الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ،
ــ
وقد تقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في ثمانية أبواب تقريبًا، قال يحيى بن أيوب (حدثنا) إسماعيل بن إبراهيم بن سهم بن مقسم الأسدي القرشي أبو بشر البصري المعروف بـ (ـابن علية) اسم أمه مولاة لبني أسد بن خزيمة، ثقة حافظ من الثامنة مات سنة (193) ثلاث وتسعين ومائة، وقد تقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف قد روى عنه في خمسة عشر بابا تقريبًا قال ابن علية (حدثنا سعيد بن أبي عروبة) بفتح العين هكذا يقوله أهل الحديث وغيرهم عَروبة بغير ألف ولام، وقال ابن قتيبة: أن قولهم عَروبة لحنٌ، والصواب ابن أبي العروبة بالألف واللام، واسم أبي العروبة مهران اليشكري مولاهم يكنى أبا النضر ولا عقب له، يقال إنه لم يمس امرأة قط، الحافظ البصري روى عن قتادة وأبي معشر زياد بن كليب ومطر الوراق والنضر بن أنس والحسن وخلق ويروي عنه (ع) وشعبة وابن علية وعلي بن مسهر وعبدة بن سليمان وابن أبي عدي وخلق، ثقة حافظ له تصانيف، كثير التدليس، واختلط في آخر عمره، وكان من أثبت الناس في قتادة، من السادسة مات سنة (156) ست وخمسين ومائة.
قال النواوي: واختلاطه مشهور، قال ابن معين وخُلِّط سعيد بن أبي عروبة بعد هزيمة إبراهيم بن عبد الله بن حسن سنة اثنتين وأربعين ومائة، ومن سمع منه بعد ذلك فليس بشيء ويزيد بن هارون صحيح السماع منه بواسط، وأثبت الناس سماعًا منه عبدة بن سليمان (قلت) وقد مات سعيد بن أبي عروبة سنة ست وخمسين ومائة، وقيل سنة سبع وخمسين ومائة.
"
فائدة في المختلِطين
"
(وقد تقرر من القاعدة) التي قدمناها أن من علمنا أنَّه روى عن المختلط في حال سلامته قبلنا روايته واحتججنا بها، ومن روى في حال الاختلاط أو شككنا فيه لم نحتج بروايته وقد قدمنا أيضًا أن من كان من المختلطين محتجًا به في الصحيحين فهو محمول على أنَّه ثبت أخذ ذلك عنه قبل الاختلاط والله أعلم.
روى عنه المؤلف في الإيمان والوضوء والصلاة والنكاح والحدود واللباس والدعاء، فجملة الأبواب التي روى المؤلف عنه فيها سبعة تقريبًا (عن قتادة) بن دعامة بن قتادة بن عزيز بن عمرو بن ربيعة بن الحارث بن سدوسٍ السدوسي الأعمى أبي الخطاب
قَال: حَدَّثَنَا مَنْ لَقِيَ الْوَفْدَ الَّذِينَ قَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ عَبْدِ الْقَيسِ - قَال سَعِيدٌ: وَذَكَرَ قَتَادَةُ: أَبَا نَضْرَةَ عَنْ أَبِي سَعِيدِ الْخُدْرِيِّ، فِي حَدِيثِهِ هَذَا-: أَنَّ أُنَاسًا مِنْ عَبْدِ الْقَيسِ قَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم
ــ
البصري، يقال إنه وُلد أكمه، وكان من علماء الناس بالقرآن والفقه، وكان من حفاظ أهل زمانه جالس سعيد بن المسيب أيامًا فقال له سعيد: قم يا أعمى فقد نزفتني.
روى عن أنس بن مالك وزرارة بن أوفى وأبي العالية وعبد الله بن شقيق وابن المسيب وابن سيرين وخلق، ويروي عنه (ع) وأيوب وسعيد بن أبي عروبة وهمام بن يحيى وهشام الدستوائي وشعبة وحسين المعلم وخلق، قال ابن المسيب: ما أتانا عراقي أحفظ من قتادة، وقال في التقريب: ثقة ثبت حافظ مفسر مدلس وهو رأس الطبقة الرابعة، مات كهلًا بواسط سنة (117) سبع عشرة ومائة وهو ابن ست وخمسين سنة (56) ولد سنة (61) إحدى وستين، وليس في مسلم من اسمه قتادة إلا هذا التابعي الجليل.
روى عنه المؤلف في كتاب الإيمان في موضعين والوضوء في موضعين والصلاة في سبعة مواضع وفي الجنائز في موضعين وفي الصوم في موضعين وفي الحج في أربعة مواضع وفي النكاح في موضعين وفي الجهاد في موضعين وفي الدلائل وفي صفة أهل الجنة وفي العتق والبيوع وفي اللباس في ثلاثة مواضع وفي اللعان وفي الديات وفي الذبائح والأطعمة وفي الطب والرؤيا وفي المناقب وفي الظلم وفي الرحمة وفي التوبة وفي فداء المسلم في موضعين وفي النجوى، فجملة الأبواب التي روى المؤلف عنه فيها خمسة وعشرون بابا تقريبًا.
(قال) قتادة (حدثنا من لقي) ورأى (الوفد) والجماعة (الذين قدموا) وجاؤوا (على رسول الله صلى الله عليه وسلم من عبد القيس).
(قال سعيد) بن أبي عروبة (وذكر) لنا (قتادة) في بيان من لقي أولئك الوفد أنَّه سمع (أبا نضرة) بفتح النون وسكون الضاد المعجمة يروي (عن أبي سعيد الخدري) رضي الله عنه (في حديثه) أي في حديث أبي سعيد (هذا) المرويِّ في وفد القيس (أن أناسًا) ورهطًا (من عبد القيس قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم) قال النواوي: معنى هذا الكلام حدث قتادة عن أبي نضرة عن أبي سعيد الخدري كما جاء مبينًا في الرواية التي بعد هذه من رواية ابن أبي عدي.
فَقَالُوا: يَا نَبِيَّ اللهِ؛ إِنَّا حَيٌّ مِنْ رَبِيعَةَ، وَبَينَنَا وَبَينَكَ كُفَّارُ مُضَرَ،
ــ
وأما أبو نضرة فاسمه المنذر بن مالك بن قطعة بكسر القاف وإسكان الطاء وبضم القاف وفتح الطاء المهملة العبدي العوقي بفتح المهملة والواو ثمَّ قاف، وقيل بسكون الواو نسبة إلى عوقة بطن من عبد القيس البصري، روى عن أبي سعيد الخدري وابن عباس وابن عمر وعلي وأبي موسى الأشعري وأبي ذر الغفاري وأبي هريرة وجماعة، ويروي عنه (م عم) وقتادة وأبو قزعة وأبو مسلمة وأبو الأشهب والجريري وكهمس بن الحسن وعاصم الأحول وخلق، وثقه ابن معين والنسائيُّ وقال في التقريب: ثقة من الثالثة مات سنة (108) ثمان أو تسع ومائة.
روى عنه المؤلف في كتاب الإيمان وفي الصلاة في موضعين والزكاة في ثلاثة مواضع وفي الصوم في ثلاثة مواضع وفي الحج في موضعين والنكاح في موضعين والفضائل في موضعين والفتن والبيوع في ثلاثة مواضع وفي النفاق وفي صفة النار، فجملة الأبواب التي روى المؤلف عنه فيها أحد عشر بابا تقريبًا.
وأما أبو سعيد الخدري فاسمه سعد بن مالك بن سنان بنونين بن عبيد بن ثعلبة بن عبيد بن خُدرة بن عوف بن الحارث بن الخزرج الأنصاري الخدري أي المنسوب إلى خدرة أحد أجداده المدني وأمه أنيسة بنت أبي حارثة من بني عدي بن النجار له ولأبيه صحبة، استصغر بأحد ثمَّ شهد ما بعدها وبايع تحت الشجرة وكان من علماء الصحابة، وكان أبوه مالك صحابيًّا قتل يوم أحد شهيدًا، له ألف ومائة حديث وسبعون حديثًا.
ويروي عنه (ع) وطارق بن شهاب وابن المسيب والشعبي ونافع وخلق مات بالمدينة سنة (65) خمس وستين، وقيل سنة (74) أربع وسبعين، روى عنه المؤلف في الإيمان في موضعين وفي الصلاة في ثلاثة مواضع وفي الزكاة في ثلاثة مواضع وفي الحج وفي البيوع وفي الدعاء وعذاب القبر وفي الفتن وفي الجهاد، وجملة الأبواب التي روى المؤلف عنه فيها تسعة أبواب.
وهذا السند من سداسياته ورجاله كلهم بصريون إلا يحيى بن أيوب فإنَّه بغدادي وأبا سعيد فإنَّه مدني (فقالوا) أي أولئك الوفد لرسول الله صلى الله عليه وسلم (يا نبي الله إنا) نحن (حي) أي قبيلة (من) بني (ربيعة) بن نزار بن معد بن عدنان (وبيننا) أي وبين بلدتنا من البحرين (وبينك) أي وبين بلدتك المدينة المنورة (كفار) من بني (مضر) بن نزار
وَلَا نَقْدِرُ عَلَيكَ إِلَّا فِي أَشْهُرِ الْحُرُمِ، فَمُرْنَا بِأَمْرٍ نَأْمُرْ (1) بِهِ مَنْ وَرَاءَنَا، وَنَدْخُلْ (2) بِهِ الْجَنَّةَ إِذَا نَحْنُ أَخَذْنَا بِهِ، فَقَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "آمُرُكُمْ بِأَرْبَعٍ، وَأَنْهَاكُمْ عَنْ أَرْبَعٍ: اعْبُدُوا اللهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيئًا، وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ، وَآتُوا الزَّكَاةَ، وَصُومُوا رَمَضَانَ، وَأَعْطُوا الْخُمُسَ مِنَ الْغَنَائِمِ
ــ
(ولا نقدر) أي لا نستطيع الحضور (عليك) لصد هؤلاء الكفار إيانا (إلا في أشهر الحرم) أي إلا في الأشهر المحرم فيها القتال والإغارة في الجاهلية في شريعة إبراهيم عليه السلام وهي شوال وذو القعدة والمحرم ورجب (فمرنا بأمر) أي دلنا على أمر فاصل بين الحق والباطل نعمل به في حق أنفسنا بامتثال المأمورات واجتناب المنهيات و (نأمر به) أي بذلك الأمر (من) تركنا (وراءنا) وخلفنا من قومنا في بلادنا وتبلغه إليهم ليعملوا به (وندخل) نحن وهم (به) أي بالعمل بذلك الأمر (الجنة) دار الكرامة (إذا نحن) وهم (أخذنا به) أي بذلك الأمر وتمسكنا به ودمنا عليه (فقال) لهم (رسول الله صلى الله عليه وسلم أمركم) أيها الوفد الكرام (بأربع) خصال من قواعد الإِسلام وأساسه (وأنهاكم) أيها الضيف العظام وأحذركم (عن أربع) خصال من المنهيات وتلك الأربع التي هي من المأمورات أقول لكم في بيان أولاها (اعبدوا الله) سبحانه وتعالى أي أفردوه بالعبادة (ولا تشركوا به) سبحانه وتعالى في عبادتكم إياه (شيئًا) من الإشراك لا جليًّا ولا خفيًّا أو شيئًا من المخلوقات إنسًا أو جنًا أو ملكًا حيوانًا أو جمادًا حيًّا ولا ميتًا (و) أقول لكم في بيان ثانيتها (أقيموا الصلاة) المكتوبة في الليل والنهار وأدوها في أوقاتها المحددة بآدابها وأركانها وشرائطها (و) أقول لكم في بيان ثالثتها (آتوا الزكاة) المفروضة في أموالكم واصرفوها إلى مصارفها (و) أقول لكم في بيان رابعتها (صوموا) شهر (رمضان) في السنة (و) أزيد لكم خصلة خامسة غير قواعد الإِسلام وأقول لكم في بيانها (أعطوا الخمس من) أصل (الغنائم) التي غنمتموها من الكفار واصرفوه في مصارف خمس الفيء، وهذه الجملة معطوفة في المعنى على آمركم بأربع، أي آمركم بأربع من المأمورات وأقول أيضًا أعطوا خمس ما غنمتم ندبًا لأنه لم يفرض الجهاد وقتئذ.
(1) في نسخة: (نأمرُ) بالرفع.
(2)
في نسخة: (ندخلُ) بالرفع.
وَأَنْهَاكُمْ عَنْ أَرْبَعٍ: عَنِ الدُّبَّاءِ، وَالْحَنْتَمِ، وَالْمُزَفَّتِ، وَالنَّقِيرِ"، قَالُوا: يَا نَبِيَّ اللهِ؛ مَا عِلْمُكَ بِالنَّقِيرِ؟ قَال: "بَلَى، جِذْعٌ تَنْقُرُونَهُ، فَتَقْذِفُونَ فِيهِ مِنَ الْقُطَيعَاءِ
ــ
(وأنهاكم) أي أحذركم وأمنعكم (عن) الانتباذ في (أربع) من الأواني المذكورة وإنما خص النبي صلى الله عليه وسلم هذه الأربع الأواني بالذكر لأنها أغلب أوانيهم ويلحق بها في النهي ما كان في معناها كأواني الزجاج والحديد والنحاس وغير ذلك مما يعجل الإسكار بدليل قوله صلى الله عليه وسلم في جواب قولهم (فبم نشرب يا رسول الله؟ ) فقال: "في أسقية الأدم" ولأن ما عدا تلك الأربع في معناها فيلحق بها على طريقة نفي الفارق اهـ قرطبي.
وقوله (عن الدُّباء) أي عن الانتباذ في إناء القرع اليابس. . . إلخ بدل من أربع بدل تفصيل من مُجمل (و) عن الانتباذ في إناء (الحنتم) والجرار المعمولة من الطين المطلية بالزجاج لأنها تعجل إسكار النبيذ كالدباء (و) عن الانتباذ في الإناء (المزفت) أي المطلي بالزفت من أي نوع كان من رصاص أو نحاس أو خشب أو حديد (و) عن الانتباذ في جذع النخل (النقير) أي المنقور وسطه وأخرج ما فيه وجُعل إناء.
(قالوا) أي قال وفد عبد القيس لرسول الله صلى الله عليه وسلم (يا نبي الله ما عِلمك) أي ليس علمك (بالنقير) موجودًا فكيف تنهانا عن الانتباذ فيه، فإنَّه ليس من أواني الحجاز، فإنَّه من أواني بلادنا، قال الأبي: قوله (ما علمك بالنقير) هو استبعادٌ لمعرفته إياه إذ لم يكن بأرضه صلى الله عليه وسلم انتهى.
فـ (ما) حجازية وعلمك اسمها وبالنقير متعلق بعلمك وخبر ما محذوف كما قدرنا آنفًا فالجملة الاسمية منفية فلذلك أجابه ببلى، أي أنت لا تعلم بالنقير فكيف تنهانا عنه (قال) النبي صلى الله عليه وسلم نفيًا لنفيهم علمه بالنقير (بلى) أي ليس الأمر كما زعمتم بل علمي به موجود، أي بلى أعلمه هو (جذع) نخل وأصله (تنقرونه) أي تقورون وسطه وتخرجون ما فيه من الجمار اليابس وتجعلونه إناء (فتقذفون) وترمون (فيه من القطيعاء) أي من التمور الصغار الحبوب وتخلطون تلك القطيعاء بالماء وتمزجونها به فيحلو وتشربونه بعد غليانه فتسكرون منه، قوله (جذع) والجذع أصل النخلة وساقها، ويجمع على جذوع وقوله (تنقرونه) من نقر من باب نصر يقال نقر الشيء إذا ثقبه وقور ما فيه وأخرجه فصار مجوفًا خالي الجوف قوله (فتديفون) قال القاضي عياض: رويناه بالدال والذال وبفتح التاء فيهما كتبيعون، وقال بعضهم الصواب بكسر الذال المعجمة تذِيفون
- قَال سَعِيدٌ: أَوْ قَال: مِنَ التَّمْرِ - ثُمَّ تَصُبُّونَ فِيهِ مِنَ الْمَاءِ، حَتَّى إِذَا سَكَنَ غَلَيَانُهُ. . شَرِبْتُمُوهُ، حَتَّى إِنَّ أَحَدَكُمْ - أَوْ إِنَّ أَحَدَهُمْ - لَيَضْرِبُ ابْنَ عَمِّهِ بِالسَّيفِ"،
ــ
من ذاف يذيف كباع يبيع وضمها مع المهملة تدُوفون من داف يدوف كقال يقول، ورويناه بضم الياء رباعيًّا مع المهملة، وأنكره بعضهم وقال إنما هو بفتحها ثلاثي كله وحكى بعضهم أداف الدواء بالماء رباعيًّا فالروايتان صحيحتان فالمعنى في الجميع تخلطون، قال النواوي: وضبطه بعض رواة مسلم بضم التاء في المعجمة والمهملة والإهمال في الدال أشهر في اللغة، قال ووقع في الأصول كلها في الموضع الأول (فتقذفون فيه) بتاء مثناة فوق مفتوحة ثمَّ قاف ساكنة ثمَّ ذال معجمة مكسورة ثمَّ فاء ثمَّ واو ثمَّ نون ومعناه تلقون فيه وترمون، وأما القطيعاء فبضم القاف وفتح الطاء وبالمد هو نوع من التمر صغار الحبوب يقال له شهريز بالشين المعجمة وبالمهملة وبضمهما أو بكسرهما، وقد حكى ابن دريد دُفْتُ الدواءَ وغيرَه بالماء أدُوفُهُ بإهمال الدال، وحكى غيره أنَّه يقال ذُفْتُه أَذُوفه وسُمٌّ مَذُوفٌ ومَذِيفٌ ومَذْوُوفٌ ومذاف بالذال المعجمة، وحكى غيره أنَّه يقال أداف الدواء بالدواء فالرواية على هذا صحيحة ومعناه خلَط ومزَج.
قال إسماعيل بن علية (قال) لنا شيخنا (سعيد) بن أبي عروبة (أو قال) لنا قتادة عند روايته لنا هذا الحديث (من التمر) بلفظ العموم بدل قوله أولًا من القطيعاء بلفظ الخصوص والشك من سعيد بن أبي عروبة وقوله (ثمَّ تصبون) وتسكبون (فيه) أي في ذلك النقير (من الماء) فوق القطيعاء وتخلطونه مع القطيعاء وتمزجونه معها، معطوف على تقذفون، وثم هنا بمعنى الفاء المفيدة للتعقيب لا للتراخي، وقوله (حتى) غاية لمحذوف تقديره وتتركونه بلا شرب حتى (إذا سكن) وهدأ (غليانه) واشتداده وفورانه (شربتموه) أي شربتم ذلك المخلوط في النقير، وقوله (حتى) غاية لمحذوف أيضًا تقديره وسكرتم منه حتى (إن أحدكم) أيها الوافدون (أو) قال النبي صلى الله عليه وسلم أو أبو سعيد الخدري أو قتادة (إن أحدهم) أي إن أحد أقوامكم وجماعتكم، والشك من أبي سعيد أو من أبي نضرة أو من سعيد، قال السنوسي والشك من الرواي اهـ (ليضرب ابن عمه) أو ابن خاله (بالسيف) فيقتله أو بالعصا فيجرحه، قال السنوسي: معنى هذا الكلام إذا شرب أحدكم سكر فلم يبق له عقل وهاج به الشر فيضرب ابن عمه الذي هو عنده من أحب أحبابه، وهذه مفسدة عظيمة نبه بها على ما سواها من المفاسد الواقعة من السكران كالقذف والزنا والسرقة والنهب والغصب.
قَال: وَفِي الْقَوْمِ رَجُلٌ أَصَابَتْهُ جِرَاحَةٌ كَذَلِكَ، قَال: وَكُنْتُ أَخْبَؤُهَا حَيَاءً مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَقُلْتُ: فَفِيمَ نَشْرَبُ يَا رَسُولَ اللهِ قَال: "فِي أَسْقِيَةِ الأَدَمِ الَّتِي يُلاثُ عَلَى أَفْوَاهِهَا،
ــ
(قال) أبو سعيد الخدري (وفي) أولئك (القوم) الوافدين على رسول الله صلى الله عليه وسلم أعني وفد عبد القيس (رجل أصابته جراحة كذلك) أي بسبب سُكْرِ ضَاربهِ من شرب النبيذ والكاف بمعنى الباء السببية متعلقة بمحذوف صفة لجراحة، أي جراحة واقعة بسبب سكر ضاربه، قال القاضي عياض: اسم ذلك الرجل جهم بن قثم، وكانت جراحته في ساقه وهذا الرجل ليس هو أشج عبد القيس لأنَّ اسمهما مختلف كما ذكر هنا وفيما تقدم ولأن الأصل في الشجاج أن لا يكون إلا في الرأس أو في الوجه وهذا جراحته في ساقه، وفي قول النبي صلى الله عليه وسلم (حتى إن أحدكم ليضرب ابن عمه) علم من أعلام نبوته صلى الله عليه وسلم إذ أخبر عن مغيب وقع ولم يواجه الرجل بذلك على عادته في الستر، قال أبو سعيد الخدري (قال) ذلك الرجل الذي به جراحة (وكنت) أنا (أخبؤها) أي أسترها أي أستر تلك الجراحة بثيابي (حياء) أي خجلًا وخوفًا (من) اطلاع (رسول الله صلى الله عليه وسلم) عليها قال ذلك الرجل الجريح (فقلت) أنا لرسول الله صلى الله عليه وسلم حين نهانا عن الانتباذ في الأواني الأربع يا رسول الله (ففيم) أي ففي أي إناء ننتبذ و (نشرب يا رسول الله) و (مَ) في قوله ففيم استفهامية في محل الجر بفي مبني بسكون على الألف المحذوفة فرقًا بينها وبين ما الموصولة إذا دخل عليها حرف جر نظير قوله تعالى:{عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ} [النبأ: 1] الجار والمجرور متعلق بنشرب (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم في جواب سؤاله انتبذوا واشربوا (في أسقية الأدم) أي في أواني الجلود المدبوغة والإضافة في قوله: في أسقية الأدم بمعنى من البيانية نظير باب ساج وخاتم حديد، والأسقية جمع سقاء كأكسية جمع كساء وهو إناء يتخذ من جلد السخلة يكون للماء واللبن، والأدم بفتحتين وكذا الأُدم بضمتين كما هو القياس جمع أديم وهو الجلد التام الدبغ، قال السيرافي: لم يجمع فعيل على فعل إلا في أديم وأدم وأفيق وأفق وقضيم وقضم والأفيق الجلد غير التام الدبغ، والقضيم الصحيفة التي لم تكتب (التي يلاث) ويلف الخيط (على أفواهها) وتربط به.
قال النواوي: وأما يلاث فبضم المثناة من تحت وتخفيف اللام آخره ثاء مثلثة كذا ضبطناه وكذا هو في أكثر الأصول، وفي أصل الحافظ أبي عامر العبدري تُلاث بضم
قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ؛ إِنَّ أَرْضَنَا كَثِيرَةُ الْجِرْذَانِ، وَلَا تَبْقَى بِهَا أَسْقِيَةُ الأَدَمِ، فَقَال نَبِيُّ اللهِ صلى الله عليه وسلم:"وَإِنْ أَكَلَتْهَا الْجِرْذَانُ، وَإِنْ أَكَلَتْهَا الْجِرْذَانُ، وَإِنْ أَكَلَتْهَا الْجِرْذَانُ"،
ــ
المثناة فوق وكلاهما صحيح فمعنى الأول يُلفُّ الخيط على أفواهها ويُربط به، ومعنى الثاني تُلف الأسقية على أفواهها كما يقال ضربته على رأسه انتهى، وهو مثل ما في الطريق الآخر "عليكم بالموكى" أي بالأسقية التي توكى وتربط أفواهها بالوكاء وهو الخيط الذي تربط به، قال ابن قتيبة وأصل اللوث الطيُّ تقول لثت العمامة طويتها على رأسي، قال القاضي عياض: وحضهم على أسقية الأدم لأنها لرقة جلودها لا ينتهي ما فيها لحد التخمير إلا وينشق (قالوا) أي قال الوفد لرسول الله صلى الله عليه وسلم طلبًا منه للترخيص لهم في تلك الأواني الأربع (يا رسول الله إن أرضنا) وبلادنا بلاد البحرين (كثيرة الجرذان) والفيران (ولا تبقى بها) أي فيها (أسقية الأدم) أي لا يطول بقاء أواني الجلد المدبوغ فيها ولا تدوم لأنَّ الجرذان تأكلها.
قال النواوي: قوله (كثيرة الجرذان) كذا ضبطناه كثيرة بالهاء في آخره ووقع في كثير من الأصول كثير بغير هاء قال ابن الصلاح: صح في أصولنا كثير بغير هاء التأنيث، والتقدير فيه على هذا أرضنا مكان كثير الجرذان ومن نظائره قوله تعالى {إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} [الأعراف: 56] والجرذان بكسر الميم وإسكان الراء وبالذال المعجمة جمع جُرذ بضم الجيم وفتح الراء كصُرد وصردان، والجُرذ أطلق كثير من المحدثين أنَّه الفأرة وقيل ذكرها وقيل نوع منها كبار، وقال بعضهم هو الضخم من الفيران ويكون في الفلوات ولا يألف البيوت ذكره الفيومي في المصباح المنير (فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم وإن أكلتها الجرذان) أي اشربوا في أسقية الأدم لا في الأواني الأربع المذكورة وإن أكلت تلك الأسقية الفيران وقوله (وإن أكلتها الجرذان وإن أكلتها الجرذان) هكذا هو في الأصول مكررًا ثلاث مرات مبالغة في التأكيد والتشديد عليهم، قال القرطبي: ولم يعذرهم بذلك لأنهم يمكنهم التحرز بتعليق الأسقية أو باتخاذ ما يهلك الفيران من حيوان أو غيره، والله سبحانه وتعالى أعلم.
وقد تمسك بعض أهل العلم بظاهر هذا النهي عن الانتباذ في تلك الظروف فحمله على التحريم وممن قال هذا ابن عمر وابن عباس على ما يأتي في الأشربة فسنبين هنالك
قَال: وَقَال نَبِيُّ اللهِ صلى الله عليه وسلم لأَشَجٌ عَبْدِ الْقَيسِ: "إِنَّ فِيكَ لَخَصْلَتَينِ يُحِبُّهُمَا اللهُ تعالى: الْحِلْمُ، وَالأَنَاةُ".
27 -
(. . .) حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ،
ــ
إن شاء الله تعالى أن ذلك منسوخ بقوله صلى الله عليه وسلم "كنت نهيتكم عن الانتباذ إلا في الأسقية فانتبذوا في كل وعاء غير أن لا تشربوا مسكرًا" رواه مسلم من حديث بريدة رضي الله عنه كما مر.
(قال) أبو سعيد الخدري (وقال نبي الله صلى الله عليه وسلم لأشج عبد القيس) المنذر بن عائذ بالذال المعجمة على الأصح سماه رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأشج لأثر كان في وجهه، والشج في الأصل جرح الرأس اهـ. من هامش مسلم، وفي الصحاح رجل أشج بين الشجج إذا كان في جبينه أثر الشجة وعلى هذا يدل كون هذا الرجل غلب عليه الأشج لأنه إنما يغلب على الإنسان ما كان ظاهرًا من أمره، ولما كانت ظاهرةً في وجهه نسبه إليها كل من كان رآه منه فغلب عليه ذلك ولو كانت في ساقه لما غلب عليه ذلك والله أعلم، وأصل الشج القطع والشق ومنه قولهم شجت السفينة البحر أي شقته وشججت المفازة قطعتها.
وتعريف النبي صلى الله عليه وسلم بحال ذلك الرجل يدل على أنَّه عرفه بعينه غير أنَّه لم يواجهه بذلك حسن عشرة منه صلى الله عليه وسلم على مقتضى كرم خلقه فإنَّه كان لا يواجه أحدًا بما يكرهه اهـ قرطبي.
(إن فيك لخصلتين يحبهما الله تعالى الحلم والأناة).
وشارك المؤلف رحمه الله تعالى في رواية هذا الحديث أحمد (3/ 23) والنسائيُّ (8/ 306) ثمَّ ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه فقال:
(27)
- متا (. . .)(حدثني محمَّد بن المثنى) بن عبيد بن قيس العنزي بفتح النون والزاي أبو موسى البصري المعروف بالزَّمِن مشهور بكنيته وباسمه الحافظ ثقة ثبت من العاشرة مات في ذي القعدة سنة (252) اثنتين وخمسين ومائتين، وقد تقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في أربعة عشر بابا (و) محمَّد (بن بشار) بن عثمان بن داود بن كيسان العبدي أبو بكر البصري ويقال أبو إسحاق ويقال له بندار وإنما لقب به
قَالا: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيّ عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ، قَال: حَدَّثَنِي غَيرُ وَاحِدٍ لَقِيَ ذَاكَ الْوَفْدَ - وَذَكَرَ: أَبَا نَضْرَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ -: أَنَّ وَفْدَ عَبْدِ الْقَيسِ
ــ
لأنه كان بندارًا في الحديث جمع حديث بلده، وكان ممن يُحفظ حديثه روى عن محمَّد بن جعفر وابن أبي عدي وعبد الوهاب الثقفي ويحيى بن سعيد القطان وغيرهم ويروي عنه (ع) وابن خزيمة وابن صاعد وخلق وقال العجلي: بندار ثقة كثير الحديث، وقال أبو حاتم: صدوق، وقال في التقريب: ثقة من العاشرة، ولد سنة (167) سبع وستين ومائة في السنة التي مات فيها حماد بن سلمة، ومات بالبصرة سنة (252) اثنتين وخمسين ومائتين وله (80) بضع وثمانون سنة، وتقدم أن المؤلف روى عنه في اثنى عشر بابا تقريبًا، وفائدة هذه المقارنة بيان كثرة طرقه لأنَّ المتقارنين ثقتان (قالا) أي قال المحمدان (حدثنا) محمَّد (بن أبي عدي) إبراهيم قاسم أبي عدي إبراهيم وابنه محمَّد الراوي للحديث، وقيل: هو إبراهيم السلمي مولاهم أبو عمرو البصري.
روى عن سعيد بن أبي عروبة وابن عون وشعبة وسليمان التيمي وحميد الطويل وغيرهم، ويروي عنه (ع) وأحمد وابن معين وابن المثنى وابن بشار وعمرو بن علي وأبو بكر بن نافع وغيرهم وثقه أبو حاتم والنسائيُّ وقال في التقريب: ثقة من التاسعة مات بالبصرة سنة (194) أربع وتسعين ومائة روى عنه المؤلف في الإيمان والوضوء والصلاة في موضعين والجنائز والفضائل والدعاء والفتن فجملة الأبواب التي روى المؤلف عنه فيها سبعة أبواب تقريبًا.
(عن سعيد) بن أبي عروبة مهران الحافظ البصري من السادسة مات سنة (156) ست وخمسين ومائة (عن قتادة) بن دعامة البصري من الرابعة مات سنة (117) سبع عشرة ومائة (قال) قتادة (حدثني غير واحد) أي ناس كثير ممن (لقي) ورأى (ذاك الوفد) الذين وفدوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم من عبد القيس (وذكر) لنا قتادة (أبا نضرة) المنذر بن مالك بن قطعة العبدي البصري ثقة من الثالثة مات سنة (108) ثمان ومائة يروي (عن أبي سعيد الخدري) سعد بن مالك بن سنان الأنصاري المدني مات سنة (65) خمس وستين، وهذا السند من سداسياته ورجاله كلهم بصريون إلا أبا سعيد الخدري فإنَّه مدني، وغرضه بسوق هذا السند بيان متابعة ابن أبي عدي لإسماعيل بن علية في رواية هذا الحديث عن سعيد بن أبي عروبة (أن وفد عبد القيس) الذين وفدوا
لَمَّا قَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم. . . بِمِثْلِ حَدِيثِ ابْنِ عُلَيَّةَ، غَيرَ أَنَّ فِيهِ:"وَتَذِيفُونَ فِيهِ مِنَ الْقُطَيعَاءِ، أَو التَّمْرِ وَالْمَاءِ" وَلَمْ يَقُلْ: (قَال سَعِيدٌ: أَوْ قَال: مِنَ التَّمْرِ).
28 -
(. . .) حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَكَّارٍ الْبَصْرِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ
ــ
على رسول الله صلى الله عليه وسلم (لما قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم) الحديث والجار والمجرور في قوله (بمثل حديث ابن علية) متعلق بما عمل في المتابع بكسر الباء أي حدثنا ابن أبي عدي بمثل حديث إسماعيل بن علية المذكور في السند السابق واستثنى من المماثلة بقوله (غير أن فيه) أي في ذلك المثل الذي رواه ابن أبي عدي (وتذيفون) بالفاء بدل القاف في قوله في الرواية الأولى فتقذفون (فيه من القطيعاء أو التمر والماء ولم يقل) ابن أبي عدي في روايته لفظة (قال سعيد أو قال من التمر) وتذيفون من ذاف يذيف كباع يبيع ومعناه تخلطون كما مر.
ثمَّ ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث أبي سعيد الخدري فقال:
(28)
- متا (. . .)(حدثني محمَّد بن بكار) بن الزبير العيشي الصيرفي (البصري) ويقال فيه البغدادي روى عن أبي عاصم ومحمد بن طلحة بن مصرف وإسماعيل بن جعفر وإسماعيل بن زكرياء وحسان بن إبراهيم وغيرهم، ويروي عنه (م د) وأبو زرعة وأبو يعلى وقال في التقريب: ثقة من العاشرة مات سنة (237) سبع وثلاثين ومائتين لثلاث عشرة خلت من ربيع الآخر وهو ابن ثلاث وتسعين (93) وولد سنة (145) خمس وأربعين ومائة، قال أبو العباس السراج سمعت ابنه يقول ذلك روى عنه المؤلف في الإيمان والحج وصفة النبي صلى الله عليه وسلم وفي الفضائل فجملة الأبواب التي روى المؤلف عنه فيها أربعة أبواب تقريبًا.
(تتمة) وفي التهذيب جمع غير واحد من أهل العلم بالرجال بين محمَّد بن بكار البصري وبين محمَّد بن بكار البغدادي منهم أبو إسحاق الحبال من مشايخ مسلم وأبو علي الجياني في مشايخ أبي داود، ويحتمل أن يكون الكلام فيهما واحدًا لأنَّ أكثرهم أطلقوا القول في محمَّد بن بكار من غير نسبة والله أعلم. انتهى منه.
قال محمَّد بن بكار (حدثنا أبو عاصم) النبيل الضحاك بن مخلد بن الضحاك بن مسلم الشيباني مولاهم يروي عنه (ع) ومحمد بن بكار وعبد بن حميد وأبو غسان
عَنِ ابْنِ جُرَيجٍ، ح وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ -
ــ
المسمعي ومحمد بن المثنى وإسحاق بن منصور وغيرهم روى عن ابن جريج وحيوة بن شريح وحنظلة بن أبي سفيان وعبد الحميد بن جعفر وابن عون والثوري وعثمان بن مرة وغيرهم، قال في التقريب: ثقة ثبت من التاسعة مات في ذي الحجة سنة (212) اثني عشرة ومائتين، قال عمرو بن علي سمعت أبا عاصم يقول: ولدت سنة (122) اثنتين وعشرين ومائة، ومات سنة اثنتى عشرة ومائتين، وهو ابن تسعين سنة وأربعة أشهر.
روى عنه المؤلف في الإيمان والوضوء في موضعين والصلاة في موضعين والأطعمة في ثلاثة مواضع والبيوع في موضعين والصوم في موضعين والحج والطلاق والضحايا في موضعين والأشربة والذبائح والفتن فجملة الأبواب التي روى عنه المؤلف فيها اثنا عشر بابا تقريبًا.
(عن) عبد الملك بن عبد العزيز (بن جريج) نُسب إلى جده لشهرته به القرشي الأموي مولاهم مولى أمية بن خالد بن أسيد أبي خالد ويقال أبو الوليد الفقيه المكي أحد الأئمة الأعلام روى عن أبي قزعة وأبي الزبير والزهري ويعلي بن مسلم وسليمان الأحول وعمرو بن دينار وخلق ويروي عنه (ع) وأبو عاصم النبيل وعبد الرزاق وحجاج بن محمَّد وروح بن عبادة وعبد الله بن وهب وجماعة ثقة فقيه وكان يدلس ويرسل من السادسة مات سنة (150) خمسين ومائة وقيل سنة (149) تسع وأربعين ومائة وقد جاوز السبعين، روى عنه المؤلف في الإيمان وفي الوضوء وفي الجهاد في ثلاثة مواضع وفي الصلاة في ثمانية مواضع وفي الحج في عشرة مواضع والبيوع في ثلاثة مواضع وفي الجنائز في ثلاثة مواضع وفي النكاح في موضعين وفي القدر وفي الزكاة وفي الصوم في أربعة مواضع وفي العتق وفي النذور في موضعين وفي الديات وفي التفسير وفي آخر الكتاب فجملة الأبواب التي روى المؤلف عنه فيها ستة عشر بابا تقريبًا.
(ح وحدثني محمَّد بن رافع) أي حول المؤلف رحمه الله تعالى السند وبه قال حدثني محمَّد بن رافع بن أبي زيد القشيري مولاهم أبو عبد الله النيسابوري الحافظ الزاهد روى عن عبد الرزاق وأبي أحمد الزبيري وشبابة ومحمد بن إسماعيل بن أبي فديك ويحيى بن آدم وأبي أسامة وأبي النضر هاشم بن القاسم وغيرهم، ويروي عنه (خ م د ت س) وابن خزيمة وابن أبي داود وجماعة وقال في التقريب: ثقة عابد من الحادية عشرة مات سنة (245) خمس وأربعين ومائتين، قال البخاري وكان من خيار عباد الله،
وَاللَّفْظُ لَهُ - حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيجٍ، قَال: أَخْبَرَنِي أَبُو قَزَعَةَ:
ــ
وقال النسائي: ثقة مأمون روى عنه المؤلف في الإيمان وفي الوضوء وفي الصلاة في ثلاثة مواضع وفي النكاح في موضعين وفي الحدود والأطعمة والفضائل والطلاق والضحايا وفي الطب وفي ذكر الجان فجملة الأبواب التي روى المؤلف عنه فيها أحد عشر بابا تقريبًا.
وقوله (واللفظ) أي لفظ الحديث الآتي (له) أي لمحمد بن رافع لا لمحمد بن بكار لأنه إنما روى معنى الحديث الآتي أتى به تورعًا من الكذب على محمَّد بن بكار لأنه لو لم يأت بهذه الجملة لأوهم أن كلا الشيخين رويا لفظ الحديث الآتي قال محمَّد بن رافع (حدثنا عبد الرزاق) بن همام بن نافع الحميري مولاهم أبو بكر الصنعاني أحد الأئمة الأعلام الحفاظ، روى عن ابن جريج ومعمر بن راشد والثوري وزكرياء بن إسحاق وعبيد الله بن عمر ومالك وخلائق، ويروي عنه (ع) وأحمد وإسحاق وابن المديني وابن معين ومحمد بن رافع وخلق قال أحمد: من سمع منه بعد ما ذهب بصره فهو ضعيف السماع، وقال في التقريب: ثقة حافظ مصنف شهير عمي في آخر عمره فتغير وكان يتشيع من التاسعة مات سنة (211) إحدى عشرة ومائتين عن خمس وثمانين سنة (85) وليس في مسلم من اسمه عبد الرزاق إلا هذا الثقة، روى عنه المؤلف في الإيمان وفي الصلاة في موضعين وفي الوضوء والجنائز والصوم والزكاة والحج فجملة الأبواب التي روى المؤلف عنه فيها سبعة أبواب تقريبًا قال عبد الرزاق (أخبرنا) عبد الملك بن عبد العزيز (بن جريج) الأموي المكي من السادسة وفائدة هذا التحويل بيان كثرة طرقه وبيان اختلاف صيغتي شيخيه لأنَّ ابن بكار قال: عن ابن جريج بالعنعنة وابن رافع، قال: أخبرنا ابن جريج بصيغة السماع.
(قال) ابن جريج (أخبرني أبو قزعة) بفتح القاف وسكون الزاي لا غير على الصحيح سويد بن حجير مصغرين وبتقديم الحاء المهملة على الجيم والد قزعة الباهلي البصري انفرد مسلم بالرواية عنه دون البخاري، روى عن أبي نضرة والحارث بن عبد الله بن أبي ربيعة وأنس وحكيم بن معاوية وأرسل عن عمران بن حصين ويروي عنه (م عم) وداود بن أبي هند وابن جريج وحاتم بن أبي صغيرة ومعقل بن عبيد الله وشعبة وثقه ابن المديني وأبو داود وأكثر الأئمة على تضعيفه، وقال في التقريب: ثقة من الرابعة،
أَنَّ أَبَا نَضْرَةَ أَخْبَرَهُ، وَحَسَنًا أَخْبَرَهُمَا: أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ أَخْبَرَهُ: أَنَّ وَفْدَ عَبْدِ الْقَيسِ لَمَّا أَتَوْا نَبِيَّ اللهِ صلى الله عليه وسلم. . قَالُوا: يَا نَبِيَّ اللهِ؛ جَعَلَنَا اللهُ
ــ
وغرض المؤلف بسوق هذا السند بيان متابعة أبي قزعة لقتادة في رواية هذا الحديث عن أبي نضرة، وفائدة هذه المتابعة بيان كثرة طرقه لأنَّ أبا قزعة مختلف فيه فلا يصلح لتقوية السند الأول، وهذا السند من سداسياته، ورجال سند محمَّد بن بكار كلهم بصريون إلا ابن جريج فإنَّه مكي وأبا سعيد الخدري فإنَّه مدني وسند محمَّد بن رافع منهم نيسابوري وصنعاني ومكي وبصريان ومدني (أن أبا نضرة) المنذر بن مالك (أخبره) أي أخبر أبا قزعة وقوله (وحسنًا) ابن مسلم بن يَنَّاقٍ بالنصب معطوف على ضمير المفعول في أخبره أي أن أبا نضرة أخبر أبا قزعة وحسن بن مسلم وقوله (أخبرهما) أي أخبر أبو نضرة أبا قزعة وحَسنًا (أن أبا سعيد الخدري) إلخ توكيد لفظي لجملة أخبره المذكورة قبله كما يقال: جاءاني زيد وعمرو جاءني وقالا كذا وكذا والمعنى أن أبا نضرة أخبر أبا قزعة والحسن بن مسلم بن يناق أن أبا سعيد الخدري (أخبره) أي أخبر أبا نضرة.
قال النواوي: معنى هذا الكلام أن أبا نضرة أخبر بهذا الحديث أبا قزعة وحسن بن مسلم كليهما ثمَّ أكد ذلك بأن أعاد فقال أخبرهما أن أبا سعيد أخبره يعني أخبر أبو سعيد أبا نضرة أن وقد عبد القيس إلخ، وأما الحسن المذكور هنا فهو الحسن بن مسلم بن يناق بفتح التحتانية وتشديد النون وآخره قاف المكي روى عن أبي نضرة وطاوس ومجاهد وصفية بنت شيبة، ويروي عنه (ع) وعمرو بن مرة وإبراهيم بن نافع وابن جريج وشبل بن عباد وقال في التقريب: ثقة من الخامسة مات قديمًا بعد المائة بقليل، روى عنه المؤلف في الإيمان بالمقارنة وفي الصلاة والزكاة في موضعين والحج في موضعين وفي اللباس فجملة الأبواب التي روى المؤلف عنه فيها خمسة أبواب.
أي أن أبا سعيد الخدري أخبر أبا نضرة (أن وفد عبد القيس) وجماعتهم المختارة منهم للوفود على النبي صلى الله عليه وسلم (لما أتوا نبي الله صلى الله عليه وسلم وجاءوه (قالوا) لرسول الله صلى الله عليه وسلم (يا نبي الله جعلنا الله) سبحانه وتعالى (فداءك) ووقايتك عن كل مكروه وسُوء، والمعنى: يقيك الله سبحانه ويحفظك عن المكاره وفي القاموس فداه يفديه من باب رمى فِداءً ككساء وفدى كرضا وعصا وافتدى به وفاداه أعطى شيئًا فأنقذه، والفداء ككساء وكعلى وإلى وكَفِتْيةٍ ذلك المعطي وفداه تفدية
فِدَاءَكَ؛ مَاذَا يَصْلُحُ لَنَا مِنَ الأَشْرِبَةِ؟ فَقَال: "لَا تَشْرَبُوا فِي النَّقِيرِ"، قَالُوا: يَا نَبِيَّ اللهِ؛ جَعَلَنَا اللهُ فِدَاءَكَ؛ أَوَ تَدْرِي مَا النَّقِيرُ؟ قَال: "نَعَمْ، الْجِذْعُ يُنْقَرُ وَسَطُهُ، وَلَا فِي الدُّبَّاءِ، وَلَا فِي الْحَنْتَمَةِ، وَعَلَيكُمْ بِالْمُوكَى"
ــ
قال: جُعلت فداك انتهى (ماذا يصلح) ويحل (لنا من) الأواني أن ننتبذ فيه بـ (بالأشربة) أي أيُّ إناء يحل لنا الانتباذ فيه ونشرب فيه الأشربة (فقال) لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا تشربوا) ما انتبذتموه (في النقير) لأنه يتخمر ويُسْكِرُ (قالوا يا نبي الله جعلنا الله فداءك) ووقايتك عن كل مكروه والهمزة في قوله (أو تدري) للاستفهام التقريري داخلة على محذوف والواو عاطفة لجملة تدري على ذلك المحذوف والتقدير أتنهانا عن النقير وهل تدري وتعلم جواب (ما) هو (النقير) فما استفهامية في محل الرفع مبتدأ والنقير خبره (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (نعم) حرف تصديق يُجاب بها في الإثبات قائم مقام الجواب المحذوف أي أدري وأعلم جواب سؤال ما هو النقير، النقير هو (الجذع) أي أصل النخل (ينقر) ويُقور (وسطه) أي جوفه وداخله فيجعل إناء للماء وغيره (ولا) تشربوا (في الدباء) أي في إناء القرع المُر اليابس فهو وما بعده معطوفان على قوله في النقير (ولا) تشربوا (في الحنتمة) أي في إناء الجرة المطلية بالزجاج ونحوه وقوله (وعليكم) اسم فعل أمر منقول بمعنى الزموا (بالموكى) أي الزموا الشرب بما انتبذ في الإناء الموكى أي في السقاء الرقيق الذي يوكى ويُربط فمه بالوكاء، والوكاء الخيط الذي يربط ويشد به فم القربة والسقاء لئلا تدخله الهوام والحشرات فتفسد ما فيه من الماء واللبن والسمن مثلًا، قال النواوي: الموكى هو بضم الميم وإسكان الواو مقصور غير مهموز وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب حديثان الأول حديث ابن عباس وغرضه بسوقه الاستدلال به على الترجمة وذكر فيه متابعتين، والثاني حديث أبي سعيد الخدري وغرضه بسوقه الاستشهاد لحديث ابن عباس وذكر فيه متابعتين أيضًا واختار حديث ابن عباس في الاستدلال به على الترجمة لأنه أصح من حديث أبي سعيد الخدري لأنَّ حديث ابن عباس من المتفق عليه وحديث أبي سعيد انفرد به مسلم عن البخاري.
فصل
قال النواوي: هذا ما يتعلق بألفاظ هذا الحديث، وأما أحكامه ومعانيه فأنا أشير إليها ملخصة مختصرة مرتبة ففي هذا الحديث وفادة الرؤساء والأشراف إلى الأئمة عند
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الأمور المهمة، وفيه تقديم الاعتذار بين يدي المسألة، وفيه بيان مهمات الإِسلام وأركانه ما سوى الحج، وقد قدمنا أنَّه لم يفرض في تلك السنة، وفيه استعانة العالم في تفهيم الحاضرين والفهم عنهم ببعض أصحابه: كما فعله ابن عباس رضي الله عنهما، وقد يُستدل به على أنَّه يكفي في الترجمة في الفتوى والخبر قول واحدٍ وفيه استحباب قول الرجل لزواره والقادمين عليه مرحبًا ونحوه كأهلًا وسهلًا والثناء عليهم إيناسًا وبسطًا وفيه جواز الثناء على الإنسان في وجهه إذا لم يخف عليه فتنة بإعجاب ونحوه وأما استحبابه فيختلف بحسب الأحوال والأشخاص.
وأما النهي عن المدح في الوجه فهو في حق من يخاف عليه الفتنة بما ذكرناه، وقد مدح النبي صلى الله عليه وسلم في مواضع كثيرة في الوجه فقال لأبي بكر رضي الله عنه "لست منهم" وقال صلى الله عليه وسلم فيه "يا أبا بكر لا تبكِ إن أمن الناس علي في صُحبته وماله أبو بكر ولو كنت متخذًا من أمتي خليلًا لاتخذت أبا بكر خليلًا" وقال له أيضًا "وأرجو أن تكون منهم" أي من الذين يُدعون من أبواب الجنة وقال صلى الله عليه وسلم "ائذن له وبشره بالجنة" وقال صلى الله عليه وسلم "أثبت أحد فإنما عليك نبي وصديق وشهيدان" وقال صلى الله عليه وسلم "دخلت الجنة ورأيت قصرًا فقلت: لمن هذا؟ قالوا: لعمر بن الخطاب فأردت أن أدخله فذكرت غيرتك" فقال عمر رضي الله عنه بأبي أنت وأمي يا رسول الله أعليك أغار؟ ! وقال له "ما لقيك الشيطان سالكًا فجًّا إلا سلك فجًّا غير فجك" وقال صلى الله عليه وسلم "افتح لعثمان وبشره بالجنة" وقال لعلي رضي الله عنه "أنت مني وأنا منك" وفي الحديث الآخر "أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى" وقال صلى الله عليه وسلم لبلال "سمعت دقَّ نعليك في الجنة" وقال صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن سلام "أنت على الإِسلام حتى تموت" وقال للأنصاري "ضحك الله عز وجل -أو عجيب من فعالكما" وقال للأنصار "أنتم من أحب الناس إلي" ونظائر هذا كثيرة من مدحه صلى الله عليه وسلم في الوجه.
وأما مدح الصحابة والتابعين فمن بعدهم من العلماء والأئمة الذين يُقتدى بهم رضي الله عنهم أجمعين فأكثر من أن يُحصر والله أعلم، وفي حديث الباب أيضًا من الفوائد أنَّه لا عتب على طالب العلم والمستفتي إذا قال للعالم أرضح لي الجواب ونحو
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
هذه العبارة، وفيه أنَّه لا بأس بقول رمضان من غير ذكر الشهر، وفيه جواز مراجعة العالم على سبيل الاسترشاد والاعتذار ليتلطف له في جواب لا يشق عليه وفيه تأكيد الكلام وتفخيمه ليعظم وقعه في النفس، وفيه جواز قول الإنسان لمسلم جعلني الله فداك فهذه أطراف مما يتعلق بهذا الحديث وهي وإن كانت طويلة فهي مختصرة بالنسبة إلى طالبي التحقيق والله أعلم وله الحمد والمنة وبه التوفيق والعصمة. انتهى.
***