الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
40 - بَابُ كَوْنِ الطَّاعَةِ لِأَمْرِ اللهِ وَالْخُضُوع لَهُ مِنَ الإِيمَانِ الَّذِي يُوجِبُ الْجَنَّةَ، وَكَوْنِ الْعِصْيَانِ لِأَمْرِهِ وَالتَّكَبُّرِ عَنِ السُّجُودِ لَهُ مِنَ الْكُفْرِ الَّذِي يُوجِبُ النَّارَ
148 -
(76) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَأَبُو كُرَيبٍ، قَالا: حَدَّثَنَا أبُو مُعَاويةَ عَنِ الأعْمَشِ، عن أَبِي صَالِحٍ، عن أَبِي هُرَيرَةَ قَال: قَال رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "إِذَا قَرَأَ ابْنُ آدَمَ
ــ
40 -
بَابُ كَوْنِ الطَّاعَةِ لِأَمْرِ اللهِ وَالْخُضُوع لَهُ مِنَ الإِيمَانِ الَّذِي يُوجِبُ الْجَنَّةَ، وَكَوْنِ الْعِصْيَانِ لِأَمْرِهِ وَالتَّكَبُّرِ عَنِ السُّجُودِ لَهُ مِنَ الْكُفْرِ الَّذِي يُوجِبُ النَّارَ
أي هذا باب معقود في الاستدلال على كون الطاعة والامتثال لأمر الله سبحانه والتذلل له من شعب الإيمان الذي يوجب الجنة وكون العصيان والمخالفة لأمره والتكبر عن السجود له من أنواع الكفر الذي يوجب النار.
ولم يترجم للحديث الآتي النواوي ولا القاضي ولا أكثر المتون التي بأيدينا بل أدخلوه في ترجمة الحديث الآتي وترجم له الأبي بقوله (باب قوله صلى الله عليه وسلم إذا قرأ ابن آدم السجدة) وترجم له السنوسي بقوله (باب من يسجد لله فله الجنة).
(قلت) وترجمتي أعم وأنسب لترجمة كتاب الإيمان.
وبالسندين المتصلين في أول الكتاب قال المؤلف رحمه الله تعالى:
(148)
- س (76)(حدثنا أبو بكر) عبد الله بن محمد (بن أبي شيبة) إبراهيم بن عثمان العبسي مولاهم الكوفي ثقة من العاشرة مات سنة (235)(و) حدثنا أيضًا (أبو كريب) الكوفي محمد بن العلاء الهمداني ثقة حافظ من العاشرة مات سنة (248) وفائدة هذه المقارنة بيان كثرة طرقه (قال) أي قال كل من أبي بكر وأبي كريب (حدثنا أبو معاوية) محمد بن خازم الضرير التميمي مولاهم الكوفي ثقة من كبار التاسعة مات سنة (195)(عن الأعمش) سليمان بن مهران الكاهلي مولاهم أبي محمد الكوفي ثقة ثبت من الخامسة مات سنة (148)(عن أبي صالح) ذكوان السمان المدني مولى جويرية بنت الحارث القيسية ثقة ثبت من الثالثة مات سنة (101)(عن أبي هريرة) عبد الرحمن بن صخر الدوسي المدني رضي الله عنه، وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم كوفيون واثنان مدنيان (قال) أبو هريرة (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قرأ ابن آدم)
السَّجْدَةَ فَسَجَدَ .. اعْتَزَلَ الشَّيطَانُ يَبْكِي، يَقُولُ: يَا وَيلَهُ -وَفِي رِوَايَةِ أَبِي كُريبٍ يَا وَيلِي- أُمِرَ ابْنُ آدَمَ بِالسُّجُودِ فَسَجَدَ
ــ
المسلم آية (السجدة فسجد) لتلاوتها امتثالًا لأمره تعالى وخضوعًا وطاعة له تعالى (اعتزل) أي ابتعد (الشيطان) أي تباعد إبليس عنه كما يتباعد عنه عند الأذان وله ضراط حالة كون الشيطان (يبكي) ويحزن حسدًا لطاعته وإيمانه وامتثاله أمر ربه وقوله (يقول) حال من فاعل يبكي فيكون حالًا متداخلة أي حالة كونه يقول في بكائه أو من الشيطان فيكون حالًا مترادفة أي حالة كون الشيطان يقول (يا ويله) أي ياويلي ويا هلاكي أحضر إلي لأتعجب منك فهذا أوانك والأصل هنا ضمير المتكلم وأتى بدله بضمير الغائب صونًا لنفسه عن إضافة السوء إليها لأنه مما يستهجن عند البلغاء ونداء غير العاقل يكون للتعجب منه ونصبه على أنه منادى مضاف وضمير الغيبة بدل من ياء المتكلم في محل الجر مضاف إليه وعبارة النواوي هنا وقوله (يا ويله) هو من آداب الكلام وهو أنه إذا عرض في الحكاية عن الغير ما فيه سوء واقتضت الحكاية رجوع الضمير إلى المتكلم صرف الحاكي الضمير عن نفسه تصاونًا عن صورة إضافة السوء إلى نفسه اهـ، وفي رواية (يا ويلتاه) والألف فيها للندبة والهاء للسكت وهذا في رواية أبي بكر بن أبي شيبة (و) أما (في رواية أبي كريب) فهو (يا ويلي) بكسر اللام على الأصل في كسر ما قبل ياء المتكلم للمناسبة مثل يا أبي ويا أمي وبفتحها بقلب ياء المتكلم ألفًا للتخفيف بعد قلب الكسرة فتحة ليسهل القلب وهذه الألف ضمير المتكلم في محل الجر مضاف إليه مبني على السكون وبهذا الألف ألغز بعضهم فقال ما ألف وقعت للمتكلم وهي في محل جر وأنشأ:
أيا عالمًا لاحت شوارق نوره
…
على الجو حتى ضاء كل جنابه
فما ألف جاءت ضمير تَكَلم
…
ومجرورة فاسمح برد جوابه
فأجاب بعضهم بقوله:
أيا سيدًا حاز المكارم جملة
…
ولا زالت الألغاز تسمو ببابه
أيا حسرتا بالباب جاءت مجيبة
…
تنادي أنا مبد لكشف نقابه
انتهى من رسالتنا هدية أولي الإنصاف في إعراب المنادى المضاف. (أمر ابن آدم) أي أمره ربه (بالسجود) للتلاوة أمر ندب عند قراءة آية السجدة (فـ) أجاب ربه و (سجد)
فَلَهُ الْجَنَّةُ، وَأُمِرْتُ بِالسُّجُودِ فَأَبَيتُ فَلِيَ النَّارُ"
ــ
السجود الذي هو من شعب الإيمان (فله الجنة) التي هي دار الكرامة جزاء له على طاعته وسجوده (وأمرت) أنا، أي أمرني ربي (بالسجود) أي سجود انحناء تحية لآدم أو بالسجود الشرعي لله تعالى وآدم قبلة كالكعبة (فأبيت) السجود أي امتنعت من إجابة أمر ربي بالسجود وعاندته وكفرت به واستكبرت عن السجود لآدم (فلي النار) دار الذل والهوان جزاء على إبائي وكفري وامتناعي من السجود الذي هو من شعب الإيمان.
وهذا الحديث شارك المؤلف في روايته أحمد (2/ 440 و 443) وابن ماجه (1052) قال الأبي: والأظهر في الشيطان أنه إبليس لقوله فعصيت ولم يبك ندمًا بل حسدًا أن دخل الجنة بالسبب الذي عصى هو به ولا يمتنع أن يكون بكاؤه حقيقة لأنه جسم ولا يتفق له هذا البكاء دائمًا لأن إذا ليست من ألفاظ العموم والويل الهلاك وهي كلمة تقال لمن وقع في هلكة يستحقها اهـ.
قال القرطبي: ومعنى السجود لغة الخضوع والخشوع قال زيد الخيل رضي الله عنه.
بجمع تصل البلق في حجراته
…
ترى الأَكَم فيها سجدًا للحوافر
والبلق جمع أبلق والفرس الأبلق ما كان فيه سواد وبياض وقوله (سجدًا) أي خاضعة ويطلق السجود أيضًا على الميل يقال سجدت النخلة أي مالت وسجدت الناقة إذا طأطأت رأسها قال يعقوب أسجد الرجل إذا طأطأ رأسه وسجد إذا وضع جبهته على الأرض وقال ابن دريد أصل السجود إدامة النظر مع إطراق إلى الأرض والحاصل أن أصل السجود الخضوع وسميت هذه الأحوال سجودًا لأنها تلازم الخضوع غالبًا ثم قد صار في الشرع عبارة عن وضع الجبهة على الأرض على وجه مخصوص والسجود المذكور في هذا الحديث هو سجود التلاوة لقوله (إذا قرأ ابن آدم السجدة فسجد) وقد اختلف في حكمه فذهب الجمهور إلى أنه مندوب وفضيلة وصار أبو حنيفة إلى أنه واجب مستدلًا بهذا الحديث، ووجهه أن إبليس عصى بترك ما أمر به من السجود فذم ولعن وابن آدم أطاع بفعله فمدح وأثيب بالجنة فلو تركه لعصى إذ السجود نوع واحد فلزم من ذلك كون السجود واجبًا.
(والجواب) أن ذم إبليس ولعنه لم يكن لأجل ترك السجود فقط بل لترك السجود
149 -
(00) حَدَّثَنِي زُهيرُ بْنُ حَرْبٍ،
ــ
عتوًا على الله وكبرًا وتسفيهًا لأمره تعالى وبذلك كفر لا بترك العمل بمطلق السجود ألا ترى قوله تعالى مخبرًا عنه بذلك حين قال {أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ} [البقرة: 34] وقال {لَمْ أَكُنْ لِأَسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإ مَسْنُونٍ} [الحجر: 33] وقال {أَنَا خَيرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ} [الأعراف: 12]، سلمنا أنه ذم على ترك السجود لكن لا نسلم أن السجود نوع واحد، فقد قال بعض المفسرين: إن السجود الذي أمر الله به الملائكة إنما كان طأطأة الرأس لآدم تحية له وتعظيمًا وتشريفًا، وسجود التلاوة وضع الجبهة على الأرض على كيفية مخصوصة فافترقا، سلمنا أنه نوع واحد لكن منقسم بالإضافة ومتغاير بها، فيصح أن يؤمر بأحدها ويُنهى عن الآخر، كما يؤمر بالسجود لله تعالى، وينهى عن السجود للصنم، فما أمر به الملائكة من السجود لآدم محرم على ذريته كما قد حرم ذلك علينا وكيف يستدل بوجوب أحدهما على وجوب الآخر.
فسجود الملائكة لآدم كان عبادة لله وطاعة لأمره، كما أمرنا نحن بالسجود للكعبة أي لجهتها تعظيمًا من الله تعالى لشأنها، وسيأتي الكلام في سجود القرآن في بابه إن شاء الله تعالى.
وبكاء إبليس المذكور في الحديث ليس ندمًا على معصيته، ولا رجوعًا عنها، وإنما ذلك لفرط حسده وغيظه وألمه مما أصابه من دخول أحد من ذرية آدم الجنة ونجاته، وذلك نحو ما يعتريه عند الأذان والإقامة ويوم عرفة، على ما يأتي إن شاء الله تعالى.
وعبارة النواوي هنا وقد احتج أصحاب أبي حنيفة رحمه الله تعالى وإياهم بقوله (أمر ابن آدم بالسجود على أن سجود التلاوة واجب ومذهب مالك والشافعي والكثيرين أنه سنة وأجابوا عن هذه بأجوبة، أحدها أن تسمية هذا أمرًا إنما هو من كلام إبليس فلا حجة فيها فإن قالوا حكاها النبي صلى الله عليه وسلم ولم ينكرها قلنا قد حكى غيرها من أقوال الكفار ولم يبطلها حال الحكاية وهي باطلة، والوجه الثاني أن المراد به أمر ندب لا إيجاب، والثالث المراد به المشاركة في السجود لا في الوجوب والله تعالى أعلم.
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه فقال:
(149)
- متا (00)(حدثني زهير بن حرب) بن شداد الحرشي مولاهم أبو خيثمة النسائي ثقة ثبت من العاشرة مات سنة (234) أربع وثلاثين ومائتين وتقدم البسط في
حدَّثَنَا وَكِيعٌ، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ بِهذَا الإِسْنَادِ مِثْلَهُ، غَيرَ أَنَّهُ قَال:"فَعَصَيتُ فَلِي النَّارُ"
ــ
ترجمته قال زهير (حدثنا وكيع) بن الجراح بن مليح بفتح الميم الرؤاسي أبو سفيان الكوفي ثقة حافظ عابد من كبار التاسعة مات في آخر سنة (196) ست وتسعين ومائة وتقدم البسط في ترجمته قال وكيع (حدثنا الأعمش) سليمان بن مهران الكاهلي مولاهم أبو محمد الكوفي ثقة ثبت حافظ قارئ ورع مدلس من الخامسة مات سنة (148) ثمان وأربعين ومائة، والجار والمجرور في قوله (بهذا الإسناد) متعلق بحدثنا وكيع وكذا قوله (مثله) مفعول ثان لحدثنا وكيع والضمير فيه عائد إلى أبي معاوية وغرضه بسوق هذا السند بيان متابعة وكيع لأبي معاوية في رواية هذا الحديث عن الأعمش، والمعنى حدثنا وكيع عن الأعمش بهذا الإسناد أي عن أبي صالح عن أبي هريرة مثل ما روى أبو معاوية عن الأعمش ثم استثنى من المماثلة قوله (غير أنه) أي غير أن وكيعًا (قال) في روايته (فعصيت) أي خالفت أمر ربي (فلي النار) جزاء على عصياني ومخالفتي بدل رواية أبي معاوية (فأبيت فلي النار) وهذا السند أيضًا من خماسياته رجاله اثنان منهم كوفيان واثنان مدنيان وواحد نسائي.
ولم يذكر المؤلف في هذا الباب إلا حديث أبي هريرة وذكر فيه متابعة واحدة والله أعلم.
***