الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
28 - بَابُ كَوْنِ التَّحابِّ فِي اللَّهِ تَعَالى مِنَ الإيمَانِ، وَبَيَانِ سَبَبِهِ
103 -
(53) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاويةَ وَوَكِيعٌ عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أبِي هُرَيرَةَ قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ
ــ
28 -
بَابُ كَوْنِ التَّحابِّ فِي اللَّهِ تَعَالى مِنَ الإيمَانِ، وَبَيَانِ سَبَبِهِ
أي هذا بابٌ معقود في الاستدلال على كون التحابب في دين الله تعالى شعبة من شعب الإيمان، وأن إفشاء السلام بينهم مما ينبته في قلوبهم، وترجم النووي والقاضي وأكثر المتون للحديث الآتي بقولهم:(باب بيان أنه لا يدخل الجنة إلا المؤمنون وأن محبة المؤمنين من الإيمان وأن إفشاء السلام سبب لحصولها)، وترجم له الأبي والسنوسي بقولهما:(باب قوله صلى الله عليه وسلم لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا) إلى آخره، وترجم له القرطبي بقوله:(بابٌ المحبة في الله تعالى من الإيمان)، وترجمتنا أشمل وأخصر من ترجمتهم.
(103)
- س (53)(حدثنا أبو بكر) عبد الله بن محمد (بن أبي شيبة) إبراهيم بن عثمان العبسي مولاهم الكوفي، ثقة حافظ من العاشرة، مات سنة (235) خمس وثلاثين ومائتين، روى المؤلف عنه في ستة عشر بابًا تقريبًا، قال أبو بكر (حدثنا أبو معاوية) محمد بن خازم الضرير، التميمي السعدي مولاهم الكوفي، من التاسعة، مات سنة (195) خمس وتسعين ومائة، روى المؤلف عنه في أربعة عشر بابًا تقريبًا (و) حدثنا أيضًا (وكيع) بن الجراح بن مليح الرؤاسي، أبو سفيان الكوفي، ثقة حافظ عابد من كبار التاسعة، مات سنة (196) ست وتسعين ومائة، روى عنه المؤلف في ثمانية عشر بابا تقريبًا، وفائدة هذه المقارنة بيان كثرة طرقه (عن) سليمان بن مهران (الأعمش) الكاهلي مولاهم، أبي محمد الكوفي، ثقة حافظ ولكنه يدلس، من الخامسة، مات في ربيع الأول سنة (148) ثمان وأربعين ومائة، روى عنه المؤلف في ثلاثة عشر بابًا تقريبًا (عن أبي صالح) السمان، ذكوان مولى جُويرية بنت الحارث القيسية، المدني ثقة ثبت من الثالثة، مات سنة (101) إحدى ومائة، روى عنه المؤلف في ثمانية أبواب تقريبًا (عن أبي هريرة) عبد الرحمن بن صخر الدوسي المدني، وهذا السند من خماسياته، رجاله ثلاثة منهم كوفيون واثنان مدنيان (قال) أبو هريرة (قال رسول الله صلى الله عليه
وَسَلَّمَ: "لا تَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّي تُؤمِنُوا، وَلَا تُؤْمِنُوا حَتَي تَحَابُّوا،
ــ
وسلم لا تدخلون) أيها المؤمنون (الجنة) ابتداءَ (حتى تومنوا) إيمانًا كاملًا باجتماع شُعبه (ولا تؤمنوا) إيمانًا كاملًا يُوجب دخول الجنة ابتداءً (حتى تحابوا) وتوادوا في الله عز وجل أي حتى يُحب بعضكم بعضًا لأجل دين الله تعالى وطلب رضاه لا لغرض من الأغراض الدنيوية من قرابة وصداقة وزوجية وعطية.
قال القرطبي: والإيمان المذكور أولًا هو التصديق الشرعي المذكور في حديث جبريل عليه السلام، والإيمان المذكور ثانيًا هو الإيمان العملي المذكور في قوله: الإيمان بضع وسبعون بابا كما سبق تخريجه، ولو كان الثاني هو الأول للزم منه أن لا يدخل الجنة من أبغض أحدًا من المؤمنين، وذلك باطل قطعًا، فتعين التأويل الذي ذكرناه انتهى.
قال الأبي: لفظ الحديث يقتضي وقف دخول الجنة على التحاب، فلا يدخل الجنة كاره، ولا يقوله أهل السنة، وإنما قلنا ذلك لأن الموقوف على الموقوف على شيء موقوف على ذلك الشيء، فأجاب ابن الصلاح بأن المراد بالدخول دخول الجنة ابتداءً، وأجاب النووي: بان معنى الحديث وقف دخولها على الإيمان، ووقف كمال الإيمان على التحاب.
(قلت) فعلى الأول الإيمان الثاني هو الأول، والمراد بهما الكمال، أي لا تدخلوا الجنة ابتداءً حتى تؤمنوا الإيمان الكامل، ولا تؤمنوا الإيمان الكامل حتى تتحابوا، وعلى الثاني هو غيره، ومدلول الجملتين مختلف ولا ارتباط لإحداهما بالأخرى، فمدلول الأولى وقف دخول الجنة على الإيمان المطلق، الذي هو التصديق، ومدلول الثانية وقف الإيمان الكامل على التحاب، والأول أسعد بالسياق.
ويصح عندي وجه ثالث: وهو أن يكون الإيمان الثاني هو الأول، والمراد به المطلق، ولم يذكر الثاني من حيث الوقف عليه، بل من حيث النهي عن الاقتصار عليه، فالمعنى لا تدخلون الجنة حتى تُصدِّقوا ولا تقتصروا على التصديق بل حتى تضيفوا إليه التحاب.
(فإن قلت) وَقْفُ الإيمانِ على التحاب إن كان التحاب من الجانبين كما تقتضيه المفاعلة لزم التكليف بفعل الغير ولا يجوز، وإن كان من جهة واحدة لزم التكليف بالأمر الجبلي، لأن المحبة جبلية.
أَوَلا أَدُلُّكُمْ عَلَى شَيءٍ إِذَا فَعَلْتُمُوهُ تَحَابَبْتُمْ؟ أَفْشُوا السَّلَامَ بَينَكُم"
ــ
(قلت) فعل الغير إن كان سببه من المكلَّفِ صحَّ التكليف به، وينصرف التكليف إلى ذلك السبب، والسبب هنا إفشاء السلام اهـ من الأبي.
قوله (ولا تؤمنوا) قال النووي: معناه لا يكمل إيمانكم ولا يصلح حالكم في الإيمان إلا بالتحاب، وأما قوله صلى الله عليه وسلم "لا تدخلون الجنة حتى تؤمنوا" فهو على ظاهره وإطلاقه، فلا يدخل الجنة إلا من مات مؤمنًا، وإن لم يكن كامل الإيمان، فهذا هو الظاهر من الحديث اهـ.
وقوله أيضًا (ولا تؤمنوا) قال القرطبي: كذا صحت الرواية هنا بإسقاط النون، والصواب إثباتها كما قد وقع في بعض النسخ، لأن لا نافيةٌ، لا ناهية جازمة، فلزم إثباتها لعدم الجازم اهـ.
وقال النووي: إنه في جميع الأصول والروايات هكذا (ولا تؤمنوا) بحذف النون من آخره وهي لغة معروفة صحيحة اهـ.
(قلت) حذف النون هنا لمشاكلة ما قبله وما بعده، والمشاكلة من المحسنات اللفظية عند البديعيين، وحينئذ تقول في إعرابه: لا نافية، تؤمنوا: فعل مضارع مرفوع بثبوت النون المحذوفة للمشاكلة، لأنه من الأفعال الخمسة، لأن المحذوف لعلةٍ كالثابت، فلا يضر حذفها في الخط واللفظ، وهذا هو الصواب الذي عليه علماء العربية لا غيره، والهمزة في قوله (أولا أدلكم على شيء) داخلة على محذوف تقديره أتستغربون ذلك ولا تفهمونه، أدلكم أيها المؤمنون على شيء (إذا فعلتموه) وقلتموه (تحاببتم) أي يحصل التحاب والتواد بينكم، أقول لكم في بيان ذلك الشيء (أفشوا) أي بقطع الهمزة المفتوحة أي أكثروا وأشيعوا (السلام بينكم) أيها المؤمنون خاصة، قال القرطبي: وإفشاء السلام إظهاره وإشاعته واقراؤه على المعروف وغير المعروف، ومعنى لا تؤمنوا حتى تحابوا، أي لا يكمل إيمانكم ولا يكون حالكم حال من كَمُلَ إيمانه حتى تُفْشُوا السلامَ الجالب للمحبة الدينية والألفة الشرعية.
قال النووي: وفي الحديث حث عظيم على إفشاء السلام، وبذله للمسلمين كُلهم من عرفت ومن لم تعرف كما تقدم في الحديث الآخر، والسلام أول أسباب التآلف، ومفتاح استجلاب المودة، وبإفشائه يحصل ألفة المسلمين بعضُهم لبعض، واظهارُ
154 -
(00) وَحَدَّثَنِي زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ، أَنْبَأَنَا جَرِيرٌ عَنِ الأعمَشِ بِهَذَا الإِسْنَادِ، قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ؛ لَا تَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّي تُؤْمِنُوا
…
" بِمِثْلِ
ــ
شعارهم المميز لهم من غيرهم من أهل الملل، مع ما فيه من رياضة النفس ولزوم التواضع وإعظام حُرمات المسلمين، وقد ذكر البخاري رحمه الله تعالى في صحيحه عن عمار بن ياسر رضي الله تعالى عنهما أنه قال: ثلاث من جمعهن فقد جمع الإيمان: الإنصاف من نفسك، وبَذْلُكَ السلام للعالم، والإنفاق من الإقتار، وروى غير البخاري هذا الكلام مرفوعًا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وهذه الثلاثة المذكورة من السلام على العالم، والسلام على من عرفت ومن لم تعرف، وإفشاء السلام كلها بمعنى واحد، وفيها لطيفة أخرى، وهي أنها تتضمن رفع التقاطع والتهاجر والشحناء وفساد ذات البين التي هي الحالقة، وأن سلامه لله لا يتبع فيه هواه ولا يخص أصحابه وأحبابه خلاف ما أنذر به صلى الله عليه وسلم آخر الزمان من كون السلام للمعرفة، فيقطع سبب التواصل الذي هو الإسلام، والله أعلم.
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: (104) - (00)(وحدثني زهير بن حرب) بن شداد الحرشي أبو خيثمة النسائي، ثقة من العاشرة، مات سنة (240) أربعين ومائتين، روى عنه المؤلف في سبعة أبواب. قال زهير (أنبأنا) أي أخبرنا (جرير) بن عبد الحميد بن جرير بن قرط الضبي أبو عبد الله الكوفي، ثقة من الثامنة، مات سنة (188) ثمانء وثمانين ومائة، روى عنه المؤلف في ستة عشر بابا (عن) سليمان بن مهران الكوفي، أبي محمد الكاهلي مولاهم المعروف بـ (الأعمش) لكون عينه عمشاء، ثقة حافظ من الخامسة، مات سنة (148) ثمان وأربعين ومائة، روى عنه المؤلف في ثلاثة عشر بابًا تقريبًا، وقوله (بهذا الإسناد) متعلق بأنبأنا جرير، والإشارة راجعة إلى ما بعد الأعمش، أي أخبرنا جرير عن الأعمش بهذا الإسناد، يعني عن أبي صالح عن أبي هريرة (قال) أبو هريرة (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم والذي) أي قسمت لكم بالإله الذي (نفسي) ورُوحي (بيده) تعالى المنزهة عن صفات الحدوث، بزيادة القسم في هذه الرواية لتأكيد الكلام، أي أقسمت لكم به على أنه (لا تدخلون الجنة) حين يدخلها السابقون (حتى تؤمنوا) الإيمان الكامل، وقوله (بمثل
حَدِيثِ أَبِي مُعَاويةَ وَوَكِيعٍ
ــ
حديث أبي معاوية ووكيع) متعلق أيضًا بأنبأنا جرير، أي أخبرنا جرير عن الأعمش بهذا الإسناد بمثل ما رواه أبو معاوية ووكيع عن الأعمش.
وهذا السند أيضًا من خماسياته، رجاله اثنان منهم كوفيان واثنان مدنيان وواحد نسائي، وغرضه بسوق هذا السند بيان متابعة جرير لأبي معاوية ووكيع في رواية هذا الحديث عن الأعمش، وفائدة هذه المتابعة بيان كثرة طرقه مع بيان زيادة القسم في هذه الرواية، وبيان مخالفة صيغة رواية جرير لصيغتهما، ولم يذكر المؤلف رحمه الله تعالى في هذا الباب إلا حديث أبي هريرة، وذكر فيه متابعة واحدة، والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب، وهذا الحديث أعني حديث أبي هريرة في التحاب شارك المؤلف في روايته أحمد (2/ 391) وأبو داود (5193) والترمذي (2689).
***