الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
15 - بَابُ بَيَانِ صِفَةِ مَنْ ذَاقَ طَعْمَ الإِيمَان وَحَلاوَتَهُ
59 -
(33) حَدَّثَنَا مُحَمَدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ أَبِي عُمَرَ الْمَكّي
ــ
15 -
بَابُ بَيَانِ صِفَةِ مَنْ ذَاقَ طَعْمَ الإِيمَان وَحَلاوَتَهُ
أي باب معقود في بيان صفة من ذاق ووجد لذة الإيمان وحلاوته وحلاوة الإيمان ولذته عبارة عما يجده المؤمن الموقن المطمئن قلبه به في إيمانه من انشراح صدره وتنويره بمعرفة ربه ومعرفة رسوله ومعرفة نعمة الله عليه حيث أنعم عليه بالإسلام ونظمه في سلك أمة خير الأنام محمد صلى الله عليه وسلم وحبب إليه الإيمان والمؤمنين وبغض إليه الكفر والكافرين وأنجاه من قبيح أفعالهم وركاكة أحوالهم وعند مطالعة هذه المنن والوقوف على تفاصيل تلك النعم تطير القلوب فرحًا وسرورًا وتمتلئ إشراقًا ونورًا فيالها من حلاوة ما ألذها وحالة ما أشرفها، فنسأل الله سبحانه وتعالى أن يمن علينا بدوامها وكمالها كما من علينا بابتدائها وحصولها، فإن المؤمن عند تذكر تلك النعم والمنن لا يخلو عن إدراك تلك الحلاوة، غير أن المؤمنين في تمكنها ودوامها متفاوتون وما منهم إلا وله منها شرب معلوم وذلك بحسب ما قسم لهم من هذه المجاهدة الرياضية والمنح الربانية، وترجم لهذا الحديث الآتي النواوي وكذا القاضي عياض، وأكثر المتون التي بأيدينا بقولهم:
(باب الدليل على أن من رضي بالله ربًا وبالإسلام دينا وبمحمد صلى الله عليه وسلم رسولا فهو مؤمن وإن ارتكب المعاصي الكبائر).
وفي هذه الترجمة زيادة أجنبية عن الحديث، ولذلك عدلت عنها إلى الترجمة التي ذكرناها، وترجم لها القرطبي بقوله:(باب من يذوق طعم الإيمان وحلاوته).
وترجم له الأبي بقوله: (باب قوله صلى الله عليه وسلم ذاق طعم الإيمان من رضي بالله ربًا).
وكذا ترجم له السنوسي رحمهم الله تعالى جميعا، وهاتان الأخيرتان أوفق للحديث بلا زيادة على منطوقه والله أعلم.
قال المؤلف رحمه الله تعالى:
(59)
- س (33)(حدثنا محمد بن يحيى بن أبي عمر) العدني الأصل أبو عبد الله (المكي) أي نزيل مكة، روى عن عبد العزيز الدراوردي وعبد الوهاب الثقفي وسفيان بن
وَبِشْرُ بْنُ الْحَكَمِ، قَالا: حَدَّثَنَا عَبْدُ العَزِيزِ -وَهُوَ ابْنُ مُحَمدٍ الدَّرَاوَرْدِي- عَنْ يَزِيدَ ابْنِ الْهَادِ،
ــ
عيينة وفضيل بن عياض وخلق، ويروي عنه (م ت س ق) وهلال بن العلاء ومفضل بن محمد الجندي وأبو زرعة الرازي وأبو حاتم وأبو زرعة الدمشقي وطائفة، وثقه ابن حبان، وقال في التقريب: صدوق، صنف المسند لكن كانت فيه غفلة، من العاشرة مات سنة (243) ثلاث وأربعين ومائتين، وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في أحد عشر بابًا تقريبًا، ثم قارن به غيره فقال (و) حدثنا أيضًا (بشر بن الحكم) بن حبيب بن مهران العبدي أبو عبد الرحمن النيسابوري الزاهد الفقيه، روى عن الدراوردي ومالك وهشيم وابن عيينة وجماعة، ويروي عنه (خ م س) والحسن بن سفيان وخلق، وقال في التقريب: ثقة زاهد فقيه، من العاشرة، مات في رجب سنة (238) سبع أو ثمان وثلاثين ومائتين، روى عنه المؤلف في بابين فقط باب الإيمان وباب الوضوء، وهو روى فيهما عن الدراوردي، وفائدة هذه المقارنة تقوية السند لأن محمد بن أبي عمر صدوق فيه غفلة.
(قالا) أي قال محمد بن يحيى وبشر بن الحكم (حدثنا عبد العزيز) وأتى بهو في قوله (وهو ابن محمد) إشارة إلى أن هذه النسبة لم يسمعها من شيخيه بل مما زادها من عند نفسه إيضاحًا للراوي، أي قالا: حدثنا عبد العزيز بن محمد بن عبيد بن أبي عبيد (الدراوردي) منسوب إلى دراورد قرية بخراسان، الجهني مولاهم أبو محمد المدني، روى عن يزيد بن عبد الله بن الهاد والعلاء بن عبد الرحمن والحارث بن فضيل، ويروي عنه (ع) وابن وهب وابن مهدي وخلق، صدوق من الثامنة، مات سنة (189) تسع وثمانين ومائة، قرنه (خ) بآخر وقد تقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في تسعة أبواب تقريبًا (عن يزيد) بن عبد الله بن أسامة (بن الهاد) بلا ياء عند المحدثين، والمختار عند علماء العربية إثباتها لعدم ما يوجب حذفها، الليثي أبي عبد الله المدني، روى عن محمد بن إبرهيم بن الحارث التيمي وعبد الله بن دينار وسعد بن إبرهيم وعبد الله بن خباب وأبي حازم سلمة بن دينار وغيرهم، ويروي عنه (ع) والدراوردي والليث بن سعد وبكر بن مضر وإبراهيم بن سعد وشيخه يحيى بن سعيد الأنصاري ومالك وجماعة وثقه ابن معين والنسائي، وقال في التقريب: ثقة مكثر، من الخامسة مات سنة (139) تسع وثلاثين ومائة، روى عنه المؤلف في الإيمان وفي الصلاة في موضعين
عَنْ مُحَمدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَن عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ، عَنِ الْعَباسِ بْنِ عَندِ الْمُطَّلِبِ:
ــ
والصوم والحج والنكاح والعتق والديات والأحكام والجهاد والأشربة وفي صفة النبي صلى الله عليه وسلم وفي المعروف، فجملة الأبواب التي روى عنه المؤلف فيها اثنا عشر بابًا تقريبًا.
(عن محمد بن إبراهيم) بن الحارث بن خالد بن صخر بن تيم التيمي القرشي أبي عبد الله المدني، روى عن عامر بن سعد وعيسى بن طلحة وأبي سلمة بن عبد الرحمن وعلقمة بن وقاص وعطاء بن يسار وغيرهم، ويروي عنه (ع) ويزيد بن الهاد ويحيى بن أبي كثير ويحيى بن سعيد الأنصاري والأوزاعي وعدة، قال ابن سعد: كان فقيهًا محدثًا، وقال في التقريب: ثقة له أفراد، من الرابعة، مات سنة (120) عشرين ومائة، روى عنه المؤلف في الإيمان والوضوء والصلاة في موضعين والزكاة في موضعين والصوم والحج والبيوع والجهاد والأحكام واللباس والزهد فجملة الأبواب التي روى [المؤلف] عنه فيها أحد عشر بابًا تقريبًا.
(عن عامر بن سعد) بن أبي وقاص الزهري القرشي المدني، روى عن عباس بن عبد المطلب وأبيه وأبي هريرة وعائشة وابن عمر وعثمان وغيرهم، ويروي عنه (ع) ومحمد بن إبراهيم التيمي وابنه داود والزهري وأبو طُوالة، قال ابن سعد: ثقة كثير الحديث، وقال في التقريب: ثقة من الثالثة، مات سنة (104) أربع ومائة، روى عنه المؤلف في الإيمان والصلاة في موضعين والجنائز في موضعين والزكاة والنكاح والطب والبيوع والجهاد والمرض، فجملة الأبواب التي روى عنه المؤلف فيها تسعة أبواب تقريبًا.
(عن العباس بن عبد المطلب) بن هاشم الهاشمي أبي الفضل عم رسول الله صلى الله عليه وسلم أظهر إسلامه يوم الفتح وكان فيما قبل يكتم إيمانه بإذن رسول الله صلى الله عليه وسلم عِداده في المكيين له خمسة وثلاثون (35) حديثًا اتفقا على حديث وانفرد (خ) بحديث و (م) بثلاثة، ويروي عنه (ع) وبنوه عبد الله وكثير وعبيد الله وعامر بن سعد صحابي مشهور مات بالمدينة في خلافة عثمان سنة (32) اثنتين وثلاثين وقيل سنة (34) أربع وثلاثين وله (88) ثمان وثمانون سنة روى عنه المؤلف في كتاب الإيمان فقط، وهذا السند من سداسياته، وفيه من اللطائف أن رجاله كلهم حجازيون، أربعة
أَنهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "ذَاقَ طَعْمَ الإِيمَانِ: مَنْ رَضِيَ بِاللَهِ رَبًّا، وَبِالإِسْلامِ دِينًا، وَبِمُحَمدٍ رَسُولًا"
ــ
منهم مدنيون واثنان مكيان (أنه) أي العباس رضي الله عنه (سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم حالة كونه (يقول ذاق) ووجد (طعم الإيمان) أي حلاوته ولذته، وهو فعل ومفعول به وفاعله مَن الموصولة في قوله (من رضي) واختار (بالله) عز وجل من جهة كونه (ربًا) أي مالكًا وواليًا ومعبودًا له، وكفر بما سواه (و) رضي (بـ) دين (الإسلام) من جهة كونه (دينًا) ومذهبا وطريقة له، وأكر بما سواه من الأديان الباطلة الزائفة (وبمحمد) صلى الله عليه وسلم من جهة كونه (رسولًا) وإماما ومقتدى له في شريعته، فلا يأتم بغيره من الأنبياء والمرسلين مع تصديق واعتقاد كونهم رسل الله سبحانه إلى عباده.
قال صاحب التحرير: معنى رضيت بالشيء قنعت به واكتفيت به، ولم أطلب معه غيره فمعنى الحديث وجد حلاوة الإيمان ولذته من لم يطلب غير الله تعالى ربا واكتفى به معبودًا ولم يسع في غير طريق الإسلام من اليهودية والنصرانية وغيرهما ولم يسلك ولم يتبع إلا ما يوافق شريعة محمد صلى الله عليه وسلم ولا شك في أن من كانت هذه صفته فقد خلصت حلاوة الإيمان إلى قلبه، وذاق طعمه، وقال القاضي عياض: معنى الحديث صح إيمانه واطمأنت به نفسه وخامر باطنه لأن رضاه بالمذكورات دليل لثبوت معرفته ونفاذ بصيرته ومخالطة بشاشته قلبه لأن من رضي أمرًا سهل عليه، فكذا المؤمن إذا دخل قلبه الإيمان سهلت عليه طاعات الله تعالى ولذَّت له والله أعلم، قال القرطبي والرضا بهذه الأمور الثلاثة على قسمين: رضا عام ورضا خاص فالرضا العام: هو أن لا يتخذ غير الله ربا ولا غير دين الإسلام دينا ولا غير محمد صلى الله عليه وسلم رسولًا له، وهذا الرضا لا يخلو عنه كل مسلم إذ لا يصح التدين بدين الإسلام إلا بذلك الرضا.
والرضا الخاص: هو الذي تكلم به أرباب القلوب، وهو ينقسم على قسمين رضا بهذه الأمور، ورضا عن مجريها تعالى كما قال محمد بن خفيف الشيرازي: الرضا قسمان: رضا به ورضا عنه، فالرضا به مُدبِّرًا، والرضا عنه فيما قضى، وقال أيضًا: هو سكون القلب إلى أحكام الرب وموافقته على ما رضي واختار، وقال الجنيد: الرضا دفع الاختيار، وقال المحاسبي: الرضا هو سكون القلب تحت مجاري الأحكام، وقال أبو علي الروذباري: ليس الرضا أن لا يحس بالبلاء، إنما الرضا أن لا يعترض على
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الحكم، وقال أحمد بن محمد النوري: هو سرور القلب بمُر القضاء، وسُئلت رابعة العدوية عن الرضا فقالت: إذا سرته المصيبة كما سرته النعمة، وبالجملة فالرضا باب الله الأعظم، وفيه جماع الخير كله كما قال عمر لأبي موسى فيما كتب إليه: أما بعد فإن الخير كله في الرضا، فإن استطعت أن ترضى وإلا فاصبر انتهى.
قال النواوي: وهذا الحديث من أفراد مسلم رحمه الله تعالى، لم يروه البخاري في صحيحه رحمه الله تعالى، وشارك المؤلف في روايته أحمد (1/ 208) والترمذي (2758).
***