الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
20 - بَابُ بَيَان الخِصَالِ الَّتِي يَجِدُ بِهِنَّ المَرْءُ حَلاوَةَ الإِيمَانِ
73 -
(42) حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَمُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ أَبِي عُمَرَ وَمُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ جَمِيعًا عَنِ الثَّقَفِيِّ،
ــ
20 -
بَابُ بَيَان الخِصَالِ الَّتِي يَجِدُ بِهِنَّ المَرْءُ حَلاوَةَ الإِيمَانِ
أي هذا باب معقود في بيان الصفات التي يجد المرء باتصافه بهن حلاوة الإيمان أي انشراحه في صدره وانبساطه في قلبه يعني استلذه واستطابه وأخذ بمجامع قلبه حتى يود أن لا يفارقه ولو في قدر نفس كأحب الأشياء عنده.
وترجم القاضي عياض وكذا النواوي وأكثر المتون لحديث أنس الآتي بقولهم: (باب بيان خصال من اتصف بهن وجد حلاوة الإيمان) ففي هذه الترجمة ركاكة من حيث المعنى والإعراب، وترجم له الأبي بقوله:(باب محبة الله تعالى والحب في الله) وترجم له السنوسي بقوله (باب منه) فأدخله في الباب الذي قبله، وترجم له القرطبي بقوله (باب من يذوق طعم الإيمان وحلاوته) فجمعه مع حديث العباس بن عبد المطلب في ترجمة واحدة كما مر والله أعلم.
(73)
- س (42)(حدثنا إسحاق بن إبراهيم) بن مخلد الحنظلي أبو يعقوب المروزي المعروف بابن راهويه، روى عن عبد الوهاب الثقفي، ويروي عنه (خ م د ت س) ثقة حافظ مجتهد من العاشرة، مات سنة (238) ثمان وثلاثين ومائتين، وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في أحد وعشرين بابًا تقريبًا (و) حدثنا أيضًا (محمد بن يحيى بن أبي عمر) العدني أبو عبد الله المكي، وثقه ابن حبان، وقال في التقريب: صدوق، وقال أبو حاتم: كانت فيه غفلة، من العاشرة، مات سنة (243) ثلاث وأربعين ومائتين، وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في أحد عشر بابًا تقريبًا (و) حدثنا أيضًا (محمد بن بشار) بن عثمان بن داود بن كيسان العبدي أبو بكر البصري الملقب ببندار، من العاشرة، مات سنة (252) اثنتين وخمسين ومائتين، وقد تقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في اثني عشر بابًا تقريبًا، وفائدة هذه المقارنة بيان كثرة طرقه، وقوله (جميعًا) تأكيد للثلاثة أكد به دون كلهم إشارة إلى أنه شاك في انحصار من روى له عن الثقفي في هذه الثلاثة، أي حدثوني (عن) عبد الوهاب بن عبد المجيد (الثقفي) حالة كونهم مجتمعين في روايتهم لي عن الثقفي وأما الثقفي فهو عبد الوهاب بن
قَال ابْنُ أَبِي عُمَرَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ أَبِي قِلابَةَ،
ــ
عبد المجيد بن الصلت بن عبيد الله بن الحكم بن أبي العاص بن بشر بن عبيد بن دُهمان بن عبد الله بن همام بن أبان بن يسار بن مالك بن حطيط بن جُشَم بن قَسِيّ بن منبه بن بكر بن هوازن بن منصور بن عكرمة بن خصفة بن قيس عيلان الثقفي أبو محمد البصري، وثقيف هو قَسِيّ بن منبه روى عن أيوب السختياني وداود بن أبي هند ويحيى بن سعيد وخالد الحذاء وجعفر بن محمد وغيرهم، ويروي عنه (ع) وإسحاق بن راهويه ومحمد بن أبي عمر ومحمد بن بشار ومحمد بن المثنى وعبيد الله القواريري ويحيى بن حبيب الحارثي وخلق، وثقه ابن معين، وقال في التقريب: ثقة تغير قبل موته بثلاث سنين من الثامنة، مات سنة (194) أربع وتسعين ومائة، وله (84) أربع وثمانون سنة، وولد سنة (110) عشر ومائة.
روى عنه المؤلف في الإيمان والوضوء والصلاة في ثلاثة مواضح والحج في موضعين والأشربة في موضعين والفتن، فجملة ما روى عنه فيه ستة أبواب تقريبًا، وأتى بجملة قوله (قال ابن أبي عمر حدثنا عبد الوهاب) تورعًا من الكذب على ابن عمر، لأنه لو لم يأت بها لأوهم أنه رواه عنه بصيغة العنعنة كغيره، مع أنه صرح بالسماع، وأنه ذكر فيه النسبة مع أنه صرح باسمه وهذا علامة على شدة تورعه وإتقانه.
(عن أيوب) بن أبي تميمة كيسان السختياني أبي بكر البصري الفقيه، أحد الأئمة الأعلام، روى عن أبي قلابة ومحمد بن سيرين وأبي الزبير وعمرو بن دينار ونافع وأبي العالية وعطاء بن أبي رباح وخلق، ويروي عنه عبد الوهاب الثقفي وحماد بن سلمة وخلائق، قال ابن عيينة: ما لقيت مثله في التابعين، وقال ابن سعد كان ثقة ثبتًا حجة جامعًا كثير العلم من كبار الفقهاء العباد، ولد سنة (66) ست وستين، من الخامسة، مات سنة (131) إحدى وثلاثين ومائة.
روى عنه المؤلف في الإيمان في موضعين والوضوء والصلاة في ستة مواضع والجنائز في موضعين والزكاة والصوم في ثلاثة مواضع والحج في ستة مواضع والنكاح والبيوع في خمسة مواضع واللعان في موضعين والطلاق والوصايا والجهاد في موضعين والفضائل في موضعين واللباس والدعاء في موضعين والفتن، فجملة الأبواب التي روى المؤلف عنه فيها سبعة عشر بابًا تقريبًا (عن أبي قلابة) بكسر القاف، عبد الله بن زيد بن عمرو بن عامر الأزدي الجرمي بفتح الجيم البصري من عُباد أهل البصرة وزهادهم، نزل
عَنْ أَنَسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَال: "ثَلاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ
ــ
الشام ومات بها، روى عن أنس بن مالك وثابت بن الضحاك ومعاذة ومالك بن الحويرث وأبي المهلب وخلق، وبروي عنه (ع) وأيوب ويحيى بن كثير وخالد الحذاء وأبو رجاء مولاه وعاصم الأحول وقتادة وعِدة، قال ابن سعد: كان ثقة كثير الحديث، وقال العجلي: بصري تابعي ثقة، وقال في التقريب: ثقة فاضل كثير الإرسال، من الثالثة، مات بالشام هاربًا من القضاء سنة (104) أربع ومائة، روى عنه المؤلف في الإيمان والوضوء والصلاة والجنائز في موضعين والزكاة والحج في موضعين والنكاح والبيوع والجهاد والإيمان فجملة الأبواب التي روى المؤلف عنه فيها أحد عشر بابًا تقريبًا (عن أنس) بن مالك بن النضر خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم الأنصاري الخزرجي النجاري البصري، روى عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن جماعة من الصحابة له ألف ومائتا حديث وستة وثمانون حديثًا (1286) ويروي عنه (ع) وأبو قلابة وقتادة وثابت والحسن وحُميد الطويل وخلق لا يحصون، مات بالبصرة سنة (91) أحد وتسعين، وقيل (92) وقيل (93) وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في اثني عشر بابًا تقريبًا.
وهذا السند من خماسياته ورجاله كلهم بصريون إلا إسحاق بن إبراهيم فإنه مروزي ومحمد بن أبي عمر فإنه مكي أو عدني (عن النبي صلى الله عليه وسلم قال) أي رسول الله صلى الله عليه وسلم (ثلاث) أي خصالٌ ثلاثٌ، فثلاث خلف عن موصوف محذوف، وهو المسوغ للابتداء بها نحو قولهم (مؤمن خير من مشرك) أي رجل مؤمن، وقولهم (ضعيف عاذ بقرملة) أي إنسان ضعيف والقرملة شجرة ضعيفة، ويحتمل أن يكون المسوغ الإبهام، لكونه للتعظيم كما التعجبية، وقولِهم (شرٌّ أهرَّ ذا ناب) على قول، وقال بعضهم المسوغ تخصصه بمضاف إليه محذوف أي ثلاث خصال ورُدَّ بأنه إنما يحسن ذلك لو لم يُنون ثلاث لنية المضاف إليه مع قلته جدًّا في مثل هذا لفقد شرطه وجملة (من كن فيه) أي من وُجدن تلك الثلاث وغلبن فيه خبر المبتدأ، والظاهر أن من شرطية، مبتدأ ثان خبرها الشرط أو الجواب أو هما على الخلاف المذكور في محله ويحتمل كونها موصولة، وكان تامة بمعنى وُجد وحصل، والمراد بكونها فيه غلبتها عليه لأن به يتضح دلالتها وخُصت الثلاث بالذكر لأنها أعمال قلب لا يعرض لها الرياء، وإلا فقد قال صلى الله عليه وسلم:"الصدقة برهان" وكانت أدلة على حلاوة الإيمان لأنها مسببات عنه
وَجَدَ بِهِنَّ حَلاوَةَ الإِيمَانِ:
ــ
ووجود المسبب يدل على وجود السبب، والثلاث متلازمة، فلا يوجد بعضها منفكًا عن الآخر حتى يُسأل عن مفهوم العدد، فيقال فمن وجدت فيه واحدة منهن (وجد) أي ذاق (بهن) أي بسبب وُجدانهن فيه (حلاوة الإيمان) ولذته، قال بعضهم فمعنى ذوقه حلاوة الإيمان استلذاذ الطاعات وتحمل المشقات في رضي الله تعالى ورضا رسوله صلى الله عليه وسلم، قال القاضي عياض: هو من معنى ذاق طعم الإيمان، لأن الثلاث لا توجد إلا ممن صح إيمانه وانشرح به صدره، فمعنى (وجد بهن حلاوة الإيمان) أي وجد الإيمان بسببهن لذيذًا في قلبه منشرحًا في صدره، مستطابًا له حتى لا يود أن يفارقه قدر لمحة، كأحب الأشياء عنده.
وعبارة المفهم هنا: وإنما خص الثلاث بهذا المعنى لأنها لا توجد إلا ممن تنور قلبه بأنوار الإيمان واليقين، وانكشفت له محاسن تلك الأمور التي أوجبت له تلك المحبة التي هي حال العارفين.
قال الأبي: حلاوة الإيمان استعارة، شبه انشراح الصدر به بشيء ذي حلاوة، فهو لوجوده يستعذب الطاعة ويتحمل المشاق، فعن عتبة الغلام: كابدت الصلاة عشرين سنة ثم استمتعت بها بقية عمري، وعن الجنيد: أهل الليل في ليلهم ألذ من أهل اللهوفي لهوهم، وعن ابن أدهم: والله إنا لفي لذة لو علمها الملوك لجالدونا عليها بالسيوف اهـ.
قال السنوسي: والتحقيق في بيان الاستعارة أن يقال: شبه ميل القلب إلى الإيمان للرغبة فيه بميله للخلق، فيكون من تشبيه معقول بمعقول، فاستعير له اسمه، والجامع عقلي، وقد يقال: إنه من استعارة محسوس لمحسوس والجامع حسي، أو من استعارة معقول لمحسوس، والجامع محتمل، ويحتمل أن تكون استعارة ترشيحية لقرنها بما يلائم المستعار منه وهو الحلاوة نحو قوله تعالى:{فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ} والأظهر أنها استعارة بالكناية، أضمر تشبيه الإيمان بشيء حلو وأضيف إليه لازم من لوازمه وهو الحلاوة على سبيل التخييل اهـ.
وعبارة إكمال المعلم "قوله ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان" هذا الحديث هو بمعنى الحديث المتقدم "ذاق طعم الإيمان" وذلك أنه لا تتضح محبة الله ورسوله حقيقة، والحب للغير في الله وكراهة الرجوع إلى الكفر إلا لمن قوي بالإيمان يقينه، واطمأنت به
مَنْ كَانَ اللهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيهِ مِمَّا سِوَاهُمَا،
ــ
نفسه وانشرح له صدره وخالط دمه ولحمه وهذا هو الذي وجد حلاوة الإيمان اهـ.
ثم فصل تلك الثلاث فقال (من كان الله) سبحانه وتعالى (ورسوله) صلى الله عليه وسلم (أحب إليه) أي أكثر محبوبية لديه (مما سواهما) من جميع الموجودات حتى على نفسه وولده ووالديه والظاهر أن من في قوله "من كان الله" وأن وما في حيزها في قوله "وأن يحب المرء" وفي قوله "وأن يكره" أنها أخبار لمبتدأ محذوف، أي هي أو أحدها وثانيها وثالثها أو مبتدءات، والخبر محذوف، أي منها ويضعف كونها أبدالًا من ثلاث بدل تفصيل من مجمل أو عطف بيانات، ويكون من كن فيه هو الخبر لما فيه من الفصل بين البدل والمبدل منه، وبين البيان والمبين بالخبر اهـ سنوسي.
والتقدير إحدى تلك الثلاث خصلة من كان الله سبحانه ورسوله صلى الله عليه وسلم أحب عنده مما سواهما، وفي إكمال المعلم: ومعنى حب العبد لله سبحانه استقامته في طاعته والتزامه أوامره ونواهيه في كل شيء، ولذا قال بعضهم: المحبة مواطأة القلب على ما يرضي الرب، فيحب ما أحب ويكره ما كره، فأصل المحبة هي ميل القلب إلى ما يوافقه، ويصح الميل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ويتنزه الله تعالى عن أن يميل أو يمال إليه، فمعنى محبة العبد ربه طاعته له، وللمتكلمين فيها أقوال يرجع جميعها إلى هذا والخلاف بينهم لفظي اهـ.
قال الأبي: الطاعة ثمرة المحبة، ولا يفسر الشيء بثمرته، ولا يمتنع تفسير محبة العبد لله تعالى بالميل حقيقية، والذي يتنزه الله سبحانه عنه إنما هو الميل إليه في الحس لإشعاره بالجهة والمكان وميل القلب إلى الشيء إشارة له، ولا يمتنع أن يتعلق ذلك به تعالى كما يتعلق به العلم الآن والرؤية في الآخرة اهـ.
قال القرطبي: (وقوله من كان الله ورسوله أحب إليه مما سواهما) دليل على جواز إضافة المحبة لله تعالى وإطلاقها عليه، ولا خلاف في إطلاق ذلك عليه محبًا ومحبوبًا كما قال تعالى:{فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} [المائدة: 54]، وهو في السنة كثير.
قوله: (مما سواهما) ثنى الضمير هنا ورَدَّ على الخطيب قوله: (ومن يعصهما فقد غوى) فقال بئس خطيب القوم أنت، قل ومن يعص الله ورسوله، أجاب عز الدين بأن منصب الخطيب قابل للزلل، فتثنية الضمير توهم أنه سوى بينهما، وأجاب غيره: بأن
وَأَنْ يُحِبَّ الْمَرْءَ لَا يُحِبُّهُ إِلَّا للهِ،
ــ
كلامه صلى الله عليه وسلم جملة واحدة فإيقاع الظاهر فيها موقع الضمير مرجوح، وكلام الخطيب جملتان، وأجاب شارح المصابيح: بأنه إيماء إلى أن المعتبر مجموع المحبتين، حتى لو انفردت إحداهما لم تُفد، وأمر بالإفراد في الآخر إعلامًا بأن إحدى المعصيتين كافية في الذم اهـ الأبي.
ولم يقل (ممن سواهما) تنبيهًا على حقارة ما سوى الله سبحانه ورسوله صلى الله عليه وسلم ومن في معناه ممن يحب الله تعالى، وتنزيلًا له منزلة ما لا يعقل إذ ذاك أصل استعمال ما لأنه مثله في عدم القدرة على جلب المنافع ودفع المضار مطلقًا، ففي اللفظ إيماء إلى أنه ينبغي أن يقصر المؤمن حبه على مولانا جل وعز، وما كان لأجله، وما سواه هباء لا يجدي حبه شيئًا، وقال بعضهم إنما عبر بما دون من ليعم العاقل وغيره، لأنها أدخل في العموم، فيعم المخلوقات كلها ورُد بأنه إذا اختلط العاقل وغيره فهما سواء ولذا جاء {وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} وجاء {مَا فِي السَّمَاوَاتِ} في كافية ابن مالك:
وعند الاختلاط خُيِّر من نطق
…
في أن يجيء منهما بما اتفق
(و) ثانيها (أن يحب) الرجل (المرء) المؤمن حالة كونه (لا يحبه) أي لا يحب ذلك المرء (إلا لله) أي إلا لأجل دين الله تعالى، وأخوته، لا لغرض دنيوي، قال القاضي: من ثمرة حب الله تعالى الحبُّ فيه، فلا يحب العبد إلا لله تعالى لأن من أحب شيئًا أحب ما هو من سببه كما قال صلى الله عليه وسلم:"من أحب العرب فبحبي أحبهم" يريد أن الحب في الله تعالى لا ينشأ إلا عن حب الله تعالى، ولا يمتنع أن يكتسب الحب في الله سبحانه باستحضار ما أعد الله تعالى للمتحابين فيه، وحسبك ما صح من قوله صلى الله عليه وسلم "سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله" فذكر منهم رجلين تحابا في الله اهـ أبي.
ونص عبارة القاضي هنا: ومن محبته ومحبة رسوله التزام شريعته ووقوفه عند حدوده، ومحبة أهل ملته وهو تمام محبته فيحب العبد لا يحبه إلا لله، لأن من أحب شيئًا أحب ما يحبه ومن يحبه ومن هو من سببه، قال النبي صلى الله عليه وسلم "من أحب العرب فبحبي أحبهم" رواه الطبراني في الكبير وابن عدي في الكامل عن عثمان بن
وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِي الْكُفْرِ بَعْدَ أَنْ أَنْقَذَهُ اللهُ مِنْهُ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ"
ــ
عفان ولكنه واه لأنه من رواية حصين بن عمر الأحمسيِّ، قال البخاري فيه: منكر الحديث، وإذا حصل هذا بين المؤمنين حصلت منه الألفة الموجبة للتعاون على البر والتقوى والمودة في الدين والدنيا، والمحبة لله والبغض فيه من واجبات الإسلام، وهو قول مالك وغيره من أهل العلم انتهى.
وقال القرطبي: قوله (وأن يحب المرء) إلخ يعني بالمرء هنا المسلم المؤمن لأنه هو الذي يمكن أن يخلص لله تعالى في محبته، وأن يتقرب إلى الله تعالى باحترامه وحرمته، فإنه هو الموصوف بالأخوة الإيمانية، والمحبة الدينية، كما قال تعالى:{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} [الحجرات: 10] وكما قال تعالى {فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا} [آل عمران: 103].
وقد أفاد هذا الحديث أن محبة المؤمن الموصلة لحلاوة الإيمان لا بد أن تكون خالصة لله تعالى غير مشوبة بالأغراض الدنيوية، ولا بالحظوظ البشرية، فإن من أحبه لذلك انقطعت محبته إن حصل له ذلك الغرض، أو يئس من حصوله، ومحبة المؤمن وظيفة معينة على الدوام، وُجدت الأغراض أو عدمت، ولما كانت المحبة للأغراض هي الغالبة قل وجدان تلك الحلاوة، بل قد انعدم لا سيما في هذه الأزمان التي قد انمحى فيها أكثر رسوم الإيمان والشريعة، وغلب عليها صداقة النصارى، والرسوم النظامية، وبالجملة فمحبة المؤمنين من العبادات التي لا بد فيها من الإخلاص في حسن النيات اهـ.
(و) ثالثها (أن يكره) ويسخط (أن يعود) ويرجع ويصير (في) ملة (الكفر) والضلالة (بعد أن أنقذه الله) سبحانه وتعالى وأخرجه بسبب الإيمان (منه) أي من ذلك الكفر الخبيث (كما يكره) صفة لمصدر محذوف، أي وأن يكره عوده في الكفر بعد إخراج الله إياه منه كراهة مثل كراهته (أن يقذف) ويرمى (في النار) الأخروية أو مطلقًا، قال القرطبي: معنى يُقذف يُرمى، والقذف الرمي، وهذه الكراهة موجبة لما انكشف للمؤمن من محاسن الإسلام، ولما دخل قلبه من نور الإيمان، ولما خلصه الله من رذائل الجهالات وقبح الكفران.
قال النواوي: وعاد هنا بمعنى صار لأن مجيء عاد ورجع بمعنى صار كثير في كلامهم، قال القاضي: وسبب محبة الشيء كونه حسنًا في الحس، كالصورة الجميلة
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
والصوت الحسن، أو في العقل كمحبة الصالحين، أو كونه محسنًا بجلب نفع أو دفع ضُر، وقد تجتمع الثلاث في واحد كما اجتمعت في رسول الله صلى الله عليه وسلم لما جمع الله تعالى فيه من جمال الظاهر والباطن، وإحسانه إلى جميع المسلمين بهدايته إياهم إلى الطريق المستقيم والشفاعة فيهم.
قال السنوسي: وجه كون هذه الكراهية موجبة لحصول حلاوة الإيمان أنها نتيجة حصول اليقين، فإن الكفر سبب الخلود في النيران، فالمؤمن يكرهه كما يكره النار لملازمته إياها فصار لقوة اليقين يتخيل أن الدخول في الكفر دخول في النار فكرهه كراهيتها، وإذا فعل هذا في الكفر فعله في سائر المعاصي لمشاركتها له في السببية لاستحقاق النار، وما يفرق به من احتمال العفو مقابل باحتمال عدمه، والعاقل يفر بمجرد احتمال الوقوع في أدنى شيء من المعاطب الدنيوية فكيف باحتمال الوقوع في هول الآخرة وعذابها الذي لا طاقة لمخلوق عليه إن أُريد بالكفر الكفر المقابل لأصل الإيمان، وأما إن أريد به كفر النعم، وعدم القيام بشكرها وهو الظاهر، تناول حينئذ بلفظه جميع المعاصي، والمراد بالعودة في الكفر مطلق الصيرورة والتلبس به، سواء تقدم اتصافه به أم لا، قال النواوي: ومن استعماله فيما لم يتقدم فيه الاتصاف قوله تعالى {أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا} ويحتمل أن تكون الآية من باب التغليب، وأن الخطاب للرُسُل مع أممهم الذين تقدم لهم الاتصاف بالكفر.
قال الطيبي: إنما كانت الثلاث عنوان كمال الإيمان، والمحصل تلك اللذة لأنه لا يتم إيمان إلا مع تيقن أن المنعم القادر هو الله سبحانه، لا مانح ولا مانع سواه، وذلك يوجب صرف القلب إليه بالمحبة والتوكل، والجوارح بالطاعة والموافقة، وغيره تعالى وسائط عادية، وأن العطوف الساعي في المصالح والمنافع حقًّا هو الرسول صلى الله عليه وسلم فيتوجه بالسر إليه، ولا يحب ما يحبه إلا لكونه وسطًا بينه وبين ربه جل وعلا، ويتيقن وعده ووعيده بحيث يكون وعده ووعيده عنده كالحاصل، فيحسب مجالس الذكر رياض الجنة، وأكل مال اليتيم أكل النار، والعود في الكفر إلقاء فيها فيكرهه انتهى بالمعنى.
وحديث أنس هذا شارك المؤلف في روايته أحمد (3/ 103 و 174 و 230) والبخاري (16) والترمذي (2626) والنسائي (8/ 96) وابن ماجه (4033).
74 -
(00) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ، قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ (1) يُحَدِّثُ عَنْ أَنَسٍ
ــ
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه فقال:
(74)
- متا (00)(حدثنا محمد بن المثنى) العنزي أبو موسى البصري المعروف بالزَّمن، ثقة ثبت من العاشرة، مات سنة (252) اثنتين وخمسين ومائتين، وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في أربعة عشر بابًا تقريبًا (و) حدثنا أيضًا محمد (بن بشار) بن عثمان العبدي أبو بكر البصري، ثقة من العاشرة، مات سنة (252) اثنتين وخمسين ومائتين، وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في اثني عشر بابا تقريبًا، وفائدة هذه المقارنة بيان كثرة طرقه (قالا) أي قال كل من المحمدين (حدثنا محمد بن جعفر) الهذلي مولاهم أبو عبد الله البصري المعروف بغُندر، ربيب شعبة، ثقة إلا أن فيه غفلة، من التاسعة، مات سنة (193) ثلاث وتسعين ومائة، وقد تقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في اثني عشر بابًا تقريبًا.
قال محمد بن جعفر (حدثنا شعبة) بن الحجاج بن الورد العتكي مولاهم، أبو بسطام البصري إمام الأئمة، ثقة حافظ متقن من السابعة، مات سنة (160) ستين ومائة، وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في ثلاثين بابًا تقريبًا (30)(عن قتادة) بن دعامة بن قتادة السدوسي أبي الخطاب البصري الأكمه، ثقة ثبت حافظ مفسر مدلس من الرابعة، مات كهلًا سنة (117) سبع عشرة ومائة، وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في ستة وعشرين بابًا تقريبًا (26).
حالة كون قتادة (يُحدث) ويروي (عن أنس) بن مالك بن النضر خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم أبي حمزة البصري، وقد تقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في اثني عشر بابًا تقريبًا.
وهذا السند من خماسياته، ومن لطائفه أن رجاله كلهم بصريون، وغرض المؤلف بسوق هذا السند بيان متابعة قتادة بن دعامة لأبي قلابة في رواية هذا الحديث عن أنس بن مالك، وفائدة هذه المتابعة بيان كثرة طرقه، لأن المتابع والمتابع كلاهما ثقتان، وكرر
(1) في نسخة: (سمعت قتادة).
قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "ثَلاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ .. وَجَدَ طَعْمَ الإِيمَانِ: مَنْ كَانَ يُحِبُّ الْمَرْءَ لَا يُحِبُّهُ إلا للهِ،
ــ
متن الحديث فيها لما في هذه الرواية من المخالفة للراوية الأولى في بعض الكلمات، فلا اعتراض عليه في تكرار الحديث متنًا وسندًا، لأنه لغرض (قال) أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث) خصال أو خصال ثلاث وسوغ الابتداء بالنكرة ما تقدم (من كُنَّ) أي من وُجِدن تلك الثلاث وحصلن (فيه) وغلبن عليه، فكان تامة كما مر (وجد طعم الإيمان) أي ذاق حلاوة الإيمان ولذته وانشراحه في صدره وانبساطه في قلبه، أحدها خصلة (من كان يحب المرء) المسلم حالة كونه (لا يحبه) لغرض من الأغراض الدنيوية (إلا لله) أي إلا لأجل دين الله تعالى وأخوة الإيمان.
(فإن قلت) لم قيد هذا الحب بأن يكون لله خالصًا، ولم يقيد حُب الرسول صلى الله عليه وسلم بذلك (قلت) يُجاب عن ذلك بأجوبة:
(أحدها) لما كانت محبة الرسول صلى الله عليه وسلم من حيث كونه رسولًا لله سبحانه لا تكون إلا لله جل وعلا، لم يشترط فيها أن لا يحبه إلا لله تعالى، لأنه تحصيل الحاصل.
(ثانيها) أن مطلق حب الرسول صلى الله عليه وسلم يجر في الغالب إلى التصديق به، وذوق حلاوة الإيمان، لأن المحب ينقاد إلى محبوبه في غالب الأحيان ومحبه صلى الله عليه وسلم بإطلاق لا يخلو من نفع ولو ببعض التخفيف من عذاب النيران إذا كان من أهل الكفران، ويدل عليه حديث أبي طالب وأبي لهب عمَّيه، فترك هذا الشرط من حبه صلى الله عليه وسلم ترغيبًا للخلق في محبته الموجبة لكل الخير أو بعضه.
(ثالثها) أن الذي ذكر من حبه صلى الله عليه وسلم هو المقام الأعلى منه، وهو الميل إليه، وإيثاره على كل شيء سواه حتى على نفس المحب لدخوله في عموم ما سواهما، وذلك مستلزم لحصول أعلى مراتب الإيمان فلا يحتاج إلى التقييد بهذا الشرط.
(ورابعها) أن ذكر محبته صلى الله عليه وسلم مع محبة الله عز وجل ثم إضافته إليه إضافة تشعر بعظيم منزلته عنده ثم الجمع بينهما في ضمير واحد يدل على أن حبه من معنى حب الله تعالى، وأنه لأجله، فأغنى ذلك عن ذكر ذلك القيد، ولما انتفت هذه
وَمَنْ كَانَ اللهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيهِ مِمَّا سِوَاهُمَا، وَمَنْ كَانَ أَنْ يُلْقَى فِي النَّارِ أَحَبَّ إِلَيهِ مِنْ أَنْ يَرْجِعَ فِي الْكُفْرِ بَعْدَ أَنْ أَنْقَذَهُ اللهُ مِنْهُ".
75 -
(00) حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ، أَنْبَأَنَا النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ، أَنْبَأَنَا حَمَّادٌ عَنْ ثَابِتٍ،
ــ
المعاني الأربعة في حب غيره صلى الله عليه وسلم شُرِط في الانتفاع الأخروي بذلك الحب أن لا يكون إلا لله تعالى، ولذا قيل المرء ولم يقل المؤمن أو المطيع ونحوه من الأوصاف المناسبة لأن ذلك يدل على كون الحب لله تعالى بالإيمان، وهذا الشرط يدل عليه بالتصريح على وجه أبلغ وهو الحصر بالاستثناء المفرغ لأنه أبلغ من التام، إذ بالتصريح بالمستثنى منه ينقطع احتمال ما سواه، ومع حذفه يحتمل تقدير كل ما يستثنى منه فكان لازمه أكثر، والحصر بالنفي وإلا أبلغ مما سواه من طرق الحصر اهـ سنوسي.
(و) ثانيها خصلة (من كان الله ورسوله أحب إليه مما سواهما) حتى على نفسه وولده ووالديه (و) ثالثها خصلة (من كان أن يلقى) ويرمى (في النار أحب إليه من أن يرجع) ويصير (في الكفر) والضلال (بعد أن أنقذه الله) تعالى (منه) وأخرجه من ذلك الكفر بالإيمان ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث أنس رضي الله تعالى عنه فقال:
(75)
- متا (00)(حدثنا إسحاق بن منصور) بن بهرام الكوسج أبو يعقوب التميمي المروزي ثم النيسابوري، ثقة ثبت من الحادية عشرة، مات سنة (251) إحدى وخمسين ومائتين، وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في سبعة عشر بابًا تقريبًا.
قال إسحاق (أنبأنا النضر بن شميل) بن خرشة المازني أبو الحسن البصري ثم الكوفي، نزيل مرو، ثقة ثبت من كبار التاسعة، مات سنة (204) أربع ومائتين، وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في تسعة أبواب تقريبًا، قال نضر بن شميل (أنبأنا حماد) بن سلمة بن دينار الربعي أو التميمي أو القرشي مولاهم أبو سلمة البصري، ثقة عابد أثبت الناس في ثابت، من كبار الثامنة، مات سنة (167) سبع وستين ومائة، وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في ستة عشر بابًا تقريبًا (عن ثابت) بن أسلم بن موسى البناني مولاهم أبي محمد البصري، ثقة عابد، من الرابعة، مات سنة بضع وعشرين ومائة، وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في ثلاثة عشر بابًا
عَنْ أَنَسٍ قَالِ: قَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:
…
" بِنَحْو حَدِيثِهِمْ، غَيرَ أَنَّهُ قَال: "مِنْ أنْ يَرْجِعَ يَهُودِيًّا أَوْ نَصرَانِيًّا"
ــ
تقريبًا (عن أنس) بن مالك خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا السند من خماسياته، رجاله ثلاثة منهم بصريون وواحد كوفي وواحد نيسابوري، وغرضه بسوق هذا السند بيان متابعة ثابت البناني لأبي قلابة وقتادة في رواية هذا الحديث عن أنس بن مالك رضي الله عنه.
(قال) أنس (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث من كن فيه وجد طعم الإيمان الحديث، والجار والمجرور في قوله (بنحو حديثهم) متعلق بما عمل في ثابت، وضمير الجمع فيه تحريف من النساخ، والصواب (بنحو حديثهما) بضمير التثنية العائد إلى أبي قلابة وقتادة والتقدير: حدثنا ثابت بن أسلم عن أنس بن مالك بنحو حديث أبي قلابة وقتادة عن أنس فالمتابعة في التابعي، وجعل بعض العلماء ضمير الجمع عائدًا على مشايخ المؤلف في السندين الأولين فتكون المتابعة بين إسحاق بن منصور وبين إسحاق بن إبراهيم، ومحمد بن يحيى ومحمد بن بشار ومحمد بن المثنى فتكون المتابعة ناقصة، وهذا تكلف لا حاجة إليه لمخالفته لاصطلاحاته والله أعلم، وفائدة هذه المتابعة بيان كثرة طرقه، والنحو هنا بمعنى المثل بدليل الاستثناء بقوله (غير أنه قال) أي لكن أن ثابتًا قال في روايته (من أن يرجع) ويصير (يهوديًّا أو نصرانيًّا) بدل قولهما (من أن يعود في الكفر) أو (يرجع في الكفر) ورجع هنا من أخوات صار الناقص يعمل عمل كان الناقصة، ولم يذكر المؤلف في هذا الباب إلا حديث أنس بن مالك فذكره ثلاث مرات مرة للاستدلال به على الترجمة ومرتين للمتابعة والله سبحانه وتعالى أعلم.
***