتَّقوى مُنْتَهى الطَّاعَات، والرهبة من مبادئ التَّقْوَى، وَقد تسمى التَّقْوَى خوفًا وخشية، وَيُسمى الْخَوْف تقوى
والتقي أخص من النقي بالنُّون، لَان كل متق منقى لجَوَاز أَن يكون نقيا بِالتَّوْبَةِ؛ وَأما المنقى فَهُوَ الَّذِي قَامَ بِهِ هَذَا الْوَصْف، وَالْوَاو مبدلة من الْيَاء، وَالتَّاء مبدلة من الْوَاو، أَصله (وقيا)، وَإِنَّمَا لم يُبدل فِي نَحْو:(ريا) لِأَنَّهَا صفة، فتركوها على أَصْلهَا؛ وَإِنَّمَا يبدلون فِي (فعلى) إِذا كَانَ اسْما، وَالْيَاء مَوضِع اللَّام ك (ثروى) من (ثريت)
التَّكْلِيف: مصدر (كلفت الرجل) إِذا ألزمته مَا يشق عَلَيْهِ، مَأْخُوذ من الكلف الَّذِي يكون فِي الْوَجْه، وَهُوَ نوع مرض يسود بِهِ الْوَجْه؛ وَإِنَّمَا سمي الْأَمر تكليفا لِأَنَّهُ يُؤثر فِي الْمَأْمُور تَغْيِير الْوَجْه إِلَى العبوسة، وَهُوَ الانقباض لكَرَاهَة الْمَشَقَّة
وَهُوَ فِي الِاصْطِلَاح، كَمَا قَالَ إِمَام الْحَرَمَيْنِ: إِلْزَام مَا فِيهِ كلفة؛ فالمندوب عِنْده لَيْسَ مُكَلّفا بِهِ لعدم الْإِلْزَام فِيهِ أَو طلب مَا فِيهِ كلفة، كَمَا قَالَ القَاضِي أَبُو بكر الباقلاني، فالمندوب عِنْده مُكَلّف بِهِ لوُجُود الطّلب
والتكليف مُتَعَلق بالأفراد دون المفهومات الْكُلية الَّتِي هِيَ أُمُور عقلية
وَاخْتلفُوا فِي منَاط التَّكْلِيف فِي وجوب الْإِيمَان بِاللَّه تَعَالَى، فَذهب الْأَشْعَرِيّ وَمن تَابعه، وَعَلِيهِ الإِمَام الشَّافِعِي إِلَى أَنه مَنُوط ببلوغ دَعْوَة الرُّسُل وَذهب أَبُو حنيفَة وَمن تَابعه على مَا هُوَ الصَّحِيح الْمُوَافق الظَّاهِر الرِّوَايَة، وَمَشى عَلَيْهِ صَاحب " التَّقْوِيم "، وفخر الْإِسْلَام أَنه مَنُوط إِمَّا ببلوغ دَعْوَة الرُّسُل أَو مُضِيّ مُدَّة يتَمَكَّن الْعَاقِل فِيهَا أَن يسْتَدلّ بالمصنوعات على وجود صانعها، فَمن لَا يفهم الْخطاب أصلا كَالصَّبِيِّ وَالْمَجْنُون وَمن لم يقل لَهُ أَنه مُكَلّف كَالَّذي لم يبلغهُ دَعْوَة نَبِي قطعا، كِلَاهُمَا غافلان عَن تصور التَّكْلِيف بالتنبيه عَلَيْهِ، فَلَا
تَكْلِيف على الأول اتِّفَاقًا، وَلَا على الثَّانِي عندنَا؛ وَأما من لَا يعلم أَنه مُكَلّف مَعَ أَنه خُوطِبَ بِكَوْنِهِ مُكَلّفا حَال مَا كَانَ فاهما فَإِنَّهُ غافل عَن التَّصْدِيق بالتكليف لَا عَن تصَوره، وَذَلِكَ لَا يمْنَع من تَكْلِيفه وَإِلَّا لم تكن الْكفَّار مكلفين، إِذْ لَيْسُوا مُصدقين بالتكليف وَاتفقَ الْحَنَفِيَّة وَالشَّافِعِيَّة على أَن لَا أَمر للْكفَّار بِالْعبَادَة حَال كفرهم كَمَا اتَّفقُوا على أَن لَا قَضَاء عَلَيْهِم بعد الْإِيمَان وعَلى أَنهم يؤاخذون بترك الِاعْتِقَاد للْوُجُوب فِي الْعِبَادَات، وَإِنَّمَا الْخلاف فِي أَنهم هَل يُعَذبُونَ بترك الْعِبَادَات كَمَا يُعَذبُونَ بترك الْأُصُول أم لَا؟ فالشافعية تخْتَار الأول وَالْحَنَفِيَّة تخْتَار الثَّانِي
والتكليف بِمَا يمْتَنع لذاته كجمع الضدين وقلب الْحَقَائِق غير جَائِز فضلا عَن الْوُقُوع عِنْد الْجُمْهُور، وَبِمَا يمْتَنع الْفِعْل لتَعلق الْإِرَادَة بِعَدَمِ وُقُوعه جَائِز، بل وَاقع إِجْمَاعًا؛ وَالَّذِي وَقع النزاع فِي جَوَازه هُوَ التَّكْلِيف بِمَا لَا يتَعَلَّق بِهِ الْقُدْرَة عَادَة كالطيران إِلَى السَّمَاء [وَالْجمع بَين النقيضين لاستحالته عقلا وَعَادَة] والأشاعرة، وَإِن قَالُوا بِإِمْكَان تَكْلِيف الْعَاجِز، لَا يَقُولُونَ بِوُقُوعِهِ بِالْفِعْلِ
والتكليف بِحَسب الوسع، وَلِهَذَا يجب اسْتِقْبَال عين الْكَعْبَة لمكي وجهتها للآفاقي فَإِذا تبين خَطؤُهُ فِي التَّحَرِّي لَا يُعِيدهَا، وَكَذَا كل من فَاتَهُ شطر من شَرَائِط الصَّلَاة عِنْد الضَّرُورَة لَا يُعِيدهَا، كمن صلاهَا مَعَ نجس عِنْد عدم مزيل النَّجَاسَة وَمَعَ التَّيَمُّم عِنْد عدم القردة على الْوضُوء وَغير ذَلِك
[وَأعلم أَن أَكثر الْمُحَقِّقين على أَن التَّكْلِيف بِمَا لَا يُطَاق غير جَائِز عقلا وسمعا لِأَنَّهُ عَبث، كتكليف الْأَعْمَى بالإبصار وَهُوَ مِمَّا لَا يجوز على الْحَكِيم وَلقَوْله تَعَالَى:{لَا يُكَلف الله نفسا إِلَى وسعهَا} {وَمَا جعل عَلَيْكُم فِي الدّين من حرج} وَاحْتج المجوزون بِأَنَّهُ تَعَالَى كلف أَبَا لَهب بِالْإِيمَان مَعَ أَن الْإِيمَان مِنْهُ محَال لعلمه تَعَالَى بِعَدَمِ إيمَانه أصلا، وَمَا علم الله يمْتَنع خِلَافه وَقد تحير الأصوليون فِي جَوَابه وَوَضَعُوا لَهُ قَاعِدَة لدفع هَذِه الشهبة وَهِي أَن هَذَا النَّوْع من الْمُمْتَنع الَّذِي امْتنع لغيره جَازَ أَن يُكَلف بِهِ، وَإِنَّمَا النزاع فِي الْمُمْتَنع لذاته كالجمع بَين الضدين، وَلَا خَفَاء فِي كَونه عَبَثا كالممتنع لذاته لِأَنَّهُمَا فِي عدم الوسع والحرجية والعبثية سَوَاء، بل جَوَابه أَن الله تَعَالَى يعلم أَنه لَا يُؤمن بِاخْتِيَارِهِ وَقدرته فَيعلم أَن لَهُ اخْتِيَارا وقدرة فِي الْإِيمَان وَعَدَمه فَلَا يكون إيمَانه مُمْتَنعا وَإِلَّا لزم الْجَهْل على الله، تَعَالَى عَن ذَلِك، نعم لَكِن لَا نسلم كَون التَّكْلِيف بالممتنع لغيره عَبَثا لِأَنَّهُ لما كَانَ فِي ذَاته مُمكنا دخل تَحت الوسع وَالِاخْتِيَار نظرا إِلَى الذَّات، إِذْ الِامْتِنَاع بِالْغَيْر لَا يعْدم الِاخْتِيَار وَالْقُدْرَة فَيصح التَّكْلِيف بِهِ، بِخِلَاف
الْمُمْتَنع لذاته فَإِنَّهُ خَارج عَن الْقُدْرَة وَالِاخْتِيَار أصلا، هَكَذَا ذكره السّلف]
التَّوْجِيه: قسْمَة البديعيون على قسمَيْنِ: أَحدهمَا: هُوَ أَن يبهم الْمُتَكَلّم الْمَعْنيين بِحَيْثُ لَا يرشح أَحدهمَا على الآخر بِقَرِينَة، كَمَا فِي الْبَيْت المنظوم فِي الْخياط وَهَذَا عِنْد الْمُتَقَدِّمين فَإِنَّهُم نزلوه منزلَة الْإِبْهَام وسموه توجيها
وَأما التَّوْجِيه عِنْد الْمُتَأَخِّرين: فَهُوَ أَن يؤلف الْمُتَكَلّم مُفْرَدَات بعض الْكَلَام أَو جملياته ويوجهها إِلَى أَسمَاء متلائمات صفاتها اصْطِلَاحا من أَسمَاء أَعْلَام أَو قَوَاعِد عُلُوم أَو غير ذَلِك مِمَّا يتشعب لَهُ من الْفُنُون توجيها مطابقا لِمَعْنى اللَّفْظ الثَّانِي من غير اشْتِرَاك حَقِيقِيّ، بِخِلَاف التورية وَالْفرق بَينهمَا من وَجْهَيْن: أَحدهمَا أَن التورية تكون باللفظة الْمُشْتَركَة والتوجيه بِاللَّفْظِ المصطلح؛ وَالثَّانِي: أَن التورية تكون باللفظة الْوَاحِدَة؛ والتوجيه لَا يَصح إِلَّا بعدة أَلْفَاظ متلائمة
التسهيم: هُوَ أَن يتَقَدَّم من الْكَلَام مَا يدل على أَن الْمُتَأَخر مِنْهُ تَارَة بِالْمَعْنَى وطورا بِاللَّفْظِ
ثمَّ إِذا كَانَت دلَالَته معنوية، فَمرَّة يدل بِمَعْنى وَاحِد وَمرَّة يدل بمعنيين وَالْفرق بَينه وَبَين التوشيح هُوَ أَن التسهيم يعرف من أول الْكَلَام آخِره، وَيعلم مقطعه من حشوه من غير أَن يتَقَدَّم سجعه أَو قافيته إِلَّا بعد مَعْرفَتهَا
والتوشيح: لَا يدل أَوله على القافية فَحسب
والتسهيم: يدل تَارَة على عجز الْبَيْت، وَتارَة على مَا دون الْعَجز بِشَرْط الزِّيَادَة على القافية؛ وَيدل تَارَة أَوله على آخِره وَتارَة بِالْعَكْسِ، بِخِلَاف التوشيح
وَمن التوشيح فِي الشّعْر قَوْله:
(لم يبْق غير خَفِي الرّوح فِي جَسَدِي
…
فدى لَك الباقيان الرّوح والجسد)
[التلميح: بِتَقْدِيم الْمِيم هُوَ إتْيَان بِمَا فِيهِ ملاحة وظرافة، يُقَال: ملح الشَّاعِر، إِذا أَتَى بِشعر مليح
وَالْفرق بَينه وَبَين التهكم بِحَسب الْمقَام فَإِن كَانَ الْغَرَض مُجَرّد الملاحة والظرافة من غير قصد إِلَى استهزاء فتمليح وَإِلَّا فتهكم
وَأما] التلميح: [بِتَقْدِيم اللَّام] هُوَ أَن يضمن الْمُتَكَلّم كَلَامه بِكَلِمَة أَو كَلِمَات من آيَة أَو قصَّة أَو بَيت من الشّعْر أَو مثل سَائِر أَو معنى مُجَرّد من كَلَام أَو حِكْمَة نَحْو قَوْله:
(فوَاللَّه مَا أَدْرِي أأحلام نَائِم
…
ألمت بِنَا أم كَانَ فِي الركب يُوشَع)
أَشَارَ إِلَى قصَّة يُوشَع النَّبِي عليه الصلاة والسلام واستيقافه الشَّمْس وَفِي النّظم الْجَلِيل: {أَلا بعدا لمدين كَمَا بَعدت ثَمُود}
[وَسَماهُ ابْن المعتز مخترعه الأول: حسن التَّضْمِين، وَوَافَقَهُ قدامَة وَغَيره، وَسَماهُ المطرزي وَصَاحب " التَّلْخِيص ": التلميح بِتَقْدِيم الْمِيم، وَسَماهُ الْفَخر الرَّازِيّ فِي " نِهَايَة الإيجاز " التَّلْوِيح، وَقَالُوا جَمِيعًا: هُوَ أَن يشار فِي فحوى الْكَلَام إِلَى مثل سَائِر أَو شعر نَادِر أَو قصَّة مَشْهُورَة من غير أَن يذكر جَمِيعهَا من غير أَن يَخْتَلِفُوا فِي الشواهد]
التَّمْكِين، هُوَ أَن يمهد الناثر بسجعه فقرة أَو النَّاظِم لبيته قافية حَتَّى تَأتي متمكنة فِي مَكَانهَا مطمئنة فِيهِ مُسْتَقِرَّة فِي قَرَارهَا، غير نافرة وَلَا قلقة وَلَا مستدعاة بِمَا لَيْسَ لَهُ تعلق بِلَفْظ الْبَيْت وَمَعْنَاهُ بِحَيْثُ لَو طرحت من الْبَيْت نقص مَعْنَاهُ واضطرب مَفْهُومه، بل يكون بِحَيْثُ إِن منشد الْبَيْت إِذا سكت دون القافية كملها السَّامع بطباعه بِدلَالَة من اللَّفْظ عَلَيْهَا وَقد جَاءَ من ذَلِك فِي فواصل الْقُرْآن كل عَجِيبَة باهرة
الترشيح: هُوَ أَن يذكر شَيْء يلائم الْمُشبه بِهِ إِن كَانَ فِي الْكَلَام تَشْبِيه؛ أَو الْمُسْتَعَار مِنْهُ إِن كَانَ فِيهِ اسْتِعَارَة، أَو الْمَعْنى الْحَقِيقِيّ إِن كَانَ فِيهِ مجَاز مُرْسل كَمَا فِي قَوْله عليه الصلاة والسلام:" أَسْرَعكُنَّ لُحُوقا بِي أَطْوَلكُنَّ يدا " فَإِن (أَطْوَلكُنَّ) ترشيح لليد وَهُوَ مجَاز عَن النِّعْمَة
وَمن ترشيح الِاسْتِعَارَة قَوْله:
(إِذا مَا رَأَيْت النسْر عز ابْن داية
…
وعشش فِي وكريه طارت لَهُ نَفسِي)
شبه الشيب بالنسر، وَالشعر الْأسود بالغراب، واستعار التعشش من الطَّائِر للشيب، والوكرين للرأس واللحية، وَرشح بِهِ إِلَى ذكر الطيران الَّذِي استعاره لنَفسِهِ من الطَّائِر
والترشيح يعم الطباق أَلا ترى إِلَى قَوْله:
(وخفوق قلب لَو رَأَيْت لهيبه
…
يَا جنتي لظَنَنْت فِيهِ جهنما)
فَإِن (يَا جنتي) رشحت لَفظه (جَهَنَّم) للمطابقة
التوهيم: هُوَ عبارَة عَن إتْيَان الْمُتَكَلّم بِكَلِمَة يُوهم بَاقِي الْكَلَام قبلهَا أَو بعْدهَا أَن الْمُتَكَلّم أَرَادَ تصحيفها أَو تحريفها باخْتلَاف بعض إعرابها، كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى:{وَإِن يُقَاتِلُوكُمْ يولوكم الأدبار ثمَّ لَا ينْصرُونَ} فَإِن الْقيَاس (ثمَّ لَا ينصرُوا) مَجْزُومًا، لِأَنَّهُ عطف على (يولوكم) ، وَلَكِن لما كَانَ الِاخْتِيَار أَنهم لَا ينْصرُونَ أبدا نفى الْعَطف وَأبقى صِيغَة الْفِعْل على حَالهَا لتدل على الْحَال والاستقبال
أَو باخْتلَاف مَعْنَاهَا كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {وَمن يكرههن فَإِن الله من بعد إكراههن غَفُور رَحِيم} فَإِنَّهُ يُوهم السَّامع أَنه غَفُور رَحِيم للمكروه، وَإِنَّمَا هُوَ لَهُنَّ
أَو باشتراك نعتها بِأُخْرَى، كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى:{الشَّمْس وَالْقَمَر بحسبان والنجم وَالشَّجر يسجدان} فَإِن ذكر الشَّمْس وَالْقَمَر يُوهم أَن النَّجْم أحد نُجُوم السَّمَاء، وَإِنَّمَا المُرَاد النبت الَّذِي لَا سَاق لَهُ
التصغير: هُوَ يَجِيء لمعان: تَصْغِير التحقير ك (رجيل)
والتقليل ك (دريهم)
والتقريب كَقَوْلِك: (دَاري قبيل الْمَسْجِد)
والتحزن: ك (يَا بني)
والتكريم والتلطيف: ك (أخي) و (بني) ، عَلَيْهِ قَوْله عليه الصلاة والسلام فِي عَائِشَة (حميراء) وَقد يَجِيء للتعظيم ك (قُرَيْش)
ويصغر من الْكَلِمَة الِاسْم؛ وَمن الْأَفْعَال فعل التَّعَجُّب كَمَا قَالُوا: (مَا أميلح زيدا)
وتصغير أَسمَاء الْإِشَارَة بِإِقْرَار فَتْحة أوائلها على صيغتها، وَبِأَن زَادَت الْألف فِي آخرهَا عوضا عَن ضم أَولهَا، فتصغير (الَّذِي)(اللذيا) و (الَّتِي)(اللتيا) ؛ وتصغير (ذَلِك) و (ذَاك)(ذياك) و (ذيالك)
وتصغير الْأَسْمَاء المعظمة مَنْهِيّ شرعا يحْكى أَن مُحَمَّد بن الْحسن سَأَلَ الْكسَائي عَمَّن سَهَا فِي سُجُود السَّهْو، هَل يسْجد مرّة أُخْرَى؟ فَقَالَ: لَا قَالَ: لماذا؟ قَالَ: لِأَن النُّحَاة قَالُوا: المصغر لَا يصغر؛ ثمَّ سَأَلَ مُحَمَّد عَمَّن علق الطَّلَاق بِالْملكِ، فَقَالَ: لَا يَصح قَالَ: لماذا؟ قَالَ: لِأَن السَّيْل لَا يسْبق الْمَطَر
التهكم: هُوَ مَا كَانَ ظَاهره جدا وباطنه هزلا، والهزل الَّذِي يُرَاد بِهِ الْجد بِالْعَكْسِ وَلَا تَخْلُو أَلْفَاظ التهكم من لَفْظَة من اللَّفْظ الدَّال على نوع من أَنْوَاع الذَّم، أَو لَفْظَة من مَعْنَاهَا الهجو
وألفاظ الهجاء فِي معرض الْمَدْح لَا يَقع فِيهَا شَيْء من ذَلِك، وَلَا تزَال تدل على ظَاهر الْمَدْح حَتَّى يقْتَرن بهَا مَا يصرفهَا عَنهُ
والتهكم والسخرية كِلَاهُمَا لَا يُنَاسب كَلَام الله
وَأما قَوْله تَعَالَى: {فبشرهم بِعَذَاب أَلِيم} فَمن قبيل تَنْزِيل غير المتحمل منزلَة الْمُحْتَمل؛ وَذَلِكَ قد يكون فِي مقَام الْمَدْح، وَقد يكون فِي مقَام الإقناط الْكُلِّي، وَقد يكون فِي الْوَعيد
التَّسْمِيَة: هِيَ مصدر بِمَعْنى الذّكر
وَوضع الِاسْم للمسمى: أَي جعل اللَّفْظ دَالا على الْمَعْنى الْمَخْصُوص، بِحَيْثُ لَا يتَنَاوَل غَيره
وَسمي زيد إنْسَانا: أَي يُطلق عَلَيْهِ لفظ الْإِنْسَان وَسميت فلَانا باسمه: أَي ذكرته بِهِ
(وَالِاسْم الجامد عِنْد الْأَشْعَرِيّ وَغَيره هُوَ الْمُسَمّى، فَلَا يفهم من اسْم الله مثلا سواهُ
والمشتق غير الْمُسَمّى عِنْده إِن كَانَ صفة فعل كالخالق والرازق، وَلَا عينه وَلَا غَيره إِن كَانَ صفة ذَات كالعالم والمريد وَعند غَيره هُوَ الْمُسَمّى، لخلاف فِي مَادَّة (اس م) لِأَن تمسكات الْفَرِيقَيْنِ تشعر بذلك لَا فِي مَدْلُول اسْم نَحْو: الْإِنْسَان وَالْفرس وَالِاسْم وَالْفِعْل)
وَتَسْمِيَة الشَّيْء باسم مَكَانَهُ: كتسمية الْحَدث بالغائط
وَتَسْمِيَة الْمُشْتَقّ بالمشتق مِنْهُ: كتسمية الْمَعْلُوم علما
وَتَسْمِيَة الشَّيْء باسم مشابهه كتسمية البليد حمارا
وَتَسْمِيَة الشَّيْء باسم ضِدّه: كتسمية الْأسود كافوار
وَتَسْمِيَة الشَّيْء بِمَا يؤول إِلَيْهِ: كتسمية الْعِنَب خمرًا وَيُقَال لَهُ مجَاز الأول
التَّوَقُّف: هُوَ فِي الشَّيْء كالتلوم، وعَلى الشَّيْء التثبت
وَتوقف الشَّيْء على الشَّيْء: إِن كَانَ من جِهَة الشُّرُوع يُسمى مُقَدّمَة، وَمن جِهَة الشُّعُور يُسمى مُعَرفا؛ وَمن جِهَة الْوُجُود: إِن كَانَ دَاخِلا فِيهِ يُسمى ركنا، كالقيام بِالنِّسْبَةِ إِلَى الصَّلَاة، وَإِلَّا فَإِن كَانَ مؤثرا فِيهِ يُسمى عِلّة فاعلية، كالمصلى بِالنِّسْبَةِ إِلَى الصَّلَاة؛ وَإِلَّا يُسمى شرطا فِيهِ وجوديا أَو عدميا
والتوقف العادي الوضعي: هُوَ الَّذِي يُمكن الشُّرُوع بِدُونِهِ
والتوقف الْعقلِيّ بِالْعَكْسِ
والتوقف الشَّرْعِيّ: هُوَ الَّذِي يَأْثَم تَاركه
والتوقف فِيمَا يفترض اعْتِقَاده كالإنكار سَوَاء، لِأَن التَّوَقُّف مُوجب الشَّك
والتوقف فِي الحَدِيث تبيينه؛ وَفِي الشَّرْع كالنص؛ وَفِي الْحَج: وقُوف النَّاس فِي المواقف؛ وَفِي الْجَيْش: أَن يقف وَاحِد بعد وَاحِد [والتوقف عِنْد تعَارض الْأَدِلَّة وَترك التَّرْجِيح من غير دَلِيل دَال على كَمَال الْعلم وَغَايَة الْوَرع وَلِهَذَا] وَتوقف أَبُو حنيفَة فِي فضل الْأَنْبِيَاء على الْمَلَائِكَة، والدهر مُنكر، وَالْجَلالَة، وَالْخُنْثَى الْمُشكل، وسؤر الْحمال، وَوقت الْخِتَان، وَتعلم الْكَلْب، وثواب الْجِنّ، ودخولهم الْجنَّة؛ وَمحل أَطْفَال الْمُشْركين، وسؤالهم فِي قُبُورهم، وَجَوَاز نقش جِدَار الْمَسْجِد للمتولي من مَاله هَذَا مَا ظَفرت بِهِ وَقد نظم بعض الأدباء جملَة مَا توقف فِيهِ الإِمَام من الْمسَائِل:
(ثَمَان توقف فِيهَا الإِمَام
…
وَقد عد ذَلِك دينا مُبينًا)
(أَوَان الْخِتَان وسؤر الْحمار
…
وَفضل الملائك والمرسلينا)
(ودهر وَخُنْثَى وجلالة
…
وكلب وطفل من المشركينا)
التخلخل الْحَقِيقِيّ: هُوَ أَن يزْدَاد حجم الشَّيْء من غير انضمام شَيْء آخر إِلَيْهِ، وَمن غير أَن يَقع بَين أَجْزَائِهِ خلاء، كَالْمَاءِ إِذا سخن تسخينا شَدِيدا
والتكاثف الْحَقِيقِيّ: هُوَ أَن ينقص حجم الشَّيْء من غير أَن يَزُول عَنهُ شَيْء من أَجْزَائِهِ، أَو يَزُول عَنهُ ذَلِك، أَو يَزُول خلاء كَانَ بَينهَا وهما غير الانتفاش: وَهُوَ أَن تتباعد الْأَجْزَاء (ويدخلها الْهَوَاء أَو جسم غَرِيب، كالقطن المنفوش، وَغير الاندماج أَيْضا: وَهُوَ ضِدّه، وَهُوَ أَن تتقارب الْأَجْزَاء)
الوحدانية الطَّبْع بِحَيْثُ يخرج عَنْهَا مَا بَينهَا من الْجِسْم الْغَرِيب كالقطن الملفوف بعد نفشه، وَإِن كَانَ يُطلق عَلَيْهَا بالاشتراك
التحضيض: هُوَ وَالْعرض والاستفهام وَالنَّفْي وَالشّرط وَالتَّمَنِّي معَان تلِيق بِالْفِعْلِ وَكَانَ الْقيَاس اخْتِصَاص الْحُرُوف الدَّالَّة عَلَيْهَا بالأفعال، إِلَّا أَن بَعْضهَا بقيت على ذَلِك الأَصْل من الِاخْتِصَاص كحروف التحضيض؛ وَبَعضهَا اخْتصّت بالاسمية ك (لَيْت) و (لَعَلَّ) ؛ وَبَعضهَا اسْتعْملت فِي القبيلين مَعَ أولويتها بالأفعال كهمزة الِاسْتِفْهَام و (مَا) و (لَا) للنَّفْي؛ وَبَعضهَا اخْتلف فِي اختصاصها بالأفعال ك (أَلا) للعرض وَكَذَا (إِن) الشّرطِيَّة فَإِن الْمَرْفُوع فِي نَحْو {إِن امْرُؤ هلك} يجوز عِنْد الْأَخْفَش وَالْفراء أَن يكون مُبْتَدأ، وَالْمَشْهُور وجوب النصب
فِي (إِن زيدا ضَربته) و (أَلا زيدا تضربه) فِي الْعرض
التناسخ: هُوَ وُصُول روح إِذا فَارق الْبدن إِلَى جَنِين قَابل للروح
والبروز: هُوَ أَن يفِيض الرّوح من أَرْوَاح الكمل على كَامِل، كَمَا يفِيض عَلَيْهِ التجليات، وَهُوَ يصير مظهره وَيَقُول أَنا هُوَ
والتناسخ الْمحَال: تعلق بدن ببدن آخر لَا يكون مخلوقا من أَجزَاء بدنه وَلَا يكون عين الْبدن الأول شرعا وَعرفا؛ وتبدل الشكل غير مُسْتَلْزم لكَون الثَّانِي غير الأول عرفا، فَإِن زيدا من أول عمره إِلَى آخِره يتوارد عَلَيْهِ الأشكال مَعَ بَقَاء وحدته الشخصية عرفا، وَتعلق بعض النُّفُوس بأبدان أُخْرَى فِي الدُّنْيَا محكي عَن كثير من الفلاسفة والنصوص القاطعة من الْكتاب وَالسّنة ناطقة بِخِلَافِهَا، وَالْعقل لَا يدل على امْتنَاع التناسخ، لَكِن يحكم بِأَنَّهُ لَو كَانَ وَاقعا لتذكرت نفس مَا أحوالا مَضَت عَلَيْهَا فِي الْبدن السَّابِق، وَالْقَوْل بالمعاد يَنْفِيه
والتناسخية يسمون تعلق روح الْإِنْسَان ببدن إِنْسَان نسخا، أَو ببدن حَيَوَان آخر مسخا، وبجسم نباتي فسخا، وبجسم جمادي رسخا، بِنَاء على أَن الْأَرْوَاح الْمُفَارقَة عَن الْأَبدَان بَاقِيَة ومتناهية، والدورات الْمَاضِيَة غير متناهية بِنَاء على قدم الْعَالم، والأبدان الْمَاضِيَة أَيْضا غير متناهية، لِأَنَّهَا نتائجها، فَإِذا قسمت على الْأَبدَان يصل بِكُل مِنْهَا نفس وَاحِدَة
التَّقْلِيد: هُوَ قبُول قَول الْغَيْر بِلَا دَلِيل فعلى هَذَا قبُول قَول الْعَاميّ مثله، وَقبُول قَول الْمُجْتَهد مثله يكون تقليدا
وَلَا يكون قبُول قَول النَّبِي صلى الله عليه وسلم، وَقبُول قَول الْإِجْمَاع، وَقبُول القَاضِي قَول الْمُفْتِي وَقَول الْعدْل تقليدا لقِيَام الدَّلِيل من المعجزة، وتصديق قَول النَّبِي وَرُجُوع النَّاس إِلَى قَول الْمُفْتِي يُوجب الظَّن بصدقه، وَالْعلم وَالْعَدَالَة كَذَلِك
وَقيل: التَّقْلِيد قبُول قَول الْغَيْر للاعتقاد فِيهِ فعلى هَذَا يكون الْكل تقليدا وتقليد كل متدين بَاطِل، لِأَن الْأَدْيَان متضادة، وَاخْتِيَار كل وَاحِد مِنْهَا بِلَا دَلِيل تَرْجِيح بِلَا مُرَجّح فَيكون مُعَارضا بِمثلِهِ وَاخْتلف فِي إِيمَان الْمُقَلّد؛ وَالأَصَح أَنه يكْتَفى بالتقليد الْجَازِم فِي الْإِيمَان وَغَيره عِنْد الْأَشْعَرِيّ وَغَيره، خلافًا لأبي هَاشم من الْمُعْتَزلَة حَيْثُ قَالَ: لَا بُد لصِحَّة الْإِيمَان من الِاسْتِدْلَال
التَّنَاقُض: هُوَ اخْتِلَاف الجملتين بِالنَّفْيِ وَالْإِثْبَات اخْتِلَافا يلْزم مِنْهُ لذاته كَون إِحْدَاهمَا صَادِقَة وَالْأُخْرَى كَاذِبَة فَإِن كَانَت الْقَضِيَّة شخصية أَو مُهْملَة فتناقضها بِحَسب الكيف وَهُوَ الْإِيجَاب وَالسَّلب بِأَن تبدله سلبا، وَبِالْعَكْسِ كالإنسان حَيَوَان، لَيْسَ الْإِنْسَان بحيوان، وَإِن كَانَت الْقَضِيَّة محصورة بِأَن تقدمها سور فتناقضها بِذكر نقيض سورها
والسور أَرْبَعَة أَقسَام: سور إيجابي كلي ك (كل إِنْسَان حَيَوَان)
وسور إيجابي جزئي، ك (بعض الْإِنْسَان حَيَوَان)
وسور سلب كلي، ك (لَا شَيْء من الْإِنْسَان بِحجر)
وسور سلب جزئي، ك (لَيْسَ بعض الْإِنْسَان بِحجر)
فالمحصورات أَربع: مُوجبَة كُلية ك (كل إِنْسَان حَيَوَان) ، فنقيضها سالبة جزئية ك (لَيْسَ بعض الْإِنْسَان بحيوان)
وسالبة كُلية ك (لَا شَيْء من الْإِنْسَان بِحجر) فنقيضها مُوجبَة جزئية نَحْو: (بعض الْإِنْسَان حجر)
والتناقض يمْنَع صِحَة الدَّعْوَى، وَلِهَذَا قَالُوا: إِقْرَار مَال لغيره، كَمَا يمْنَع الدَّعْوَى لنَفسِهِ يمْنَعهَا لغيره بوكالة أَو وصاية، لِأَن فِيهِ تناقضا وَالْمرَاد من التَّنَاقُض أَن يتَضَمَّن دَعْوَى الْمُدَّعِي الْإِنْكَار بعد الْإِقْرَار
وكل مَا كَانَ مبناه على الخفاء فالتناقض فِيهِ مَعْفُو، فَلَا يمْنَع صِحَة الدَّعْوَى، كَمَا إِذا ادّعى بعد الْإِقْرَار بِالرّقِّ الْعتْق وَنَحْو ذَلِك
وَلَا يمْنَع التَّنَاقُض صِحَة الْإِقْرَار على نَفسه فَإِن من أنكر شَيْئا ثمَّ أقرّ يَصح إِقْرَاره، لِأَنَّهُ غير مُتَّهم فِيهِ، بِخِلَاف الدَّعْوَى، وَهَذَا إِذا لم يتَضَمَّن الْإِقْرَار إبِْطَال حق أحد وَأما إِذا تضمن يمْنَع صِحَّته، فَمن بَاعَ دَار غَيره بِلَا أمره وَأقر بِالْغَضَبِ وَأنكر المُشْتَرِي لم يَصح إِقْرَاره، لِأَن إِقْرَاره هَهُنَا يتَضَمَّن إبِْطَال حق المُشْتَرِي فَلَا يَصح
ومكنة التَّوْفِيق تَنْفِي التَّنَاقُض، وَعدمهَا يُثبتهُ
التَّوْزِيع: هُوَ أَن يوزع الْمُتَكَلّم حرفا من حُرُوف الهجاء فِي كل لَفْظَة من كَلَامه بِشَرْط عدم التَّكَلُّف، وَقد جَاءَ فِي التَّنْزِيل مثل ذَلِك بِغَيْر قصد، كَقَوْلِه تَعَالَى:{نسبحك كثيرا ونذكرك كثيرا إِنَّك كنت بِنَا بَصيرًا}
التَّكْمِيل: هُوَ تعقيب جملَة بِمَا يدْفع مَا توهمه من خلاف الْمَقْصُود نَحْو: {أَذِلَّة على الْمُؤمنِينَ أعزة على الْكَافرين} وَلَو اقْتصر على (أَذِلَّة على الْمُؤمنِينَ) لَكَانَ مدحا تَاما بالرياضة والانقياد لإخوانهم، وَلكنه زَاده تكميلا وَمِنْه قَوْله:
(حَلِيم إِذا مَا الْحلم زين أَهله
…
مَعَ الْحلم فِي عين الْعَدو مهيب)
التصدير: وَيُسمى أَيْضا رد الْعَجز على الصَّدْر وَهُوَ أَن يُوَافق آخر الفاصلة آخر كلمة فِي الصَّدْر، نَحْو:{وَالْمَلَائِكَة يشْهدُونَ وَكفى بِاللَّه شَهِيدا}
أَو يُوَافق أول كلمة مِنْهُ نَحْو: {وهب لنا من لَدُنْك رَحْمَة إِنَّك أَنْت الْوَهَّاب}
أَو يُوَافق بعض كَلِمَاته نَحْو: {وَلَقَد استهزئ} إِلَى قَوْله: {مَا كَانُوا بِهِ يستهزئون}
الطّرق بَينه وَبَين التوشيح الَّذِي هُوَ أَن يكون فِي أول الْكَلَام مَا يسْتَلْزم القافية أَن التصدير دلَالَة لفظية والتوشيح دلَالَة معنوية فَإِن (اصْطفى) فِي قَوْله تَعَالَى: {إِن الله اصْطفى آدم} يدل على الفاصلة وَهِي الْعَالمين لَا بِاللَّفْظِ بل بِالْمَعْنَى، لِأَنَّهُ يعلم أَن من لَوَازِم اصطفاه شَيْء أَن يكون مُخْتَارًا
على جنسه، وجنس هَؤُلَاءِ المصطفين الْعَالمُونَ
والتصدير فِي المنظوم على أَرْبَعَة أَنْوَاع: الأول: أَن يقعا طرفين إِمَّا متفقين صُورَة وَمعنى كَقَوْلِه:
(سريع إِلَى ابْن الْعم يلطم وَجهه
…
وَلَيْسَ إِلَى دَاعِي الندى بسريع)
أَو صُورَة لَا معنى كَقَوْلِه:
(ذوائب سود كالعناقيد أرْسلت
…
فَمن أجلهَا منا النُّفُوس ذوائب)
أَو معنى لَا صُورَة كَقَوْلِه:
(تمنيت أَن ألقِي سليما وعامرا
…
على سَاعَة تنسي الْحَلِيم الأمانيا)
أَو لَا صُورَة وَلَا معنى وَلَكِن بَينهمَا مشابهة اشتقاق كَقَوْلِه:
(ولاح يلحى على جري الْعَنَان إِلَى
…
ملحى فسحقا لَهُ من لائح لاحا)
الثَّانِي: أَن يقعا فِي حَشْو المصراع الأول وَعجز الثَّانِي إِمَّا متفقين صُورَة وَمعنى كَقَوْلِه:
(تمتّع من شميم عرار نجد
…
فَمَا بعد العشية من عرار)
أَو صُورَة لَا معنى كَقَوْلِه:
(وَإِذا البلابل أفصحت بلغاتها
…
فآنف البلابل باحتساء بلابل)
أَو معنى لَا صُورَة كَقَوْلِه:
(إِذا الْمَرْء لم يخزن عَلَيْهِ لِسَانه
…
فَلَيْسَ على شَيْء سواهُ بخزان)
أَو فِي الِاشْتِقَاق فَقَط كَقَوْلِه:
(لَو آختصرتم من الْإِحْسَان زرتكمو
…
والعذب يهجر للإفراط فِي الخصر)
الثَّالِث: أَن يقعا فِي آخر المصراع الأول وَعجز الثَّانِي، إِمَّا متفقين صُورَة وَمعنى كَقَوْلِه:
(وَمن كَانَ بالبيض الكواعب مغرما
…
فَمَا زلت بالبيض القواضب مغرما)
أَو صُورَة لَا معنى كَقَوْلِه:
(فمشغوف بآيَات المثاني
…
ومفتون برنات المثاني)
أَو معنى لَا صُورَة كَقَوْلِه:
(ففعلك إِن سَأَلت لنا مُطِيع
…
وقولك إِن سَأَلت لنا مُطَاع)
وَالرَّابِع: أَن يقعا فِي أول المصراع الثَّانِي وَالْعجز إِمَّا متفقين صُورَة وَمعنى كَقَوْلِه:
(فإلا يكن إِلَّا مُعَلل سَاعَة
…
قَلِيلا فَإِنِّي نَافِع لي قليلها)
أَو صُورَة لَا معنى كَقَوْلِه:
(أملتهم ثمَّ تأملتهم
…
فلاح لي أَن لَيْسَ فيهم فلاح)
أَو معنى لَا صُورَة كَقَوْلِه:
(ثوى فِي الثرى من كَانَ يحيا بِهِ الورى
…
ويغمر صرف الدَّهْر نائله الْغمر)
(وَقد كَانَت الْبيض البواتر فِي الوغى
…
بواتر فَهِيَ الْآن من بعده بتر)
التَّعْظِيم: هُوَ يكون بِاعْتِبَار الْوَصْف والكيفية، ويقابله التحقير فيهمَا بِحَسب الْمنزلَة والرتبة
والتكثير: يكون بِاعْتِبَار الْعدَد والكمية ويقابله التقليل، والتكثير يسْتَعْمل فِي الذوات، والإكثار فِي الصِّفَات
والتفخيم: ضد التَّوْفِيق، وَهُوَ التَّغْلِيظ وَترك الإمالة، وإمالة الْألف إِلَى مخرج الْوَاو كَمَا فِي اسْم (الصَّلَاة) وَإِخْرَاج اللَّام من أَسْفَل اللِّسَان كَمَا فِي اسْم الله تَعَالَى
التَّتَابُع: هُوَ يكون فِي الصّلاح وَالْخَيْر، وبالياء [المثناه التَّحْتِيَّة] بدل الْبَاء يخْتَص بالمنكر وَالشَّر كالتهافت فَإِنَّهَا لَا تسْتَعْمل إِلَى فِي الْمَكْرُوه والحزن
وَيُقَال: جَاءَت الْخَيل متتابعة: إِذا جَاءَ بَعْضهَا فِي إِثْر بعض بِلَا فصل
وَجَاءَت متواترة: إِذا تلاحقت وفيهَا فصل وَعَلِيهِ قَوْله تَعَالَى: {ثمَّ أرسلنَا رسلنَا تترى}
التِّلَاوَة: هِيَ قِرَاءَة الْقُرْآن متتابعة، كالدراسة والأوراد الموظفة
وَالْأَدَاء: هُوَ الْأَخْذ عَن الشُّيُوخ
وَالْقِرَاءَة: أَعم مِنْهُمَا
وَالْحق أَن الْأَدَاء هُوَ الْقِرَاءَة بِحَضْرَة الشُّيُوخ عقيب الْأَخْذ من أَفْوَاههم لَا الْأَخْذ نَفسه
التَّوْبَة: النَّدَم على الذَّنب، تقر بِأَن لَا عذر لَك فِي إِتْيَانه
والاعتذار: إِظْهَار نَدم على ذَنْب تقر بِأَن لَك فِي إِتْيَانه عذرا، فَكل تَوْبَة نَدم وَلَا عكس
وَالتَّوْبَة: الرُّجُوع عَن الْمعْصِيَة إِلَى الله تَعَالَى
والإنابة: الرُّجُوع عَن كل شَيْء إِلَى الله
والأوب: الرُّجُوع عَن الطَّاعَات إِلَى الله
وَالتَّوْبَة: النَّدَم ك (الْحَج عَرَفَة)
وَالتَّوْبَة: إِذا اسْتعْملت ب (على) دلّت على معنى الْقبُول، وَاسم الْفَاعِل مِنْهُ (تواب) يسْتَعْمل فِي الله لِكَثْرَة قبُول التَّوْبَة من الْعباد وَإِذا اسْتعْملت ب (عَن) كَانَ اسْم الْفَاعِل (تَائِبًا)
وَتَابَ إِلَيْهِ: أناب
التَّهْذِيب: هُوَ عبارَة عَن ترداد النّظر فِي الْكَلَام بعد عمله والشروع فِي تنقيحه نظما كَانَ أَو نثرا، وتغيير مَا يجب تَغْيِيره، وَحذف مَا يَنْبَغِي حذفه، وَإِصْلَاح مَا يتَعَيَّن إِصْلَاحه، وكشف مَا يشكل من غَرِيبه، وَإِعْرَابه، وتحرير مَا يدق من مَعَانِيه، وإطراح مَا
تجافى عَن مضاجع الرقة من غليظ أَلْفَاظه لتشرق شموس الْهدى فِي سَمَاء البلاغة
[التَّوَاتُر: هُوَ إِمَّا لَفْظِي أَو معنوي]
التَّوَاتُر اللَّفْظِيّ: هُوَ خبر جمع يمْتَنع عَادَة توافقهم على الْكَذِب عَن محسوس
والمعنوي: هُوَ نقل رُوَاة الْخَبَر قضايا مُتعَدِّدَة بَينهَا قدر مُشْتَرك، كنقل بَعضهم عَن حَاتِم مثلا أَنه أعْطى دِينَارا وَآخر قوسا وَآخر جملا وَهَكَذَا، فَهَذِهِ القضايا الْمُخْتَلفَة متفقة على معنى كلي مُشْتَرك بَينهَا، وَهُوَ الْإِعْطَاء الدَّال على جود حَاتِم
[والتواتر من حَيْثُ الرِّوَايَة: هُوَ أَن يرويهِ جمَاعَة لَا يتَصَوَّر تواطؤهم على الْكَذِب فيكفر جاحده
وَأما التَّوَاتُر من حَيْثُ ظُهُور الْعَمَل بِهِ قرنا فقرنا من غير ظُهُور الْمَنْع والنكير عَلَيْهِم فِي الْعَمَل بِهِ غير أَنهم مَا رَوَوْهُ على التوتر، لِأَن ظُهُور الْعَمَل بِهِ أغناهم عَن رِوَايَته، فجاحد هَذَا الْمُتَوَاتر لَا يكفر لِمَعْنى عرف فِي أصُول الْفِقْه]
التولي: تولاه: اتَّخذهُ وليا
{لَا تَتَوَلَّوْا قوما غضب الله عَلَيْهِم}
وَتَوَلَّى إِلَيْهِ: أقبل {ثمَّ تولى إِلَى الظل}
و [تولى] عَنهُ: أعرض {وَإِن توَلّوا فَإِنَّمَا هم فِي شقَاق}
وَفِي التَّعَدِّي بِنَفسِهِ يَقْتَضِي معنى الْولَايَة وحصوله فِي أقرب الْمَوَاضِع يُقَال: وليت سَمْعِي كَذَا وعيني كَذَا
وَفِي التَّعَدِّي ب (عَن) يَقْتَضِي معنى الْإِعْرَاض وَترك الْقرب
وَقد يجب حمل التولي فِيمَا لَا يُمكن الْحمل على معنى الْإِعْرَاض، إِمَّا على لَازم مَعْنَاهُ، وَهُوَ عدم الِانْتِفَاع، لِأَنَّهُ يلْزم الْإِعْرَاض؛ أَو على ملزومه، وَهُوَ الارتداد لِأَنَّهُ يلْزمه الْإِعْرَاض
التدوين: فِي اللُّغَة: جمع الصُّحُف والكتب، وَمِنْهَا الدِّيوَان، وَهُوَ مجمع الصُّحُف والكتب
وَكَانَ يُطلق فِي الأول على كتاب يجمع فِيهِ أسامي الْجَيْش وَأهل الْعَطِيَّة من بَيت المَال
وَأول من وَضعه عمر، ثمَّ نقل عَنهُ إِلَى جمع الْمسَائِل فِي الصُّحُف والكراريس
التدبيج: هُوَ أَن يذكر النَّاظِم أَو الناثر ألوانا يقْصد الْكِنَايَة بهَا أَو التورية بذكرها عَن أَشْيَاء من وصف أَو مدح أَو نسيب أَو هجاء أَو غير ذَلِك من الْفُنُون، كَقَوْلِه تَعَالَى:{وَمن الْجبَال جدد بيض وحمر مُخْتَلف ألوانها وغرابيب سود}
التَّابِع: هُوَ إِن كَانَ بِوَاسِطَة فَهُوَ الْعَطف بالحرف، وَإِن كَانَ بِغَيْر وَاسِطَة، فَإِن كَانَ هُوَ الْمُعْتَمد بِالْحَدَثِ فَهُوَ الْبَدَل، وَإِلَّا فَإِن كَانَ مَشْرُوط الِاشْتِقَاق فَهُوَ الصّفة، وَإِلَّا فَإِن اشْترطت فِيهِ الشُّهْرَة دون الأول فَهُوَ عطف الْبَيَان، وَإِلَّا فَهُوَ التَّأْكِيد
وَالتَّابِع لَا يفرد بالحكم، وَمن فروعها الْحمل
يدْخل فِي بيع الْأُم تبعا، وَلَا يفرد بِالْهبةِ وَالْبيع، بِخِلَاف الْعتْق فَإِنَّهُ لَا يشْتَرط فِيهِ مَا يشْتَرط فيهمَا
وَالتَّابِع يسْقط بِسُقُوط الْمَتْبُوع، وَلِهَذَا إِذا مَاتَ الْفَارِس سقط سهم الْفرس لَا عَكسه وَمِمَّا خرج عَن هَذِه الْقَاعِدَة إِجْرَاء الموسى على رَأس الْأَقْرَع، وَعدم سُقُوط حق من هُوَ فِي ديوَان الْخراج حَيْثُ يفْرض لأولادهم، وَلَا يسْقط بِمَوْت الْأَصِيل
[التَّحْرِير: الْإِفْرَاد، يُقَال: حَرَّره بِأَمْر كَذَا أَي: أفرده لَهُ وتحرير المبحث تَعْيِينه وتعريفه]
وتحرير الْكتاب وَغَيره: تقويمه
و [تَحْرِير الرَّقَبَة] : إعْتَاقهَا
والتحرير: بَيَان الْمَعْنى بِالْكِتَابَةِ
والتقرير: بَيَان الْمَعْنى بالعبارة
والتقرير بِمَعْنى التَّحْقِيق والتثبيت وَقد يُقَال بِمَعْنى حمل الْمُخَاطب على الْإِقْرَار بِمَا يعرفهُ وإلجائه إِلَيْهِ، كَقَوْلِه تَعَالَى:{ألم نشرح لَك صدرك}
التَّقْصِير: هُوَ ترك الشَّيْء أَو بعضه عَن عجز
والإقصار: ترك ذَلِك عَن قدرَة
التَّلْوِيح: هُوَ نوع خَاص من الْإِشَارَة
والإيماء: نوع خَاص من الْكِنَايَة
وَقيل: التَّلْوِيح إِشَارَة إِلَى الْقَرِيب، والإيماء إِلَى الْبعيد
التعمية: يُقَال: عميت الْبَيْت تعمية: إِذا أخفيته
وَمِنْه المعمى
وألغز فِي كَلَامه: إِذا عمى مُرَاده وَالِاسْم اللغز
[التَّوْفِيق: هُوَ التسهيل وكشف حسن الشَّيْء على الْقلب، لَا خلق قدرَة الطَّاعَة كَمَا ذهب إِلَيْهِ المحدثون وَوَافَقَهُمْ الْأَشْعَرِيّ، وَلَا خلق الطَّاعَة كَمَا ذهب إِلَيْهِ إِمَام الْحَرَمَيْنِ رحمه الله وَمن تبعه، لِأَن الْقُدْرَة صَالِحَة للضدين وَالطَّاعَة متوقفة على التَّوْفِيق فَهُوَ سَببهَا
والتوفيق: هُوَ النُّصْرَة والتيسير، والخذلان: هُوَ عدم النُّصْرَة، فبينهما تقَابل الْعَدَم والملكة دون التضاد، وَقَالَ الرستغفني وَمن تبعه منا وَإِمَام الْحَرَمَيْنِ وَمن تبعه من الأشاعرة: الخذلان خلق قدرَة على الْمعْصِيَة وَلَيْسَ كَذَلِك لِأَن الْقُدْرَة صَالِحَة للضدين على الْبَدَل، بل هُوَ بِمَعْنى عدم التَّوْفِيق والإعانة على الطَّاعَة وَترك العَبْد مَعَ نَفسه كَمَا فِي " المسايرة "، والخذلان والإضلال مُتَرَادِفَانِ عِنْد الْمُعْتَزلَة كَمَا فِي " التَّبْصِرَة " وَغَيره، وَمعنى قَوْله تَعَالَى:{وَمَا توفيقي إِلَّا بِاللَّه} لَيْسَ كل فَرد فَرد من توفيقاتي (إِلَّا بِاللَّه) إِذْ الْمصدر الْمُضَاف من صِيغ الْعُمُوم]
التشعب: هُوَ أَن يمتاز بعض الْأَجْزَاء عَن بعض مَعَ
اتِّصَال الْكل بِأَصْل وَاحِد، كأغصان الشّجر
والتجزؤ: هُوَ أَن يتفرق أبعاض الشَّيْء بَعْضهَا عَن بعض بِالْكُلِّيَّةِ
التجويد: هُوَ إِعْطَاء الْحُرُوف حُقُوقهَا وترتيلها، ورد الْحَرْف إِلَى مخرجه وَأَصله، وتلطيف النُّطْق بِهِ على كَمَال هَيئته من غير إِسْرَاف وَلَا تعسف وَلَا إفراط وَلَا تكلّف وَهُوَ حلية الْقُرْآن
التَّصْرِيح: هُوَ الْإِتْيَان بِلَفْظ خَالص للمعنى عَار عَن تعلقات غَيره، لَا يحْتَمل الْمجَاز وَلَا التَّأْوِيل
التأسف: هُوَ على الْفَائِت من فعلك وَمن فعل غَيْرك
والندم: يتَعَلَّق بِفعل النادم دون غَيره
والتحسر: أَشد التلهف على الشَّيْء الْفَائِت
التطرية: هُوَ بِدُونِ الْهمزَة التَّجْدِيد والإحداث؛ وَمن (طريت الثَّوْب) : إِذا عملت بِهِ مَا يَجعله جَدِيدا
و [التطرئة] بِالْهَمْزَةِ بِمَعْنى الْإِيرَاد والإحداث من (طَرَأَ عَلَيْهِ) : إِذا ورد وَحدث
التَّنَافِي: هُوَ يكون بِاعْتِبَار اتِّحَاد الْمحل مَعَ اخْتِلَاف الْحَال، سَوَاء كَانَ بطرِيق المضادة، كالحركة مَعَ السّكُون، أَو بطرِيق الْمُخَالفَة، كالقيام مَعَ الْقعُود
والتباين: أَعم من التَّنَافِي فَكل متنافيين متباينان بِلَا عكس
وَالشعر وَالْكِتَابَة متباينان، وَكَذَا الزِّنَا والإحصان
والتماثل: هُوَ اشْتِرَاك الْمَوْجُودين فِي جَمِيع صِفَات النَّفس على الْأَصَح
والتماثل الْبَيَانِي: هُوَ تشارك الْأَمريْنِ فِي أَمر مُطلقًا، حَتَّى إِذا أَرَادوا الدّلَالَة على هَذَا التشارك بالتشبيه يجْعَلُونَ الْأَمر الْمُشْتَرك فِيهِ وَجه الشّبَه، والمتشاركين طرفِي التَّشْبِيه
وَشبه التَّمَاثُل: هُوَ كَون النَّوْعَيْنِ المتخالفين فِي قلَّة التَّفَاوُت، بِحَيْثُ يسْبق إِلَى الْوَهم أَنَّهُمَا نوع وَاحِد
كالصفرة وَالْبَيَاض، والخضرة والسواد
[والتنافي عِنْد أهل الْحِكْمَة أَرْبَعَة أَقسَام: التضاد، والتضايف، والعدم والملكة، والتناقض
وَعند الْمُتَكَلِّمين قِسْمَانِ: التضاد والتناقض فَإِن المتنافيين إِن جَازَ انتفاؤهما فهما الضدان، وَإِلَّا فالنقيضان والتضايف والعدم والملكة من قبيل التضاد عِنْدهم]
والتضاد: هُوَ تمانع العرضين لذاتهما فِي مَحل وَاحِد من جِهَة وَاحِدَة
وَشبه التضاد: هُوَ أَن يَتَّصِف أحد الْأَمريْنِ بِأحد الضدين، وَالْآخر بِالْآخرِ كالأسود والأبيض، وَالسَّمَاء وَالْأَرْض، وَالْأَعْمَى والبصير، وَالْمَوْجُود والمعدوم
والتضايف: هُوَ أَن لَا يدْرك كل من الْأَمريْنِ إِلَّا بِالْقِيَاسِ إِلَى الآخر كالأبوة والبنوة
التَّعْدِيَة: هِيَ عِنْد الصرفيين تَغْيِير الْفِعْل، وإحداث معنى الْجعل والتصيير، نَحْو:(ذهبت بزيد) فَإِن مَعْنَاهُ: جعلته ذَا ذهَاب، أَو صيرته ذَا ذهَاب
وَعند النُّحَاة: هِيَ إِيصَال مَعَاني الْأَفْعَال إِلَى الْأَسْمَاء
والتعدي: مُجَاوزَة الشَّيْء إِلَى غَيره يُقَال: (عديته فتعدى) : إِذا تجَاوز
التجاذب: هُوَ أَن يُوجد فِي الْكَلَام معنى يَدْعُو إِلَى أَمر وَالْإِعْرَاب يمْنَع مِنْهُ كَقَوْلِه تَعَالَى: {إِنَّه على رجعه لقادر يَوْم تبلى السرائر}
فَالْمَعْنى يتقضي أَن الظّرْف، وَهُوَ (يَوْم) يتَعَلَّق بالرجع الَّذِي هُوَ مصدر، لَكِن الْإِعْرَاب يمْنَع مِنْهُ لعدم جَوَاز الْفَصْل بَين الْمصدر ومعموله، فيؤول لصِحَّة الْإِعْرَاب بِأَن يَجْعَل الْعَامِل فِي الظّرْف فعلا مُقَدرا دلّ عَلَيْهِ الْمصدر وَكَذَا قَوْله:{أكبر من مقتكم إِذْ تدعون} إِذْ الْإِعْرَاب يمْنَع عَمَّا يَقْتَضِيهِ الْمَعْنى، وَهُوَ تعلق (إِذْ) بالمقت للْفِعْل الْمَذْكُور، فَيقدر لَهُ فعل يدل عَلَيْهِ
التَّحْرِيمَة: هِيَ من (التَّحْرِيم) بِمَعْنى الْمحرم، بِالْكَسْرِ، فَإِنَّهُ منع مَا يحل خَارج الصَّلَاة، وَالتَّاء للنَّقْل أَو للْمُبَالَغَة
والتعاطي: هُوَ إِعْطَاء البَائِع الْمَبِيع للْمُشْتَرِي على وَجه البيع وَالتَّمْلِيك، وَالْمُشْتَرِي الثّمن للْبَائِع كَذَلِك بِلَا إِيجَاب وَلَا قبُول
التَّذْكِرَة: هِيَ مَا يتَذَكَّر بِهِ الشَّيْء، أَعم من الدّلَالَة والأمارة
والتذكر: مصدر مَبْنِيّ للْمَفْعُول فيؤول إِلَى معنى التَّذْكِير
الترصيع: هُوَ توازن الْأَلْفَاظ مَعَ توَافق الأعجاز أَو تقاربها نَحْو {إِن الْأَبْرَار لفي نعيم وَإِن الْفجار لفي جحيم} وَكَقَوْلِه:
(فحريق جَمْرَة سَيْفه للمعتدي
…
ورحيق خمرة سيبه للمعتفي)
التعس: هُوَ أَن يخر على وَجهه
والنكس: أَن يخر على رَأسه
وَإِذا خاطبت تَقول: تعست، ك (منعت)، وَإِذا حكيت تَقول:(تعس) ، ك (سمع)
التبري: التَّعَرُّض
والتبرؤ: الْبَرَاءَة: تبرأنا إِلَيْك
التوليد: التربية، وَمِنْه قَوْله تَعَالَى لعيسى عليه السلام:" أَنْت نبيي وَأَنا وَلدتك " أَي: ربيتك، فَقَالَت النَّصَارَى " أَنْت نبيي وَأَنا وَلدتك " بِالتَّخْفِيفِ تَعَالَى الله عَن ذَلِك علوا كَبِيرا
التأبين: الثَّنَاء على الشَّخْص بعد مَوته؛ واقتفاء أثر الشَّيْء كالتأبن؛ وترقب الشَّيْء أَيْضا
التسريح: هُوَ إِطْلَاق الشَّيْء على وَجه لَا يتهيأ للعود، فَمن أرسل الْبَازِي ليسترده فَهُوَ مُطلق؛ وَمن أرْسلهُ لَا ليَرُدهُ فَهُوَ مسرح
التَّعْبِير: هُوَ مُخْتَصّ بتعبير الرُّؤْيَا، وَهُوَ العبور من ظواهرها إِلَى بواطنها
وَهُوَ أخص من التَّأْوِيل؛ فَإِن التَّأْوِيل يُقَال فِيهِ وَفِي غَيره
التَّوْقِيت: مَعْنَاهُ أَن يكون الشَّيْء ثَابتا فِي الْحَال (وَيَنْتَهِي فِي الْوَقْت الْمَذْكُور)
وألفاظ التَّأْقِيت: (مَا دَامَ) ، و (مَا لم) و (حَتَّى) و (إِلَى)
والتأجيل: مَعْنَاهُ أَن لَا يكون ثَابتا (فِي الْحَال) كتأجيل مُطَالبَة الثّمن إِلَى مُضِيّ الشَّهْر مثلا
التناصر: التعاون
والتنصر: هُوَ الدُّخُول فِي دين النَّصْرَانِيَّة
والتهجد: يُقَال: تهجد الرجل: إِذا سهر لِلْعِبَادَةِ
وأرق: إِذا سهر لعِلَّة
التلقي: هُوَ يَقْتَضِي اسْتِقْبَال الْكَلَام وتصوره
والتلقن: يَقْتَضِي الحذق فِي تنَاوله
والتلقف: يُقَارِبه، لكنه يتقضي الاحتيال فِي التَّنَاوُل
التَّعَجُّب: هُوَ بِالنّظرِ إِلَى الْمُتَكَلّم
والتعجيب: بِالنّظرِ إِلَى الْمُخَاطب
التَّحَرِّي: أَصله التحرر كالتحدي
والتفعل بِمَعْنى الاستفعال، لِأَنَّهُ طلب الأحرى أَو الْحر، أَي: الأخلص أَو الْخَالِص فَكَانَ بِمَعْنى (استحرى)
التجلي: هُوَ قد يكون بِالذَّاتِ نَحْو: {وَالنَّهَار إِذا تجلى} وَقد يكون بِالْأَمر وَالْفِعْل نَحْو: {فَلَمَّا تجلى ربه للجبل}
التوفي: الإماتة وَقبض الرّوح، وَعَلِيهِ اسْتِعْمَال الْعَامَّة أَو الِاسْتِيفَاء وَأخذ الْحق، وَعَلِيهِ اسْتِعْمَال البلغاء
وَالْفِعْل من الْوَفَاة (توفّي) على مَا لم يسم فَاعله، لِأَن الْإِنْسَان لَا يتوفى نَفسه فالمتوفى هُوَ الله تَعَالَى أَو أحد من الْمَلَائِكَة وَزيد هُوَ (الْمُتَوفَّى) بِالْفَتْح
التشخص: هُوَ الْمَعْنى الَّذِي يصير بِهِ الشَّيْء ممتازا عَن الْغَيْر، بِحَيْثُ لَا يُشَارِكهُ شَيْء آخر أصلا
وَهُوَ والجزئية متلازمان، فَكل شخص جزئي وكل جزئي شخص
التعقل: هُوَ إِدْرَاك الشَّيْء مُجَردا عَن الْعَوَارِض الغريبة واللواحق المادية
والتبعية: هُوَ كَون التَّابِع بِحَيْثُ لَا يُمكن انفكاكه عَن الْمَتْبُوع، بِأَن يكون وجوده فِي نَفسه هُوَ وجوده فِي متبوعه وَلَا تُوجد هَذِه التّبعِيَّة إِلَّا فِي الْأَعْرَاض
وَهَذَا تَامّ
وَغير التَّام بِخِلَافِهِ، كتبعية الْفَرْع للْأَصْل
التَّقْرِيب: هُوَ تطبيق الدَّلِيل على الْمُدَّعِي وَبِعِبَارَة أُخْرَى: هُوَ سوق الدَّلِيل على وَجه يُفِيد الْمَطْلُوب
التَّنْقِيح: هُوَ اخْتِصَار اللَّفْظ مَعَ وضوح الْمَعْنى من (نقح الْعظم) : إِذا استخرج مخه
وتنقيح الشّعْر وإنقاحه: تهذيبه
وتنقيح المناط: إِسْقَاط مَا لَا مدْخل لَهُ فِي الْعلية. وَتَخْرِيج المناط: تعْيين الْعلَّة بِمُجَرَّد إبداء الْمُنَاسبَة
التطبيق: تطبيق الشَّيْء على الشَّيْء: جعله مطابقا لَهُ، بِحَيْثُ يصدق هُوَ عَلَيْهِ
التَّرْجَمَة: بِفَتْح التَّاء وَالْجِيم: هُوَ إِبْدَال لَفْظَة بِلَفْظَة تقوم مقَامهَا، بِخِلَاف التَّفْسِير
التقليل: هُوَ رد الْجِنْس إِلَى فَرد من أَفْرَاده، لَا تنقيص فَرد إِلَى جُزْء من أجازئه
التَّجَسُّس: بِالْجِيم، هُوَ السُّؤَال عَن العورات من غَيره
و [التحسس]، بِالْحَاء المغفلة: استكشاف ذَلِك بِنَفسِهِ
التَّوَهُّم: هُوَ إِدْرَاك الْمَعْنى الجزئي الْمُتَعَلّق بالمحسوس
التَّمْر: هُوَ اسْم المجذود من النخيل، وَمَا على رؤوسه يُسمى رطبا وَتَمْرًا أَيْضا، إِذْ هُوَ اسْم جنس يتَنَاوَل ثمار النّخل من حِين الِانْعِقَاد إِلَى حِين الْإِدْرَاك، وَمَا يترادف عَلَيْهِ من الْأَوْصَاف بِاعْتِبَار الْأَحْوَال لَا يُوجب تبدل اسْم الْعين، كالآدمي يكون صَبيا ثمَّ شَابًّا ثمَّ كهلا ثمَّ شَيخا؛ وَإِنَّمَا يُوجب فَوت اسْم الصّفة عَنهُ، وَهُوَ الرطب، وَذَلِكَ بعد الْجَفَاف، وَبَقِي اسْم الْعين وَهُوَ التَّمْر
وَالْحَيَوَان لَا يتَغَيَّر بِتَغَيُّر الْوَصْف جنسه، ويتغير جنس سَائِر الْأَشْيَاء فالفائت من الصَّبِي بعد الْكبر صفة الصِّبَا، لَا جُزْء من ذَاته، بِخِلَاف غير الْحَيَوَان، فَإِن الرطب مثلا بعد مَا صَار تَمرا فَاتَ جُزْء من ذَاته، فَلَا تكون ذَاته بِعَينهَا مَوْجُودَة بعد التمرية، فَلَا تَقول: تمر رطب، كَمَا تَقول: رجل شَاب
التَّدْلِيس: هُوَ كتمان عيب السّلْعَة عَن المُشْتَرِي
وَمِنْه التَّدْلِيس فِي الْإِسْنَاد: وَهُوَ أَن يحدث عَن الشَّيْخ الْأَكْبَر، وَلَعَلَّه مَا رَآهُ وَإِنَّمَا سَمعه مِمَّن هُوَ دونه، أَو مِمَّن سَمعه مِنْهُ وَنَقله جمَاعَة من الثِّقَات
التمويه: هُوَ إلباس صُورَة حَسَنَة لشَيْء قَبِيح، كإلباس الذَّهَب للنحاس وَغَيره
التَّقْرِيب: هُوَ سوق الدَّلِيل على وَجه يسْتَلْزم الْمَطْلُوب
التعزيز: هُوَ تَأْدِيب دون الْحَد، أَصله التَّطْهِير والتعظيم {وتعزروه وتوقروه} [وكل مَا لَيْسَ فِيهِ حد مُقَرر شرعا فموجبه التَّعْزِير]
التيقظ: هُوَ كَمَال التنبه والتحرز عَمَّا لَا يَنْبَغِي
التَّحِيَّة: هِيَ: سَلام عَلَيْك وَسَلام الْخَلِيل عليه الصلاة والسلام أبلغ من سَلام الْمَلَائِكَة حَيْثُ {قَالُوا سَلاما قَالَ سَلام} فَإِن نصب (سَلاما) إِنَّمَا يكون على إِرَادَة الْفِعْل، أَي سلمنَا سَلاما
وَهَذِه الْعبارَة مؤذنة بحدوث التَّسْلِيم مِنْهُم، إِذْ الْفِعْل مُتَأَخّر عَن وجود الْفَاعِل، بِخِلَاف سَلام إِبْرَاهِيم، فَإِنَّهُ مُرْتَفع بِالِابْتِدَاءِ، فَاقْتضى الثُّبُوت على الْإِطْلَاق، وَهُوَ أولى مِمَّا يعرض لَهُ الثُّبُوت، فَكَأَنَّهُ قصد أَن يحييهم بِأَحْسَن مَا حيوه بِهِ
وتحية الْعَرَب: حياك الله
والانحناء تَحِيَّة الْمَجُوس
وتحية الْكَافِر وضع الْيَد على الْفَم
قَالَ يَعْقُوب: التَّحِيَّات لله: أَي: الْملك لله وَالتَّشَهُّد فِي التعارف: اسْم للتحيات المقروءة فِي الصَّلَاة، وللركن الَّذِي يقْرَأ فِيهِ ذَلِك
التربية: هِيَ تَبْلِيغ الشَّيْء إِلَى كَمَاله شَيْئا فَشَيْئًا
التحديث: عَام؛ والسمر: خَاص بِاللَّيْلِ
التفل: هُوَ مَا صَحبه شَيْء من الرِّيق
والنفث: النفخ بِلَا ريق
التهاتر: الشَّهَادَة الَّتِي يكذب بَعْضهَا بَعْضًا
وتهاترا: أَي ادّعى كل على صَاحبه بَاطِلا
التَّمَنِّي: هُوَ الْكَلَام المتمنى بِهِ أَو التَّلَفُّظ بِهِ قَالَ صَاحب " الْكَشَّاف " لَيْسَ التَّمَنِّي من أَعمال
الْقُلُوب، إِنَّمَا هُوَ قَول الْإِنْسَان بِلِسَانِهِ (لَيْت لي كَذَا)
والمتمنى إِمَّا مَا لم يقدر أَو قدر بكسب أَو بِغَيْر كسب
وَالْأول: مُعَارضَة لحكمة الْقدر
وَالثَّانِي: بطالة وتضييع حَظّ
وَالثَّالِث: ضائع ومحال
التَّكَلُّم: هُوَ اسْتِخْرَاج اللَّفْظ من الْعَدَم إِلَى الْوُجُود، ويعدى بِنَفسِهِ وبالباء أَيْضا
وَبَين الْمُتَكَلّم وحروف كَلَامه علاقَة مصححة للإضافة لَيست تِلْكَ العلاقة بَين شخص وَالصَّوْت الَّذِي أوجده فِي غَيره، فَيُقَال لَهُ: مصوت، لَا مُتَكَلم
التصيير: تصيير الشَّيْء شَيْئا، إِمَّا بِحَسب الذَّات، كتصيير المَاء حجرا، وَبِالْعَكْسِ وَحَقِيقَته إِزَالَة الصُّورَة الأولى عَن الْمَادَّة وإفاضة صُورَة أُخْرَى عَلَيْهَا
وَإِمَّا بِحَسب الْوَصْف، كتصيير الْجِسْم أسود بَعْدَمَا كَانَ أَبيض، وَحَقِيقَته إفَاضَة الْأَعْرَاض على الْمحل الْقَابِل لَهَا
التَّطَوُّع: فِي الأَصْل: تكلّف الطَّاعَة
وَفِي التعارف: تبرع بِمَا لَا يلْزم كالنقل
وَفِي الشَّرِيعَة: الْمُسْتَحبّ
التَّرْجِيح: هُوَ بَيَان الْقُوَّة لأحد المتعارضين على الآخر
التَّنَزُّه: التباعد، وَالِاسْم: النزهة، بِالضَّمِّ، وَاسْتِعْمَال التَّنَزُّه فِي الْخُرُوج إِلَى الْبَسَاتِين والرياض غلط قَبِيح
التمثال: هُوَ مَا يصنع ويصور مشبها بِخلق الله من ذَوَات الرّوح وَالصُّورَة، عَام
والصنم: مَا كَانَ من حجر
والوثن: عَام وَحُرْمَة التصاوير شرع مُجَدد
التبر، بِالْكَسْرِ: الحجران قبل الضَّرْب، وَيُسمى بِالْعينِ بعده، وَقد يُطلق على غَيرهمَا من المعدنيات، إِلَّا أَنه بِالذَّهَب أَكثر اختصاصا
الترادف: الِاتِّحَاد فِي الْمَفْهُوم، لَا الِاتِّحَاد فِي الذَّات، كالإنسان والبشر وَحقّ المترادفين صِحَة حُلُول كل مِنْهُمَا مَحل الآخر هَذَا مُخْتَار ابْن الْحَاجِب فِي " أُصُوله " وَهُوَ أَنه يجب ذَلِك مُطلقًا ومختار الْبَيْضَاوِيّ: إِن كَانَا من لُغَة وَاحِدَة ومختار الإِمَام أَنه غير وَاجِب
والمترادفان يفيدان فَائِدَة وَاحِدَة من غير تفَاوت، وَالتَّابِع لَا يُفِيد وَحده شَيْئا، بل بِشَرْط كَونه مُقَيّدا بتقدم الأول عَلَيْهِ قَالَه فَخر الدّين والمترادفان مثل:{بثي وحزني} {سرهم ونجواهم} ، {شرعة ومنهاجا} ، {لَا تبقي وَلَا تذر} {إِلَّا دُعَاء ونداء} {أَطعْنَا سادتنا وكبراءنا} ، {صلوَات من رَبهم وَرَحْمَة} ، {عذرا أَو نذرا}
والمخلص فِي هَذَا أَن يعْتَقد أَن مَجْمُوع المترادفين
يحصل معنى لَا يُوجد عِنْد انفرادهما؛ فَإِن التَّرْكِيب يحدث معنى زَائِدا
وَإِذا كَانَت كَثْرَة الْحُرُوف تفِيد زِيَادَة الْمَعْنى فَكَذَلِك كَثْرَة الْأَلْفَاظ
والمترادفان قد يكونَانِ مفردين كالليث والأسد، وَقد يكونَانِ مركبين كجلوس اللَّيْث وقعود الْأسد
وَقد يكون أَحدهمَا مُفردا وَالْآخر مركبا، كالمز والحلو الحامض
التمجيد: هُوَ أَن تَقول: لَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه
التارة: الْحِين والمرة
وأتاره: أَعَادَهُ مرّة بعد مرّة وَيجمع على (تير) و (تارات)
وألفها تحْتَمل أَن تكون عَن وَاو أَو يَاء، قيل: هُوَ من (تار الْجرْح) : إِذا التأم
وَتارَة، مَنْصُوب: إِمَّا ظرف، أَو مصدر على قِيَاس مَا قيل فِي (مرّة) فِي (ضَربته مرّة)
التحت: هُوَ مُقَابل للفوق، وَيسْتَعْمل فِي الْمُنْفَصِل، كَمَا أَن الْأَسْفَل فِي الْمُتَّصِل وَفِي الحَدِيث:" لَا تقوم السَّاعَة حَتَّى يظْهر التحوت " أَي الدون من النَّاس
تحقق اللّبْس: هُوَ عِنْد تَسَاوِي الِاحْتِمَالَات، وَرَفعه وَاجِب
وتوهم اللّبْس: يكون عِنْد رُجْحَان الْبَعْض، وَرَفعه مُخْتَار
تعال، بِفَتْح اللَّام: أَمر أَي: جئ، وَأَصله أَن يَقُوله من فِي الْمَكَان الْمُرْتَفع لمن فِي الْمَكَان المستوطي، ثمَّ كثر حَتَّى اسْتَوَى اسْتِعْمَاله فِي الْأَمْكِنَة، عالية كَانَت أَو سافله، فَيكون من الْخَاص الَّذِي جعل عَاما، وَاسْتعْمل فِي مَوضِع الْعَام وَمن هَذَا الْقَبِيل قَوْلهم:(أَقمت بَين ظهرانيهم) أَي: بَين ظهر فِي وَجْهي وَظهر فِي ظَهْري؛ ثمَّ اسْتعْمل فِي مُطلق الْإِقَامَة وَمِنْه (الحصان) للْفرس الذّكر، خلاف الْحجر وَهِي الْأُنْثَى مِنْهُ وَالْأَصْل فِيهِ أَن الْفَحْل الْكَرِيم الَّذِي يضن بمائه لَا ينزى إِلَّا على فرس كريم، كَأَنَّهُ حصن من الإنزاء، ثمَّ كثر اسْتِعْمَاله حَتَّى أطلق على الْفَحْل الْكَرِيم وَغَيره، وَأَشْبَاه ذَلِك وَلم يجِئ من (تعال) أَمر غَائِب وَلَا نهي وَهُوَ مُخْتَصّ بالجلالة ك (تبَارك) مَعْنَاهُ تجَاوز عَن صِفَات المخلوقين، وَإِنَّمَا خص لفظ التفاعل لمبالغة ذَلِك مِنْهُ، لَا على سَبِيل التَّكَلُّف كَمَا يكون من الْبشر
[قَالَ الْحسن بن فُضَيْل: تبار الله فِي ذَاته وَبَارك فِيمَن شَاءَ من خلقه]
تشابه الْأَطْرَاف: هُوَ ختم الْكَلَام بِمَا يُنَاسب صَدره نَحْو: {لَا تُدْرِكهُ الْأَبْصَار وَهُوَ يدْرك الْأَبْصَار وَهُوَ اللَّطِيف الْخَبِير}
[التحيز: هُوَ عبارَة عَن نِسْبَة الْجَوْهَر إِلَى الحيز بِأَنَّهُ فِيهِ، والحيز: هُوَ الْمَكَان أَو تَقْدِير الْمَكَان، وَالْمرَاد بِتَقْدِير الْمَكَان كَونه فِي الْمَكَان، وَلم نقل هُوَ الْمَكَان، لِأَن المتحيز عندنَا هُوَ الْجَوْهَر والحيز من لَوَازِم نفس الْجَوْهَر لَا انفكاك لَهُ عَنهُ]
[نوع]
{تقطعت بهم} : تصرمت عَنْهُم
{تألمون} : توجعون
{تبسل} : تفضح
{ترهقهم} : تغشاهم
{تسيمون} : ترعون
{تشاقون} : تخالفون
{يتفيأوا} : يتميلوا
{وتصف ألسنتهم} : أَي: وَتقول
{وتدلوا بهَا إِلَى الْحُكَّام} : أَي وَلَا تلقوا حُكُومَة أَمْوَالكُم إِلَى الْحُكَّام
{يَوْم يَأْتِي تَأْوِيله} : أَي بَيَانه الَّذِي هُوَ غَايَته الْمَقْصُودَة مِنْهُ
{وَأحسن تَأْوِيلا} : أَي معنى وترجمة أَو ثَوابًا فِي الْآخِرَة
{فَلَمَّا ترَاءى الْجَمْعَانِ} : أَي تقاربا وتقابلا حَتَّى يرى كل مِنْهُمَا الآخر
{تعاسرتم} : تضايقتم
{تغيض} : تنقص
{فتهجد} : فاترك الهجود أَي: النّوم للصَّلَاة
{لتشقى} : لتتعب
{بِمَا تسْعَى} : بعملها من خير وَشر
{ولتصنع على عَيْني} : ولتربى وَيحسن إِلَيْك فأراعيك وأراقبك
{الْيَوْم تنسى} : تتْرك
{جَزَاء من تزكّى} : تطهر من أدناس الْكفْر والمعاصي
{تؤزهم أزا} : تغويهم إغواء
{تستأنسوا} : تستأذنوا
{تخلقون} : تَصْنَعُونَ
{ترجي} : تُؤخر
{تحبرون} : تكرمون
{تلبسوا} : تخلطوا
{أتحاجوننا} : أتخاصموننا
{تتبيب} : هَلَاك وتخسير
{الترائب} : مَوضِع القلادة من الْمَرْأَة
{تركنوا} : تميلوا
{تبيعا} : نَصِيرًا
{تباب} : خسران
{تعولُوا} : تميلوا
{تَارَة} : مرّة
{فناداها من تحتهَا} : من بَطنهَا بالنبطية
{تله للجبين} : صرعه [على شقَّه فَوَقع جَبينه على الأَرْض]
{تَذْرُوهُ} : تفرقه
{إِذْ تحسونهم} : تقتلونهم
{ترهقهم} : تلحقهم
{تؤويه} تضمه
{تَدْعُو} : تجذب
{تبارا} : هَلَاكًا
{التكاثر} : التباهي بِالْكَثْرَةِ
{تبت} : هَلَكت، أَو خسرت
{التراقي} : أَعلَى الصَّدْر
{تصدي} : تتعرض بالإقبال عَلَيْهِ
{تلهي} : تتشاغل
{ترهقها قترة} : يَغْشَاهَا سَواد وظلمة التطفيف: البخس فِي الْكَيْل وَالْوَزْن
{تسنيم} : علم لعين بِعَينهَا، سميت بِهِ لارْتِفَاع مَكَانهَا أَو رفْعَة شرابها
ترائب الْمَرْأَة: عِظَام صدرها
{التراث} : الْمِيرَاث
{تلظى} : تتلهب
{تَوَارَتْ بالحجاب} : غربت الشَّمْس
{أحسن تَقْوِيم} : تَعْدِيل
{تَفُور} : تغلي
{تمور} : تضطرب، والمور: التَّرَدُّد فِي
الْمَجِيء والذهاب
{تقشعر} : تشمئز
اقشعرار الْجلد: تقبضه
{تمرحون} : تتوسعون فِي الْفَرح
{ترجمون} : تؤذونني
تعسا: عثورا وانحطاطا ونقيضه لعسا أَي: ثباتا
{تفيء} : ترجع
{تحيد} : تميل وتنفر عَنهُ
{فَتَدَلَّى} : تعلق
{من نُطْفَة إِذا تمنى} : تدفق فِي الرَّحِم، أَو تخلق
{تؤفكون} : تصرفون
{تلقف} : تلقم وتأكل
{تصدية} : تصفيقا
{تثقفنهم} : تصادفنهم وتظفرن بهم
{ترهبون} : تخوفون
{تسر الناظرين} : تعجبهم
{حق تُقَاته} : حق تقواه
{أَن تَفْشَلَا} : أَي تجبنا وتضعفا
{تحروا} : توخوا
{فتشقى} : فتتعب فِي طلب المعاش
{تميد} : تميل وتضطرب
{فتبهتهم} : فتغلبهم أَو تحيرهم
{تنكصون} : تعرضون مُدبرين
{تبَارك} : تكاثر خَيره أَو تزايد على كل شَيْء وَتَعَالَى عَنهُ فِي صِفَاته وأفعاله
{تبرنا تتبيرا} : فتتنا تفتيتا
{تِلْقَاء مَدين} : قبالة مَدين، قَرْيَة شُعَيْب
{تعتدونها} : تستوفون عدتهَا
{تطلع على الأفئدة} : تعلو أوساط الْقُلُوب ويشتمل عَلَيْهَا.
{تشخص فِيهِ الْأَبْصَار} : فَلَا تقر فِي أمكانها من هول مَا ترى
{كَأَن لم تغن} : كَأَن لم تنْبت زَرعهَا
{وَإِذ تَأذن ربكُم} : بِمَعْنى أذن
{أَن تطؤوهم} : أَن توقعوا بهم وتبيدوهم
{أفتمارونه} : أفتجادلونه
{تتمارى} : تتشكك {تزاور عَن كهفهم} : تميل عَنهُ. {حِين تريحون} : تردونها من مراعيها إِلَى مراحها بالْعَشي
{وَحين تسرحون} : تخرجونها بِالْغَدَاةِ إِلَى المراعي
{تأفكنا} : تصرفنا
{تعزروه} : تقووه
{توقروه} : تعظموه
{تفيضون} : تخوضون
{تَتَجَافَى} : ترْتَفع وتتنحى
{فظلتم تفكهون} : تعْجبُونَ أَو تَنْدمُونَ
{تَفَسَّحُوا} : توسعوا
{فَتَوَلّى بركنه} : كنأى بجانبه، أَو أعرض بِمَا يتقوى بِهِ من جُنُوده
{تزيلوا} : تفَرقُوا
{تحاوركما} : تراجعكما
{تهجرون} : تعرضون أَو تهذون
{تفلح} : تحرق
{تراءت الفئتان} : تلاقى الْفَرِيقَانِ
{إِلَّا إِذا تمنى} : زور فِي نَفسه مَا يهواه، أَو قَرَأَ وَتكلم كَقَوْلِه:
(تمنى كتاب الله أول لَيْلَة
…
تمني دَاوُد الزبُور على رسل)
أَي: على سكينَة ووقار
{هَل ينظرُونَ إِلَّا تَأْوِيله} : أَي عاقبته
التَّرَبُّص: التمكث
{التَّوْرَاة} : مَعْنَاهَا الضياء والنور
{تجلى} : ظهر
{تَأذن رَبك} : أعلم
{تغشاها} : علاها بِالنِّكَاحِ
{تنوء بالعصبة} : تنهض بهَا، وَهُوَ من المقلوب، مَعْنَاهُ مَا إِن الْعصبَة لتنوء بمفاتحه أَي ينهضون بهَا يُقَال: ناء بِحمْلِهِ إِذا نَهَضَ بِهِ متثاقلا
{تَجْعَلُونَ رزقكم أَنكُمْ تكذبون} : أَي تَجْعَلُونَ شكركم التَّكْذِيب، أَو تَجْعَلُونَ شكر رزقكم
التَّكْذِيب على طَريقَة {واسأل الْقرْيَة}
{تبوؤا الدَّار} : لزموها اتَّخَذُوهَا مسكنا {وَالْإِيمَان} : أَي تمكنوا فِي الْإِيمَان وَاسْتقر فِي قُلُوبهم
{من تفَاوت} : اضْطِرَاب وَاخْتِلَاف واختلال
{تميز من الغيظ} : تَنْشَق غيظا على الْكفَّار
{تبوئ الْمُؤمنِينَ مقاعد لِلْقِتَالِ} : تتَّخذ لَهُم مصافا ومعسكرا
{تذودان} : تكفان، وَأكْثر مَا يسْتَعْمل فِي الْإِبِل وَالْغنم، وَرُبمَا اسْتعْمل فِي غَيرهمَا فَيُقَال: سنذودكم عَن الْجَهْل علينا: أَي نكفكم ونمنعكم
{أَن تتقوا مِنْهُم تقاة} : إِن كَانَت بِمَعْنى الاتقاء، فَهِيَ مصدر، أَو بِمَعْنى متقى: أَي أمرا يجب اتقاؤه، فمفعول بِهِ، أَو جمعا ك (رُمَاة) فحال
{من تولاه} : تبعه
{يَوْم ترجف الراجفة} : تشتد حَرَكَة الأجرام السفلية
{تهتز} : تتحرك بِالِاضْطِرَابِ
{أَنى لَهُم التناوش} : من أَيْن لَهُم أَن يتناولوا الْإِيمَان تناولا سهلا
{تَقوله} : اختلقه
{من تِلْقَاء نَفسِي} : أَي من عِنْد نَفسِي
{تورون} : تقدحون
{وَإِذ تخلق من الطين} : تصور، أَو تقدر يُقَال لمن قدر شَيْئا وَأَصله قد خلقه والخلق بِمَعْنى الإحداث لله وَحده
{تسوروا} : نزلُوا من ارْتِفَاع وَلَا يكون التسور إِلَّا من فَوق
{تزدري أعينكُم} : استرذلتموهم لفقرهم
{وَكَانَ تقيا} : مُطيعًا متجنبا عَن الْمعاصِي
{وتتلقاهم} : وتستقبلهم
{أَو تهوي بِهِ الرّيح} : أَو تسقطه
{فَأنى تسحرون} : فَمن أَيْن تخدعون فتنصرفون عَن الرشد
{أَن تشيع} : أَن تَنْتَشِر
[ {تفندون} : تنسبونني إِلَى الفند وَهُوَ نُقْصَان عقل يحدث من هرم
{تذكرة} : عِبْرَة وَدلَالَة
{تفثهم} : وسخهم
{تتقوا مِنْهُم} : تحذروا أَو تخافوا
{فتخبت لَهُ قُلُوبهم} : تطمئِن وتسكن
{فَتَبَيَّنُوا} : فَاطْلُبُوا بَيَان الْأَمر وثباته
{فَتلقى آدم من ربه كَلِمَات} : اسْتَقْبلهَا بِالْأَخْذِ وَالْقَبُول وَالْعَمَل بهَا حِين علمهَا
{وَأَشد تنكيلا} : تعذيبا
{تَوَفَّاهُم الْمَلَائِكَة} : أَي تمكنهم من اسْتِيفَاء أنفسهم فيستوفونها
{ثمَّ توفى كل نفس مَا كسبت} : تُعْطى جَزَاء مَا كسبت وافيا
{أَن تبسل نفس} : أَن تسلم إِلَى الْهَلَاك وترهن لسوء عَملهَا
{لَعَلَّكُمْ تعقلون} : ترشدون
{ثمَّ آيتنا مُوسَى الْكتاب تَمامًا} : أَي أتممناه إتماما
{تختانون أَنفسكُم} : تظلمونها
{قل تَعَالَوْا} : هلموا
{لتبلون} : لتختبرن
{هَل تَنْقِمُونَ منا} : هَل تنكرون منا وتعيبون
{وتمت كلمت رَبك} : أَي استمرت كل كلمة
{وَأَن تصدقوا خير لكم} : أَي وَإِن تسقطوا حقكم من الْقصاص بِالْعَفو، وَفِي الحَدِيث:" من تصدق بِهِ فَهُوَ خير لَهُ " أَي عَفا {لتلقنا} : أَي لتصرفنا. {تستخفونها} : تجدونها خَفِيفَة
{كُنْتُم بِهِ تدعون} : تطلبون وتستعجلون، من الدُّعَاء، أَو تدعون أَن لَا بعث، من الدَّعْوَى
{لَوْلَا تسبحون} : تذكرونه وتتوبون إِلَيْهِ، أَو لَوْلَا تستثنون
{وتبتل إِلَيْهِ تبتيلا} : وَانْقطع إِلَيْهِ بِالْعبَادَة وجرد نَفسك عَمَّا سواهُ
{عَلَيْهَا تِسْعَة عشر} ملكا أَو صنفا من الْمَلَائِكَة يلون أمرهَا
{إِن أردن تَحَصُّنًا} : تعففا
{تتقلب} : تضطرب وتتغير