المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

{نفر من الْجِنّ} : هم أجسام عَاقِلَة خُفْيَة تغلب عَلَيْهِم - الكليات

[أبو البقاء الكفوي]

فهرس الكتاب

- ‌(فصل الْألف)

- ‌[الْألف اللينة وَالْألف المتحركة] )

- ‌(فصل الْألف وَالْبَاء)

- ‌(نوع فِي بَيَان لُغَات أَلْفَاظ النّظم الْجَلِيل)

- ‌(فصل الْألف وَالتَّاء)

- ‌(فصل الْألف والثاء)

- ‌(فصل الْألف وَالْجِيم)

- ‌(فصل الْألف والحاء)

- ‌(فصل الْألف وَالْخَاء)

- ‌(فصل الْألف وَالدَّال)

- ‌(فصل الْألف والذال)

- ‌(فصل الْألف وَالرَّاء)

- ‌(فصل الْألف وَالزَّاي)

- ‌(فصل الْألف وَالسِّين)

- ‌(فصل الْألف والشين)

- ‌(فصل الْألف وَالصَّاد)

- ‌(فصل الْألف وَالضَّاد)

- ‌(فصل الْألف والطاء)

- ‌(فصل الْألف والظاء)

- ‌(فصل الْألف وَالْعين)

- ‌(فصل الْألف والغين)

- ‌(فصل الْألف وَالْفَاء)

- ‌(فصل الْألف وَالْقَاف)

- ‌(فصل الْألف وَالْكَاف)

- ‌(فصل الْألف وَاللَّام)

- ‌(فصل الْألف وَالْمِيم)

- ‌(فصل الْألف وَالنُّون)

- ‌(فصل الْألف وَالْوَاو)

- ‌(فصل الْألف وَالْهَاء)

- ‌(فصل الْألف وَالْيَاء)

- ‌(فصل الْبَاء)

- ‌(فصل التَّاء)

- ‌(فصل الثَّاء)

- ‌(فصل الْجِيم)

- ‌(فصل الْحَاء)

- ‌(فصل الْخَاء)

- ‌(فصل الدَّال)

- ‌(فصل الذَّال)

- ‌(فصل الرَّاء)

- ‌(فصل الزَّاي)

- ‌(فصل السِّين)

- ‌(فصل الشين)

- ‌(فصل الصَّاد)

- ‌(فصل الضَّاد)

- ‌(فصل الطَّاء)

- ‌(فصل الظَّاء)

- ‌(فصل الْعين)

- ‌(فصل الْغَيْن)

- ‌(فصل الْفَاء)

- ‌(فصل الْقَاف)

- ‌(فصل الْكَاف)

- ‌(فصل اللَّام)

- ‌(فصل الْمِيم)

- ‌(فصل النُّون)

- ‌[نوع]

- ‌فصل الْوَاو

- ‌[نوع]

- ‌فصل الْهَاء

- ‌[نوع]

- ‌فصل لَا

- ‌[نوع]

- ‌فصل الْيَاء

- ‌[نوع]

- ‌فصل فِي المتفرقات

- ‌فصل

الفصل: {نفر من الْجِنّ} : هم أجسام عَاقِلَة خُفْيَة تغلب عَلَيْهِم

{نفر من الْجِنّ} : هم أجسام عَاقِلَة خُفْيَة تغلب عَلَيْهِم النارية أَو الهوائية

{واهجرهم هجرا جميلا} : بِأَن تجانبهم وتداريهم لَا تكافئهم وتكلهم إِلَى الله

{ثمَّ الْجَحِيم صلوه} : وَهِي النَّار الْعُظْمَى

{وَجعل الظُّلُمَات والنور} : أنشأهما

{جعلنَا فِي كل قَرْيَة} : صيرنا فِيهَا]

(فصل الْحَاء)

[الحسبان] : كل مَا فِي الْقُرْآن من حسبان فَهُوَ من الْعدَد، إِلَّا {حسبانا من السَّمَاء} فِي " الْكَهْف " فَإِنَّهُ الْعَذَاب

[الْحَسْرَة] : كل مَا فِي الْقُرْآن من حسرة فَهِيَ الندامة، إِلَّا {ليجعل الله ذَلِك حسرة فِي قُلُوبهم} فَإِن مَعْنَاهُ الْحزن

[الْحَمد] : كل مَا ورد فِي الْقُرْآن من (الْحَمد لله) فَهُوَ إِخْبَار بِمَعْنى الْأَمر، لِأَن مثل هَذَا تَعْلِيم للعباد وَتقول على ألسنتهم

[الْحَرَام] : كل مَوضِع ذكر الله فِيهِ الْمَسْجِد الْحَرَام فَالْمُرَاد بِهِ الْحرم إِلَّا فِي قَوْله تَعَالَى: {فول وَجهك شطر الْمَسْجِد الْحَرَام} فَإِن المُرَاد بِهِ الْكَعْبَة

[الْحِفْظ] : كل آيَة ذكر فِيهَا حفظ الْفروج فَهُوَ من الزِّنَا إِلَّا {قل للْمُؤْمِنين يغضوا من أَبْصَارهم ويحفظوا فروجهم} فَإِن المُرَاد الاستتار

[الْحُضُور] : كل مَا فِي الْقُرْآن من الْحُضُور فَهُوَ بالضاد من الْمُشَاهدَة إِلَّا قَوْله: {كهشيم المحتظر} فَإِنَّهُ بالضاء من الاحتظار، وَهُوَ الْمَنْع

[الْحَظ] : كل حَظّ فِي الْقُرْآن فَهُوَ بالظاء إِلَّا فِي " الْفجْر " و " الماعون " و " الحاقة " فَإِنَّهُ بالضاد فِيهَا

[الحنيف] : كل مَوضِع فِي الْقُرْآن ذكر الحنيف مَعَ الْمُسلم فَهُوَ الْحَاج {وَلَكِن كَانَ حَنِيفا مُسلما} وَفِي كل مَوضِع ذكر وَحده فَهُوَ الْمُسلم نَحْو: {لله حَنِيفا} وكل من أسلم لله وَلم ينحرف عَنهُ فِي شَيْء فَهُوَ حنيف و {مِلَّة إِبْرَاهِيم حَنِيفا} أَي: مُخَالفا للْيَهُود وَالنَّصَارَى منصرفا عَنْهُمَا

[الْحَادِث] : كل مَا كَانَ وجوده طارئا على عَدمه أَو عَدمه طارئا على وجوده فَهُوَ حَادث

[الحم] : كل من كَانَ من قبل الزَّوْج مثل الْأَخ وَالْأَب فَهُوَ حم

[الحيد] : كل نتو فِي الْقرن والجبل وَغَيرهمَا فَهُوَ حيد

ص: 359

[الحصب] : كل مَا هيجت بِهِ النَّار إِذا أوقدتها فَهُوَ حصب، وَلَا يكون الْحَطب حَصْبًا حَتَّى يسجر بِهِ

أَي يحمى بِهِ التَّنور، [قَالَ بَعضهم: لحصب جَهَنَّم اعتباران فَمن حَيْثُ تتقد بِهِ النَّار بِلَا مهلة وقود، وَمن حَيْثُ زَمَانا بقدرة الله حصب]

[الحديقة] : كل بُسْتَان عَلَيْهِ حَائِط فَهُوَ حديقة

[الْحمام] : كل طَائِر لَهُ طوق فَهُوَ حمام

[الحم والحمة] : كل مَا أذيب من الألية فَهُوَ حم وحمة، كَمَا أَن كل مَا أذيب من الشَّحْم فَهُوَ صهارة

[الْحلِيّ] : كل مَا حليت بِهِ امْرَأَة أَو سَيْفا فَهُوَ حلي

[الْحصْر] : كل من امْتنع من شَيْء لم يقدر عَلَيْهِ فقد حصر عَنهُ، وَلِهَذَا قيل: حصر فِي الْقِرَاءَة، وَحصر عَن أَهله

[الحيز] : كل نَاحيَة فَهِيَ حيّز

[الْحجاب] : كل مَا يستر الْمَطْلُوب وَيمْنَع من الْوُصُول إِلَيْهِ فَهُوَ حجاب، كالستر والبواب والجسم وَالْعجز وَالْمَعْصِيَة

[الحنش] : كل مَا يصاد من الطير والهوام فَهُوَ حَنش بِفتْحَتَيْنِ

[الْحمل] : كل مُتَّصِل فَهُوَ حمل بِالْفَتْح وكل مُنْفَصِل فَهُوَ حمل بِالْكَسْرِ

[الحمولة] : كل مَا احْتمل عَلَيْهِ الْحَيّ من حمَار أَو غَيره سَوَاء كَانَت عَلَيْهِ الْأَحْمَال أَو لم تكن فَهُوَ حمولة، بِالْفَتْح

والحمولة، بِالضَّمِّ: الْأَحْمَال و (فعولة) تدخله الْهَاء إِذا كَانَ بِمَعْنى الْمَفْعُول

والحمول، بِلَا هَاء: الْإِبِل الَّتِي عَلَيْهَا الهوادج، كَانَ فِيهَا نسَاء أَو لم يكن

[حَال واستحال] : كل مَا تحرّك أَو تغير من الاسْتوَاء إِلَى العوج فقد حَال واستحال

[حل] : كل جامد أذيب فقد حل

وحبل الحبلة: نتاج النِّتَاج

[حَال] : كل مَا حجز بَين شَيْئَيْنِ فقد حَال بَينهمَا

[الْحيرَة] : كل محلّة دنت مِنْك مَنَازِلهمْ فَهِيَ الْحيرَة

[حلا يحلو] : كل طَعَام وشراب يحدث فِيهِ حلاوة ومرارة فَإِنَّهُ يُقَال فِيهِ: حلا يحلو، وَمر يمر وكل مَا كَانَ من دبير أَو أَمر يشْتَد ويلين وَلَا طعم لَهُ فَإِنَّهُ يُقَال فِيهِ: أحلى يحلى، وَأمر يمر

[حج] : كل من قصد شَيْئا فقد حجَّة

[حَرْب] : كل من عصاك فَهُوَ حَرْب لَك

[الحريد] : كل قَلِيل من كثير فَهُوَ حريد، يُقَال رجل حرد: إِذا ترك أَهله وحول

[الْحرَّة] : كل أَرض ذَات حِجَارَة سود فَهِيَ حرَّة كَأَنَّهَا محترقة من الْحر

[حَاز] : كل من ضم إِلَى نَفسه شَيْئا فقد حازه حوزا وحيازا وحيازة، واحتازه أَيْضا وبيضة كل شَيْء حوزته

ص: 360

[الحَدِيث] : كل كَلَام يبلغ الْإِنْسَان من جِهَة السّمع أَو الْوَحْي فِي يقظة أَو مَنَام يُقَال لَهُ حَدِيث

قَالَ الله تَعَالَى: {وَإِذا أسر النَّبِي إِلَى بعض أَزوَاجه حَدِيثا} {وعلمتني من تَأْوِيل الْأَحَادِيث} أَي مَا يحدث بِهِ الْإِنْسَان من نَومه

[الْحَال] : كل اسْم نكرَة منتصب بعد تَمام الْكَلَام فَهُوَ الْحَال

[الْحَقِيقَة الشَّرْعِيَّة] : كل لفظ وضع لِمَعْنى فِي اللُّغَة ثمَّ اسْتعْمل فِي الشَّرْع لِمَعْنى آخر مَعَ هجران الِاسْم اللّغَوِيّ عَن الْمُسَمّى بِحَيْثُ لَا يسْبق إِلَى أفهام السامعين الْوَضع الأول فَهُوَ حَقِيقَة شَرْعِيَّة لَا يقبل النَّفْي أصلا كَالصَّلَاةِ فَإِنَّهَا وضعت للدُّعَاء ثمَّ صَارَت فِي الشَّرْع عبارَة عَن الْأَركان الْمَعْلُومَة

والحقيقة الْعُرْفِيَّة: هِيَ اللَّفْظ الَّذِي نقل عَن مَوْضُوعه الْأَصْلِيّ إِلَى غَيره لغَلَبَة الِاسْتِعْمَال وَصَارَ الْوَضع الْأَصْلِيّ مَهْجُورًا، كاسم الْعدْل فَإِنَّهُ فِي صنع اللُّغَة مصدر كالعدالة، ثمَّ فِي عرف الِاسْتِعْمَال صَار عبارَة عَن الْعَادِل، فَصَارَ حَقِيقَة عرفية حَتَّى لَا يَسْتَقِيم نَفْيه فِي الشَّاهِد وَالْغَائِب جَمِيعًا

[الْحَقِيقَة الْكَامِلَة] : كل لفظ إِذا اسْتعْمل فِيمَا هُوَ مَوْضُوع لَهُ فَهُوَ حَقِيقَة كَامِلَة

وَفِيمَا هُوَ جُزْء من مَوْضُوعه فَهُوَ حَقِيقَة قَاصِرَة

وَفِيمَا هُوَ خَارج عَن مَوْضُوعه فَهُوَ مجَاز

[الْحَقِيقَة البلاغية] : كل كلمة أُرِيد بهَا مَا وضعت لَهُ فَهِيَ حَقِيقَة، كالأسد للحيوان المفترس وَالْيَد للجارحة وَنَحْو ذَلِك وَإِن أُرِيد بهَا غير مَا وضعت لَهُ لمناسبة بَينهمَا فَهِيَ مجَاز، كالأسد للرجل الشجاع، وَالْيَد للنعمة أَو للقوة، فَإِن النِّعْمَة تُعْطى بِالْيَدِ وَالْقُوَّة تظهر بكمالها فِي الْيَد، هَذَا حدهما فِي الْمُفْرد، وَأما حدهما فِي الْجُمْلَة: فَهُوَ أَن كل جملَة كَانَ الحكم الَّذِي دلّت عَلَيْهِ كَمَا هُوَ فِي الْعقل فَهِيَ حَقِيقَة، كَقَوْلِنَا (خلق الله الْخلق)

[الْمجَاز] : وكل جملَة أخرجت الحكم المفاد بهَا عَن مَوْضُوعه فِي الْعقل لضرب من التَّأْوِيل فَهِيَ مجَاز، كَمَا إِذا أضيف الْفِعْل إِلَى شَيْء يضاهي الْفَاعِل كالمفعول بِهِ فِي {عيشة راضية} و {مَاء دافق} ، أَو الْمصدر ك (شعر شَاعِر) ، أَو الزَّمَان ك (نَهَاره صَائِم) ، أَو الْمَكَان ك (طَرِيق سَائِر) ، أَو الْمُسَبّب ك (بنى الْأَمِير الْمَدِينَة)، أَو السَّبَب كَقَوْلِه تَعَالَى:{وَإِذا تليت عَلَيْهِم آيَاته زادتهم إِيمَانًا} فمجاز لمفرد لغَوِيّ وَيُسمى مجَازًا فِي الْمُثبت، ومجاز الْجُمْلَة عَقْلِي وَيُسمى مجَازًا فِي الْإِثْبَات، فَكل نِسْبَة وضعت فِي غير موضعهَا بعلامة فَهِيَ مجَاز عَقْلِي، تَامَّة كَانَت أَو نَاقِصَة

وعلامة الْحَقِيقَة أَن لَا يجوز نَفيهَا عَن الْمُسَمّى بِحَال بِخِلَاف الْمجَاز [فَإِن عَلامَة كَونه مجَازًا أَن يَصح نَفْيه عَن الْمُسَمّى، قَالَ بَعضهم: صِحَة النَّفْي يتَوَقَّف على معرفَة الْمجَاز، فَلَو عَرفْنَاهُ بِصِحَّة النَّفْي لزم الدّور، نعم لَكِن معرفَة كَونه مجَازًا للْحَال تتَوَقَّف على صِحَة النَّفْي فِي مجَال استعمالاته، وَذَلِكَ لَا يتَوَقَّف على معرفَة كَونه

ص: 361

مجَازًا] ، وعلامة أُخْرَى لَهَا هِيَ أَن الْحَقِيقَة مَا يفهم السَّامع مَعْنَاهَا من غير قرينَة

الْحَقِيقَة: [هِيَ إِمَّا (فعيل) بِمَعْنى فَاعل من (حق الشَّيْء) إِذا ثَبت، وَمِنْه (الحاقة) لِأَنَّهَا ثَابِتَة كائنة لَا محَالة وَإِمَّا بِمَعْنى (مفعول) من (حققت الشَّيْء) إِذا أثْبته فَيكون مَعْنَاهَا الثَّابِتَة والمثبتة فِي موضعهَا الْأَصْلِيّ، وَالتَّاء للتأنيث فِي الْوَجْه الأول، ولنقل اللَّفْظ من الوصفية إِلَى الاسمية فِي الثَّانِي كَمَا فِي (نطيحة) و (أكيلة) لِأَن (فعيلا) بِمَعْنى الْمَفْعُول يَسْتَوِي فِيهِ الْمُذكر والمؤنث وَقَالَ صَاحب " الْمِفْتَاح ": إِنَّهَا للتأنيث فِي الْوَجْهَيْنِ: لِأَنَّهُ صفة غير جَارِيَة على موصوفها وَالتَّقْدِير كلمة حَقِيقِيَّة، وَإِنَّمَا يَسْتَوِي الْمُذكر والمؤنث فِي (فعيل) بِمَعْنى مفعول إِذا كَانَ جَارِيا على موصوفه نَحْو:(رجل) قَتِيل) و (امْرَأَة قَتِيل) وَإِلَّا فالتأنيث وَاجِب دفعا للالتباس نَحْو: (مَرَرْت بقتيل بني فلَان) و (قتيلة بني فلَان)، و (فعيل) بِمَعْنى فَاعل يذكر وَيُؤَنث سَوَاء أجري على موصوفه أَو لَا نَحْو:(رجل ظريف) و (امْرَأَة ظريفة)

و] حَقِيقَة الشَّيْء: كَمَاله الْخَاص بِهِ يُقَال: حَقِيقَة الله وَلَا يُقَال: مَاهِيَّة الله لإيهامها معنى التجانس

وَفِي اصْطِلَاح الميزانيين: حَقِيقَة الشَّيْء المحمولة ب (هُوَ) ذَات الشَّيْء كالحيوان النَّاطِق للْإنْسَان

وَأما ذاتيته وَهِي الحيوانية، والناطقية فتسمى مَاهِيَّة فَاعْتبر مثل هَذَا فِي الْوُجُود فَإِنَّهُ نفس الْمَاهِيّة، وَوُجُود الْإِنْسَان هُوَ نفس كَونه حَيَوَانا ناطقا فِي الْخَارِج

وَقد تطلق الْحَقِيقَة وَيُرَاد بهَا مَا يُقَال فِي جَوَاب السُّؤَال بِمَا هُوَ، وَهُوَ حَقِيقَة نوعية إِن كَانَ السُّؤَال عَن جزئيات النَّوْع بالاشتراك فَقَط، وَحَقِيقَة شخصية إِن كَانَ السُّؤَال بالخصوصية، كالحيوان النَّاطِق مَعَ التشخص فِي الثَّانِي، وبدونه فِي الأول، فَلَا يَصح أَن تقع الْحَقِيقَة النوعية جَوَابا عَن السُّؤَال ب (مَا هُوَ) إِذا أفرد بعض الجزئيات بِالذكر، لعدم الْمُطَابقَة بَينهمَا

وَقد تطلق الْحَقِيقَة وَيُرَاد بهَا مَا يكون مَعْرفَتهَا غنية عَن الِاكْتِسَاب، وَهِي الَّتِي يكون مَعْرفَتهَا حَاصِلَة عِنْد الْإِنْسَان من غير كسب وَطلب مِنْهُ، فَلَا يُمكن تَعْرِيفهَا، لِأَنَّهُ لَو أمكن لَكَانَ بِأُمُور هِيَ أظهر وَأعرف مِنْهَا، وَلَا يُوجد شَيْء أعرف وَأظْهر من المحسوسات

والحقيقة الَّتِي يبْحَث عَنْهَا أهل الْحِكْمَة هِيَ الْأَحْوَال الثَّابِتَة للأشياء فِي نَفسهَا، مَعَ قطع النّظر عَن جعل جَاعل وَاعْتِبَار مُعْتَبر وَهَذِه الْحَقِيقَة لَا يتَوَصَّل إِلَيْهَا إِلَّا بِالْعلمِ وَالْيَقِين، بِخِلَاف الاعتبارية الَّتِي هِيَ المباحث المنوطة بالجعل وَالِاعْتِبَار، كالمباحث الشَّرْعِيَّة والعرفية، فَإِن الظَّن يعْتَبر فِيهَا عدم الْوُصُول إِلَى الْيَقِين

وَلَفْظَة الْحَقِيقَة مجَاز فِي مَعْنَاهَا، فَإِنَّهَا (فعلية) مَأْخُوذَة من الْحق، وَالْحق بِحَسب اللُّغَة: الثَّابِت، لِأَنَّهُ نقيض الْبَاطِل الْمَعْدُوم، و (الفعيل) الْمُشْتَقّ من الْحق إِن كَانَ بِمَعْنى الْفَاعِل كَانَ مَعْنَاهُ الثَّابِت، وَإِن كَانَ بِمَعْنى الْمَفْعُول كَانَ مَعْنَاهُ الْمُثبت، نقل من الْأَمر الَّذِي لَهُ ثبات إِلَى العقد المطابق للْوَاقِع، لِأَنَّهُ أولى بالوجود من العقد غير المطابق، ثمَّ نقل

ص: 362

من العقد إِلَى القَوْل المطابق لهَذِهِ الْعلَّة بِعَينهَا، ثمَّ نقل إِلَى الْمَعْنى المصطلح، وَهُوَ اللَّفْظ الْمُسْتَعْمل فِيمَا وضع لَهُ فِي اصْطِلَاح التخاطب، (وَالتَّاء الدَّاخِلَة على الْفِعْل الْمُشْتَقّ من الْحق لنقل اللَّفْظ من الوصفية إِلَى الاسمية الصرفة) وَكَذَا الْمجَاز مجَاز فِي مَعْنَاهُ، فَإِنَّهُ (مفعل) من الْجَوَاز بِمَعْنى العبور، وَهُوَ حَقِيقَة فِي الْأَجْسَام، وَاللَّفْظ عرض يمْتَنع عَلَيْهِ الِانْتِقَال من مَحل إِلَى آخر، وَبِنَاء (مفعل) مُشْتَرك بَين الْمصدر وَالْمَكَان لكَونه حَقِيقَة فيهمَا، ثمَّ نقل من الْمصدر أَو الْمَكَان إِلَى الْفَاعِل الَّذِي هُوَ الْجَائِز، ثمَّ من الْفَاعِل إِلَى الْمَعْنى المصطلح، وَهُوَ اللَّفْظ الْمُسْتَعْمل فِي غير مَا وضع لَهُ يُنَاسب الْمَعْنى المصطلح بِحَسب التخاطب

والحقيقة: عبارَة عَن الِاسْتِعْمَال فِي الْمَعْنى الْحَقِيقِيّ

والحقيقي: عبارَة عَن الْوَضع وَالْمجَاز يتَوَقَّف على الثَّانِي لَا على الأول وَالْمجَاز لَا يفهم مَعْنَاهُ إِلَّا بِقَرِينَة من حَيْثُ اللَّفْظ أَو دلَالَة الْحَال وَاعْتِبَار العلاقة مَعَ الْقَرِينَة كَاف فِي الْمجَاز هَذَا عِنْد الْجُمْهُور، وَلَيْسَ كَذَلِك عِنْد الْبَعْض، بل السماع عَن الْعَرَب شَرط لَهُ كَأَن يُقَال: إِن هَذِه العلاقة السَّبَبِيَّة مثلا مسموع من الْعَرَب فِي مثل هَذَا الْمجَاز

وَالْمُعْتَبر نوع العلاقة المضبوطة فِي استعمالات البلغاء الخلص، لَا علاقَة جزئية حَتَّى يلْزم نقل عينهَا عَن أَرْبَاب البلاغة السليقية، لاتفاقهم على ارْتِفَاع الْكَلَام الْمُشْتَمل على الِاسْتِعَارَة البديعية الَّتِي صدرت عَن أَصْحَاب البلاغة المكتسبة، (وَيدل على عدم شَرط السماع عدم بيانهم الْمعَانِي الْجُزْئِيَّة فِي كتب اللُّغَة كبيانهم الْحَقِيقَة فِيهَا)

[وَلَا ينْقل الِاسْم عَن مَحل الْحَقِيقَة إِلَى غَيره بطرِيق الْمجَاز إِلَّا لمشابهة قَوِيَّة بَينهمَا حَتَّى قَالَ أهل اللُّغَة: إِن الْمجَاز تَشْبِيه بِدُونِ كَاف التَّشْبِيه، وَذَلِكَ بِدلَالَة تَأَكد المشابهة بَينهمَا فَكَانَت المشابهة لَازِمَة بَين مَحل الْمجَاز وَمحل الْحَقِيقَة]

وأنواع العلاقات قيل خَمْسَة وَعِشْرُونَ كَمَا ذكره الْقَوْم؛ وَضبط صَاحب " التَّوْضِيح " فِي تِسْعَة؛ وَابْن الْحَاجِب فِي خَمْسَة؛ (وَمَا ذكره الْقَوْم بالاستقراء، وَإِن كَانَ بعض مِنْهَا متداخلا، وَهُوَ اسْتِعْمَال اسْم السَّبَب للمسبب نَحْو: (بلوا أَرْحَامكُم) أَي: صلوا؛ وَبِالْعَكْسِ كالإثم للخمر، وَاسْتِعْمَال الْكل للجزء كالأصابع للأنامل وَبِالْعَكْسِ كالوجه للذات؛ وَاسْتِعْمَال الملزم للازم كالنطق للدلالة، وَبِالْعَكْسِ كشد الْإِزَار للاعتزال عَن النِّسَاء فِي قَوْله:

(قوم إِذا حَاربُوا شدوا مآزرهم

دون النِّسَاء وَلَو باتت بأطهار)

وَاسْتِعْمَال أحد المتشابهين فِي صفة شكلا أَو غَيره للْآخر كالأسد للشجاع

وَاسْتِعْمَال الْمُطلق للمقيد كَالْيَوْمِ ليَوْم الْقِيَامَة، وَبِالْعَكْسِ كالمشفر للشفة

وَاسْتِعْمَال الْخَاص للعام نَحْو: {وَحسن أُولَئِكَ رَفِيقًا} أَي: رُفَقَاء

ص: 363

وَبِالْعَكْسِ، كالعام الْمَخْصُوص

وَحذف الْمُضَاف نَحْو: {واسأل الْقرْيَة} وَيُسمى مجَازًا بِالنُّقْصَانِ؛ وَبِالْعَكْسِ نَحْو: أَن ابْن جلا

والمجاورة كالميزاب للْمَاء وَالْأول وَاعْتِبَار مَا كَانَ

وَالْمحل للْحَال وَبِالْعَكْسِ نَحْو: {فَفِي رَحْمَة الله} أَي: الْجنَّة

وَآلَة الشَّيْء لَهُ، كاللسان للذّكر

وَأحد الْبَدَلَيْنِ للْآخر نَحْو: الدَّم للدية

والنكرة فِي الْإِثْبَات للْعُمُوم نَحْو: {علمت نفس مَا أحضرت} والضد للضد

والمعرف للْمُنكر، كَقَوْلِه:{وادخلوا الْبَاب} أَي: بَابا من أَبْوَابهَا

والحذف نَحْو {يبين الله لكم أَن تضلوا} أَي: لِئَلَّا تضلوا

وَالزِّيَادَة نَحْو {لَيْسَ كمثله شَيْء} [وَاعْلَم أَن اللَّفْظ إِذا تجرد عَن الْقَرِينَة فإمَّا أَن يحمل على حَقِيقَته أَو مجازه أَو عَلَيْهِمَا أَو لَا على وَاحِد مِنْهُمَا، وَالثَّلَاثَة الْأَخِيرَة بَاطِلَة لِأَن شَرط الْحمل على الْمجَاز حُصُول الْقَرِينَة الْمَانِعَة اتِّفَاقًا، وَالْمَجْمُوع من حَيْثُ لَيْسَ حَقِيقَة لَهُ إِذْ الْمُقدر خِلَافه فَيكون مَعْنَاهُ الْمجَازِي وَقد فَاتَ شَرط الْحمل عَلَيْهِ، وعَلى التَّقْدِير الْأَخير يكون مهملا أَو مُجملا وَذَلِكَ خلاف الْإِجْمَاع فَتعين الْوَجْه الأول ثمَّ اعْلَم أَن الْحَقِيقَة إِمَّا متعذرة وَإِمَّا مهجورة]

فالحقيقة المتعذرة هِيَ مَا لَا يتَوَصَّل بِهِ إِلَى الْمَعْنى الْحَقِيقِيّ إِلَّا بِمَشَقَّة ك (أكل النَّخْلَة)

والمهجورة: مَا يتْركهُ النَّاس وَإِن تيَسّر الْوُصُول إِلَيْهِ، ك (وضع الْقدَم) وَقيل: المتعذرة مَا لَا يتَعَلَّق بِهِ حكم وَإِن تحقق والمهجورة قد يثبت بهَا الحكم إِذا صَار فَردا من أَفْرَاد الْمجَاز عَادَة أَو شرعا وَقيل: المهجورة كِنَايَة كالمجاز غير الْغَالِب الِاسْتِعْمَال

(والحقيقة إِذا تَعَذَّرَتْ يُصَار إِلَى الْمجَاز، والمهجور شرعا أَو عرفا كالمتعذر)

وَإِذا تَعَذَّرَتْ الْحَقِيقَة وَالْمجَاز، أَو كَانَ اللَّفْظ مُشْتَركا بِلَا مرجع أهمل لعدم الْإِمْكَان

والحقيقة إِذا كَانَت مستعملة وَالْمجَاز أَكثر مِنْهَا اسْتِعْمَالا فَالْعَمَل بالمجاز على وَجه يصير الْحَقِيقَة فَردا مِنْهُ أولى هَذَا عِنْد أبي يُوسُف وَمُحَمّد تَرْجِيحا بِكَثْرَة الِاسْتِعْمَال، إِذْ الْحَقِيقَة مَتى قل اسْتِعْمَالهَا لَا تتسارع الأفهام إِلَيْهَا، فَالْعِبْرَة للمجاز تَحْقِيقا لغَرَض الإفهام بأبلغ الْوُجُوه وَأما عِنْد أبي حنيفَة فَالْعَمَل بِالْحَقِيقَةِ أولى لِأَنَّهَا الأَصْل وَإِذا اسْتَويَا فِي الِاسْتِعْمَال فَالْعَمَل بِالْحَقِيقَةِ أولى بالِاتِّفَاقِ، لِأَنَّهُ بالتعارض يسْقط اعْتِبَار الْعرف سَوَاء كَانَ بالتعامل، وَهُوَ قَوْلهمَا وَعَلِيهِ مَشَايِخ بَلخ، أَو بالتفاهم والأقوال وَهُوَ قَول الإِمَام وَعَلِيهِ مَشَايِخ الْعرَاق

ص: 364

[وَجُمْلَة مَا تتْرك بِهِ الْحَقِيقَة خَمْسَة أَنْوَاع عرف ذَلِك بطرِيق الاستقراء: تتْرك بِدلَالَة الْعدة أَي الْعرف وَالشَّرْع، وبدلالة مَحل الْكَلَام، لِأَن مَحل الْحَقِيقَة مَا لم يقبل حكمهَا للتعذر تعين إِرَادَة الْمجَاز؛ وبدلالة معنى يرجع إِلَى الْمُتَكَلّم أَي صفة من صِفَاته، كَمَا لَو وكل بشرَاء اللَّحْم فَإِنَّهُ ينفذ بالنيء إِن كَانَ مُقيما وبالمطبوخ والمشوي إِن كَانَ مُسَافِرًا بِدلَالَة حَالهمَا على ذَلِك وبقرينة لفظية التحقت بِهِ سَابِقَة أَو مُتَأَخِّرَة، إِلَّا أَن السِّيَاق أَكثر اسْتِعْمَاله فِي الْمُتَأَخِّرَة كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى:{فَمن شَاءَ فليؤمن وَمن شَاءَ فليكفر إِنَّا أَعْتَدْنَا للظالمين نَارا} لِأَن حَقِيقَة الْأَمر الْإِيجَاب عِنْد الْجُمْهُور، وَعند الْبَعْض للنَّدْب وَالْإِبَاحَة وَالْكفْر غير وَاجِب وَلَا مَنْدُوب وَلَا مُبَاح، إِذْ لَو كَانَ كَذَلِك لما اسْتوْجبَ الْعقُوبَة بسياق الْآيَة

وتترك أَيْضا بِدلَالَة اللَّفْظ فِي نَفسه بِأَن يكون الِاسْم منبئا عَن كَمَال فِي مُسَمَّاهُ لُغَة، وَفِي أَفْرَاد ذَلِك الْمُسَمّى نوع قُصُور، فَعِنْدَ الْإِطْلَاق لَا يتَنَاوَل اللَّفْظ ذَلِك الْفَرد الْقَاصِر، كَلَفْظِ الصَّلَاة فَإِنَّهُ لما كَانَ عبارَة عَن الْأَركان الْمَخْصُوصَة لَا يتَنَاوَل عِنْد الْإِطْلَاق صَلَاة الْجِنَازَة لقُصُور فِيهَا، أَلا يرى أَنَّهَا لَا تذكر إِلَّا بِقَرِينَة]

والحقيقة المقدسة: هِيَ الْمَاهِيّة الْكُلية المفاضة للوجود والتشخص عِنْد الْمُتَكَلِّمين، والوجود الْخَاص الْحَقِيقِيّ الْقَائِم بِذَاتِهِ عِنْد الْحُكَمَاء

وعَلى كلا التَّقْدِيرَيْنِ يمْتَنع تعقلها بخصوصها، وَلَا تتعقل إِلَّا بمفهومات كُلية اعتبارية فَقَط عِنْد الْحَكِيم والمعتزلة، أَو بهَا وبصفات حَقِيقِيَّة عِنْد الماتريدية والأشاعرة

الْحَمد: هُوَ الشُّكْر، والرضى، وَالْجَزَاء وَقَضَاء الْحق

وَأحمد (فلَان) : صَار أمره إِلَى الْحَمد، أَو فعل مَا يحمد عَلَيْهِ

و [أَحْمد] فلَانا: رَضِي فعله ومذهبه وَلم ينشره للنَّاس

و [أَحْمد] أمره: صَار عِنْده مَحْمُودًا

[وحمدت الله على كَذَا، أَي حمدته بإلقاء ذَلِك الْحَمد على كَذَا، إِذْ لَا يتَعَدَّى بعلى]

والحميد: فعيل من الْحَمد بِمَعْنى الْمَحْمُود وأبلغ مِنْهُ، وَهُوَ من حصل لَهُ من صِفَات الْحَمد أكملها، أَو بِمَعْنى الحامد أَي: يحمد أَفعَال عباده

والتحميد: حمد الله مرّة بعد مرّة وَإنَّهُ لحماد الله وَمِنْه: مُحَمَّد كَأَنَّهُ يحمد مرّة بعد مرّة

وَأحمد إِلَيْك الله: أشكره

وَالْعود أَحْمد: أَي أَكثر حمدا، لِأَنَّك لَا تعود إِلَى شَيْء غَالِبا إِلَّا بعد خيريته أَو مَعْنَاهُ أَنه إِذا ابْتَدَأَ الْمَعْرُوف جلب الْحَمد لنَفسِهِ، فَإِذا عَاد كَانَ أحمل أَي: أكسب للحمد لَهُ (أَو هُوَ (أفعل) من الْمَفْعُول. أَي: الِابْتِدَاء مَحْمُود وَالْعود أَحَق بِأَن يحمدوه كَذَا فِي " الْقَامُوس ")

وَاخْتلف فِي الْحَمد وَالثنَاء وَالشُّكْر والمدح هَل هِيَ أَلْفَاظ متباينة، أَو مترادفة أَو بَينهَا عُمُوم وخصوص مُطلق، أَو من وَجه؟ فَمن قَالَ بالتباين نظر إِلَى مَا انْفَرد بِهِ كل وَاحِد مِنْهُمَا من الْجِهَة وَمن قَالَ

ص: 365

بالترادف نظر إِلَى جِهَة اتحادها وَاسْتِعْمَال كل وَاحِد مِنْهَا فِي مَكَان الآخر وَلِهَذَا ترى أهل اللُّغَة يفسرون هَذِه الْأَلْفَاظ بَعْضهَا بِبَعْض وَمن قَالَ بالاجتماع والافتراق فقد نظر إِلَى الْجِهَتَيْنِ مَعًا، وَهُوَ قَول بعض أهل اللُّغَة، وَعَلِيهِ جُمْهُور الأدباء وَالْأَصْل فِي الْأَلْفَاظ الدَّالَّة على الْمعَانِي التباين، والاتحاد والاشتراك خلاف الأَصْل

فِي " الْفَائِق ": الْحَمد والمدح أَخَوان، حمله السَّيِّد على الترادف بَينهمَا، إِمَّا بعد قيد الِاخْتِيَار فِي الْحَمد، أَو بِاعْتِبَارِهِ فيهمَا والتفتازاني حمله على الِاشْتِقَاق كَبِيرا كَانَ أَو أكبر، مَعَ اتِّحَاد فِي الْمَعْنى، أَو تناسب فَلَا ترادف

قَالُوا: الْحَمد هُوَ الثَّنَاء مَعَ الرضى بِشَهَادَة موارد اسْتِعْمَاله والمدح مُطلقًا هُوَ الثَّنَاء، وَيشْتَرط فِي الْحَمد صدوره عَن علم لَا عَن ظن، وَكَون الصِّفَات المحمودة صِفَات الْكَمَال

والمدح قد يكون عَن ظن وبصفة مستحسنة، وَإِن كَانَ فِيهِ نقص مَا

وَالْحَمْد مَأْمُور بِهِ: {قل الْحَمد لله}

والمدح مَنْهِيّ عَنهُ: " احثوا التُّرَاب على المداحين "

وَالْحَمْد وضع بعد النِّعْمَة، وَفِيه دلَالَة على أَنه فَاعل بِاخْتِيَارِهِ وقائله مقرّ بِهِ، والمدح لَيْسَ كَذَلِك

[وَفِي الْحَمد اعْتِرَاف بدوام النِّعْمَة واقتضاء سَابِقَة الْإِحْسَان بِخِلَاف الْمَدْح فَإِنَّهُ عَام]

وَتعلق الْحَمد فِي قَوْلك (حمدته) بمفعوله منبئ عَن معنى الإنهاء، فَصَارَ كبعض الْأَفْعَال فِي استدعاء أدنى الملابسة ك (أعنته إِلَيْهِ) و (استعنته مِنْهُ) ، وَلَيْسَ كَذَلِك الْمَدْح، لِأَن تعلقه بمفعوله فِي قَوْلك:(مدحته) على منهاج عَامَّة الْأَفْعَال بمفعولاتها فِي الملابسة التَّامَّة المؤثرة فِيهِ، وَمن ثمَّة صَار التَّعَلُّق فِيهِ بالمفعول الْحَقِيقِيّ، وَفِي الْحَمد بِوَاسِطَة الْجَار الْمُنَاسب، وَمَا هَذَا إِلَّا لاختلافهما فِي الْمَعْنى قطعا

وَلَا بُد فِي الْحَمد أَن يكون الْمَحْمُود مُخْتَارًا، وَفِي الْمَدْح غير لَازم، وَلِهَذَا يكون وصف اللؤلؤة بصفائها مدحا لَا حمدا، وَأما {مقَاما مَحْمُودًا} فَمَعْنَاه مَحْمُودًا فِيهِ النَّبِي لشفاعته، أَو الله تَعَالَى لتفضله عَلَيْهِ بِالْإِذْنِ فِي الشَّفَاعَة

وَلَا يلْزم النَّقْض بِالْوَصْفِ الْجَمِيل فِي مُقَابلَة الصِّفَات الذاتية كالقدرة والإرادة غير الاختيارية بِنَاء على أَن كل اخْتِيَاري حَادث، لِأَن الِاخْتِيَارِيّ يَقْتَضِي أَن يكون مَسْبُوقا بالإرادة، والإرادة مسبوقة بِالْعلمِ وَالْقُدْرَة، وَذَلِكَ يسْتَلْزم الْحُدُوث على مَا تقرر فِي مَحَله، إِذْ الصِّفَات الذاتية أَمر اخْتِيَاري أَي أَمر مَنْسُوب إِلَى الِاخْتِيَار نِسْبَة المصاحب إِلَى المصاحب الآخر، لَا نِسْبَة الْمَعْلُول إِلَى علته حَتَّى يكون مَعْنَاهُ أمرا أَو مَنْسُوبا إِلَى الِاخْتِيَار الَّذِي هُوَ منشأ ذَلِك الْأَمر، أَو هِيَ بِمَنْزِلَة أَفعَال اختيارية، لكَونهَا مبدأ لَهَا، وَالْحَمْد عَلَيْهَا بِاعْتِبَار تِلْكَ الْأَفْعَال، فَيكون الْمَحْمُود عَلَيْهِ اختياريا فِي الْمَآل، أَو لكَون الذَّات مُسْتقِلّا وكافيا فِيهَا غير مُحْتَاج فِيهَا إِلَى أَمر خَارج كَمَا هُوَ شَأْن بعض الْأَفْعَال الاختيارية، وَفِيه أَن بعض الصِّفَات لَيْسَ الذَّات مُسْتقِلّا فِيهَا، بل يحْتَاج إِلَى صفة أُخْرَى، إِلَّا أَن يُقَال: المُرَاد من الْخَارِج الْخَارِج من الذَّات وَالصِّفَات، وَيُمكن أَن

ص: 366

يُجَاب بِأَن الِاخْتِيَارِيّ كَمَا يَجِيء بِمَعْنى مَا صدر بِالِاخْتِيَارِ يَجِيء بِمَعْنى مَا صدر من الْمُخْتَار، أَو المُرَاد من الِاخْتِيَارِيّ هَهُنَا الْمَعْنى الْأَعَمّ الْمُشْتَرك بَين الْقَادِر والموجب، وَهُوَ إِن شَاءَ الله فعل وَإِن لم يَشَأْ لم يفعل

وَلَا شكّ أَن صِفَاته تَعَالَى عِنْد الأشاعرة صادرة عَن الْفَاعِل الْمُخْتَار الَّذِي هُوَ ذَاته تَعَالَى، وَإِن لم يصدر عَنهُ بِالِاخْتِيَارِ، (وَأَيْضًا هِيَ صادرة بِالِاخْتِيَارِ بِالْمَعْنَى الْأَعَمّ وَأجَاب الْبَعْض بِأَنا لَا نسلم عدم كَون الصِّفَات الْمَذْكُورَة صادرة بِالِاخْتِيَارِ بِالْمَعْنَى الْأَخَص أَيْضا لجَوَاز أَن يكون سبق الِاخْتِيَار عَلَيْهِ سبقا ذاتيا، كسبق الْوُجُوب على الْوُجُود، لَا سبقا زمانيا حَتَّى يلْزم حدوثها، وَفِيه أَنهم قَالُوا بِأَن أثر الْفَاعِل الْمُخْتَار حَادث قطعا بِلَا خلاف، وَإِن اعْترض عَلَيْهِ بِأَنَّهُ يجوز أَن يكون سبق الِاخْتِيَار عَلَيْهِ ذاتيا لَا زمانيا حَتَّى يلْزم الْحُدُوث وَيَكْفِي فِي الْجَمِيل أَن كَون طَرِيقه وَسبب تَحْصِيله اختياريا كَمَا فِي الْعلم، وَأَن يكون ثمراته وآثاره اختيارية كَمَا فِي الْكَرم والشجاعة)

ثمَّ الْحَمد لَا يخْتَص بِهَذِهِ الْمَادَّة والصيغة، بل قد يكون بغَيْرهَا مِمَّا يشْعر بالتعظيم نَحْو:(العظمة لله) و (الْأَمر بيد الله) حَتَّى قيل: قَول الْقَائِل (زيد حسن الْوَجْه) وصف لزيد وَحمد لباريه، إِذْ كل حسن صَنِيع جمال فطرته، أَو كل محسن رَضِيع لبان نعْمَته، وَمَا من خير إِلَّا هُوَ موليه بوسط [على مَذْهَب من يَقُول بمؤثر سوى الله] أَو بِغَيْر وسط [على مَذْهَب من لَا يرى مؤثرا سواهُ] ، فَكل حمد وثناء رَاجع إِلَيْهِ عِنْد التَّحْقِيق، لِأَنَّهُ الْمُنعم الْحَقِيقِيّ الْمُبْدع المخترع الْمُوفق المقتدر، وَمَا سواهُ شَرَائِط ووسائط وَأَسْبَاب وآلات لوصول نعمائه إِلَى الْخلق، وَهُوَ الْمُسْتَحق للحمد ذاتا وَصفَة وَلَا شَيْء مِنْهُ لغيره فِي الْحَقِيقَة فاستحقاق الذَّات الْعلية للحمد إِنَّمَا هُوَ بصفاته الذاتية الَّتِي لَا يحمد عَلَيْهَا إِلَّا الذَّات فَقَط فِي قَول الحامدين لله:(الْحَمد لله)

وَاسْتِحْقَاق الصِّفَات الذاتية أَيْضا للحمد إِنَّمَا هُوَ بِكَمَال صفاتها أَيْضا، كَمَا هُوَ الْمَفْهُوم من صِفَات الْأَفْعَال، فَإِنَّهَا وَسِيلَة لإنعام صِفَات الذَّات الْعلية الَّتِي هِيَ منشأ تِلْكَ الصِّفَات المتفجرة من الإنعام وَالْإِحْسَان على جَمِيع الأكوان فاستحقاق الذَّات أَولا من حَيْثُ هُوَ بصفاته الذاتية السَّبع أَو الثماني على اخْتِلَاف الرائين ثمَّ اسْتِحْقَاق الصِّفَات الْمَذْكُورَة ثَانِيًا إِنَّمَا هُوَ بِوَاسِطَة الْفِعْل كالإنعام مثلا وَلما كَانَت الذَّات الْعلية منشأ الْحَمد، وَالْوَصْف آلَة لملاحظتها، لَا أَنه مَقْصُود أَصَالَة فَهِيَ محمودة بِاعْتِبَار أَنَّهَا نصب عين الحامد، ومحمود عَلَيْهَا بِاعْتِبَار أَن الْحَمد لأَجلهَا، ومحمود بهَا بِاعْتِبَار أَن الْحَمد كَانَ بهَا

بَقِي الْكَلَام فِيهِ من جِهَة التَّقْسِيم وَالْإِعْرَاب فَنَقُول: إِن الْحَمد اللّغَوِيّ هُوَ الْوَصْف الْجَمِيل على جِهَة التَّعْظِيم والتبجيل بِاللِّسَانِ وَحده

والعرفي: هُوَ فعل يُنبئ عَن تَعْظِيم الْمُنعم لكَونه منعما أَعم من أَن يكون فعل اللِّسَان والجنان والأركان

والقولي: هُوَ حمد اللِّسَان وثناؤه على الْحق بِمَا

ص: 367

أثنى بِهِ على نَفسه على أَلْسِنَة الْأَوْلِيَاء والأنبياء وَالرسل

والفعلي: هُوَ الْإِتْيَان بِالْأَعْمَالِ الْبَدَنِيَّة ابْتِغَاء لوجه الله

والحالي: هُوَ مَا يكون بِحَسب الرّوح وَالْقلب كالاتصاف بالكمالات العلمية والعملية والتخلق بالأخلاق الإلهية والنبوية

فَحَمدَ الله عبارَة عَن تَعْرِيفه وتوصيفه بنعوت جَلَاله وصفات جماله وسمات كَمَاله الْجَامِع لَهَا، سَوَاء كَانَ بِالْحَال أَو بالمقال، وَهُوَ معنى يعم الثَّنَاء بأسمائه فِيهِ جليلة، وَالشُّكْر على نعمائه فَهِيَ جزيلة، والرضى بأقضيته فَهِيَ حميدة، والمدح بأفعاله فَهِيَ جميلَة وَذَلِكَ لِأَن صِفَات الْكَمَال أَعم من صِفَات الذَّات وَالْأَفْعَال، والتعريف بهَا أَعم مِنْهُ بِاللِّسَانِ أَو بالجنان أَو بالأركان

وَأما الْحَمد الذاتي: فَهُوَ على أَلْسِنَة المكملين ظُهُور الذَّات فِي ذَاته لذاته

وَالْحَمْد الحالي: اتصافه بِصِفَات الْكَمَال

(وَالْحَمْد الْفعْلِيّ: إِيجَاد الأكوان بصفاتها حَسْبَمَا يقتضيها فِي كل زمَان وَمَكَان وَنَفس الأكوان أَيْضا محامد دَالَّة على صِفَات مبدعها) سوابقها ولواحقها مثل الْأَقْوَال وَالله سُبْحَانَهُ يثني بِنَفسِهِ على نَفسه {نعم الْمولى وَنعم النصير}

وَقيل: كل مَا أثنى الله بِهِ على نَفسه فَهُوَ فِي الْحَقِيقَة إِظْهَاره بِفِعْلِهِ فحمده لنَفسِهِ بَث آيَاته وَإِظْهَار نعمائه بمحكمات أَفعاله، وعَلى ذَلِك {شهد الله أَنه لَا إِلَه إِلَّا هُوَ} فَإِن شَهَادَته لنَفسِهِ إِحْدَاث الكائنات دَالَّة على وحدانيته، ناطقة بِالشَّهَادَةِ لَهُ، ويثني بِنَفسِهِ على فعله:{نعم العَبْد إِنَّه أواب} ويثني بِفِعْلِهِ على نَفسه كَقَوْل العَبْد: (الْحَمد لله)، ويثني بِفِعْلِهِ على فعله كَقَوْل العَبْد:(نعم الرجل زيد) فَكل حمد إِذن مُضَاف إِلَيْهِ وَإِن اخْتلفت جِهَة الْإِضَافَة

وَالْحَمْد لله تَعَالَى وَاجِب فِي الدُّنْيَا لِأَنَّهُ على نعْمَة متفضل بهَا وَهُوَ الطَّرِيق إِلَى تَحْصِيل نعم الْآخِرَة

وَالْحَمْد لَهُ فِي الْآخِرَة لَيْسَ بِوَاجِب لِأَنَّهُ على نعْمَة وَاجِبَة الإيصال إِلَى مستحقها، وَإِنَّمَا هُوَ تَتِمَّة سرُور الْمُؤمنِينَ، يتلذذون بِهِ كَمَا يتلذذ من بِهِ الْعَطش بِالْمَاءِ الْبَارِد

والحامد فِي بَدْء تصنيفه إِن لم يُقَابل حَمده بِنِعْمَة فَهُوَ حَامِد لُغَة فَقَط، وَإِن قابله بهَا فَهُوَ حَامِد لُغَة وَعرفا، وشاكر لُغَة؛ وَإِن جعله جُزْءا من شكر عرفي بِأَن صرف سَائِر مَا أنعم عَلَيْهِ إِلَى مَا أنعم لَهُ كَمَا صرف لِسَانه فَهُوَ حَامِد لُغَة وَعرفا وشاكر كَذَلِك وَذَلِكَ أَعلَى مَرَاتِب الحامدين

وَأما إِعْرَاب (الْحَمد لله) فَهُوَ فِي الأَصْل من المصادر المنصوبة بالأفعال الْمقدرَة السَّادة مسدها، كَمَا فِي (شكرا) و (سقيا) و (رعيا) وَنَحْوهَا، فَحذف فعله لدلَالَة الْمصدر عَلَيْهِ، ثمَّ عدل إِلَى الرّفْع لقصد الدَّوَام والثبات، وَأدْخل عَلَيْهِ الْألف وَاللَّام فَصَارَ (الْحَمد لله)

وَلما كَانَت نعم الله على كثرتها قسمَيْنِ دائمة ثَابِتَة وحادثة متجددة اخْتلف من هَهُنَا اخْتِيَار الْعلمَاء، مِنْهُم من يخْتَار الْجُمْلَة الاسمية وَمِنْهُم من يخْتَار

ص: 368

الفعلية جَريا على قَضِيَّة التناسب، لَكِن (الْحَمد لله) أبلغ من (أَحْمد الله) و (الله أَحْمد)

أما من الأول فَلِأَنَّهُ يحْتَمل الِاسْتِقْبَال فَيكون وَعدا لَا تنجيزا؛ وَكَونه حَقِيقَة فِي الْحَال عِنْد الْفُقَهَاء لَا يدْفع الِاحْتِمَال؛ على أَن إِرَادَة الْحَال تفِيد انْقِطَاعه من الْجَانِبَيْنِ لعدم مَا يدل على الِاسْتِمْرَار، إِلَّا أَن يُرَاد معنى قَوْلهم:(مَا مضى فَاتَ والمؤمل غيب وَلَك السَّاعَة الَّتِي أَنْت فِيهَا)

وَأما من الثَّانِي فَلِأَن الْحصْر إِنَّمَا يعْتَبر فِي مقَام يكون فِيهِ خطأ يرد إِلَى الصَّوَاب

ومقام الْحَمد من الْمُسلم يَأْبَى أَن يعْتَقد أَن غير الله مَحْمُود اعتقادا خطأ فَيرد إِلَى الصَّوَاب، وَيَقْتَضِي أَن يكون على أسلوب دَال على الثُّبُوت لَهُ دَائِما وَهُوَ (الْحَمد لله)

وَصِيغَة الْمُتَكَلّم مَعَ الْغَيْر وَإِن دلّت على وجود مشارك فِي صفة الحامدين من بني صنفه أَو نَوعه أَو جنسه أَو كل الْعَالمين أَو مِمَّا يخْتَص بِهِ من الْجَوَارِح والموارد مَعَ مَا فِي التَّشْرِيك من الِاسْتِعَانَة والإشفاق وَدفع توهم الِاخْتِصَاص وَغير ذَلِك، لكنه لَا يُفِيد أَيْضا مَا يفِيدهُ (الْحَمد لله) من كَونه تَعَالَى مَحْمُودًا أزلا وأبدا بِحَمْدِهِ الْقَدِيم سَوَاء حمد أَو لم يحمد، وَأَن الْحَمد حَقه وَملكه بِسَبَب كَثْرَة أياديه وأنواع آلائه على الْعباد، وَلَيْسَ فِيهِ ادِّعَاء أَن العَبْد آتٍ بِالْحَمْد، بل تَقول: من أَنا حَتَّى أَحْمَده، لكنه مَحْمُود بِجَمِيعِ حمد الحامدين، وَلِأَن فِيهِ دخل حَمده وَحمد غَيره من أول الْعَالم إِلَى آخِره، بل إِلَى مَا لَا نِهَايَة لَهُ، إِلَى غير ذَلِك من الْفَوَائِد

وَفِي (الْحَمد لله) تَصْرِيح بِأَن الْمُؤثر فِي وجود الْعَالم فَاعل مُخْتَار، لَا مُوجب، كَمَا تَقول بِهِ الفلاسفة، وَلَيْسَ فِي الْمَدْح لله هَذِه الْفَائِدَة، وَفِيه أَيْضا دلَالَة على أَن الْحَمد لأجل كَونه مُسْتَحقّا لَهُ لَا لخُصُوص أَنه أوصل النِّعْمَة إِلَيْهِ فَيكون الْإِخْلَاص أكمل والانقطاع عَمَّا سواهُ أقوى وَأثبت وَلَيْسَ من الشُّكْر لله ذَلِك، بل فِيهِ إِشْعَار بِأَن ذكر تَعْظِيمه إِنَّمَا هُوَ بِسَبَب مَا وصل إِلَيْهِ من النِّعْمَة وَهِي الْمَطْلُوب الْأَصْلِيّ، وَهَذِه دَرَجَة صَغِيرَة

وَإِذا عرفت هَذَا فَنَقُول: إِن فِي الْإِتْيَان بِالْجُمْلَةِ الاسمية الإخبارية لفظا كَمَا هُوَ الأَصْل، والإنشائية معنى كَمَا فِي أَلْفَاظ الْعُقُود وَغَيرهَا على معنى أَنه منشئ للْأَخْبَار أَن كل حمد ثَابت لَهُ لَا أَنه منشئ لكل حمد، محلاة جزؤها الأول بلام لَا يقْصد الْمصدر الْمُؤَكّد إِلَّا بهَا، وَهُوَ لَام الْجِنْس الصَّالح

بِحَسب الْمقَام للاستغراق بتنزيل الْأَفْرَاد الثَّابِتَة للْغَيْر فِي الْمقَام الْخطابِيّ منزلَة الْعَدَم كَمَا وكيفا، وجزؤها الثَّانِي بلام الِاخْتِصَاص الَّذِي يُقَال لَهُ لَام التَّمْلِيك والاستحقاق [لَا سِيمَا فِيهِ] التأسي بمفتتح التَّنْزِيل الْجَلِيل والتنبيه على استغنائه عَن حمد الحامدين [مَعَ مَا فِيهِ من الْإِيمَاء إِلَى أَنه لَا يَلِيق بِذَاتِهِ الْقَدِيم إِلَّا حَمده الْقَدِيم الصَّادِر عَن ذَاته الْقَدِيمَة، وَهَذَا الْمَعْنى على الْعَهْد الرَّاجِح عِنْد بعض الْمُحَقِّقين وَإِمَّا على الْجِنْس والاستغراق]

وَالْمعْنَى أَن مَا يعرفهُ كل أحد من الْمَعْنى الَّذِي يُطلق عَلَيْهِ هَذَا اللَّفْظ أَو جَمِيع أَفْرَاده ثَابت لذاته تَعَالَى بِالْحَقِيقَةِ على وَجه الِاخْتِصَاص، وَأَنه الْحقيق بِهِ بِالِاخْتِيَارِ الْحَقِيقِيّ المنحصر فِيهِ حمد أَو

ص: 369

لم يحمد

وَتَقْدِيم الْحَمد لمزيد الاهتمام لَا لعدم صَلَاحِية التَّخْصِيص فِي التَّأْخِير لَا يلْزم من ثُبُوت الْحَمد لَهُ تَعَالَى قيام الصّفة الْوَاحِدَة بشيئين متغايرين بِالذَّاتِ وَالِاعْتِبَار، إِذْ من الْقَاعِدَة المقررة أَن كل مصدر مُتَعَدٍّ كَمَا يَقْتَضِي الْقيام بالفاعل اقْتِضَاء الْمصدر اللَّازِم إِيَّاه، كَذَلِك يَقْتَضِي التَّعَلُّق بالمفعول، وَهَذَا التَّعَلُّق كالتعلق الْكَائِن فِي قَوْلنَا:(أكرمت زيدا) فَإِن الْإِكْرَام مُتَعَلق بزيد، بِمَعْنى أَنه حينما صدر عَن الْمُتَكَلّم وَقَامَ بِهِ قد تعلق بزيد وَتوجه إِلَيْهِ، لَا أَنه قَامَ بِهِ قِيَامه بفاعله، فَالْمَعْنى حِينَئِذٍ أَن الْحَمد الَّذِي صدر عني وَقَامَ بِي قد تعلق فِي هَذَا الْحِين بجنابة الأقدس وَتوجه إِلَيْهِ لَا إِلَى غَيره، إِذْ لَا حقيق بِهِ غَيره، فَكَمَا أَن الْحَمد حقيق بِهِ فَهُوَ حقيق بِالْحَمْد أَيْضا

الحَدِيث: هُوَ اسْم من التحديث، وَهُوَ الْإِخْبَار، ثمَّ سمي بِهِ قَول أَو فعل أَو تَقْرِير نسب إِلَى النَّبِي عليه الصلاة والسلام، وَيجمع على (أَحَادِيث) على خلاف الْقيَاس

قَالَ الْفراء: وَاحِد الْأَحَادِيث أحدوثة ثمَّ جَعَلُوهُ جمعا للْحَدِيث، وَفِيه أَنهم لم يَقُولُوا أحدوثة النَّبِي

وَفِي " الْكَشَّاف " الْأَحَادِيث اسْم جمع، وَمِنْه حَدِيث النَّبِي

وَفِي " الْبَحْر ": لَيْسَ الْأَحَادِيث باسم جمع، بل هُوَ جمع تكسير ل (حَدِيث) على غير الْقيَاس ك (أباطيل) ، وَاسم الْجمع لم يَأْتِ على هَذَا الْوَزْن، وَإِنَّمَا سميت هَذِه الْكَلِمَات والعبارات أَحَادِيث، كَمَا قَالَ الله تَعَالَى:{فليأتوا بِحَدِيث مثله} لِأَن الْكَلِمَات إِنَّمَا تتركب من الْحُرُوف المتعاقبة المتوالية، وكل وَاحِد من تِلْكَ الْحُرُوف يحدث عقيب صَاحبه، أَو لِأَن سماعهَا يحدث فِي الْقُلُوب من الْعُلُوم والمعاني

والْحَدِيث نقيض الْقَدِيم كَأَنَّهُ لوحظ فِيهِ مُقَابلَة الْقُرْآن

وَحدث أَمر: وَقع

والحادثة وَالْحَدَث والحدثان: بِمَعْنى

والْحَدِيث: مَا جَاءَ عَن النَّبِي

وَالْخَبَر: مَا جَاءَ عَن غَيره، وَقيل: بَينهمَا عُمُوم وخصوص مُطلق، فَكل حَدِيث خبر من غير عكس

والأثر: مَا رُوِيَ عَن الصَّحَابَة، وَيجوز إِطْلَاقه على كَلَام النَّبِي أَيْضا

وَعلم الحَدِيث رِوَايَة: هُوَ علم يشْتَمل على نقل مَا أضيف إِلَى النَّبِي قولا أَو فعلا أَو تقريرا أَو صفة، وموضوعه ذَات النَّبِي عليه الصلاة والسلام من حَيْثُ إِنَّه نَبِي وغايته الْفَوْز بسعادة الدَّاريْنِ

وَعلم الحَدِيث دراية، وَهُوَ المُرَاد عِنْد الْإِطْلَاق: هُوَ علم يعرف بِهِ حَال الرَّاوِي والمروي من حَيْثُ ذَلِك، وغايته معرفَة مَا يقبل وَمَا يرد من ذَلِك؛ ومسائلة مَا يذكر فِي كتبه من الْمَقَاصِد

والمحدثون يطلقون الأسناد، والسند بِمَعْنى الْإِخْبَار عَن رفع الحَدِيث إِلَى قَائِله

فَالْمُسْنَدُ: مَا رفع إِلَى النَّبِي خَاصَّة

والمتصل: مَا اتَّصل إِسْنَاده إِلَى النَّبِي أَو إِلَى وَاحِد من الصاحبة وَكَذَا الْمَوْصُول

ص: 370

وَالْمَوْقُوف: هُوَ الَّذِي رَوَاهُ الصَّحَابِيّ وَلم يسند إِلَى النَّبِي

وَالْمَرْفُوع: هُوَ الَّذِي رَوَاهُ الصَّحَابِيّ وَأسْندَ إِلَى النَّبِي

والمرسل: هُوَ الَّذِي رَوَاهُ التَّابِعِيّ عَن رَسُول الله وَلم يسم الصَّحَابِيّ الَّذِي رَوَاهُ عَنهُ

وَالصَّحِيح: هُوَ الَّذِي اتَّصل إِسْنَاده بِنَقْل الْعدْل فينقل الضَّابِط إِلَى منتهاه.

وَالْحسن: هُوَ الَّذِي يكون رَاوِيه مَشْهُورا بِالصّدقِ وَالْأَمَانَة، غير أَنه لم يبلغ دَرَجَة رجال الصَّحِيح فِي الْحِفْظ والإتقان

وَالَّذِي يرْوى بِإِسْنَادَيْنِ يُقَال لَهُ: حَدِيث حسن صَحِيح

والمقطوع من الحَدِيث: قَول التَّابِعِيّ وَفعله

والمنقطع: مَا سقط من رُوَاته راو وَاحِد غير الصَّحَابِيّ

والشاذ: مَا لَهُ إِسْنَاد وَاحِد، شَذَّ بذلك، فَمَا كَانَ من ثِقَة يتَوَقَّف فِيهِ وَلَا يحْتَج وَمَا كَانَ من غير ثِقَة فمتروك

والغريب: قد يكون من حَدِيث تفرد الرَّاوِي بروايته وَهُوَ مَعَ ذَلِك صَحِيح لكَون كل من نقلته صحابيا، وَقد يكون بمخالفة وَاحِد من الثِّقَات أَصْحَابه

والضعيف: مَا كَانَ أدنى مرتبَة من الْحسن وَقَالَ بَعضهم: هُوَ مَا لم يجمع صِفَات الصَّحِيح وَلَا صِفَات الْحسن، وَهُوَ حجَّة اتِّفَاقًا فِي الْفَضَائِل والمناقب وَمعنى قَوْلهم: لَا يثبت بِالْحَدِيثِ الضَّعِيف الْأَحْكَام أَنه لَا يجوز أَن يتَمَسَّك بِهِ الْمُجْتَهد فِي إِثْبَات الْأَحْكَام الاجتهادية، ويجعله مبْنى مذْهبه ومناط اجْتِهَاده فِي مَسْأَلَة وَهَذَا لَا يُنَافِي أَن يسْتَحبّ الْعَمَل بِالْحَدِيثِ الضَّعِيف الْوَارِد فِي الْفَضِيلَة

والمتواتر: مَا لَيْسَ بمعرفته حَاجَة

والآحاد: مَا يسند إِلَى آحَاد

والمحكم: مَا لَيْسَ بمحتاج إِلَى التَّأْوِيل

والمتشابه: مَا يحْتَاج إِلَى التَّأْوِيل

وَالْقَوِي: مَا قَالَه وَقَرَأَ بعده آيَة من كتاب الله

والناسخ: مَا قَالَه فِي آخر عمره

والمنسوخ: مَا قَالَه فِي أول عمره

وَالْعَام: مَا أَرَادَ بِهِ جَمِيع الْخلق

وَالْخَاص: مَا قضى بِهِ لوَاحِد من الْخلق

والمردود: لَهُ ظَاهر وَلَيْسَ لَهُ معنى وَرِوَايَة كَاف

والمفترى: مَا قَالَه أَبُو مُسَيْلمَة

والمضطرب: مَا اخْتلف رَاوِيه فِيهِ فَرَوَاهُ مرّة على وَجه، وَمرَّة على وَجه آخر مُخَالف لَهُ

والمستفيض: مَا زَاد نقلته على ثَلَاثَة

والْحَدِيث الْمَشْهُور: فِي حق الْعَمَل بِمَنْزِلَة الْمُتَوَاتر والدلائل القطعية، وبمثله يُزَاد على الْكتاب

[الحَدِيث الْمَوْضُوع] : وكل خبر نقل عَن رَسُول الله وأوهم أمرا بَاطِلا وَلم يقبل التَّأْوِيل لمعارضته للدليل الْعقلِيّ فَهُوَ مَكْذُوب على النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَهُوَ الْمُسَمّى بالموضوع

وَسبب الْوَضع نِسْيَان من الرواي لمرويه لطول عَهده بِهِ فيذكر غير مرويه ظَانّا أَنه مرويه، وَهُوَ وضع أَو افتراء أَي كذب عمد على النَّبِي، كوضع

ص: 371

الزَّنَادِقَة أَرْبَعَة عشر ألف حَدِيث يُخَالف الْمَعْقُول تنفيرا للعقلاء عَن شَرِيعَته، أَو غلط من الرَّاوِي كَأَن يُرِيد النُّطْق بِكَلِمَة فَيَسْبق لِسَانه إِلَى النُّطْق بغَيْرهَا

أَو غير ذَلِك، كوضع الخطابية أَحَادِيث نصْرَة لآرائهم، وكوضع الكرامية أَحَادِيث فِي التَّرْغِيب فِي الطَّاعَة والترهيب عَن الْمعْصِيَة، وَكِلَاهُمَا رَاجع إِلَى الافتراء وَعدم شهرة الحَدِيث فِيمَا فِيهِ [عُمُوم] بلوى دَلِيل الافتراء بِهِ أَو دَلِيل النّسخ

والْحَدِيث المتعبد بِلَفْظِهِ، كالأذان وَالتَّشَهُّد وَالتَّكْبِير وَالتَّسْلِيم، وَكَذَا الحَدِيث الْمُتَشَابه وَالَّذِي هُوَ من جَوَامِع الْكَلم الَّتِي أوتيها نَحْو:" الْخراج بِالضَّمَانِ " و " العجماء جَبَّار " لَا يجوز نقلهَا بِغَيْر ألفاظها إِجْمَاعًا

وَاخْتلف فِيمَا سوى ذَلِك وَالْأَكْثَر من الْعلمَاء وَمِنْهُم الْأَئِمَّة الْأَرْبَعَة على جَوَاز نقل الحَدِيث بِالْمَعْنَى للعارف بمدلولات الْأَلْفَاظ ومواقع الْكَلَام من الْخَبَر والإنشاء فَيَأْتِي بِلَفْظ بدل لفظ النَّبِي مسَاوٍ لَهُ فِي الْمَعْنى جلاء وخفاء من غير زِيَادَة فِي الْمَعْنى وَلَا نقص، لِأَن الْمَقْصُود هُوَ الْمَعْنى وَاللَّفْظ آلَة لَهُ وَمن أقوى حجتهم الْإِجْمَاع على جَوَاز شرح الشَّرِيعَة للعجم بلسانهم للعارف بِهِ

وَقَالَ الْبرمَاوِيّ: إِن نسي اللَّفْظ جَازَ، وَإِلَّا فَلَا

وَقيل بِجَوَازِهِ بِلَفْظ مرادف، وَقيل بِجَوَازِهِ وَإِن كَانَ مُوجبه عَاما، وَقيل يمْنَع مُطلقًا

(وَقَالَ بَعضهم: جَوَاز النَّقْل بِالْمَعْنَى فِيمَا إِذا كَانَ اللَّفْظ ظَاهرا مُفَسرًا، فَأَما إِذا كَانَ اللَّفْظ مُشْتَركا أَو مُجملا أَو مُشكلا فَلَا يجوز إِقَامَة لفظ آخر مقَامه بِالْإِجْمَاع، لِأَن فِيهِ احْتِمَال الِاخْتِلَاف بِالْمَعْنَى)

وَقَالَ القَاضِي عِيَاض: يَنْبَغِي سد بَاب الرِّوَايَة بِالْمَعْنَى لِئَلَّا يتسلط من لَا يحسن مِمَّن يظنّ أَنه يحسن، كَمَا وَقع لكثير من الروَاة قَدِيما وحديثا

ويحتج بقول الصَّحَابِيّ: " قَالَ النَّبِي كَذَا "، وَهُوَ الصَّحِيح وَكَذَا بقوله:" عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم أَنه قَالَ كَذَا "، على الْأَصَح وَكَذَا بقوله:" إِن النَّبِي قَالَ كَذَا "

[وَقَول الصَّحَابِيّ فِيمَا لَا طَرِيق إِلَى مَعْرفَته إِلَّا خبر النَّبِي عليه الصلاة والسلام فِي قُوَّة الرّفْع إِلَى النَّبِي عليه الصلاة والسلام]

وَاخْتلفُوا فِي (إِن) بِالنِّسْبَةِ إِلَى غير الصَّحَابِيّ، وَالْجُمْهُور على أَن (عَن) و (إِن) سَوَاء إِذا ثَبت السماع واللقاء

وإيراد الحَدِيث بِلَفْظ (عَن) من غير تَصْرِيح بِالسَّمَاعِ يُسمى عِنْد الْمُحدثين العنعنة

وَاشْترط فِي نقل الحَدِيث الْقِرَاءَة على الشَّيْخ لخوف أَن يدْخل فِي الحَدِيث مَا لَيْسَ مِنْهُ، أَو يَقُول على النَّبِي مَا لم يقلهُ، بِخِلَاف الْقُرْآن فَإِنَّهُ مَحْفُوظ متلقى متداول ميسر فَكل من يسمع من لفظ مُحدث يحدثه يَقُول: حَدثنِي فلَان؛ وَإِن كَانَ مَعَه أحد يَقُول: حَدثنَا فلَان؛ وَلَو قَرَأَ على الْمُحدث بِنَفسِهِ يَقُول: أَخْبرنِي؛ وَإِن قرئَ على الْمُحدث وَهُوَ حَاضر يَقُول: أخبرنَا

وَلَو عرض المستفيد كتابا أَو جُزْءا على الْمُحدث وروى الْمُحدث عَنهُ أَنه سَمَاعه أَو قِرَاءَته أَو تصنيفه فَيَقُول للمستفيد: أجزت لَك أَن تروي عني مَا فِي هَذَا الْكتاب فَإِذا روى المستفيد ذَلِك الْكتاب

ص: 372

يَقُول: أنبأني فلَان؛ وَإِن لم يقل للمستفيد ارو عني هَذَا الْكتاب، بل كتب من مَدِينَة إِلَى مَدِينَة أَنِّي أجزت لفُلَان أَن يروي عني كتابي الْفُلَانِيّ، أَو كتب إِلَيْهِ: يَا فلَان ارو عني الْكتاب الْفُلَانِيّ فَيَقُول إِذا روى ذَلِك الْكتاب: كتب إِلَيّ فلَان وَأَجَازَ لي أَن أروي هَذَا الْكتاب

وَلَو قَالَ الْمُحدث مشافهة: أجزت لَك أَن تروي عني الْكتاب الْفُلَانِيّ من غير أَن يدْفع ذَلِك الْكتاب إِلَيْهِ بِيَدِهِ يَقُول المستفيد: أجازني فلَان، وَلَو قَالَ: أنبأني جَازَ أَيْضا وَيُقَال للنوع الأول: السماع، وَللثَّانِي: الْإِخْبَار، وللثالث: الْعرض والمناولة، وللرابع: الْكِتَابَة، وللخامس: الْإِجَازَة وَالْأول أقوى ثمَّ الثَّانِي ثمَّ الثَّالِث ثمَّ الرَّابِع ثمَّ الْخَامِس

وَفِي " ثمار اليوانع " أَلْفَاظ الرَّاوِي فِي عرض المناولة أَن يَقُول: ناولني فلَان كَذَا، أَو أجازني مَا فِيهِ أَو يَقُول: أَخْبرنِي أَو حَدثنِي مناولة، وَهَذَا مُتَّفق عَلَيْهِ

فَإِن اقْتصر على (حَدثنِي) أَو (أَخْبرنِي) امْتنع فِي الْأَصَح

وَالْمُكَاتبَة: هِيَ أَن يكْتب الشَّيْخ شَيْئا من حَدِيثه، أَو يَأْمر غَيره بكتابته عَنهُ إِمَّا لحاضر عِنْده أَو لغَائِب عَنهُ اقتران بهَا إجَازَة فَهِيَ كالمناولة المقرونة بِالْإِجَازَةِ فِي الصِّحَّة وَالْقُوَّة، وَإِن تجردت عَن الْإِجَازَة صحت أَيْضا وَكَانَت أقوى الْإِجَازَة، وَجزم بذلك فِي " الْمَحْصُول "

وَتجوز الْإِجَازَة لمعدوم كَقَوْلِه: أجزت لفُلَان وَلمن يُولد لَهُ مَا تَنَاسَلُوا

وانعقد الْإِجْمَاع على منع إجَازَة من يُوجد مُطلقًا من غير تَقْيِيد بِنَسْل فلَان، لِأَنَّهَا فِي حكم إجَازَة مَعْدُوم لمعدوم

والشائع عِنْد الْمُحدثين تَخْصِيص التحديث بِالسَّمَاعِ، والإخبار بِمَا يقْرَأ على الشَّيْخ، لَكِن الإِمَام البُخَارِيّ والمغاربة على عدم الْفرق، وَهُوَ الْمَذْهَب عِنْد فُقَهَاء الْحَنَفِيَّة، بل جَازَ جَمِيع الصِّيَغ فِي صُورَة الْإِجَازَة أَيْضا على مَا يُسْتَفَاد من تَقْرِير الشَّيْخ فِي " شرح البُخَارِيّ " لَكِن الْجَزرِي جعل هَذَا التجويز ضَعِيفا، إِلَّا أَنه لَا يَصح تَغْيِير (حَدثنَا) أَو (أخبرنَا) بِالآخِرَة فِي الْكتب الْمُؤَلّفَة

وَلَو قَالَ مُحدث: لَا ترو هَذَا عني، فَإِنَّهُ يروي يروي عَنهُ، لِأَنَّهُ روى مَا سمع، كالمشهور عَلَيْهِ إِذا قَالَ: لَا تشهد عَليّ بِهَذَا الْإِقْرَار

وَلَو قَالَ: لَيْسَ هَذَا حَدِيثي، لَا يروي عَنهُ، لِأَنَّهُ أنكر الرِّوَايَة وَلَو قَالَ بعد ذَلِك، اروه عني جَازَ لَهُ أَن يروي عَنهُ

وَالْأَعْمَى إِذا سمع الحَدِيث فَلهُ أَن يروي فَإِن قَتَادَة ولد أعمى وَقد روى أَحَادِيث كَثِيرَة عَن أنس ابْن مَالك وَعَن غَيره وهم قبلوا رِوَايَته، وَلَو قَرَأَ الْأَحَادِيث على عَالم وَهُوَ يسمع ذَلِك إِلَّا أَنه ذهب عَن سَمعه من الْوسط كَلِمَات فَلَمَّا فرغ مِنْهُ قَالَ لَهُ الْقَارئ ارو عني مَا قَرَأت عَلَيْهِ حل لَهُ أَن يروي عَنهُ تِلْكَ الْأَحَادِيث كالشاهد إِذا قرئَ عَلَيْهِ الصَّك فَسمع بعضه وَذهب عَنهُ بعضه جَازَ لَهُ أَن يشْهد بِمَا فِي الصَّك لِأَنَّهُ قرئَ عَلَيْهِ وَأقر الْمقر بذلك فَشهد على ذَلِك

وَيُقَال: أخرج فلَان فِي مُسْنده عَن فلَان بن فلَان، قَالَ:(كَانَ يَقُول) وَلَفظ (كَانَ يَقُول) حكمه الرّفْع، فَإِن صدر من صَحَابِيّ كَانَ مَرْفُوعا، أَو من تَابِعِيّ فمرفوع مُرْسل

وَإِذا قَالَ الصَّحَابِيّ: من السّنة كَذَا فَهُوَ كَقَوْلِه (قَالَ رَسُول الله) هَذَا هُوَ الْمَذْهَب الصَّحِيح الْمُخْتَار

ص: 373

الَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُور من الْفُقَهَاء والمحدثين والأصوليين قَالُوا: وَيَنْبَغِي لمن أَرَادَ رِوَايَة حَدِيث أَو ذكره أَن ينظر، فَإِن كَانَ صَحِيحا أَو حسنا يَقُول

قَالَ رَسُول الله كَذَا، أَو فعل كَذَا، أَو نَحْو ذَلِك من صِيغ الْجَزْم، وَإِن كَانَ ضَعِيفا فَلَا يُقَال بصيغ الْجَزْم، بل يُقَال رُوِيَ عَنهُ كَذَا، أَو يرْوى عَنهُ كَذَا، أَو جَاءَ عَنهُ كَذَا، أَو يذكر، أَو يحْكى، أَو يُقَال، أَو بلغنَا، أَو مَا أشبه ذَلِك

الْحَال: لفظ الْحَال كَلَفْظِ (التَّمْر) وَالْحَالة ك (التمرة) ، وَالْأول يُنبئ عَن الْإِبْهَام فيناسب الْإِجْمَال، وَالثَّانِي يدل على الْإِفْرَاد فيناسب التَّفْصِيل

وَالْحَال: مَا كَانَ الْإِنْسَان عَلَيْهِ من خير أَو شَرّ، يذكر وَيُؤَنث

وَالْحَال يُطلق على الزَّمَان الْحَاضِر وعَلى الْمعَانِي الَّتِي لَهَا وجود فِي الذِّهْن لَا فِي الْخَارِج كعرضية الْعرض، وجسمية الْجِسْم، وإنسانية الرجل وَالْمَرْأَة فَإِنَّهَا مقومة لَا قَائِمَة؛ وعَلى الْمعَانِي الَّتِي لَهَا وجود فِي الْخَارِج، كالعدد من الثلاثية والأربعية والعشرية؛ وعَلى الْمعَانِي الخارجية الَّتِي يصدر عَنْهَا الْفِعْل والانفعال كَالْحلمِ والشجاعة وأضدادهما

وَالْحَال يخْتَص بِهِ الْإِنْسَان وَغَيره من أُمُوره المتغيرة فِي نَفسه وجسمه وَصِفَاته

والحول: مَا لَهُ من الْقُوَّة فِي أحد هَذِه الْأُصُول الثَّلَاثَة

وَفِي تعارف أهل الْمنطق هِيَ كَيْفيَّة سريعة الزَّوَال نَحْو: حرارة وبرودة ويبوسة ورطوبة عارضة

والهيئة النفسانية أول حدوثها قيل أَن ترسخ تسمى حَالا، وَبعد أَن ترتسخ تسمى ملكة

وَالْأَمر الدَّاعِي إِلَى إِيرَاد الْكَلَام على وَجه مَخْصُوص وَكَيْفِيَّة مُعينَة من حَيْثُ إِنَّه بِمَنْزِلَة زمَان يقارنه ذَلِك الْوَجْه الْمَخْصُوص يُسمى حَالا

وَمن حَيْثُ إِنَّه بِمَنْزِلَة مَكَان حل فِيهِ ذَلِك الْوَجْه يُسمى مقَاما

وَالْحَالة: عبارَة عَن الْمعَانِي الراسخة أَي الثَّابِتَة الدائمة؛ وَالصّفة أَعم مِنْهَا، لِأَنَّهَا تطلق على مَا هُوَ فِي حكم الحركات كَالصَّوْمِ وَالصَّلَاة

وَالْحَال أَعم من الصُّورَة لصدق الْحَال على الْعرض أَيْضا

وَالْمحل: أَعم من الْمَادَّة، لصدق الْمحل على الْمَوْضُوع أَيْضا، والموضوع والمادة متباينان مندرجان تَحت الْحَال

وَأثبت بعض الْمُتَكَلِّمين وَاسِطَة بَين الْمَوْجُود والمعدوم وسماها الْحَال، وَعرف بِأَنَّهَا صفة لَا مَوْجُودَة وَلَا مَعْدُومَة، لَكِنَّهَا قَائِمَة بموجود كالعالمية، وَهِي النِّسْبَة بَين الْعَالم والمعلوم

والأمور النسبية لَا وجود لَهَا فِي الْخَارِج وأسبق الْأَفْعَال فِي الرُّتْبَة الْمُسْتَقْبل ثمَّ فعل الْحَال ثمَّ الْمَاضِي

والمتقدم إِن اعْتبر فِيمَا بَين أَجزَاء الْمَاضِي فَكل مَا كَانَ أبعد من الْآن الْحَاضِر فَهُوَ الْمُتَقَدّم، وَإِن اعْتبر فِيمَا بَين أَجزَاء الْمُسْتَقْبل فَكل مَا هُوَ أقرب إِلَى الْآن الْحَاضِر فَهُوَ الْمُتَقَدّم، وَإِن اعْتبر فِيمَا بَين الْمَاضِي والمستقبل فقد قيل: الْمَاضِي مقدم وَهَذَا هُوَ الصَّحِيح عِنْد الْجُمْهُور

وَتَعْيِين مِقْدَار الْحَال مفوض إِلَى الْعرف بِحَسب الْأَفْعَال، فَلَا يتَعَيَّن لَهُ مِقْدَار مَخْصُوص هَذَا على مَذْهَب الْمُتَكَلِّمين الْقَائِلين بِأَن الزَّمَان موهوم مَحْض مركب من آنات موهومة لَا من أَجزَاء

ص: 374

مَوْجُودَة فَالْآن عِنْدهم جُزْء موهوم لموهوم آخر هُوَ الزَّمَان

وَأما عِنْد الْحُكَمَاء الْقَائِلين بِأَن الزَّمَان مَوْجُود مُتَّصِل فالحال عِنْدهم وَهُوَ الْآن عرض حَال فِي الزَّمَان لَا جُزْء مِنْهُ

وَالْحَال: بَيَان الْهَيْئَة الَّتِي عَلَيْهَا صَاحب الْحَال عِنْد مُلَابسَة الْفِعْل لَهُ وَاقعا مِنْهُ أَو عَلَيْهِ نَحْو: (ضربت زيدا قَائِما) و (جَاءَنِي زيد رَاكِبًا)

وَالْحَال ترفع الْإِبْهَام عَن الصِّفَات، والتمييز يرفع الْإِبْهَام عَن الذَّات

وَالْحَال تكون مُؤَكدَة على عاملها إِذا كَانَ فعلا متصرفا أَو وَصفا يُشبههُ، وَلَا يجوز ذَلِك فِي التَّمْيِيز على الصَّحِيح وتزاد (من) فِي التَّمْيِيز ك (عز من قَائِل) لَا فِي الْحَال

وَالْحَال هِيَ الْفَاعِل فِي الْمَعْنى، وَالْمَفْعُول لَا يكون إِلَّا غير الْفَاعِل أَو فِي حكمه

وَيعْمل فِي الْحَال الْفِعْل اللَّازِم، وَلَيْسَ كَذَلِك الْمَفْعُول

وَلَا يكون الْحَال إِلَّا نكرَة، وَالْمَفْعُول يكون نكرَة وَمَعْرِفَة

وَالْحَال مَتى امْتنع كَونهَا صفة جَازَ مجيئها من النكرَة، وَلِهَذَا جَاءَت مِنْهَا عِنْد تقدمها نَحْو:(فِي الدَّار قَائِما رجل) وَعند جمودها نَحْو: (هَذَا خَاتم حديدا) وَفِيه أَن (خَاتم حديدا) تَمْيِيز لَا حَال، كَمَا صرح بِهِ ابْن الْحَاجِب

وعامل الْحَال لَا يجب أَن يكون فعلا أَو شبهه، بل يجوز أَن يعْمل فِيهِ معنى الْفِعْل، أَي يستنبط مِنْهُ معنى الْفِعْل من غير أَن يكون من صِيغَة الْفِعْل وتركيبه كالظرف وَالْجَار وَالْمَجْرُور وحرف التَّنْبِيه وَاسم الْإِشَارَة وحرف النداء وَالتَّمَنِّي والترجي وحرف الِاسْتِفْهَام، لِأَن فِيهَا معنى الْفِعْل

وَيمْتَنع حذف عَامل الْحَال إِذا كَانَ معنويا

وَالْحَال لَا يتَقَدَّم على الْعَامِل الْمَعْنَوِيّ وَلَا على الْفِعْل غير الْمُتَصَرف وَلَا على الْفِعْل الْمصدر بِمَا لَهُ صدر الْكَلَام وَلَا على الْمصدر بالحروف المصدرية وَلَا الْمصدر بِاللَّامِ الموصولة وَلَا على (أفعل) التَّفْضِيل فِيمَا عدا (هَذَا بسرا أطيب مِنْهُ رطبا) وَلَا على صَاحبه الْمَجْرُور على الْأَصَح نَحْو: (مَرَرْت جالسة بهند) إِلَّا أَن يكون الْحَال ظرفا، فَإِن الْحَال إِذا كَانَت ظرفا أَو حرف جر كَانَ تَقْدِيمهَا على الْعَامِل الْمَعْنَوِيّ أحسن مِنْهُ إِذا لم يكن كَذَلِك

وَالْحَال وصاحبها يشبهان الْمُبْتَدَأ وَالْخَبَر وَلذَلِك يجوز أَن يكون صَاحب الْحَال متحدا، ويتعدد حَاله نَحْو:(جَاءَ زيد رَاكِبًا وضاحكا) ، كَمَا أَن الْمُبْتَدَأ يكون وَاحِدًا ويتعدد خَبره، وَكَذَلِكَ يجوز أَن يَتَعَدَّد خبر مَا دخل عَلَيْهِ نواسخ الِابْتِدَاء وَيجوز أَن يكون الْحَال وَصَاحبه كِلَاهُمَا مُتَعَددًا أَو متحدا، وَيشْتَرط وجود الرابط لكل من الصاحبين كَمَا يشْتَرط وجود الرابط لكل من المبتدأين

وَالْحَال الْمقدرَة: هِيَ أَن تكون غير مَوْجُودَة حِين وَقع الْفِعْل نَحْو: {فادخلوها خَالِدين} وَهِي الْمُسْتَقْبلَة

والمتداخلة: وَهِي الَّتِي تكون حَالا من الضَّمِير فِي مثل: (جَاءَنِي زيد رَاكِبًا كَاتبا) فَإِن (كَاتبا) حَال من الضَّمِير فِي (رَاكِبًا)

ص: 375

[وَقَالَ بَعضهم: إِذا عملت الْحَال الأولى فِي الثَّانِيَة وكانتا بشيئين مُخْتَلفين فَهُوَ التَّدَاخُل، وَإِن كَانَتَا بِشَيْء وَاحِد فَهُوَ الترادف]

والموطئة: هِيَ أَن تَجِيء بالموصوف مَعَ الصّفة نَحْو: {فتمثل لَهَا بشرا سويا} وَإِنَّمَا ذكر (بشرا) تَوْطِئَة لذكر (سويا)

والمثقلة: هِيَ أَن تكون صفة غير لَازِمَة للشَّيْء فِي وجوده عَادَة لَا وضعا وَهِي الجامدة غير المؤولة بالمشتق نَحْو: (هَذَا مَالك ذَهَبا) وَقَالَ بَعضهم: المتنقلة هِيَ الَّتِي ينْتَقل ذُو الْحَال عَنْهَا مثل: (جَاءَنِي زيد رَاكِبًا) فَإِن (زيدا) ينْتَقل عَن الْحَال إِذا كَانَ مَاشِيا

والمؤكدة: هِيَ أَن تكون صفة لَازِمَة لصَاحب الْحَال حَتَّى لَو أمسك عَنْهَا لفهمت من فحوى الْكَلَام وَقَالَ بَعضهم: الْمُؤَكّدَة هِيَ الَّتِي لَا ينْتَقل ذُو الْحَال عَنْهَا مَا دَامَ مَوْجُودا غَالِبا مثل: (زيد أَبوك عطوفا) فَإِن الْأَب لَا ينْتَقل عَنهُ الْعَطف مَا دَامَ مَوْجُودا

والمؤكدة لعاملها نَحْو: {ولى مُدبرا}

ولصاحبها نَحْو: {وَخلق الْإِنْسَان ضَعِيفا}

وَلَا تقع الْحَال من الْمُضَاف إِلَيْهِ لكَونه بِمَنْزِلَة التَّنْوِين من الْمنون من حَيْثُ تكميله للمضاف، إِلَّا أَن يكون مُضَافا إِلَى معموله نَحْو:(عرفت قيام زيد مسرعا) أَو يكون الْمُضَاف جزأه كَقَوْلِه تَعَالَى: {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورهمْ من غل إخْوَانًا} أَو كجزئه كَقَوْلِه تَعَالَى: {اتبع مِلَّة إِبْرَاهِيم حَنِيفا}

وَالْحَال، وَإِن كَانَت لَا تتبع صَاحبهَا إعرابا وتعريفا لَكِن تتبعه إفرادا وتثنية وجمعا وتذكيرا إِلَّا إِذا جرت على غير مَا هِيَ لَهُ، فَحِينَئِذٍ لَا يلْزم الِاتِّبَاع فِي ذَلِك أَيْضا تَقول:(مَرَرْت بِرَجُل قاعدات نساؤه وقائمات جواريه)

وَفعل التَّعَجُّب لَا يَقع حَالا لِأَنَّهُ لَا يَجِيء إِلَّا خَبرا ل (مَا) ، وَإِنَّمَا لم يكن لفعل الْحَال لفظ يتفرد بِهِ عَن الْمُسْتَقْبل ليعرف بِلَفْظِهِ أَنه للْحَال كَمَا كَانَ للماضي، لِأَن الْفِعْل الْمُسْتَقْبل لما ضارع الْأَسْمَاء بِوُقُوعِهِ موقعها وبسائر الْوُجُوه المضارعة الْمَشْهُورَة قوي فأعرب وَجعل بِلَفْظ وَاحِد يَقع لمعينين ليَكُون مُلْحقًا بالأسماء حِين ضارعها والماضي لما لم يضارع الْأَسْمَاء بَقِي على حَاله

وَالْحَال يجْرِي الشَّرْط حَتَّى لَو قَالَ: (أَنْت طَالِق فِي حَال دخولك الدَّار) يصير تَعْلِيقا

والحل الَّذِي تقربه (قد) هُوَ حَال الزَّمَان

وَمَا يبين الْهَيْئَة هُوَ حَال الصِّفَات هَكَذَا قَالَه السَّيِّد وَتَبعهُ الكافيجي وَالْحق أَنَّهُمَا، وَإِن تغايرا، لكنهما متقاربان كَمَا هُوَ شَأْن الْحَال وعاملها، وَحِينَئِذٍ لزم من تقريب الأولى تقريب الثَّانِيَة الْمُقَارنَة لَهَا فِي الزَّمَان [وَالْمرَاد من قَوْلهم:" حَال من أَعم الْأَحْوَال " الْأَوْقَات لَا الْحَال المصطلح]

الْحَرَكَة: هِيَ عبارَة عَن كَون الْجِسْم فِي مَكَان عقيب كَونه فِي مَكَان آخر

والسكون: عبارَة عَن كَون الْجِسْم فِي مَكَان أَزِيد من آن وَاحِد

ص: 376

وَقيل: الْحَرَكَة كونان فِي آنين فِي مكانين، والسكون كونان فِي آنين فِي مَكَان وَاحِد

(وَتطلق الْحَرَكَة تَارَة بِمَعْنى الْقطع وَهُوَ الْأَمر الْمُتَّصِل الَّذِي يعقل للتحرك فِيمَا بَين الْمُبْتَدَأ والمتهى وَتطلق أُخْرَى بِمَعْنى الْحُصُول فِي الْوسط، وَهُوَ حَالَة مُنَافِيَة للاستقرار يكون بهَا الْجِسْم أبدا متوسطا بَين الْمُبْتَدَأ والمنتهى وَالْأولَى مَعْدُومَة اتِّفَاقًا، وَالثَّانيَِة مَوْجُودَة اتِّفَاقًا)

وَالْحَرَكَة مِنْك إِلَى مَوضِع: ذهَاب، وَمن مَوضِع إِلَيْك: مَجِيء

والمتكلمون إِذا أطْلقُوا الْحَرَكَة أَرَادوا بهَا الْحَرَكَة الأينية الْمُسَمَّاة بالنقلة وَهِي المتبادرة فِي اسْتِعْمَال اللُّغَة وَقد تطلق عِنْدهم على الوضعية دون الكمية والكيفية

وَالْحَرَكَة لَا تقع وَصفا بِالذَّاتِ إِلَّا للمتحيز بِالذَّاتِ

والأعراض سَوَاء كَانَت قارة أَو سيالة إِنَّمَا تُوصَف بهَا بتبعية محلهَا كالمتحيز، وَلكنهَا لَا تَقْتَضِي التَّجَوُّز إِذْ لَا اسْتِحَالَة فِي حَرَكَة الْعرض بتبعية حَرَكَة مَحَله

وَالْحَرَكَة أَعم من النقلَة لوُجُود الْحَرَكَة بِدُونِهَا فِيمَن يَدُور فِي مَكَانَهُ

والنقلة أَعم من الْمَشْي لتحققها بِدُونِهِ فِيمَن زحف ودب وَسمي الزَّحْف مشيا فِي قَوْله تَعَالَى: {مِنْهُم من يمشي على بَطْنه} على الِاسْتِعَارَة أَو المشاكلة

وَالْمَشْي جنس الْحَرَكَة الْمَخْصُوصَة وَإِذا اشْتَدَّ فَهُوَ سعي وَإِذا زَاد فَهُوَ عَدو {وَالَّذين يسعون فِي آيَاتنَا معاجزين} أَي: مجتهدين فِي إِظْهَار الْعَجز

والسكون مُقَابل الْحَرَكَة والثبات مُقَابل النقلَة، فَهُوَ أَعم من السّكُون؛ فَإِن الْغُصْن المتمايل ثَابت غير سَاكن

والسكون أَعم من الثَّبَات لِأَنَّهُ سُكُون خَاص

وَالْحَرَكَة الكمية كحكرة النمو، وَهُوَ أَن يزْدَاد مِقْدَار الْجِسْم فِي الطول وَالْعرض والعمق وَذهب الرَّازِيّ إِلَى أَن النمو والذبول ليسَا من الْحَرَكَة الكمية، وَكَلَام الشريف يمِيل إِلَيْهِ

وَالْحَرَكَة الْكَيْفِيَّة المحسوسة كحركة المَاء من الْبُرُودَة إِلَى السخونة. وَالْحَرَكَة الْكَيْفِيَّة النفسانية كحركة النَّفس فِي المعقولات فتسمى فكرا، كَمَا أَنَّهَا فِي المحسوسات تسمى تخيلا

وَالْحَرَكَة الوضعية كحركة الْجِسْم من وضع إِلَى وضع آخر، ككون الْقَاعِدَة قَائِما، وكحركة الْفلك فِي مَكَانَهُ على الاستدارة

وَالْحَرَكَة الأينية كحركة الْجِسْم من مَكَان إِلَى مَكَان آخر

ص: 377

وَالْقُوَّة المحركة إِن كَانَت خَارِجَة عَن المتحرك فالحركة قسرية، وَإِلَّا، فإمَّا أَن تكون الْحَرَكَة بسيطة أَي على نهج وَاحِد، وَإِمَّا مركبة أَي لَا على نهج وَاحِد

والبسيطة إِمَّا بِإِرَادَة وَهِي الْحَرَكَة الفلكية، أَو لَا، وَهِي الْحَرَكَة الطبيعية

والمركبة إِمَّا أَن يكون مصدرها الْقُوَّة الحيوانية أَو لَا

الثَّانِيَة الْحَرَكَة النباتية، وَالْأولَى إِمَّا أَن تكون مَعَ شُعُور بهَا وَهِي الْحَرَكَة الإرادية الحيوانية أَو لَا مَعَ شُعُور وَهِي الْحَرَكَة التسخينية كحركة النبض

وَالْحَرَكَة الإعرابية مَعَ كَونهَا طارئة أقوى من النباتية الدائمة، لِأَن الإعرابية علم لمعان مَقْصُودَة، متميز بَعْضهَا عَن بعض فالإخلال بهَا يُفْضِي إِلَى التباس الْمعَانِي وفوات مَا هُوَ الْغَرَض الْأَصْلِيّ من وضع الْأَلْفَاظ وهيئاتها، أَعنِي الْإِبَانَة عَمَّا فِي الضَّمِير وَيُقَال فِي حَرَكَة الْإِعْرَاب رفع وَنصب وجر وخفض وَجزم وَفِي حركات الْبناء: ضم وَفتح وَكسر ووقف وَمَا بَقِي من أَنْوَاع هَذِه الحركات حَرَكَة تخلص عَن التقاء الساكنين، وحركة حِكَايَة، وحركة نقل، وحركة إتباع، وحركة مُنَاسبَة ثمَّ الحري بِهَذِهِ الْخَواص هُوَ المعرب، لِأَن وجودهَا فِي الْمَبْنِيّ فِي الْجُمْلَة

وَقَوْلهمْ: حرف متحرك، وتحركت الْوَاو، وَنَحْو ذَلِك لَيْسَ بتساهل مِنْهُم، لِأَن الْحَرْف وَإِن كَانَ عرضا فقد يُوصف بالحركة تبعا لحركة مَحَله

وَاخْتلف النَّاس فِي الْحَرَكَة هَل تحدث بعد الْحَرْف أَو مَعَه أَو قبله؟ وَمذهب سِيبَوَيْهٍ أَنَّهَا حَادِثَة بعد حرفها المحرك بهَا، وَهُوَ الصَّحِيح وَقد ثَبت أَن الْحَرَكَة بعض الْحَرْف، فالفتحة بعض الْألف، والكسرة بعض الْيَاء، والضمة بعض الْوَاو فَكَمَا أَن الْحَرْف لَا يُجَامع حرفا آخر فينشآن مَعًا فِي وَقت وَاحِد، فَكَذَا بعض الْحَرْف لَا يجوز أَن ينشأ مَعَ حرف آخر فِي وَقت وَاحِد، لِأَن حكم الْبَعْض فِي هَذَا جَار مجْرى حكم الْكل وَلَا يجوز أَن يتَصَوَّر أَن حرفا من الْحُرُوف حدث بعضه مُضَافا لحرف وبقيته حدث من بعده فِي غير ذَلِك الْحَرْف لَا فِي زمَان وَاحِد وَلَا فِي زمانين

وَاخْتلفُوا أَيْضا فِي حركات الْإِعْرَاب هَل هِيَ سَابِقَة على حركات الْبناء، أَو بِالْعَكْسِ، أَو كل مِنْهُمَا أصل فِي مَوْضِعه؟ قَالَ فِي " التَّبْيِين ": والأقوى هُوَ الأول

الْحمل: حمله على الْأَمر يحملهُ فانحمل: أغراه بِهِ

وَحمله الْأَمر تحميلا فتحمله تحملا

وَحمل عَنهُ: حلم فَهُوَ حمول أَي: ذُو حلم

وحملت الْمَرْأَة تحمل: علقت

وَحمل بِهِ يحمل حمالَة: كفل

وَالْحمل، بِالْكَسْرِ: مَا كَانَ على رَأس أَو ظهر

و [الْحمل]، بِالْفَتْح: مَا كَانَ فِي بطن أَو على شَجَرَة وَيجمع غَالِبا فِي الْقلَّة على (أحمال) ، وَفِي الْكَثْرَة على (حمول)

وَاخْتلفُوا فِي تَفْسِير الْحمل فَقيل: هُوَ اتِّحَاد المتغايرين فِي الْمَفْهُوم بِحَسب الهوية، وَنقض بالأمور العدمية المحمولة على الموجودات الخارجية، كَمَا فِي (زيد أعمى) إِذْ لَا هوية للمعدومات وَقيل: هُوَ اتِّحَاد المتغايرين فِي الْمَفْهُوم بِحَسب الذَّات، أَعنِي مَا صدق عَلَيْهِ

وَيجوز حمل المفهومات العدمية على الموجودات

ص: 378

وَحمل المواطأة: هُوَ أَن يكون الشَّيْء مَحْمُولا على الْمَوْضُوع بِالْحَقِيقَةِ بِلَا وَاسِطَة كَقَوْلِنَا: (الْإِنْسَان حَيَوَان)

وَحمل الِاشْتِقَاق: هُوَ أَن لَا يكون مَحْمُولا عَلَيْهِ بِالْحَقِيقَةِ، بل ينْسب إِلَيْهِ كالبياض بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْإِنْسَان

وَقيل: حمل هُوَ هُوَ حمل المواطأة نَحْو: (زيد نَاطِق) وَحمل ذُو حمل الِاشْتِقَاق نَحْو: (زيد ذُو نطق)

وَحمل الْمُطلق على الْمُقَيد يجب عندنَا إِذا كَانَا فِي حكم وَاحِد فِي حَادِثَة وَاحِدَة، لِأَن الْعَمَل بهما غير مُمكن، فَيجب الْحمل ضَرُورَة مثل صَوْم كَفَّارَة الْيَمين

وَقد حمل الْأُصُول على الْفُرُوع من ذَلِك أَن لَا يُضَاف (ضَارب) إِلَى فَاعله، لِأَنَّك لَا تضيفه إِلَيْهِ مضمرا، فَكَذَلِك مظْهرا لِأَن الْمُضمر أقوى حكما فِي بَاب الْإِضَافَة من الْمظهر لمشابهته للتنوين

والمضمر يحمل على الْمظهر فِي الْإِعْرَاب لكَون الْمظهر أصلا فِيهِ، وَالْحمل على مَا لَهُ نَظِير أولى من الْحمل على مَا لَا نَظِير لَهُ

مثلا (مَرْوَان) يحْتَمل (فعلان) و (مفعال) و (فعولًا) وَالْأول لَهُ نَظِير فَيحمل عَلَيْهِ

وَصفَة اسْم (لَا) الْمَبْنِيّ يجوز فَتحه نَحْو: (لَا رجل ظريف فِي الدَّار) وَهِي فَتْحة بِنَاء، لِأَن الْمَوْصُوف وَالصّفة جعلا كالشيء الْوَاحِد، ثمَّ دخلت (لَا) عَلَيْهِمَا بعد التَّرْكِيب ولايجوز دُخُولهَا عَلَيْهِمَا وهما معربان فبنيا مَعهَا، لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إِلَى جعل ثَلَاثَة أَشْيَاء كشيء وَاحِد وَلَا نَظِير لَهُ

وَالْحمل على أحسن القبيحين كحمل (قَائِما فِي نَحْو: (فِيهَا قَائِما رجل) على الْحَال، لِأَن الْحَال من النكرَة قَبِيح، وَتَقْدِيم الصّفة على الْمَوْصُوف بِأَن ترفع (قَائِما) وَهُوَ أقبح، فَحمل على أحْسنهَا

وَحمل الشَّيْء على الشَّيْء كحذف التَّنْوِين من الِاسْم لمشابهته لما لَا حِصَّة لَهُ فِي التَّنْوِين وَهُوَ الْفِعْل

وَالْحمل على الْأَكْثَر أولى من الْحمل على الْأَقَل، وَمن ثمَّة قَالَ الْأَكْثَرُونَ:(رحمان) غير منصرف، وَإِن لم يكن لَهُ فعل، لِأَن مَا لَا ينْصَرف من (فعلان) أَكثر، فالحمل عَلَيْهِ أولى

وَقَول سِيبَوَيْهٍ أَن الْمَرْفُوع بعد (لَوْلَا) مُبْتَدأ مَحْذُوف الْخَبَر أولى من قَول الْكسَائي أَنه فَاعل بإضمار فعله، لِأَن إِضْمَار الْخَبَر أَكثر من إِضْمَار الْفِعْل

وَالْحمل أَولا على الْمَعْنى ثمَّ على اللَّفْظ غير مَمْنُوع، وَله نَظِير فِي الْقُرْآن؛ وَإِن كَانَ الْكثير بِالْعَكْسِ

وَالْحمل على الْمَعْنى كتأنيث الْمُذكر وَبِالْعَكْسِ، وتصور معنى الْوَاحِد فِي الْجَمَاعَة وَبِالْعَكْسِ، وَغير ذَلِك كَقَوْلِه تَعَالَى:{تلتقطه بعض السيارة} على قِرَاءَة التَّاء و (ذهبت بعض أَصَابِعه) لِأَن بعض السيارة سيارة فِي الْمَعْنى، وَكَذَا بعض الْأَصَابِع إِصْبَع وَكَقَوْلِه تَعَالَى:{فَلَمَّا رأى الشَّمْس بازغة قَالَ هَذَا رَبِّي} أَي: هَذَا الشَّخْص أَو الجرم

{وَمن يقنت مِنْكُن لله وَرَسُوله} : أَرَادَ امْرَأَة، فَحمل فِي الْكل على الْمَعْنى

ص: 379

وَالشَّيْء إِذا حمل على اللَّفْظ جَازَ الْحمل بعده على الْمَعْنى، وَإِذا حمل على الْمَعْنى ضعف الْحمل بعده على اللَّفْظ، لِأَن الْمَعْنى أقوى فَلَا يبعد الرُّجُوع إِلَيْهِ بعد اعْتِبَار اللَّفْظ، ويضعف بعد اعْتِبَار الْمَعْنى الْقوي الرُّجُوع إِلَى الأضعف

وَحمل الشي على نقيضه مثل: {سبع عجاف} حمل على (سمان)

وعدي (رَضِي) ب (على) حملا على (سخط) و (فضل) ب (عَن) حملا على (نقص)

وعلقوا (نسي) حملا على (علم)

وحملوا (جيعان) و (عطشان) على (شبعان) و (رَيَّان) و (ملآن) ، لِأَن بَاب (فعلان) للامتلاء

وحملوا (دخل) معتديا على (خرج) فجاؤوا بمصدره، كمصدر لَكِن هَذَا غير مضطرد لِأَن (ذهب) لَازم، وَمَا يُقَابله جَاءَ مُتَعَدِّيا نَحْو:{أَو جاؤوكم} وعدي (شكر) بِالْبَاء حملا على (كفر) ، وحملوا (كم) الخبرية على (رب) فِي لُزُوم الصَّدْر لِأَنَّهَا نقيضها وحملوا (مَاتَ مَوتَانا) على (حَيّ حَيَوَانا) ؛ لِأَن بَاب (فعلان) للتقلب التحرك و (عدوة) على (صديقَة) وَلَا يثنى (بعض) وَلَا يجمع حملا على (كل)

الحكم، فِي اللُّغَة: الصّرْف وَالْمَنْع للإصلاح، وَمِنْه (حِكْمَة الْفرس) وَهِي الحديدة الَّتِي تمنع عَن الجموح

وَمِنْه: الْحَكِيم، لِأَنَّهُ يمْنَع نَفسه ويصرفها عَن هَواهَا؛ والإحكام والإتقان أَيْضا

وَمِنْه قَوْله تَعَالَى: {أحكمت آيَاته} أَي: منعت وحفظت عَن الغلظ وَالْكذب وَالْبَاطِل وَالْخَطَأ والتناقض

وَمِنْه اسْم الْحَكِيم أَي: الْعَالم صَاحب الْحِكْمَة والمتقن للأمور

وَمعنى الْحَكِيم فِي الله بِخِلَاف مَعْنَاهُ إِذا وصف بِهِ غَيره وَمن هَذَا الْوَجْه قَالَ تَعَالَى: {أَلَيْسَ الله بِأَحْكَم الْحَاكِمين}

وَالْحكم أَيْضا: الْفَصْل والبت وَالْقطع على الْإِطْلَاق

و {آيَات محكمات} مَعْنَاهُ أحكمت عباراتها بِأَن حفظت من الِاحْتِمَال أَو (محكمات) مُشَدّدَة أَي: ذَوَات حِكْمَة، لاشتمالها على الحكم؛ أَو (حاكمات) أَي: منقاد لأحكامها، أَو متقنات لتحكيم نظمها وبلوغ بلاغتها الْغَايَة القصوى؛ أَو ممنوعات من التحريف، أَو موضحات لوضوح مَعَاني الْآيَات كلهَا وَلَا يشْتَرط الوضوح لكل وَاحِد، وَإِلَّا لَكَانَ الْمُحكم غير مُحكم بِالنِّسْبَةِ إِلَى الأعجمي ومتشابه الْقُرْآن [مِمَّا يعلم] على مَا هُوَ مُخْتَار الْمُحَقِّقين عَن ابْن عَبَّاس:" وَأَنا مِمَّن يعلم الْمُتَشَابه "

وَحكم بَينهم وَله وَعَلِيهِ: أَي قضى

وَالْحكم أَعم من الْحِكْمَة، وكل حِكْمَة حكم، وَلَيْسَ كل حكم حِكْمَة

وَالْحكم فِي الْعرف إِسْنَاد أَمر إِلَى آخر إِيجَابا أَو سلبا، و [فِي اصْطِلَاح أهل الْمِيزَان] : إِدْرَاك

ص: 380

وُقُوع النِّسْبَة أَو لَا وُقُوعهَا، وَهُوَ الحكم المنطقي

وَفِي اصْطِلَاح أَصْحَاب الْأُصُول: خطاب الله الْمُتَعَلّق بِأَفْعَال الْمُكَلّفين بالاقتضاء أَو التَّخْيِير، وَيُقَال لَهُ الْكَلَام النَّفْسِيّ ومدلول الْأَمر وَالنَّهْي والإيجاب وَالتَّحْرِيم، وَيُسمى هَذَا بالاختصاصات الشَّرْعِيَّة، وَأثر الْخطاب الْمُتَرَتب على الْأَفْعَال الشَّرْعِيَّة، وَهَذَا يُسمى بالتصرفات الْمَشْرُوعَة، وَهُوَ نَوْعَانِ: دُنْيَوِيّ كالصحة فِي الصَّلَاة وَالْملك فِي البيع وأخروي كالثواب وَالْعِقَاب وَجَمِيع المسببات الشَّرْعِيَّة عَن الْأَسْبَاب الشَّرْعِيَّة، كل ذَلِك مَحْكُوم لله تَعَالَى ثَبت بِحكمِهِ وإيجاده وتكوينه وَإِنَّمَا سمي حكم الله على لِسَان الْفُقَهَاء بطرِيق الْمجَاز عندنَا، خلافًا للمعتزلة والأشعرية، فَإِن عِنْدهم التكوين عين المكون كَمَا عرفت فِيمَا تقدم

وَحكم الشَّرْع مَا ثَبت جبرا لَا اخْتِيَارا للْعَبد فِيهِ، وَمَا ثَبت جبرا هِيَ الصّفة الثَّابِتَة للْفِعْل شرعا، لَا نفس الْفِعْل الَّذِي اتّصف بِالْوُجُوب وَالْحسن والقبح وَالصِّحَّة وَالْفساد، لِأَن نفس الْفِعْل يحصل بِاخْتِيَار العَبْد وَكَسبه وَإِن كَانَ خالقه هُوَ الله تَعَالَى

وَالْحكم الشَّرْعِيّ: مَا لَا يدْرك لَوْلَا خطاب الشَّارِع: سَوَاء ورد الْخطاب فِي عين هَذَا الحكم أَو فِي صُورَة يحْتَاج إِلَيْهَا هَذَا الحكم كالمسائل القياسية، إِذْ لَوْلَا خطاب الشَّارِع فِي الْمَقِيس عَلَيْهِ لَا يدْرك الحكم فِي الْمَقِيس

وَالْحكم الْعقلِيّ: إِثْبَات أَمر لآخر أَو نَفْيه عَنهُ من غير توقف على تكَرر وَلَا وضع وَاضع، وينحصر فِي الْوُجُوب والاستحالة وَالْجَوَاز

وَالْحكم العادي: إِثْبَات ربط بَين أَمر وَآخر وجودا أَو عدما بِوَاسِطَة تكَرر الْقُرْآن بَينهمَا على الْحس مَعَ صِحَة التَّخَلُّف وَعدم تَأْثِير أَحدهمَا فِي الآخر الْبَتَّةَ

وَالْحكم العادي القولي: كرفع الْفَاعِل وَنصب الْمَفْعُول وَنَحْو ذَلِك من الْأَحْكَام النحوية واللغوية

وَالْحكم العادي الْعقلِيّ: كَقَوْلِنَا فِي الْإِثْبَات: (شراب السكنجين مسكن للصفراء) وَفِي النَّفْي: (الفطير من الْخبز لَيْسَ بسريع الانهضام)

وَقد يُطلق العادي على مَا يسْتَند إِلَى شَيْء من الْعقل وَالنَّقْل، وَيُطلق أَيْضا على مَا اسْتَقر فِي النُّفُوس من الْأُمُور المتكررة المقبولة عِنْد الطباع السليمة، وعَلى مَا اسْتمرّ الزَّمَان على حكمه وَعَاد إِلَيْهِ مرّة بعد أُخْرَى، وعَلى مَا وَقع فِي الْخَارِج على صفة اتِّفَاقًا

وَالْحكم عِنْد أهل الْمَعْقُول يُطلق وَيُرَاد بِهِ الْقَضِيَّة، إطلاقا لاسم الْجُزْء على الْكل

وَقد يُطلق على التَّصْدِيق وَهُوَ الْإِيقَاع والانتزاع، وعَلى مُتَعَلّقه، وَهُوَ الْوُقُوع واللاوقوع، وعَلى النِّسْبَة الْحكمِيَّة، وعَلى الْمَحْمُول، فَإِذا أطلق الحكم على وُقُوع النِّسْبَة أَو لَا وُقُوعهَا فَهُوَ بِهَذَا الْمَعْنى من قبيل الْمَعْلُوم وَمن أَجزَاء الْقَضِيَّة وَإِذا أطلق على إِيقَاع النِّسْبَة أَو انتزاعها فَهُوَ بِهَذَا الْمَعْنى من قبيل الْعلم والتصديق عِنْد الحكم

فَاخْتَارَ الْعَلامَة التَّفْتَازَانِيّ فِي عبارَة مرجع صدق الْخَبَر أَو كذبه عِنْد الْجُمْهُور إِلَى مُطَابقَة حكمه

ص: 381

للْوَاقِع أَو عدم مطابقته الْمَعْنى الأول، وَأَن التغاير بَين المطابق والمطابق بِالِاعْتِبَارِ إِلَى آخر مَا قَالَ

وَذهب الْعَلامَة الشريف إِلَى أَن المُرَاد بِهِ هَهُنَا الْمَعْنى الثَّانِي، وَأَن الْمُغَايرَة بَينهمَا ذاتية إِلَى آخر مَا قَالَ أَيْضا، فَمَا اخْتَارَهُ السعد أوفق لكَلَام أهل الْعَرَبيَّة، وَمَا اخْتَارَهُ السَّيِّد إِنَّمَا يلائم رَأْي أَرْبَاب الْمَعْقُول

الْحِكْمَة: هِيَ الْعدْل وَالْعلم وَالْحكم والنبوة وَالْقُرْآن وَالْإِنْجِيل: وَوضع الشَّيْء فِي مَوْضِعه، وصواب الْأَمر وسداده وأفعال الله كَذَلِك، لِأَنَّهُ يتَصَرَّف بِمُقْتَضى الْملك فيفعل مَا يَشَاء، وَافق غَرَض الْعباد أم لَا

وَفِي عرف الْعلمَاء: هِيَ اسْتِعْمَال النَّفس الإنسانية باقتباس الْعُلُوم النظرية واكتساب الملكة التَّامَّة على الْأَفْعَال الفاضلة قدر طاقتها

وَقَالَ بَعضهم: الْحِكْمَة هِيَ معرفَة الْحَقَائِق على مَا هِيَ بِقدر الِاسْتِطَاعَة، وَهِي الْعلم النافع الْمعبر عَنهُ بِمَعْرِِفَة مَا لَهَا وَمَا عَلَيْهَا الْمشَار إِلَيْهِ بقوله تَعَالَى:{وَمن يُؤْت الْحِكْمَة فقد أُوتِيَ خيرا كثيرا}

وإفراطها: الجربزة: وَهِي اسْتِعْمَال الْفِكر فِيمَا لَا يَنْبَغِي كالمتشابهات، وعَلى وَجه لَا يَنْبَغِي كمخالفة الشَّرَائِع

وتفريطها: الغباوة الَّتِي هِيَ تَعْطِيل الْقُوَّة الفكرية وَالْوُقُوف عَن اكْتِسَاب الْعلم وَهَذِه الْحِكْمَة غير الْحِكْمَة الَّتِي هِيَ الْعلم بالأمور الَّتِي وجودهَا من أفعالنا، بل هِيَ ملكة تصدر مِنْهَا أَفعَال متوسطة بَين أَفعَال الجربزة والبلاهة

{وَيُعلمهُم الْكتاب وَالْحكمَة} أَي: السّنة، ذكره قَتَادَة وَوجه الْمُنَاسبَة أَن الْحِكْمَة تنتظم الْعلم وَالْعَمَل، كَمَا أَن السّنة تنتظم القَوْل وَالْفِعْل

{وَمَا أنزل عَلَيْكُم من الْكتاب وَالْحكمَة} يَعْنِي: مواعظ الْقُرْآن

{وَلَقَد آتَيْنَا لُقْمَان الْحِكْمَة} يَعْنِي الْفَهم وَالْعلم

{فقد آتَيْنَا آل إِبْرَاهِيم الْكتاب وَالْحكمَة}

يَعْنِي النُّبُوَّة

{ادْع إِلَى سَبِيل رَبك بالحكمة} يَعْنِي بِالْقُرْآنِ

وَجَمِيع هَذِه الْوُجُوه عِنْد التَّحْقِيق يرجع إِلَى الْعلم [وَأكْثر أهل الْعلم على أَن الْحِكْمَة لَيست للْعلم الْمُجَرّد بل للْعلم مَعَ زِيَادَة مُبَالغَة فِيهِ، أَو للْعلم مَعَ الْعَمَل، وَأمر التَّقْدِيم وَالتَّأْخِير بَينهمَا إِنَّمَا يكون بِحَسب اقْتِضَاء الْمقَام، فَفِي سُورَة الْبَقَرَة فِي قَوْله جلّ شَأْنه:{سُبْحَانَكَ لَا علم لنا إِلَّا مَا علمتنا} إِلَى آخِره قد وَقع الْكَلَام فِي الْعلم، وَكَذَا فِي الانفال فِي قَوْله جلّ شَأْنه:{وَإِن يُرِيدُوا خِيَانَتك} إِلَى آخِره فَإِن الْكَلَام سبق فِي علم الله خِيَانَة الخائنين، وَكَذَلِكَ فِي سُورَة يُوسُف فِي قَوْله تَعَالَى:{ويعلمك من تَأَول الْأَحَادِيث} وَأما فِي سُورَة الذريات فَإِن الْآيَة سيقت لإِظْهَار الْحِكْمَة فَإِن إيتَاء الْوَلَد للشَّيْخ الْهَرم وَالْمَرْأَة الْعَقِيم على مَا قَالَ فِي سُورَة هود من بَاب

ص: 382

الْحِكْمَة فتقديمها فِي نَحره ومقطعه]

وَالْحكمَة تراعي فِي الْجِنْس لَا فِي الْأَفْرَاد

فالحكمة فِي فَسَاد البيع بِشَرْط لَا يَقْتَضِيهِ العقد، ولأحد الْعَاقِدين نفع لاحْتِمَال النزاع، فَلَا يَنْقَلِب صَحِيحا فِيمَا إِذا لم يُوجد النزاع فِي بعض الْأَفْرَاد، فَحق الْفَسْخ ثَابت لمن لَهُ النَّفْع

وَالْحكمَة فِي حُرْمَة الْخمر الْبغضَاء والصدود عَن الصَّلَاة، فَلَا عِبْرَة بِعَدَمِ وُقُوعهَا فِي بعض الْأَفْرَاد

وَالْحُرْمَة ثَابِتَة لكل أحد

الْحصْر: هُوَ إِثْبَات الحكم ونفيه عَمَّا عداهُ يحصل بِتَصَرُّف فِي التَّرْكِيب، كتقديم مَا حَقه التَّأْخِير من متعلقات الْفِعْل وَالْفَاعِل الْمَعْنَوِيّ وَالْخَبَر وتعريف الْمسند والمسند إِلَيْهِ

والأصولي يعْتَبر بعض أَنْوَاع الْحصْر وَهُوَ أَن يعرف الْمُبْتَدَأ بِحَيْثُ يكون ظَاهرا فِي الْعُمُوم، سَوَاء كَانَ صفة أَو اسْم جنس، وَيجْعَل الْخَبَر مَا هُوَ أخص مِنْهُ بِحَسب الْمَفْهُوم، سَوَاء كَانَ علما أَو غَيره مثل:(الْعَالم زيد) و (الرجل بكر) و (صديقي خَالِد)

وَلَا خلاف فِي ذَلِك بَين عُلَمَاء الْمعَانِي متمسكا بِاسْتِعْمَال الفصحاء، وَلَا فِي عَكسه أَيْضا مثل:(زيد الْعَالم المنطلق) حَتَّى قَالَ صَاحب " الْمِفْتَاح ": (المنطلق زيد) و (زيد المنطلق) كِلَاهُمَا يُفِيد حصر الانطلاق على زيد، والحصر رَاجع إِلَى التَّقْسِيم وَالسير إِلَى الأشكال

والحصر الْعقلِيّ: هُوَ الدائر بَين النَّفْي وَالْإِثْبَات لَا يجوز الْعقل فِيمَا وَرَاءه شَيْئا آخر نَحْو قَوْلنَا: (الْعدَد إِمَّا زوج وَإِمَّا فَرد) والحقيقي كَذَلِك

والوقوعي: هُوَ مَا يكون وُقُوعه بِحَسب الاستقراء والتتبع بِكَلَام الْعَرَب كانحصار الدّلَالَة اللفظية فِي الْعَقْلِيَّة والطبعية والوضعية وكانحصار الْكَلِمَة فِي الْأَقْسَام الثَّلَاثَة، إِذْ الْمعَانِي ثَلَاثَة: ذَات، وَحدث، ورابطة وَيجوز أَن يكون فِيمَا وَرَاءه شَيْء آخر كمخالفة وَبَين بَين وَقَالَ ابْن الخباز: وَلَا يخْتَص انحصار الْكَلِمَة فِي الْأَنْوَاع الثَّلَاثَة بلغَة الْعَرَب، لِأَن الدَّلِيل الدَّال على الانحصار فِي الثَّلَاثَة عَقْلِي، والأمور الْعَقْلِيَّة لَا تخْتَلف باخْتلَاف اللُّغَات

والحصر الجعلي: هُوَ مَا يكون بِحَسب جعل الْجَاعِل، كانحصار الْكتب فِي الْفُصُول والأبواب المعدودة

والوضعي كَذَلِك

وَحصر الْكل فِي أَجْزَائِهِ: هُوَ الَّذِي لَا يَصح إِطْلَاق اسْم الْكل على أَجْزَائِهِ، كانحصار الْعشْرَة فِي أَجْزَائِهَا

وطرق الْحصْر: النَّفْي ب (لَا) وب (مَا) وَغَيرهمَا، وَالِاسْتِثْنَاء ب (إِلَّا) وَغَيرهمَا، (وَإِنَّمَا) بِالْكَسْرِ وَالْفَتْح عِنْد الْبَعْض، والعطف ب (لَا) وب (بل) ، وَتَقْدِيم الْمَعْمُول، وَضمير الْفَصْل، وَتَقْدِيم الْمسند إِلَيْهِ، وَتَقْدِيم الْمسند، وتعريف الجزأين نَحْو: الْحَمد لله، (والمنطلق زيد)، وقلب بعض حُرُوف الْكَلِمَة كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى:{وَالَّذين اجتنبوا الطاغوت} لِأَن وَزنه (فعلوت) من (الطغيان) قلب بِتَقْدِيم اللَّام، فوزنه (فعلوت) ، وَالْقلب للاختصاص، إِذْ لَا يُطلق على غير الشَّيْطَان،

ص: 383

وَنَحْو: (جَاءَ زيد نَفسه) و (إِن زيدا الْقَائِم) ، وَنَحْو (قَائِم) فِي جَوَاب (زيد إِمَّا قَائِم أَو قَاعد)[وَفِي كل من أَدَاة الْحصْر نُكْتَة بِحَسب الْمقَام]

وَحصر الجزئي وإلحاقه بالكلي: هُوَ أَن يَأْتِي الْمُتَكَلّم إِلَى نوع فَيَجْعَلهُ بالتعظيم بِهِ جِنْسا بعد حصر أَقسَام الْأَنْوَاع فِيهِ والأجناس كَقَوْلِه تَعَالَى:

(وَعِنْده مفاتح الْغَيْب لَا يعلمهَا إِلَّا هُوَ وَيعلم مَا فِي الْبر وَالْبَحْر} فَإِنَّهُ حصر الجزيئات المتولدات فَرَأى الِاقْتِصَار على ذَلِك لَا يكمل بِهِ التمدح لاحْتِمَال أَن يظنّ أَنه يعلم الكليات دون الجزيئات فَإِن المتولدات، وَإِن كَانَت جزئيات بِالنِّسْبَةِ إِلَى جملَة الْعَالم، فَكل وَاحِد مِنْهَا كلي بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَا تَحْتَهُ من الْأَجْنَاس والأنواع والأصناف، فَقَالَ لكَمَال التمدح:{وَمَا تسْقط من ورقة إِلَّا يعلمهَا} وَلما علم سُبْحَانَهُ أَن علم ذَلِك يُشَارِكهُ فِيهِ كل ذِي إِدْرَاك تمدح بِمَا لَا يُشَارِكهُ فِيهِ أحد فَقَالَ: {وَلَا حَبَّة فِي ظلمات الأَرْض وَلَا رطب وَلَا يَابِس إِلَّا فِي فِي كتاب مُبين}

الْحَذف: حذفه: أسْقطه

و [حذفه] من شعره: أَخذه

و [حذفه] بالعصا: رَمَاه بهَا

و [حذف] فلَانا بجائزة: وَصله بهَا

و [حذف] السَّلَام: خففه وَلم يطلّ القَوْل بِهِ

والحذف: إِسْقَاط الشَّيْء لفظا وَمعنى

والإضمار: إِسْقَاط الشَّيْء لفظا لَا معنى

والحذف: مَا ترك ذكره فِي اللَّفْظ وَالنِّيَّة كَقَوْلِك (أَعْطَيْت زيدا)

والإضمار: مَا ترك ذكره من اللَّفْظ وَهُوَ مُرَاد بِالنِّيَّةِ

وَالتَّقْدِير كَقَوْلِه تَعَالَى: {وأسال الْقرْيَة} [وعلماء الْمعَانِي يعبرون عَن إِسْقَاط الْمسند إِلَيْهِ عَن اللَّفْظ بالحذف عَن إِسْقَاط الْمسند بِالتّرْكِ]

والحذف مقدم على الْإِتْيَان لتأخير وجود الْحَادِث عَن عَدمه

وأصالة الْحَذف بِمَعْنى السَّابِق والقدم

وأصالة الذّكر بِمَعْنى الشّرف وَالْكَرم؛ وَهَذِه لَا تَقْتَضِي نُكْتَة زَائِدَة عَلَيْهِ، وَتلك تستدعي نُكْتَة باعثة دَاعِيَة إِلَيْهِ

والحذف فِي الذَّات، وَالسَّلب فِي الصِّفَات

والحذف والتضمين وَإِن اشْتَركَا فِي أَنَّهُمَا خلاف الأَصْل، لَكِن فِي التَّضْمِين تَغْيِير معنى الأَصْل، وَلَا كَذَلِك الْحَذف

وَشرط الْحَذف والإضمار هُوَ أَن يكون ثمَّة مُقَدّر نَحْو: {وأسأل الْقرْيَة} بِخِلَاف الإيجاز فَإِنَّهُ عبارَة عَن اللَّفْظ الْقَلِيل الْجَامِع للمعاني بِنَفسِهِ

وَمن جملَة فَوَائِد الْحَذف التفخيم والإعظام لما فِيهِ من الْإِبْهَام لذهاب الذِّهْن كل مَذْهَب فَرجع قاصرا عَن إِدْرَاكه فَيُفِيد ذَلِك تَعْظِيم شَأْنه وَيزِيد فِي النَّفس مكانة وَزِيَادَة لَذَّة استنباط الذِّهْن الْمَحْذُوف، وَكلما كَانَ الشُّعُور بالمحذوف أعْسر كَانَ الالتذاذ بِهِ أَشد، وَزِيَادَة الْأجر بِسَبَب الِاجْتِهَاد فِي ذَلِك

وَمن جملَة أَسبَابه مُجَرّد (الِاخْتِصَار والاحتراز عَن

ص: 384

الْعَبَث بِنَاء على الظَّاهِر، والتنبيه على تقاصر الزَّمَان عَن إتْيَان الْمَحْذُوف، وَأَن الِاشْتِغَال بِهِ يُفْضِي إِلَى) فَوت المهم، والتفخيم والإعظام وَالتَّخْفِيف لِكَثْرَة دورانه فِي كَلَامهم، ورعاية الفواصل وصيانة الْمَحْذُوف تَشْرِيفًا لَهُ، وصيانة اللِّسَان عَنهُ تحقيرا لَهُ، وَغير ذَلِك

وَمن جملَة أدلته أَنه يدل عَلَيْهِ الْعقل حَتَّى يَسْتَحِيل صِحَّته بِلَا تَقْدِير، كَمَا فِي {واسأل الْقرْيَة}

وَالْعَادَة الشَّرْعِيَّة كَمَا فِي {إِنَّمَا حرم عَلَيْكُم الْميتَة} أَي: التَّنَاوُل وَيدل الْعقل على الْحَذف وَالْعَادَة على التَّعْيِين كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {فذالكن الَّذِي لمتنني فِيهِ} ، فَإِن يُوسُف النَّبِي لَيْسَ مَحل اللوم، فَتعين أَن يكون غَيره عقلا، وَعين الْعَادة مراودتها للوم، إِذْ الْحبّ لَا يلام عَلَيْهِ صَاحبه لكَونه اضطراريا

وتدل الْعَادة على تعْيين الْمَحْذُوف كَقَوْلِه تَعَالَى: {بِسم الله} فَإِن اللَّفْظ يدل على أَن فِيهِ حذفا، وَدلّ الشَّرْع على تَعْيِينه من قِرَاءَة أَو أكل أَو شرب أَو غير ذَلِك

وَمن جملَة الْأَدِلَّة اللُّغَة ك (ضربت) فَإِن اللُّغَة شاهدة على أَن الْفِعْل الْمُتَعَدِّي لَا بُد لَهُ من مفعول، لَكِن لَا على التَّعْيِين وَتقدم مَا يدل على الْحَذف إِمَّا فِي سِيَاقه أَو فِي مَوضِع آخر.

وَمن جملَة شُرُوط الْحَذف أَن يكون فِي الْمَذْكُور دلَالَة على الْمَحْذُوف إِمَّا من لَفظه أَو من سِيَاقه، وَهَذَا من قَوْلهم: لَا بُد أَن يكون فِيمَا أبقى دَلِيل على مَا ألْقى وَإِلَّا يصير اللَّفْظ مخلا بالفهم، وَتلك الدّلَالَة مقالية وحالية

فالمقالية: قد تحصل من إِعْرَاب اللَّفْظ، وَذَلِكَ كَمَا إِذا كَانَ مَنْصُوبًا فَيعلم أَن لَهُ ناصبا، وَإِذا لم يكن ظَاهرا لم يكن بُد من التَّقْدِير نَحْو:{أَهلا وسهلا ومرحبا}

والحالية: قد تحصل من النّظر إِلَى الْمَعْنى، وَالْعلم لَا يتم إِلَّا بِمَحْذُوف كَمَا فِي قَوْلنَا:(فلَان يحل ويربط) أَي: يحل الْأُمُور ويربطها، وَقد تدل الصِّنَاعَة النحوية على التَّقْدِير كَقَوْلِهِم فِي (لَا أقسم) لَا أَنا أقسم، لِأَن الْفِعْل الحالي لَا يقسم عَلَيْهِ، وَقد تَتَعَدَّد الْأَدِلَّة وَالتَّقْدِير بحسبها وَهَذَا الشَّرْط مُحْتَاج إِلَيْهِ إِذا كَانَ الْمَحْذُوف جملَة بأسرها نَحْو:{قَالُوا سَلاما} أَي: سلمنَا سَلاما أَو ركنا نَحْو: {قَالَ سَلام قوم منكرون} أَي: سَلام عَلَيْكُم أَنْتُم قوم منكرون

وأقسام الْحَذف: الاقتطاع: وَهُوَ ذكر حرف من الْكَلِمَة وَإِسْقَاط الْبَاقِي وَقد جعل مِنْهُ بَعضهم فواتح السُّور، لِأَن كل حرف يدل على اسْم من أَسمَاء الله تَعَالَى، وَقيل فِي قَوْله تَعَالَى:{وأمسحوا برؤوسكم} إِن الْبَاء هَهُنَا أول كلمة بعض وَفِي الحَدِيث: " كن بِالسَّيْفِ شاه " أَي: شَاهدا

والاكتفاء: وَهُوَ أَن يَقْتَضِي الْمقَام ذكر شَيْئَيْنِ بَينهمَا تلازم وارتباط فيكتفى بِأَحَدِهِمَا عَن الآخر، وَيخْتَص بالارتباط العطفي غَالِبا كَقَوْلِه تَعَالَى:

ص: 385

{الَّذين يُؤمنُونَ بِالْغَيْبِ} أَي: وَالشَّهَادَة، آثر الْغَيْب لكَونه أمدح ولكونه مستلزما للْإيمَان بِالشَّهَادَةِ من غير عكس، وَلَيْسَ من هَذَا الْقَبِيل {سرابيل تقيكم الْحر} فَإِن الْآيَة مسوقة لامتنان وقاية الْحر، فَلَا حَاجَة إِلَى اعْتِبَار الْبرد

والتضمين وَهُوَ أَن يضمر فِي الْكَلَام جُزْءا كَقَوْل الْفَقِيه: النَّبِيذ مُسكر فَهُوَ حرَام، فَإِنَّهُ أضمر وكل مُسكر حرَام

وَيكون فِي الْقيَاس الاستثنائي كَقَوْلِه تَعَالَى: {لَو كَانَ فيهمَا آلِهَة إِلَّا الله لفسدتا} وَأَن يسند الْفِعْل لشيئين وَهُوَ فِي الْحَقِيقَة لأَحَدهمَا فَيقدر للْآخر فعل يُنَاسِبه، كَقَوْلِه تَعَالَى:{وَالَّذين تبوؤا الدَّار وَالْإِيمَان} أَي: واعتقدوا الْإِيمَان

وَأَن يَقْتَضِي الْأَمر شَيْئَيْنِ فَيقْتَصر على أَحدهمَا لِأَنَّهُ الْمَقْصُود كَقَوْلِه تَعَالَى حِكَايَة عَن فِرْعَوْن: {فَمن رَبكُمَا يَا مُوسَى} وَلم يقل (وَهَارُون) ، لِأَن الْمَقْصُود هُوَ المتحمل لأعباء الرسَالَة

وَأَن يذكر شَيْئَانِ وَيعود الضَّمِير إِلَى أَحدهمَا كَقَوْلِه تَعَالَى: {وَإِن طَائِفَتَانِ من الْمُؤمنِينَ اقتتلو}

وَقد يحذف من الْكَلَام الأول لدلَالَة الثَّانِي عَلَيْهِ، وَقد يعكس

وَقد يحْتَمل اللَّفْظ لأمرين

والاختزال: وَهُوَ حذف كلمة أَو أَكثر، وَهِي إِمَّا اسْم أَو فعل أَو حرف فَمن الأول حذف الْمُبْتَدَأ كَقَوْلِه تَعَالَى:{سيقولون ثَلَاثَة} أَي: هم

وَحذف الْخَبَر نَحْو: {أكلهَا دَائِم وظلها} أَي: دَائِم

وَقد يحذفان جملَة كَقَوْلِه تَعَالَى: {والائي يئسن من الْمَحِيض من نِسَائِكُم}

وَحذف الْفَاعِل مَشْهُور امْتِنَاعه إِلَّا فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع فِيمَا إِذا بني الْفِعْل للْمَفْعُول

وَفِي الْمصدر إِذا لم يذكر مَعَه الْفَاعِل مظْهرا يكون محذوفا وَلَا يكون مضمرا، وَفِيمَا إِذا لَاقَى الْفَاعِل سَاكِنا من كلمة أُخْرَى كَقَوْلِك للْجَمَاعَة:(اضربوا الْقَوْم) وَجوزهُ الْكسَائي مُطلقًا إِذا وجد مَا يدل عَلَيْهِ كَقَوْلِه تَعَالَى: {كلا إِذا بلغت التراقي} أَي: الرّوح

وَالْحق أَن الْفَاعِل هَهُنَا مُضْمر وَالْفرق بَينهمَا وَاضح

وَحذف الْمَفْعُول نَحْو: {فَأَما من أعْطى وَاتَّقَى} ، {وَمَا وَدعك رَبك وَمَا قلى} وَهَذَا كثير فِي مفعول الْمَشِيئَة والإرادة

وَحذف الْفَاعِل ونيابة الْمَفْعُول نَحْو: {وَمَا لأحد عِنْده من نعْمَة تجزى}

وَحذف الْمُضَاف نَحْو: {إِن مَعَ الْعسر يسرا} وَهُوَ الِانْقِضَاء

ص: 386

وَحذف الْمُضَاف إِلَيْهِ يكثر فِي يَاء الْمُتَكَلّم نَحْو: {رب اغْفِر لي} وَفِي الغايات نَحْو: {لله الْأَمر من قبل وَمن بعد} أَي: من قبل الغلب وَمن بعده

وَفِي (كل) و (أَي) و (بعض) و (قد سمع)(سَلام عَلَيْك) مَرْفُوعا بِلَا تَنْوِين، أَي: سَلام الله عَلَيْك

وَحذف جَوَاب (لَو) كثير إِذا كَانَ فِي اللَّفْظ مَا يدل عَلَيْهِ وَتقول (لَو كَانَ لي مَال) وتسكت، تُرِيدُ (لفَعَلت كَذَا)

وَحذف الْمَوْصُوف نَحْو: {وَعِنْدهم قاصرات الطّرف} أَي: حور، وَنَحْو:(أَيهَا الْمُؤْمِنُونَ) أَي: الْقَوْم الْمُؤْمِنُونَ

وَحذف الصّفة نَحْو: {يَأْخُذ كل سفينة غصبا} أَي: صَالِحَة

وَحذف الْمَعْطُوف عَلَيْهِ نَحْو: {اضْرِب بعصاك الْبَحْر فانفلق} أَي: فَضرب فانفلق

وَحذف الْمُسْتَثْنى قَلِيل، وَلَيْسَ ذَلِك إِلَّا بعد (إِلَّا) و (غير) الكائنتين بعد (لَيْسَ)، تَقول:(جَاءَنِي زيد، لَيْسَ إِلَّا، وَلَيْسَ غير) أَي: لَيْسَ الجائي إِلَّا زيدا، وَلَيْسَ الجائي غَيره و (غير) هُنَا يضم تَشْبِيها لَهَا بالغايات فِي الْقطع عَن الْإِضَافَة

وَحذف الْمَعْطُوف مَعَ العاطف نَحْو: {بِيَدِك الْخَيْر} أَي: وَالشَّر أَيْضا

وَحذف الْحَال كثير إِذا كَانَ قولا نَحْو: {وَالْمَلَائِكَة يدْخلُونَ عَلَيْهِم من كل بَاب. سَلام} أَي: قائلين

وَحذف المنادى نَحْو: (أَلا يَا اسجدوا)

وَحذف الْعَائِد فِي الصِّلَة نَحْو: {أَهَذا الَّذِي بعث الله رَسُولا} أَي: بَعثه، والعائد إِذا كَانَ مَفْعُولا يحذف كثيرا

وَحذف الصِّلَة نَحْو: {وَاتَّقوا يَوْمًا لَا تجزي نفس} أَي: فِيهِ

وَحذف الْمَوْصُول نَحْو: {آمنا بِالَّذِي أنزل إِلَيْنَا وَأنزل إِلَيْكُم} أَي: وَالَّذِي أنزل إِلَيْكُم

وَحذف مُتَعَلق (أفعل) التَّفْضِيل نَحْو: {يعلم السِّرّ وأخفى} ، {خير وَأبقى}

وَحذف الْفِعْل تطرد إِذا كَانَ مُفَسرًا نَحْو: {وَإِن أحد من الْمُشْركين استجارك}

وَحذف القَوْل نَحْو: {وَإِذ يرفع إِبْرَاهِيم الْقَوَاعِد من الْبَيْت وَإِسْمَاعِيل رَبنَا} أَي: يَقُولَانِ

وَحذف همزَة الِاسْتِفْهَام نَحْو: {هَذَا رَبِّي}

وَحذف الْجَار يطرد من (أَن) و (أَن) نَحْو: {أطمع أَن يغْفر لي} ، {أيعدكم أَنكُمْ} وَجَاء من غَيرهمَا نَحْو:{قدرناه منَازِل} ، (ويبغونها

ص: 387

عوجا}

وَحذف العاطف نَحْو: {وُجُوه يَوْمئِذٍ ناعمة}

وَحذف حرف النداء نَحْو: {فاطر السَّمَوَات وَالْأَرْض}

[وَلَا يجوز حذف حرف النداء فِي الندبة، وَقَوله جلّ شَأْنه {ونادى نوح ابْنه} حِكَايَة الندبة نَفسهَا]

وَحذف (قد) فِي الْمَاضِي إِذا وَقع حَالا نَحْو: {أنؤمن لَك واتبعك الأرذلون}

وَحذف (لَا) النافية يطرد فِي جَوَاب الْقسم إِذا كَانَ الْمَنْفِيّ مضارعا نَحْو: {تالله تفتأ} وَفِي غَيره نَحْو: {وعَلى الَّذين يطيقُونَهُ فديَة} {و} (يبين الله لكم أَن تضلوا} أَي: كَرَاهَة أَن تضلوا]

وَحذف لَام الْأَمر نَحْو: {قل لعبادي الَّذين آمنُوا يقيموا} أَي: ليقيموا

وَحذف لَام (لقد) نَحْو: {قد أَفْلح من زكاها} وَحذف نون التَّأْكِيد نَحْو: {ألم نشرح لَك صدرك} على قِرَاءَة النصب

وَحذف التَّنْوِين نَحْو: {وَلَا اللَّيْل سَابق النَّهَار} على قِرَاءَة النصب أَيْضا

وَحذف نون الْجمع نَحْو: {وَمَا هم بضاري بِهِ من أحد}

وَحذف الشَّرْط وَفعله يطرد بعد الطّلب نَحْو: {فَاتبعُوني يحببكم الله} أَي: إِن تتبعوني

وَحذف جَوَاب الشَّرْط نَحْو: {وَإِذا قيل لَهُم اتَّقوا مَا بَين أَيْدِيكُم وَمَا خلفكم لَعَلَّكُمْ ترحمون} أَي: أَعرضُوا

وَحذف جملَة الْقسم نَحْو: {لأعذبنه عذَابا شَدِيدا} أَي: وَالله

وَحذف جَوَابه نَحْو: {ص وَالْقُرْآن ذِي الذّكر} أَي: إِنَّه لمعجز

وَأما حذف الصِّلَة من صِيغَة الْفَاعِل فَلم يُوجد قِيَاسا

وَيجوز حذف جَمِيع المنصوبات سوى خبر (كَانَ) وَاسم (إِن)

وَلَا يجوز الِاقْتِصَار على أحد مفعولي أَفعَال الْقُلُوب، لِأَن وَضعهَا أَن تعرف الشَّيْء بِصفتِهِ

وَأما المفعولان مَعًا فقد جَاءَ حذفهما، وَمِنْه قَوْلهم:(من يسمع يخل) أَي: يظنّ المسموع صَحِيحا

وَقد تحذف جملَة الشَّرْط، كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى:{إِن أرضي وَاسِعَة فإياي فاعبدون} أَي فَإِن

ص: 388

لم يَأْتِ إخلاص الْعِبَادَة فِي هَذِه الْبَلدة فاعبدوني فِي غَيرهَا، وَحَيْثُ قيل:(لَأَفْعَلَنَّ) أَو (لقد فعل) أَو (لَئِن فعل) وَلم تتقدم جملَة قسم فثمة جملَة قسم مقدرَة نَحْو: {لأعذبنه} ، {وَلَقَد صدقكُم الله وعده} ، و {لَئِن أخرجُوا}

وَحذف لَام التوطئة نَحْو: {وَإِن لم تغْفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين}

وَحذف (أَن) الناصبة قِيَاسا بعد الْأَشْيَاء السِّتَّة وشذوذا فِي غَيرهَا نَحْو: (خُذ اللص قبل يأخذك) وَحذف الإيصال مثل: (جَاءَنِي) إِذْ أَصله (جَاءَ إِلَيّ)

وَقد يحذف فِي الْكَلَام أَكثر من جملَة كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِك يحيي الله الْمَوْتَى} قيل: تَقْدِيره،: فضربوه فحي فَقُلْنَا كَذَلِك وَقَوله تَعَالَى: {اذْهَبَا إِلَى الْقَوْم الَّذين كذبُوا بِآيَاتِنَا فدمرناهم تدميرا} قيل: تَقْدِيره فأتياهم فأبلغا الرسَالَة فكذبوهما فدمرناهم تدميرا

وَحذف يَاء المنقوص الْمُعَرّف نَحْو: {الْكَبِير المتعال} و {يَوْم التناد}

وَحذف يَاء الْفِعْل غير المجزوم نَحْو: {وَاللَّيْل إِذا يسر}

وَحذف يَاء الْإِضَافَة نَحْو: {فَكيف كَانَ عَذَابي وَنذر} ، {فَكيف كَانَ عِقَاب}

وَحذف الْوَاو من {ويدع الْإِنْسَان} و {يمح الله} ، {وَيَوْم يدع الداع} ، {سَنَدع الزَّبَانِيَة} والسر فِيهِ التَّنْبِيه على سرعَة وُقُوع الْفِعْل وسهولته على الْفَاعِل وَشدَّة قبُول المنفعل المتأثر بِهِ فِي الْوُجُود

الْحُلُول: حل بِمَعْنى نزل، فِي مضارعه الضَّم، فَيجوز فِي اسْم الْمَكَان مِنْهُ الْكسر وَالْفَتْح

وَحل بِمَعْنى وَجب، فِي مضارعه الْكسر، وَقُرِئَ بهما {فَيحل عَلَيْكُم غَضَبي}

وَأما: {أَو تحل قَرِيبا} فبالضم بِمَعْنى تنزل

وَحل بِمَعْنى بلغ، مضارعه بِالْكَسْرِ فَقَط، كَذَا اسْم الْمَكَان مِنْهُ

والحل: بِالْكَسْرِ: مصدر حل يحل بِالْكَسْرِ فِي الْمُضَارع، وَكَذَا الْحَلَال

والحل: بِالْفَتْح: مصدر (حل) بِالْمَكَانِ (تحل) بِالضَّمِّ، وَكَذَا الْحُلُول

وَمِنْه: حل الْعقْدَة

وَمن الأول: حل الْمحرم حلا، بِالْكَسْرِ: أَي خرج عَن إِحْرَامه

وَأحل: مثله فَهُوَ مَحل

وَحل أَيْضا: تَسْمِيَة بِالْمَصْدَرِ وحلال أَيْضا

ص: 389

وَمحل الدّين، بِكَسْر الْحَاء: وَقت وجوب أَدَائِهِ كَمَا فِي " الْكَشَّاف "

وحللته تحليلا وتحلة: قَالَ الله تَعَالَى: {قد فرض الله لكم تَحِلَّة أَيْمَانكُم} أَي شرع لكم تحليلها بِالْكَفَّارَةِ فالتحلة: مَا تنْحَل بِهِ عقدَة الْيَمين: وَالْأَشْهر أَن المُرَاد من تَحِلَّة الْقسم الزَّمَان الْيَسِير الَّذِي يُمكن فِيهِ تَحِلَّة الْقسم بِالِاسْتِثْنَاءِ الْمُتَّصِل بِهِ هَذَا هُوَ الأَصْل فِيهِ، ثمَّ جعل ذَلِك مثلا لكل شَيْء يقل وقته وَالْعرب تَقول: فعلته تَحِلَّة الْقسم: أَي لم أفعل إِلَّا بِقدر مَا حللت بِهِ يَمِيني؛ وَإِنَّمَا قُلْنَا إِنَّه الْأَشْهر لِأَن تَحِلَّة الْقسم مَذْكُور فِي كَلَامهم قبل أَن جَاءَ الله بِالْإِسْلَامِ؛ وَكَذَا إِذا أَرَادوا تقليل مُدَّة فعل أَو ظُهُور شَيْء خَفِي قَالُوا: فعله كلا، وَرُبمَا كرروا فَقَالُوا: كلا وَلَا؛ وَنزل الْقَوْم كلا وَلَا: أَي كَانَ مكثهم زَمَانا يَسِيرا كالتفوه بِكَلِمَة (لَا)

والحلول: هُوَ أَن يكون الشَّيْء حَاصِلا فِي الشَّيْء ومختصا بِهِ بِحَيْثُ تكون الْإِشَارَة إِلَى أَحدهمَا إِشَارَة إِلَى الآخر تَحْقِيقا أَو تَقْديرا

والحلول أَعم من الْقيام، لِأَن الْعرض مَا يحل فِي الْجِسْم، والحلول اخْتِصَاص الناعت بالمنعوت [وَأما علمنَا بذاتنا وَبِمَا حصل من الكيفيات والصور فَهُوَ حضوري بحت، وَعلمنَا بِمَا هُوَ الْغَائِب عَنَّا انطباعي صرف، وَبِمَا ترتسم صورته فِي قوانا يشبه الأول من وَجه وَالثَّانِي من وَجه]

والحلول الحيزي: كحلول الْأَجْسَام فِي الأحياز

والحلول الوضعي: كحلول السوَاد فِي الْجِسْم

والحلول السرياني: قد يكون فِي الْجَوَاهِر كحلول الصُّورَة فِي الهيولى وَقد يكون فِي الْأَعْرَاض كحلول الْأَعْرَاض النفسانية

والحلول الْجَوَارِي: هُوَ أَن يتَعَلَّق الْحَال بِالْمحل كحلول النقطة فِي الْخط، وحلول الْخط فِي السَّطْح

وَفِي الْحُلُول السرياني يسْتَلْزم كل وَاحِد من الْمحل وَالْحَال انقسام الآخر، ويستلزم عدم انقسام كل مِنْهُمَا عدم انقسام الآخر وَلَيْسَ الْأَمر كَذَلِك فِي الْحُلُول الْجَوَارِي

[وَمعنى الْحُلُول فِي المتحيز أَن يخْتَص بِهِ بِحَيْثُ تكون الْإِشَارَة الحسية وَاحِدَة كاللون مَعَ المتلون لَا كَالْمَاءِ مَعَ الْكوز فَإِنَّهُ لَيْسَ حَالا فِي الْكوز اصْطِلَاحا]

الْحق: حق الشَّيْء: وَجب وَثَبت

وحققت الشَّيْء: أثْبته

وَمعنى {لقد حق القَوْل} : ثَبت الحكم وَسبق الْعلم

وتحققته: تيقنته وَجَعَلته ثَابتا لَازِما

وَكَلَام مُحَقّق: أَي رصين

وثوب مُحَقّق: أَي مُحكم النسج

وحقت الْقِيَامَة: أحاطت

و [حقت] الْحَاجة: نزلت واشتدت

وَزيد حقيق بِكَذَا: أَي خليق بِهِ

وَهُوَ أَحَق بِمَالِه: أَي لَا حق لغيره فِيهِ، بل هُوَ

ص: 390

مُخْتَصّ بِهِ بِغَيْر شريك

والأيم أَحَق بِنَفسِهَا من وَليهَا: أَي هما مشتركان، لَكِن حَقّهَا آكِد

والحقة، بِالْكَسْرِ: الْحق الْوَاجِب

هَذِه حقتي، وَهَذَا حَقي؛ تكسر مَعَ التَّاء وتفتح بِدُونِهَا

وَالْحق: الْقُرْآن، وضد الْبَاطِل، وَمن أَسْمَائِهِ تَعَالَى، أَو من صِفَاته بِمَعْنى الثَّابِت فِي ذَاته وَصِفَاته، أَو فِي ملكوته يسْتَحقّهُ لذاته

وَالْحق: من لَا يقبح مِنْهُ فعل، وَهُوَ صفة سلبية، وَقيل: من لَا يفْتَقر فِي وجوده إِلَى غَيره، وَقيل: الصَّادِق فِي القَوْل

وَالْحق، مصدرا: يُطلق على الْوُجُود فِي الْأَعْيَان مُطلقًا، وعَلى الْوُجُود الدَّائِم، وعَلى مُطَابقَة الحكم وَمَا يشْتَمل على الحكم للْوَاقِع ومطابقة الْوَاقِع لَهُ

وَالْحق، اسْم فَاعل وَصفَة مشبهة: يُطلق على الْوَاجِب الْوُجُود لذاته، وعَلى كل مَوْجُود خارجي، وعَلى الحكم المطابق للْوَاقِع، وعَلى الْأَقْوَال والأديان والمذاهب بِاعْتِبَار اشتمالها على الحكم الْمَذْكُور؛ وعَلى الْوَجْهَيْنِ الْأَخيرينِ يُقَابله الْبَاطِل؛ وعَلى الْوَجْه الأول يُقَابله الْبطلَان فَوَاجِب الْوُجُود هُوَ الْحق الْمُطلق، كَمَا أَن مُمْتَنع الْوُجُود هُوَ الْبَاطِل الْمُطلق، والممكن الْوُجُود هُوَ بِاعْتِبَار نَفسه بَاطِل، وبالنظر إِلَى مُوجبه وَاجِب، وَإِلَى رفع سَببه مُمْتَنع، وَإِلَى عدم الِالْتِفَات إِلَى السَّبَب وَعدم السَّبَب مُمكن

وَالْحق: مَا غلبت حججه وَأظْهر التمويه فِي غَيره

وَالصَّوَاب: مَا أُصِيب بِهِ الْمَقْصُود بِحكم الشَّرْع

وَحقّ الْمُنكر: أَي الْمُنَاسب لَهُ اللَّائِق بِحَالهِ

وَحقّ زيد عرف الْحمل على التقوي، وَرجل عرف على التَّخْصِيص

{وَيقْتلُونَ النَّبِيين بِغَيْر الْحق} مُعَرفا: أَي بِغَيْر الْحق الَّذِي حَده الله تَعَالَى وَأذن فِيهِ

ومنكرا كَمَا فِي " الْأَعْرَاف ": أَي بِغَيْر حق من حُقُوق الْقَتْل

وَحقّ الله: امْتِثَال أمره وابتغاء مرضاته

وَحقّ الْإِنْسَان: كَونه نَافِعًا لَهُ ورافعا للضر عَنهُ

الْحَد، فِي اللُّغَة: الْمَنْع والحاجز بَين شَيْئَيْنِ، وتأديب المذنب، وَالنِّهَايَة الَّتِي يَنْتَهِي إِلَيْهَا تَمام الْمَعْنى، وَمَا يُوصل إِلَى التَّصَوُّر الْمَطْلُوب، وَهُوَ الْحَد المرادف للمعرف عِنْد الْأُصُولِيِّينَ

وحد الشَّيْء: هُوَ الْوَصْف الْمُحِيط بِمَعْنَاهُ، الْمُمَيز لَهُ من غَيره

وحد الْخمر: سمي بِهِ لكَونه مَانِعا لمتعاطيه عَن معاودة مثله، ومانعا لغيره أَن يسْلك مسلكه

وحد الْحَد: الْجَامِع الْمَانِع الَّذِي يجمع الْمَحْدُود وَيمْنَع غَيره من الدُّخُول فِيهِ وَمن شَرطه أَن يكون مطردا ومنعكسا وَمعنى الاطراد أَنه مَتى وجد الْحَد وجد الْمَحْدُود، وَمعنى الانعكاس أَنه إِذا عدم الْحَد عدم الْمَحْدُود وَلَو لم يكن مطردا لما كَانَ مَانِعا لكَونه أَعم من الْمَحْدُود، وَلَو لم يكن

ص: 391

منعكسا لما كَانَ جَامعا لكَونه أخص من الْمَحْدُود وعَلى التَّقْدِيرَيْنِ لَا يحصل التَّعْرِيف

وعلامة استقامته دُخُول كلمة " كل " فِي الطَّرفَيْنِ جَمِيعًا، كَمَا يُقَال فِي تَحْدِيد النَّار: كل نَار فَهُوَ جَوْهَر محرق، وكل جَوْهَر محرق فَهُوَ نَار

وَالْحَد: تَعْرِيف الشَّيْء بِالذَّاتِ، كتعريف الْإِنْسَان بِالْحَيَوَانِ النَّاطِق.

والرسم: تَعْرِيف الشَّيْء بالخارج، كتعريف الْإِنْسَان الضاحك

[وَلما كَانَ منع خُرُوج الشَّيْء من أَفْرَاد الْمُعَرّف وَدخُول شَيْء من أغياره فِي الْحَد بِاعْتِبَار الذَّات والحقيقة، كَانَ أولى باسم الْحَد الَّذِي هُوَ الْمَنْع فَلذَلِك سمي بِهِ، وَلما كَانَ ذَلِك فِي الرَّسْم بِاعْتِبَار الْعَارِض كَانَ حَقِيقا بِأَن يُسمى بالرسم لكَونه بِمَنْزِلَة الْأَثر يسْتَدلّ بِهِ على الطَّرِيق]

والتحديد: هُوَ إِعْلَام مَاهِيَّة الشَّيْء

والتعريف: هُوَ إِعْلَام مَاهِيَّة الشَّيْء أَو مَا يميزه عَن الْغَيْر

وَالْحَد فِي اصْطِلَاح الْأُصُولِيِّينَ: هُوَ الْجَامِع الْمَانِع، وَذَلِكَ يَشْمَل الرَّسْم

وَعند أهل الْمِيزَان: قَول دَال على مَاهِيَّة الشَّيْء

وَالْحَد الاسمي: هُوَ الْحَد المحصل لصور المفهومات

وَالْحَد اللَّفْظِيّ: مَا أنبأ عَن الشَّيْء بِلَفْظ أظهر عِنْد السَّائِل من اللَّفْظ المسؤول عَنهُ مرادف لَهُ كَقَوْلِنَا:

الغضنفر: الْأسد، لمن يكون عِنْده الْأسد أظهر من الغضنفر

وَالْحَد الرسمي: مَا أنبأ عَن الشَّيْء بِلَازِم لَهُ مُخْتَصّ بِهِ كَقَوْلِك: الْإِنْسَان ضَاحِك، منتصب الْقَامَة، عريض الْأَظْفَار، بَادِي الْبشرَة

وَالْحَد الْحَقِيقِيّ: مَا أنبأ عَن تَمام مَاهِيَّة الشَّيْء وَحَقِيقَته كَقَوْلِك فِي حد الْإِنْسَان: هُوَ جسم نَام حساس متحرك بالإرادة، نَاطِق

وَمن شَرَائِط الْحَقِيقِيّ أَن يذكر جَمِيع أَجزَاء الْحَد من الْجِنْس والفصل، وَأَن يذكر جَمِيع ذاتياته بِحَيْثُ لَا يشذ وَاحِد، وَأَن يقدم الْأَعَمّ على الْأَخَص، وَأَن لَا يذكر الْجِنْس الْبعيد مَعَ وجود الْجِنْس الْقَرِيب، وَأَن يحْتَرز عَن الْأَلْفَاظ الوحشية الغريبة والمجازية الْبَعِيدَة والمشتركة المترددة، وَأَن يجْتَهد فِي الإيجاز

وَالْحَد للكليات المرتسمة فِي الْعقل دون الجزئيات المنطبعة فِي الْآلَات على مَا هُوَ الْمَشْهُور

وَالْحَد لَا يركب من الْأَشْخَاص، فَإِن الْأَشْخَاص لَا تحد، بل طَرِيق إِدْرَاكهَا الْحَواس الظَّاهِرَة أَو الْبَاطِنَة

وَالْحَد الْمُشْتَرك: هُوَ ذُو وضع بَين مقدارين يكون بِعَيْنِه نِهَايَة لأَحَدهمَا وبداية للْآخر، أَو نِهَايَة لَهما، أَو بداية لَهما على اخْتِلَاف الْعبارَات باخْتلَاف الاعتبرات، فَإِذا قسم خطّ إِلَى جزأين كَانَ الْحَد الْمُشْتَرك بَينهمَا نقطة وَإِذا قسم السَّطْح إِلَيْهِمَا فالحد الْمُشْتَرك هُوَ الْخط وَإِذا قسم الْجِسْم فالحد الْمُشْتَرك هُوَ السَّطْح

وَلَا يجوز دُخُول (أَو) فِي الْحَقِيقِيّ لِئَلَّا يلْزم أَن يكون للنوع الْوَاحِد فصلان على الْبَدَل، وَذَلِكَ

ص: 392

محَال وَأما فِي الرسوم فَهُوَ جَائِز، وَلَا بُد أَن يجْتَنب فِي الْحُدُود من دُخُول الحمن لِأَن التَّصْدِيق فرع التَّصَوُّر، والتصور فرع الْحَد، فَيلْزم الدّور

والرسم التَّام: هُوَ مَا تركب من الْجِنْس الْقَرِيب والخاصة كتعريف الْإِنْسَان بِالْحَيَوَانِ الضاحك

والرسم النَّاقِص: مَا يكون بالخاصه وَحدهَا، أَو بهَا وبالجنس الْبعيد كتعريف الْإِنْسَان بالضاحك، وبالجسم الضاحك وَبَاقِي الحيثيات تخْتَص جُمْلَتهَا بحيقته وَأحسن الْحُدُود الرسمية مَا وضع فِيهِ الْجِنْس الْأَقْرَب وَأتم باللوازم الْمَشْهُورَة

وَالْحَد يشْتَرط فِيهِ الاضطراد والانعكاس نَحْو قَوْلنَا: كل مَا دلّ على معنى مُفْرد فَهُوَ اسْم، وَمَا لم يدل على ذَلِك فَلَيْسَ باسم

والعلامة: يشْتَرط فِيهَا الاضطراد دون الانعكاس نَحْو قَوْلك: كل مَا دخل عَلَيْهِ الْألف وَاللَّام فَهُوَ اسْم، فَهَذَا مضطرد فِي كل مَا تدخله هَذِه الأداة وَلَا ينعكس فَلَا يُقَال: كل مَا لم يدْخلهُ الْألف وَاللَّام فَلَيْسَ باسم، لِأَن الْمُضْمرَات أَسمَاء وَلَا يدخلهَا الْألف وَاللَّام، وَكَذَا غَالب الْأَعْلَام والمبهمات وَكثير من الْأَسْمَاء

وَلَا يذكر فِي الْحَد لفظ الْكل لِأَن الْحَد للماهية من حَيْثُ هِيَ هِيَ، وَلَا يدْخل فِي الْمَاهِيّة من حَيْثُ هِيَ مَا يُفِيد الْعُمُوم والاستغراق وَلِأَن الْحَد يجب صدقه وَحمله على كل فَرد من أَفْرَاد الْمَحْدُود من حَيْثُ هُوَ فَرد لَهُ، وَلَا يصدق الْحَد بِصفة الْعُمُوم على كل فَرد

قيل: أَرْبَعَة لَا يُقَام عَلَيْهَا برهَان وَلَا تطلب بِدَلِيل وَهِي: الْحُدُود والفوائد وَالْإِجْمَاع والاعتقادات الكائنة فِي النَّفس فَلَا يُقَال: مَا الدَّلِيل على صِحَّتهَا فِي نفس الْأَمر؟ وَلَا يُقَال على صِحَة هَذَا الْحَد؟ وَإِنَّمَا يرد بِالنَّقْضِ والمعارضة

الْحَرْف: هُوَ من كل شَيْء طرفه وشفيره وَحده، وَوَاحِد من حُرُوف الهجاء، سميت حُرُوف التهجي بذلك لِأَنَّهَا أَطْرَاف الْكَلِمَة، وَيسْتَعْمل فِي معنى الْكَلِمَة يُقَال:(إِذا) مثلا حرف أَي: كلمة

النَّاقة الضامرة والمهزولة حرف أَيْضا

[وَيَجِيء بِمَعْنى الأَصْل وَالْقَاعِدَة]

{وَمن النَّاس من يعبد الله على حرف} أَي: على وَجه وَاحِد وَفِي " الْمُفْردَات " قد فسر ذَلِك بقوله بعده: {فَإِن أَصَابَهُ خير} وَفِي مَعْنَاهُ: {مذبذبين بَين ذَلِك} وَنزل الْقُرْآن على سَبْعَة أحرف أَي: لُغَات من لُغَات الْعَرَب مفرقة فِي الْقُرْآن، وأصوب محمل يحمل عَلَيْهِ هُوَ أَن المُرَاد سَبْعَة أنحاء من الِاعْتِبَار مُتَفَرِّقَة فِي الْقُرْآن، رَاجِعَة إِلَى اللَّفْظ وَالْمعْنَى دون صُورَة الْكِتَابَة وَلَا صُورَة الْكَلم لما أَن النَّبِي عليه الصلاة والسلام كَانَ أُمِّيا، وَلَا قِرَاءَة السَّبْعَة فَلَا يُنَافِي اخْتِلَاف الْقرَاءَات على عشرَة

وحرف لِعِيَالِهِ: كسب

وحرف وَجهه: صرف

والحرفة، بِالْكَسْرِ: الصِّنَاعَة يرتزق مِنْهَا

والحرف عِنْد الْأَوَائِل: مَا يتركب مِنْهُ الْكَلم من الْحُرُوف المبسوطة، وَرُبمَا يُطلق على الْكَلِمَة أَيْضا تجوزا، وَإِطْلَاق الْحَرْف على مَا يُقَابل الِاسْم

ص: 393

وَالْفِعْل عرف جَدِيد

والحرف عِنْد النُّحَاة: مَا جَاءَ بِمَعْنى لَيْسَ باسم وَلَا فعل، وَلَو قيل: الْحَرْف مَا جَاءَ لِمَعْنى فِي غَيره فَهَذَا مُبْهَم، فَإِن أُرِيد أَن الْحَرْف مَا دلّ على معنى يكون ذَلِك الْمَعْنى حَاصِلا فِي غَيره أَو حَالا فِي غَيره لزم أَن يكون اسْم الْأَعْرَاض وَالصِّفَات كلهَا حروفا، وَإِن أُرِيد معنى ثَالِث فَلَا بُد من بَيَانه

وَالصَّوَاب أَن الْمَعْنى الَّذِي وضع لَهُ الْحَرْف سَوَاء كَانَ نِسْبَة أَو مستلزما لَهَا هُوَ الْمعِين بِتَعْيِين

لَا يحصل فِي الذِّهْن إِلَّا بِذكر الْمُتَعَلّق مثلا: (لَيْت) مَوْضُوع لكل فَرد معِين من التمنيات الَّتِي تتَعَيَّن بالمتعلقات مثل: (زيد قَائِم) فَلَا بُد من ذكره، وَهَذَا معنى مَا قيل: إِن الْحَرْف وضع بِاعْتِبَار معنى عَام هُوَ نوع من النِّسْبَة، وَالنِّسْبَة لَا تتَعَيَّن إِلَّا بالمنسوب إِلَيْهِ، فَمَا لم يذكر مُتَعَلق الْحَرْف لَا يتَحَصَّل فَرد من ذَلِك النَّوْع، وَهُوَ مَدْلُول الْحَرْف لَا فِي الْعقل وَلَا فِي الْخَارِج، وَإِنَّمَا يتَحَصَّل بتعلقه فيتعقل بتعلقه، فقد ظهر أَن ذكر مُتَعَلق الْحَرْف إِنَّمَا هُوَ لقُصُور فِي مَعْنَاهُ لِامْتِنَاع حُصُوله فِي الذِّهْن بِدُونِ مُتَعَلّقه، وَاعْتبر مثل هَذَا فِي الِابْتِدَاء وَلَفْظَة (من)، وَأما نَحْو:(ذُو) و (فَوق) فَهُوَ مَوْضُوع لذات مَا بِاعْتِبَار نِسْبَة مُطلقَة كالصحبة والفوقية لَهَا نِسْبَة تقييدية إِلَيْهَا فَلَيْسَ فِي مَفْهُومه مَا لَا يتَحَصَّل إِلَّا بِذكر مُتَعَلقَة بل هُوَ مُسْتَقل بالتعقل، والحرف من حَيْثُ هُوَ حرف مَاهِيَّة مَعْلُومَة متميزة عَمَّا عَداهَا، فَكل مَا كَانَ كَذَلِك صَحَّ الْإِخْبَار عَنهُ بِكَوْنِهِ ممتازا عَن غَيره

والحرف كَيْفيَّة تعرض للصوت، بهَا يمتاز الصَّوْت عَن صَوت آخر مثله فِي الحدة والثقل تميزا فِي المسموع، لَا يُقَال عرُوض الْكَيْفِيَّة للصوت يسْتَلْزم قيام الْعرض بِالْعرضِ، لأَنا نقُول: اللَّام فِي الصَّوْت لأجل التّبعِيَّة، فَالْمَعْنى أَن الْحَرْف كَيْفيَّة تعرض للجسم بتبعية الصَّوْت فَلَا يلْزم مَا ذكر

[مَعَ أَن الإِمَام رحمه الله جوز ذَلِك حَيْثُ قَالَ فِي " الْمَحْصُول ": إِن السرعة والبطء عرضان قائمان بالحركة لَا بالجسم، إِذْ يُقَال: جسم بطيء فِي حركته وَلَا يُقَال: جسم بطيء فِي جسميته وَأجَاب المانعون عَنهُ بِأَن السرعة والبطء قائمان بالمتحرك بِوَاسِطَة الْحَرَكَة لَا بِنَفس الْحَرَكَة، وَالْأَشْبَه بِالْحَقِّ الْجَوَاز إِذْ الْمَعْنى من الْقيام أَن يَتَّصِف عرض بِعرْض يُقَال: هَذِه رَائِحَة طيبَة وَتلك مُنْتِنَة، وَهَذَا الْفِعْل حسن وَذَاكَ قَبِيح]

والحرف سِتَّة أَنْوَاع: مَا لَا يخْتَص بالأسماء وَلَا بالأفعال، بل يدْخل على كل مِنْهُمَا وَلَا يعْمل ك (هَل)

وَمَا لَا يخْتَص بهما وَلكنه يعْمل، كالأحرف المشبهة ب (لَيْسَ)

وَمَا يخْتَص بالأسماء وَيعْمل فِيهَا الْجَرّ، ك (فِي) وَالنّصب وَالرَّفْع ك (إِن) وَأَخَوَاتهَا

وَمَا يخْتَص بالأسماء وَلَا يعْمل فِيهَا، كَلَام التَّعْرِيف

وَمَا يخْتَص بالأفعال وَيعْمل فِيهَا الْجَزْم ك (لم) أَو النصب ك (لن)

وَمَا يخْتَص بالأفعال وَلَا يعْمل فِيهَا ك (قد) وَالسِّين و (سَوف)

وحروف الْمعَانِي: هِيَ الَّتِي تفِيد معنى كسين

ص: 394

الِاسْتِقْبَال وَغَيرهَا، سميت بهَا للمعنى الْمُخْتَص بهَا [أَو لِأَنَّهَا توصل مَعَاني الْأَفْعَال إِلَى الْأَسْمَاء، إِذْ لَو لم يكن (من) و (إِلَى) فِي قَوْلك: (خرجت من الْبَصْرَة إِلَى الْكُوفَة) لم يفهم ابْتِدَاء خُرُوجك وانتهاؤه، أَو لِأَن لَهَا مَعَاني كالباء فِي (بزيد) بِخِلَاف الْبَاء فِي (بكر) ]

وحروف المباني: هِيَ الَّتِي تبنى مِنْهَا الْكَلِمَات كزاي (زيد)

وحرف الْإِطْلَاق: هُوَ حرف مد يتَوَلَّد من إشباع حَرَكَة الروي فَلَا وجود لَهُ إِلَّا بعد تَحْرِيك الروي فَلَا يلتقي سَاكِنا

وحروف الْجَرّ تسمى حُرُوف الصِّفَات لِأَنَّهَا تقع صِفَات للنكرة

وحروف الزِّيَادَة قد جمعهَا بعض الأدباء فِي بَيت مرَّتَيْنِ:

(أَتَى من سُهَيْل وَمن سُهَيْل أَتَى)

وَثَلَاث مَرَّات فِي قَوْله:

(يَا أَوْس هَل نمت وَلم يأتنا

سَهْو فَقَالَ الْيَوْم تنساه)

وَأَرْبع مَرَّات فِي قَوْله:

(هناء وَتَسْلِيم تَلا يَوْم أنسه

نِهَايَة مسؤول أَمَان وتسهيل)

حَتَّى: هِيَ مُخْتَصَّة بغاية الشَّيْء فِي نَفسه، وَلذَلِك تَقول:(أكلت السَّمَكَة حَتَّى رَأسهَا) ، وَلَا تَقول (حَتَّى نصفهَا) ، بِخِلَاف (إِلَى) فَإِنَّهَا عَامَّة

وتخفض وترفع وتنصب وَلِهَذَا قَالَ الْفراء: " أَمُوت وَفِي نَفسِي شَيْء من حَتَّى "، وخالفت (إِلَى) أَيْضا فِي أَنَّهَا لَا تدخل على مُضْمر، وَأَن فِيهَا معنى الِاسْتِثْنَاء، وَلَا تقع خَبرا للمبتدأ، وَالْمَجْرُور بهَا يجب أَن يكون آخر جُزْء مِمَّا قبلهَا أَو ملاقي الآخر، وَأَن مَا بعْدهَا لَا يكون إِلَّا من جنس مَا قبلهَا، ووافقتها إِذا كَانَت جَارة نَحْو {حَتَّى مطلع الْفجْر} و (إِلَى) مَعَ مجرورها تقوم مقَام الْفَاعِل بِخِلَاف (حَتَّى) والغاية تدخل فِي حكم مَا قبلهَا مَعَ (حَتَّى) دون (إِلَى) حملا على الْغَالِب لِأَن الْأَكْثَر مَعَ الْقَرِينَة عدم الدُّخُول فِي (إِلَى) وَالدُّخُول فِي (حَتَّى) ، فَإِن كَانَت عاطفة دخلت اتِّفَاقًا لِأَنَّهَا بِمَنْزِلَة الْوَاو وَالشَّيْء إِذا مد إِلَى جنسه تدخل فِيهِ الْغَايَة، وَإِذا مد إِلَى غير جنسه لَا تدخل الْغَايَة فِيهِ كَقَوْلِه تَعَالَى:{ثمَّ أَتموا الصّيام إِلَى اللَّيْل} وَقيل: الْغَايَة إِن كَانَت قَائِمَة بِنَفسِهَا لَا تدخل وَإِلَّا فَإِن كَانَ أصل الْكَلَام متناولا لَهَا تدخل وَإِلَّا أَو كَانَ فِي تنَاوله شكّ لَا تدخل وَفِيه وَجه آخر وَهُوَ أَن الْغَايَة إِن كَانَت قَائِمَة بِنَفسِهَا لَا تدخل إِلَّا أَن يكون صدر الْكَلَام يَقع على الْجُمْلَة

وَإِذا وَقعت (حَتَّى) فِي الْيَمين فَشرط الْبر فِي صُورَة كَونهَا لإِفَادَة الْغَايَة وجود الْغَايَة، إِذْ لَا انْتِهَاء بِدُونِهَا وَشرط الْبر فِي صُورَة السَّبَبِيَّة وجود مَا يصلح سَببا سَوَاء ترَتّب عَلَيْهِ الْمُسَبّب أم لَا وَشرط الْبر فِي صُورَة الْعَطف وجود الْفِعْلَيْنِ الْمَعْطُوف والمعطوف عَلَيْهِ

والغاية بِكَلِمَة (إِلَى) فِي مَسْأَلَة الْحَائِط وَالصَّوْم والسمكة وتأجيل الدني وَقَوله تَعَالَى: {فنظرة إِلَى مسيرَة} لم تدخل فِي المغيا وفَاقا وَفِي (قرأته من أَوله إِلَى آخِره) و (خُذ من مَالِي من دِرْهَم إِلَى مئة) وَفِي (اشْتَرِ لي هَذَا من مئة إِلَى ألف) تدخل

ص: 395

فِي المغيا وفَاقا أَيْضا

[و (حَتَّى) فِيمَا لَا يصلح للغاية وَالْمجَاز يحمل على معنى يُنَاسب الْحَقِيقَة بِوَجْه من الْوُجُوه لَكِن بِشَرْط الْقَرَائِن الدَّالَّة على إِرَادَة الْمُتَكَلّم للمجاز]

واستعارة (حَتَّى) للْعَطْف الْمَحْض أَي للتشريك من غير اعْتِبَار غَايَته وسببيته لم تُوجد فِي كَلَامهم، بل هِيَ من مخترعات الْفُقَهَاء

و (حَتَّى) الدَّاخِلَة على الْفِعْل الْمُضَارع بِتَقْدِير (أَن) جَارة لَا عاطفة وَلَا ابتدائية

وَإِذا دخلت على الْفِعْل الْمُضَارع فتنصب وترفع، وَفِي كل وَاحِد وَجْهَان

فأحد وَجْهي النصب (إِلَى أَن) وَالثَّانِي (كي) ، والفاصل أَنه ينظر إِلَى الْفِعْل الَّذِي بعد (حَتَّى) فَإِن كَانَ مسببا عَن الْفِعْل الَّذِي قبلهَا فَهِيَ بِمَعْنى (كي)، نَحْو (جَلَست ببابك حَتَّى تكرمني) فالإكرام مسبب عَن الْجُلُوس وَإِن كَانَ غَايَة للْفِعْل الَّذِي قبلهَا فَهِيَ بِمَعْنى (إِلَى أَن) نَحْو:(جَلَست حَتَّى تطلع الشَّمْس)

وَأحد وَجْهي الرّفْع أَن يكون الْفِعْل قبلهَا مَاضِيا نَحْو (مشيت حَتَّى دخلت) وَالثَّانِي أَن يكون مَا بعْدهَا حَالا نَحْو (مرض حَتَّى لَا يرجونه) وأفيد مِنْهُ أَن (حَتَّى) لَا تنصب إِلَّا فعلا مُسْتَقْبلا، وَلَا تنصبه إِذا كَانَ حَالا، وَالَّتِي يرفع بعْدهَا الْفِعْل لَيست الجارة وَلَا العاطفة وَإِنَّمَا هِيَ الدَّاخِلَة على الْجمل وَالَّتِي تنصب الْأَفْعَال بِمَعْنى (إِلَى أَن) هِيَ الجارة وَهِي للغاية وَالْفِعْل بعْدهَا مَاض معنى مُسْتَقْبل لفظا

وَالَّتِي تنصب بِمَعْنى (كي) هِيَ العاطفة وَالْفِعْل بعْدهَا مُسْتَقْبل لفظا وَمعنى نَحْو (أسلمت حَتَّى أَدخل الْجنَّة) وَالْإِسْلَام قد وجد وَالدُّخُول لم يُوجد

وَالْغَالِب ل (حَتَّى) أَن تكون لانْتِهَاء الْغَايَة، وَمن غير الْغَالِب أَن تكون للابتداء نَحْو: حَتَّى مَاء دجلة أشكل

و (حَتَّى) الابتدائية وَإِن لم تكن عاملة إِلَّا أَنَّهَا تفِيد معنى الْغَايَة فَيكون مَضْمُون الْجُمْلَة الَّتِي بعْدهَا غَايَة للْحكم الْمَذْكُور قبلهَا

وَتَكون (حَتَّى) للتَّعْلِيل نَحْو: (أسلم حَتَّى تدخل الْجنَّة) أَي: لتدخلها

ونندر مجيئها للاستثناء كَقَوْلِه:

(لَيْسَ الْعَطاء من الفضول سماحة

حَتَّى تجود وَمَا لديك قَلِيل)

أَي: إِلَّا أَن تجود، وَهُوَ اسْتثِْنَاء مُنْقَطع

وَفرقُوا بَين (حَتَّى) و (إِلَّا) فِيمَا لَو قَالَ البَائِع: (وَالله لَا أبيعه بِعشْرَة حَتَّى تزيد) وَزَاد شَيْئا أَو نقص ثمَّ بَاعه، أَو لَا يَبِيعهُ بِعشْرَة إِلَّا بِالزِّيَادَةِ أَو بِأَكْثَرَ، فَإِنَّهُ لم يَحْنَث فِي صُورَة (حَتَّى) لوُجُود غَايَة بره فِي الصُّورَة الأولى، وَهُوَ الزِّيَادَة الْمُطلقَة، وفقد شَرط الْحِنْث، وَهُوَ البيع بِعشْرَة فِي الصُّورَة الثَّانِيَة، وَفِي صُورَة (إِلَّا) الاستثنائية يَحْنَث بِالْبيعِ بِعشْرَة وبأقل مِنْهَا، وَلَا يَحْنَث بِالْبيعِ بِزِيَادَة لِأَنَّهُ شَرط الْبر فَقَط، وَإِنَّمَا حنث فِي البيع بِعشْرَة وبأقل مِنْهَا فِي هَذِه الصُّورَة، لِأَن الشَّائِع فِي الِاسْتِعْمَال اسْتثِْنَاء الْقَلِيل من الْكثير، وَفِي هَذِه الصُّورَة يلْزم اسْتثِْنَاء الْأَنْوَاع من نوع وَاحِد، فَإِن الزِّيَادَة على الْعشْرَة تتَنَاوَل أنواعا من البيع، وَالْبيع بِعشْرَة نوع وَاحِد، فيحول

ص: 396

لفظ الْعشْرَة من صدر الْكَلَام إِلَى مَا بعد الِاسْتِثْنَاء حذرا مِمَّا ذكر حَتَّى يصير التَّقْدِير (لَا أبيعه إِلَّا بِالزِّيَادَةِ على الْعشْرَة) فَيصح الْكَلَام

و (حَتَّى) مثل (ثمَّ) فِي التَّرْتِيب بمهلة، غير أَن المهلة فِي (حَتَّى) أقل مِنْهَا فِي (ثمَّ) فَهِيَ متوسطة بَين الْفَاء الَّتِي لَا مهلة فِيهَا وَبَين (ثمَّ) المفيدة للمهلة، وَيشْتَرط كَون الْمَعْطُوف ب (حَتَّى) جُزْءا من متبوعه، وَلَا يشْتَرط ذَلِك فِي (ثمَّ)، والمهلة الْمُعْتَبرَة فِي (ثمَّ) إِنَّمَا هِيَ بِحَسب الْخَارِج نَحْو:(جَاءَنِي زيد ثمَّ عَمْرو) ، وَفِي (حَتَّى) بِحَسب الذِّهْن، وَفِي اعْتِبَار الْمُتَكَلّم بِأَن يَجْعَل الْمَعْطُوف هُوَ الْأَدْنَى أَو الْأَعْلَى أَو الأقدم أَو نَحْو ذَلِك لَا بِحَسب الْوُجُود، إِذْ رُبمَا يكون الْمَعْطُوف سَابِقًا كَمَا فِي (مَاتَ كل أَب لي حَتَّى الْأَنْبِيَاء) أَو مختلطا من غير سبق أَو تَأْخِير، بل غَايَة فِي الْقُوَّة والشرف مثل (مَاتَ النَّاس حَتَّى الْأَنْبِيَاء)، أَو فِي الضعْف وَالنَّقْص مثل:(قدم الْحجَّاج حَتَّى المشاة)

الحسبان؛ بِالضَّمِّ: مصدر (حسب) بِفَتْح السِّين، وبالكسر: مصدر (حسب) بِكَسْرِهَا، وَالْكَسْر وَالْفَتْح فِي مضارعه لُغَتَانِ بِمَعْنى وَاحِد، وَمَا كَانَ فِي الْقُرْآن من الحسبان قرئَ باللغتين جَمِيعًا، وَالْفَتْح عِنْد أهل اللُّغَة أَقيس، لِأَن الْمَاضِي إِذا كَانَ على (فعل) ك (شرب) و (خرب) كَانَ الْمُضَارع على (يفعل) ، وَالْكَسْر حسن لمجيء السّمع بِهِ وَإِن كَانَ شاذا عَن الْقيَاس

وَحذف مفعولي بَاب (حسب) أسوغ من حذف أَحدهمَا قَالَه السفناقي قلت: إِنَّمَا يجوز حذف أحد مفعوليه إِذا كَانَ فَاعل (حسب) ومفعوله شَيْئا وَاحِدًا فِي الْمَعْنى كَقَوْلِه تَعَالَى: {وَلَا تحسبن اللَّذين قتلوا} على الْقِرَاءَة بِالْيَاءِ التَّحْتِيَّة، وَإِنَّمَا حذفت لقُوَّة الدّلَالَة

وَقد يَأْتِي (حسب) لليقين كَقَوْلِه:

(حسبت التقى والجود خير تِجَارَة)

و (حسب) بِالسُّكُونِ: أجري مجْرى الْجِهَات السِّت فِي حذف الْمُضَاف إِلَيْهِ وَالْبناء على الضَّم وَإِن لم يكن من الظروف، وَشبه ب (غير) فِي عدم التَّعْرِيف بِالْإِضَافَة، وَقد تدخل الْفَاء لتحسين اللَّفْظ، وقولك:(اعْمَلْ على حسب مَا أَمرتك) مثقل، و (حَسبك مَا أَعطيتك) مخفف، و (حَسْبَمَا ذكر) أَي: قدره وعَلى وَفقه، وَهُوَ بِفَتْح السِّين، وَرُبمَا يسكن فِي ضَرُورَة الشّعْر، وَفِي كل مَوضِع لَا يكون فِيهِ مَعَ حرف الْجَرّ وَأما (حَسبك) بِمَعْنى (كَفاك) فشيء آخر

وَاخْتلف فِي أَن النصب فِي قَوْلهم: (حَسبك وزيدا دِرْهَم) بِمَاذَا فَذهب الزّجاج والزمخشري وَابْن عَطِيَّة إِلَى أَن (حسب) اسْم فعل بِمَعْنى (يَكْفِي) ، فالضمة بنائية، وَالْكَاف مفعول بِهِ، و (دِرْهَم) فَاعل و (زيدا) مفعول مَعَه وَغَيرهم إِلَى أَن (حسب) بِمَعْنى (كَاف) فالضمة إعرابية، وَهُوَ مُبْتَدأ و (دِرْهَم) خَبره، و (زيدا) مفعول بِهِ بِتَقْدِير (يحْسب) وَالْوَاو لعطف جملَة على جملَة، وفاعل (يحْسب) مُضْمر عَائِد إِلَى (دِرْهَم) لتقدمه، وَهَذَا مُرَجّح لِأَن الْمَفْعُول مَعَه لَا يعْمل فِيهِ إِلَّا فعل أَو مَا

ص: 397

يجْرِي مجْرَاه، وَلَيْسَ (حَسبك) مِمَّا يجْرِي مجْرى الْفِعْل

و {حَسبنَا الله} أَي: محسبنا وكافينا، وَالدَّلِيل على أَنه بِمَعْنى المحسب قَوْلهم:(هَذَا رجل حَسبك) على أَنه صفة للنكرة، لكَون الْإِضَافَة غير حَقِيقِيَّة، وَهِي إِضَافَة اسْم الْفَاعِل إِلَى معموله

و {كفى بِاللَّه حسيبا} أَي: محاسبا وكافيا

{حَسبنَا الله} : كِنَايَة عَن قَوْلهم أعتمدنا،

كَمَا أَن {نعم الْوَكِيل} كِنَايَة عَن وكلنَا أمورنا إِلَى الله تَعَالَى]

الْحبّ: هُوَ عبارَة عَن ميل الطَّبْع فِي الشَّيْء الملذ، فَإِن تَأْكِيد الْميل وَقَوي يُسمى عشقا

والبغض: عبارَة عَن نفرة الطَّبْع عَن المؤلم المتعب، فَإِذا قوي يُسمى مقتا

والعشق: مقرون بالشهوة، وَالْحب مُجَرّد عَنْهَا

وَأول مَرَاتِب الْحبّ: الْهوى، وَهُوَ ميل النَّفس، وَقد يُطلق وَيُرَاد بِهِ نفس المحبوب

ثمَّ العلاقة: وَهِي الْحبّ اللَّازِم للقلب، وَسميت علاقَة لتَعلق الْقلب بالمحبوب

ثمَّ الكلف [كالكرم] : وَهُوَ شدَّة الْحبّ، وَأَصله من الكلفة، وَهِي الْمَشَقَّة

ثمَّ الْعِشْق: فِي " الصِّحَاح ": هُوَ فرط الْحبّ؛ وَعند الْأَطِبَّاء: نوع من الماليخوليا

ثمَّ الشغف: شغفة الْحبّ: أَي أحرق قلبه مَعَ لَذَّة يجدهَا

واللوعة واللاعج مثل الشغف، فاللاعج: هُوَ الْهوى المحرق، واللوعة: حرقة الْهوى

ثمَّ الجوى: وَهُوَ الْهوى الْبَاطِن وَشدَّة الوجد من عشق أَو حزن

ثمَّ التتيم: وَهُوَ أَن يستعبده الْحبّ، وَمِنْه قيل:(رجل متيم)

ثمَّ التبل: وَهُوَ أَن يسقمه الْهوى، وَمِنْه:(رجل متبول)

ثمَّ الوله: وَهُوَ ذهَاب الْعقل من الْهوى، يُقَال ولهة الْحبّ: إِذا حيره

ثمَّ الهيام: وَهُوَ أَن يذهب على وَجهه لغَلَبَة الْهوى عَلَيْهِ، يُقَال:(رجل هائم)، و (قوم هيام) : أَي عطاش

والصبابة: رقة الشوق وحرارته

والمقة: الْمحبَّة، والوامق: الْمُحب

والوجد: الْحبّ الَّذِي يتبعهُ الْحزن، وَأكْثر مَا يسْتَعْمل فِي الْحزن

والشجن: حب يتبعهُ هم وحزن

والشوق: سفر إِلَى المحبوب، فِي " الصِّحَاح ": الشوق والاشتياق: نزع النَّفس إِلَى الشَّيْء

والوصب: ألم الْحبّ ومرضه

والكمد: الْحزن المكتوم

والأرق: السهر، وَهُوَ من لَوَازِم الْمحبَّة والشوق

والخلة: تَوْحِيد الْمحبَّة وَهِي رُتْبَة لَا تقبل الْمُشَاركَة، وَلِهَذَا اخْتصَّ بهَا الخليلان إِبْرَاهِيم وَمُحَمّد عليهما السلام، وَقد صَحَّ أَن الله تَعَالَى قد اتخذ نَبينَا مُحَمَّدًا خَلِيلًا

والود: خَالص الْمحبَّة، وَهُوَ من الْحبّ بِمَنْزِلَة الرأفة من الرَّحْمَة

ص: 398

والغرام: الْحبّ اللَّازِم، يُقَال: رجل مغرم بالحب، وَقد لزمَه الْحبّ، فِي " الصِّحَاح ": الغرام: الولوع، والغريم: هُوَ الَّذِي يكون عَلَيْهِ الدّين، وَقد يكون هُوَ الَّذِي لَهُ الدّين، والمحبة أم هَذِه الْأَسْمَاء كلهَا

وَالْحب، بِالْفَتْح: جنس من الْحِنْطَة وَالشعِير والأرز وَغَيرهَا من أَجنَاس الحبوبات، وَهُوَ الأَصْل فِي الأرزاق، وسائرها تَابِعَة لَهُ، أَلا يرى أَنه إِذا قل الْحبّ حدث الْقَحْط، بِخِلَاف سَائِر الثمرات وَلذَلِك قيل:{فَمِنْهُ يَأْكُلُون} وَفِي غَيره: {ليأكلوا من ثمره}

وَالْحيض: هُوَ فِي اللُّغَة السيلان

وَفِي الِاصْطِلَاح: دم ينفضه رحم امْرَأَة بَالِغَة سَالِمَة عَن دَاء، وَيكون للأرنب والضبع والخفاش

والمحيض: وَإِن كَانَ للموضع كالمبيت والمقيل والمعيب فقد يَجِيء أَيْضا بِمَعْنى الْمصدر يُقَال: (حَاضَت محيضا)

وَاخْتلف فِي مُدَّة الْحيض، فَذهب الشَّافِعِي إِلَى أَن أَكثر مُدَّة الْحيض خَمْسَة عشر يَوْمًا بِدَلِيل قَوْله عليه الصلاة والسلام فِي حق النِّسَاء:" تقعد إِحْدَاهُنَّ فِي قَعْر بَيتهَا شطر دهرها " أَي: نصف عمرها وَلَا تصلي، بعد قَوْله:" إنَّهُنَّ ناقصات الْعقل وَالدّين " وَهُوَ معَارض بِمَا روى أَبُو أُمَامَة الْبَاهِلِيّ رضي الله عنه عَن النَّبِي عليه السلام أَنه قَالَ: " أقل الْحيض ثَلَاثَة أَيَّام ولياليها وَأَكْثَره عشرَة أَيَّام " وَهَذَا دَال بعبارته فرجح، وَاعْترض بِأَن المُرَاد بالشطر الْبَعْض لَا النّصْف على السوا، وَلَو سلم فَأكْثر أَعمار الْأمة سِتُّونَ، ربعهَا أَيَّام الصِّبَا، وربعها أَيَّام الْحيض فِي الْأَغْلَب، فَاسْتَوَى النصفان فِي الصَّوْم وَالصَّلَاة وتركهما، وَأجِيب بِأَن الشّطْر حَقِيقَة فِي النّصْف، وَأكْثر أَعمار الْأمة بَين سِتِّينَ إِلَى سبعين على مَا ورد فِي الحَدِيث، وَترك الصَّلَاة وَالصَّوْم مُدَّة الصِّبَا مُشْتَرك بَين الرِّجَال وَالنِّسَاء فَلَا يصلح سَببا لنَقص دينهن، وَلَا تحيض الْحَامِل، وَأكْثر مُدَّة الْحمل سنتَانِ، وَقَالَ الشَّافِعِي: تحيض الْحَامِل وَأكْثر مُدَّة الْحمل أَربع سِنِين، فعلى هَذَا يلْزم أَن ذَات الْأَقْرَاء إِذا طلقت لَا تَنْقَضِي عدتهَا إِلَى أَربع سِنِين لجَوَاز أَن تكون حَامِلا على أَنه مُخَالف لقَوْله تَعَالَى:{والمطلقات يَتَرَبَّصْنَ} إِلَى آخِره

وَحُرْمَة وَطْء حُبْلَى من الزِّنَا حَتَّى تضع كي لَا يسْقِي مَاؤُهُ زرع الْغَيْر، إِذْ الرَّحِم يتشرب من مَاء الْغَيْر بطرِيق المسام فالحمل يسقى مِنْهُ، لَكِن هَذَا التشرب لَا يُفْضِي إِلَى الْعلُوق

حَيْثُ: هِيَ للزمان وَالْمَكَان، وَالْغَالِب كَونهَا للمكان كَمَا فِي حَدِيث " أخروا النِّسَاء حَيْثُ أخرهن الله " والظرفية لَهَا غالبة لَيست بلازمة قَالَ:

(أما ترى حَيْثُ سُهَيْل طالعا)

وَكَذَا {الله أعلم حَيْثُ يَجْعَل رسَالَته} ويثلث آخرهَا، وتضاف إِلَى الْجُمْلَة فَيكون مَا بعد (حَيْثُ) من مظان الْجُمْلَة فتكسر (إِن) بعْدهَا قَالَه ابْن هِشَام وَقَالَ السَّيِّد: تفتح (أَن) بعد (حَيْثُ)

ص: 399

لِأَن الأَصْل الْإِفْرَاد، قَالَ الزَّرْكَشِيّ: يجوز الْفَتْح فِي الْإِضَافَة إِلَى الْمُفْرد وَالْحق جَوَاز الْأَمريْنِ وَإِن كَانَ الْكسر أَكثر

وَقد يُرَاد بهَا الْإِطْلَاق، وَذَلِكَ فِي مثل قَوْلنَا:(الْإِنْسَان من حَيْثُ هُوَ إِنْسَان) ، أَي نفس مَفْهُومه الْمَوْجُود من غير اعْتِبَار أَمر آخر مَعَه

وَقد يُرَاد بهَا التَّقْيِيد وَذَلِكَ فِي مثل: (الْإِنْسَان من حَيْثُ إِنَّه يَصح وتزول عَنهُ الصِّحَّة مَوْضُوع الطِّبّ)

وَقد يُرَاد بهَا التَّعْلِيل مثل: (النَّار من حَيْثُ إِنَّهَا حارة تسخن المَاء) أَي: حرارة النَّار عِلّة تسخنه

و (حَيْثُمَا) : ك (أَيْنَمَا) لتعميم الْأَمْكِنَة وتعمل الْجَزْم

الْحَلَال: هُوَ أَعم من الْمُبَاح، لِأَنَّهُ يُطلق على الْفَرْض دون الْمُبَاح، فَإِن الْمُبَاح مَا لَا يكون تَاركه آثِما وَلَا فَاعله مثابا بِخِلَاف الْحَلَال وَالظَّاهِر من كَلَام الْفُقَهَاء أَن الْمُبَاح مَا أذن الشَّارِع فِي فعله لَا مَا اسْتَوَى فعله وَتَركه كَمَا هُوَ فِي الْأُصُول، وَالْخلاف لَفْظِي

والحلال: مَا أَفْتَاك الْمُفْتِي أَنه حَلَال

وَالطّيب: مَا أَفْتَاك قَلْبك أَن لَيْسَ فِيهِ جنَاح، وَقيل: الطّيب مَا يستلذ من الْمُبَاح

وَقيل: الْحَلَال: الصافي القوام، فالحلال مَا لَا يعْصى الله فِيهِ، والصافي: مَا لَا ينسى الله فِيهِ، والقوام: مَا يمسك النَّفس ويحفظ الْعقل

وَفِي " الزَّاهدِيّ ": الْحَلَال مَا يُفْتى بِهِ، وَالطّيب مَا لَا يعْصى الله فِي كَسبه وَلَا يتَأَذَّى حَيَوَان بِفِعْلِهِ

وَبَين الطّيب والطاهر عُمُوم من وَجه لتصادقهما فِي الزَّعْفَرَان وتفارقهما فِي الْمسك وَالتُّرَاب

والحلال: هُوَ الْمُطلق بِالْإِذْنِ من جِهَة الشَّرْع

وَالْحرَام: مَا اسْتحق الذَّم على فعله، وَقيل: مَا يُثَاب على تَركه بنية التَّقَرُّب إِلَى الله تَعَالَى

وَالْمَكْرُوه: مَا يكون تَركه أولى من إِتْيَانه وتحصيله

وَالْمُنكر: مَا هُوَ الْمَجْهُول عقلا، بِمَعْنى أَن الْعقل لَا يعرفهُ حسنا. والمحظور: مَا هُوَ الْمَمْنُوع شرعا

وَالْحرَام: عَام فِيمَا كَانَ مَمْنُوعًا عَنهُ بالقهر وَالْحكم

والبسل: مَا هُوَ الْمَمْنُوع عَنهُ بالقهر

والحل وَالْحُرْمَة: هما من صِفَات الْأَفْعَال الاختيارية حَتَّى إِن الْحرم يكون وَاجِب التّرْك بِخِلَاف حُرْمَة الْكفْر وَوُجُوب الْإِيمَان فَإِنَّهُمَا من الكيفيات النفسانية دون الْأَفْعَال الاختيارية

الْحُدُوث: الْخُرُوج من الْعَدَم إِلَى الْوُجُود، أَو كَون الْوُجُود مَسْبُوقا بِالْعدمِ اللَّازِم للوجود، أَو كَون الْوُجُود خَارِجا من الْعَدَم اللَّازِم للموجود

والإمكان: كَون الشَّيْء فِي نَفسه بِحَيْثُ لَا يمْتَنع وجوده وَلَا عَدمه امتناعا وَاجِبا ذاتيا

[وَأظْهر التعريفات للحدوث هُوَ أَنه حُصُول الشَّيْء بعد مَا لم يكن وَقَول الْمُتَكَلِّمين: هُوَ الْخُرُوج من الْعَدَم إِلَى الْوُجُود فَهُوَ تَعْرِيف مجازي، إِذْ الْعَدَم

ص: 400

لَيْسَ بظرف للمعدوم، وَلَا حَقِيقَة فِيهِ]

والحدوث الذاتي عِنْد الْحُكَمَاء: هُوَ مَا يحْتَاج وجوده إِلَى الْغَيْر، فالعالم بِجَمِيعِ أَجْزَائِهِ مُحدث بالحدوث الذاتي عِنْدهم [كَمَا أَن الْقدَم الذاتي هُوَ أَن لَا يكون وجود الشَّيْء من الْغَيْر، وَهُوَ الْبَارِي جلّ شَأْنه، والقدم الْمُطلق: هُوَ أَن لَا يكون وجوده مَسْبُوقا بِالْعدمِ]

وَأما الْحُدُوث الزماني: فَهُوَ مَا سبق الْعَدَم على وجوده سبقا زمانيا، فَيجوز قدم بعض أَجزَاء الْعَالم بِمَعْنى الْقدَم الَّذِي بِإِزَاءِ الْمُحدث بالحدوث الزماني عِنْدهم، وَلَا مُنَافَاة بَينهمَا، وَيكون جَمِيع الْحَوَادِث بالحدوث الزماني عِنْدهم مَا لَا أول لَهَا، فَإِنَّهُ لَا يو [د لَهَا سبق الْعَدَم على وجودهَا سبقا زمانيا

والحدوث الإضافي: هُوَ الَّذِي مضى من وجود شَيْء أقل مِمَّا مضى من وجود شَيْء آخر [كوجود الابْن مَعَ وجود الْأَب، كَمَا أَن الْقدَم الإضافي هُوَ كَون مَا مضى من وجود شَيْء أَكثر مِمَّا مضى من وجود غَيره، كوجود الْأَب بِالْقِيَاسِ إِلَى وجود الابْن] ، وَاتَّفَقُوا على أَن الْحَادِث الْقَائِم بِذَاتِهِ يُسمى حَادِثا، وَمَا لَا يقوم بِذَاتِهِ من الْحَوَادِث يُسمى مُحدثا لَا حَادِثا

والممكن: إِمَّا أَن يكون مُحدث الذَّات وَالصِّفَات بحدوث زماني، وَإِلَيْهِ ذهب أَرْبَاب الْملَل من الْمُسلمين إِلَّا قَلِيلا؛ وَإِمَّا أَن يكون قديم الذَّات وَالصِّفَات بالقدم الزماني، وَإِلَيْهِ ذهب أرسطو ومتابعوه، وَالْمرَاد بِالصِّفَاتِ هَهُنَا مَا يعم الصُّور والأعراض وَإِمَّا أَن يكون قديم الذَّات بالقدم الزماني مُحدث الصِّفَات بالحدوث الزماني؛ وَإِلَيْهِ ذهب قدماء الفلاسفة وَأما كَونه مُحدث الذَّات قديم الصِّفَات فَمَا لم يذهب إِلَيْهِ أحد

وَفِي الْجُمْلَة أَن الْكل اتَّفقُوا على أَن جَمِيع الموجودات غير الْوَاجِب سُبْحَانَهُ، مُحدث الذَّات من غير نَكِير مِمَّن ينسلك فِي سلك ذَوي الْأَلْبَاب

وتحير الْبَعْض فِي الْبَاقِي وَلم يجد إِلَيْهِ سَبِيلا

[وَاخْتلف فِي أَن افتقار الموجودات إِلَى الْمُؤثر هَل هُوَ من حَيْثُ الْحُدُوث، أَو من حَيْثُ الْإِمْكَان والحدوث جَمِيعًا؟ فَإلَى الأول ذهب المتكلمون، وَالثَّانِي مُخْتَار محققي الْمُتَكَلِّمين على خلاف فِي كَون الْحُدُوث شرطا أَو شطرا فِي الْعلية

قَالَ بَعضهم: مَسْلَك الْحُكَمَاء فِي إِثْبَات الصَّانِع الْإِمْكَان، ومسلك الْمُتَكَلِّمين فِيهِ الْحُدُوث وَقَالَ بَعضهم: كلا المسلكين للمتكلمين، والفلاسفة وافقتهم فِي مَسْلَك الْإِمْكَان، وَفِي " تَلْخِيص المحصل ": الْقَائِلُونَ بِكَوْن الْإِمْكَان عِلّة الْحَاجة هم الفلاسفة والمتأخرون من الْمُتَكَلِّمين، والقائلون بِكَوْن الْحُدُوث عِلّة هم الأقدمون مِنْهُم

قيل: الِاسْتِدْلَال بحدوث الْجَوَاهِر طَريقَة الْخَلِيل حَيْثُ قَالَ: {لَا أحب الآفلين} ، وَالِاسْتِدْلَال بِإِمْكَان الْأَعْرَاض مقيسة إِلَى محالها طَريقَة سيدنَا مُوسَى عليه الصلاة والسلام حَيْثُ قَالَ:{رَبنَا الَّذِي أعْطى كل شَيْء خلقه ثمَّ هدى} ]

وحدثان الْأَمر، بِالْكَسْرِ: أَوله وابتداؤه كحداثته، وَمن الدَّهْر نوبه كحوادثه وأحداثه

ص: 401

والأحدوثة: مَا يتحدث بِهِ

الْحسن، بِالضَّمِّ: عبارَة عَن تناسب الْأَعْضَاء، يجمع على (محَاسِن) على غير قِيَاس، وَأكْثر مَا يُقَال فِي تعارف الْعَامَّة فِي المستحسن بالبصر؛ وَأكْثر مَا جَاءَ فِي الْقُرْآن من (الْحسن) فَهُوَ للمستحسن من جِهَة البصيرة.

[قيل] : كَمَال الْحسن فِي الشّعْر، والصباحة فِي الْوَجْه، والوضاءة فِي الْبشرَة، وَالْجمال فِي الْأنف، والملاحة فِي الْفَم، والحلاوة فِي الْعَينَيْنِ، والظرف فِي اللِّسَان، والرشاقة فِي الْقد، واللباقة فِي الشَّمَائِل

[قَالَ بَعضهم] : الْحسن: هُوَ الْكَائِن على وَجه يمِيل إِلَيْهِ الطَّبْع وتقبله النَّفس، غير أَن مَا يمِيل الْمَرْء إِلَيْهِ طبعا يكون حسنا طبعا، وَمَا يمِيل إِلَيْهِ عقلا وَشرعا هُوَ كالإيمان بِاللَّه وَالْعدْل وَالْإِحْسَان

وأصل الْعِبَادَات ومقاديرها وهيئاتها يمِيل إِلَيْهِ الْمَرْء لدعاء الشَّرْع إيانا إِلَيْهِ فَهُوَ حسن شرعا لَا عقلا وَلَا طبعا

وَقيل: الْحسن مَا لَو فعله الْعلم بِهِ اخْتِيَارا لم يسْتَحق ذما على فعله

والقبيح: مَا لَو فعله الْعَالم بِهِ اخْتِيَارا يسْتَحق الذَّم عَلَيْهِ

[وَمَا كَانَ حسنه لعَينه وَهُوَ الْحسن الْعقلِيّ كمحاسن الشَّرَائِع فَهُوَ غير قَابل للتغيير، بِخِلَاف حسن الْأَجْسَام والأعراض الضرورية فَإِنَّهَا مخلوقات الله تَعَالَى، وحسنها بِسَبَب أَن الله تَعَالَى طبعها كَذَلِك، وَذَلِكَ الْحسن قَابل للتغيير من الْحسن إِلَى الْقبْح] .

وَمَسْأَلَة الْحسن والقبح مُشْتَركَة بَين الْعُلُوم الثَّلَاثَة: كلامية من جِهَة الْبَحْث عَن أَفعَال الْبَارِي تَعَالَى أَنَّهَا هَل تتصف بالْحسنِ؟ وَهل تدخل القبائح تَحت إِرَادَته؟ وَهل تكون بخلقه ومشيئته؟ وَالْحق عِنْد أهل الْحق أَن الْقبْح هُوَ الاتصاف وَالْقِيَام لَا الإيجاد والتمكين.

وأصولية من جِهَة أَنَّهَا تبحث عَن أَن الحكم الثَّابِت بِالْأَمر يكون حسنا، وَمَا يتَعَلَّق بِهِ النَّهْي يكون قبيحا

وفقهية من حَيْثُ إِن جَمِيع محمولات الْمسَائِل الْفِقْهِيَّة يرفع إِلَيْهِمَا ويثبتان بِالْأَمر وَالنَّهْي.

ثمَّ إِن كلا من الْحسن والقبح يُطلق على معَان ثَلَاثَة:

الأول: صفة الْكَمَال وَصفَة النَّقْص كَمَا يُقَال: (الْعلم حسن وَالْجهل قَبِيح)

وَالثَّانِي: ملاءمة الْغَرَض ومنافرته، وَقد يعبر عَنْهُمَا بِالْمَصْلَحَةِ والمفسدة

وَالثَّالِث: تعلق الْمَدْح والذم عَاجلا وَالثَّوَاب وَالْعِقَاب آجلا

فالحسن والقبح بالمعنيين الْأَوَّلين ثبتا بِالْعقلِ اتِّفَاقًا، أما بِالْمَعْنَى الثَّالِث فقد اخْتلفُوا فِيهِ

[قَالَت الأشاعرة: إنَّهُمَا بِحكم الشَّرْع، وَقَالَت السّنيَّة والمعتزلة والكرامية إنَّهُمَا قد يعرفان بِالْعقلِ أَيْضا، وَهُوَ اخْتِيَار الْفُقَهَاء أَيْضا، فَإِنَّهُم ذَهَبُوا إِلَى تَعْلِيل أَحْكَام الله برعاية مصَالح الْعباد فَكَانَت أولى بهم فِي الْوَاقِع، وَإِلَّا لما كَانَت مصلحَة لَهُم، وَأَيْضًا لَو لم يَقُولُوا بالْحسنِ والقبح العقليين لما استقام تقسيمهم الْمَأْمُور بِهِ إِلَى حسن بِعَيْنِه وَغَيره

ص: 402

وَإِلَى قَبِيح كَذَلِك، وَلما صَحَّ قَوْلهم: إِن مِنْهُ مَا لَا يحْتَمل السُّقُوط والنسخ أصلا كالإيمان بِاللَّه وَصِفَاته]

وَبَاقِي التَّفْصِيل فليطلب فِي مَحَله، وَأول من قَالَ بالْحسنِ والقبح العقليين إِبْلِيس اللعين

وَالْحسن يُقَال فِي الْأَعْيَان والأحداث، وَكَذَلِكَ الْحَسَنَة إِذا كَانَت وَصفا، وَأما إِذا كَانَت اسْما فمتعارف فِي الْأَحْدَاث

والحسناء، بِالْفَتْح وَالْمدّ: صفة الْمُؤَنَّث، وَهُوَ اسْم أُنْثَى من غير تذكير، إِذْ لم يَقُولُوا (الرجل أحسن) ، وَقَالُوا فِي ضِدّه (رجل أَمْرَد) وَلَو يَقُولُوا (جَارِيَة مرداء) ، ويضبط أَيْضا بِالضَّمِّ وَالْقصر وَلَا يسْتَعْمل إِلَّا بِالْألف وَاللَّام

وَالْجمع المكسر لغير الْعَاقِل يجوز أَن يُوصف بِمَا يُوصف بِهِ الْمُؤَنَّث نَحْو: {مآرب أُخْرَى} كَمَا تقدم فِي بحث الْجمع

حبذا: هِيَ لَيست باسم وَلَا فعل وَلَا حرف، بل هِيَ مركبة من فعل وَاسم، أما الْفِعْل فَهُوَ (حب) يسْتَعْمل مُتَعَدِّيا بِمَعْنى (أحب) وَمِنْه (المحبوب) ، وَيسْتَعْمل لَازِما أَيْضا وَهُوَ الَّذِي ركب مَعَ (ذَا) ، وَأَصله (حبب) بِالضَّمِّ، لقَولهم فِي اسْم الْفَاعِل (حبيب)

وحبذا مَعَ كَونهَا للْمُبَالَغَة فِي الْمَدْح تَتَضَمَّن قرب الممدوح من الْقلب، وَكَذَلِكَ تَتَضَمَّن بعد المذموم من الْقلب، وَلَيْسَ فِي (نعم) و (بئس) يعرض شَيْء من ذَلِك

حاشا: حرف جر عِنْد سِيبَوَيْهٍ وَفِيه معنى الِاسْتِثْنَاء، كَمَا أَن (حَتَّى) تجر مَا بعْدهَا وَفِيه معنى الِانْتِهَاء

وَفِي " الْإِيضَاح ": هِيَ كلمة اسْتعْملت للاستثناء فِيمَا ينزه عَن الْمُسْتَثْنى فِيهِ كَقَوْلِك (ضربت الْقَوْم حاشا زيدا) وَلذَلِك لم يحسن (صلى النَّاس حاشا زيدا) لفَوَات معنى التَّنْزِيه وَقَالَ الْمبرد: وَيكون فعلا مَاضِيا بِمَعْنى (أستثنى) يُقَال: حاشا يحاشي.

قَالَ النَّابِغَة:

وَلَا أحاشي من الأقوام من أحد

)

وَالدَّلِيل على كَونه فعلا أَنه يتَصَرَّف وَالتَّصَرُّف عَن خَصَائِص الْأَفْعَال، وَيدخل على لَام الْجَرّ، ويدخله الْحَذف، والحرف لَا يدْخل على مثله، والحذف إِنَّمَا يكون فِي الْأَسْمَاء نَحْو:(أَخ) و (يَد) وَفِي الْأَفْعَال نَحْو: (لم يَك)(وَلم أدر) .

وحاش الله: بِمَعْنى معَاذ الله، مَنْصُوب بِأَن يكون قَائِما مقَام الْمصدر، وَيجوز أَن يكون مصدرا مَعْنَاهُ (أبرئ تبرئة) . [وَرِوَايَة الْأَصْمَعِي عَن نَافِع بِإِثْبَات الْألف بعد الشين وَهِي الأَصْل لِأَنَّهَا من المحاشاة وَهِي التَّخْلِيَة والتبعيد، وَالْبَاقُونَ بِحَذْف الْألف للتَّخْفِيف وَاتِّبَاع الْمُصحف] .

الْحَلَاوَة: حلا الشَّيْء فِي فمي يحلو، وحلى الشَّيْء بعيني يحلى حلاوة فيهمَا جَمِيعًا

والحلو: اسْم مُشْتَقّ من الْحَلَاوَة

وَهُوَ فِي الْعرف: أسم لكل حُلْو لَا يكون من جنسه غير حُلْو فعلى هَذَا: الْبِطِّيخ مثلا لَيْسَ بحلو، لِأَن من جنسه حامض غير حُلْو

ص: 403

وتزيد فِي حُرُوف الْفِعْل مُبَالغَة تَقول (حلا الشَّيْء، فَإِذا انْتهى تَقول) : احلولي.

الْحمام، كشداد: الديماس، مُذَكّر، وَلَا يُقَال: طَابَ حمامك، إِنَّمَا يُقَال: طابت حمتك بِالْكَسْرِ، وحميمك: أَي طَابَ عرقك

وَلَا يُقَال (حواميم) فِي السُّور المفتتحة بهَا، إِنَّمَا يُقَال:(آل حَامِيم) و (ذَوَات حَامِيم) . وَهُوَ اسْم الله الْأَعْظَم، أَو حُرُوف الرَّحْمَن مقطعَة، وَتَمَامه (الر) و (ن)

وَالْحمام، كالهوان: الدواجن فَقَط عِنْد الْعَامَّة.

وَعند الْعَرَب: هِيَ ذَوَات الأطواق من نَحْو القماري والفواخت والوراشين وَأَشْبَاه ذَلِك قَالَ الْكسَائي: الْحمام: هُوَ الْبري، واليمام: هُوَ الَّذِي يألف الْبيُوت.

وَالْحمام، بِالْكَسْرِ: الْمَوْت

الْحلم، بِالضَّمِّ: فِي الأَصْل اسْم لما يتلذذ بِهِ الْمَرْء فِي حَال النّوم، ثمَّ اسْتعْمل لما يتألم بِهِ، ثمَّ اسْتعْمل لبلوغ الْمَرْء حد الرِّجَال، ثمَّ اسْتعْمل لِلْعَقْلِ لكَون الْبلُوغ وَكَمَال الْعقل يلازم حَال تلذذ الشَّخْص فِي نَومه على نَحْو تلذذ الذّكر بِالْأُنْثَى.

وَغلب الْحلم على مَا يرَاهُ من الشَّرّ والقبيح، كَمَا غلب اسْم الرُّؤْيَا على مَا يرَاهُ من الْخَيْر وَالشَّيْء الْحسن

وَقد يسْتَعْمل كل مِنْهُمَا مَوضِع الآخر.

وحلمت فِي النّوم أحلم حلما، وَأَنا حالم، وبابه (دخل) ومصدره الْحلم والحلم، بِضَم الْحَاء مَعَ ضم اللَّام وسكونها.

وحلمت عَن الرجل أحلم حلما وَأَنا حَلِيم، وبابه (كرم) ومصدره الْحلم بِالْكَسْرِ وَهُوَ الأناة والسكون مَعَ الْقُدْرَة وَالْقُوَّة.

وَأما حلم الْأَدِيم أَي: فسد وتنقب فبابه (فَرح) ومصدره الْحلم بِفَتْح اللَّام

الْحسب: هُوَ مَا تعده من مفاخر آبَائِك، أَو المَال، أَو الدّين، أَو الْكَرم، أَو الشّرف فِي الْعقل، أَو الْفِعْل الصَّالح، أَو الشّرف الثَّابِت فِي الْآبَاء

وَيُقَال: الْحسب من طرف الْأُم وَالنّسب من طرف الْأَب

والحسب وَالْكَرم قد يكونَانِ لمن لَا آبَاء لَهُ شرفا

والشرف وَالْمجد لَا يكونَانِ إِلَّا بِالْآبَاءِ

الْحيَاء، بِالْمدِّ: الحشمة، وبالقصر: الْمَطَر الْخَيْر

وَالْحيَاء أَيْضا: انقباض النَّفس عَن الْقَبِيح مَخَافَة اللوم، وَهُوَ الْوسط بَين الوقاحة الَّتِي هِيَ الجرأة على القبائح وَعدم المبالاة بهَا، والخجل الَّذِي هُوَ انحصار النَّفس عَن الْفِعْل مُطلقًا وَإِذا وصف بِهِ الْبَارِي تَعَالَى فَالْمُرَاد بِهِ التّرْك اللَّازِم للانقباض، كَمَا أَن المُرَاد من رَحمته وغضبه إِصَابَة الْمَعْرُوف وَالْمَكْرُوه اللازمين لمعنييهما

الْحرم، بِالْكَسْرِ والسكون: الحرمان، وكالقتل: الْمَمْنُوع يُقَال: فعل حرَام: أَي منع عَنَّا تحصيلا واكتسابا وَعين حرَام: أَي منع عَنَّا التَّصَرُّف فِيهَا

وَيُقَال: (فلَان لَا يعرف حل الشَّيْء وحرمته) وَهُوَ الْمَشْهُور، لَكِن الصَّوَاب: وَحرمه، لِأَنَّهُ لَا يُقَال: حل وحلال، وَحرم وَحرَام

وَالْحرَام: الْمَمْنُوع مِنْهُ إِمَّا بتسخير إلهي كَقَوْلِه

ص: 404

تَعَالَى: {من يُشْرك بِاللَّه فقد حرم الله عَلَيْهِ الْجنَّة} ، {وَحرَام على قَرْيَة أهلكناها} ، وَقَوله:{فَإِنَّهَا مُحرمَة عَلَيْهِم أَرْبَعِينَ سنة}

وَإِمَّا بِمَنْع بشري كَقَوْلِه تَعَالَى: {وحرمنا عَلَيْهِ المراضع}

وَأما بِمَنْع من جِهَة الْعقل كَقَوْلِه: {وَيحرم عَلَيْهِم الْخَبَائِث}

أَو من جِهَة الشَّرْع كتحريم بيع الطَّعَام مُتَفَاضلا

وَالْحرَام: مَا ثَبت الْمَنْع عَنهُ بِلَا أَمر معَارض لَهُ، وَحكمه الْعقَاب بِالْفِعْلِ وَالثَّوَاب بِالتّرْكِ لله تَعَالَى، لَا بِمُجَرَّد التّرْك، وَإِلَّا لزم أَن يكون لكل أحد فِي كل لَحْظَة مثوبات كَثِيرَة بِحَسب كل حرَام لم يصدر عَنهُ

والأعيان تُوصَف بِالْحلِّ وَالْحُرْمَة وَنَحْوهمَا حَقِيقَة كالأفعال لَا فرق بَينهمَا هَذَا عِنْد مَشَايِخنَا فَمَتَى جَازَ وصف الْأَعْيَان بِالْحلِّ وَالْحرم أمكن الْعَمَل فِي حَقِيقَة الْإِضَافَة فِي قَوْله تَعَالَى: {حرمت عَلَيْكُم اليمتة} و {حرمت عَلَيْكُم أُمَّهَاتكُم} فَلَا ضَرُورَة فِي إِضْمَار الْفِعْل وَهُوَ الْأكل وَالنِّكَاح وَالْوَطْء، وَأما عِنْد الأشاعرة فالمعاني الشَّرْعِيَّة لَيست من صِفَات الْأَعْيَان، بل هِيَ من صِفَات التَّعَلُّق، وَصفَة التَّعَلُّق لَا تعود إِلَى وصف فِي الذَّات، فَلَيْسَ معنى قَوْلنَا (الْخمر حرَام) ذَاتهَا، وَإِنَّمَا التَّحْرِيم رَاجع إِلَى قَول الشَّرْع فِي النَّهْي عَن شربهَا وذاتها لم تَتَغَيَّر، كمن علم زيدا قَاعِدا بَين يَدَيْهِ، فَإِن علمه وَإِن تعلق بزيد لَكِن لم يُغير من صِفَات زيد شَيْئا، وَلَا أحدث لزيد صفة ذَات

وَالْحرَام: المأمن {وَمن دخله كَانَ آمنا}

وَحُرْمَة الرجل: حرمه وَأَهله

الْحِين: الدَّهْر أَو وَقت مِنْهُ يصلح لجَمِيع الْأَزْمَان طَال أَو قصر، وَيكون سنة أَو أَكثر، أَو يخْتَص بِأَرْبَعِينَ سنة، أَو سنتَيْن، أَو سِتَّة أشهر، أَو شَهْرَيْن، أَو كل غدْوَة وَعَشِيَّة، أَو يَوْم الْقِيَامَة {وتول عَنْهُم حَتَّى حِين} أَي: حَتَّى تَنْقَضِي الْمدَّة الَّتِي أمهلوها وَإِذا باعدوا بَين الْوَقْتَيْنِ باعدوا ب (إِذا) فَقَالُوا: حِينَئِذٍ

والحين، أَيْضا: الْهَلَاك والمحنة، وكل مَا لم يوفق للرشاد فقد حَان

والحائن: الأحمق

الحليلة: الزَّوْجَة، لِأَن الزَّوْج يحل عَلَيْهَا، أَو تحل هِيَ لَهُ، تصدق على الْمَنْكُوحَة وعَلى السّريَّة وَلَا فرق بَينهمَا إِلَّا فِي قَوْله تَعَالَى:{وحلائل أَبْنَائِكُم} فَإِنَّهُ إِن فسر بِمن حلت لَهُ لم يثبت بِالْآيَةِ حُرْمَة من زنى بهَا الابْن على الْأَب، وَإِن فسر بِمن حل عَلَيْهَا أَي نزل: ثَبت حُرْمَة من زنى بهَا الابْن على الْأَب

الْحَج: مَعْنَاهُ اللّغَوِيّ الْقَصْد على جِهَة التَّعْظِيم، وَهُوَ كأخواته من المنقولات الشَّرْعِيَّة

وَمَعْنَاهُ الشَّرْعِيّ: الْقَصْد إِلَى بَيت الله الْحَرَام

ص: 405

بأعمال مَخْصُوصَة وَالْفَتْح وَالْكَسْر لُغَة فِيهِ، وَقيل: بِالْفَتْح الِاسْم، وبالكسر الْمصدر، وَقيل بِالْعَكْسِ وَهُوَ نَوْعَانِ: فالأكبر: حج الْإِسْلَام، والأصغر: الْعمرَة

وَالْحجّة، بِالضَّمِّ: الْبُرْهَان وَعند النظار أَعم مِنْهُ لاختصاصه عِنْدهم بِيَقِين الْمُقدمَات

وَمَا ثَبت بِهِ الدَّعْوَى من حَيْثُ إفادته للْبَيَان يُسمى بَيِّنَة وَمن حَيْثُ الْغَلَبَة بِهِ على الْخصم يُسمى حجَّة

والمجادلة الْبَاطِلَة قد تسمى حجَّة كَقَوْلِه تَعَالَى: {حجتهم داحضة عِنْد رَبهم} [إِمَّا على حسبانهم ومساقهم أَو على أسلوب قَوْلهم تَحِيَّة بَينهم ضرب وَجمع]

وَالْحجّة الإقناعية: هِيَ الَّتِي تفِيد القانعين القاصرين عَن تَحْصِيل المطالب بالبراهين القطعية الْعَقْلِيَّة، وَرُبمَا تُفْضِي إِلَى الْيَقِين بالاستكثار

وَلَيْسَ آيَة {لَو كَانَ فيهمَا آلِهَة إِلَّا الله لفسدتا} حجَّة إقناعية، بل هِيَ برهانية تحقيقية، إِذْ لَا تكَاد النَّفس تخطر للمتأمل نقيض الْإِلَه بعد مَا تحقق عِنْده اسْتِحَالَة الْخلف فِي خَبره تَعَالَى واستمرار الْعَادة بَين ذِي قدرتين على تطلب الِانْفِرَاد والقهر فِي كل جليل وحقير، فَكيف بِمن اتّصف بأقصى غايات التكبر فضلا عَن أخطار فرض النقيض مَعَ الْجَزْم بِأَن الْوَاقِع هُوَ الطّرف الآخر نعم تفِيد الْأَدِلَّة الخطابية فِي حق الْأَكْثَرين تَصْدِيقًا ببادي الرَّأْي وسابق الْفَهم إِذا لم يكن الْبَاطِل مشحونا بتعصب ورسوخ اعْتِقَاد على خلاف مُقْتَضى الدَّلِيل، إِلَّا إِذا شوش مجادل بنكات المماراة والتشكيك، فاستماع هَذَا الْقدر يشوش عَلَيْهِ تَصْدِيقه، ثمَّ رُبمَا يعسر الْحل وَالدَّفْع فِي حق بعض الأفهام القاصرة، يُؤَيّدهُ قَوْله تَعَالَى:{وجادلهم بِالَّتِي هِيَ أحسن} أَي: بالرهان كالخطابة والجدل

وَحجَّة الْحق على الْخلق هُوَ الْإِنْسَان الْكَامِل كآدم عليه السلام، فَإِنَّهُ كَانَ حجَّة على الْمَلَائِكَة فِي قَوْله تَعَالَى:{يَا آدم أنبئهم بِأَسْمَائِهِمْ}

[وَقد يعبر عَن نفي المعذرة بِنَفْي الْحجَّة كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {لِئَلَّا يكون للنَّاس على الله حجَّة بعد الرُّسُل} فَفِيهِ تَنْبِيه على أَن المعذرة فِي الْقبُول عِنْده تَعَالَى بِمُقْتَضى كرمه بِمَنْزِلَة الْحجَّة القاطعة الَّتِي لَا مرد لَهَا]

وَالْحجّة، بِالْكَسْرِ: السّنة، فِي التَّنْزِيل:{ثَمَانِي حجج} وَهُوَ المسموع من الْعَرَب، وَإِن كَانَ الْقيَاس فتح الْحَاء لكَونهَا اسْما للكرة الْوَاحِدَة، وَلَيْسَت عبارَة عَن الْهَيْئَة حَتَّى تكسر

الْحَيَاة: هِيَ بِحَسب اللُّغَة عبارَة عَن قُوَّة مزاجية

ص: 406

تَقْتَضِي الْحس وَالْحَرَكَة، وَفِي حق الله تَعَالَى لَا بُد من الْمصير إِلَى الْمَعْنى الْمجَازِي الْمُنَاسب لَهُ وَهُوَ الْبَقَاء وَأما الَّذِي ذكره المتكلمون بقَوْلهمْ:(الْحَيّ هُوَ الَّذِي يَصح أَن يعلم وَيقدر) فَمَعْنَاه الاصطلاحي الْحَادِث، وَلَيْسَت صفة حَقِيقِيَّة عَارِية عَن النِّسْبَة وَالْإِضَافَة فِي حق الله تَعَالَى إِلَّا صفة الْحَيَاة وَغَيرهَا من الصِّفَات وَإِن كَانَت حَقِيقِيَّة كَالْعلمِ وَالْقُدْرَة إِلَّا أَنَّهَا يلْزمهَا لَوَازِم من بَاب النّسَب والإضافات كتعلق الْعلم بالمعلوم وَالْقُدْرَة بإيجاد الْمَقْدُور

والحياة تسْتَعْمل على أوجه: للقوة النامية الْمَوْجُودَة فِي النَّبَات وَالْحَيَوَان وَالْقُوَّة الحساسة بِهِ سمي الْحَيَوَان حَيَوَانا وَالْقُوَّة العاملة الْعَاقِلَة وَتَكون عبارَة عَن ارْتِفَاع الْغم، وَبِهَذَا النّظر قَالَ:

(لَيْسَ من مَاتَ فاستراح بميت

إِنَّمَا الْمَيِّت ميت الْأَحْيَاء)

وعَلى هَذَا: {بل أَحيَاء عِنْد رَبهم} أَي: هم يتلذذون والحياة الأخروية الأبدية يتَوَصَّل إِلَيْهَا بِالْحَيَاةِ الَّتِي هِيَ الْعقل وَالْعلم، والبنية الْمَخْصُوصَة لَيست شرطا للحياة، بل يجوز أَن يَجْعَلهَا الله فِي جُزْء لَا يتَجَزَّأ، خلافًا للمعتزلة والفلاسفة

وَالْحَيَوَان أبلغ من الْحَيَاة، لما فِي بِنَاء (فعلان) من الْحَرَكَة وَالِاضْطِرَاب اللَّازِم للحياة

وَالْحَيَوَان: فِي الْجنَّة

والحياة: فِي الدُّنْيَا

الحفا، بِالْقصرِ: دَاء الرجل،

وبالمد: الْمَشْي بِلَا نعل

والحفي: البليغ فِي الْبر والإلطاف

وحفا الْبَرْق يحفو حفوا وحفي يحفى حفيا: إِذا لمع ضَعِيفا مُعْتَرضًا فِي نواحي الْغَيْم

وَإِذا لمع قَلِيلا ثمَّ سكن وَلَيْسَ لَهُ اعْتِرَاض فَهُوَ وميض

وَإِن شقّ الْغَيْم واستطال فِي وسط السَّمَاء من غير أَن يَأْخُذ يَمِينا وَلَا شمالا فَهُوَ عقيقة

الحنين [بِالْفَتْح] : الشوق، وَشدَّة الْبكاء، والطرب، [وبالتصغير: وَاد مَعْرُوف]

والحنان: كسحاب: الرَّحْمَة والرزق وَالْبركَة والهيبة وَالْوَقار ورقة الْقلب وَالشَّر الطَّوِيل

وحنان الله، معَاذ الله

والحنان، مشددا: من أَسمَاء الله تَعَالَى، مَعْنَاهُ الرَّحِيم، أَو الَّذِي يقبل على من أعرض عَنهُ

والحن، بِالْكَسْرِ: حَيّ من الْجِنّ من الْكلاب السود البهم، أَو سفلَة الْجِنّ وضعفاؤهم أَو كلابهم، أَو خلق بَين الْجِنّ والأنس كَذَا فِي " الْقَامُوس "

الحوج: السَّلامَة، حوجا لَك: أَي سَلامَة لَك

وبالضم: الْفقر وَالْحَاجة والحوائج على غير قِيَاس، أَو مولد، فكأنهم جمعُوا (حائجة)

الحيز، كالسيد،: الْفَرَاغ المتحقق كَمَا هُوَ عِنْد أفلاطون، أَو المتوهم كَمَا هُوَ عِنْد الْمُتَكَلِّمين، لَا السَّطْح الْبَاطِن من الْحَاوِي

والحيز الطبيعي،: هُوَ الْمَكَان الْأَصْلِيّ بِالنِّسْبَةِ إِلَى

ص: 407

طبيعة الشَّيْء

الحقد: هُوَ سوء الظَّن فِي الْقلب على الْخلق لأجل الْعَدَاوَة

والحسد: اخْتِلَاف الْقلب على النَّاس لِكَثْرَة الْأَمْوَال والأملاك

الحرق، بِالسُّكُونِ: أثر النَّار فِي الثَّوْب وَغَيره

وبفتح الرَّاء: هُوَ النَّار نَفسهَا و {عَذَاب الْحَرِيق} : النَّار

الحلأ: هُوَ مُخْتَصّ بالنبات الْيَابِس، وبالمعجمة: يخْتَص بالرطب

والكلأ، بِهَمْزَة مَقْصُورا يَقع على كليهمَا، وَقيل: مُخْتَصّ بالرطب أَيْضا، إِلَّا أَنه يتَأَخَّر نَبَاته ويقل

والعشب: مَا يتَقَدَّم نَبَاته وَيكثر

الْحلَّة: هِيَ الثَّوْب السَّاتِر لجَمِيع الْبدن، وَلَا يُقَال للثوب حلَّة إِلَّا إِذا كَانَ من جنس وَاحِد، وَالْجمع حلل

والحلي [بِالضَّمِّ وَكسر اللَّام وَتَشْديد الْيَاء جمع (حلي) بِفَتْح الْحَاء وَسُكُون اللَّام وَهُوَ] مَا يخْتَص بعضو دون عُضْو كالخاتم والخلخال

والحالي: هُوَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحلِيّ، ضد العاطل

الْحُلْقُوم: أَصله الْحلق زيد الْوَاو وَالْمِيم وَهُوَ مجْرى النَّفس لَا غير وَفِي " الطّلبَة ": هُوَ مجْرى الطَّعَام، والمريء مَهْمُوز اللَّام: مجْرى الشَّرَاب

وَفِي " الْعين ": الْحُلْقُوم مجراهما، وَمَا فِي " المبسوطين " أَنَّهُمَا عكس مَا ذكر مُوَافق لما فِي " النِّهَايَة "

الحض، كالحث: التحريك، إِلَّا أَن الْحَث يكون بسير وسوق، والحض لَا يكون بذلك

الحبر: الْعَالم وَفِي " ديوَان الْأَدَب " بِالْكَسْرِ أفْصح لِأَنَّهُ يجمع على (أَفعَال) وَكَانَ أَبُو اللَّيْث وَابْن السّكيت يَقُولَانِ بِالْفَتْح وَالْكَسْر للْعَالم ذِمِّيا كَانَ أَو مُسلما بعد أَن يكون من أهل الْكتاب وَقَالَ أهل الْمعَانِي: الحبر الْعَالم الَّذِي صناعته تحبير الْمعَانِي بِحسن الْبَيَان عَنْهَا وإتقانها

والأحبار: مُخْتَصّ بعلماء الْيَهُود من ولد هَارُون، وَكَعب الحبر وَيكسر وَلَا تقل كَعْب الْأَحْبَار

والحبورة: الْإِمَامَة

الْحصَّة: هِيَ لَا تطلق فِي الْمُتَعَارف إِلَّا على الْفَرد الاعتباري الَّذِي يحصل من أَخذ الْمَفْهُوم الْكُلِّي مَعَ الْإِضَافَة إِلَى معِين وَلَا تطلق على الْفَرد الْحَقِيقِيّ

الْحَظ: النَّصِيب وَالْجد، أَو خَاص بالنصيب من الْخَيْر وَالْفضل

الْحَظْر، بالظاء الْمُعْجَمَة: الْمَنْع، واستعماله بالضاد فِي معنى الْمَنْع لَيْسَ بمعهود

وحظيرة الْقُدس: الْجنَّة

والمحظور: الْمحرم

{وَمَا كَانَ عَطاء رَبك مَحْظُورًا} : أَي مَقْصُورا على طَائِفَة دون أُخْرَى

الحيال، بِالْكَسْرِ: الْحذاء

يُقَال: قعد على حياله وبحياله: أَي بإزائه

وَأعْطى كل وَاحِد على حياله: أَي على انْفِرَاده

ص: 408

الْحِرْز: يسْتَعْمل فِي النَّاظر أَكثر

والحرس: فِي الْأَمْتِعَة أَكثر

الحمية، مُشَدّدَة كالدنية: الأنفة وَالْغَضَب

وَأَرْض حمئة؛ مهموزا: أَي ذَات حمأة

وحمية وحامية، بِلَا همز: أَي حارة

وَالْحمية، كالقنية: الاحتماء

والحفيف: هُوَ صَوت يسمع من جلد الأفعى

والفحيح: صَوت يسمع من فِيهَا

الْحول: تأليفه للدوران والإطافة، وَقيل للعام حول لِأَنَّهُ يَدُور

وحوال الدَّهْر، كسحاب: تغيره وصروفه

والحويل: الشَّاهِد وَالْكَفِيل

الْحِكَايَة: هِيَ إِيرَاد اللَّفْظ على اسْتِيفَاء صورته الأولى وَقيل: الْإِتْيَان بِمثل الشَّيْء، [وحكايات الْقُرْآن عَن الْغَيْر إِنَّمَا هُوَ مُعرب عَن معانيهم وَلَيْسَ بِحَقِيقَة ألفاظهم] ، فَلَا يُقَال كَلَام الله محكي، وَلَا يُقَال أَيْضا: حكى الله كَذَا، إِذْ لَيْسَ لكَلَامه مثل وتساهل قوم فِي إِطْلَاق لفظ الْحِكَايَة بِمَعْنى الْإِخْبَار، [وَلَا يجوز أَن يُقَال: أخبرنَا الله ونبأنا وأنبأنا وَلَا يجوز حَدثنَا وَلَا كلمنا وَإِنَّمَا ذَلِك خَاص بسيدنا مُوسَى عليه الصلاة والسلام]

الحذر: هُوَ اجْتِنَاب الشَّيْء خوفًا مِنْهُ، قيل: الحذر، بِكَسْر الذَّال: المتيقظ، والحاذر: المستعد، وَقيل: الحاذر من يحذرك والحذر: الْمخوف

الْحيرَة: من حَار يحار ويحير واستحار: نظر إِلَى الشَّيْء فَغشيَ وَلم يهتد لسبيله، فَهُوَ حيران وحائر، وَهِي حيرى، وهم حيارى، وَيضم

وحير دهر: كعنب: مُدَّة الدَّهْر

وحير مَا أرى: بِمَعْنى رُبمَا

الْحَبْس: الْمَنْع وَحبس الرجل عَن حَاجته فَهُوَ مَحْبُوس وأحبست فرسا فِي سَبِيل الله فَهُوَ محبس وحبيس [وكل شَيْء وَقفه صَاحبه من نخل أَو كرم وَغَيرهَا فَهُوَ محبس أَصله ويسبل غَلَّته]

الْحمالَة: بِالْفَتْح: مَا لزم من غرم ودية

وحمالة السَّيْف: بِالْكَسْرِ

الْحلقَة: [بِفَتْح الْحَاء وَكسرهَا، وَرُوِيَ عَن الزَّمَخْشَرِيّ أَنَّهَا بِفَتْح الْحَاء فِي الدرْع وبكسرها فِي النَّاس وَقيل] حَلقَة الدرْع، كغلبة، وَيجوز الْجَزْم وَحل ة الْبَاب وَالْقَوْم تفتح وتكسر وَقيل: لَيْسَ فِي كَلَام الْعَرَب (حَلقَة) متحركة إِلَّا جمع (حالق)

الحيزوم: هُوَ فرس جِبْرِيل عليه السلام

حيهل: اسْم لفعل أَمر

وحبهل الثَّرِيد: أَي ائْتِ الثَّرِيد

و [حيهل] بزيد وَعَلِيهِ: أقبل

و [حيهل] إِلَيْهِ: تعال

حُصَيْن: فِي الْبناء

حصان، كسحاب: فِي الْمَرْأَة

حنف: يسْتَعْمل فِي الْميل إِلَى الْخَبَر

و [جنف] بِالْجِيم: فِي الْميل إِلَى الْجور

[حوى، بِالْقصرِ: جمع، وبالمد ميل نفساني]

ص: 409

حذاء وحذو: كِلَاهُمَا صَحِيح

وَفُلَان يحذو حَذْو وَالِده، بِمَعْنى أَنه يسير بسيرته وَيجْرِي على طَرِيق هـ

حسن التَّعْلِيل: هُوَ أَن يدعى لوصف عِلّة مُنَاسبَة نَحْو قَوْله:

(لَو لم تكن نِيَّة الجوزاء خدمته

لما رَأَيْت عَلَيْهَا عقد منتطق)

حسن النسق: هُوَ أَن يَأْتِي الْمُتَكَلّم بِكَلِمَات متتالية معطوفات تلاحما تلاحما سليما مستحسنا بِحَيْثُ إِذا أفردت كل جملَة مِنْهُ قَامَت بِنَفسِهَا واستقل مَعْنَاهَا بلفظها وَمِنْه قَوْله تَعَالَى {وَقيل يَا أَرض ابلعي ماءك} إِلَى آخِره وَمن الشواهد الشعرية قَوْله:

(جاور عليا وَلَا تحفل بحادثة

إِذا ادرعت فَلَا تسْأَل عَن الأسل)

(سل عَنهُ وانطق بِهِ وَانْظُر إِلَيْهِ تَجِد

ملْء المسامع والأفواه والمقل)

[نوع]

{حَنِيفا} : حَاجا أَو مائلا عَن الْبَاطِل إِلَى الْحق

{حُدُود الله} : طَاعَة الله

{حوبا كَبِيرا} : إِثْمًا عَظِيما

{حصرت} : ضَاقَتْ

{حجر} : حرَام

{كَأَنَّك حفي} : يُقَال تحفيت بفلان فِي الْمَسْأَلَة: إِذْ سَأَلت عَنهُ سؤالا أظهرت فِيهِ الْعِنَايَة والمحبة وَالْبر ، مِنْهُ {إِنَّه كَانَ بِي حفيا} أَي بارا معينا، وَقيل: كَأَنَّك أَكثر السُّؤَال عَنْهَا حَتَّى علمتها والحفي: السؤول باستقصاء

{وحففناهما بِنَخْل} : جعلنَا النّخل مُحِيطَة بهما

{بعجل حنيذ} : النضيج مِمَّا يشوى بِالْحِجَارَةِ

{حصحص} : تبين

{حَاضِرَة الْبَحْر} : قريبَة مِنْهُ

{حفدة} : أصهارا، وَعَن ابْن عَبَّاس: ولد الْوَلَد

{حَصِيرا} سجينا [محبسا لَا يقدرُونَ الْخُرُوج أَبَد الآباد]

{حقبا} : دهرا

{عين حمئة} : حارة

{حصب جَهَنَّم} : عَن ابْن عَبَّاس: حطب

ص: 410

جَهَنَّم بالزنجية

{وَقُولُوا حطة} : أَي قُولُوا هَذَا الْأَمر حق كَمَا قيل لكم أَو قُولُوا صَوَابا بلغَة الزنجية

{من كل حدب} : شرف

{حَبل الوريد} : عرق الْعُنُق

{حقت} : سبقت

{الْحِنْث الْعَظِيم} : الشّرك

{حسير} : كليل ضَعِيف

{حنانا} : رَحْمَة

{من حمإ مسنون} : الحمأ: السوَاد، والمسنون: المصور

{حسبانا من السَّمَاء} : مرامي أَو نَارا من السَّمَاء أَو بردا

{حسبانا} : عدد الْأَيَّام والشهور والسنين {ذَات الحبك} : ذَات الطرائق والخلق الْحسن.

{حرض} : حض

{فَلَا يكن فِي صدرك حرج} : ضيق

{بألسنة حداد} : الطعْن بِاللِّسَانِ

{حولا} : تحولا

{حصورا} : مبالغا فِي حبس النَّفس عَن الشَّهَوَات والملاهي

{وحاجه قومه} : خاصموه

{عَطاء حسابا} : تفضلا كَافِيا

{حَسِيسهَا} : الحسيس: صَوت يحس بِهِ

{فحسبه جَهَنَّم} : كفته جَزَاء وَعَذَابًا

{وَالشَّمْس وَالْقَمَر بحسبان} : أَي على أدوار مُخْتَلفَة يحْسب بهَا الْأَوْقَات

{يَطْلُبهُ حثيثا} : يعقبه سَرِيعا كالطالب لَهُ

{حَسبنَا الله} : كفانا فضلا

{حاق بهم} : أحَاط بهم

{وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَة} : النُّبُوَّة وَكَمَال الْعلم وإتقان الْعَمَل

{فَالْحق وَالْحق أَقُول} : أَي فأحق الْحق وأقوله

{حميم} : مَاء حَار

ص: 411

{حطاما} : هشيما

{حاصبا} : ريحًا عاصفا فِيهِ حَصْبَاء

{حشر} : جمع [وَإِذا اسْتعْمل بإلى يشْعر بالأضطرار والسوق]

{أَو أمضي حقبا} : أَسِير زَمَانا طَويلا

{خلاف مهين} : حقير الرَّأْي [كثير الْحلف بِالْحَقِّ وَالْبَاطِل]

{الحاقة} : السَّاعَة

{فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْم هَاهُنَا حميم} : قريب يحميه

{حاجزين} : دافعين

{حِين من الدَّهْر} : طَائِفَة محدودة من الزَّمن الممتد غير الْمَحْدُود

{حبا} : مَا يقتات بِهِ

{فِي الحافرة} : فِي الْحَالة الأولى يعنون الْحَيَاة بعد الْمَوْت

{حنفَاء} : ماثلين عَن العقائد الزائغة

{فِي الحطمة} : فِي النَّار من شَأْنهَا أَن تحطم كل مَا يطْرَح فِيهَا

{حافين} : محدقين

{صِرَاط الحميد} : الْمَحْمُود نَفسه أَو عاقبته

{وَالله يَقُول الْحق} : مَا لَهُ حَقِيقَة عَيْنِيَّة مُطَابقَة لَهُ

{وحقت} : جعلت حَقِيقَة بالاستماع والانقياد

{لذِي حجر} : عقل

{وَجعل بَينهمَا برزخا وحجرا مَحْجُورا} : أَي منعا لَا سَبِيل إِلَى دَفعه وَرَفعه كَمَا فِي " الْمُفْردَات "

{حجرا مَحْجُورا} : حَرَامًا محرما

{حملت الأَرْض وَالْجِبَال} : رفعت من أماكنها

{ملئت حرسا} : حراسا

{إِحْدَى الحسنيين} : العاقبتين اللَّتَيْنِ كل مِنْهُمَا حسن النُّصْرَة وَالشَّهَادَة

{حرث الْآخِرَة} : ثَوَابهَا

{فبصرك الْيَوْم حَدِيد} : نَافِذ

ص: 412