الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
23 - بَابُ عَدَمِ إِيمَانِ مَنْ يَخَافُ جَارُهُ ضَرَرَهُ
80 -
(45) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ وَقُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَعَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ
ــ
23 -
بَابُ عَدَمِ إِيمَانِ مَنْ يَخَافُ جَارُهُ ضَرَرَهُ
أي باب معقود في بيان الدليل على عدم إيمان من يخاف جاره ضرره، بخروجه من الملة إن استحل إيذاءه مع علمه بتحريمه، وبنقصان إيمانه إن لم يستحل، وترجم لهذا الحديث الآتي النواوي وكذا القاضي عياض وأكثر المتون بقولهم (باب بيان تحريم إيذاء الجار) وهذه الترجمة وإن دل عليها الحديث بمفهومه، فهي خارجة عن كتاب الإيمان أجنبية عنه، ولذلك عدلتُ عنها إلى ما قلت، وترجم الأبي والسنوسي لهذا الحديث والذي بعده بقولهما (باب إكرام الجار) وهذه أيضًا أجنبية، وترجم القرطبي لهذا الحديث والذي بعده بقوله (باب حسن الجوار وإكرام الضيف من الإيمان) وهذه منطبقة على كتاب الإيمان فهي صحيحة والله أعلم.
(80)
- س (45)(حدثنا يحيى بن أيوب) العابد المقابري بفتح الميم والقاف، أبو زكريا البغدادي روى عن إسماعيل بن جعفر وإسماعيل بن علية ومروان بن معاوية وغيرهم، ويروي عنه (م د) وأبو زرعة وأبو حاتم وأبو يعلى ومحمد بن إسحاق الصغاني وعبد الله بن أحمد بن حنبل وآخرون، قال حسين بن محمد بن فهم: كان ثقة ورعًا، وقال في التقريب: ثقة من العاشرة مات لإحدى عشرة مضت من ربيع الأول سنة (234) أربع وثلاثين ومائتين، وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في ثمانية أبواب تقريبًا (و) حدثنا أيضًا (قتيبة بن سعيد) بن جميل بفتح الجيم ابن طريف الثقفي مولاهم أبو رجاء البغلاني، روى عن مالك بن أنس وإسماعيل بن جعفر والدراوردي وغيرهم، ويروي عنه (خ م د ت س) وأحمد والحميدي وجماعة، ثقة ثبت من العاشرة، مات سنة (240) أربعين ومائتين، وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في ستة أبواب تقريبًا.
(و) حدثنا أيضًا (علي بن حجر) بضم المهملة وسكون الجيم بن إياس السعدي أبو الحسن المروزي، نزيل بغداد ثم مرو، روى عن إسماعيل بن جعفر وإسماعيل بن عُلية وجرير بن عبد الحميد، وعلي بن مسهر وحسان بن إبراهيم وغيرهم، ويروي عنه (خ م ت س) وابن خزيمة، وثقه النسائي، وقال في التقريب: ثقة حافظ من صغار التاسعة،
جَمِيعًا عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ جَعْفَرٍ، قَال ابْنُ أَيُّوبَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، قَال: أَخْبَرَنِي الْعَلاءُ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَال: "لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ
ــ
مات سنة (244) أربع وأربعين ومائتين، روى عنه المؤلف في الإيمان والوضوء والصلاة في موضعين والجنائز في خمسة مواضع والصوم والأيمان والجهاد والشعر والفضائل واللعان والفتن، فجملة الأبواب التي روى المؤلف عنه فيها أحد عشر بابًا تقريبًا، وفائدة هذه المقارنة بيان كثرة طرقه لأنهم كلهم ثقات.
وقوله (جميعًا) حال من فاعل حدثنا في الجمع وأكد به دون كلهم لشكه في انحصار من روى له عن إسماعيل بن جعفر في هذه الثلاثة، أي حدثونا حالة كونهم مجتمعين في الرواية لنا (عن إسماعيل بن جعفر) بن أبي كثير الزُّرقي، نسبة إلى زُريق بطن من الأنصار من الخزرج، مولاهم أبي إسحاق المدني، أحد الكبار، وثقه أحمد بن حنبل وقال في التقريب: ثقة ثبت من الثامنة، مات سنة (180) ثمانين ومائة، وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في اثني عشر بابا.
وأتى بقوله (قال ابن أيوب حدثنا إسماعيل) تورعًا من الكذب عليه، لأنه لو لم يأت به لأوهم أنه روى عن إسماعيل أيضًا بالعنعنة (قال) إسماعيل (أخبرني العلاء) بن عبد الرحمن بن يعقوب الحرقي مولى حُرقة أبو شبل المدني أحد الأعلام، وقال في التقريب: صدوق ربما وهم من الخامسة، مات سنة بضع وثلاثين ومائة في خلافة المنصور، وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في أربعة أبواب تقريبًا (عن أبيه) عبد الرحمن بن يعقوب الجهني مولى الحرقة، والحرقة بطن من جُهينة المدني، روى عن أبي هريرة في الإيمان وغيره، وعن أبيه يعقوب ويروي عنه (م عم) وابنه العلاء ومحمد بن إبراهيم النخعي، وقال في التقريب: ثقة من الثالثة (عن أبي هريرة) عبد الرحمن بن صخر الدوسي المدني، أحد المكثرين من الصحابة، وهذا السند من خماسياته ورجاله كلهم مدنيون إلا يحيى بن أيوب فإنه بغدادي، وقتيبة بن سعيد فإنه بغلاني، وعلي بن حجر فإنه مروزي، أي حدث عبد الرحمن بن يعقوب عن أبي هريرة (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا يدخل الجنة) أصلًا لعدم إيمانه، وخروجه عن الملة إن استحل ذلك بعد علم تحريمه، أو حتى يعاقب على ذنب الإيذاء إن لم
مَنْ لَا يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَائِقَهُ"
ــ
يستحل، لنقصان إيمانه بالمعاصي (من لا يأمن جاره بوائقه) أي مكايده وغوائله ومضاره وشروره، والبوائق كالموبقات في المعنى، جمع بائقة وهي الغائلة والداهية والخديعة والمكر والفتك، قال القاضي: أي لا يدخل الجنة من لا يؤمن شره ولا مضرته، ومن كان بهذه الصفة من سوء الاعتقاد للمؤمن فكيف بالجار، وتربصه به الدوائر وتسبيبه له المضار فهو من العاصين المتوعدين بدخول النار، وأنه لا يدخل الجنة حتى يعاقب ويجازى بفعله إلا أن يعفو الله عنه، وهذا وعيد شديد، وفيه من تعظيم حق الجار ما فيه، والظاهر في الحديث أنه خبر لا دعاء وفي رواية أخرى "والله لا يؤمن (ثلاثًا) من لا يأمن جاره بوائقه" رواها البخاري في صحيحه في كتاب الأدب، وفي "باب إثم من لا يأمن جاره بوائقه" عن أبي شريح الخزاعي (8/ 12) وأحمد في المسند (2/ 288، 4/ 31، 6/ 385) والحاكم في المستدرك (1/ 10، 4/ 165).
وهذه الرواية أصرح من ترجمتنا، ومعناها ليس من أهل الإيمان إن استحل ذلك بعد علمه بتحريمه، أو لا يتم إيمانه ولا يكمل لنقصانه بتلك المعصية إن لم يستحل ذلك، والرواية الأولى موافقة لها بالمفهوم لأن عدم دخول الجنة لعدم إيمانه.
قال القاضي عياض: كون الرجل بحيث يُتقى شره معصية، فكيف بها مع الجار الذي عظم الشرع حُرمته وندب إلى إكرامه (فإن قلت) من لا يأمن جاره بوائقه إن وقعت منه إذاية أو تسبب فيها فواضح، وإن لم تقع فغايته أنه هَمَّ بها، فيُعارض بحديث "إذا هم عبدي بسيئة ولم يعملها فلا تكتبوها".
(قلت) الهم الذي لا يكتب إنما هو الهم الذي لم يقع متعلقه في الخارج، كالهم بشرب الخمر ولم يشرب، وهذا وقع متعلقه لتأذي الجار بتوقع ذلك منه كالمحارب يخيف الطريق ولم يصب أو يقال الواقع منه والحالة هذه عزم لا هم، والعزم مؤاخذ به على الصحيح اهـ أبي.
قال النواوي: وفي معنى هذا الحديث وأشباهه قولان: أحدهما أنه محمول على من يستحل الإيذاء مع علمه بتحريمه فهذا كافر لا يدخل الجنة أصلًا، والثاني أنه لا يدخلها وقت دخول الفائزين إذا فتحت أبوابها لهم، بل يؤخر ثم قد يُجازى، وقد يعفى عنه فيدخلها أولًا إن لم يستحل الإيذاء، وإنما أولنا بهذين التأويلين لأنا قدمنا أن
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
مذهب أهل الحق أن من مات على التوحيد مصرًا على الكبائر فهو إلى الله تعالى إن شاء عفا عنه فأدخله الجنة أولًا وإن شاء عاقبه ثم أدخله الجنة والله أعلم اهـ.
قال القرطبي (قوله لا يدخل الجنة من لا يأمن جاره بوائقه) الجار هنا يصلح للمجاور لك في مسكنك، ويصلح للداخل في جوارك وحرمتك إذ كل واحد منهما سواء في وجوب الوفاء بحقه وتحريم أذيته تحريمًا أشد من تحريم أذى المسلمين مطلقًا فمن كان مع هذا التأكيد الشديد مُضرًّا لجاره كاشفًا لعوراته حريصًا على إنزال البوائق به، كان ذلك منه دليلًا، إما على فساد اعتقاد ونفاق فيكون كافرًا ولا شك في أنه لا يدخل الجنة وإما على استهانة بما عظم الله تعالى من حرمة الجار، ومن تأكيد عهد الجوار فيكون فاسقًا عظيمًا ومرتكب كبيرة يخاف عليه من الإصرار عليها أن يختم عليه بالكفر، فإن المعاصي بريد الكفر فيكون من المصنف الأول، وإن سلم من ذلك ومات غير تائب فأمره إلى الله تعالى فإن عاقبه بدخول النار لم يدخل الجنة حين يدخلها من لم يكن كذلك، أو لا يدخل الجنة المعدة لمن قام بحقوق جاره، وعلى هذا التفصيل ينبغي أن يحمل ما في هذا الباب مما قال فيه المصطفى صلى الله عليه وسلم إن فاعله لا يدخل الجنة مما ليس بشرك للأدلة المتقدمة، ولما يأتي في أحاديث الشفاعة.
والبوائق جمع بائقة وهي الداهية التي توبق صاحبها أي تهلكه، وقد تقدم ذكرها والله أعلم اهـ.
ولم يذكر المؤلف رحمه الله تعالى في هذا الباب إلا حديث أبي هريرة ولا متابعة فيه، وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد (2/ 373) وانفرد به عن أصحاب الأمهات.
***