الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
16 - بَابُ بَيَان عَدَدِ شُعَبِ الإِيمَان، وَأَفْضَلِهَا، وَأَدْنَاهَا، وَأنَّ الحَيَاءَ شُعْبَةٌ مِنْهَا وبيان فضيلته
60 -
(34) حَدَّثَنَا عُبَيدُ اللهِ بْنُ سَعِيدٍ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، قَالا: حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ
ــ
16 -
بَابُ بَيَان عَدَدِ شُعَبِ الإِيمَان، وَأَفْضَلِهَا، وَأَدْنَاهَا، وَأنَّ الحَيَاءَ شُعْبَةٌ مِنْهَا وبيان فضيلته
أي هذا باب معقود في بيان عدد ما للإيمان من الشعب، وبيان أفضل تلك الشعب وأكثرها أجرًا وبيان أقلها أجرًا، وبيان كون الحياء خصلة من خصال الإيمان، وشعبة من تلك الشعب وبيان فضيلة الحياء وخيريته.
وترجمتنا هذه نفس ترجمة النواوي رحمه الله تعالى، وهكذا في أكثر نسخ المتن، وفي بعضها (باب شعب الإيمان) وترجم له السنوسي بقوله:(باب الحياء من الإيمان) وترجم له الأبي بقوله: (باب أحاديث الحياء) وترجم له القرطبي بقوله: (الإيمان شعب والحياء شعبة منها) وترجمة القاضي عياض موافقة لترجمة النواوي، ولعل النواوي تبع ترجمة القاضي لأنه أسبق منه قال المؤلف رحمه الله تعالى:
(60)
- س (34)(حدثنا عبيد الله بن سعيد) بن يحيى بن برد اليشكري مولاهم أبو قدامة السرخسي نزيل نيسابور، روى عن أبي عامر العقدي وروح بن عبادة وأبي أسامة ويحيى بن سعيد القطان وغيرهم، ويروي عنه (خ م س) وابن خزيمة والسراج، وقال في التقريب: ثقة مأمون سُنِّي من العاشرة، مات سنة (241) إحدى وأربعين ومائتين، روى عنه المؤلف في الإيمان والصلاة والحج والنكاح والجهاد وقصة الخضر والفضائل والدعاء، فجملة الأبواب التي روى المؤلف عنه فيها ثمانية أبواب تقريبًا.
ثم قارن به آخر فقال (و) حدثنا (عبد بن حميد) بن نصر الكَسِّيُّ بفتح الكاف وتشديد المهملة نسبة إلى كَسَّ مدينة فيما وراء النهر، أبو محمد الحافظ ثقة ثبت من الحادية عشرة، مات سنة (249) تسع وأربعين ومائتين، وقد تقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في اثني عشر بابًا تقريبًا، وفائدة هذه المقارنة بيان كثرة طرقه لأن الراويين ثقتان.
(قالا) أي قال عبيد الله وعبد بن حميد (حدثنا أبو عامر) عبد الملك بن عمرو بن
الْعَقَدِيُّ، حَدَّثَنَا سُلَيمَانُ بْنُ بِلالٍ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ دِينَارٍ،
ــ
قيس (العقدي) بفتح المهملة والقاف القيسي مولاهم الحافظ البصري، روى عن سليمان بن بلال وقرة بن خالد وشعبة وهشام الدستوائي وإبراهيم بن طهمان وغيرهم، ويروي عنه (ع) وعبيد الله بن سعيد وعبد بن حميد وحجاج بن الشاعر وإسحاق بن منصور وزهير بن حرب وإسحاق الحنظلي وعدة، قال النسائي: ثقة مأمون، وقال في التقريب: ثقة من التاسعة، مات سنة (204) أربع أو خمس ومائتين، روى عنه المؤلف في الإيمان والصلاة في موضعين والزكاة والصوم في موضعين والحج في موضعين والجهاد في موضعين والدعاء والدلائل وصفة النار، فجملة الأبواب التي روى المؤلف عنه فيها تسعة تقريبًا، قال أبو عامر (حدثنا سليمان بن بلال) القرشي التيمي مولاهم أبو أيوب، وقيل: أبو محمد المدني مولى القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق، أحد العلماء الأعلام، كان يفتي بالمدينة وكان بربريًّا جميلًا حسن الهيئة، روى عن عبد الله بن دينار وزيد بن أسلم وشريك بن عبد الله بن أبي نمر والعلاء بن عبد الرحمن وعمر بن يحيى وعُمارة بن غزية ويحيى بن سعيد وخلق، ويروي عنه (ع) وأبو عامر العقدي وعبد الله بن وهب وخالد بن مخلد والقعنبي ويحيى بن يحيى وموسى بن داود ويحيى بن حسان وعدة وثقه أحمد وابن معين، قال البخاري مات سنة (177) سبع وسبعين ومائة، وقال في التقريب: ثقة من الثامنة، روى عنه المؤلف في الإيمان والوضوء في موضعين، وفي الصلاة في خمسة مواضع والزكاة في ثلاثة مواضع والصوم في موضعين والحج في خمسة مواضع والنكاح والطلاق واللعان في موضعين والبيوع في ثلاثة مواضع والفتن في موضعين والأطعمة في موضعين واللباس، فجملة الأبواب التي روى المؤلف عنه فيها ثلاثة عشر بابًا تقريبًا.
(عن عبد الله بن دينار) العدوي مولى عبد الله بن عمر بن الخطاب أبي عبد الرحمن المدني، روى عن أبي صالح السَّمان وعبد الله بن عمر وسليمان بن يسار ونافع وأنس، ويروي عنه (ع) وسليمان بن بلال وسهيل بن أبي صالح ويزيد بن الهاد وإسماعيل بن جعفر ومالك بن أنس وموسى بن عقبة والثوري وابن عيينة وشعبة وعبيد الله بن عمر والضحاك بن عثمان وغيرهم وثقه أبو حاتم، وقال في التقريب: ثقة من الرابعة، مات سنة (127) سبع وعشرين ومائة، روى عنه المؤلف في الإيمان ودلائل النبوة والصلاة والحج والزكاة والطلاق، فجملة الأبواب التي روى عنه المؤلف فيها ستة تقريبًا.
عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَال: "الإِيمَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ شُعْبَةً،
ــ
(عن أبي صالح) ذكوان السمان مولى جويرية بنت الحارث القيسية المدني، ثقة ثبت من الثالثة مات سنة (101) إحدى ومائة، وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في ثمانية أبواب تقريبًا (عن أبي هريرة) عبد الرحمن بن صخر الدوسي المدني رضي الله عنه، وهذا السند من سداسياته، رجاله ثلاثة منهم مدنيون واثنان بصريان وواحد نيسابوري أو كَسِّيٌّ (عن النبي صلى الله عليه وسلم قال الإيمان) أي خصال الإيمان (بضع وسبعون شعبة) أي خصلة، قال القرطبي: الإيمان في هذا الحديث يُراد به الأعمال بدليل أنه ذكر فيه أعلى الأعمال وأكثرها أجرًا وهو قول لا إله إلا الله، وأدناها أي أقربها وأقلها أجرًا وهو إماطة الأذى أي إزالة ما يؤذي الناس كالشوك والحجر عن الطريق، وهما عملان فما بينهما من قبيل الأعمال، وقد تقدم أن أصل الإيمان في اللغة التصديق وفي عرف الشرع تصديق القلب واللسان، وظواهر الشرع تطلقه على الأعمال كما وقع ها هنا "أفضلها شهادة أن لا إله إلا الله وآخرها إماطة الأذى عن الطريق وقدمنا أن تمامَ الإيمان بالأعمال وكماله بالطاعات وإن التزامَ الطاعات وضمَّ هذه الشعب من جملة التصديق ودلائل عليه، وأنها خُلُقُ أهل التصديق فليست خارجة عن اسم الإيمان الشرعي ولا اللغوي، وقد نبه عليه السلام على أفضلها بالتوحيد المتعين على كل مسلم الذي لا يصح شيء من هذه الشعب إلا بعد صحته، وأدناها رفع ما يتوقع ضرره بالمسلمين من إماطة الأذى عن طريقهم وإن لم يقع الأذى بعد وبقي بين هذين الطرفين من أعداد أبواب الإيمان ما لو تكلف حصرها بطريق الاجتهاد لأمكن اهـ إكمال المعلم.
ومقصود هذا الحديث أن الأعمال الشرعية تسمى إيمانًا على ما ذكرناه آنفًا وأنها منحصرة في ذلك العدد غير أن الشرع لم يعين ذلك العدد لنا ولا فصله وقد تكلف بعض المتأخرين تعديد ذلك فتصفح خصال الشريعة وعددها حتى انتهى بها في زعمه إلى ذلك العدد، ولا يصح له ذلك لأنه يمكن الزيادة على ما ذكر، والنقصان مما ذكر ببيان التداخل والصحيح ما صار إليه أبو سليمان الخطابي وغيره أنها منحصرة في علم الله تعالى وعلم رسوله، وموجودة في الشريعة مفصلة فيها، غير أن الشرع لم يوقفنا على أشخاص تلك الأبواب، ولا عين لنا عددها ولا كيفية انقسامها، وذلك لا يضرنا في علمنا بتفاصيل ما كُلفنا به من شريعتنا، ولا في علمنا إذ كل ذلك مفصل مبين في جملة
وَالْحَيَاءُ: شُعْبَةٌ مِنَ الإِيمَانِ"
ــ
الشريعة فما أُمرنا بالعمل به عملناه، وما نُهينا عنه انتهينا، وإن لم نُحط بحصر أعداد ذلك والله تعالى أعلم.
وقال القاضي عياض: البضع والبضعة بكسر الباء فيهما وفتحها قليل، القطعة من الشيء والفرقة منه، وأما البضعة من اللحم فبالفتح لا غير، وهما في العدد مما بين الثلاثة إلى العشرة وقيل من الثلاثة إلى التسعة، وقيل هما ما بين اثنتين إلى عشرة، وما بين اثني عشر إلى عشرين ولا يقالان في أحد عشر ولا اثني عشر، وقال أبو عبيدة لا يبلغ بهما نصف العقد وإنما هما من واحد إلى أربعة، وقال الخليل: البضع والبضعة سبعة، والشعبة بضم أوله وسكون ثانيه في أصلها واحدة الشعب وهي أغصان الشجرة والشعبة معناها الخصلة، وأصلها الفرقة والقطعة من الشيء ومنه شعب الإناء وشعبها الأربع، وشعوب القبائل أي عظامها وواحد شعوب القبائل شعبة بالفتح وقيل بالكسر، وشعب الإناء بالفتح صدعه، وفي الحديث "إن قدح النبي صلى الله عليه وسلم انكسر فاتخذ مكان الشعب سلسلة من فضة" رواه البخاري، والمراد هنا أن الإيمان ذو خصال معدودة، وقد ذكر الترمذي هذا الحديث فقال:"بضع وستون أو بضع وسبعون" كما سيأتي في مسلم، ولا يُلتفت لهذا الشك فإن غيره من الثقات قد جزم بأنه بضع وسبعون، ورواية من جزم أولى اهـ مفهم، فمعنى الحديث الإيمان بضع وسبعون خصلة (والحياء) بالمد من الاستحياء (شعبة) أي خصلة (من) خصال (الإيمان) أي خصلة واحدة من خصال الإيمان المحصورة في العدد المذكور، فهو من الأعداد المحصورة بالنص، لأن الحياء يمنع من المعصية؛ كما يمنع الإيمان منها، وقد يعد الحياء من الإيمان بمعنى التخلق والتزام ما يوافق الشرع ويحمد منه، فرب حياء مانع من الخير مُجبن عن قول الحق، وفعله مذموم، ورب حياء يمنع من المأث والرذائل فهو محمود يجازى عليه كما جاء في الحديث الآخر "لكل دين خلق وخلق الإسلام الحياء" رواه مالك في الموطإ، وكان الحياء من خلق نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وقد يكون الحياء في بعض الناس غريزة وطبعًا جُبل عليه، ولكن استعماله على قانون الشريعة يجب، فيحتاج إلى اكتساب ونية وعلم، وقد يكتسبه من لم يجبل عليه ويتخلق به، ولهذا كله قال:"الحياء لا يأتي إلا بخير" اهـ عياض.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
قال القرطبي: والحياء انقباض وحشمة يجدها الإنسان من نفسه عند ما يُطَّلَعُ منه على ما يستقبح ويذم عليه، وأصله غريزي في الفطرة، ومنه مكتسب للإنسان كما قال بعض الحكماء في العقل:
رأيت العقل عقلين
…
فمطبوع ومصنوع
ولا ينفع مصنوع
…
إذا لم يك مطبوع
كما لا تنفع العين
…
وضوء الشمس ممنوع
هذه الأبيات أوردها الماوردي في أدب الدين والدنيا، وهذا المكتسب هو الذي جعله الشرع من الإيمان، وهو الذي يكلف به، وأما الغريزي فلا يكلف به، إذ ليس ذلك من كسبنا، ولا في وسعنا، ولم يكلف الله نفسًا إلا وسعها، غير أن هذا الغريزي يحمل على المكتسب ويعين عليه، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم "الحياء لا يأتي إلا بخير""والحياء خير كله" كما سيأتي في مسلم، وأول الحياء وأولاه الحياء من الله تعالى، وهو أن لا يراك حيث نهاك وذلك لا يكون إلا عن معرفة بالله تعالى كاملة ومراقبة له حاصلة وهي المعبر عنها بقوله "أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك" كما سبق في مسلم.
وقد روى الترمذي من حديث ابن مسعود أنه صلى الله عليه وسلم قال: "استحيوا من الله حق الحياء فقالوا: إنا نستحيي والحمد لله، فقال: ليس ذلك ولكن الاستحياء من الله حق الحياء أن تحفظ الرأس وما حوى والبطن وما وعى وتذكر الموت والبلى فمن فعل ذلك فقد استحيى من الله حق الحياء" رواه أحمد (1/ 387) والترمذي (2460).
قال الشيخ وأهل المعرفة في هذا الحياء منقسمون كما أنهم في أحوالهم متفاوتون كما تقدم وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم جُمع له كمال نوعي الحياء، فكان في الحياء الغريزي أشد حياء من العذراء في خدرها وفي حيائه الكسبي في ذروتها اهـ مفهم.
وهذا الحديث شارك المؤلف في روايته أحمد (2/ 414 و 445) والبخاري (9) وأبو داود (4676) والترمذي (2614) والنسائي (8/ 110) وابن ماجه (57)، ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث أبي هريرة فقال:
61 -
(00) حَدَّثَنَا زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ سُهَيلٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ دِينَارٍ،
ــ
(61)
- متا (00)(حدثنا زهير بن حرب) بن شداد الحرشي مولاهم أبو خيثمة النسائي نزيل بغداد روى عن عبد الحميد ويزيد بن هارون ووكيع وإسماعيل بن علية وعمر بن يونس الحنفي وسفيان بن عيينة ويحيى بن سعيد وخلق لا يحصون، ويروي عنه (خ م د ق) و (س) بواسطة، وأبو يعلى وله في (خ م) أكثر من ألف حديث، وقال في التقريب: ثقة ثبت من العاشرة، مات سنة (234) أربع وثلاثين ومائتين.
روى عنه المؤلف في الإيمان في موضعين والوضوء وفي الصلاة في موضعين وفي الجنائز والزكاة في موضعين والجهاد والحج في خمسة مواضع والطلاق واللعان واللباس وفي حق المماليك والضحايا والطب وصفة النبي صلى الله عليه وسلم والفضائل في ثلاثة مواضع والتوبة وفي الأمثال والفتن وتشميت العاطس، فجملة الأبواب التي روى المؤلف عنه فيها عشرون بابًا تقريبًا، قال زهير (حدثنا جرير) بن عبد الحميد بن قرط الضبي أبو عبد الله الكوفي ثم الرازي، روى عن سهيل وعمارة بن القعقاع والأعمش وغيرهم، ويروي عنه (ع) وزهير بن حرب وقتيبة وإسحاق وخلق، ثقة من السابعة، مات سنة (188) ثمان وثمانين ومائة، وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في ستة عشر بابًا تقريبًا (عن سهيل) بن أبي صالح السمان أبي يزيد المدني، ويقال فيه مولى جويرية بنت أحمد الغطفانية، روى عن عبد الله بن دينار وعطاء بن يزيد الليثي وأبيه والنعمان بن أبي عياش والقعقاع بن حكيم وسعيد بن يسار وخلق، ويروي عنه (ع) وجرير بن عبد الحميد ومالك بن أنس والسفيانان وروح بن القاسم ويعقوب بن عبد الرحمن ووهيب وخلق، وثقه ابن عيينة والعجلي، له في (خ) فرد حديث عن النعمان بن أبي عياش، وقال في التقريب: صدوق من السادسة مات في خلافة المنصور، وقال أحمد: ما أصلح حديثه، وقال أبو حاتم: يكتب حديثه ولا يحتج به، وقال النسائي: ليس به بأس، وقال ابن سعد: ثقة كثير الحديث، روى عنه المؤلف في الإيمان والصلاة في موضعين والزكاة في موضعين والحج في ثلاثة مواضع والنكاح في موضعين والدعاء والجهاد واللباس والحيوان والتثاؤب والدماء والصوم في ثلاثة مواضع والفضائل فجملة الأبواب التي روى المؤلف عنه فيها ثلاثة عشر تقريبًا (عن عبد الله بن دينار) العدوي مولاهم أبي عبد الرحمن المدني ثقة من الرابعة مات سنة (127) سبع
عَنْ أبِي صَالِحٍ، عَنْ أبِي هُرَيرَةَ قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "الإِيمَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ -أوْ بِضْعٌ وَسِتُّونَ- شُعْبَةً، فَأَفْضَلُهَا قَوْلُ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَدْنَاهَا إِمَاطَةُ الأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ، وَالْحَيَاءُ: شُعْبَةٌ مِنَ الإِيمَانِ"
ــ
وعشرين ومائة (عن أبي صالح) السمان المدني مولى جويرية بنت الحارث ثقة ثبت من الثالثة (عن أبي هريرة) الدوسي المدني رضي الله عنه وهذا السند من سداسياته، رجاله أربعة منهم مدنيون وواحد نسائي وواحد كوفي، وغرضه بسوق هذا السند بيان متابعة سهيل لسليمان بن بلال في رواية هذا الحديث عن عبد الله بن دينار وفائدة هذه المتابعة بيان كثرة طرقه لأن المتابَع الذي هو سليمان بن بلال ثقة وسهيل الذي هو المتابع له صدوق فلا يقويه، فلا تقوية فيها بل فيها بيان كثرة طرقه (قال) أبو هريرة (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الإيمان) أي خصاله (بضع وسبعون) أي ثلاث وسبعون خصلة مثلًا، قال سهيل (أو) قال لي عبد الله بن دينار الإيمان (بضع وستون شعبة) أي خصلة، والشك من سهيل فيما سمعه من عبد الله بن دينار (فأفضلها) أي فأفضل تلك الشعب المذكورة السبعين أو الستين أي أصلها وأساسها وأكثرها أجرًا (قول لا إله إلا الله وأدناها) أي أقربها من الدنو بمعنى القرب، وأسهلها فعلًا وأقلها أجرًا (إماطة الأذى) أي تنحية ما يؤذي الناس وإزالته وإبعاده (عن الطريق) المسلوك للناس والمراد بالأذى كل ما يتوقع إذايته للمارة من حجر أو مدر أو شوك أو غصن متدل في هواء الطريق أو غيره.
(والحياء) أي الاستحياء من الله تعالى أو من الناس غريزيًّا كان أو كسبيًّا كما مر (شعبة) أي خصلة واحدة (من) خصال (الإيمان) وأموره.
قوله (أو بضع وستون) قال النواوي: قال البيهقي هذا الشك الواقع في رواية سهيل إنما هو من سهيل وهو من رواية أبي داود، وقد روي عن سهيل بضع وسبعون من غير شك، وأما سليمان بن بلال فإنه رواه عن عبد الله بن دينار على القطع من غير شك وهي الرواية الصحيحة أخرجها في الصحيحين، غير أنها فيما عندنا في كتاب مسلم بضع وسبعون، وفيما عندنا من كتاب البخاري بضع وستون، وقد نُقلت كل واحدة عن كل واحد من الكتابين ولا إشكال في أن كل واحدة منهما رواية معروفة في طرق روايات هذا الحديث واختلفوا في الترجيح، قال والأشبه بالإتقان والاحتياط ترجيح رواية الأقل، قال: ومنهم من رجح رواية الأكثر، وإياها اختار الحكيمي فإن الحكم لمن حفظ الزيادة جازمًا بها.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
قوله (فأفضلها لا إله إلا الله) قال القاضي عياض تقدم أن الإيمان هو التصديق والنطق، وأنه قد يتجوز فيه فيطلق على الأعمال كما هنا، والأعمال أدلة التصديق فليست بخارجة من الإيمان وكان التوحيد أعلاها لأنه شرط في جميعها، وإماطة الأذى أدناها أي أقربها وإن لم تقع به إذاية وبين هذين من بقية العدد ما يقدر المجتهد على حصره بغلبة الظن، وقد فعله بعضهم، لكن الحكم بأن ما عينوه من تلك الخصال هو مراد الشرع يصعب؛ لأنه لو أبدل بعضها بغيره أمكن، نعم يجب الإيمان بالعدد المذكور، وأما بتعيين آحاده فلا، ولا يقدح جهل عينها في الإيمان، لأن الإيمان وفروعه معلومة، قال ابن حبان بكسر الحاء: أردت حصرها فعددت طاعات الإيمان التي أُطلق عليها اسمه في القرآن فنقصت، فعددت طاعاته التي أطلق عليها الإيمان في السنة فنقصت أيضًا فضمصت هذه لهذه فبلغت سبعًا وسبعين، فعلمت أنه مراد الشارع، قال الأبي: التعرض لحصرها بالعدد هو بناءٌ على أن المراد بالبضع والسبعين العدد حقيقة، وقيل: المراد به التكثير من باب: {إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً} الآية، وإن الشعب لا نهاية لها، قال: ويؤيد ذلك أن أحدها الحياء، وهو لا تنحصر آحاده بدليل أنه لما قال:"استحيوا من الله حق الحياء قالوا إنا لنستحيي يا رسول الله قال ليس ذلك بل الاستحياء من الله أن تحفظ الرأس وما وعى والبطن وما حوى، وتذكر الموت والبلى ومن أراد الآخرة ترك الدنيا وآثر الآخرة على الأولى فمن فعل ذلك فقد استحيا من الله حق الحياء" وقد يكون هذا وجه تخصيص الحياء بالذكر مع دخوله في الشعب، أي هذه خصلة واحدة لا تنحصر آحادها، وقيل في وجه تخصيص الحياء: إنه الباعث على سائرها لأن المستحيي يخاف فضيحة الدنيا والآخرة، ثم إن الشعب وإن كثرت فهي ترجع إلى تكميل النفس بالطاعة العلمية والعملية، فالعلمية العلم بوجود الله تعالى، وما يجب له وما يستحيل عليه، وما يجوز في حقه، والعملية الوقوف عند أمره ونهيه اهـ منه.
وإنما كرر المؤلف الحديث في هذه الرواية لما فيها من الزيادة على الرواية الأولى، ولما فيها من ذكر الشك.
ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث أبي هريرة بحديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهم فقال:
62 -
(35) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَعَمْرٌو النَّاقِدُ وَزُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ، قَالُوا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَينَةَ
ــ
(62)
- ش (00)(35)(حدثنا أبو بكر) عبد الله بن محمد (بن أبي شيبة) إبراهيم بن عثمان العبسي مولاهم الكوفي، ثقة حافظ من العاشرة مات سنة (235) خمس وثلاثين ومائتين، وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في ستة عشر بابا تقريبًا.
(و) حدثنا أيضًا (عمرو) بن محمد بن بكير بن شابور (الناقد) أبو عثمان البغدادي، ثقة حافظ من العاشرة، مات سنة (232) اثنتين وثلاثين ومائتين، وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في عشرة أبواب تقريبًا (و) حدثنا أيضًا (زهير بن حرب) الحرشي مولاهم أبو خيثمة النسائي ثقة ثبت من العاشرة، مات سنة (234) أربع وثلاثين ومائتين، وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في عشرين بابًا تقريبًا وفائدة هذه المقارنة بيان كثرة طرقه لأن كلًّا من الرواة الثلاثة من الثقات الأثبات (قالوا) أي قال كل من الثلاثة (حدثنا سفيان بن عيينة) بن ميمون أبي عمران أبو محمد الهلالي مولاهم الأعور الكوفي أحد الأئمة الأعلام، روى عن الزهري وعمرو بن دينار وسهيل بن أبي صالح وزياد بن علاقة، وأبي الزناد وهشام بن عروة وعاصم الأحول وخلق، ويروي عنه (ع) وابن أبي شيبة وعمرو الناقد وزهير بن حرب وابن نمير ومحمد بن عباد المكي وإسحاق الحنظلي وابن أبي عمر وقتيبة ويحيى بن يحيى وخلق، وقال العجلي هو أثبتهم في الزهري، كان حديثه نحو سبعة آلاف، وقال ابن وهب ما رأيت أعلم بكتاب الله من ابن عيينة، وقال الشافعي: لولا مالك وابن عيينة لذهب علم الحجاز، وقال في التقريب: ثقة حافظ فقيه إمام حجة إلا أنه تغير حفظه في آخره، وكان ربما دلس لكن عن الثقات، من رؤوس الطبقة الثامنة، وقال ابن عيينة: سمعت من عمرو بن دينار ما لبث نوح في قومه، مات في رجب سنة (198) ثمان وتسعين ومائة وله إحدى وتسعون سنة (91).
روى عنه المؤلف في الإيمان وفي الصلاة في سبعة مواضع وفي الجنائز وفي الزكاة في ثلاثة مواضع والصوم في ستة مواضع، وفي الحج في ثلاثة عشر موضعًا والنكاح في أربعة مواضع والبيوع في موضعين وفي الحيوان والأيمان والضحايا في موضعين والعتق والجهاد في أربعة مواضع والأطعمة في أربعة مواضع والأدب والرؤيا في ثلاثة مواضع والاستئذان والطب والشعر والفضائل وكفارة المرضى وفي المعروف
عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ: أَنَّهُ سَمِعَ (1) النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم رَجُلًا يَعِظُ أَخَاهُ فِي الْحَيَاءِ، فَقَال:"الْحَيَاءُ مِنَ الإِيمَانِ"
ــ
والدعاء والفتن والزهد، فجملة الأبواب التي روى المؤلف عنه فيها خمسة وعشرون بابًا تقريبًا (عن) محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب بن عبد الله بن الحارث بن زهرة بن كلاب القرشي (الزهري) أبي بكر المدني أحد الأئمة الأعلام ثقة ثبت حافظ متقن متفق على جلالته وإتقانه من رؤوس الطبقة الرابعة، مات سنة (125) خمس وعشرين ومائة، وقد تقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في ثلاث وعشرين بابًا تقريبًا.
(عن سالم) بن عبد الله بن عمر بن الخطاب القرشي العدوي المدني الفقيه، أحد الفقهاء السبعة على قولٍ، أبي عمر أو أبي عبد الله، روى عن أبيه عبد الله بن عمر وعبد الله بن محمد بن أبي بكر الصديق ورافع بن خديج، ويروي عنه (ع) والزهري وحنظلة بن أبي سفيان وعمر بن محمد بن زيد وموسى بن عقبة وعمر بن حمزة وعمرو بن دينار وعبيد الله بن عمر وغيرهم، وقال في التقريب: كان ثقة ثبتًا عابدًا فاضلًا كان يُشبه بأبيه في الهَدي والسَّمْتِ من كبار الثالثة مات سنة (106) ست ومائة على الأصح، روى عنه المؤلف في الإيمان والصلاة والصوم والحج والبيوع والعلم والزهد، فجملة الأبواب التي روى المؤلف عنه فيها سبعة أبواب (عن أبيه) عبد الله بن عمر بن الخطاب القرشي العدوي أبي عبد الرحمن المكي أحد المكثرين من الصحابة والعبادلة مات سنة أربع وسبعين (74) وهذا السند من خماسياته رجاله اثنان منهم كوفيان واثنان مدنيان وواحد مكي (أنه) أي أن الشأن والحال هكذا في نسخة الأبي والسنوسي بزيادة أنه (سمع النبي صلى الله عليه وسلم فعل وفاعل (رجلًا يعظ) ويمنع (أخاه في الحياء) أي عن كثرة الحياء ويؤنبه، ويقبح له فعله ويزجره عن كثرته وأنه من العجز، وينهاه عنه (فـ) ـنهى النبي صلى الله عليه وسلم الرجل الذي ينهى أخاه عن الحياء أن يمنع أخاه من الحياء و (قال) النبي صلى الله عليه وسلم للناهي دعه، أي اترك أخاك على حيائه فإن (الحياء) شعبة (من) شعب (الإيمان) وخصلة من خصاله قال القرطبي: زجر النبي صلى الله عليه وسلم الواعظ لعلمه أن الرجل لا يضره كثرة الحياء وإلا فكثرته مذمومة، والمعنى دعه على فعل الحياء، وكف عن نهيه عنه، ووقعت لفظة (دعه) في رواية البخاري، ولم تقع في مسلم.
(1) في نسخة: (عن أبيه سمع).
63 -
(00) حَدَّثَنَا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ بِهَذَا الإِسْنَادِ، وَقَال:
ــ
وعبارة المفهم هنا قوله صلى الله عليه وسلم (دعه) زجر للواعظ لأنه صلى الله عليه وسلم علم أن ذلك الشخص لا يضره الحياء في دينه، بل ينفعه ولذلك قال له:"دعه فإن الحياء لا يأتي إلا بخير" وقد يُفرط الحياء على الإنسان حتى يمنعه ذلك الحياء من القيام بحق الله تعالى من الأمر بالمعروف وتغيير المنكر، ويحمله على المداهنة في الحق وكل ذلك حياء مذموم شرعًا وطبعًا يحرم استعماله ويجب الانكفات عنه فإن ذلك الحياء أحق باسم الجبن والخور، وأولى باسم الخفر.
وحديث ابن عمر هذا شارك المؤلف في روايته أحمد (2/ 56 و 147) والبخاري (24) وأبو دا ود (4795) والترمذي (2618) وا لنسائي (8/ 121) وابن ماجه (58)، ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال:
(63)
- متا (00)(حدثنا عبد بن حميد) بن نصر الكَسِّي أبو محمد الحافظ ثقة حافظ من الحادية عشرة مات سنة (249) تسع وأربعين ومائتين، وقد تقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في اثني عشر بابًا تقريبًا قال عبد (حدثنا عبد الرزاق) بن همام بن نافع الحميري مولاهم أبو بكر الصنعاني، ثقة حافظ مصنف شهير عَمي في آخر عمره فتغير، من التاسعة مات سنة (211) إحدى عشرة ومائتين، وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في سبعة أبواب تقريبًا قال عبد الرزاق (أخبرنا معمر) بن راشد الأزدي مولاهم أبو عروة البصري ثقة ثبت فاضل من كبار السابعة، مات سنة (154) أربع وخمسين ومائة، وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في تسعة أبواب تقريبًا.
(عن) محمد بن مسلم (الزهري) المدني وقوله (بهذا الإسناد) متعلق بأخبرنا معمر واسم الإشارة راجع إلى ما بعد الزهري، أي أخبرنا معمر عن الزهري عن سالم عن النبي صلى الله عليه وسلم إلخ، وغرضه بسوق هذا السند بيان متابعة معمر لسفيان بن عيينة في رواية هذا الحديث عن الزهري وهذا السند من سداسياته، ورجاله مختلفون اثنان منهم مدنيان وواحد كَسِّيٌّ وواحد صنعاني وواحد بصري وواحد مكي وقوله (وقال) معمر معطوف على أخبرنا معمر أي أخبرنا معمر عن الزهري وقال معمر في روايته عن
مَرَّ بِرَجُلٍ مِنَ الأَنْصَارِ يَعِظُ أَخَاهُ
ــ
سالم عن أبيه أنه قال (مر) النبي صلى الله عليه وسلم (برجل من الأنصار) لم أرَ من ذكر اسمه، وقوله (يعظ أخاه) أي يمنع ذاك الرجل أخاه عن كثرة الحياء صفة ثانية لرجل وغرضه بذكر هذه الجملة بيان محل المخالفة بين سفيان ومعمر لأن سفيان قال سمع النبي صلى الله عليه وسلم وقال معمر: مر النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا من شدة حفظ مسلم وإتقانه وكثرة تورعه رحمه الله تعالى والله أعلم.
***