المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌25 - باب وجوب إزالة المنكر بالقدر المستطاع وأن إزالته من الإيمان - الكوكب الوهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج - جـ ٢

[محمد الأمين الهرري]

فهرس الكتاب

- ‌ كِتَابُ الإِيمَانِ

- ‌1 - بَابُ بَيَان الإِيمَان وَالإِسْلامِ وَالإِحْسَان، وَوُجُوبِ الإِيمَان بِالقَدَرِ خَيرِهِ وَشَرِّهِ مِنَ اللهِ تَعَالى، وَبَيَان الدَّلِيلِ عَلَى وُجُوبِ التَّبَرِّي مِمَّنْ لَا يُؤْمِنُ بِالْقَدَرِ، وَإِغْلاظِ الْقَوْلِ فِي حَقِّهِ

- ‌(فصل) في بيان دقائق هذا السند ولطائفه

- ‌ترجمة عمر بن الخطاب وولده عبد الله رضي الله عنهما

- ‌2 - بَابُ عَدَمِ وُجُوبِ مَا عَدَا الصَّلَوَاتِ الخَمْسَ وَمَا عَدَا صِيَامَ رَمَضَانَ، وَمَا عَدَا الزَّكَوَاتِ المَفْرُوضَةَ

- ‌3 - بَابُ عَرْضِ الرَّجُلِ مَا عِنْدَهُ عَلَى المُحَدِّثِ؛ ليسْتَثْبِتَ فِيهِ، وَاكْتِفَاءِ الحَاضِرِينَ بِسُؤالِ البَادِي الوَافِدِ الإِمَامَ عَمَّا أَشْكَلَ عَلَيهِمْ مِنْ أُمُورِ الدِّينِ إِذَا هَابُوهُ

- ‌4 - بَابُ مَنِ اقْتَصَرَ عَلَى فِعْلِ مَا وَجَبَ عَلَيهِ، وانْتَهَى عَمَّا حُرِّمَ عَلَيهِ .. دَخَلَ الجَنَّةَ

- ‌5 - بَابُ مَنْ حَرَّمَ الحَرَامَ، وَأَحَلَّ الحَلَالَ، وَفَعَلَ مَا تَمَكَّنَ مِنَ الوَاجِبَاتِ .. دَخَلَ الجَنَّةَ

- ‌6 - بَابُ بَيَانِ مَبَانِي الإِسْلَامِ

- ‌7 - بَابُ وُفُودِ وَفْدِ عَبْدِ الْقَيسِ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وَأَمْرِهِمْ بِمَأْمُورَاتِ الشَّرْعِ، وَنَهْيِهِمْ عَنْ مُنْكَرَاتِهِ، وَأَمْرِهِمْ بِحِفْظِهَا وَتَبْلِيغِهَا إِلَى مَنْ وَرَاءَهُمْ، وَجَوازِ مَدْحِ الرَّجُلِ فِي وَجْهِهِ

- ‌ فائدة في المختلِطين

- ‌8 - بَابُ بَيَانِ أَوَّلِ مَا يَجِبُ عَلَى الْمُكَلَّفِينَ، وَأَنَّ الدَّعْوَةَ إِلَى الإِسْلامِ عَلَى التَّدْرِيجِ، وَأَنَّ دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ مُسْتَجَابَةٌ

- ‌(فصل في جمع ما يستفاد من هذا الحديث)

- ‌9 - بَابُ الأَمْرِ بِقِتَالِ النَّاسِ حَتَّى يُوَحِّدُوا اللهَ تَعَالى، وَيُقِرُّوا بِرِسَالةِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم، وَيَلْتَزِمُوا شَرَائِعَ دِينِهِ، وَأَنَّ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ. . فَقَدْ عَصَمَ دَمَهُ وَمَالهُ إِلَّا بِحَقِّهِمَا

- ‌10 - بَابُ صِحَّةِ إيمَانِ مَنْ كَانَ آخِرُ كَلامِهِ مِنَ الْكُفَّارِ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَالنَّهْي عَنِ الاسْتِغْفَارِ لِلْمُشْرِكِينَ، وَكَوْنِ الْهِدَايَةِ بِيَدِ اللهِ تَعَالى لَا بِيَدِ أَحَدٍ مِنْ مَخْلُوقَاتِهِ وَلَو نَبِيًّا مُرْسَلًا أَوْ مَلَكًا مُقَرَّبًا

- ‌11 - بَابُ مَنْ لَقِيَ اللهَ تَعَالى عَالِمًا بِهِ غَيرَ شَاكٍّ فِيهِ .. دَخَلَ الْجَنَّةَ، أَوَّلًا: إِنْ كَانَ بَرِيئًا مِنَ الكَبَائِرِ، أَوْ عَمِلَهَا وَتَابَ عَنْهَا، أَوْ أَدْرَكَهُ الْعَفْوُ، أَوْ بَعْدَ عُقُوبَتِهِ عَلَيهَا إِنْ لَمْ يَتُبْ عَنْهَا وَلَمْ يُدْرِكْهُ الْعَفْوُ مِنَ اللهِ تَعَالى وَحَرَّمَهُ اللهُ تَعَالى عَلَى النَّارِ

- ‌12 - بَابُ بَيَان حَقِّ اللهِ سبحانه وتعالى عَلَى الْعِبَادِ، وَحَقِّهِمْ عَلَى اللهِ تَعَالى، وَتَبْشير مَنْ لَقِيَ اللهَ تَعَالى بالتَّوحِيدِ بِالْجَنَّةِ، وَتَرْكِهِ خَوْفًا مِنِ اتِّكالِهِمْ عَلَى مُجَرَّدِ التَّوحِيدِ

- ‌13 - بَابُ الدَّليلِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَكْفِي مُجَرَّدُ التَّلَفُّظِ بِالشَّهَادَتينِ، بَلْ لَا بُدَّ مِنَ اسْتيقَان الْقَلْبِ

- ‌14 - بَابُ الْحُكْمِ عَلَى الظَّاهِرِ فِي إِسْلَامِ الشَّخْصِ، وَحُسْنِ الظَّنِّ بِكَمَالِ إيمَانِهِ، وَصِحَّةِ إِسْلَامِهِ

- ‌15 - بَابُ بَيَانِ صِفَةِ مَنْ ذَاقَ طَعْمَ الإِيمَان وَحَلاوَتَهُ

- ‌16 - بَابُ بَيَان عَدَدِ شُعَبِ الإِيمَان، وَأَفْضَلِهَا، وَأَدْنَاهَا، وَأنَّ الحَيَاءَ شُعْبَةٌ مِنْهَا وبيان فضيلته

- ‌17 - بَابُ فِي مَدْحِ الْحَيَاءِ، وَامْتِنَاعِ مُقَاوَمَةِ النَّصِّ بِكَلامِ الحُكَمَاءِ

- ‌18 - بَابُ الأَمْرِ بِالإِيمَانِ ثُمَّ بِالاسْتِقَامَةِ

- ‌19 - بَابٌ أَيُّ خِصَالِ الإِسْلامِ خَيرٌ؟ وَأَيُّ الْمُسْلِمِينَ أَفْضَلُ

- ‌20 - بَابُ بَيَان الخِصَالِ الَّتِي يَجِدُ بِهِنَّ المَرْءُ حَلاوَةَ الإِيمَانِ

- ‌21 - بَابُ عَدَمِ إِيمَانِ مَنْ لَمْ يُحِبَّ الرَّسُولَ صلى الله عليه وسلم مَحَبَّةً أَكْثَرَ مِنْ مَحَبَّتِهِ لأَهْلِهِ وَوَلَدِهِ وَوَالِدِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ

- ‌22 - بَابُ الدَّلِيلِ عَلَى أَنَّ إِيمَانَ الْعَبْدِ لَا يَكْمُلُ حَتَّى يُحِبَّ لأَخِيهِ، أَوْ جَارِهِ مَا يُحِبُّهُ لِنَفْسِهِ مِنَ الْخَيرِ

- ‌23 - بَابُ عَدَمِ إِيمَانِ مَنْ يَخَافُ جَارُهُ ضَرَرَهُ

- ‌24 - بَابُ الدَّلِيلِ عَلَى أَنَّ الصَّمْتَ إِلَّا عَنِ الْخَيرِ، وَإِكْرَامَ الْجَارِ وَالضَّيفِ .. مِنَ الإِيمَانِ

- ‌25 - بَابُ وُجُوب إِزالةِ الْمُنْكَرِ بِالْقَدْرِ الْمُسْتَطَاعِ وَأنَّ إِزَالتَهُ مِنَ الإِيمَانِ

- ‌26 - بَابُ مُجَاهَدَةِ خُلُوفِ السَّوءِ، وَكَوْنِ مُجَاهَدَتِهِمْ مِنَ الإِيمَانِ

- ‌27 - بَابُ نِسْبَةِ الإِيمانِ وَالْحِكْمَةِ إِلَى الْيَمَنِ وَجَعْلِ الْقَسْوَةِ وَغِلَظِ الْقُلُوبِ فِي رَبِيعَةَ وَمُضَرَ

- ‌28 - بَابُ كَوْنِ التَّحابِّ فِي اللَّهِ تَعَالى مِنَ الإيمَانِ، وَبَيَانِ سَبَبِهِ

- ‌29 - بَابُ النُّصحِ مِنَ الإِيمَانِ

- ‌30 - بَابُ مُبَايَعَةِ الإِمَامِ عَلَى السَّمْع وَالطَّاعَةِ وَالنُّصْحِ لِكُلِّ مُسْلِمٍ، وَكَونهَا مِنَ الإِيمَانِ

- ‌31 - بَابُ بَيَانِ نُقْصَانِ الإِيمَان بِارْتْكَابِ الْمَعَاصِي، وَنَفْيِهِ عَنْ مُرْتَكِبِهَا حَال تَلَبُّسِهِ بِهَا عَلَى مَعْنَي نَفْيِ كَمَالِهِ

- ‌32 - بَابُ بَيَانِ عَلَامَاتِ النِّفَاقِ الَّتِي هِيَ ضِدُّ عَلامَاتِ الإِيمَانِ

- ‌33 - بَابُ بَيَان حُكْمِ إِيمَانِ مَنْ قَال لأخِيهِ الْمُسْلِمِ: يَا كَافِرُ

- ‌34 - بَابُ حُكْمِ إِيمَانِ مَنِ انْتَسَبَ لِغَيرِ أَبِيهِ وَهُوَ يَعْلَمُ، وَإِيمَانِ مَنِ ادَّعَى لِنَفْسِهِ مَا لَيسَ لَهُ

- ‌35 - بَابُ حُكْمِ سِبَابِ الْمُسْلِمِ وَقِتَالِهِ

- ‌36 - بَابُ الأمْرِ بِلزومِ الإيمَانِ وَالتَّمَسُّكِ بِشَرَائِع الإِسْلامِ، والنَّهْيِ عَنِ الارْتدَادِ عَنِ الإِسْلامِ، وَالتَّشَبُّهِ بِالْكفَّارِ

- ‌34 (*) - بَابُ حُكْمِ إيمَانٍ مَنْ طَعَنَ في النَّسَبِ وَنَاحَ عَلَى الْمَيِّتِ

- ‌37 - بَابُ حُكْمِ إيمَانِ الْعَبْدِ الآبِقِ

- ‌38 - بَابُ حُكْمِ إيمانِ مَنْ قَال مُطِرْنَا بِنَوءِ كَذَا

- ‌39 - بَابُ بَيَانِ أَنَّ عَلامَةَ الإِيمَانِ حُبُّ الأنْصَارِ، وَأَنَّ عَلامَةَ النِّفَاقِ بُغْضُ الأنْصَارِ

- ‌40 - بَابٌ في بَيَانِ أَنَّ حُبَّ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ آيَةُ الإِيمَانِ، وَبُغْضَهُ آيَةُ النِّفَاقِ

- ‌39 (*) - بَابُ مَا فِي النِّسَاءِ مِنْ نُقْصَانِ الإِيمَانِ وَالْعَقْلِ بِنَقْصِ الطَّاعَاتِ، وإِطْلاقِ لَفْظِ الْكفْرِ عَلَى غَيرِ الْكُفْرِ بِاللَّهِ تَعَالى، وَسُؤَالِ الْعَالِمِ عَمَّا أَشْكَلَ مِنْ فَتْوَاهُ

- ‌فصل في الأحكام التي تستفاد من هذا الحديث

- ‌40 - بَابُ كَوْنِ الطَّاعَةِ لِأَمْرِ اللهِ وَالْخُضُوع لَهُ مِنَ الإِيمَانِ الَّذِي يُوجِبُ الْجَنَّةَ، وَكَوْنِ الْعِصْيَانِ لِأَمْرِهِ وَالتَّكَبُّرِ عَنِ السُّجُودِ لَهُ مِنَ الْكُفْرِ الَّذِي يُوجِبُ النَّارَ

- ‌41 - بَابُ إِيمَانِ مَنْ تَرَكَ الصَّلاةَ جَحْدًا أَوْ تهَاوُنًا

الفصل: ‌25 - باب وجوب إزالة المنكر بالقدر المستطاع وأن إزالته من الإيمان

‌25 - بَابُ وُجُوب إِزالةِ الْمُنْكَرِ بِالْقَدْرِ الْمُسْتَطَاعِ وَأنَّ إِزَالتَهُ مِنَ الإِيمَانِ

85 -

(48) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ سُفْيَانَ، ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى،

ــ

25 -

باب وجوب إزالة المنكر بالقدر المستطاع وأن إزالته من الإيمان

أي باب معقود في بيان وجوب إزالة كل ما أنكره الشرع قولًا كان أو فعلًا بالقدر الذي يستطيعه في إزالته سواء كان باليد أو باللسان أو بالقلب.

وترجم القاضي عياض والنواوي وأكثر المتون للحديث الآتي بقولهم (باب بيان كون النهي عن المنكر من الإيمان وأن الإيمان يزيد وينقص وأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجبان) وفيها زيادة على منطوق الحديث، ولذلك عدلت عنها، وترجم له الأبي بقوله (باب أحاديث تغيير المنكر) والسنوسي بقوله (باب تغيير المنكر) والقرطبي بقوله (باب تغيير المنكر من الإيمان) وهذه كلها أوفق لمنطوق المتن.

(85)

- س (48)(حدثنا أبو بكر) عبد الله بن محمد (بن أبي شيبة) إبراهيم بن عثمان العبسي مولاهم الحافظ الكوفي، ثقة ثبت من العاشرة، مات سنة (235) خمس وثلاثين ومائتين وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في ستة عشر بابًا تقريبًا، قال أبو بكر (حدثنا وكيع) بن الجراح بن مليح الرؤاسي أبو سفيان الكوفي، أحد الأئمة الأعلام، ثقة حافظ عابد من كبار التاسعة، مات سنة (196) ست وتسعين ومائة، وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في ثمانية عشر بابًا تقريبًا (عن سفيان) بن سعيد بن مسروق بن عدي الثوري ثور بن عبد مناة، وقيل ثور تميم، أبي عبد الله الكوفي ثقة حافظ فقيه عابد إمام حجة، من رؤوس الطبقة السابعة، وكان ربما دلس، مات سنة (161) إحدى وستين ومائة، وقد تقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في أربعة وعشرين بابًا تقريبًا.

(تنبيه): والقاعدة في صحيح مسلم أنه إذا ذكر سفيان وأطلق فالعلامة التي تعرف بها أنه الثوري أو ابن عيينة أنه إن كان ثاني السند فهو ابن عيينة وإن كان ثالث السند فهو الثوري، فهذه قاعدة أغلبية ليست مطردة اهـ شيخنا.

(ح) أي حول المؤلف السند (و) قال (حدثنا محمد بن المثنى) العنزي أبو موسى

ص: 398

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ كِلاهُمَا عَنْ قَيْسِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ

ــ

البصري المعروف بالزمن، ثقة ثبت من العاشرة، مات سنة (252) اثنتين وخمسين ومائتين، وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في أربعة عشر بابًا تقريبًا، وأتى بحاء التحويل لاختلاف شيخي شيخيه ولبيان كثرة طرقه، قال ابن المثنى (حدثنا محمد بن جعفر) الهذلي مولاهم أبو عبد الله البصري المعروف بغندر ربيب شعبة، ثقة صحيح الكتاب إلا أن فيه غفلة، من التاسعة، مات سنة (193) ثلاث وتسعين ومائة، وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في اثني عشر بابًا تقريبًا، قال ابن جعفر (حدثنا شعبة) بن الحجاج بن الورد العتكي مولاهم أبو بسطام البصري أحد الأئمة الأعلام، ثقة حافظ متقن من السابعة، مات سنة (160) ستين ومائة، وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في ثلاثين بابًا تقريبًا، وأتى بقوله (كلاهما) أي كل من سفيان في السند الأول وشعبة في السند الثاني، ولم يقل جميعًا كعادته في بعض المواضع إشارة إلى تيقنه بانحصار من روى له عن قيس بن مسلم في هذين الشيخين أعني سفيان وشعبة بن الحجاج (عن قيس بن مسلم) الجدلي بفتح الجيم العدواني، أبي عمرو الكوفي روى عن طارق بن شهاب والحسن بن محمد بن علي، ويروي عنه (ع) والأعمش والثوري وشعبة ومسعر وأبو العميس وصدقة بن أبي عمران وإدريس الأودي وخلق، وثقه ابن معين وأبو حاتم والنسائي، وكان مرجئًا، وقال في التقريب: ثقة من السادسة، رُمي بالإرجاء، مات سنة (120) عشرين ومائة، روى عنه المؤلف في الإيمان والصوم والحج وآخر الكتاب والتفسير في أربعة أبواب تقريبًا (عن طارق بن شهاب) بن عبد شمس بن سلمة بن هلال بن عوف بن جشم بن زفر بن عمرو بن لؤي بن رُهم بن معاوية بن أسلم بن أحمس البجلي الأحمسي أبي عبد الله الكوفي صحابي، أو ثقة، رأى النبي صلى الله عليه وسلم ولم يسمع منه، وغزا في خلافة أبي بكر وعمر رضي الله عنهما ثلاثًا وثلاثين غزوة أو ثلاثًا وأربعين، روى عن أبي بكر وعمر وعلي وابن مسعود وأبي موسى وأبي سعيد الخدري في الإيمان، ويروي عنه (ع) وقيس بن مسلم وعلقمة بن مرثد وإسماعيل بن أبي خالد وعِدة وثقه ابن معين، قال خليفة: مات سنة (82) اثنتين وثمانين، روى عنه المؤلف في الإيمان والصوم والحج والتفسير في أربعة أبواب تقريبًا والله أعلم.

ص: 399

-وَهَذَا حَدِيثُ أَبِي بَكْرٍ- قَال: أَوَّلُ مَنْ بَدَأَ بِالْخُطْبَةِ يَوْمَ الْعِيدِ قَبْلَ الصَّلاةِ مَرْوَانُ،

ــ

(وهذا) الحديث الآتي لفظ (حديث أبي بكر) بن أبي شيبة، وأما ابن المثنى فروى معناه لا لفظه، وأتى المؤلف بهذه الجملة تورعًا من الكذب على محمد بن المثنى لأنه لو لم يأت بها لأوهم أن اللفظ الآتي لهما (قال) طارق بن شهاب (أول من بدأ بالخطبة) أي أول من قرأ الخطبة (يوم العيد قبل الصلاة) أي قبل صلاة العيد والمراد بالخطبة جنسها أعني الخطبتين (مروان) بن الحكم بن أبي العاص بن أمية أبو عبد الملك الأموي، من أمراء بني أمية، ولي الخلافة في آخر سنة أربع وستين، وقيل أول من بدأ بها عمر بن الخطاب، ليدرك الصلاة من تأخر، وقيل لما رأى من ذهاب الناس عند فراغ الصلاة بلا استماع خطبة قدمها ليجلسوا وقيل عثمان وقيل معاوية وقيل ابن الزبير فعله أيضًا، والسنة وعمل الخلفاء وفقهاء الأمصار تقديم الصلاة على الخطبة، وعده بعضهم إجماعًا، ولعله بعد الخلات، أو لعله لم يعتد بخلاف بني أمية بعد إجماع الصدر الأول لأنهم كانوا ينالون من علي ويطعنون فيه في خطبهم، فكان الناس إذا فرغوا من الصلاة تفرقوا فِرارًا من سماع خطبهم، فقدموها ليجلس الناس، ولذا قال أشهب: من بدأ بها أعادها بعد الصلاة اهـ من الأبي.

قال القرطبي: والقول بأن أول من بدأ بالخطبة يوم العيد قبل الصلاة مروان بن الحكم أصح ما رُوي في أول من قدم الخطبة قبل الصلاة كما يدل عليه قول مروان للرجل (قد ترك ما هنالك) ورُوي أول من فعل ذلك عمر، وقيل عثمان، وقيل ابن الزبير، وقيل معاوية رضي الله عنهم أجمعين.

(قلت) وبعيد أن يصح شيء من ذلك عن مثل هؤلاء لأنهم شاهدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وصلوا معه أعيادًا كثيرة، والصحيح المنقول عنه صلى الله عليه وسلم والمتواتر عند أهل المدينة تقديم الصلاة على الخطبة فكيف يعدل أحد منهم عما فعله النبي صلى الله عليه وسلم وداوم عليه إلى أن توفي، فإن صح عن واحد من هؤلاء أنه قدم ذلك فلعله إنما فعله لما رأى من انصراف الناس عن الخطبة تاركين لاستماعها مستعجلين، أو ليدرك الصلاة من تأخر وبَعُد منزله، ومع هذين التأويلين، فلا ينبغي أن تترك سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم لمثل ذلك، وأولئك الملأ أعلم وأجل من أن يصيروا إلى ذلك والله أعلم.

ص: 400

فَقَامَ إِلَيهِ رَجُلٌ فَقَال: الصَّلاةُ قَبْلَ الْخُطْبَةِ، فَقَال: قَدْ تُرِكَ مَا هُنَالِكَ، فَقَال أَبُو سَعِيدٍ: أَمَّا هَذَا فَقَدْ قَضَى مَا عَلَيهِ،

ــ

وأما مروان وبنو أمية فإنما قدموها لأنهم كانوا في خطبهم ينالون من علي كرم الله وجهه، ويُسمعون الناس ذلك فكان الناس إذا صلوا معهم انصرفوا عن سماع خطبهم لذلك، فلما رأى مروان ذلك، أو من شاء من بني أمية قدموا الخطبة ليُسمعوا الناس من ذلك ما يكرهون، والصواب تقديم الصلاة على الخطبة، وقد حكى فيه بعض علمائنا الإجماع (فقام إليه) أي إلى مروان (رجل) من الحاضرين ولم أرَ من ذكر اسمه (فقال) الرجل لمروان (الصلاة) أي صلاة العيد مفعولة (قبل الخطبة) أي قبل خطبة العيد في سنة أبي القاسم صلى الله عليه وسلم فلا تخطب قبل الصلاة أيها الأمير، فأبى مروان أن ينزجر بقول الرجل (فقال) مروان اعتذارًا عن بدئه بالخطبة (قد ترك) أيها الرجل (ما) يفعل (هنالك) أي في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وعهد الخلفاء الراشدين من استماع الخطبة إذا أُخرت عن الصلاة، أي قد ترك الناس استماع الخطبة إذا أخرناها عن الصلاة، لأنهم منصرفون مستعجلون فلذلك قدمتها ليستمعوها، قال الأبي: قد ترك ما هنالك يعني من تقديم الصلاة، ثم الأظهر أن غيره سبقه بالترك، أو يحتمل أن يعني نفسه (فقال أبو سعيد) الخدري لمن حوله من الجالسين (أما هذا) الرجل الناهي لمروان عن بدئه بالخطبة (فقد قضى) وأدى (ما) وجب (عليه) من النهي عن المنكر الذي هو ترك السنة وابتداع البدعة من تقديم الخطبة على الصلاة، وقال القاضي عياض:(قوله فقام إليه رجل) ثم قال بعد فقال أبو سعيد "أما هذا فقد قضى ما عليه" يدل على أن الرجل غير أبي سعيد، وسيأتي في باب صلاة العيد حديث (أن أبا سعيد هو الذي جبذ بيد مروان إذ رآه يصعد المنبر، وكانا جاءا معًا فرد عليه مروان بمثل ما قال لهذا الرجل) فيحتمل أنهما حديثان جرى أحدهما لأبي سعيد، والآخر لغيره بحضرته اهـ.

قال الأبي: ويبْعُد أنهما قضيتان بل هي واحدة بدأ فيها الرجل فلما لم يكف مروان ولم ينزجر قام أبو سعيد فقال ما ذكر، ولذا قال أبو سعيد: أما هذا فقد أدى ما عليه من الإنكار اهـ. قال النواوي: وكان الأحق بالبداية أبو سعيد، فلعله لم يحضر من أول ما شرع مروان في أسباب تقديم الخطبة فأنكر عليه الرجل، ثم دخل أبو سعيد وهما في الكلام، أو حضر وخاف ولم يخف الرجل لمنعة قومه، أو إنه خاف وخاطر وذلك جائز في مثل هذا بل هو مستحب، أو حضر أبو سعيد وبادر الرجل قبله اهـ.

ص: 401

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

قال الأبي: ويبعد الجواب بأن أبا سعيد خاف لأنه غيَّر في الآخر بالقول والفعل إلا أن يقال إنه تشجع بعد بداية الرجل اهـ.

قال القاضي عياض (قوله أما هذا فقد أدى ما عليه) إنكارهما بحضرة هذا الجمع وتسمية أبا سعيد ذلك مُنْكرًا يدل على أن السنة وعمل الخلفاء تقديم الصلاة على الخطبة، وأن ما روي من تقديم الخطبة عمن تقدم ذكره لا يصح، إذ لا ينبغي للآمر بالمعروف والناهي عن المنكر أن يحمل الناس على اجتهاده ومذهبه، وإنما يُغير ما أجمع على إنكاره وإحداثه، وعبارة القرطبي هنا قوله:(فقام إليه رجل فقال: الصلاة قبل الخطبة، فقال أبو سعيد: أما هذا فقد قضى ما عليه) مقتضى هذا السياق أن المنكر على مروان رجل غير أبي سعيد، وأن أبا سعيد مُصَوِّب الإنكار، مُسْتَدل على صحته، وفي الرواية الأخرى أن أبا سعيد هو المنكر على مروان والمستدل، ووجه الجمع بينهما أن يقال إن كل واحد من الرجل وأبي سعيد أنكر على مروان فرأى بعض الرواة إنكار الرجل فرواه، ورأى بعضهم إنكار أبي سعيد فرواه، وقيل هما واقعتان في وقتين وفيه بُعدٌ.

وفيه من الفقه أن سنن الدين والإسلام لا يجوز تغيير شيء منها ولا من ترتيبها وأن تغيير ذلك منكر يجب تغييره ولو على الملوك، إذا قدر على ذلك ولم يدع إلى منكر أكبر من ذلك وعلى الجملة فإذا تحقق المنكر وجب تغييره على من رآه وكان قادرًا على تغييره، وذلك كالمحدثات والبدع والخرافات والمجمع على أنه منكر، فأما إن لم يكن كذلك، وكان مما قد صار إليه الإمام وله وجه من الشرع فلا يجوز لمن رأى خلاف ذلك أن ينكر على الإمام، وهذا لا يختلف فيه، وإنما اختلف العلماء فيمن قلده السلطان الحسبة في ذلك هل يحمل الناس على رأيه ومذهبه أم لا على قولين اهـ.

(وأما أبو سعيد الخدري) المدني فاسمه سعد بن مالك بن سنان بنونين بن عبيد بن ثعلبة بن عبيد بن خدرة بضم المعجمة له ولأبيه صحبة، استصغر يوم أحد ثم شهد ما بعدها، وكان من علماء الصحابة له ألف ومائة حديث وسبعون حديثًا، يروي عنه (ع) وطارق بن شهاب وأبو نضرة ورجاء بن زمعة وعياض بن عبد الله وابن المسيب والشعبي ونافع وخلائق، مات بالمدينة سنة (65) ثلاث أو أربع أو خمس وستين، وقيل سنة (74) أربع وسبعين، وقد تقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في ثمانية أبواب

ص: 402

سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى أللهُ عَلَيهِ وَسَلَّم يَقُولُ: "مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا .. فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ .. فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ .. فَبِقَلْبِهِ، وَذَلِكَ أَضْعَفُ الإِيمَانِ"

ــ

تقريبًا، وهذان السندان من سداسياته الأول منهما رجاله كلهم كوفيون إلا أبا سعيد الخدري فإنه مدني، وأما السند الثاني فرجاله ثلاثة منهم بصريون واثنان كوفيان وواحد مدني.

ثم استدل أبو سعيد الخدري على إنكار ما فعله مروان بقوله فإني (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من رأى) وعرف (منكم) أيتها الأمة (منكرًا) أي أمرًا أنكره الشرع لمضادته قواعده إما برؤيته أو بسماعه (فليغيره) أي فليزل ذلك المنكر إن قدر على إزالته (بيده) إن كان يحتاج في إزالته إلى اليد ككسر أواني الخمر وإراقتها، وكسر آلات الملاهي، ومنع الظالم من الضرب أو القتل (فإن لم يستطع) ولم يقدر على إزالته بيده (فـ) ـليزله (بلسانه) أي بقوله بوعظ الظالم وتذكيره مثلًا (فإن لم يستطع) ويقدر على إزالته بلسانه (فـ) ـليزله (بقلبه) أي فليكرهه بقلبه، ويعزم أن لو قدر على إزالته لأزاله (وذلك) التغيير بالقلب (أضعف الإيمان) أي أدنى خصال الإيمان في إزالة المنكر، والإيمان بمعنى الإسلام كما في القرطبي.

(قوله فليغيره) قال القرطبي هذا الأمر للوجوب لأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من واجبات الإيمان ودعائم الإسلام بالكتاب والسنة وإجماع الأمة، ولا يعتد بخلاف الرافضة في ذلك، لأنهم إما مُكفَّرُون فليسوا من الأمة، وإما مبتدعون فلا يعتد بخلافهم، لظهور فسقهم على ما حققناه في الأصول ووجوب ذلك بالشرع لا بالعقل، خلافًا للمعتزلة القائلين بأنه واجب بالعقل، وقد بينا في الأصول أنه لا يجب شيء بالعقل، وإنما العقل كاشف عن ماهيات الأمور ومميز لها لا موجب شيئًا منها.

ثم إذا قلنا إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجب فذلك على الكفاية من قام به أجزأه عن غيره لقوله تعالى {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} [آل عمران: 104] ولوجوبه شرطان: أحدهما: العلم بكون ذلك الفعل منكرًا أو معروفًا، والثاني: القدرة على التغيير فإذا كان كذلك تعين التغيير باليد إن كان ذلك المنكر مما يحتاج في تغييره إليها مثل كسر أواني الخمر وآلات اللهو كالمزامير

ص: 403

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

والأوتار، والكِبَر بكسر الكاف وفتح الباء جمع كِبْر بكسر الكاف وسكون الباء كسِدْر وسِدَرِ وهو الطبل، ويجب إتلاف الطبل وكسره في غير الحرب، وكمنع الظالم من الضرب والقتل وغير ذلك، فإن لم يقدر بنفسه استعان بغيره، فإن خاف من ذلك ثوران فتنة وإشهار سلاح تعين رفع ذلك فإن لم يقدر بنفسه على ذلك غير بالقول المُرتجى نفعه من لين أو إغلاظ حسب ما يكون أنفع وقد يبلغ بالرفق والسياسة ما لا يبلغ بالسيف والرياسة، فإن خاف من القول القتل أو الأذى غيَّر بقلبه، ومعناه أن يكره ذلك المنكر بقلبه ويعزم على أن لو قدر على التغيير لغيره وهذا آخر خصلة من الخصال المتعينة على المؤمن في تغيير المنكر، وهي المعبر عنها في الحديث بأنها أضعف الإيمان أي أضعف خصال الإيمان في تغيير المنكر، ولم يبق بعدها للمؤمن مرتبة أخرى في تغيير المنكر، وقيل معناه أقل ثمراته، ولذلك قال في الرواية الأخرى "ليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل" كما رواها البخاري ومسلم والترمذي من حديث ابن عباس رضي الله عنهما أي لم يبق وراء هذه المرتبة مرتبة أخرى والإيمان في هذا الحديث بمعنى الإسلام على ما تقدم، وفيه دليل على أن من خاف على نفسه القتل أو الضرب يسقط عنه التغيير، وهو مذهب المحققين سلفًا وخلفًا، وذهبت طائفة من الغلاة إلى أنه لا يسقط وإن خاف ذلك اهـ من القرطبي.

وقال الأبي: (قوله وذلك أضعف الإيمان) يعني أضعف خصاله الراجعة إلى كيفية التغيير لا خصاله مطلقًا لأنه قد تقدم أن أضعفها إماطة الأذى، وقد يعني أضعفها مطلقًا، ويجمع بين الحديثين بأن يكون إماطة الأذى والتغيير بالقلب متساويين في أنه لا أضعف منهما، وكان التغيير بالقلب أضعفها لأنه ليس بعده مرتبة أخرى للتغيير كما مر اهـ.

وليست كراهته بقلبه بإزالةٍ وتغييرٍ للمنكر منه، ولكنه هو الذي في وسعه وطاقته، وقال السنوسي:(قوله فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه) الحديث إشارة إلى مراعاة الترتيب في كيفية التغيير وأنه يكون بالأخف فالأخف، يعني بالأيسر فما فوقه، والتغيير بالقلب أن يكره المعصية ويود أن لو قدر لأزالها، قال الأبي: وكان ابن عرفة يقول: إنه الدعاء بقطع المنكر، وإن دعا على المتعاطي جاز اهـ.

قال النووي: ثم إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرض كفاية إذا قام به بعض

ص: 404

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

الناس سقط الحرج عن الباقين وإذا تركه الجميع أثم كل من تمكن منه بلا عذر ولا خوف، ثم إنه قد يتعين كما إذا كان في موضع لا يعلم به إلا هو، أو لا يتمكن من إزالته إلا هو وكمن يرى زوجته أو ولده أو غلامه على منكر أو تقصير في المعروف، قال العلماء: ولا يسقط عن المكلف الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لكونه لا يفيد في ظنه، بل يجب عليه فعله {وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ} لأن الذي عليه هم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا القبول، كما قال تعالى {مَا عَلَى الرَّسُولِ إلا الْبَلَاغُ} وقالوا أيضًا: ولا يشترط في الآمر والناهي أن يكون كامل الحال ممتثلًا ما يأمر به مجتنبًا ما ينهى عنه، بل عليه الأمر وإن كان مُخلًا بما يأمر به، والنهي وإن كان ملتبسًا بما ينهى عنه، فإنه يجب عليه شيئان أن يأمر نفسه وينهاها ويأمر غيره وينهاه فإذا أخل بأحدهما فكيف يباح له الإخلال بالآخر، وقالوا أيضًا: ولا يختص الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بأصحاب الولايات بل ذلك جائز لآحاد المسلمين، قال إمام الحرمين: والدليل عليه إجماع المسلمين فإن غير الولاة في الصدر الأول، والعصر الذي يليه كانوا يأمرون الولاة بالمعروف وينهونهم عن المنكر مع تقرير المسلمين إياهم، وترك توبيخهم على التشاغل بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من غير ولاية.

ثم إنه إنما يأمر وينهى من كان عالمًا بما يأمر وينهى عنه، وذلك يختلف باختلاف الشيء، فإن كان من الواجبات الظاهرة والمحرمات المشهورة كالصلاة والصيام والزنا والخمر ونحوها فكل المسلمين علماء بها، وإن كان من دقائق الأفعال والأقوال ومما يتعلق بالاجتهاد لم يكن للعوام مدخل فيه ولا لهم إنكاره بل ذلك للعلماء.

ثم إن العلماء إنما ينكرون ما أُجمع عليه، أما المُختلف فيه فلا إنكار فيه لأنه على أحد القولين، كل مجتهد مصيب، وهذا هو المختار عند كثيرين من المحققين، أو أكثرهم، وعلى القول الآخر المصيب واحد والمُخطئ غير متعين لنا والإثم مرفوع عنه، لكن إن ندبه على جهة النصيحة إلى الخروج من الخلاف فهو حسن محبوب مندوب إلى فعله برفق فإن العلماء متفقون على الحث على الخروج من الخلاف إذا لم يلزم منه إخلال بسنة أو وقوع في خلاف آخر والله أعلم.

واعلم أن هذا الباب أعني الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قد ضُيع أكثره من

ص: 405

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

أزمان متطاولة، ولم يبق منه في هذه الأزمان إلا رسوم قليلة جدًّا، وهو باب عظيم به قوام الأمر وملاكه، وإذا كَثُر الخبث عم العقاب الصالح والطالح، وإذا لم يأخذوا على يد الظالم أوشك أن يعمهم الله تعالى بعقابه، {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور: 63]، فينبغي لطالب الآخرة والساعي في تحصيل رضا الله تعالى أن يعتني بهذا الباب، فإن نفعه عظيم لا سيما وقد ذهب معظمه، ويخلص نيته ولا يهابن من ينكر عليه لارتفاع مرتبته فإن الله تعالى قد قال:{وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ} وقال {وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} قال {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا} إلى غير ذلك، وهذا الذي ذكره النووي هو في زمانه الذي هو كالنهار المشرق بالنسبة إلى زماننا الذي هو كالليل المظلم، الذي صار فيه الحديد خبثًا، والخبث حديدًا، والذهب نحاسًا، والنحاس ذهبًا، والسنة بدعة، والبدعة سنة، والنظام شرعًا، والشرع منسيًّا، وما لنا إلا أن نقول إنا لله وإنا إليه راجعون، ومما يتساهل فيه الناس أن يُرى من يبيع سلعة معيبة ولا ينكر عليه، وقد نص العلماء على أنه يجب أن ينكر عليه، ويُعرَّف المشتري بذلك، ومن كلام الشافعي رحمه الله تعالى: من وعظ أخاه سرًّا نصحه وزانه، ومن نصحه علانية فضحه وشانه، واعلم أن الأجر على قدر النَّصَب، ولا يتاركه أيضًا لصداقته ومودته ومداهنته وطلب الوجاهة عنده ودوام المنزلة لديه، فإن صداقته ومودته توجب له حرمة وحقًا ومن حقه أن ينصحه ويهديه إلى مصالح آخرته، وينقذه من مضارها، وصديق الإنسان ومُحِبُّه هو من سعى في عمارة آخرته وإن أدى ذلك إلى نقص في دنياه، وعدوَّه من سعى في ذهاب أو نقص آخرته وإن حصل بسبب ذلك صورة نفع في دنياه وإنما كان إبليس عدوًا لنا لهذا، وكانت الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين أولياء للمؤمنين لسعيهم في مصالح آخرتهم وهدايتهم إليها، ونسأل الله الكريم أن يوفقنا وأحباءنا وجميع المسلمين لمرضاته، وأن يعمنا بجوده ورحمته آمين، وهذا الحديث أعني حديث أبي سعيد الخدري قد شارك المؤلف في روايته أحمد (3/ 10، 20، 49، 54، 92) وأبو داود (1140) والترمذي (2173) والنسائي (8/ 111) وابن ماجه (4013).

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه فقال:

ص: 406

86 -

(00) حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيبٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاءِ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاويةَ، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ رَجَاءٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، وَعَنْ قَيسِ بْنِ مُسْلِمٍ،

ــ

(86)

- متا (00)(حدثنا أبو كريب محمد بن العلاء) بن كريب الهمداني الكوفي مشهور بكنيته ثقة حافظ من العاشرة، مات سنة (248) ثمان وأربعين ومائتين، وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في عشرة أبواب تقريبًا، قال محمد بن العلاء (حدثنا أبو معاوية) محمد بن خازم التميمي السعدي مولاهم، مولى أسعد بن زيد مناة الضرير الكوفي، ثقة أحفظ الناس لحديث الأعمش، وقد يهم في حديث غيره، من كبار التاسعة، مات سنة (195) خمس وتسعين ومائة، وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في أربعة عشر بابًا تقريبًا.

قال أبو معاوية (حدثنا الأعمش) سليمان بن مهران الكاهلي مولاهم أبو محمد الكوفي، ثقة لكنه يدلس، من الخامسة، مات سنة (148) ثمان وأربعين ومائة، وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في ثلاثة عشر بابًا تقريبًا (عن إسماعيل بن رجاء) بن ربيعة الزبيدي بضم الزاي مولاهم أبي إسحاق الكوفي، روى عن عبد الله بن أبي الهذيل وأبيه رجاء وأوس بن ضمعج وعِدة، ويروي عنه (م عم) والأعمش وشعبة وفِطر بن خليفة وغيرهم، وثقه ابن معين، وقال في التقريب: ثقة تكلم فيه الأزدي بلا حجة، من الخامسة، روى عنه المؤلف في الإيمان والصلاة والفضائل في ثلاثة أبواب تقريبًا.

(عن أبيه) رجاء بن ربيعة الزُّبيدي بضم الزاي أبي إسماعيل الكوفي، روى عن أبي سعيد وعلي، ويروي عنه (م دق) وابنه إسماعيل مقرونًا في رواية الأعمش عن قيس بن مسلم عن طارق عن أبي سعيد الخدري ويحيى بن هاني المرادي، وثقه العجلي، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال في التقريب: صدوق من الثالثة، روى عنه المؤلف في كتاب الإيمان (عن أبي سعيد الخدري) سعد بن مالك المدني الصحابي الجليل رضي الله عنه، وهذا السند من سداسياته، ومن لطائفه أن رجاله كلهم كوفيون إلا أبا سعيد الخدري فإنه مدني، وغرضه بسوق هذا السند بيان متابعة رجاء بن ربيعة لطارق بن شهاب في رواية هذا الحديث عن أبي سعيد الخدري، وفائدة هذه المتابعة بيان كثرة طرقه، وإلا فرجاء بن ربيعة صدوق لا يصلح لتقوية طارق لأنه ثقة أو صحابي، وقوله (وعن قيس بن مسلم)

ص: 407

عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ فِي قِصَّةِ مَرْوَانَ، وَحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِمِثْلِ حَدِيثِ شُعْبَةَ وَسُفْيَانَ

ــ

معطوف على قوله عن إسماعيل بن رجاء، أي قال أبو معاوية: وحدثنا الأعمش أيضًا عن قيس بن مسلم الجدلي الكوفي ثقة من السادسة، فقارن الأعمش في روايته هذا الحديث بين إسماعيل بن رجاء وقيس بن مسلم، وفائدة هذه المقارنة تقوية إسماعيل بن رجاء لأنه مختلف فيه بقيس بن مسلم لأنه ثقة.

(عن طارق بن شهاب) الأحمسي الكوفي (عن أبي سعيد الخدري) المدني رضي الله عنه وقوله (في قصة) بداية (مروان) الخطبة قبل الصلاة (و) في (حديث أبي سعيد) أي وفي روايته الحديث المذكور (عن النبي صلى الله عليه وسلم متعلق بحدثنا الأعمش وكذا قوله (بمثل حديث شعبة وسفيان) متعلق بحدثنا الأعمش، والمعنى حدثنا الأعمش في قصة مروان وحديث أبي سعيد عن قيس بن مسلم بمثل ما روى شعبة وسفيان عن قيس بن مسلم في قصة مروان وحديث أبي سعيد، فغرض المؤلف بسوق السند الثاني أعني رواية الأعمش عن قيس بن مسلم بيان متابعة الأعمش لسفيان وشعبة في رواية هذا الحديث عن قيس بن مسلم، وغرضه في السند الأول أعني رواية الأعمش عن إسماعيل بن رجاء بيان متابعة رجاء بن ربيعة لطارق بن شهاب في رواية هذا الحديث عن أبي سعيد الخدري ففي كلامه متابعتان فائدتهما بيان كثرة طرقه، وفيه مقارنة أيضًا فائدتها التقوية كما مر آنفًا.

ولم يذكر المؤلف رحمه الله تعالى في هذا الباب إلا حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه وذكر فيه متابعة واحدة.

***

ص: 408