الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
قوله (فإنَّه ليس بينها وبين الله حجاب) الرواية الصحيحة فيه (فإنَّه) بضمير المذكر على أن يكون ضمير الأمر والشأن ويحتمل أن يعود على مذكر الدعوة فإن الدعوة دعاء، ووقع في بعض النسخ (فإنها) بضمير المؤنث وهو عائد على لفظ الدعوة، ويستفاد منه تحريم الظلم وتخويف الظالم وإباحة الدعاء للمظلوم عليه والوعد الصدق بأن الله تعالى يستجيب للمظلوم فيه غير أنَّه قد تعجل الإجابة فيه، وقد يؤخرها إملاءً للظالم، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم:"إن الله يملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته" رواه مسلم والترمذي وابن ماجه من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه ثمَّ قرأ: {وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ} [هود: 102]. وكما قد رُوي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: "إن الله تعالى يرفع دعوة المظلوم على الغمام ويقول لها لأنصرنك ولو بعد حين" رواه أحمد والترمذي وابن ماجه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
قال القاضي عياض وفي الحديث أن الشهادتين يعصمان الدم وأن أحدهما لا تعصم وأن تمام الإيمان بالتزام قواعده، وأن الشهادتين دونها لا تنفعان، قال الأبي: انظر عدم نفعهما فإنَّه منافٍ أنهما يعصمان الدم والمشهور عندنا فيمن أقر بالشهادتين وأبي بقية الخمس أنَّه يقتل لكن بعد التشديد عليه، وقال أصبغ: لا يقتل، وقال المُتَيطِيُّ: والعمل على المشهور، وأما أن إحداهما لا تعصم فتقدم أن عند الشافعية من قال لا إله إلا الله هو مسلم، ويطالب بالأخرى فإن أبي منها قتل، ولهم قول آخر أنَّه لا يقتل انتهى.
(فصل في جمع ما يستفاد من هذا الحديث)
قال النواوي ويستفاد من هذا الحديث قبول خبر الواحد ووجوب العمل به، وفيه أن الوتر ليس بواجب لأنَّ بعث معاذ إلى اليمن كان قبل وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بقليل بعد الأمر بالوتر والعمل به، وفيه أن السنة أن الكفار يُدعون إلى التوحيد قبل القتال وفيه أنَّه لا يحكم بإسلامه إلا بالنطق بالشهادتين وهذا مذهب أهل السنة كما قدمنا بيانه في أول كتاب الإيمان، وفيه أن الصلوات الخمس تجب في كل يوم وليلة وفيه بيان عظم تحريم الظلم وأن الإمام ينبغي له أن يعظ ولاته ويأمرهم بتقوى الله تعالى ويبالغ في نهيهم عن الظلم ويُعرفهم قبح عاقبته، وفيه أنَّه يحرم على الساعي أخذ كرائم الأموال في أداء الزكاة بل يأخذ الوسط ويحرم على رب المال إخراج شر المال وفيه أن الزكاة
30 -
(. . .) حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عُمَرَ،
ــ
لا تدفع إلى كافر ولا تدفع أيضًا إلى غني من نصيب الفقراء، واستدل به الخطابي وسائر أصحابنا على أن الزكاة لا يجوز نقلها من بلد المال لقوله صلى الله عليه وسلم:"فترد في فقرائهم" ولكن هذا الاستدلال ليس بظاهر لأنَّ الضمير في فقرائهم محتمل لفقراء المسلمين، ولفقراء أهل تلك البلدة والناحية، وهذا الاحتمال أظهر، واستدل به بعضهم على أن الكفار ليسوا بمخاطبين بفروع الشريعة من الصلاة والزكاة والصوم والحج وتحريم الزنا ونحوها لكونه صلى الله عليه وسلم قال:"فإن هم أطاعوا لذلك فأعلمهم أن عليهم" فدل على أنهم إذا لم يطيعوا لا يجب عليهم، ولكن هذا الاستدلال ضعيف فإن المراد أعلمهم أنهم مطالبون بالصلوات وغيرها في الدنيا، والمطالبة في الدنيا لا تكون إلا بعد الإِسلام، وليس يلزم من ذلك أن لا يكونوا مخاطبين بها يُزاد في عذابهم بسببها في الآخرة، ولأنه رتب ذلك في الدعاء إلى الإِسلام وبدأ بالأهم فالأهم، ألا تراه صلى الله عليه وسلم بدأ بالصلاة قبل الزكاة، ولم يقل أحد أنَّه يصير مكلفًا بالصلاة دون الزكاة والله أعلم.
ثمَّ اعلم أن المختار أن الكفار مخاطبون بفروع الشريعة المأمور به والمنهي عنه وهذا قول المحققين والأكثرين، وقيل ليسوا مخاطبين بها، وقيل مخاطبون بالمنهيِّ دون المأمور والله أعلم قال ابن الصلاح رحمه الله تعالى: وهذا الذي وقع في حديث معاذ من ذكر بعض دعائم الإِسلام دون بعض هو من تقصير الراوي وقد بينا الرد عليه عن القرطبي فيما تقدم فراجعه والله أعلم.
ثمَّ ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث معاذ رضي الله تعالى عنه فقال:
(30)
- متا (. . .)(حدثنا) محمَّد بن يحيى (بن أبي عمر) العدني أبو عبد الله نزيل مكة، روى عن بشر بن سري ومروان بن معاوية وعبد العزيز الدراوردي وعبد الوهاب الثقفي وسفيان بن عيينة ومعن بن عيسى وغيرهم، ويروي عنه (م ت س ق) وهلال بن العلاء ومفضل بن محمَّد الجندي وأبو حاتم وأبو زرعة الرازي وأبو زرعة الدمشقي وطائفة وثقه ابن حبَّان، وقال في التقريب: صدوق صنف المسند وكان لازم ابن عيينة لكن قال أبو حاتم كانت فيه غفلة من العاشرة مات في آخر ذي الحجة بعد الموسم سنة (243) ثلاث وأربعين ومائتين.
حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ السَّرِيِّ، حَدَّثَنَا زَكَرِيَّاءُ بْنُ إِسْحَاقَ، ح وَحَدَّثَنَا عَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ،
ــ
روى عنه المؤلف في الإيمان والصلاة والزكاة والحج في موضعين والنكاح والجهاد والذبائح والأدب ودلائل النبوة ووفاة النبي صلى الله عليه وسلم وفي الفتن فجملة الأبواب التي روى المؤلف عنه فيها أحد عشر بابا تقريبًا.
قال ابن أبي عمر (حدثنا بشر بن السري) الأفوه أبو عمرو البصري ثمَّ المكي الواعظ كان يتكلم كثيرًا فسمي الأفوه رُمي بالتجهم واعتذر وتاب، روى عن زكرياء بن إسحاق وهمام بن يحيى وحماد بن سلمة وسفيان الثوري وعدة، ويروي عنه (ع) وأحمد وابن المديني وابن أبي عمر وزهير بن حرب ومحمد بن حاتم ومحمود بن غيلان وثقه ابن معين وقال أبو حاتم: ثبت، وقال البخاري: كان صاحب مواعظ فتكلم فسُمي الأفوه، وقال في موضع آخر صاحب خير وصدق ومن كلامه: ليس من أعلام الحب أن تحب ما يبغض حبيبك اهـ وقال في التقريب: ثقة متقن من التاسعة مات سنة (196) خمس أو ست وتسعين ومائة وله (63) ثلاث وستون سنة.
روى عنه المؤلف في كتاب الإيمان وفي الصلاة ووفاة النبي صلى الله عليه وسلم والفضائل، فجملة الأبواب التي روى المؤلف عنه فيها خمسة أبواب تقريبًا، قال بشر بن السري (حدثنا زكرياء بن إسحاق) وقد تقدمت قريبًا ترجمته وأن المؤلف روى عنه في ستة أبواب.
(ح وحدثنا عبد بن حميد) أي حوَّل المؤلف السند وقال رحمه الله تعالى حدثنا عبد بن حميد بن نصر الكَسِّيُّ بفتح الكاف وتشديد السين المهملة أو الشين المعجمة نسبة إلى كَسَّ مدينة فيما وراء النهر، أبو محمَّد الحافظ مؤلف المسند والتفاسير، وقيل اسمه عبد الحميد بن حميد وبذلك جزم ابن حبَّان وغير واحد، روى عن أبي عاصم وعبد الرزاق ويعقوب بن إبراهيم بن سعد وأبي عامر العقدي وجعفر بن عون وأبي نعيم وغيرهم، ويروي عنه (م ت) وابن خزيم الشاشي وعمر البحيري، وقال في التقريب: ثقة حافظ من الحادية عشرة مات سنة (249) تسع وأربعين ومائتين وليس في مسلم من اسمه عبد إلا هذا الثقة.
روى عنه المؤلف في الإيمان والوضوء في موضعين والزكاة والصوم والحج في موضعين وفي البيوع في موضعين وفي الجهاد في موضعين وفي الأطعمة في موضعين
حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ عَنْ زَكَرِيَّاءَ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ صَيفِيٍّ، عَنْ أَبِي مَعْبَدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم بَعَثَ مُعَاذًا إِلَى الْيَمَنِ فَقَال: "إِنَّكَ سَتَأْتِي قَوْمًا. . ." بِمِثْلِ حَدِيثِ وَكِيعٍ
ــ
وفي الفضائل في موضعين وفي العلم وفي الدعاء وجملة الأبواب التي روى المؤلف عنه فيها اثنا عشر بابا تقريبًا.
وفائدة هذا التحويل بيان اختلاف صيغتي شيخي شيخيه في الرواية عن زكريا بن إسحاق لأنَّ بشر بن السري قال حدثنا زكريا بن إسحاق بصيغة السماع، وقال أبو عاصم عن زكرياء بن إسحاق بصيغة العنعنة.
قال عبدُ بن حميد (حدثنا أبو عاصم) الضحاك بن مخلد الشيباني مولاهم أبو عاصم النبيل البصري الحافظ ثقة ثبت من التاسعة مات سنة (212) اثنتي عشرة ومائتين، وتقدمت ترجمته وأن المؤلف روى عنه في اثني عشر بابا تقريبًا.
(عن زكرياء بن إسحاق) المكي (عن يحيى بن عبد الله بن صيفي) المخزومي المكي (عن أبي معبد) نافذ مولى ابن عباس المدني (عن ابن عباس) رضي الله عنهما، وغرض المؤلف بسوق هذين السندين بيان متابعة بشر بن السري وأبي عاصم النبيل لوكيع بن الجراح في رواية هذا الحديث عن زكريا بن إسحاق، وكلا السندين من سداسياته فالسند الأول رجاله مكيون لأنَّ أبا معبد وابن عباس يقال لهما مكيان، والسند الثاني أيضًا رجاله كلهم مكيون إلا عبد بن حميد فإنَّه كَسيٌ وأبا عاصم فإنَّه بصري (أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث معاذًا إلى اليمن) ففي هذه الرواية زيادة لفظة إلى اليمن (فقال) النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل (إنك ستأتي قومًا) ففي هذه الرواية زيادة سين الاستقبال والجار والمجرور في قوله (بمثل حديث وكيع) تنازع فيه كل من حدثنا بشر بن السري وحدثنا أبو عاصم لأنَّ الجار والمجرور في قوله بمثل حديث فلان وبمثله وبنحوه مثلًا متعلق بما عمل في المتابع كما مر مرارًا.
قال النواوي قوله "عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث معاذًا" وهذا اللفظ يقتضي أن الحديث من مسند ابن عباس وكذلك الرواية التي بعده وأما الأولى فمن مسند معاذ، ووجْهُ الجمع بينهما أن يكون ابن عباس سمع الحديث من معاذ فرواه تارة عنه متصلًا، وتارة أرسله فلم يذكر معاذًا، وكلاهما صحيح كما قدمنا أن مرسل الصحابي
31 -
(. . .) حَدَّثَنَا أُمَيَّةُ بْنُ بِسْطَامَ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيعٍ،
ــ
إذا لم يُعرف المحذوف يكون حجة، فكيف وقد عرفناه في هذا الحديث أنَّه معاذ، ويحتمل أن ابن عباس سمعه من معاذ وحضر القضية فتارة رواها بلا واسطة لحضوره إياها، وتارة رواها عن معاذ إما لنسيانه الحضور، واما لمعنى آخر والله أعلم.
ثمَّ ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث معاذ فقال:
(31)
- متا (. . .)(حدثنا أمية بن بسطام) بكسر الموحدة وسكون السين وفتح الطاء - وحكى في المغني فتح الباء والصرف وعدمه ولكن الأصح منعه من الصرف للعلمية والعجمة، قال الجوهري في الصحاح: بسطام ليس من أسماء العرب، وإنما سَمَّى قيس بن مسعود ابنه بسطامًا باسم ملك من ملوك فارس كما سموا قابوس فعربوه بكسر الباء والله أعلم - ابن المنتشر العيشي بالشين المعجمة نسبة إلى بني عائش بن مَلِك بن تيم الله بن ثعلبة سكنوا البصرة، وكان أصله العايش ولكانهم خففوه، قال الحاكم أبو عبد الله والخطيب أبو بكر البغدادي: العيشيون بالشين المعجمة بصريون، والعبسيون بالباء الموحدة والسين المهملة كوفيون، والعنسيون بالنون والسين المهملة شاميون، وهذا الذي قالاه هو الغالب اهـ. نووي أبو بكر البصري روى عن يزيد بن زُريع ومعتمر بن سليمان، ويروي عنه (خ م س) وأبو زرعة ذكره ابن حبَّان في الثقات، وقال في التقريب: صدوق من العاشرة مات سنة (231) إحدى وثلاثين ومائتين روى عنه المؤلف في بابين في الإيمان والوضوء وفي غيرهما.
قال أمية (حدثنا يزيد بن زُريع) بزاي ثمَّ راء مهملة مصغرًا التميمي العيشي بتحتانية أبو معاوية البصري الحافظ أحد الأئمة الأعلام روى عن روح بن القاسم ويونس بن عبيد وسعيد بن أبي عروبة وخالد الحذاء والجريري وأيوب وخلق، ويروي عنه (ع) وأمية بن بسطام ومحمد بن المنهال ويحيى بن يحيى وأبو كامل الجحدري وسهل بن عثمان ونصر بن علي وأحمد بن عبدة وخلائق، وثقه ابن معين وأبو حاتم، وقال في التقريب: ثقة ثبت من الثامثة مات سنة (182) اثنتين وثمانين ومائة، روى عنه المؤلف في الوضوء في موضعين وفي الصلاة في موضعين وفي الجنائز والزكاة والعتق والذبائح وفي الحج في موضعين والديات والجهاد والحدود في موضعين وفي كفارة المرضى وفي النكاح فجملة الأبواب التي روى المؤلف عنه فيها اثنا عشر بابا تقريبًا.
حَدَّثَنَا رَوْحٌ - وَهُوَ ابْنُ الْقَاسِمِ - عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ صَيفِيٍّ، عَنْ أَبِي مَعْبَدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم لَمَّا بَعَثَ
ــ
قال يزيد بن زُريع (حدثنا روح) وأتى بقوله (وهو ابن القاسم) إشعارًا إلى أن هذه النسبة لم يسمعها من شيخه بل هي مما زادها من عند نفسه إيضاحًا للراوي التميمي العنبري أبو غياث بكسر الغين المعجمة الحافظ البصري، روى عن إسماعيل بن أمية والعلاء بن عبد الرحمن في مواضع، وسُهيل وعطاء بن أبي ميمونة وعمرو بن دينار وخلق، ويروي عنه (خ م د س ق) ويزيد بن زُريع وابن علية وعون بن عمارة، قال ابن المديني له نحو مائة وخمسين حديثًا (150) وقال في التقريب: ثقة حافظ من السادسة مات سنة (141) إحدى وأربعين ومائة.
روى عنه المؤلف في الإيمان والوضوء والنكاح والبيوع والفرائض والهبة والوصايا والأحكام واللباس والأدب في موضعين فجملة الأبواب التي روى المؤلف عنه فيها عشرة أبواب تقريبًا (عن إسماعيل بن أمية) بن عمرو بن سعيد بن العاص بن أمية القرشي الأموي المكي أحد العلماء والأشراف، روى عن يحيى بن عبد الله بن صيفي ومحمد بن يحيى بن حبَّان وعياض بن عبد الله وعكرمة وأيوب بن خالد وسعيد المُقرئ وجماعة، ويروي عنه (ع) وروح بن القاسم والسفيانان ومعمر ويحيى بن أيوب وبشر بن المفضل وابن جريج وغيرهم، قال ابن المديني له نحو سبعين حديثًا، وثقه أبو حاتم، وقال في التقريب ثقة ثبت من السادسة مات سنة (144) أربع وأربعين ومائة وقيل قبلها.
روى عنه المؤلف في الإيمان والزكاة في موضعين والصوم وفي النكاح في موضعين والعتاق والبيوع والجهاد وفي ذكر خلق الأشياء وجملة الأبواب التي روى المؤلف عنه فيها ثمانية أبواب تقريبًا (عن يحيى بن عبد الله بن صيفي) المكي (عن أبي معبد) نافذ الحجازي مولى ابن عباس (عن ابن عباس) رضي الله عنهما، وهذا السند من سباعياته ورجاله ثلاثة منهم بصريون وأربعة مكيون، وغرضه بسوق هذا السند بيان متابعة إسماعيل بن أمية لزكريا بن إسحاق في رواية هذا الحديث عن يحيى بن عبد الله بن صيفي، وفائدة هذه المتابعة بيان كثرة طرقه، وأما تكرار المتن في هذه المتابعة فلما في هذه الرواية من المخالفة للرواية الأولى (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما بعث
مُعَاذًا إِلَى الْيَمَنِ. . قَال: "إِنَّكَ تَقْدَمُ عَلَى قَوْمٍ أَهْلِ كِتَابٍ، فَلْيَكُنْ أَوَّلَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيهِ عِبَادَةُ اللهِ عز وجل، فَإِذَا عَرَفُوا الله. . فَأَخْبِرْهُمْ: أَنَّ اللهَ فَرَضَ عَلَيهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي يَوْمِهِمْ وَلَيلَتِهِمْ، فَإِذَا فَعَلُوا. . فَأَخْبِرْهُمْ:
ــ
معاذًا إلى اليمن قال) لمعاذ على سبيل التوديع والإيصاء (إنك) يا معاذ (تَقدَمُ) وتأتي بفتح الدال من باب فَهِمَ (على قوم) من (أهل كتاب) أي من اليهود والنصارى (فليكن أول ما تدعوهم إليه) بنصب أول على أنَّه خبر يكن مقدم على اسمها (عبادة الله عز وجل برفع عبادة على أنَّه اسم يكن مؤخر ومعنى عَزَّ اتصف بجميع الكمالات وجلَّ تنزه عن جميع النقائص لأنَّ العزة من صفات الجمال، والجلالة من صفات الجلال، وقد تقدم أن أصل العبادة التذلل والخضوع وسُميت وظائف الشرع على المكلفين عبادات لأنهم يلتزمونها ويفعلونها خاضعين متذللين لله تعالى، والمراد بالعبادة هنا هو النطق بشهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله كما جاء مفسرًا في الرواية السابقة "فادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأني رسول الله" (فإذا عرفوا الله فأخبرهم) أي إن أطاعوا بالنطق بذلك أي بكلمتي التوحيد كما قال في الرواية السابقة "فإن هم أطاعوا بذلك فأعلمهم" فسمى الطواعية بذلك والنطق به معرفة لأنه لا يكون غالبًا إلا عن المعرفة.
قال القاضي عياض رحمه الله تعالى قوله (فإذا عرفوا الله) إلخ هذا يدل على أنهم ليسوا بعارفين الله تعالى وهو مذهب حُذاق المتكلمين اليهود والنصارى أنهم غير عارفين الله تعالى وإن كانوا يعبدونه ويظهرون معرفته لدلالة السمع عندهم على هذا وإن كان العقل لا يمنع أن يعرف الله تعالى مَنْ كذَّب رسولًا، وقال القاضي أيضًا: ما عرف اللهَ تعالى مَنْ شبَّهه وجسَّمه من اليهود أو أجاز عليه البَدَاءَ أو أضاف إليه الولدَ منهم، أو أضاف إليه الصاحبةَ والولدَ، أو أجاز الحلول عليه والانتقال والامتزاج من النصارى أو وصفَهُ بما لا يليق به أو أضاف إليه الشريك، والمعاند في خلقه من المجوس والثنوية فمعبودهم الذي عبدوه ليس هو الله وإن سموه به إذ ليس موصوفًا بصفات الإله الواجبة، فإذن ما عرفوا الله تعالى فتحقق هذه النكتةَ واعتمد عليها.
أي فأخبرهم (أن الله) سبحانه وتعالى (فرض) وأوجب (عليهم) أي على المكلفين منهم (خمس صلوات في يومهم وليلتهم) والإضافة فيهما من إضافة الظرف إلى المظروف (فإذا فعلوا) ذلك المذكور من الصلوات الخمس وقبلوها والتزموها (فأخبرهم) أي
أَنَّ الله قَدْ فَرَضَ عَلَيهِمْ زَكَاةً تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ فَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ، فَإِذَا أَطَاعُوا بِهَا. . فَخُذْ مِنْهُمْ، وَتَوَقَّ كَرَائِمَ أَمْوَالِهِمْ"
ــ
فأعلمهم (أن الله) سبحانه وتعالى (قد فرض) وأوجب (عليهم) أي على المتصف منهم بشروط وجوب الزكاة عليه (زكاة) وصدقة (تؤخذ من أغنيائهم) أي من أغنياء أهل اليمن (فتُرد) وتوزع (على فقرائهم) أي على المستحقين منهم، وفي بعض الرواية (تؤخذ من أموالهم) فيُستدل بلفظة من أموالهم على أنَّه إذا امتنع من الزكاة أُخذت من ماله بغير اختياره، وهذا الحكم لا خلاف فيه، ولكن هل تبرأ ذمته ويجزيه ذلك في الباطن فيه وجهان لأصحابنا والله أعلم اهـ. نووي.
(فإذا أطاعوا) وقبلوا (بها) أي بأدائها إلى فقرائهم (فخذ منهم) تلك الزكاة (وتوق) أي تجنب وتحرز (كرائم أموالهم) أي أخذها رفقًا بهم.
***