المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌فصل الْوَاو   [الْوُرُود] : كل (وَرَدَ) فِي الْقُرْآن فَهُوَ الدُّخُول إِلَّا - الكليات

[أبو البقاء الكفوي]

فهرس الكتاب

- ‌(فصل الْألف)

- ‌[الْألف اللينة وَالْألف المتحركة] )

- ‌(فصل الْألف وَالْبَاء)

- ‌(نوع فِي بَيَان لُغَات أَلْفَاظ النّظم الْجَلِيل)

- ‌(فصل الْألف وَالتَّاء)

- ‌(فصل الْألف والثاء)

- ‌(فصل الْألف وَالْجِيم)

- ‌(فصل الْألف والحاء)

- ‌(فصل الْألف وَالْخَاء)

- ‌(فصل الْألف وَالدَّال)

- ‌(فصل الْألف والذال)

- ‌(فصل الْألف وَالرَّاء)

- ‌(فصل الْألف وَالزَّاي)

- ‌(فصل الْألف وَالسِّين)

- ‌(فصل الْألف والشين)

- ‌(فصل الْألف وَالصَّاد)

- ‌(فصل الْألف وَالضَّاد)

- ‌(فصل الْألف والطاء)

- ‌(فصل الْألف والظاء)

- ‌(فصل الْألف وَالْعين)

- ‌(فصل الْألف والغين)

- ‌(فصل الْألف وَالْفَاء)

- ‌(فصل الْألف وَالْقَاف)

- ‌(فصل الْألف وَالْكَاف)

- ‌(فصل الْألف وَاللَّام)

- ‌(فصل الْألف وَالْمِيم)

- ‌(فصل الْألف وَالنُّون)

- ‌(فصل الْألف وَالْوَاو)

- ‌(فصل الْألف وَالْهَاء)

- ‌(فصل الْألف وَالْيَاء)

- ‌(فصل الْبَاء)

- ‌(فصل التَّاء)

- ‌(فصل الثَّاء)

- ‌(فصل الْجِيم)

- ‌(فصل الْحَاء)

- ‌(فصل الْخَاء)

- ‌(فصل الدَّال)

- ‌(فصل الذَّال)

- ‌(فصل الرَّاء)

- ‌(فصل الزَّاي)

- ‌(فصل السِّين)

- ‌(فصل الشين)

- ‌(فصل الصَّاد)

- ‌(فصل الضَّاد)

- ‌(فصل الطَّاء)

- ‌(فصل الظَّاء)

- ‌(فصل الْعين)

- ‌(فصل الْغَيْن)

- ‌(فصل الْفَاء)

- ‌(فصل الْقَاف)

- ‌(فصل الْكَاف)

- ‌(فصل اللَّام)

- ‌(فصل الْمِيم)

- ‌(فصل النُّون)

- ‌[نوع]

- ‌فصل الْوَاو

- ‌[نوع]

- ‌فصل الْهَاء

- ‌[نوع]

- ‌فصل لَا

- ‌[نوع]

- ‌فصل الْيَاء

- ‌[نوع]

- ‌فصل فِي المتفرقات

- ‌فصل

الفصل: ‌ ‌فصل الْوَاو   [الْوُرُود] : كل (وَرَدَ) فِي الْقُرْآن فَهُوَ الدُّخُول إِلَّا

‌فصل الْوَاو

[الْوُرُود] : كل (وَرَدَ) فِي الْقُرْآن فَهُوَ الدُّخُول إِلَّا {وَلما ورد مَاء مَدين} فَإِن مَعْنَاهُ: هجم عَلَيْهِ وَلم يدْخل [إِذْ الْوُرُود المعتدي بعلى بِمَعْنى الْوُصُول لَا يتَعَدَّى بِنَفسِهِ] .

[وَرَاء] : كل (وَرَاء) فِي الْقُرْآن فَهُوَ أَمَام إِلَّا {فَمن ابْتغى وَرَاء ذَلِك} فَإِنَّهُ بِمَعْنى سوى ذَلِك. {وَأحل لكم مَا وَرَاء ذَلِكُم} أَي: مَا سوى ذَلِك.

[وَقع] : وَأكْثر مَا جَاءَ فِي الْقُرْآن من لفظ (وَقع) جَاءَ فِي الْعَذَاب الشَّديد.

[الْوَحْي] : كل مَا أَلقيته إِلَى غَيْرك فَهُوَ وَحي.

وَالْكِتَابَة وَالْإِشَارَة والرسالة والإفهام كلهَا وَحي بِالْمَعْنَى المصدري.

وَالْوَحي كَمَا ورد فِي حق الْأَنْبِيَاء ورد أَيْضا فِي حق الْأَوْلِيَاء، ولسائر النَّاس بِمَعْنى الإلهام. وَفِي الْحَيَوَانَات بِمَعْنى خَاص.

[الوَضَم] : كل شَيْء يوضع عَلَيْهِ اللَّحْم من خَشَبَة أَو بَارِية يوقى بِهِ من الأَرْض فَهُوَ الْوَضم، محركة.

[الْوَادي] : كل منفرج بَين جبال وآكام يكون منفذا للسيل فَهُوَ الْوَادي.

[الورطة] : كل أَمر تعسر النجَاة مِنْهُ فَهُوَ الورطة.

[الوحشي] : كل مَا لَا يسْتَأْنس من النَّاس فَهُوَ وَحشِي.

[الْوَلِيّ] : كل من يليك أَو يقاربك فَهُوَ ولي.

فِي " الصِّحَاح ": الْوَلِيّ ضد الْعَدو، وكل من ولي أَمر أحد فَهُوَ وليُّه.

[الْوَاو] : كل وَاو سَاكِنة قبلهَا ضمة، أَو يَاء سَاكِنة قبلهَا كسرة وهما زائدتان للمد لَا للإلحاق، وَلَا هما من نفس الْكَلِمَة فَإنَّك تقلب الْهمزَة بعد الْوَاو واواً، وَبعد الْيَاء يَاء، أَو تُدْغَم فَتَقول فِي مقروء مقرو، وَفِي خبيء خبي، بتَشْديد الْوَاو وَالْيَاء.

كل وَاو وياء متحركتين يكون مَا قبلهمَا حرفا صَحِيحا سَاكِنا فَإنَّك تقلب حركتها إِلَى حرف صَحِيح.

كل وَاو مُخَفّفَة مَضْمُومَة لَازِمَة سَوَاء كَانَت فِي أول الْكَلِمَة ك (وُجُوه) أَو فِي حشوها ك (أدور) فقلبها همزَة جَائِز جَوَازًا مطردا لَا يُنكر.

كل واوين فِي أول الْكَلِمَة ثانيتهما زَائِدَة منقلبة عَن حرف آخر فَإِنَّهُ تقلب أولاهما همزَة.

كل وَاو وياء هِيَ عين فَاعل المعتل فعله أَو فَاعل الْكَائِن للنسب كسائق فَإِنَّهُ تقلب الْيَاء ألفا ثمَّ تقلب الْألف همزَة.

الْوَاو: هِيَ مَا أول اسْمه وَآخره نَفسه كالميم وَالنُّون، وَهِي حرف يجمع مَا بعده مَعَ شَيْء قبله إفصاحاً فِي اللَّفْظ أَو إفهاماً فِي الْمَعْنى. وَالْجمع

ص: 918

بَين شَيْئَيْنِ يَقْتَضِي مُنَاسبَة بَينهمَا ومغايرة أَيْضا لِئَلَّا يلْزم عطف الشَّيْء على نَفسه.

وَقد لَا يكون للْجمع كَمَا إِذا حلف لَا يرتكب الزِّنَا وَأكل مَال الْيَتِيم فَإِنَّهُ يَحْنَث بِفعل أَحدهمَا.

وَالْقرَان فِي النّظم بِحرف الْوَاو لَا يُوجب الْقرَان فِي إِثْبَات الحكم عِنْد عَامَّة أثبات الْفُقَهَاء، لِأَن فِي إِثْبَات الشّركَة مُخَالفَة الأَصْل وقلب الْحَقِيقَة لِأَن الأَصْل أَن كل كَلَام تَامّ مُنْفَرد بِنَفسِهِ وَحكمه، فَجعل كلامين كلَاما وَاحِدًا قلب الْحَقِيقَة فَلَا يُصَار إِلَيْهِ إِلَّا للضَّرُورَة، وَلَا نسلم أَن الْوَاو مُوجبَة للشَّرِكَة فِي وضع اللُّغَة، غير أَنَّهَا إِذا دخلت على جملَة نَاقِصَة تجْعَل للشَّرِكَة بِاعْتِبَار الضَّرُورَة وَهِي تَكْمِيل النَّاقِصَة باشتراكهما فِي الْخَبَر، وَأما إِذا ذكرت بَين جملتين تامتين فَلَا يثبت الِاشْتِرَاك.

وَالْحَاصِل من أَحْوَال الجملتين اللَّتَيْنِ لَا مَحل لَهما من الْإِعْرَاب وَلم يكن للأولى حكم لم يقْصد إِعْطَاؤُهُ للثَّانِيَة سِتَّة: كَمَال الِانْقِطَاع بِلَا إِبْهَام، وَكَمَال الِاتِّصَال، وَشبه كَمَال الِانْقِطَاع، وَشبه كَمَال الِاتِّصَال، وَكَمَال الِانْقِطَاع مَعَ الْإِبْهَام، والتوسط بَين الكمالين، فَحكم الْأَخيرينِ الْوَصْل، وَالْأَرْبَعَة السَّابِقَة الْفَصْل، أما فِي الأول وَالثَّالِث فلعدم الْمُنَاسبَة. وَأما فِي الثَّانِي وَالرَّابِع فلعدم الْمُغَايرَة المفتقرة إِلَى الرَّبْط بالعاطف.

وَالْوَاو ضَرْبَان: جَامِعَة للاسمين فِي عَامل وَاحِد، ونائبة مناب التَّثْنِيَة حَتَّى يكون (قَامَ زيد وَعَمْرو) بِمَنْزِلَة (قَامَ هَذَانِ) ويضمر بعْدهَا الْعَامِل. فعلى الأول جَازَ (قَامَ زيد وَهِنْد) بترك تَأْنِيث الْفِعْل لأَنا

نقُول: عنينا الذّكر. وَلَا يجوز على الثَّانِي لِأَن الاسمين لم يجتمعا، وَجَاز أَيْضا على الأول دون الثَّانِي (اشْترى زيد وَعَمْرو)، و (قَامَ عَمْرو وَأَبوهُ) . وَأما فِي صُورَة النَّفْي فَتَقول على الأول: مَا قَامَ زيد وَعَمْرو) فَلَا يُفِيد النَّفْي، كَمَا تَقول:(مَا قَامَ هَذَانِ) . وَتقول على الثَّانِي: (مَا قَامَ زيد وَلَا عَمْرو)، فيفيده كَمَا تَقول:(مَا قَامَ زيد وَلَا قَامَ عَمْرو) .

وَالْوَاو، وَالْفَاء، وَثمّ، وَحَتَّى كلهَا تشترك فِي إِفَادَة الْجمع فِي ذَات مثل:(قَامَ وَقعد زيد)، أَو فِي حكم مثل:(جَاءَ زيد وَعَمْرو)، أَو فِي وجود مثل:(جَاءَ زيد وَذهب عَمْرو) ، إِلَّا أَن الْوَاو لمُطلق الْجمع أَي جمع الْأَمريْنِ وتشريكهما من غير دلَالَة على زِيَادَة معنى كالمقارنة أَي اجْتِمَاع الْمَعْطُوف مَعَ الْمَعْطُوف عَلَيْهِ فِي الزَّمَان كَمَا نقل عَن مَالك وَنسب إِلَى الْإِمَامَيْنِ.

(وَالْوَاو للْجمع إِلَّا إِذا قَامَ دَلِيل الِاسْتِئْنَاف) .

وَالتَّرْتِيب أَي تَأَخّر مَا بعْدهَا عَمَّا قبلهَا فِي الزَّمَان كَمَا نقل عَن الإِمَام الشَّافِعِي حَتَّى يلْزم التَّرْتِيب فِي الْوضُوء لم يثبت عَنهُ، وَإِنَّمَا أَخذ التَّرْتِيب من السّنة وَمن سِيَاق النّظم. وَقَول النَّبِي صلى الله عليه وسلم للخطيب الَّذِي قَالَ بَين يَدَيْهِ:" من أطَاع الله وَرَسُوله فقد رشد، وَمن عصاهما فقد غوى "، " بئس خطيب الْقَوْم أَنْت، هلا قلت: وَمن عصى الله وَرَسُوله " فَلَيْسَ فِيهِ دلَالَة على أَن الْوَاو للتَّرْتِيب، بل على أَن فِيهِ ترك الْأَدَب حَيْثُ لم يفرد اسْم الله تَعَالَى بِالذكر، وَلِأَن كل وَاحِد من

ص: 919

العصيانين مُسْتَقل باستلزام الغواية، وَلِأَن المُرَاد من الْخَطِيب الْإِيضَاح لَا الرموز، يُؤَيّدهُ مَا قَالَه الأصوليون من أَنه الْأَمر بِالْإِفْرَادِ، لِأَنَّهُ أَكثر تَعْظِيمًا وَالْمقَام يَقْتَضِي ذَلِك.

والعطف بِالْوَاو وَإِن دلّ على الْجمع والتسوية فِي الْفِعْل لَكِن فِي الافراد بِالذكر وَجعل أَحدهمَا متبوعاً وَالْآخر تَابعا مَا يزِيل توهم تَعْمِيم التَّسْوِيَة من الْجمع بالضمير، وَلَا يرد على ذَلِك حَدِيث " لَا يُؤمن أحدكُم حَتَّى يكون الله وَرَسُوله أحب إِلَيْهِ مِمَّا سواهُمَا " لِأَن مَا يكره من الْأمة قد لَا يكره من النَّبِي. وَلَا قَوْله تَعَالَى:{ومَا كَانَ لمُؤمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَة إِذا قَضَى اللهُ ورَسُولُه أمرا أَن تَكُونَ لهُمْ الخِيَرَة من أَمْرِهم} لِأَن الْكَلَام فِي جَوَازه وَعدم جَوَازه من الْعباد، وَلَا يرد أَيْضا قَوْله:{شهد الله أَنه لَا إِلَه إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَة وأولو الْعلم} إِذْ الذّكر هُنَا بالشرف لَا بالترتيب، وللبداءة أثر فِي الاهتمام كَمَا فِي مَسْأَلَة الْوَصِيَّة بِالْقربِ. [وتوحيد الضَّمِير فِي قَوْله:{وَالله وَرَسُوله أَحَق أَن يرضوه} للدلالة على أَن الْمَقْصُود إرضاء الرَّسُول وَإِن ذكر الله للإِشعار بِأَن الرَّسُول من الله بِمَنْزِلَة عَظِيمَة واختصاص قوي حَتَّى سرى الإرضاء مِنْهُ إِلَيْهِ. وَكَذَا الْحَال فِي الايذاء فَإِنَّهُم لَا يُؤْذونَ الله حَقِيقَة بل الرَّسُول وَحده] .

والأدلة على عدم إِفَادَة التَّرْتِيب كَثِيرَة مِنْهَا قَوْله تَعَالَى: {فَكيف كَانَ عَذَابي وَنذر} ،

{وَقَالُوا إنْ هِيَ إلاّ حَيَاتُنا الدُّنيا نمُوتُ ونحيا} ، {واسجدي واركعي} وَغير ذَلِك.

وَأما الثَّلَاثَة الْبَاقِيَة وَهِي: الْفَاء و (ثمَّ) و (حَتَّى) فبخلافها، فَإِن الْفَاء للتعقيب على وَجه الْوَصْل حَتَّى إِذا قَالَ:(جَاءَ زيد فعمرو) فهم مِنْهُ مَجِيء عَمْرو عقيب زيد بِلَا فصل. وَكَذَا إِذا قَالَ: (بِعْت مِنْك هَذَا العَبْد بِكَذَا) فَقَالَ المُشْتَرِي: فَهُوَ حر، يعْتق، لَا لَو قَالَ: هُوَ حر، أَو وَهُوَ حر. وَلَو قَالَ:(إِن دخلتُ الدَّار فكلمت زيدا فَعَبْدي حر) ، لَا يعْتق إِلَّا بِالْجمعِ بَينهمَا مُرَتبا الْكَلَام بعد الدُّخُول بِلَا مهلة، وَلَو قَالَ:(وَكلمت) ، بِالْوَاو لَا يعْتق إِلَّا بِوُقُوع الْفِعْلَيْنِ جَمِيعًا كَيْفَمَا وَقع، لَا فرق فِيهِ بَين وُقُوع الأول قبل الثَّانِي أَو الثَّانِي قبل الأول فِي اللَّفْظ.

و (ثمَّ) للتراخي على سَبِيل الِانْقِطَاع عِنْد أبي حنفية حَتَّى لَو قَالَ لغير الْمَدْخُول بهَا: (انتِ طَالِق ثمَّ طَالِق) ، يَقع الأول وَيَلْغُو الثَّانِي بعده، كَمَا لَو سكت بعد الأول؛ وَعِنْدَهُمَا للتراخي على سَبِيل الْعَطف والاشتراك.

و (حَتَّى) لترتيب فِيهِ تدريج.

وَلَا تقع الْوَاو فِي أول الْكَلَام؛ وَالَّتِي يبتدأ بهَا فِي أول الْكَلَام فَهِيَ بمعى رب، وَلِهَذَا تدخل على النكرَة الموصوفة وتحتاج إِلَى جَوَاب مَذْكُور إِمَّا لفظا وَإِمَّا حكما كَقَوْلِه:

ص: 920

(وبَلْدَةٍ لَيْسَ بِهَا أَنيسُ

)

وَمَا يذكرهُ أهل اللُّغَة من أَن الْوَاو قد تكون للابتداء والاستئناف فمرادهم أَن يبتدأ الْكَلَام بعد تقدم جملَة مفيدة من غير أَن تكون الْجُمْلَة الثَّانِيَة تشارك الأولى. وَأما وُقُوعهَا فِي الِابْتِدَاء من غير أَن يتَقَدَّم عَلَيْهَا شَيْء فعلى الابتدائية الْمُجَرَّدَة أَو لتحسين الْكَلَام وتزيينه أَو للزِّيَادَة الْمُطلقَة.

وَالْوَاو لَا تكون أصلا فِي بَنَات الْأَرْبَعَة.

وَالْوَاو فِي قَوْله تَعَالَى: {إِلَّا أَن يعفون} لَام الْكَلِمَة (فَهِيَ أَصْلِيَّة وَالنُّون ضمير النسْوَة وَالْفِعْل مَعهَا مَبْنِيّ ووزنه يفعلن.

وَفِي قَوْله تَعَالَى: {وَأَن تعفوا أقرب} ضمير الْجمع، وَلَيْسَت من أصل الْكَلِمَة) . وَفِي (زيدون) عَلامَة الرّفْع وَالنُّون عَلامَة الْجمع.

وَفِي (يضْربُونَ) عَلامَة الْجمع وَالنُّون عَلامَة الرّفْع فرقا بَين الِاسْم وَالْفِعْل.

[وَقد تستعار الْوَاو للْحَال بِجَامِع الِاشْتِرَاك بَينهمَا فِي الجمعية لِأَن الْحَال تجامع ذَا الْحَال لِأَنَّهَا صفته فِي الْحَقِيقَة كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {حَتَّى إِذا جَاءُوها وفُتِحَتْ أَبْوابُها} أَي حَال مَا تكون أَبْوَابهَا مَفْتُوحَة، لِأَنَّهُ تَعَالَى فِي بَيَان الْإِكْرَام لأهل الْإِسْلَام، وَمن إكرام الضَّيْف أَن يكون الْبَاب مَفْتُوحًا حَال وُصُوله إِلَى بَاب الضَّيْف فَيحمل

على الْحَال لإِفَادَة هَذَا الْمَعْنى. يُؤَيّدهُ قَوْله تَعَالَى: {جنَّات عدن مفتحة لَهُم الْأَبْوَاب} وَلِهَذَا قَالَ فِي حق الْكفَّار بِدُونِ الْوَاو لِأَن تَأْخِير فتح بَاب الْعَذَاب أليق بكرم الْكَرِيم، وَمن هَذَا أَبْوَاب جَهَنَّم لَا تفتح إِلَّا عِنْد دُخُول أَهلهَا فِيهَا، وأبواب الْجنَّة مَفْتُوحَة قبل الْوُصُول إِلَيْهَا] .

وَالْوَاو الحالية قيد لعامل الْحَال ووصفٌ لَهُ فِي الْمَعْنى.

والاعتراضية لَهَا تعلق بِمَا قبلهَا، لَكِن لَيست بِهَذِهِ الْمرتبَة.

وَلَا تدخل الْوَاو الحالية على الْحَال المفردة.

وَالَّتِي بِمَعْنى (مَعَ) ينْتَصب بعْدهَا الِاسْم إِذا كَانَ قبلهَا فعل نَحْو: (اسْتَوَى الماءُ والساحلَ) أَو معنى فعل نَحْو: (مَا شَأنُكَ وزيداً) لِأَن الْمَعْنى: مَا تصنع؟ وَمَا تلابس؟ وَلَا بُد فِي الْوَاو الَّتِي بِمَعْنى (مَعَ) من معنى الملابسة. وَالَّتِي لمُطلق الْعَطف قد تَخْلُو من ذَلِك.

وَقد اخْتلفت كلمتهم فِي الْوَاو وَالْفَاء وَثمّ الْوَاقِعَة بعد همزَة الِاسْتِفْهَام نَحْو قَوْله تَعَالَى: {أوعجبتم أَن جَاءَكُم ذكر من ربكُم} فَقيل: عطف على مَذْكُور قبلهَا لَا على مُقَدّر بعْدهَا بِدَلِيل أَنه لَا يَقع ذَلِك قطّ فِي أول الْكَلَام. وَقيل: بل بِالْعَكْسِ لِأَن للاستفهام صدارة

ص: 921

وَعند سِيبَوَيْهٍ: الْهمزَة وَالْوَاو مقلوبتا الْمَكَان لصدارة الِاسْتِفْهَام، فالهمزة حِينَئِذٍ دَاخِلَة على الْمَذْكُور.

وَعند الزَّمَخْشَرِيّ: هما ثابتان فِي مكانهما؛ وَهِي دَاخِلَة على متصدر مُنَاسِب لما عطفه الْوَاو عَلَيْهِ.

قَالَ بَعضهم: أصل (أَو كَالَّذي) أَو رَأَيْت مثل الَّذِي، وَهِي و (ألم تَرَ) كلتاهما كلمة تعجب إِلَّا أَن مَا دخل عَلَيْهِ حرف التَّشْبِيه أبلغ فِي التَّعَجُّب كَقَوْلِك (هَل رَأَيْت مثل هَذَا) فَإِنَّهُ أبلغ من (هَل رَأَيْت هَذَا) .

وَالْوَاو الدَّاخِلَة على (أَن) و (لَو) الوصليتين للْحَال عِنْد الْجُمْهُور، وللعطف على مُقَدّر نقيض للمذكور عِنْد الجعبري، وللاعتراض عِنْد بعض النُّحَاة سَوَاء توسطت بَين أَجزَاء الْكَلَام أَو تَأَخَّرت.

وَقَالُوا: إِذا دخلت على الشَّرْط بعد تقدم الْجَزَاء يُرَاد بِهِ تَأْكِيد الْوُقُوع بالْكلَام الأول وتحقيقه كَقَوْلِهِم: (أكْرم أَخَاك وَإِن عاداك) أَي أكْرمه بِكُل حَال.

وَقد تزاد الْوَاو بعد (إِلَّا) لتأكيد الحكم الْمَطْلُوب إثْبَاته إِذا كَانَ فِي مَحل الرَّد وَالْإِنْكَار كَمَا فِي قَوْله: " مَا من أحد إِلَّا وَله طمع أَو حسد ".

قَالَ الْبَيْضَاوِيّ: الأَصْل أَن لَا يدخلهَا الْوَاو كَقَوْلِه: {إِلَّا لَهَا منذرون} لَكِن لما شابهت صورتهَا صُورَة الْحَال أدخلت عَلَيْهَا تَأْكِيدًا للصوقها بالموصوف.

وَالْوَاو من بَين سَائِر حُرُوف الْعَطف بِمَنْزِلَة الْمُطلق

من الْمُقَيد لِأَن دلالتها على مُجَرّد الِاشْتِرَاك وَدلَالَة سائرها على معنى زَائِد عَلَيْهِ كالتعقيب والتراخي وَنَحْوهمَا كَمَا قَرَّرْنَاهُ آنِفا، وَلَيْسَ فِي وَاو النّظم دَلِيل الْمُشَاركَة بَينهمَا فِي الحكم، وَإِنَّمَا ذَلِك فِي وَاو الْعَطف فَلَا تعد الْوَاو الَّتِي بَين جملتين لَا مَحل لَهما من الْإِعْرَاب عاطفة، لِأَن الْعَطف من التوابع، وَالتَّابِع: كل إِعْرَاب أعرب بإعراب سابقه.

و (وَاو) الْقسم تنوب مناب فعله فَلَا يذكر مَعهَا الْفِعْل أبدا بِخِلَاف الْبَاء فَإِنَّهُ يذكر مَعهَا وَيتْرك.

وَالْوَاو زَائِدَة فِي الْأَسْمَاء.

وَمن الواوات وَاو الثَّمَانِية كَقَوْلِه تَعَالَى: {وثامنهم كلبهم} فَإِن الْعدَد قد تمّ شفعاً ووتراً فِي السَّبع، وَقيل: جردت لِمَعْنى الجمعية فَقَط وسلب عَنْهَا معنى الْمُغَايرَة فَإِنَّهُم كثيرا مَا يجردون الْحَرْف عَن مَعْنَاهُ المطابقي مستعملين فِي مَعْنَاهُ الالتزامي والتضمين.

وَمِنْهَا وَاو الصِّلَة، وَبِمَعْنى (أَو) و (إِذْ) ، وَبِمَعْنى (بَاء) الْجَرّ، وَلَام التَّعْلِيل، وواو الِاسْتِئْنَاف، وَالْمَفْعُول مَعَه، وَضمير الذُّكُور، وَالْإِنْكَار، والتذكير، والقوافي، والإشباع، والمحولة، وَالْوَقْت وَهِي تقرب من وَاو الْحَال نَحْو (اعْمَلْ وَأَنت صَحِيح) ، وواو النِّسْبَة والهمزة فِي الْخط وَفِي اللَّفْظ ،.

والفارقة كَمَا فِي (أُولَئِكَ) و (أولي) .

وَعَن سِيبَوَيْهٍ: أَن الْوَاو فِي قَوْلهم: (بعث الشَّاة ودرهماً) بِمَعْنى الْبَاء وتحقيقه أَن الْوَاو للْجمع

ص: 922

والاشتراك وَالْبَاء للإلصاق، وهما من وادٍ وَاحِد فيسلك بِهِ طَرِيق الِاسْتِعَارَة.

وَعَن ابْن السيرافي أَنه قَالَ: الْوَاو تَجِيء بِمَعْنى (من) وَمِنْه قَوْله: (لَا بُد وَأَن يكون) .

وواو الْجمع نَحْو: (لَا تَأْكُل السّمك وتشرب اللَّبن) أَي: لَا تجمع بَينهمَا؛ وَتسَمى وَاو الصّرْف أَيْضا لِأَنَّهَا تصرف الثَّانِي عَن الْإِعْرَاب إِلَى الأول.

وواو الْحَسْرَة نَحْو: (واحسرتاه) .

وتجيء بِمَعْنى (نعم) قيل وَعَلِيهِ: {وثامنهم كلبهم} ، {وَمن كفر فأمتعه قَلِيلا} .

وَقد تكون لتعظيم الْمُخَاطب كَمَا فِي: {رب ارْجِعُونِ} ، وَقيل: لتكرير قَوْله ارجعني. كَمَا قيل فِي

قِفا واطرقا

.

[وَالْوَاو فِي قَوْله تَعَالَى: {وَيَقُول الْكَافِر يَا لَيْتَني كنت تُرَابا} تسمى فصيحة] .

الْوُجُود: مصدر (وُجد الشَّيْء) على صِيغَة

ص: 923

الْمَجْهُول، وَهُوَ مُطَاوع الايجاد كالانكسار للكسر، وَهُوَ لُغَة يُطلق على الذَّات، وعَلى الْكَوْن فِي الْأَعْيَان. والأشعري ذهب إِلَى الأول، وَلَا نزاع مَعَهم فِيهِ، وَإِنَّمَا النزاع فِي جعلهم الْوُجُود حِينَئِذٍ فِي مُقَابلَة الْعَدَم الَّذِي هُوَ الانتفاء

اتِّفَاقًا. وَمن قَالَ: إِنَّه مَفْهُوم وَاحِد مُشْتَرك بَين الْجَمِيع ذهب إِلَى الثَّانِي.

والوجود لَا يحْتَاج إِلَى تَعْرِيف إِلَّا من حَيْثُ بَيَان أَنه مَدْلُول للفظ دون آخر فَيعرف تعريفاً لفظياً يُفِيد فهمه من ذَلِك اللَّفْظ لَا تصَوره فِي نَفسه ليَكُون

ص: 924

دوراً وتعريفاً للشَّيْء بِنَفسِهِ كتعريفهم الْوُجُود بالكون والثبوت والتحقق والشيئية والحصول، وكل ذَلِك بِالنِّسْبَةِ إِلَى من يعرّف الْوُجُود من حَيْثُ إِنَّه مَدْلُول هَذِه الْأَلْفَاظ دون لفظ الْوُجُود.

وَالْمَوْجُود مَوْجُود عِنْد جُمْهُور الْمُتَكَلِّمين، وَغير مَوْجُود فِي الْخَارِج عِنْد جُمْهُور الْحُكَمَاء، وَلَا يُرَاد بِكَوْن الشَّيْء فِي الْأَعْيَان أَن الْأَعْيَان ظرفه وَلَا أَنَّهَا مَعَه، وَإِلَّا كَانَ فِي عبارَة " كَانَ الله وَلم يكن مَعَه شَيْء " تنَاقض لِأَن لَفْظَة (كَانَ) إِن دلّت على الْمَعِيَّة يكون مَفْهُوم (كَانَ) مناقضاً لقولنا: لم يكن مَعَه شَيْء. وَلم يقل بِهِ أحد، فَعلم أَنه لَا يُرَاد بِوُجُود الشَّيْء نسبته إِلَى شَيْء آخر بالظرفية أَو الْمَعِيَّة أَو غير ذَلِك. وَوُجُود كل شَيْء عين ماهيته عِنْد أهل الْحق، وَمعنى ذَلِك أَن الْوُجُود هُوَ عين كَون الشَّيْء ماهيته، فوجود الْإِنْسَان فِي الْخَارِج هُوَ نفس كَون الْإِنْسَان حَيَوَانا ناطقاً، وَوُجُود السوَاد فِي الْخَارِج هُوَ نفس كَون اللَّوْن قَابِضا لِلْبَصَرِ، وَوُجُود السرير فِي الْخَارِج هُوَ كَون الخشبات مؤلفاً تأليفاً خَاصّا، فَإِذا كَانَ الْوُجُود مقولاً على الْحَقَائِق الْمُخْتَلفَة لَا يُمكن تحديده، وَالْفرق بِأَنَّهُ عين فِي الْوَاجِب زَائِد فِي الممكنات لَيْسَ بِحَق، إِذْ لَو كَانَ زَائِدا لَكَانَ عرضا قَائِما بالماهية، وَلَيْسَ عرضا نسبياً، فَكَانَ عرضا مَوْجُودا، وَمَا لَا يكون مَوْجُودا لَا يكون عِلّة لأمر مَوْجُود. وَهَذَا بديهي، فَلَا بُد أَن يكون مَوْجُودا قبل وجوده، والوجود الْمُجَرّد عَن الْمَوْجُود، والكون الْمُجَرّد عَن الْكَائِن، والتحقق الْمُجَرّد عَن المتحقق مِمَّا يشْهد بديهة الْعقل على امْتِنَاعه، وتصور الْمَاهِيّة مَعَ الذهول عَن الْوُجُود غلط، وَقد يتَصَوَّر مَعَ الذهول عَن حَقِيقَته وَعَن أَجْزَائِهِ،

فَيمكن أَن يكون الْوُجُود نفس الْمَاهِيّة أَو دَاخِلا فِيهَا، وَمَعَ ذَلِك يتَصَوَّر الْمَاهِيّة مَعَ الذهول عَن الْوُجُود، وَإِذا أَخَذتهَا مَعَ الْوُجُود نَحْو: الْإِنْسَان مَوْجُود، لَيْسَ مَعْنَاهُ أَن الْإِنْسَان مَاهِيَّة ثمَّ الْوُجُود عرض لَهَا، وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ التأمت جَمِيع أَجْزَائِهِ المادية والصورية، وَإِن أَخَذتهَا مَعْدُومَة نَحْو: الْجَبَل من الْيَاقُوت مَعْدُوم، لَيْسَ مَعْنَاهُ أَن الْجَبَل من الْيَاقُوت مَاهِيَّة، ثمَّ الْعَدَم عرض لهَذِهِ الْمَاهِيّة، وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ أَنه لم يلتئم أَجزَاء هَذِه الْحَقِيقَة، فحاصل الْخلاف فِي أَن الْوُجُود عين الْمَاهِيّة أَو زَائِد عَلَيْهَا رَاجع إِلَى أَن وجود الْإِنْسَان نفس كَونه حَيَوَانا ناطقاً خَارِجا، أَو معنى زَائِد يلْحقهُ بعد أَن يكون حَيَوَانا ناطقاً. وَلَا فرق بَين الْوُجُود والثبوت خلافًا للمعتزلة فَإِنَّهُم قَالُوا بِأَن الْوُجُود أخص من الثُّبُوت، وَلِهَذَا ذَهَبُوا إِلَى أَن الْمَعْدُوم حَالَة الْعَدَم ثَابت، والوجود وَإِن كَانَ صفة لَكِن إِذا نفي عَن الشَّيْء يُقَال: نفي الشَّيْء، وَلَا يُقَال: نفي صفة الشَّيْء، إِذْ نفي الشَّيْء لَيْسَ إِلَّا نفي وجوده. فنفي الصّفة صَار بِمَعْنى نفي غير الْوُجُود.

والوجود الْخَارِجِي عبارَة عَن كَون الشَّيْء فِي الْأَعْيَان.

والوجود الذهْنِي عبارَة عَن كَون الشَّيْء فِي الأذهان.

والوجود الْأَصِيل على نحوين:

أَحدهمَا: الْحُصُول فِي الْخَارِج عَن الذِّهْن مُطلقًا.

وَالْآخر: الْحُصُول بِالذَّاتِ لَا بالصورة، وَذَلِكَ الْحُصُول أَعم من الأول لِأَنَّهُ قد يكون فِي

ص: 925

الْخَارِج، وَقد يكون فِي الذِّهْن.

والوجود الْمُطلق: هُوَ الْكَوْن، وَهُوَ مُفْرد لَيْسَ لَهُ جنس وَلَا فصل يَشْمَل جَمِيع الموجودات اتِّفَاقًا، فيشترك بَين الْوَاجِب وَغَيره، بِخِلَاف الْمَاهِيّة لِأَن فِي شمولها لجَمِيع الموجودات خلافًا، فان عِنْد الْبَعْض لَيْسَ للْوَاجِب مَاهِيَّة غير وجوده، بل هُوَ مَوْجُود بِوُجُود هُوَ عين ذَاته كَمَا هُوَ رَأْي الْمُحَقِّقين من الصُّوفِيَّة والحكماء، أَو مُقْتَضى ذَاته بِحَيْثُ يمْتَنع انفكاكهما كَمَا هُوَ رَأْي الْمُتَكَلِّمين. وَمعنى كَونه مَوْجُودا كَونه مَعْلُوما ومشعوراً بِهِ، أَو كَونه فِي نَفسه ثَابتا متحققاً وَبَينهمَا فرق من حَيْثُ إِن كَونه مَعْلُوم الْحُصُول فِي الْأَعْيَان يتَوَقَّف على كَونه حَاصِلا فِي الْأَعْيَان، وَلَا ينعكس، إِذْ لَا يمْتَنع فِي الْعقل كَونه حَاصِلا فِي نَفسه مَعَ أَنه لَا يكون مَعْلُوما لأحد.

(وَاعْلَم أَن مَرَاتِب الْوُجُود بِحَسب الْعقل ثَلَاث:

أَعْلَاهَا الْمَوْجُود بِالذَّاتِ بِوُجُود هُوَ عين ذَاته، فالانفكاك وتصوره كِلَاهُمَا محَال.

وأوسطها الْمَوْجُود بِالذَّاتِ بِوُجُود غَيره، فالانفكاك محَال دون تصَوره:

وَأَدْنَاهَا الْمَوْجُود بِالْغَيْر فَيمكن الانفكاك والتصور أَيْضا) .

[وَأعلم أَن] النزاع فِي أَن الْوُجُود زَائِد على الْمَاهِيّة، أَو لَيْسَ بزائد رَاجع إِلَى النزاع فِي

الْوُجُود الذهْنِي [وَهُوَ وجود يظْهر مِنْهُ صفة الْمَوْجُود بذلك الْوُجُود] فَمن أثْبته قَالَ: الْوُجُود الْخَارِجِي [وَهُوَ مَا يكون مبدأ لجَمِيع الْآثَار الْمَخْصُوصَة بالماهية] زَائِد على الْمَاهِيّة فِي الذِّهْن كقيام الْوُجُود بِشَيْء من حَيْثُ هُوَ، أَي من غير اعْتِبَار وجوده وَلَا عَدمه، وَإِن لم يخل ذَلِك الشَّيْء عَنْهُمَا، وَهَذَا عِنْد كثير من الْمُتَكَلِّمين منا.

(وَأما عِنْد الْحُكَمَاء فوجود كل شَيْء عينه فِي الْوَاجِب وَغَيره فِي الْمُمكن. والفلاسفة لَا يَقُولُونَ بعينية الْمَاهِيّة الْمُطلقَة والتشخص الْمُطلق اللَّذين هما من الْأُمُور الْعَامَّة بل بزيادتهما) . وَمن لم يثبت الْوُجُود الذهْنِي كالشيخ الْأَشْعَرِيّ قَالَ: وجود الشَّيْء الْخَارِجِي وَاجِبا كَانَ أَو مُمكنا عين الْمَاهِيّة مُطلقًا، إِذْ لَو كَانَت الْمَاهِيّة فِي مرتبَة معروضيتها للوجود خَالِيَة عَن الْوُجُود لكَانَتْ فِي تِلْكَ الْمرتبَة مَوْصُوفَة بِالْعدمِ لِاسْتِحَالَة ارْتِفَاع النقيضين، فَيلْزم حِينَئِذٍ اتصاف الْمَعْدُوم بالوجود وَأَنه تنَاقض؛ وَأَنت خَبِير بِأَن مَاهِيَّة الْمُمكن فِي حد ذَاتهَا، وَهِي مرتبَة معروضيتها للوجود والعدم، خَالِيَة عَنْهُمَا غير مَوْصُوفَة بِوَاحِد مِنْهُمَا، وَلَا اسْتِحَالَة فِي خلو مرتبَة عقلية عَن النقيضين، إِنَّمَا الاستحالة فِي خلو وَقت خارجي عَنْهُمَا، وَلِأَن الْمَاهِيّة قبل اتصافها بالوجود نَخْتَار أَنَّهَا مَعْدُومَة

ص: 926

وَالْعرُوض دفعي، فَإِن بعروض الْوُجُود لَهَا يَزُول عَنْهَا الْعَدَم فَلَا يلْزم إجتماع النقيضين. وعَلى تَقْدِير تَسْلِيم الْعرُوض التدريجي يعرض الْوُجُود لجزء، وَيَزُول عَنهُ الْعَدَم ثمَّ وَثمّ إِلَى أَن تتمّ الْأَجْزَاء كالنور يدْخل فِي بَيت مظلم فيتنور فَلَا يَتَّصِف شَيْء وَاحِد وحدة حَقِيقِيَّة بالمتقابلين سَوَاء كَانَ المعروض مركبا أَو بسيطاً.

وَأما ذَات الْوَاجِب فَهُوَ الْحَقِيقَة المقدسة، وَهِي إِمَّا الْمَاهِيّة الْكُلية المعروضة للوجود والتشخص عِنْد الْمُتَكَلِّمين، وَإِمَّا الْوُجُود الْخَاص الجزئي الْحَقِيقِيّ الْقَائِم بِذَاتِهِ تَعَالَى عِنْد الْحُكَمَاء؛ وعَلى كلا التَّقْدِيرَيْنِ يمْتَنع تعقلها بخصوصها وَلَا يتعقل إِلَّا بمفهومات كُلية اعتبارية فَقَط عِنْد الْحَكِيم والمعتزلة أَو بهَا وبصفات حَقِيقِيَّة عِنْد الماتريدية والأشاعرة.

(وَأما مَفْهُوم الْوُجُود فِي الْخَارِج أَي الْكَائِن فِي الْأَعْيَان فَهُوَ مُشْتَقّ من الْوُجُود الْخَارِجِي بِمَعْنى الْكَوْن فِي الْأَعْيَان وَهُوَ الْمُفَسّر بِمَا يكون منشأ للآثار ومظهراً للْأَحْكَام، وَهُوَ معنى اصطلاحي عَام شَامِل على الْمَوْجُود بِالْمَعْنَى اللّغَوِيّ أَعنِي الممكنات، وعَلى المبدأ الأول فَمَا لم يثبت للشَّيْء كَون فِي الْأَعْيَان لم يكن منشأ للآثار ومظهراً للْأَحْكَام، وَلَا يخفى أَن الْكَوْن فِي الْأَعْيَان لَيْسَ عين الْحَقِيقَة الواجبية الْقَائِمَة بذاتها، إِذْ لَا يشك عَاقل أَن الْكَوْن فِي الْأَعْيَان أَمر إضافي غير قَائِم بِذَاتِهِ بل هُوَ قَائِم بِذَات الْوَاجِب وعارض لَهُ ومحمول عَلَيْهِ، وَذَات الْوَاجِب متصف بِهِ كَمَا صرح بِهِ الفارابي وَابْن سينا. وَنقل عَنْهُمَا صَاحب

" المواقف " وَاسْتحْسن وَاسْتدلَّ على مقاصده فِي مَوَاضِع بل جَمِيع الْكتب الْحكمِيَّة والكلامية مشحونة بِهِ) . وَبِالْجُمْلَةِ إِن الْوُجُود عرض فِي الْأَشْيَاء الَّتِي لَهَا ماهيات يلْحقهَا الْوُجُود كالمقولات الْعشْر. وَأما الَّذِي هُوَ مَوْجُود بِذَاتِهِ لَا بِوُجُود يلْحق ماهيته لُحُوق أَمر غَرِيب مَأْخُوذ فِي الْحَد فَلَيْسَ لَهُ وجود هوية مَوْجُود فضلا عَن أَن يكون عارضاً لَهُ، بل وجوده ووجوبه وتعينه عين ذَاته على مَا هُوَ التَّحْقِيق، فَإِذا قيل لَهُ وَاجِب الْوُجُود فَهُوَ لفظ مجازي وَمَعْنَاهُ أَنه وَاجِب أَن يكون مَوْجُودا لَا أَنه يجب الْوُجُود لشَيْء مَوْضُوع فِيهِ الْوُجُود يلْحقهُ الْوُجُود على وجوب (أَو غير وجوب) . وَهَذَا هُوَ مُرَاد أساطين الْحُكَمَاء الأقدمين من قَوْلهم:" الْوُجُود عين الْوَاجِب " على مَا فهم من كَلَام رَئِيس الْحُكَمَاء أبي عَليّ وَهُوَ أَن ماهيته وجود بحت وإنيته بحتة وَلَيْسَ فِيهِ مَاهِيَّة غير الإنية، إِذْ هُوَ مَوْجُود بِذَاتِهِ أَي يَكْفِي ذَاته الْمُقَدّس فِي الموجودية، إِذْ لَا سَبَب لَهُ مُنْفَصِل عَن ذَاته حَتَّى يُلَاحظ لَهُ الْوُجُود مِنْهُ، فَيكون لَهُ مَاهِيَّة مُغَايرَة لوُجُوده كَمَا لعامّة الممكنات.

[وَلَيْسَ تمايز ذَات الْوَاجِب بِذَاتِهِ بِمُجَرَّد مُخَالفَة ذَاته لسَائِر الذوات من غير أَن يعْتَبر خُصُوصِيَّة ذَاته تَعَالَى بل التمايز بخصوصية ذَاته وَإِن لم يعلم أَنَّهَا مَا هِيَ. قَالَ بعض الْمُحَقِّقين: وجود الْوَاجِب غَنِي عَن تَنْزِيه الْعُقُول كَيفَ والتنزيه عَن سمات الجسمانيات تَشْبِيه استلزامي وتقليد ضمني بالمجردات من الْعُقُول والنفوس، وَعَن الْجَوَاهِر الْعلية والنفوس الْكُلية تَشْبِيه معنوي بالمعاني

ص: 927

الْمُجَرَّدَة عَن الصُّور الْعَقْلِيَّة وَالنّسب الروحانية والنفسانية وَعَن كل ذَلِك إِلْحَاق الْحق بالمعدوم، وَالْخَارِج عَن هَذِه الْأَقْسَام للموجودات المتحققة فِي الْوُجُود تحكم وهمي وتوهم تخيلي، وَذَلِكَ أَيْضا تَحْدِيد عدمي بعدمات لَا تتناهى. وعَلى كل حَال هُوَ تَحْدِيد وَتَقْيِيد الْحق يأباه وينافيه فالعقل لَا تصرف لَهُ فِي الربوبية وَإِنَّمَا هُوَ آلَة لدرك الْعُبُودِيَّة ووراء الْعقل أطوار كَثِيرَة يكَاد لَا يعرف عَددهَا إِلَّا الله تَعَالَى، وَقد من الله تَعَالَى على أَرْبَاب الْكَشْف بِنور كاشف يُرِيهم الْأَشْيَاء كَمَا هِيَ، وَنسبَة الْعقل إِلَى ذَلِك النُّور كنسبة الْوَهم إِلَى الْعقل ذَلِك النُّور يُمكن أَن يحكم بِصِحَّة بعض مَا لَا يُدْرِكهُ الْعقل كوجود حَقِيقَة مُطلقَة مُحِيطَة لَا يحصرها التقيد وَلَا يقيدها التعين كَمَا يُمكن أَن يحكم الْعقل بِصِحَّة مَا لَا يُدْرِكهُ الْوَهم كوجود مَوْجُود مثلا لَا يكون خَارج الْعَالم وَلَا دَاخله] .

(وَمن رام تطبيق كَلَام الْمُتَكَلِّمين الْقَائِلين بِزِيَادَة الْوُجُود على الْمَاهِيّة فِي الْوَاجِب أَيْضا لأصل الْحُكَمَاء الْقَائِلين بعينية الْوُجُود فِي الْوَاجِب تكلّف. وَقَالَ: مَا هُوَ عين الذَّات فِي الْوَاجِب هُوَ الْوُجُود الْخَاص.

وَأما الْوُجُود الْمُطلق فَلَا خلاف بَين الْفَرِيقَيْنِ فِي زِيَادَته.

وَفِي الْجُمْلَة إِنَّه سُبْحَانَهُ وجود وَذَات وَحَقِيقَة، وَحَقِيقَته غير وجوده.

قَالَ السَّمرقَنْدِي: الْوُجُود أعرف الْأَشْيَاء، والاشتباه لِكَثْرَة الِاخْتِلَاف والمجادلة إِذْ الْمَعْنى

الْوَاضِح رُبمَا يحتجب عَن نظر الْمقل إِذا وَقع فِي معرض القيل والقال واندفع فِي حيّز الْجِدَال، كتكدر المَاء الصافي إِذا خضخض فِي المنبع الوافي) .

ثمَّ الْوُجُود الَّذِي يبْحَث عَنهُ أهل النّظر هُوَ اعتباري عَارض للماهيات قَائِم بهَا. وَالَّذِي يُثبتهُ أَرْبَاب الْكَشْف هُوَ أَمر حَقِيقِيّ معروض للماهيات وقيوم لَهَا. يَقُول أهل النّظر: اللَّوْن للزجاج، وَيَقُول أهل الْكَشْف: اللَّوْن للخمر وَإِنَّمَا للزجاج مظهرية لَوْنهَا.

الْوُجُوب: لَهُ مَعْنيانِ فِي الْحَقِيقَة. أَحدهمَا: الِاقْتِضَاء ويرادفه الِاسْتِحْقَاق والإيجاب.

وَالْآخر: الِاسْتِغْنَاء، وَقد يعبر عَنهُ بِعَدَمِ التَّوَقُّف أَو بِعَدَمِ الِاحْتِيَاج.

[وَإِذا وَصفنَا الْمَاهِيّة بِالْوُجُوب كَانَ مَعْنَاهُ أَنَّهَا لذاتها تَقْتَضِي الْوُجُود، وَإِذا وَصفنَا بِهِ الْوُجُود كَانَ مَعْنَاهُ أَنه يَقْتَضِي ذَات الْمَاهِيّة من غير احْتِيَاج إِلَى غَيرهَا. قَالَ بَعضهم: الْوُجُوب يُقَال على الْوَاجِب بِاعْتِبَار مَاله من الْخَواص وَهِي ثَلَاث: الأولى استغناؤه عَن الْغَيْر. وَالثَّانيَِة: كَون ذَاته مقتضية لوُجُوده، وَالثَّالِثَة: الشَّيْء الَّذِي بِهِ تمتاز الذَّات عَن غَيره. وَإِطْلَاق الْوُجُود على الْأَوَّلين ظَاهر مَشْهُور، وَأما اطلاقه على الثَّالِث فإمَّا بِتَأْوِيل الْوَاجِب أَو إِرَادَة مبدأ الْوُجُوب والأولان اعتباريان وَالثَّالِث غير ذَات الْوَاجِب سُبْحَانَهُ، وَلَيْسَ معنى كَون الْوُجُوب عين الْوَاجِب أَن حَقِيقَة الْوُجُوب عينه وَإِلَّا لزم كَون الصِّفَات الْمُخْتَلفَة بِالْحَقِيقَةِ كَالْعلمِ

ص: 928

وَالْقُدْرَة وَالْوُجُوب وَغَيرهَا وَاحِدَة بل المُرَاد أَن الْآثَار المترتبة على هَذِه الصِّفَات فِي الممكنات مترتبة على الْوَاجِب بِلَا صفة كَمَا حَقَّقَهُ الْمُحَقِّقُونَ، وَلَيْسَ الْوُجُوب من الموجودات الخارجية بل من الْمَعْقُول الثَّانِيَة، وَلَيْسَ من المخترعات الْعَقْلِيَّة إِذْ لَو كَانَ مَوْجُودا فِي الْخَارِج لَكَانَ مُمكنا، وَإِذا كَانَ مُمكنا فَلهُ سَبَب وَهُوَ إِمَّا غير الذَّات فَيجوز انفكاكه عَن الذَّات فَيلْزم إِمْكَان الذَّات. وَأما الذَّات فَيلْزم تقدم الذَّات بِالْوُجُوب والوجود على الْوُجُوب فَيلْزم أَن يكون للْوَاجِب أَيْضا وجوب آخر فَيلْزم التسلسل أَو تقدمه على نَفسه وهما حالان، وَالْوُجُوب الذاتي للذات وَحده وَهُوَ أَشد وَأقوى فِي الِاخْتِصَاص بِهِ من سَائِر الصِّفَات المختصة بِهِ وَإِن كَانَ كل مِنْهَا مشاركاً فِي أصل الِاخْتِصَاص، وَالْمرَاد من إِطْلَاقه على الذَّات الْمُبَالغَة فِي لُزُومه لَهُ بِحَيْثُ يمْتَنع انفكاكه عَنهُ فِي حَال من الْأَحْوَال] (وأياماً كَانَ وجوب الْوُجُود كَيْفيَّة لنسبة الْوُجُود إِلَى الذَّات غير منفكة عَنهُ لَازِمَة لَهُ بِحَيْثُ يمْتَنع انفكاكه عَنهُ بِحَال من الْأَحْوَال، فَكَانَ المُرَاد من إِطْلَاقه على الذَّات الْمُبَالغَة فِي هَذَا اللُّزُوم كَمَا وَقع فِي أَمْثَاله من أَن عدم الْعَدَم وجود، وسلب السَّلب إِيجَاب، وَالْوُجُوب والوجود مقارنان بِلَا احْتِيَاج أَحدهمَا إِلَى الآخر، لَا أَنه سَابق على الْوُجُود سبق الِاحْتِيَاج وَلَا سبقاً زمانياً. وَفِيه أَن الشَّيْء لَا يوحد قبل أَن يجب) . وَالْمُعْتَبر فِي الْوَاجِب تَعَالَى أَنه فِي نَفسه بِحَيْثُ يجب تحَققه، وَلَيْسَ الْمُعْتَبر فِيهِ أَنه

إِذا تصور حَقِيقَته يحكم الْعقل بِوُجُوبِهِ. وَالْمرَاد بِالْوَاجِبِ لذاته مَا لَيْسَ لَهُ عِلّة خَارِجَة عَن ذَاته (وَلَا لَهُ افتقار إِلَى غير ذَاته، وَسَوَاء كَانَ ذَاك صفة أم لَا) .

وَالْوُجُوب والإيجاب متحدان بِالذَّاتِ ومختلفان بِالِاعْتِبَارِ، فَإِنَّهُ بِاعْتِبَار الْقيام بِالذَّاتِ إِيجَاب، وَبِاعْتِبَار التَّعَلُّق بِالْفِعْلِ وجوب، لَكِن لَا يلْزم من اتحادهما بِالذَّاتِ قيام الْوُجُوب بِمن يقوم بِهِ الْإِيجَاب، حَتَّى يلْزم (أَن يكون) إِطْلَاق الْوَاجِب على الْوَاجِبَات بأسرها من الصَّلَاة وَالزَّكَاة وَغَيرهمَا لَا على سَبِيل الْحَقِيقَة، وَإِنَّمَا يلْزم لَو لم يكن بَينهمَا تغاير بِالِاعْتِبَارِ كالتعليم والتعلم.

(وَالْوَاجِب: هُوَ السَّاقِط، أَو اللَّازِم: وَالْحق أَنه الثَّابِت) .

وَهُوَ شَرِيعَة مَا ثَبت بِدَلِيل فِيهِ شُبْهَة مثل مَا ثَبت بِأحد قسمي الظني إِلَّا أَنه يدْخل فِيهِ مَا ثَبت بالظني كالفرض الظني وَالسّنة وَالْمُسْتَحب. وَقد يَشْمَل الْوَاجِب بِإِطْلَاقِهِ على الْمَعْنى الْأَعَمّ الْمضيق كَالصَّوْمِ الَّذِي وقته معيار، والمتسع كَالزَّكَاةِ، والمخير كالكفارة، والمرخص كَأَكْل الْحَرَام عِنْد المخمصة.

(وَقَالَ بَعضهم: الْوَاجِب على أحد وَجْهَيْن:

أَحدهمَا: يُرَاد بِهِ اللَّازِم الْوُجُود وَأَنه لَا يَصح أَن لَا يكون مَوْجُودا كَقَوْلِنَا فِي الله سبحانه وتعالى: وَاجِب وجوده.

وَالثَّانِي: الْوَاجِب بِمَعْنى أَن حَقه أَن يُوجد) .

[وَالْوَاجِب الْمُطلق: هُوَ مَا لَا يتَوَقَّف وُجُوبه على

ص: 929

وجود مُقَدّمَة وجوده من حَيْثُ هُوَ كَذَلِك كَالصَّوْمِ مثلا، فَإِنَّهُ وَاجِب مُطلقًا بِالْقِيَاسِ إِلَى النِّيَّة.

وَالْوَاجِب الْمُقَيد: مَا يتَوَقَّف وجوده على وجود مُقَدّمَة وجوده من حَيْثُ هُوَ كَذَلِك فَهُوَ كَالصَّوْمِ مثلا أَيْضا فَإِنَّهُ مُقَيّد بِالْقِيَاسِ إِلَى الْبلُوغ] .

وَقَول الْفُقَهَاء: الْوَاجِب مَا إِذا لم يَفْعَله يسْتَحق الْعقَاب، وَذَلِكَ وصف لَهُ بِشَيْء عَارض لَا بِصفة لَازِمَة، وَيجْرِي مجْرى من يَقُول:" الْإِنْسَان الَّذِي إِذا مَشى برجلَيْن منتصب الْقَامَة ".

وَاخْتلف فِي أَن الْوُجُوب فِي الْوَاجِب هَل هُوَ زَائِد على الْوُجُود أم لَا؟ [قَالَ الإِمَام أَبُو حنيفَة رضي الله عنه: الْوُجُوب فِي الْوَاجِب زَائِد على الْوُجُود وَقد يرْتَفع، وَالْإِمَام الثَّانِي رحمه الله مَعَه] ، وَلَا يلْزم من ارْتِفَاع الْوُجُوب ارْتِفَاع الْجَوَاز وَالصِّحَّة، إِمَّا لِأَنَّهُ أخص، أَو لِأَن بطلَان الْوَصْف لَا يُوجب بطلَان الأَصْل خلافًا لمُحَمد لِأَن الْأَحْكَام الشَّرْعِيَّة على الموجودات الخارجية والوجود الْخَارِجِي للعام وَالْخَاص وَاحِد وَأَن تعدّدا فِي التعقل، فحين بَطل بَطل بِأَصْلِهِ، وَنَفس الْوُجُوب هُوَ لُزُوم وجود هَيْئَة مَخْصُوصَة وضعت لعبادة الله حِين حضر الْوَقْت، وَوُجُوب الْأَدَاء هُوَ لُزُوم ايقاع تِلْكَ الْهَيْئَة.

[وَقد تقرر فِي مَحَله أَن الْقُدْرَة على أَدَاء الْفِعْل الْمَطْلُوب إِيقَاعه شَرط لوُجُوب أَدَائِهِ لَا لنَفس الْوُجُوب فَهُوَ وَاجِب مُطلقًا لَا يحصل إِلَّا بِالْقُدْرَةِ وَهِي. غير وَاجِبَة لعدم كَونهَا مقدورة. وَوُجُوب

الشَّيْء بِمَعْنى اسْتِحْقَاق فَاعله وتاركه فِي حكم الله الْمَدْح والذم عَاجلا وَالثَّوَاب وَالْعِقَاب آجلاً فَهُوَ الْمُتَنَازع فِي أَنه هَل يدْرك بِالشَّرْعِ أم بِالْعقلِ فعندنا بِالشَّرْعِ وَعند الْمُعْتَزلَة بِالْعقلِ، وَأما بِمَعْنى اسْتِحْقَاق فَاعله الْمَدْح وتاركه الذَّم فِي نظر الْعُقُول ومجاري الْعَادَات فَمَا يدْرك بِالْعقلِ اتِّفَاقًا] .

(وَالْوُجُوب الشَّرْعِيّ: مَا أَثم تَاركه) .

والعقلي: مَا لولاه لامتنع.

والعادي: بِمَعْنى الأولى والأليق.

وَقد يُطلق الْوَاجِب على ظَنِّي فِي قُوَّة الْفَرْض فِي الْعَمَل كالوِتْر عِنْد أبي حنيفَة حَتَّى يمْنَع تذكره صِحَة الْفجْر. وَيُطلق أَيْضا على ظَنِّي هُوَ دون الْفَرْض فِي الْعَمَل وَفَوق السّنة كتعيين الْفَاتِحَة حَتَّى لَا تفْسد الصَّلَاة بِتَرْكِهَا لَكِن يجب سَجْدَة السَّهْو.

وَالْوَاجِب مَا لَا يتَصَوَّر فِي الْعقل عَدمه.

والضروري مِنْهُ كالتحيز مثلا للجرم، والنظري كالقِدَم للباري سُبْحَانَهُ.

وَالْوُجُوب عِنْد الأشاعرة من جِهَة أَنه لَا قَبِيح مِنْهُ تَعَالَى، وَلَا وَاجِب عَلَيْهِ يكون بِالشَّرْعِ وَلَا يتَصَوَّر ذَلِك فِي فعله تَعَالَى، فَلَا يتَصَوَّر مِنْهُ تَعَالَى فعل قَبِيح وَترك وَاجِب. فَكل مَا أخبر بِهِ الشَّارِع فَلَا بُد أَن يَقع. وَمِنْه معنى الْوُجُوب [عَلَيْهِ تَعَالَى] وَإِلَّا لزم الْكَذِب.

والمعتزلة - من جِهَة أَن مَا هُوَ قَبِيح يتْركهُ وَمَا يجب عَلَيْهِ يَفْعَله الْبَتَّةَ - قَائِلُونَ بِالْوُجُوب بِمَعْنى اسْتِحْقَاق تَاركه الذَّم عقلا، أَو بِمَعْنى لُزُوم عَلَيْهِ لما فِي

ص: 930

تَركه من الْإِخْلَال بالحكمة فرُدَّ كل مِنْهُمَا. أما الأول فبأن الله تَعَالَى لَا يسْتَحق الذَّم على فعل وَلَا على ترك لِأَنَّهُ الْمَالِك على الْإِطْلَاق، وَهُوَ الَّذِي لَا يسْأَل عَمَّا يفعل فضلا عَن اسْتِحْقَاق الذَّم.

وَأما الثَّانِي فَلَا نسلم أَن شَيْئا من أَفعاله تَعَالَى يكون بِحَيْثُ يخل تَركه بحكمةٍ لجَوَاز أَن يكون لَهُ فِي كل فعل أَو ترك حكم ومصالح لَا تهتدي إِلَيْهَا الْعُقُول البشرية، على أَنه لَا معنى للُزُوم عَلَيْهِ تَعَالَى إِلَّا عدم التَّمَكُّن من التّرْك، وَهُوَ يُنَافِي الِاخْتِيَار الَّذِي ادَّعَوْه فِي أَفعاله تَعَالَى، وَلِهَذَا أضطر الْمُتَأَخّرُونَ مِنْهُم إِلَى أَن معنى الْوُجُوب على الله أَنه يَفْعَله الْبَتَّةَ وَلَا يتْركهُ وَإِن كَانَ التّرْك جَائِزا.

الْوحدَة: وحد الرجل يحد وحداً ووحدة من بَاب (علم) أَي بَقِي مُنْفَردا.

و" رَأَيْته وَحده " أَي حَال كَونه وَاحِدًا أَو منفرداُ مَنْصُوب على الْحَال عِنْد الْبَصرِيين، وَقيل: على المصدرية (أَي وحد وَحده) . وَقيل: على الظَّرْفِيَّة (أَي فِي حَال وحدته) .

وَلَفْظَة (وَحده) إِذا وَقعت بعد فَاعل ومفعول نَحْو: (ضرب زيد عمرا وَحده) فمذهب سِيبَوَيْهٍ أَنه حَال من الْفَاعِل أَي موحداً لَهُ بِالضَّرْبِ، وَمذهب الْمبرد أَنه يجوز أَن يكون حَالا من الْمَفْعُول.

والوحدة: كَون الشَّيْء بِحَيْثُ لَا يَنْقَسِم، وتتنوع أنواعاً خص الِاصْطِلَاح كل نوع مِنْهَا باسم تسهيلاً للتعبير، وَهِي فِي النَّوْع مماثلة، وَفِي الْجِنْس مشاكلة، وَفِي الكيف مشابهة، وَفِي الْكمّ مُسَاوَاة، وَفِي الْوَضع موازاة ومحاذاة، وَفِي

الْأَطْرَاف مُطَابقَة، وَفِي النِّسْبَة مُنَاسبَة.

وَتطلق وَيُرَاد بهَا عدم التجزئة والانقسام؛ وَيكثر إِطْلَاق الْوَاحِد بِهَذَا الْمَعْنى.

وَقد تطلق بِإِزَاءِ التَّعَدُّد وَالْكَثْرَة، وَيكثر إِطْلَاق الْأَحَد والفرد بِهَذَا الْمَعْنى.

ووحدة الْبَارِي وحدة ذاتية.

ووحدة النقطة لَا تعْتَبر من الْعدَد إِذْ لَا يُمكن التَّعَدُّد فِيهَا.

وَالْوَاحد لَهَا مَعْنيانِ:

أَحدهمَا: مَا قَامَت بِهِ الْوحدَة وَهُوَ كَون الشَّيْء بِحَيْثُ لَا يَنْقَسِم إِلَى أُمُور متشاركة فِي الْمَاهِيّة، ويقابلها الْكَثْرَة، فالواحد بِهَذَا الْمَعْنى لَا يَنْقَسِم وَلَا يتَجَزَّأ، وَهُوَ الْوَاحِد الْحَقِيقِيّ، وَلَا يُوصف بِهِ إِلَّا الْبَسِيط فِي أحد معنييه كالجوهر الْفَرد عِنْد الأشعرية والنقطة عِنْد المهندسين والجوهر المفارق عِنْد الْحُكَمَاء.

وَالثَّانِي: مَا لَا نَظِير لَهُ فِي ذَاته وَلَا شَبيه لَهُ فِي أَفعاله وَصِفَاته. وَلَيْسَ فِي الْوُجُود من يَتَّصِف بالمعنيين حَقِيقَة سوى الله تَعَالَى لِأَن مَا لَا يتَجَزَّأ من الموجودات كالجوهر الْفَرد يَنْضَم إِلَى مثله وَأَمْثَاله، وَمَا لَا نَظِير لَهُ مِنْهَا كالعرش والكرسي.

وكل مَا انحصر نَوعه فِي شخصه كَالشَّمْسِ وَالْقَمَر فإثبات النظير لَهَا مُمكن، والباري سُبْحَانَهُ يَسْتَحِيل عَلَيْهِ التجزيء والانقسام فَلَا مثل لَهُ وَلَا نَظِير وَلَا شَبيه (شهِدت بِهِ الْأَدِلَّة القطعية) .

وَاعْلَم أَن للتوحيد ثَلَاث مَرَاتِب:

مرتبَة تَوْحِيد الذَّات وَهُوَ مقَام الِاسْتِهْلَاك والفناء فِي الله فَلَا مَوْجُود [فِي الْحَقِيقَة] إِلَّا الله.

ص: 931

ومرتبة تَوْحِيد الصِّفَات وَهُوَ أَن يرى كل قدرَة مُتَفَرِّقَة فِي قدرته الشاملة وكل علم مضمحلاً فِي علمه الْكَامِل بل يرى كل كَمَال لمْعَة من عكوس أنوار كَمَاله.

ومرتبة تَوْحِيد الْأَفْعَال وَهُوَ أَن يتَحَقَّق وَيعلم بِعلم الْيَقِين، أَو بِعَين الْيَقِين، أَو بِحَق الْيَقِين أَن لَا مُؤثر فِي الْوُجُود إِلَّا الله، وَقد انْكَشَفَ ذَلِك على الْأَشْعَرِيّ. وَتَحْقِيق مَذْهَب الْحُكَمَاء أَيْضا هُوَ هَذَا، فالسالك بِهَذِهِ الْمرتبَة يكل أُمُوره كلهَا إِلَى الْفَاعِل الْحَقِيقِيّ.

وَالْوَاحد يدْخل فِي الْأَحَد بِلَا عكس [وَذكر الْعَلامَة التَّفْتَازَانِيّ عَلَيْهِ الرَّحْمَة أَن لَفْظَة (أحد) لابهامه كثيرا مَا يَقع موقع كل وَاحِد كَمَا فِي قَوْلهم مثلا فِيمَا يَنْبَغِي أَن يُقَال: انفكاك كل وَاحِد مِنْهُمَا إنفكاك أَحدهمَا] وَإِذا قلت: فلَان لَا يقاومه وَاحِد، جَازَ أَن يُقَال: لكنه يقاومه اثْنَان. أما إِذا قلت: لَا يقاومه أحد، فَلَا يجوز أَن يُقَال مَا ذكر.

و (لَيْسَ فِي الدَّار وَاحِد) يعم النَّاس وَغَيرهم:

و (لَيْسَ فِي الدَّار أحد) مَخْصُوص بالآدميين، وَلَا يصلح الْوَاحِد للْجمع والإفراد بِخِلَاف الْأَحَد وَلِهَذَا وصف بِهِ فِي قَوْله:{من أحد عَنهُ حاجزين} .

وَلَيْسَ للْوَاحِد جمع من لَفظه.

والأحد يجمع على أحدون.

وَالْوَاحد وَإِن كَانَ اسْما جَازَ أَن يُرَاد بِهِ الصّفة.

يُقَال: فلَان وَاحِد زَمَانه، كَمَا يُقَال: متوحده.

وَالْوَاحد فِي نَفسه سَوَاء كَانَ مَعَه غَيره أَو لَا كزيد هُوَ جُزْء للمثنى وَالْمَجْمُوع.

وَالْوَاحد بِمَعْنى أَنه مُنْفَرد لَيْسَ مَعَه غَيره لَيْسَ هُوَ بِجُزْء مِنْهُمَا.

وَالْوَاحد إِذا اسْتعْمل من غير تقدم موصوفه أُرِيد بِهِ المتوحد فِي ذَاته، وَإِذا أجري على موصوفه أُرِيد بِهِ المتوحد فِي صِفَاته.

وَمعنى " أحَدية الله " أَنه أحدي الذَّات، أَي لَا تركيب فِيهِ أصلا. وَمعنى " وحدانية الله " أَنه يمْتَنع أَن يُشَارِكهُ شَيْء فِي ماهيته وصفات كَمَاله وَأَنه مُنْفَرد بالإيجاد وَالتَّدْبِير الْعَام بِلَا وَاسِطَة وَلَا معالجة وَلَا مُؤثر سواهُ فِي أثر مَا عُمُوما.

وَقَوْلنَا: (وَحده) إِذا أجري على الله تَعَالَى بِأَن جعل فِي الْكَلَام حَالا مِنْهُ يرد على مَعْنيين:

أَحدهمَا: أَن يُرَاد مِنْهُ مُنْفَردا غير مشفوع بِهِ، وَحَاصِله يرجع إِلَى معنى (خَاصَّة) فَقَط كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى:{قَالُوا أجئتنا لنعبد الله وَحده} {وَإِذا ذكر الله وَحده اشمأزت} . وَهُوَ بِهَذَا الْمَعْنى وصف غير لَازم لَهُ تَعَالَى، بل يجب أَن يَنْفَكّ عَنهُ الْوحدَة بِهَذَا الْمَعْنى كَمَا فِي الطَّاعَة فَإِنَّهُ يجب فِيهَا أَن يشفع بِهِ الرَّسُول وأولو الْأَمر.

وَثَانِيهمَا: أَن يُرَاد مِنْهُ مُنْفَردا بِمَعْنى منزهاً فِي ذَاته عَن أنحاء التَّعَدُّد والتركيب والمشاركة فِي الْحَقِيقَة وخواصها الْمُقْتَضِيَة الألوهية كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى:

ص: 932

{حَتَّى تؤمنوا بِاللَّه وَحده} أَي: وَاحِدًا لَا شريك لَهُ لَا أَن تخصوا الْإِيمَان بِهِ دون غَيره، كَيفَ وَقد قَالَ الله تَعَالَى:{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذين آمنُوا بِاللَّه وَرَسُوله} وَهُوَ بِهَذَا الْمَعْنى وصف لَازم لَهُ تَعَالَى لَا يَنْفَكّ عَنهُ بِحَال، فعلى الْمَعْنى الأول يكون حَالا منتقلة، وعَلى الْمَعْنى الثَّانِي يكون مُؤَكدَة.

وَالْفرق بَين (وَحده) وَبَين (لَا شريك لَهُ) أَن وَحده يدل على نفي الشَّرِيك التزاماً، و (لَا شريك لَهُ) يدل عَلَيْهِ مُطَابقَة وَلِهَذَا ذكرت بعْدهَا لزِيَادَة التوكيد الْمُنَاسب لمقام التَّوْحِيد.

وللمتكلمين دَلَائِل كَثِيرَة فِي إِثْبَات الوحدانية كَمَا نقل عَن الإِمَام الرَّازِيّ أَنه اسْتدلَّ بِأَلف وَعشْرين دَلِيلا، لَكِن الْمَشْهُور بَينهم هُوَ الدَّلِيل الملقب ببرهان التمانع.

وللحكماء أَيْضا دَلَائِل جمة على ثُبُوت الوحدانية لَهُ تَعَالَى مُغَايرَة لدلائل الْمُتَكَلِّمين. [يستدلون بالأثر على الْمُؤثر كالسماء وَالْأَرْض على مَا هُوَ الْمَشْهُور بَين الْجُمْهُور لِكَوْنِهِمَا أعظم الْمَخْلُوقَات فصارا أدل على وجود الصَّانِع ووحدته وعظمته وَكَيف وهما محيطان بِالْكُلِّ من الأفلاك وَالْكَوَاكِب وحركاتها وأوضاعها وَالْأَحْوَال المتعاقبة بهَا، وَمن طَبَقَات العناصر وغرائب امتزاجاتها وأحوال المعان والنباتات والحيوانات لَا سِيمَا الْإِنْسَان وَمَا أودع فِي بدنه مِمَّا يشْهد بِهِ علم التشريح فَلَا فرق الِاسْتِدْلَال بالسماء وَالْأَرْض وَبَين المواليد كَمَا توهم من أَن دلَالَة المواليد دون دلالتهما فَإِنَّهُ قد

يتَوَهَّم أَن محدثها غير الْوَاجِب من الأوضاع والاتصالات بِنَاء على تَجْوِيز عدم تناهي الْحَوَادِث المتعاقبة بِخِلَاف الأَرْض وَالسَّمَاء وَهَذَا توهم بعيد جدا فَإِنَّهُ قد يجوز التسلسل فِي العدمات المتعاقبة لَا فِي الْعِلَل والمعلولات المجتمعة مَعًا فَلَا بُد لتِلْك الأوضاع والاتصالات بل للمواليد من مُحدث يَنْتَهِي إِلَى الْوَاجِب كَمَا يُقَال عِنْد الِاسْتِدْلَال بالسماء وَالْأَرْض، ومبنى الْكل على أَن افتقار الْمُمكن إِلَى الموجد والحادث إِلَى الْمُحدث ضَرُورِيّ وَأما الْحُكَمَاء فهم يستدلون بِالنّظرِ فِي الْوُجُود لِأَنَّهُ وَاجِب أَو مُمكن على إِثْبَات الْوَاجِب ثمَّ بِالنّظرِ فِيمَا يلْزم الْوُجُوب والإمكان على صِفَاته ثمَّ يستدلون بصفاته على كَيْفيَّة صُدُور أَفعاله عَنهُ وَرجح أَبُو عَليّ هَذَا الطَّرِيق فِي " الإشارات " فَإِنَّهُ أوثق وأشرف لِأَن أولى الْبَرَاهِين لإعطاء الْيَقِين هُوَ الِاسْتِدْلَال بِالْعِلَّةِ على الْمَعْلُول وَأما عَكسه فَرُبمَا لَا يُفِيد الْيَقِين] .

(وَالْحق أَنه بعد مَا ثَبت أَن للْعَالم صانعاً قَدِيما موجداً، لَهُ على وفْق إِرَادَته، منشئاً لِلْخلقِ من مَرْكَز الْعَدَم إِلَى دَائِرَة الْوُجُود يجب القَوْل باتصافه بِجَمِيعِ مَا يَلِيق بِهِ من غير احْتِيَاج إِلَى دَلِيل)[ثمَّ إِن الدَّلِيل] وَإِن كَانَ لَا يَخْلُو عَن فَائِدَة إِذْ رُبمَا يحصل زِيَادَة تَحْقِيق فِي أَمْثَال هَذِه المقامات بتكثير الْوُجُوه والأذهان مُتَفَاوِتَة فِي الْقبُول، فَرُبمَا يحصل للْبَعْض مِنْهَا الاطمئنان بِبَعْض الْوُجُوه دون الْبَعْض، أَو باجتماع الْكل مَعَ مَا فِي كل وَاحِد مِنْهَا من مجَال المناقشة. وَلِهَذَا كَانَ إِيمَان كثير من

ص: 933

المقلدين يفضل على إِيمَان كثير من المستدلين لما فِيهِ من سَلامَة الصَّدْر من الشَّك والشبهة وَقُوَّة الْيَقِين، وَإِلَى هَذِه إِشَارَة نبوية بقوله:" أَكثر أهل الْجنَّة بُلْه والعلِّيّون لأولي الْأَلْبَاب " وَقد قبل النَّبِي صلى الله عليه وسلم إِيمَان من تكلم بكلمتي الشَّهَادَة وَلم يتَعَرَّض لَهُ بتكليف شَيْء آخر تيسيراً للأمور ودفعاً للْحَرج. وعَلى هَذَا إِجْمَاع السّلف.

الْوَضع: هُوَ كَون الشَّيْء مشاراً إِلَيْهِ بِالْإِشَارَةِ الحسية، وَتَخْصِيص اللَّفْظ بِالْمَعْنَى كَمَا فِي " التَّلْوِيح ".

وَقيل: هُوَ جعل اللَّفْظ دَلِيلا على الْمَعْنى، وَهُوَ من صِفَات الْوَاضِع.

والاستعمال: إِطْلَاق اللَّفْظ وَإِرَادَة الْمَعْنى، وَهُوَ من صِفَات الْمُتَكَلّم.

وَالْحمل: اعْتِقَاد السَّامع مُرَاد الْمُتَكَلّم أَو مَا اشْتَمَل على مُرَاده، وَهُوَ من صِفَات السَّامع.

والوضع عِنْد الْحُكَمَاء: هَيْئَة عارضة للشَّيْء بِسَبَب نسبتين: نِسْبَة أَجْزَائِهِ بَعْضهَا إِلَى بعض. وَنسبَة أَجْزَائِهِ إِلَى الْأُمُور الْخَارِجَة عَنهُ كالقيام وَالْقعُود.

والوضع الْحسي: إِلْقَاء الشَّيْء المستعلي، كَمَا فِي قَوْله:

(مَتَى أَضَع العِمامَةَ تَعْرفُوني

)

قَالَ الرَّاغِب: الْوَضع أَعم من الْحَط، وَإِذا تعدى ب (على) كَانَ بِمَعْنى التحميل، وَإِذا تعدى ب (عَن) كَانَ بِمَعْنى الْإِزَالَة.

وَتَعْيِين اللَّفْظ للمعنى بِحَيْثُ يدل عَلَيْهِ من غير

قرينَة إِن كَانَ من جِهَة وَاضع اللُّغَة وَهُوَ الله تَعَالَى أَو الْبشر على الِاخْتِلَاف فَوضع لغَوِيّ كوضع السَّمَاء وَالْأَرْض، وَإِلَّا فَإِن كَانَ من الشَّارِع فَوضع شَرْعِي كوضع الصَّوْم وَالصَّلَاة، وَإِلَّا فَإِن كَانَ من قوم مخصوصين كَأَهل الصناعات من الْعلمَاء وَغَيرهم فَوضع عرفي خَاص كوضع أهل الْمعَانِي والإيجاز والإطناب؛ وَأهل الْبَيَان الِاسْتِعَارَة وَالْكِنَايَة؛ وَأهل البديع التَّجْنِيس والترصيع، وَإِلَّا فَهُوَ عرفي عَام إِن كَانَ من أهل عرف عَام كقطيع الدَّابَّة وَالْحَيَوَان.

والواضع إِذا تصور ألفاظاً مَخْصُوصَة فِي ضمن أَمر كلي وَحكم حكما كلياً بِأَن كل لفظ مندرج تَحْتَهُ عينه للدلالة بِنَفسِهِ على كَذَا يُسمى هَذَا الْوَضع وضعا نوعياً وَهُوَ ثَلَاثَة أَنْوَاع:

وضع خَاص لموضوع لَهُ خَاص كوضع أَعْلَام أَجنَاس الصِّيَغ من (فعل يفعل) وَغَيرهمَا من جَمِيع الهيئات الممكنة الطارئة على تركيب (ف ع ل) فَإِنَّهَا كلهَا أَعْلَام الْأَجْنَاس للصيغ الموزونة هِيَ بهَا.

وَوضع عَام لموضوع لَهُ خَاص كوضع عَامَّة الْأَفْعَال فَإِنَّهَا مَوْضُوعَة بالنوع بملاحظة عنوان كلي شَامِل بخصوصية كل نِسْبَة جزئية من النِّسْبَة التَّامَّة فالموضوع لَهُ تِلْكَ النّسَب الْجُزْئِيَّة الملحوظة بذلك العنوان الْكُلِّي فالوضع عَام والموضوع لَهُ خَاص.

وَوضع عَام لموضوع لَهُ عَام كالمشتقات مثل اسْم الْفَاعِل وَالْمَفْعُول، والمصغر والمنسوب، وَفعل الْأَمر، وَالْفِعْل الْمَبْنِيّ للْمَفْعُول إِلَى غير ذَلِك مِمَّا يتَعَلَّق بالهيئات فَإِنَّهَا لَيست مَوْضُوعَة بخصوصياتها

ص: 934

بل بقواعد كُلية.

وَإِذا تصور الْوَاضِع لفظا خَاصّا وتصور أَيْضا معنى معينا إِمَّا جزئياً أَو كلياً، وَعين اللَّفْظ بِعَين ذَلِك الْمَعْنى، أَو لكل وَاحِد مِمَّا يصدق عَلَيْهِ ذَلِك الْمَعْنى يُسمى هَذَا الْوَضع وضعا شخصياً، وَحِينَئِذٍ إِمَّا أَن يكون الْوَضع والموضوع لَهُ خاصين بِأَن يتَصَوَّر معنى جزئياً ويعين اللَّفْظ بإزائه كالأعلام الشخصية فَإِنَّهَا أَسمَاء تعين مسماها من غير قرينَة.

أَو يَكُونَا عَاميْنِ بِأَن يتَصَوَّر معنى كلياً ويعين اللَّفْظ بإزائه كعامة النكرات.

أَو يكون الْوَضع عَاما والموضوع لَهُ خَاصّا (بِأَن يتَصَوَّر معنى كلياً ويلاحظ بِهِ جزئياته، ويعين بِهَذِهِ الملاحظة الإجمالية اللَّفْظ دفْعَة وَاحِدَة) لكل وَاحِد من تِلْكَ الجزئيات كالمضمرات، والموصلات، وَأَسْمَاء الإشارات، وَأَسْمَاء الْأَفْعَال، والحروف، وَبَعض الظروف كأينَ وَحَيْثُ وَغَيرهمَا مِمَّا يتَضَمَّن معنى الْحُرُوف.

وَأما كَون الْوَضع خَاصّا والموضوع لَهُ عَاما فَغير مَعْقُول لِاسْتِحَالَة كَون جزئي آلَة الملاحظة كلياً.

وَقَالَ بَعضهم: وضع الْعين للعين كَمَا فِي الْمُفْردَات، وَوضع الْأَجْزَاء للأجزاء كَمَا فِي المركبات.

وَمن أثر الإلطاف بالعباد حُدُوث الموضوعات اللُّغَوِيَّة ليعبر كل إِنْسَان عَمَّا فِي نَفسه مِمَّا يحْتَاج

إِلَيْهِ لغيره حَتَّى يعاونه عَلَيْهِ لعدم استقلاله بِهِ، وَلِهَذَا يُقَال: الْإِنْسَان مدنِي بالطبع لاحتياجه إِلَى أهل الْمَدِينَة.

والألفاظ الْمَوْضُوعَة أفيد دلَالَة على مَا فِي الضَّمِير من الْإِشَارَة والمثال، لِأَن الْأَلْفَاظ تعم الْمَوْجُود والمعدوم. وَالْإِشَارَة والمثال يخصان بالموجود المحسوس، وأيسر مِنْهُمَا أَيْضا لموافقتها لِلْأَمْرِ الطبيعي دونهمَا، فَإِن الْأَلْفَاظ كيفيات تعرض للنَّفس الضَّرُورِيّ.

والموضوعات اللُّغَوِيَّة: هِيَ الْأَلْفَاظ الدَّالَّة على الْمعَانِي. وَيعرف بِالنَّقْلِ تواتراً كالسماء وَالْأَرْض، أَو بِالنَّقْلِ آحاداً كالقُراء للطهر وَالْحيض، أَو باستنباط الْعقل من النَّقْل كالجمع الْمحلي ب (ال) للْعُمُوم فَإِنَّهُ نقل أَن هَذَا الْجمع يَصح الِاسْتِثْنَاء مِنْهُ، وكل مَا صَحَّ الِاسْتِثْنَاء مِنْهُ مِمَّا لَا حصر فِيهِ فَهُوَ عَام للُزُوم تنَاوله للمستثنى، فيستنبط الْعقل من هَاتين المقدمتين النقليتين عُمُوم الْجمع الْمحلي بِاللَّامِ فَيحكم بِعُمُومِهِ، وَلَا يشْتَرط مُنَاسبَة اللَّفْظ للمعنى فِي وَضعه لَهُ عِنْد الْجُمْهُور.

[وَاعْلَم أَن دلَالَة الْأَلْفَاظ على معنى دون معنى لَا بُد لَهَا من مُخَصص لتساوي نسبته إِلَى جَمِيع الْمعَانِي. وَذهب الْمُحَقِّقُونَ إِلَى أَن الْمُخَصّص هُوَ الْوَاضِع، وَتَخْصِيص وَضعه دون ذَاك هُوَ إِرَادَة الْوَاضِع. وَالظَّاهِر أَن الْوَاضِع هُوَ الله تبارك وتعالى على مَا ذهب إِلَيْهِ الْأَشْعَرِيّ من أَنه تبَارك وَتَعَالَى

ص: 935

وضع الْأَلْفَاظ ووقف عباده عَلَيْهَا تَعْلِيما بِالْوَحْي أَو بِخلق علم ضَرُورِيّ فِي وَاحِد أَو جمَاعَة، وَلَيْسَت دلَالَة على الْمَعْنى لذاته كدلالته على اللافظ وَإِلَّا لوَجَبَ أَن لَا تخْتَلف اللُّغَات باخْتلَاف الْأُمَم، ولوجب أَن يفهم كل أحد معنى كل لفظ لِامْتِنَاع انفكاك الدَّلِيل على الْمَدْلُول] .

ثمَّ إِن اللَّفْظ الدَّال على الْمَعْنى لَهُ جهتان: جِهَة إِدْرَاكه بالذهن، وجهة تحَققه فِي الْخَارِج. . فَهَل الْوَضع لَهُ بِاعْتِبَار الْجِهَة الأولى أَو بِالثَّانِيَةِ أَو من غير نظر إِلَى شَيْء مِنْهُمَا، فِيهِ ثَلَاثَة مَذَاهِب:

أَحدهمَا: أَنه مَوْضُوع للمعنى الْخَارِجِي لَا الذهْنِي.

وَالثَّانِي: أَنه مَوْضُوع للمعنى الذهْنِي وَإِن لم يُطَابق الْخَارِج لدوران الْأَلْفَاظ مَعَ الْمعَانِي الذهنية وجودا وعدماً، فَإِن من رأى شبحاً من بعيد تخيله طللاً سَمَّاهُ طللاً، فَإِذا تحرّك فَظَنهُ شَجرا سَمَّاهُ شَجرا، فَإِذا قرب مِنْهُ وَرَآهُ سَمَّاهُ رجلا.

وَالثَّالِث: أَنه مَوْضُوع للمعنى من حَيْثُ هُوَ من غير تَقْيِيد بخارجي أَو ذهني، واستعماله فِي أَيهمَا كَانَ اسْتِعْمَال حَقِيقِيّ، وَلَيْسَ لكل معنى لفظ مَوْضُوع لَهُ فَإِن من الْمعَانِي مَا لم يوضع لَهُ لفظ كأنواع الروائح.

والوضع يخص الْحَقِيقَة، والاستعمال يعمها، وَالْمجَاز وَالْكِنَايَة أَيْضا، والأدلة الدَّالَّة على تعْيين الْوَاضِع ضَعِيفَة.

الْوَحْي: هُوَ الْكَلَام الْخَفي يدْرك بِسُرْعَة لَيْسَ فِي ذَاته مركبا من حُرُوف مقطعَة تتَوَقَّف على تموجات

متعاقبة.

وَفِي " الْأَنْوَار ": أَن سيدنَا مُوسَى تلقى الْكَلَام تلقياً روحانياً، ثمَّ تمثل ذَلِك الْكَلَام لبدنه وانتقل إِلَى الْحس الْمُشْتَرك فانتقش بِهِ من غير اخْتِصَاص بعضو وجهة.

وَهُوَ كَمَا نَص الله عَلَيْهِ على ثَلَاثَة بِلَا وَاسِطَة، بل يخلق الله فِي قلب الموحى إِلَيْهِ علما ضَرُورِيًّا بِإِدْرَاك مَا شَاءَ الله تَعَالَى إِدْرَاكه من الْكَلَام النَّفْسِيّ الْقَدِيم الْقَائِم بِذَاتِهِ تَعَالَى، وَهَذِه حَالَة محمدية لَيْلَة الْإِسْرَاء على مَذْهَب طَائِفَة. أَو بِوَاسِطَة خلق أصوات فِي بعض الْأَجْسَام كَحال مُوسَى عليه السلام. أَو بإرسال ملك، وَمَا يُدْرِكهُ الْملك من النَّوْع الأول. وَهَذَا غَالب أَحْوَال الْأَنْبِيَاء. وَإِلَى الأول الْإِشَارَة بقوله تَعَالَى:{وَمَا كَانَ لبشر أَن يكلمهُ الله إِلَّا وَحيا} .

وَإِلَى الثَّانِي: {أَو من وَرَاء حجاب} .

وَإِلَى الثَّالِث: {أَو يُرْسل رَسُولا} .

وَالثَّانِي قد يطلع عَلَيْهِ غير الموحى اليه كَمَا سمع السبعون حِين مضوا إِلَى الْمِيقَات؛ كَمَا سَمعه مُوسَى عليه السلام.

وَالثَّالِث يُشَارك فِيهِ الْملك.

وَأما الأول فهومكتتم أَي اكتتمام، وَقد نظمت فِيهِ:

(لمِوْلَانَا رَسُولِ اللهِ نَشْآتٌ فَخُذْ نظما

كَلَام الله فِي كلٍ من النشآت مراتِ)

(للاهوتيةٍ مِنْهَا كَلَام صَار مُسْتَغْنى

بَرِيئًا من حُرُوف خَارِجا من جنس أصوات)

ص: 936

(وَأما مَاله التَّرْكِيب والإفراد تقطيعاً

لناسوتيةٍ ملكيّة فاحفظ بنشآت)

(قَالَ بعض الْفُضَلَاء فِي قَوْله تَعَالَى: {وَعلم آدم الْأَسْمَاء} : إِن التَّعْبِير بالتعليم للتقريب إِلَى الْفَهم لَا أَنه الأَصْل الْمُتَعَارف فِي ذَلِك، وَأَن مَا يرد من قبل غَيره تَعَالَى إِنَّمَا يكون بطرِيق الإنباء القولي على مَا هُوَ الْجَارِي بَين أَفْرَاد النَّاس، وَأَن تلقي مَا هُوَ من قبله تَعَالَى لَا بُد لَهُ من استعداد خَاص لذَلِك، فالقابلية للفهم من قبل غَيره تَعَالَى لَا توجب الاستعداد للتلقي من جنابه الأقدس للتفاوت البيّن بَين الْحَالين، وَأَن الاستعداد الفطري للقبول من قبله تَعَالَى فِي نوع خَاص مجانس لَا يسْتَلْزم الاستعداد لغير ذَلِك النَّوْع مِمَّا يُخَالف تِلْكَ الْفطْرَة والطبيعة، فاستعداد الْمَلَائِكَة للتلقي من قبله تَعَالَى فِيمَا يجانس فطرتهم لَا يَسْتَدْعِي استعدادهم لغيره مِمَّا استعد لَهُ آدم عليه السلام بِحَسب مجانسة فطرته ومناسبة جبلته، وَأَن ذَلِك لَا يمْنَع استعدادهم للاستفادة من آدم عليه السلام بطرِيق الإنباء)

(وَفِي " الرسَالَة العرشية ") أَن وَصفه تَعَالَى بِكَوْنِهِ متكلما لَا يرجع الى ترديد الْعبارَات وَلَا

أَحَادِيث النَّفس والفكر الْمُخْتَلفَة الَّتِى صَارَت الْعبارَات دَلَائِل عَلَيْهَا، بل فيضان الْعُلُوم مِنْهُ تَعَالَى على لوح قلب النَّبِي صلى الله عليه وسلم بِوَاسِطَة الْقَلَم النقاش الَّذِي يعبر عَنهُ بِالْعقلِ الفعال وَالْملك المقرب (هُوَ كَلَامه، فَالْكَلَام عبارَة عَن الْعُلُوم الْحَاصِلَة للنَّبِي صلى الله عليه وسلم.

وَالْعلم لَا تعدد فِيهِ وَلَا تكْثر، بل التَّعَدُّد فِي حَدِيث النَّفس والخيال والحس) . فالنبي صلى الله عليه وسلم يتلَقَّى علم الْغَيْب من الْحق بِوَاسِطَة الْملك. وَقُوَّة التخيل (تتلقى) تِلْكَ الْعُلُوم وتتصورها بِصُورَة الْحُرُوف والأشكال الْمُخْتَلفَة، وتجد لوح الْحس فَارغًا فتنتقش تِلْكَ الْعبارَات والصور فِيهِ فَيسمع مِنْهُ كلَاما منظوماً وَيرى شخصا بشرياً (فَذَلِك هُوَ الْوَحْي) ، فيتصور فِي نَفسه الصافية صُورَة الْملقى، والملقى كَمَا يتَصَوَّر فِي الْمرْآة المجلوة صُورَة الْمُقَابل، فَتَارَة يعبر عَن ذَلِك المنتقش بِعِبَارَة العبرية وَتارَة بِعِبَارَة الْعَرَب، فالمصدر وَاحِد والمظهر مُتَعَدد، فَذَلِك هُوَ سَماع كَلَام الْمَلَائِكَة ورؤيتها.

وكل مَا عبر عَنهُ بِعِبَارَة قد اقترنت بِنَفس التَّصَوُّر فَذَلِك هُوَ آيَات الْكتاب.

وكل مَا عبر عَنهُ بِعِبَارَة نفسية فَذَلِك هُوَ إِخْبَار النُّبُوَّة

ص: 937

فَلَا يرجع هَذَا إِلَى خيال بذهن محسوس مشَاهد، لِأَن الْحسن تَارَة يتلَقَّى المحسوسات من الْحَواس الظَّاهِرَة، وَتارَة يتلقاها من المشاعر الْبَاطِنَة، فَنحْن نرى الْأَشْيَاء بِوَاسِطَة الْحس، وَالنَّبِيّ صلى الله عليه وسلم يرى الْأَشْيَاء بِوَاسِطَة قوى الْبَاطِنَة. وَنحن نرى ثمَّ نعلم، وَالنَّبِيّ يعلم ثمَّ يرى.

(ثمَّ إعلم أَن تعدد أَقسَام الْكَلَام وَاخْتِلَاف أَسْمَائِهِ من الْأَمر وَالنَّهْي وَغير ذَلِك لَيْسَ هُوَ لَهُ بِاعْتِبَار تعدد فِي نَفسه أَو اخْتِلَاف صِفَات فِي ذَاته ولذاته، بل هُوَ بِالنّظرِ إِلَى نَفسه من حَيْثُ هُوَ كَلَام وَاحِد وَذَلِكَ لَهُ لَيْسَ إِلَّا بِاعْتِبَار إضافات مُتعَدِّدَة وتعلقات متكثرة لَا توجب للمتعلق فِي ذَاته صفة زَائِدَة وَلَا تعدداً، وَهُوَ على نَحْو قَول الفيلسوف فِي المبدأ الأول حَيْثُ قضى بوحدته وَإِن تكثرت أسماؤه بِسَبَب سلوب وإضافات، وعَلى نَحْو مَا ينعكس على الأَرْض من الألوان الْمُخْتَلفَة من زجاجات مُخْتَلفَة الألوان بِسَبَب شروق الشَّمْس عَلَيْهَا ومقابلتها لَهَا، فَالْكَلَام فِي نَفسه معنى وَاحِد وَالِاخْتِلَاف فِيهِ إِنَّمَا يرجع إِلَى التعبيرات عَنهُ بِسَبَب تعلقه بالمعلومات، فَإِن كَانَ الْمَعْلُوم مَحْكُومًا بِفِعْلِهِ عبر عَنهُ، وَإِن كَانَ بِالتّرْكِ عبر عَنهُ بِالنَّهْي، وَإِن كَانَ لَهُ نِسْبَة إِلَى حَالَة مَا بِأَن كَانَ وجد بعد الْعَدَم أَو عدم بعد الْوُجُود أَو غير ذَلِك عبر عَنهُ بالْخبر، وعَلى هَذَا النَّحْو يكون انقسام الْكَلَام الْقَائِم بِالنَّفسِ فَهُوَ وَاحِد وَإِن كَانَت التعبيرات عَنهُ مُخْتَلفَة بِسَبَب اخْتِلَاف الاعتبارات. وَلم يجوزوا فِي بَاقِي الصِّفَات كَالْعلمِ والإرادة وَالْقُدْرَة وَالرُّجُوع

إِلَى معنى وَاحِد كَمَا فِي الْكَلَام بِأَن يُسمى إِرَادَة عِنْد تعلقه بالتخصيص فِي الْوُجُود. وَهَكَذَا سَائِر الصِّفَات حَتَّى يعود ذَلِك كُله إِلَى نفس الذَّات من غير احْتِيَاج إِلَى الصِّفَات، فَإِنَّهُ لما ثَبت القَوْل بِكَوْنِهِ سُبْحَانَهُ محيطاً بالموجودات وعالماً بهَا ومخصصاً لَهَا فِي وجودهَا وحدوثها وَثَبت لَهُ غير ذَلِك من الكمالات الْمعبر عَنْهَا بِالصِّفَاتِ فَهُوَ غَايَة مَا طلبناه) .

الْوسط: فِي الأَصْل هُوَ اسْم للمكان الَّذِي يَسْتَوِي إِلَيْهِ المساحة من الجوانب فِي المدور، وَمن الطَّرفَيْنِ فِي المطول كمركز الدائرة، ولسان الْمِيزَان من العمود، ثمَّ استعير للخصال المحمودة لوقوعها بَين طرفِي إفراط وتفريط. {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أمة وسطا} : يَعْنِي متباعدين عَن طرفِي الإفراط فِي كل الْأُمُور والتفريط، ثمَّ أطلق على المتصف بهَا مستوياً فِيهِ الْوَاحِد وَالْجمع والمذكر والمؤنث كَسَائِر الْأَسْمَاء الَّتِي يُوصف بهَا.

فِي " الْقَامُوس ": كل مَوضِع صلح فِيهِ (بَين) فَهُوَ بالتسكين وَإِلَّا فَهُوَ بِالتَّحْرِيكِ، وَلَا يَقع إِلَّا ظرفا تَقول:(جَلَست وسط الدَّار) ، بِالتَّحْرِيكِ والتسكين، إِلَّا أَن السَّاكِن متحرك والمتحرك سَاكن.

وَقيل: بِالسُّكُونِ اسْم الشَّيْء الَّذِي يَنْفَكّ عَن الْمُحِيط بِهِ جوانبه، تَقول:(وسْطَ رَأسه دهن) ، لِأَن الدّهن يَنْفَكّ عَن الرَّأْس.

وبالتحريك: اسْم الشَّيْء الَّذِي لَا يَنْفَكّ عَن

ص: 938

الْمُحِيط بِهِ جوانبه تَقول: (وسَطَ رَأسه صلب) لِأَن الصلب لَا يَنْفَكّ عَن الرَّأْس.

وَقيل: وسَطَ الرَّأْس وَالدَّار بِالتَّحْرِيكِ لكَونه بعض مَا أضيف إِلَيْهِ.

ووسْط الْقَوْم: بِالسُّكُونِ لكَونه غَيرهم.

والأوسط: الْخِيَار لقَوْله تَعَالَى: {أوسطهم} أَي: خيارهم، وَهُوَ فِي بَاب الْفَرد مَسْبُوق بِمثل مَا تَأَخّر عَنهُ لَا مَا هُوَ متوسط بَين عددين متساويين فَإِن الثَّانِي من الثَّلَاثَة متوسط وطرفاه ليسَا بعددين.

وَاخْتلف فِي الصَّلَاة الْوُسْطَى، وَمَا فِي حَدِيث " شغلونا عَن الصَّلَاة الْوُسْطَى " لَيْسَ المُرَاد بِهِ الْوُسْطَى فِي التَّنْزِيل.

الْوَعْد: الترجية بِالْخَيرِ، وَقد اشْتهر أَن الثلاثي من الْوَعْد يسْتَعْمل فِي الْخَيْر، والمزيد فِيهِ فِي الشَّرّ. وَلَيْسَ الْأَمر فَيجب أَن يعلم أَن ذَلِك فِيمَا إِذا أسقط الْخَيْر وَالشَّر بترك الْمَفْعُول رَأْسا كَمَا فِي قَوْله:

(وإنِّي وإنْ أَوْعَدْتُه أَوْ وَعَدْتُه

لَمخْلِفُ إيعادِي ومُنْجِزُ مَوْعِدِي)

وَقَالَ بَعضهم: أَوْعَد إِذا أُطلق فَهُوَ فِي الشَّرّ. وَأما وعد فَيُقَال: (وعده الْأَمر ووعده بِهِ) خيرا وشراً، فَإِذا أطلقا قيل فِي الْخَيْر: وعد، وَفِي الشَّرّ: أوعد. أَو حكما بجعله أمرا مُبْهما يحْتَمل الْخَيْر وَالشَّر، وَكَذَا الْمَزِيد فِيهِ. وَيُؤَيّد اسْتِعْمَال الإيعاد فِي الْخَيْر حَدِيث " إِن للشَّيْطَان لمة بِابْن آدم، وللملك لمة، فَأَما لمة الشَّيْطَان فإيعاد بِالشَّرِّ وَتَكْذيب بِالْحَقِّ، وَأما لمة الْملك فإيعاد بِالْخَيرِ

وتصديق بِالْحَقِّ ".

وَلما كَانَ الشَّأْن فِي الْوَعْد تقليل الْكَلَام هرباً من شَائِبَة الامتنان ناسبه تقليل حُرُوف فعله، بِخِلَاف الإيعاد فَإِن مقَام التَّرْهِيب يَقْتَضِي مزِيد التَّشْدِيد والتأكيد الأكيد فيناسبه تَكْثِير حُرُوف الْوَعيد.

وَأما الصفد والإصفاد فِي قَول القبعثري للحجاج فَالْمُنَاسِب بِحَال الْمضرَّة التقليل بِخِلَاف جَانب النَّفْع.

وأصل الْوَعْد إنْشَاء لإِظْهَار أَمر فِي نَفسه يُوجب سرُور الْمُخَاطب. وَمَا تعلق بِهِ الْوَعْد وَهُوَ الْمَوْعُود نَحْو: (لأكرمك) إِخْبَار. نَظِيره قَول النُّحَاة: (كَأَن) لإنشاء التَّشْبِيه مَعَ أَن مدخولها جملَة خبرية، وَقد جرت عَادَة الله سُبْحَانَهُ على أَن شفع وعده بوعيده لترجى رَحمته ويخشى عِقَابه، وَلَا خلف فِي خَبره بِدَلِيل {مَا يُبدل القَوْل لدي} . وَرُوِيَ عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم أَنه قَالَ:" من وعده الله على عمل ثَوابًا فَهُوَ منجز لَهُ، وَلَو وعده على عمل عقَابا فَهُوَ بِالْخِيَارِ إِن شَاءَ عَفا وَإِن شَاءَ عذبه ".

وَقيل: الْوَعْد حق عَلَيْهِ والوعيد حق لَهُ، وَمن أسقط حق نَفسه فقد أَتَى بالجود وَالْكَرم، وَمن أسقط حق غَيره فَذَلِك هُوَ اللؤم.

وَاعْلَم أَن تعكيس أَمر الْفَرِيقَيْنِ يجوز عقلا عَن الأشاعرة إِلَّا أَنه امْتنع وُقُوعه بِدَلِيل السّمع. وَأما عِنْد الْحَنَفِيَّة فَلَا يجوز ذَلِك عقلا أَيْضا إِلَّا إِذا أُرِيد بِالْمُؤْمِنِينَ الفَسَقَة المصرون على الذَّنب إِلَى أَن مَاتُوا كالكفار على مَا ذهب إِلَيْهِ الْمُعْتَزلَة من تأبيد

ص: 939

عَذَابهمْ، إِذْ لَا مَانع من ذَلِك أَيْضا عقلا، وَالْعَفو عَن الْكفْر لَا يجوِّزه الْعقل إِذْ تَعْذِيب الْكفَّار وَاقع لَا محَالة فَيكون وُقُوعه على وَجه الْحِكْمَة، فالعفو عَنْهُم على خلاف الْحِكْمَة فَيجب تَنْزِيه أَفعاله تَعَالَى عَنهُ.

الْوَقْف: وقف يتَعَدَّى وَيلْزم، وَإِذا كَانَ بِمَعْنى (حبس) و (منع) فَهُوَ مُتَعَدٍّ ومصدره الْوَقْف، وَأما اللَّازِم فمصدره الْوُقُوف.

وَالْوَقْف الاختباري بِالْمُوَحَّدَةِ التَّحْتِيَّة مُتَعَلّقه الرَّسْم لبَيَان الْمَقْطُوع من الْمَوْصُول، وَالثَّابِت من الْمَحْذُوف، وَالْمَجْرُور من المربوط.

والاضطراري يكون عِنْد ضيق النَّفس وَعند الْقَيْء.

والاختياري، بِالْمُثَنَّاةِ التَّحْتِيَّة يَنْقَسِم إِلَى التَّام وَالْكَافِي وَالْحسن.

قَالَ الْقُسْطَلَانِيّ: الْوَقْف كَامِل وتام وَحسن وناقص، وَهُوَ الَّذِي يُسمى قبيحاً لِأَنَّهُ إِمَّا أَن يتم أَو لَا، الثَّانِي النَّاقِص. وَالْأول إِمَّا أَن يَسْتَغْنِي عَن تاليه أَو لَا، الثَّانِي إِمَّا أَن يتَعَلَّق بِهِ من جِهَة الْمَعْنى فالكافي، أَو من جِهَة اللَّفْظ فالحسن، وَالْأول إِمَّا أَن يكون استغناؤه كلياً أَو لَا. الأول الْكَامِل وَالثَّانِي التَّام [فالوقف على (بِسم) قَبِيح، وعَلى (بِسم الله) أَو على (بِسم الله الرَّحْمَن) حسن كَاف، وعَلى التَّمام تَامّ] .

قَالَ بَعضهم: الْوَقْف على كل كَلَام لَا يفهم بِنَفسِهِ نَاقص، وعَلى كل كَلَام مَفْهُوم الْمعَانِي إِلَّا أَن مَا بعده يكون مُتَعَلقا بِمَا قبله يكون كَافِيا، وعَلى كل

كَلَام تَامّ يكون مَا بعده مُنْقَطِعًا عَنهُ يكون كلَاما تَاما. وَحكم الْقَبِيح أَن لَا يفعل إِلَّا لضَرُورَة النّفَس ويعاد. وَحكم الْحسن أَن يجوز الْوَقْف بِلَا ضَرُورَة لَكِن يُعَاد. وَحكم الْكَافِي جَوَاز أَن لَا يُعَاد. والتام يجب فِيهِ الْوَقْف وَعدم الْإِعَادَة.

حكى ابْن برهَان النَّحْوِيّ عَن أبي يُوسُف القَاضِي صَاحب أبي حنيفَة أَنه ذهب إِلَى أَن تَقْدِير الْمَوْقُوف عَلَيْهِ من الْقُرْآن بالتام والناقص وَالْحسن والقبيح وتسميته بذلك بِدعَة ومتعمد الْوُقُوف على نَحوه مُبْتَدع، قَالَ: لِأَن الْقُرْآن معْجزَة فَهُوَ كالقطعة الْوَاحِدَة فكله قُرْآن وَبَعضه قُرْآن وَكله تَامّ حسن وَبَعضه حسن.

[وَالْوَقْف على السّكُون هُوَ الْأَدَب فِي لُغَة الْعَرَب، وعَلى الْحَرَكَة خطأ الْعَامَّة] .

الوطن: هُوَ منزل الْإِقَامَة، والوطن الْأَصْلِيّ مولد الْإِنْسَان أَو الْبَلدة الَّتِي تأهل فِيهَا.

ووطن الْإِقَامَة: هُوَ الْبَلدة أَو الْقرْيَة الَّتِي لَيْسَ للْمُسَافِر فِيهَا أهل وَنوى أَن يُقيم فِيهِ خَمْسَة عشر يَوْمًا فَصَاعِدا.

ووطن السُّكْنَى: هُوَ الْمَكَان الَّذِي يَنْوِي الْمُسَافِر أَن يُقيم فِيهِ أقل من خَمْسَة عشر يَوْمًا.

الوَلاية، بِالْفَتْح: بِمَعْنى النُّصْرَة والتولي. وبالكسر: بِمَعْنى السُّلْطَان وَالْملك. أَو بِالْكَسْرِ فِي الْأُمُور، وبالفتح فِي الدّين يُقَال:(هُوَ وَال على النَّاس) أَي مُتَمَكن الْولَايَة بِالْكَسْرِ، (وَهُوَ ولي الله تَعَالَى) أَي بَيَّن الْولَايَة بِالْفَتْح، أَو هما لُغَتَانِ.

ص: 940

وَالْوَلِيّ: قد يضعف عَن النُّصْرَة.

والنصير: قد يكون أَجْنَبِيّا من الْمَنْصُور.

وَالْولَايَة الْخَاصَّة أقوى من الْولَايَة الْعَامَّة.

ووليته أليه وليا: دَنَوْت مِنْهُ.

وأوليته إِيَّاه: أدنيته مِنْهُ.

وَالْوَلَاء، بِالْكَسْرِ: الْمُتَابَعَة. (وَشرعا: مُتَابعَة فعل بِفعل وبالفتح، لُغَة: الْقَرَابَة) .

وَشرعا: التناصر.

وَالْوَلَاء كالنسب يقْصد بِهِ التناصر والتعاون.

وَوَلَاء الْمُوَالَاة كولاء الْعتَاقَة، وَلَا يخْتَلف الْوَلَاء بالواسطة بل يثبت للْمُعْتق وعصبته ثبوتاً وَاحِدًا يصير الْعصبَة بعده كَأَنَّهُ هُوَ الْمُعْتق لَا أَنه يثبت للْمُعْتق أَولا ثمَّ ينْتَقل ويستحقه بِالْإِرْثِ وَلِهَذَا لَا تَرث النِّسَاء بِالْوَلَاءِ بِخِلَاف الْقَرَابَة لِأَنَّهَا تخْتَلف بالواسطة، أَلا ترى أَنَّهَا تخْتَلف أساميها باخْتلَاف الوسايط.

الورى، بِالْقصرِ: الْمَخْلُوق.

و [الوراء] بِالْمدِّ: اسْم لما توارى عَنْك أَي استتر، فالقدام وَالْخلف متوارٍ عَنْك.

(عَسَى الكَرْبُ الَّذِي أَمْسَيْتُ فِيهِ

يكونُ وَرَاءه فَرَجٌ قَرِيبُ)

وكل مَا كَانَ خلفا يجوز أَن يَنْقَلِب قداماً وَبِالْعَكْسِ لِأَنَّك مُسْتَقْبل الْمُسْتَقْبل ومستدبر الْمَاضِي.

قَالَ الْأَزْهَرِي: (وَرَاء) يصلح لما قبله وَلما بعده لَا لِأَنَّهُ وضع لكل مِنْهُمَا على حِدة، بل لِأَن مَعْنَاهُ مَا توارى عَنْك، أَي استتر وَهُوَ مَوْجُود فيهمَا. وَهُوَ

مُخْتَار صَاحب " الْكَشَّاف ". [وَلَا فرق بَين (من وَرَائه) و (وَرَاءه) بل كِلَاهُمَا ظرف ك (صليت من خلف الإِمَام، وَخَلفه) و (من قبل الْيَوْم) ، و (قبله) وَمِنْهُم من فرق بَين إِثْبَات (من) وإسقاطها فِي قَوْله تَعَالَى: {يُنَادُونَك من وَرَاء الحجرات} بِأَن فِي صُورَة الْإِسْقَاط يجوز أَن يجمع الوراء المنادى والمنادي وَلَا يجوز ذَلِك فِي صُورَة الْإِثْبَات لِأَن الوراء بِدُخُول (من) صَار مبدأ الْغَايَة وَلَا بُد أَن يخْتَلف المبدأ والمنتهى بالجهة. وَلَا يخفى عَلَيْك أَن المبدأ والمنتهى إِن كَانَ المنادى والمنادي فقد جَازَ أَن يجمعهما الوراء فِي كلتا الصُّورَتَيْنِ لتغاير المبدأ والمنتهى، وَإِن كَانَ الْجِهَة فَهِيَ إِمَّا ذَات الْأَجْزَاء أَو عديمة الْأَجْزَاء، فذات الْأَجْزَاء جَازَ أَن يجمعها أثبت (من) أَو أسقط بِاعْتِبَار أَجزَاء الْجِهَة، وَأما عديمة الْأَجْزَاء فَلَا يجوز أَن يجمعهما مُطلقًا لِاتِّحَاد المورد. وَقَوله تَعَالَى] : {وَكَانَ وَرَاءَهُمْ ملك يَأْخُذ كل سفينة غصبا} أَي: أمامهم. و (الْمَوْت وَرَاء كل أحد) : أَي أَمَامه. ولَيْسَ وَرَاءَ اللهِ لِلْمَرءِ مَطْلَبُ أَي بعده. قَالَه الْأَنْبَارِي.

وَفِي " أنوار التَّنْزِيل ": (وَرَاء) فِي الأَصْل مصدر جعل ظرفا ويضاف إِلَى الْفَاعِل فيراد بِهِ مَا يتَوَارَى بِهِ وَهُوَ خَلفه، وَإِلَى الْمَفْعُول فيراد بِهِ مَا يواريه وَهُوَ قدامه وَلَكِن عُدَّ من الأضداد.

الوسوسة: القَوْل الْخَفي لقصد الإضلال من وسوس إِلَيْهِ ووسوس لَهُ، أَي فعل الوسوسة لأَجله، وَهِي حَدِيث النَّفس والشيطان بِمَا لَا نفع

ص: 941

فِيهِ وَلَا خير كالوسواس بِالْكَسْرِ. وَالِاسْم بِالْفَتْح: يُقَال لما يَقع فِي النَّفس من عمل الشَّرّ، وَمَا لَا خير فِيهِ وسواس، وَلما يَقع من عمل الْخَيْر إلهام، وَلما يَقع من الْخَوْف إيجاس، وَلما يَقع من تَقْدِير نيل الْخَيْر أمل، وَلما يَقع من تَقْدِير لَا على انسان وَلَا لَهُ خاطر.

الْوَصْف: هُوَ وَالصّفة مُتَرَادِفَانِ عِنْد أهل اللُّغَة، وَالْهَاء عوض عَن الْوَاو كالوعد وَالْعدة. وَعند الْمُتَكَلِّمين: الْوَصْف كَلَام الواصف.

وَالصّفة: هِيَ الْمَعْنى الْقَائِم بِذَات الْمَوْصُوف.

وَالْوَصْف الْفعْلِيّ: مَا يكون مَفْهُومه ثَابتا للمتبوع نَحْو: (مَرَرْت بِرَجُل كريم) .

وَالْوَصْف السببي: مَا يكون مَفْهُومه ثَابتا لأمر مُتَعَلق بمتبوعه نَحْو: (مَرَرْت بِرَجُل كريم أَبوهُ) .

وَالْوَصْف السببي دَاخل فِي الْوَصْف الحالي، وراجع إِلَيْهِ فِي التَّحْقِيق، فَإِن معنى قَوْلك:(مَرَرْت بِرَجُل كثير عدوه) مَرَرْت بِرَجُل خَائِف لِأَنَّهُ كثير الْعَدو، فالمذكور فِي معرض السَّبَب لَهُ فَهُوَ من بَاب وضع السَّبَب مقَام الْمُسَبّب لوضوحه. قَالَ الله تَعَالَى:{لقد جَاءَكُم رَسُول من أَنفسكُم عَزِيز عَلَيْهِ مَا عنتم} أَي رَسُول مُشفق فِي حقكم لِأَنَّهُ يصعب عَلَيْهِ عنتكم، وَقس على الْمَذْكُور الْمَتْرُوك.

وَالْوَصْف على مَا حققوا على نَوْعَيْنِ: وصف لَا يكون دَاعيا إِلَى الْيَمين، وَوصف يكون دَاعيا إِلَيْهَا. فالوصف لَغْو فِي النَّوْع الأول دون الثَّانِي، فَفِي حلفه لَا يكلم هَذَا الشَّاب فَكَلمهُ شَيخا

يَحْنَث، وَلَا يعْتَبر وصف الشَّبَاب بل المُرَاد الشَّخْص الْمشَار إِلَيْهِ. وَفِي (لَا يكلم شَابًّا) فَكَلمهُ شيخاُ لَا يَحْنَث لِأَن شَرط الْحِنْث وصف الشَّبَاب وَهُوَ غَائِب وَالْوَصْف مُعْتَبر فِي الْغَائِب. وَفِي (لَا يَأْكُل من هَذَا الْبُسْر) فَأكل تَمرا، أَو (من هَذَا اللَّبن) فَأكل شيرازاً لَا يَحْنَث فَإِن الْوَصْف فِي هَذِه الْمسَائِل من النَّوْع الثَّانِي فَلَا يكون لَغوا، وَإِن كَانَ الْوَصْف فِي الْحَاضِر غير مُعْتَبر، وَالْمرَاد بِالْوَصْفِ لَيْسَ صفة عرضية قَائِمَة بجوهور كالشباب والشيخوخة وَنَحْوهمَا بل يتَنَاوَل جوهراً قَائِما بجوهر آخر يزِيد قِيَامه بِهِ حسنا لَهُ وكمالاً، وَيُورث انتاقصه عَنهُ قبحاً لَهُ ونقصاناً. وَفِي بعض شُرُوح " الْهِدَايَة ": مَا يتعيب بالتنقيص فَهُوَ وصف، وَمَا لم يتعيب بِهِ فَهُوَ أصل.

وَالْوَصْف الْعَام فِي تَحْصِيل مدخوله كالمعرف بِاللَّامِ، فَكَمَا أَن الْمُعَرّف بلام الْجِنْس عَام متناول للأفراد كَذَلِك الْمَوْصُوف بِالْوَصْفِ الْعَام، وكما أَنه شَامِل لما تَحْتَهُ كَذَلِك هُوَ، اللَّهُمَّ إِلَّا أَن يكون الْمَوْصُوف لَا يحْتَمل التَّعَدُّد ك (إِلَّا رجلا وَاحِدًا كوفياً) فَحِينَئِذٍ لَا تَعْمِيم فِيهِ.

(الود: وددت الرجل - من بَاب علمت - إِذا أَحْبَبْت. و (وددت أَن ذَاك كَانَ لي) إِذا تمنيته فَأَنا أود فيهمَا جَمِيعًا. والماضي والمستقبل فِي سِيَاق (ودّ) سيان يُقَال: (وددت أَن يكون كَذَا، وددت لَو كَانَ كَذَا)، وَيُقَال أَيْضا:(يود لَو)، وَلَا يُقَال:(يحب لَو) لِأَن مَفْهُوم (ودّ) لَيْسَ مُطلق الْمحبَّة بل الْمحبَّة الَّتِي يقارنها التَّمَنِّي، وَتلك

ص: 942

الْمُقَارنَة هِيَ شَرط اسْتِعْمَالهَا على الأَصْل، فَلَا تذكر بِدُونِ (لَو) الدَّالَّة على الشَّرْط الْمَذْكُور إِلَّا إِذا توسع وجردت عَن الشَّرْط الْمَذْكُور واستعملت فِي معنى مُطلق الْمحبَّة) .

الْوَهم: (فِي الْقَامُوس) : هُوَ من خطرات الْقلب أَو مَرْجُوح طرفِي المتردد فِيهِ، وَهُوَ عبارَة عَمَّا يَقع فِي الْحَيَوَان من جنس الْمعرفَة من غير سَبَب مَوْضُوع للْعلم، وَهُوَ أَضْعَف من الظَّن، ومعرفتهما تتَوَقَّف على معرفَة حكم الْقلب، وَذَلِكَ أَن الْقلب إِن كَانَ جَازِمًا بِحكم الشَّيْء إِيجَابا أَو سلباً وَلم يُطَابق كَانَ جهلا، وَإِن طابق وَلم يكن حكمه بِدَلِيل مُوجب كَانَ تقليداً، وَإِن كَانَ بِدَلِيل مُوجب عَقْلِي أَو حسي أَو مركب مِنْهُمَا كَانَ علما وَإِن لم يكن الْقلب جَازِمًا بذلك الحكم، فَإِن اسْتَوَى الطرفان كَانَ شكا، وَإِلَّا كَانَ الرَّاجِح ظنا والمرجوح وهما، وَكَثِيرًا مَا يسْتَعْمل الْوَهم فِي الظَّن الْفَاسِد اسْتِعْمَال الْعلم فِي الظَّن الْغَالِب كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى:{فَإِن علمتموهن مؤمنات فَلَا ترجعوهن إِلَى الْكفَّار} وَالْمرَاد من الْعلم هُنَا الظَّن الْغَالِب بِالْإِيمَان.

[وَالوهم لَا يدْرك الْكُلِّي إِلَّا بعد إِدْرَاك الْعقل إِيَّاه فيدركه على وَجه الانعكاس من الْعقل. وَذكر بعض الْمُحَقِّقين أَن مدرك الجزئيات والكليات هُوَ النَّفس إِلَّا أَنَّهَا تدْرك الجزئيات بِآلَة الْوَهم والكليات بِالْقُوَّةِ الْعَقْلِيَّة لَكِن الْفُقَهَاء بالحس وَالوهم ومدركاتها أَكثر وَكَثِيرًا مَا يحكم على المعقولات الْمُجَرَّدَة بِأَحْكَام المحسوسات فَلَا جرم

يَقع الْغَلَط فالمعارضة بَين الْوَهم وَالْعقل إِنَّمَا تنشأ من انجذاب النَّفس إِلَى اسْتِعْمَال آلَة الْوَهم دون الْعقل أَو بِالْعَكْسِ] .

وفرقٌ بَين الموهوم والمتوقع فَإِن الموهوم نَادِر الْوُقُوع، وَلِهَذَا لم يعْتَبر فِي تَأْخِير حق الْمُدَّعِي، كَمَا إِذا أثبت الدّين على العَبْد حَتَّى بيع فِيهِ يدْفع الثّمن إِلَى الْمُدَّعِي بِغَيْر كَفِيل وَإِن كَانَ حُضُور غَرِيم آخر فِي حق العَبْد متوقعاً لِأَن الثَّابِت قطعا أَو ظَاهرا لَا يُؤَخر لأمر موهوم بِخِلَاف المتوقع فَإِنَّهُ كثير الْوُقُوع، فَيعْتَبر فِي تَأْخِير الحكم إِلَى إِقَامَة الْبَيِّنَة كَمَا إِذا ادّعى الْمُسْتَحق مَعَ إِقْرَار الْمُسْتَحق عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ جَازَ للْمُسْتَحقّ عَلَيْهِ إِقَامَة الْبَيِّنَة ليتَمَكَّن من الرُّجُوع على بَائِعه. وَكَذَا كل مَوضِع يتَوَقَّع الضَّرَر من غير الْمقر لَوْلَا الْبَيِّنَة جَازَ إِقَامَتهَا مَعَ الْإِقْرَار فِيهِ كإقرار أحد الْوَرَثَة بدَيْن على الْمَيِّت، وَالْمُدَّعى عَلَيْهِ بِالْوكَالَةِ والوصاية دفعا للضَّرَر والتعدي.

ووهِمت فِي الْحساب، بِالْكَسْرِ أوهم وهما: غَلطت فِيهِ وسهرت.

ووهَمت فِي الشَّيْء، بِالْفَتْح أهم وهما: ذهب وهمي إِلَيْهِ وَأَنا أُرِيد غَيره.

الوجد: وجدت فِي المَال وُجْداً بِضَم الْوَاو. وَفِي الْغَنِيّ جِدة بِكَسْر الْجِيم.

وَوجدت الضَّالة وجداناً.

وَوجدت فِي الْحبّ وَجْداً، بِالْفَتْح.

والوجَد كالطلب مصدر وجدت بِمَعْنى اسْتَغْنَيْت، وَكَذَا الجِدَة كالصِّغَر.

ص: 943

والمَوْجَدَة مصدر وجدت بِمَعْنى غضِبت، وَكَذَا الوجدان. وَهَذِه الثَّلَاثَة غير متعدية.

وَوجدت بِمَعْنى صادفت: يتَعَدَّى إِلَى وَاحِد كالظن بِمَعْنى التُّهْمَة، وَالْعلم بِمَعْنى الْمعرفَة، والرؤية بِمَعْنى الإبصار والإصابة وَالنَّظَر والفكر.

والوجود مصدر (وجد الشَّيْء) على صِيغَة الْمَجْهُول كَمَا مر. ومصدر الْمَعْلُوم الوجد بِمَعْنى المصادفة.

وَفِي " الرضي ": وجد لإصابة الشَّيْء على صفة.

وَمن خَصَائِص أَفعَال الْقُلُوب أَنَّك إِذا وجدته على صفة لزم أَن تعلمه عَلَيْهَا بعد أَن لم يكن مَعْلُوما.

الْوَدِيعَة: فعيلة بِمَعْنى مفعولة بتاء النَّقْل إِلَى الاسمية من (ودع ودعا) إِذا ترك، وَكِلَاهُمَا مُسْتَعْمل فِي الْقُرْآن والْحَدِيث كَمَا قَالَه ابْن الْأَثِير فَلَا يَنْبَغِي أَن يحكم بشذوذهما.

الوكر: هُوَ مَا يَتَّخِذهُ الطير للتفريخ فِي جِدَار أَو جبل أَو نَحْوهمَا.

والعش: هُوَ مَا يَتَّخِذهُ من دقائق العيدان وَغَيرهَا فِي أفنان الْأَشْجَار.

والكناس: للظبي.

والعِرِّيس: للأسد.

والقرية: للنمل.

والجحر: بِتَقْدِيم الْجِيم: لليربوع.

الخلية: للنحل.

الوعي: هُوَ أَن تحفظ فِي نَفسك الشَّيْء.

والإيعاء: هُوَ أَن تحفظ فِي غَيْرك.

والوعاية: أبلغ من الْحِفْظ لِأَنَّهُ يخْتَص بالباطن، وَالْحِفْظ يسْتَعْمل فِي حفظ الظَّاهِر.

ووعيت الْعلم، وأوعيت الْمَتَاع فِي الْوِعَاء أوعيه. والوقاية كالوعاية من وقى يقي يتَعَدَّى إِلَى اثْنَيْنِ. {ووقاهم عَذَاب الْجَحِيم} : وَاتَّقَى يتَعَدَّى إِلَى وَاحِد.

الْوُقُوع: السُّقُوط، من وَقع يَقع.

وَوَقع القَوْل عَلَيْهِم: وَجب. وَالْحق: ثَبت، وَالربيع بِالْأَرْضِ: حصل. والوقوع فِيهِ قد يُرَاد بِهِ الْوُجُود مَعَه فَإِنَّهُ إِذا قيل: (جَاءَ زيد أمس) مَعْنَاهُ أَن وجود الْمَجِيء مُقَارن بِجُزْء من أَجزَاء أمس.

والوقعة بِالْحَرْبِ: صدمة بعد صدمة، وَالِاسْم الوقيعة والواقعة.

ووقائع الْحَرْب: أَيَّام حروبها.

والواقعة: النَّازِلَة الشَّدِيدَة وَالْقِيَامَة وَجمعه واقعات.

والوقائع: جمع وقيعة كالعقائد جمع عقيدة، وَهِي الحروب.

الْوَرع: الاحتناب عَن الشُّبُهَات سَوَاء كَانَ تحصيلاً أَو غير تَحْصِيل، إِذْ قد يفعل الْمَرْء فعلا تورعاً وَقد يتْركهُ تورعاً أَيْضا وَيسْتَعْمل بِمَعْنى التَّقْوَى وَهُوَ الْكَفّ عَن الْمُحرمَات القطعية.

(الْوَلَد: هُوَ فعل بِمَعْنى مفعول يتَنَاوَل الذّكر وَالْأُنْثَى من الابْن وَابْن الابْن وَإِن سفل، وَالْبِنْت

ص: 944

وَبنت الْبِنْت وَإِن سفلت أَيْضا) ، لِأَنَّهُ مُشْتَقّ من التولد. وَكَذَا يتَنَاوَل الْوَاحِد والمتعدد لِأَنَّهُ اسْم جنس لمولود غير صفة.

وَأما الْوَالِد وَهُوَ عنصر الْوَلَد الْمُنْفَصِل بانفصال مادته عَنهُ فَهُوَ صفة يَجِيء مُؤَنّثَة وَالِدَة، وَفِي تنَاوله للوالدة كَلَام سَوَاء كَانَت لَهُ أَو لِأَبِيهِ، فَإِن أُرِيد بِهِ ذَات لَهُ ولد أَو بِمَعْنى (ذُو كَذَا) ك (تامر) و (لابنٍ) فَيتَنَاوَل الْأُم أَيْضا، أَو مِمَّا يَكْتَفِي بِأحد الضدين عَن الآخر كَمَا فِي {سرابيل تقيكم الْحر} .

الْوَقْت، لُغَة: الْمِقْدَار من الدَّهْر، وَأكْثر مَا يسْتَعْمل فِي الْمَاضِي كالميقات، وَنِهَايَة الزَّمَان الْمَفْرُوض لعمل، وَلِهَذَا لَا يكَاد يُقَال إِلَّا مُقَيّدا.

وَشرعا: مَا عين الشَّارِع لأَدَاء الصَّلَاة فِيهِ من زمَان هُوَ للفجر من الصُّبْح إِلَى الطُّلُوع، وللظهر وَالْجُمُعَة من الزَّوَال إِلَى صيرورة الظل مثلَيْهِ وَهُوَ الْمُخْتَار؛ وللعصر مِنْهُ إِلَى الْغُرُوب، وللمغرب مِنْهُ إِلَى الْحمرَة، وللعشاء مِنْهُ لَو وجد الْوَقْت وإلاّ سَقَط، وَقيل يقدر، وللوتر التَّأْخِير إِلَى الصُّبْح، لَكِن الشَّرْط للْأَدَاء هُوَ الْجُزْء الأول من الْوَقْت لَا كل الْوَقْت، فَإِنَّهُ سَبَب الْوُجُود إِن خرج الْفَرْض من وقته، وَإِلَّا فالجزء الْمُتَّصِل بِالشُّرُوعِ لَا مُطلق الْوَقْت فَإِنَّهُ ظرف للمؤدى، فَيَقَع الْأَدَاء فِي أَي جُزْء مِنْهُ.

وَالْوَقْت فِي غير الْمُقدر بِالْوَقْتِ من الْأَفْعَال ظرف، فَيشْتَرط وجود الْفِعْل فِي جُزْء من الْوَقْت، فَفِي:

(إِن تزوجت هَذِه السّنة) يَحْنَث بالتزوج فِي بَعْضهَا لِأَنَّهُ غير ممتد، فَلَا يكون مُقَدرا بِالْوَقْتِ. وَفِي الْمُقدر معيار للْفِعْل الْمُقدر بِهِ، فَيكون الشَّرْط اسْتِيعَاب الْفِعْل جَمِيع الْوَقْت كَمَا فِي:(إِن أَقمت هَذِه السّنة) ؛ حَيْثُ لَا يَحْنَث إِلَّا بِالْإِقَامَةِ فِي جَمِيعهَا لِأَن الْإِقَامَة مِمَّا يَمْتَد فَتكون مقدرَة بِالْوَقْتِ. وتحديد الْأَوْقَات كالتوقيت. و {كتابا موقوتا} : أَي مَفْرُوضًا فِي الْأَوْقَات.

الوُصلة، بِالضَّمِّ: الِاتِّصَال، وكل مَا اتَّصل بِشَيْء فَمَا بَينهمَا وُصْلة وَالْجمع (وُصَل) ك (صُرَد) .

وَلَيْلَة الْوَصْل: آخر ليَالِي الشَّهْر.

وحرف الْوَصْل: هُوَ الَّذِي يكون بعد الروي سمي بِهِ لِأَنَّهُ وصل حَرَكَة حرف الروي.

الويل: كلمة دُعَاء بِالْهَلَاكِ وَالْعَذَاب، وَهِي فِي الأَصْل مصدر لم يسْتَعْمل لَهُ فعل، يُقَال: ويل لزيد، وويلاً لَهُ بِالرَّفْع على الِابْتِدَاء وَالنّصب بإضمار الْفِعْل، وَأما إِذا أضيف فَلَيْسَ لَهُ إِلَّا النصب، يُقَال: ويلاً لمن وَقع فِيهِ، وويل فلَان أَي: الخزي لَهُ.

وويس: استصغار.

وويح: ترحم.

وويه، تندم وتعجب.

الْوَاسِع: هُوَ ضد الضّيق. وَفِي الْأَسْمَاء الْحسنى

ص: 945

بِمَعْنى الْعَطاء الَّذِي يسع لما يسْأَل، وَالْمُحِيط بِكُل شَيْء، وَالَّذِي وسع رزقه جَمِيع خلقه وَرَحمته كل شَيْء، وَيُقَال: وسعت رَحْمَة الله كل شَيْء، وَلكُل شَيْء، وعَلى كل شَيْء.

والوسع رَاجع إِلَى الْفَاعِل والإمكان إِلَى الْمحل، وَقد يكونَانِ مترادفين بِحَسب مُقْتَضى الْمقَام.

الْوَارِث: الْبَاقِي بعد فنَاء الْخلق " واجعله الْوَارِث مني ": أَي أبقه معي حَتَّى أَمُوت.

وَالْوَارِث أَيْضا خلاف المنتمي إِلَى الْمَيِّت الْحَقِيقِيّ اَوْ الْحكمِي بِنسَب أَو حَقِيقَة أَو حكما فِي مَاله وَحقه الْقَابِل للخلافة بعد مَوته أَو فِي آخر عمره أَو مَعَ مَوته.

والوراثة أقوى لفظ مُسْتَعْمل فِي التَّمْلِيك والاستحقاق من حَيْثُ إِنَّهَا لَا تعقب بِفَسْخ وَلَا استرجاع وَلَا تبطل بردة وَلَا إِسْقَاط.

وَورث يتَعَدَّى ب (من) مثل: {يَرث من آل يَعْقُوب} . وبنفسه إِلَى مفعول وَاحِد، مثل:{يَرِثنِي} ، وَإِلَى مفعولين مثل:(وَرثهُ مَالا) .

الْوضُوء، بِالضَّمِّ: مصدر، وبالفتح: المَاء الَّذِي يتَوَضَّأ بِهِ [وَهُوَ لَيْسَ بِعبَادة مَقْصُودَة، بل هُوَ شَرط للصَّلَاة، وَلَا يُمكن أَن يكون شَيْء من أَجْزَائِهِ وَاجِبا بِعَيْنِه بِمَعْنى أَنه يَأْثَم تَاركه بل لأجل الصَّلَاة بِمَعْنى أَنه لَا تجوز الصَّلَاة إِلَّا بِهِ] .

تعبّدَ بِهِ قبل الْهِجْرَة وَالتَّيَمُّم بعْدهَا. وَالْحكمَة فِي نزُول آيَة الْوضُوء مَعَ تقدم الْعَمَل بِهِ ليَكُون فَرْضه

متلواً بالتنزيل.

الْوزان، بِالْكَسْرِ: فِي الأَصْل مصدر وازن، وَقد يُطلق على مَا يُوزن بِهِ، وَهُوَ مُخْتَار السَّيِّد. وَقد يُطلق على النظير بِاعْتِبَار كَون الْمصدر بِمَعْنى الْفَاعِل، وَقد يُطلق على مرتبَة الشَّيْء إِذا كَانَ مُتَسَاوِيا.

وَفِي قَوْلهم: (وزان هَذَا وزان ذَاك) نوع خَفَاء كَمَا فِي اسْتِعْمَال (يحذي بهَا حَذْو فلَان) بِالْيَاءِ:

(والوَزْنَ حَقُّ وهُمَا عَدْلان

والحِرصُ يُعْقِبُه الحِرمان)

وَالْوَزْن مظروف وَالْمِيزَان ظرف، وَذكر الْمِيزَان بِلَفْظ الْمُفْرد فِي النّظم اعْتِبَارا بالمحاسب، وبلفظ الْجمع اعْتِبَارا بالمحاسبين.

الْوتر، وَيفتح: الْفَرد، أَو مَا لم يشفع من الْعدَد.

والوتيرة: الطَّرِيقَة.

الوَقْر، بِالْفَتْح: الثّقل فِي الْأذن: وبالكسر: حمل البغال وَالْحمير.

والوِسْق: حِمْل الْبَعِير.

الْوَسِيلَة: التوسل إِلَى الشَّيْء برغبة أخص من (الوصيلة) لتضمنها معنى الرَّغْبَة.

الوليدة: هِيَ مُخْتَصَّة بالإماء على عَامَّة كَلَامهم.

واللِّدَة: مُخْتَصَّة بالأتراب يُقَال: (فلَان لِدَة فلَان وتِرْبُه) .

الوَقود: بِالْفَتْح: مَا يُوقد بِهِ النَّار. وبالضم

ص: 946

التهابها وَهُوَ مصدر، وَالْأول اسْم.

يُقَال للحطب المشتعل نَارا وقود وبدونها حطب [قَالَ سِيبَوَيْهٍ رحمه الله: الْوقُود (بِالضَّمِّ) فِي الْمصدر أَكثر مِنْهُ بِالْفَتْح، وَأما الْحَطب فبالفتح وَحده، وَنَظِيره الطّهُور وَالْوُضُوء] .

الْوَجِيز: هُوَ مَا قل لَفظه وَكثر مَعْنَاهُ.

والبسيط: مَا كثر لَفظه وَمَعْنَاهُ.

الوبال: الضَّرَر، وَأَصله الثّقل، وَمِنْه الوبيل لطعام مثقل على الْمعدة.

والوابل: الْمَطَر الثقيل القطار.

الوِزْر: الذَّنب، والوزير إِمَّا من الوِزر لِأَنَّهُ يحمل الثّقل عَن أميره، أَو من الوَزَر وَهُوَ الملجأ لِأَن الْأَمِير يعتصم بِرَأْيهِ ويلتجئ إِلَيْهِ فِي أُمُوره

الْوَكِيل: اسْم للتوكيل فِي (وكلته لكذا) إِذا فوض إِلَيْهِ ذَلِك، وَهُوَ إِظْهَار الْعَجز والاعتماد على الْغَيْر. وَالِاسْم: التكلان؟ وَهُوَ فعيل بِمَعْنى مفعول لِأَنَّهُ موكول إِلَيْهِ الْأَمر أَي: مفوض إِلَيْهِ.

وَفِي اصْطِلَاح الْفُقَهَاء: عبارَة عَن إِقَامَة الْإِنْسَان غَيره مقَام نَفسه فِي تصرف مَعْلُوم، وَقَوْلهمْ: الْوكَالَة حفظ، وَالْوَكِيل حفيظ مجَاز بعلاقة السَّبَبِيَّة. وَيُطلق الْوَكِيل على الْجمع والمؤنث.

[وَحَدِيث: " مَنْ طلب الْقَضَاء وُكِلَ إِلَى نَفسه، وَمن أُجبر عَلَيْهِ نزل عَلَيْهِ مَلَكٌ يسدده "؛ (وُكِل

فِيهِ) بِالتَّخْفِيفِ. أَي فوض أمره إِلَيْهِ] .

الوله، محركة: الْحزن، أَو ذهَاب الْعقل حزنا، والحيرة، وَالْخَوْف.

والوَلْهان: شَيْطَان يغري بِكَثْرَة صب المَاء فِي الْوضُوء.

الْوَجْه: هُوَ مُسْتَقْبل كل شَيْء وَنَفس الشي.

وَمن الدَّهْر أَوله.

وَمن النَّجْم مَا بدا لَك مِنْهُ.

وَمن الْكَلَام السَّبِيل الْمَقْصُود.

وَسيد الْقَوْم.

وَالْقَصْد وَالنِّيَّة: {إِنِّي وجهت وَجْهي للَّذي فطر السَّمَاوَات وَالْأَرْض} .

والمَرضاة: {إِنَّمَا نطعمكم لوجه الله} .

قَالَ السَّيِّد السَّنَد: الْوَجْه وضع فِي اللُّغَة للجارحة الْمَخْصُوصَة حَقِيقَة، وَلَا يجوز إرادتها فِي حَقه تَعَالَى، وَلم يوضع لصفة أُخْرَى مَجْهُولَة لنا، بل لَا يجوز وَضعه لما لَا يتعقله الْمُخَاطب، إِذْ الْمَقْصُود من الأوضاع تفهيم الْمعَانِي فَتعين الْمجَاز والتجوز عَمَّا يعقل وَيثبت بِالدَّلِيلِ مُتَعَيّن إِلَّا أَن من فوض تَفْصِيل التَّأْوِيل إِلَى الله وَهُوَ أَكثر السّلف وَأكْثر أَصْحَابنَا يَقُول فِي المجازات كَثْرَة وَلَا قَاطع فِي التَّعْيِين، فيفوض تعْيين ذَلِك إِلَى الله تَعَالَى.

ص: 947