الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
12 - بَابُ بَيَان حَقِّ اللهِ سبحانه وتعالى عَلَى الْعِبَادِ، وَحَقِّهِمْ عَلَى اللهِ تَعَالى، وَتَبْشير مَنْ لَقِيَ اللهَ تَعَالى بالتَّوحِيدِ بِالْجَنَّةِ، وَتَرْكِهِ خَوْفًا مِنِ اتِّكالِهِمْ عَلَى مُجَرَّدِ التَّوحِيدِ
51 -
(29) حَدَّثَنَا هَدَّابُ بْنُ خَالِدٍ الأزدِيُّ،
ــ
12 -
بَابُ بَيَان حَقِّ اللهِ سبحانه وتعالى عَلَى الْعِبَادِ، وَحَقِّهِمْ عَلَى اللهِ تَعَالى، وَتَبْشير مَنْ لَقِيَ اللهَ تَعَالى بالتَّوحِيدِ بِالْجَنَّةِ، وَتَرْكِهِ خَوْفًا مِنِ اتِّكالِهِمْ عَلَى مُجَرَّدِ التَّوحِيدِ
أي هذا باب معقود لبيان ما يحق ويجب لله سبحانه وتعالى على عباده المكلفين من عبادته بامتثال المأمورات، واجتناب المنهيات، وعدم الإشراك به شركًا جليًّا ولا خفيًّا، وبيان ما يحق ويجب للعباد على ربهم بمقتضى وعده وفضله إذا عبدوه ولم يشركوا به شيئًا، من عدم تعذيبهم وإدخالهم الجنَّة وتبشير من مات على التوحيد بالجنة في حق من لا يخاف منه الاتكال وتركه في غيره.
وترجم الأبي لهذا الحديث بقوله (باب حديث معاذ) وترجم له القرطبي بقوله (باب حق الله تعالى على العباد) ولم يترجم له النواوي ولا السنوسي ولا أكثر نسخ المتن، قال المؤلف رحمه الله تعالى:
(51)
- س (29)(حدَّثنا هدَّاب بن خالد) بن الأسود بن هُدبة (الأزدي) القيسي الثوباني أبو خالد البصري يقال فيه: هَدَّاب بفتح الهاء وتشديد الدال المهملة آخره جاء موحدة، ويقال فيه هدبة بضم أوله وسكون ثانيه وقد ذكره مسلم رحمه الله تعالى في مواضع من الكتاب يقول في بعضها هدبة وفي بعضها هداب واتفقوا على أن أحدهما اسمٌ والآخر لقب، ثم اختلفوا في الاسم منهما فقال أبو علي الغساني وصاحب المطالع وعبد الغني المقدسي وغيرهم: هدبة هو الاسم، وهداب لقب، وقال غيرهم: هداب اسمٌ وهُدبة لقب، واختاره ابن الصلاح، وأنكر الأول وقال أبو الفضل الفلكي: إنه كان يغضب إذا قيل له هُدبة، وذكره البُخاريّ في تاريخه فقال: هدبة بن خالد ولم يذكره هدابًا فظاهره أنَّه اختار أن هدبة هو الاسم، والبخاري أعرف من غيره فإنَّه شيخ البُخاريّ ومسلم رحمهم الله تعالى أجمعين.
روى عن هَمام بن يَحْيَى وحماد بن سلمة وسليمان بن المغيرة وأخيه أميَّة بن خالد
حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٌ
ــ
وجرير بن حازم وحماد بن زيد وحماد بن الجعد وصدقة بن موسى وغيرهم، ويروي عنه (خ م د) وأبو حاتم وحرب بن إسماعيل وعبد الله بن أحمد والبزار، وقال في التقريب: ثقة عابد، وقال ابن معين ثقة، وقال أبو حاتم: صدوق، وقال النَّسائيّ: ضعيف، وقال ابن عدي: لم أرَ له حديثًا منكرًا، وهو كثير الحديث صدوق لا بأس به، وقد وثقه النَّاس، وقال في التقريب: تفرد النَّسائيّ بتليينه، من صغار التاسعة، قال أبو داود: مات سنة (241) إحدى وأربعين ومائتين، وقيل سنة سبع أو ثمان وثلاثين ومائتين (238).
روى عنه المؤلف في الإيمان والجهاد والفضائل وآخر الكتاب في أربعة أبواب تقريبًا، قال هداب (حدَّثنا هَمَّام) بن يَحْيَى بن دينار الأزدي العوذي بفتح المهملة وسكون الواو وكسر المعجمة، مولى بني عَوذ بن سود بن الحجر أبو عبد الله البصري أحد الأئمة الأعلام، روى عن قتادة ويحيى بن أبي كثير ومحمد بن جحادة وأنس بن سيرين وعطاء بن أبي رباح والحسن ونافع وغيرهم، ويروي عنه (ع) وهدَّاب بن خالد وعفان وعبد الرحمن بن مهدي ويزيد بن هارون وعبد الصَّمد بن عبد الوارث وبشر بن السري وشيبان بن فروخ وأبو داود وخلق، وقال أحمد: ثبت في كل المشايخ، وقال أبو حاتم: ثقة، في حفظه شيء، وقال في التقريب: ثقة ربَّما وهم من السابعة، مات سنة (164) أربع وستين ومائة.
روى عنه المؤلف في الإيمان وفي الوضوء وفي الصَّلاة في أربعة مواضع وفي الزكاة والحج والبيوع في موضعين والديات والفضائل في موضعين والرحمة والزهد والعلم وفي حديث من كذب فجملة الأبواب التي روى المؤلف عنه فيها اثنا عشر بابا تقريبًا، قال همام (حدَّثنا قتادة) بن دعامة بن قتادة السدوسي الأعمى أبو الخطَّاب البصري، روى عن أنس بن مالك وابن المسيب وابن سيرين وخلق، ويروي عنه (ع) وهمام بن يَحْيَى وسعيد بن [أبي] عروبة وهشام الدستوائي وخلق، ثقة ثبت رأس الطبقة الرابعة، مات كهلًا سنة (117) سبع عشرة ومائة، وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في ستة وعشرين بابًا تقريبًا، قال قتادة (حدَّثنا أنس بن مالك) بن النضر بن ضمضم بن زيد بن حرام الأنصاري الخزرجي النجاري أبو حمزة البصري، خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم له ألف ومائتا حديث وستة وثمانون حديثًا (1286) وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في اثني عشر بابًا تقريبًا.
عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ قَال: كُنْتُ رِدْفَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، لَيسَ بَينِي وَبَينَهُ إلا مُؤْخِرَةُ الرَّحْلِ،
ــ
(عن معاذ بن جبل) بن عمرو بن أوس بن عائذ الأنصاري الخزرجي، أبي عبد الرحمن المدني له (157) مائة وسبعة وخمسون حديثًا، وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في الإيمان والصلاة في بابين.
وهذا السند من خماسياته ورجاله كلهم بصريون إلَّا معاذ بن جبل فإنَّه مدني ومن لطائفه أن فيه رواية صحابي عن صحابي (قال) معاذ (كنت ردف النَّبيّ صلى الله عليه وسلم أي راكبًا خلفه وراء المؤخرة كما هو شأن الرديف، قال النواوي: أما قوله (ردف) فهو بكسر الراء وإسكان الدال وهي الرّواية المشهورة التي ضبطها معظم الرواة، وحكى القاضي عياض أن أبا علي الطبري الفقيه الشَّافعي أحد رواة الكتاب ضبطه بفتح الراء وكسر الدال من غير ياء نظير عجل وحذر وزمن، اسم فاعل من فعل المكسور وليس بمعروف في الأسماء، وإن صحت رواية الطبري، والردف بكسر الراء وسكون الدال والرديف بالياء كلاهما صحيح رواية ولغة، وهما اسمان للراكب خلف الراكب، يقال منه ردفته أردفه بكسر الدال في الماضي، وفتحها في المضارع، إذا ركب خلفه وأردفته أنا بألف وأصله من ركوبه على الردف وهو العجز بمعنى أركبته على الردف أي على الموضع الذي يسمى الردف وهو عجز الدابة أي كنت راكبًا معه صلى الله عليه وسلم على دابته، والحال أنه (ليس بيني وبينه) صلى الله عليه وسلم (إلَّا مؤخرة الرجل) أي إلَّا خشبة تسمى مؤخرة الرجل وهو الخشب الذي يستند إليه الراكب بظهره، وهذا كناية عن شدة قربه، لأنَّ القرب أوقع في نفس السامع لأنَّه أدل على الضبط، وأمَّا مؤخرة فبضم الميم بعدها همزة ساكنة ثم خاء مكسورة وهذا هو الصَّحيح، وفيه لغة أخرى (مُؤَخرة) بفتح الهمزة وفتح الخاء المشددة وأنكر ابن قتيبة فتح الخاء، وقال ثابت: مؤخرة الرجل ومقدمته بفتحهما، ويقال: آخرة الرجل بهمزة ممدودة وهذه أفصح وأشهر، فهذه ثلاث لغات مع التاء ومثلها مع حذف تاء التأنيث، فمجموع اللغات فيه ست، ومثلها يجري في مقدم الرجل، قال القرطبي: هكذا وقع ها هنا مؤخرة وقرأناه على من يوثق بعلمه بضم الميم وفتح الراء والخاء مشددة على أنها اسم مفعول لأنها تؤخر وأنكر هذا اللفظ يعقوب وابن قتيبة وقالا: المعروف عند العرب آخرة الرحل، كما جاء في حديث أبي ذر، ولكن قد جاء مؤخرة في شعر أبي ذؤيب، والرحل للبعير كالسرج للفرس والإكاف للحمار اهـ.
فَقَال: "يَا مُعَاذَ (1) بْنَ جَبَلٍ"؛ قُلتُ: لَبَّيكَ رَسُولَ الله وَسَعْدَيكَ،
ــ
(فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (يا معاذ بن جبل) بفتح قال معاذ على الإتباع لحركة ابن وهو الأشهر وبضمها على أصل حركة بناء المنادى المفرد ولا خلاف في نصب ابن لأنَّه صفة منصوبة تبعًا لمحل المنادى المفرد كما هو القاعدة المشهورة عند النُّحاة في لفظ ابن واقع بين علمين (قلت) إجابة لندائه (لبيك) أي أجبت لك إجابة بعد إجابة يا (رسول الله وسعديك) أي وأطعتك طاعة بعد طاعة.
قال النواوي: وقوله (لبيك وسعديك) في معنى لبيك أقوال نشير هنا إلى بعضها وسيأتي إيضاحها في كتاب الحج إن شاء الله تعالى، والأظهر أن معناها: إجابة لك بعد إجابة للتأكيد، وقيل: معناها قربًا منك وطاعة لك، وقيل أنا مقيم على طاعتك، وقيل محبتي لك، وقيل غير ذلك، ومعنى سعديك أي ساعدت طاعتك مساعدة بعد مساعدة، وتكريره صلى الله عليه وسلم نداء معاذ فلتأكيد الاهتمام بما يخبره، وليكمل تنبه معاذ فيما يسمعه، وقد ثبت في الصَّحيح أنَّه صلى الله عليه وسلم كان إذا تكلم بكلمة أعادها ثلاثًا لهذا المعنى والله أعلم انتهى.
(فائدة مستظرفة) وأعلم أن لبيك مثنى مصدر لَبَّ الثلاثي، أو اسم مصدر لألَبَّ الرباعي من قولهم: ألب بالمكان إذا أقام به أضيف إلى ضمير المخاطب، وهو وسعديك من الألفاظ المثناة لفظًا [و] معناها التكرار لأنهم لما قصدوا به التكثير جعلوا التثنية علمًا على ذلك، لأنها أول تضعيف العدد وتكثيره، وفي القاموس: لب بالمكان كألبَّ إذا أقام به، ومنه لبيك أي أنا مقيم على طاعتك إلبابًا بعد إلباب، وإجابة بعد إجابة أو معناه اتجاهي وقصدي لك من داري، من قولهم: تَلُبُّ داره تواجهها أو معناه: محبتي لك من قولهم امرأة لَبَّةٌ أي محبة لزوجها أو معناه إخلاصي لك من قولهم حَسَبٌ لباب أي خالص، والَّلبُّ بالفتح اللازم المقيم، وبالضم السُّمُّ وخالص كل شيء، ومن النخل والجوز ونحوهما قلبها، والعقل (ج) أَلْبَابٌ وأَلُبٌّ وأَلْبُبٌ، وأصله لَبَبْتُ لبين لك أي أجبتك إجابة بعد إجابة، وإعرابه: لببت فعل وفاعل والتاء ضمير المتكلم في محل الرَّفع فاعل لبين منصوب على المفعولية المطلقة وعلامة نصبه الياء لأنَّه ملحق بالمثنى الذي رفعه بالألف، ونصبه وجره بالياء، والنون عوضٌ عن التنوين والحركة، لكَ جار ومجرور
(1) في نسخة: (يا معاذُ) بالرَّفع والنصب.
ثُمَّ سَارَ سَاعَةً، ثُمَّ قَال:"يَا مُعَاذُ بْنَ جَبَلٍ"؛ قُلْتُ: لَبَّيكَ رَسُولَ الله وَسَعْدَيكَ، ثُمَّ سَارَ سَاعَةً، ثُمَّ قَال:"يَا مُعَاذُ بْنَ جَبَل"؛ قُلتُ: لَبَّيكَ رَسُولَ اللهِ وَسَعْدَيكَ، قَال:
ــ
متعلق بلبين لأنَّه مصدر ليس الثلاثي فحذفت النون للإضافة، واللام للتخفيف فصار لبيك، وقيل: يقدر عامله من معناه تقديره أجبت لبيك أي أجبتك إجابتين.
وفي الصبان على الأشموني (قوله لبيك) أصله أُلِبُّ لك إلبابين أي أقيم لطاعتك إلبابًا كثيرًا لأن التثنية لإفادة التكرير نحو {ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَينِ} فحُذف الفعل وأقيم المصدر مقامه، وحُذفت زوائده، وحُذف الجار من المفعول وأضيف المصدر إليه فصار لبيك، كل ذلك ليسرع المجيب إلى التفرغ واستماع الأمر والنهي، ويجوز أن يكون من لبَّ بمعنى ألب، فلا يكون حينئذ محذوف الزوائد لأنَّ أصله ألب لبين لك قاله الرضيُّ اهـ. وسعديك اسم مصدر لأسعد الرباعي بمعنى ساعد وأعان وفي القاموس أسعده إذا أعانه، وسعديك إسعادًا بعد إسعاد وهو منصوب على المفعولية المطلقة بعامل محذوف وجوبًا مقدرٍ من لفظه، تقديره أُسْعِدُ سعديك أصله أُسعد سعد بن لك، أُسعد فعل مضارع من أسعد الرباعي مرفوع بضمة ظاهرة، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبًا تقديره أنا سعد بن منصوب على المفعولية المطلقة بأسعد وعلامة نصبه الياء لأنَّه ملحق بالمثنى في إعرابه كحواليك وعلامة نصبه الياء، والنون عوض عن التنوين والحركة، لك جار ومجرور متعلق بسعديك لأنَّه اسم مصدر لأسعد الرباعي فحُذفت النون للإضافة واللام للتخفيف فصار أسعد سعديك فحُذف العامل لنيابة المصدر منابه فصار سعديك، فالناصب في لبيك فعل من لفظه أو من معناه، وفي سعديك فعل من لفظه، وقال الموضح وغيره: ولا يستعمل سعديك إلَّا بعد لبيك فهو كالتوكيد له، وأمَّا لبيك فيستعمل وحده وأنشد لسان الحال:
إن يُغْنِيا عَنِّي المُسْتَوطِنا عَدَنْ
…
فإنني لستُ يومًا عنهما بِغَنْ
قال يس: وعوام مصر يفردون سعديك عن لبيك اهـ حمدون.
(ثم) بعد إجابتي له صلى الله عليه وسلم (سار) ومشى رسول الله صلى الله عليه وسلم راكبًا على دابته (ساعة) أي زمنًا قليلًا لا خصوص الساعة المعروفة عند الميقاتيين (ثم قال) ثانيًا (يا معاذ بن جبل) فـ (ـقلت) إجابة لندائه (لبيك رسول الله وسعديك ثم سار ساعة ثم قال) ثالثًا (يا معاذ بن جبل قلت لبيك رسول الله وسعديك) فـ (ـقال) في المرة
"هَلْ تَدْرِي مَا حَقُّ اللهِ عَلَى الْعِبَادِ؟ " قَال: قُلْتُ: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَال:"فَإنَّ حَقَّ اللهِ عَلَى الْعِبَادِ أَنْ يَعْبُدُوهُ وَلَا يُشْرِكُوا بِهِ شَيئًا"، ثُمَّ سَارَ سَاعَةً، ثم قَال:"يَا مُعَاذُ بْنَ جَبَلٍ"؛ قُلْتُ: لَبَّيكَ رَسُولَ اللهِ وَسَعْدَيكَ، قَال:"هَلْ تَدْرِي مَا حَقُّ الْعِبَادِ عَلَى الله إِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ؟ " قَال: قُلْتُ: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَال:"أَنْ لَا يُعَذِّبَهُمْ"
ــ
الثالثة (هل تدري) وتعلم يا معاذ (ما حق الله على العباد) أي ما يحق ويجب لله سبحانه على عباده المكلفين، وما استفهامية في محل الرَّفع مبتدأ، وحق الله خبرها، والجملة الاسمية سادة مسد مفعولي درى لأنها علقت عنها باسم الاستفهام والكلام على حذف مضاف؛ أي هل تدري جواب ما حقيقة حق الله على العباد لأنَّ (ما) يُسئل بها عن الحقيقة (قال) معاذ (قلت الله ورسوله أعلم) سلوكًا مسلك التأدب معه صلى الله عليه وسلم (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم مبينًا له (فإن حق الله) سبحانه وتعالى (على العباد) والفاء في قوله فإن حق الله فاء الفصيحة لأنها أفصحت عن جواب شرط مقدر تقديره إذا فوضت العلم إلى الله ورسوله وأردت بيانه لك فأقول لك إن أصل وأساس ما يجب لله تعالى على عباده (إن يعبدوه) أي أن يفردوه بالعبادة (ولا يشركوا به) سبحانه (شيئًا) من المخلوقات أو شيئًا من الإشراك كما مر نظيره (ثم سار) صلى الله عليه وسلم (ساعة) أي زمنًا قليلًا (ثم قال يا معاذ بن جبل قلت لبيك رسول الله وسعديك قال) لي (هل تدري) وتعلم (ما حق العباد) أي جواب ما حقيقة ما يجب ويثبت للعباد (على الله) سبحانه وتعالى بمقتضى وعده ومحض فضله (إذا فعلوا ذلك) الواجب لله سبحانه عليهم وأدوه فعلًا كان أو قولًا أو اعتقادًا (قال) معاذ (قلت الله ورسوله أعلم قال) صلى الله عليه وسلم مبينًا له حق العباد على الله إذا فعلوا ذلك (إن لا يعذبهم) في الآخرة بالنار، في حق من كان بريئًا من الكبائر أو تاب عنها أو عفا الله عنها وأن لا يخلدهم في العذاب في حق من لم يكن كذلك.
قال الأبي: (قوله هل تدري
…
إلى آخره) هو استفهام حقيقة، وحق الله تعالى على العباد ما أوجبه عليهم، من حق الشيء إذا ثبت وحقهم عليه هو ما وجب لهم شرعًا بوعده الصادق لا بالعقل كما تقوله المعتزلة، ويحتمل أنَّه من مجاز المقابلة كـ (مكروا ومكر الله)، إذ لا يجب عليه تعالى شيء، قوله (ولا يشركوا به) قال بعضهم: إنه إشارة إلى الإخلاص اهـ منه قال القرطبي: وحق الله على عباده ما أوجبه عليهم بحكمه وألزمهم
52 -
(00) حَدَّثَنَا أبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو الأَحْوَصِ سَلَّامُ بْنُ سُلَيمٍ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيمُونٍ،
ــ
إياه بخطابه، وحق العباد على الله هو ما وعدهم به من الثواب والجزاء فحق ذلك ووجب بحكم وعده الصدق، وقوله الحق الذي لا يجوز عليه الكذب في الخبر ولا الخلف في الوعد، فالله تعالى لا يجب عليه شيء بحكم الأمر إذ لا أمر فوقه ولا بحكم العقل، إذ العقل كاشف لا موجب.
وإنَّما كرر النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم نداء معاذ ثلاثًا ليستحضر ذهنه وفهمه، وليشعره بعظم ما يلقيه عليه كما مر انتهى.
وهذا الحديث شارك المؤلف رحمه الله تعالى في روايته البُخاريّ (7373) والترمذي (2645) وابن ماجة (4296) وأحمد (5/ 238).
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه فقال:
(52)
- متا (00)(حدَّثنا) عبد الله بن محمَّد (أبو بكر بن أبي شيبة) إبراهيم بن عثمان العبسي مولاهم الحافظ الكوفيِّ ثقة حافظ صاحب تصانيف من العاشرة، مات سنة (235) خمس وثلاثين ومائتين، وقد تقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في ستة عشر بابا قال أبو بكر (حدَّثنا أبو الأحوص سلام بن سليم) الحنفي مولاهم الحافظ الكوفيِّ ثقة متقن من السابعة، مات سنة (179) تسع وسبعين ومائة، وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في اثني عشر بابا.
(عن أبي إسحاق) عمرو بن عبد الله بن ذي يُحْمِد الهمداني السبيعي بفتح السِّين نسبة إلى سَبِيعِ من همدان، ثقة عابد من الثالثة اختلط بآخره، مات سنة (129) تسع وعشرين ومائة، وقد تقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في أحد عشر بابًا تقريبًا.
(عن عمرو بن ميمون) الأودي أبي عبد الله الكوفيِّ، روى عن معاذ بن جبل وعائشة وعبد الله بن مسعود وابن أبي ليلى، ويروي عنه (ع) وأبو إسحاق السبيعي والشعبي وزياد بن علاقة والربيع بن خثيم وغيرهم، وقال في التقريب: مخضرم مشهور ثقة عابد، مات سنة (74) أربع وسبعين وقيل بعدها.
عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ قَال: كُنْتُ رِدْفَ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم، عَلَى حِمَارٍ يُقَالُ لَهُ: عُفَيرٌ،
ــ
روى عنه المؤلف في الإيمان في موضعين وفي الصوم والجهاد والدعاء في أربعة أبواب تقريبًا (عن) أبي عبد الرحمن (معاذ بن جبل) الأنصاري الخزرجي المدني رضي الله تعالى عنه، وهذا السند من خماسياته ورجاله كلهم كوفيون إلَّا معاذ بن جبل فإنَّه مدني، ومن لطائفه أن فيه رواية تابعي عن تابعي، وغرضه بسوق هذا السند بيان متابعة عمرو بن ميمون لأنس بن مالك في رواية هذا الحديث عن معاذ بن جبل، وفائدة هذه المتابعة بيان كثرة طرقه لأنَّ المتابع بفتح الباء أقوى من المتابع بكسرها لأن الأوَّل صحابي فلا يحتاج إلى التقوية (قال) معاذ بن جبل (كنت ردف رسول الله صلى الله عليه وسلم أي راكبًا خلفه (على حمار) له صلى الله عليه وسلم (يقال له) أي لذلك الحمار (عُفير) بضم أوله مصغرًا، بعين مهملة مضمومة ثم فاء مفتوحة هذا هو الصواب في الرِّواية وفي الأصول المعتمدة وفي كتب أهل المعرفة بذلك قال ابن الصلاح: وقول القاضي عياض إنه بغين معجمة متروك، قال ابن الصلاح: وهو الحمار الذي كان له صلى الله عليه وسلم قيل: إنه مات في حجة الوداع قال وهذا الحديث يقتضي أن يكون هذا في مرَّة أخرى غير المرة المتقدمة في الحديث السابق، فإن مؤخرة الرحل تختص بالإبل ولا تكون على حمار (قلت) ويحتمل أن يكونا قضية واحدة، وأراد في الحديث الأوَّل قدر مؤخرة الرحل والله أعلم اهـ نووي.
قال القرطبي وهو تصغير أعفر تصغير ترخيم كسُويَد تصغير أسود، والمشهور اسم حماره صلى الله عليه وسلم أنَّه يعفور، وقال أيضًا: إن كانت هاتان الروايتان قضية واحدة فقد تجَوَّز بعض الرواة في تسمية الإكاف رحلًا، ويحتمل أن تكون تلك قضية واحدة تكررت مرتين والله أعلم.
وقال أيضًا: وفي الحديث ما يدل على جواز ركوب اثنين على حمار واحد وعلى تواضع النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم اهـ.
وفي الأبي: ولم يذكر في هذه الرِّواية "أنَّه ليس بيني وبينه إلَّا مؤخرة الرحل" فإن كانت القضية واحدة فيكون الراوي تجوز في إطلاق الرجل على الإكاف وإن تكررت فواضح اهـ.
قَال: فَقَال: "يَا مُعَاذُ؟ أتَدرِي (1) مَا حَقُّ اللهِ عَلَى الْعِبَادِ وَمَا حَقُّ الْعِبَادِ عَلَى اللهِ؟ ! " قَال: قُلْتُ: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَال:"فَإِن حَقَّ اللهِ عَلَى الْعِبَادِ أَنْ يَعْبُدُوا اللهَ وَلَا يُشْرِكُوا بِهِ شَيئًا، وَحَقُّ الْعِبَادِ عَلَى اللهِ عز وجل أَنْ لَا يُعَذِّبَ مَنْ لَا يُشْرِكُ بِهِ شَيئًا"، قَال: قُلْتُ: يَا رَسُولَ الله؛ أفَلا أُبَشِّرُ النَّاسَ، قَال:"لَا تُبَشِّرْهُمْ فَيَتَّكِلُوا"
ــ
(قال) معاذ (فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (يا معاذ) بلا نسبة إلى جبل (أتدري) أي هل تدري وتعلم إما حق الله على العباد وما حق العباد على الله قال) معاذ (قلت) له (الله ورسوله أعلم قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم مبينًا للحقَّين إذا فوضت عليهما إلى الله ورسوله وأردت بيانهما (فـ) ـأقول لك (إن حق الله على العباد) أي ما يجب لله تعالى على عباده (أن يعبدوا الله) سبحانه ويطيعوه بامتثال المأمورات واجتناب المنهيات (و) أن (لا يشركوا به) تعالى (شيئًا) من المخلوقات حيًّا وميتًا جنيًّا وإنسيًّا وملكًا جمادًا وحيوانًا أو لا يشركوا به شيئًا من الإشراك جليًّا ولا خفيًّا، قال بعض الشيوخ: وهذا إشارة إلى مقام الإخلاص كما مر آنفًا (وحق العباد) أي ما يستحقونه على ربهم بمقتضى وعده وفضله (على الله عز) أي اتصف بالكمالات (وجل) أي تنزه عن النقائص (إن لا يُعذب) في الآخرة (من لا يشرك به شيئًا) من المخلوق أو شيئًا من الإشراك، وهو على التأويل المار فلا تغفل عنه (قال) معاذ (قلت يا رسول أفلا أبشر النَّاس) بهذه البشارة العظيمة، والهمزة فيه للاستفهام التقريري داخلة على محذوف والفاء عاطفة ما بعدها على ذلك المحذوف، والتقدير أأكتم هذه البشارة فلا أبشر بها النَّاس؟
(قال) لي رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا تبشرهم) أي لا تبشر النَّاس بهذه البشارة، والفاء في قوله (فيتكلوا) أي فيكتفوا بمجرد التوحيد عن العمل الصالح عاطفة سببية والفعل بعدها منصوب بأن مضمرة وجوبًا بعد الفاء السببية الواقعة في جواب النَّهي نظير قوله تعالى {وَلَا تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيكُمْ غَضَبِي} وعلامة نصبه حذف النون لأنَّه من الأفعال الخمسة والواو فاعل والجملة الفعلية صلة أن المضمرة، أن مع صلتها في تأويل مصدر معطوف على مصدر متصيد من الجملة التي قبلها من غير سابك لإصلاح المعنى تقديره: لا يكن منك يا معاذ تبشير النَّاس بهذه الشارة فاتكالهم على مجرد التوحيد فتفوتهم الدرجات العُلى.
(1) في نسخة: (تدري).
53 -
(00) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ، قَال ابْنُ الْمُثَنَّى: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أبِي حَصِينٍ
ــ
وإنَّما كرر المتن في هذه الرِّواية الثَّانية لما فيها من المخالفة للرواية الأولى ببعض زيادة وبعض نقصان، ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث معاذ بن جبل رضي الله تعالى عنه فقال:
(53)
- متا (00)(حدَّثنا محمَّد بن المثني) بن عبيد بن قيس العنزي بفتح العين والنون أبو موسى البصري المعروف بالزَّمن ثقة ثبت من العاشرة، مات سنة (252) اثنتين وخمسين ومائتين، وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في أربعة عشر بابًا تقريبًا.
(و) محمَّد (ابن بشار) بن عثمان العبدي أبو بكر البصري الملقب بِبُندار، ثقة من العاشرة، مات سنة اثنتين وخمسين ومائتين (252) وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في اثني عشر بابًا تقريبًا، وفائدة هذه المقارنة بيان كثرة طرقه لأنَّ الراويين كلاهما ثقتان، وأتى بجملة قوله (قال ابن المثني حدَّثنا محمَّد بن جعفر) إشارة إلى أن ابن بشار إنَّما روى بالعنعنة لا بصيغة السماع، وهذا هو لطيفة تقديمه في الذكر عند المقارنة أي قال حدَّثنا محمَّد بن جعفر الهذلي مولاهم المدني أبو عبد الله البصري الملقب بغندر، من التاسعة مات سنة (193) ثلاث وتسعين ومائة، وتقدم البسط في ترجمته، وأن المؤلف روى عنه في ستة أبواب تقريبًا، قال محمَّد بن جعفر (حدَّثنا شعبة) بن الحجاج بن الورد العتكي أبو بسطام البصري، ثقة حافظ متقن من السابعة مات سنة (160) ستين ومائة، وتقدم البسط في ترجمته، وأن المؤلف روى عنه في ثلاثين بابًا تقريبًا.
(عن أبي حصين) بفتح الحاء المهملة، عثمان بن عاصم بن حصين الأسدي الكوفيِّ أحد الأئمة الإثبات روى عن الأسود بن هلال وأبي صالح ويحيى بن وشباب والشعبي وأبي وائل وغيرهم، ويروي عنه (ع) وشعبة وزائدة والثوري وإبراهيم بن طهمان ومالك بن مغولى وأبو عوانة وخلق، وقال في التقريب: ثقة ثبت سني وربما دلس عالم صاحب سنة، وثقه ابن معين والنَّسائيُّ وغيرهما وكان يقول إن عاصم بن بهدلة أكبر منه بسنة من الرابعة مات سنة (127) سبع وعشرين ومائة وقيل بعدها، روى عنه المؤلف في
وَالأَشْعَثِ بْنِ سُلَيمٍ؛ أَنَّهُمَا سَمِعَا الأَسْوَدَ بْنَ هِلالٍ يُحَدِّثُ عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَل قَال: قَال رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "يَا مُعَاذُ؛ أَتَدْرِي مَا حَق الله عَلَى الْعِبَادِ؟ ! " قَال: الله وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَال:"أَنْ يُعْبَدَ الله وَلَا يُشْرَكَ بِهِ شَيءٌ"،
ــ
الإيمان والصلاة والجنائز والحدود والجهاد في خمسة أبواب (و) عن (الأشعث بن سليم) بن الأسود المحاربي الكوفيِّ وسليم أبوه هو أبو الشعثاء، روى عن الأسود بن هلال وأبيه أبي الشعثاء وجعفر بن أبي ثور والأسود بن يزيد ومعاوية بن سويد بن مقرن، ويروي عنه (ع) وشعبة وأبو الأحوص وشيبان بن عبد الرحمن والثوري وزائدة وزهير بن معاوية وأبو عوانة وأبو إسحاق الشيباني وليث بن أبي سليم، وقال في التقريب ثقة من السادسة مات سنة (125) خمس وعشرين ومائة، روى عنه المؤلف في الإيمان والوضوء وفي الصَّلاة في موضعين والنكاح والحج والأطعمة في ستة أبواب وفائدة هذه المقارنة بيان كثرة طرقه.
أي روى شعبة عنهما (أنهما) أي أن أبا حصين وأن الأشعث بن سليم (سمعا الأسود بن هلال) المحاربي أبا سلام الفقيه الكوفيّ فقيه جليل مخضرم روى عن معاذ بن جبل والمغيرة بن شعبة وعمر وابن مسعود وثعلبة بن زهدم، ويروي عنه (خ م د س) وإبراهيم وأبو حصين وأشعث بن أبي الشعثاء وعدة، وقال في التقريب: ثقة من الثَّانية مات سنة (84) أربع وثمانين وثقه ابن معين والنَّسائيُّ والعجلي وأثنى عليه أحمد، روى عنه المؤلف في الإيمان وفي الوضوء في بابين فقط.
حالة كون الأسود (يحدث) ويروي (عن) أبي عبد الرحمن (معاذ بن جبل) الأنصاري الخزرجي المدني، وهذا السند من سداسياته ورجاله ثلاثة منهم بصريون واثنان كوفيان وواحد مدني وغرضه بسوق هذا السند بيان متابعة الأسود بن هلال لعمرو بن ميمون وأنس بن مالك في رواية هذا الحديث عن معاذ بن جبل.
(قال) معاذ بن جبل (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا معاذ أتدري) أي هل تدري وتعلم (ما حق الله) تعالى (على العباد قال) معاذ (الله ورسوله أعلم) بذلك (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم حق الله على العباد (إن يعبد الله) بالبناء للمجهول أي يفرد الله سبحانه وتعالى بالعبادة (ولايشرك به) سبحانه وتعالى (شيء) من المخلوقات ببناء الفعل للمجهول أيضًا وهذا هو الظاهر في الرِّواية والمعنى أعني بناء يشرك للمفعول
قَال: "أَتَدْرِي مَا حَقُّهُمْ عَلَيهِ إِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ؟ ! " فَقَال: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعلَمُ، قَال:"أَنْ لَا يُعَذِّبَهُمْ".
54 -
(00) حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ زَكَرِيَّاءَ، حَدَّثَنَا حُسَين
ــ
ورفع شيء وقال ابن الصلاح: ووقع في الأصول شيئًا بالنصب ووجهه على رواية ضم ياء يشرك أن يكون منصوبًا على المصدر لا على المفعول به أي لا يشرك به إشراكًا ويكون الجار والمجرور هو القائم مقام الفاعل اهـ بينوسي.
(قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (أتدري) وتعلم يا معاذ (ما حقهم) أي ما حق العباد (عليه) سبحانه وتعالى (إذا فعلوا) أي إذا فعل العباد (ذلك) المذكور من عبادته وعدم الإشراك به (فقال) معاذ (الله ورسوله أعلم قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم حقهم على الله تعالى (إن لا يعذبهم) الله تعالى أي عدم تعذيب الله إياهم لأنهم أدوا حقه فوجب لهم عليه ما وعدهم بمقتضى فضله وهو إدخالهم الجنَّة بلا سبق تعذيب أو بعد المجازاة على سيء أعمالهم وكرر متن الحديث في هذه المتابعة لما فيها من المخالفة للرواية قبلها في بعض الكلمات ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث معاذ بن جبل فقال:
(54)
- متا (00)(حدَّثنا القاسم بن زكرياء) بن دينار القرشي أبو محمَّد الطحان الكوفيّ وربما نسب إلى جده روى عن حسين الجعفي وعبيد الله بن موسى وخالد بن مخلد، ويروي عنه (م ت س ق) وغيرهم ووثقه النَّسائيّ، وقال في التقريب: ثقة من الحادية عشرة مات في حدود (250) الخمسين ومائتين روى عنه المؤلف في كتاب الإيمان والصلاة والوضوء وغيرها قال القاسم (حدَّثنا حسين) بن علي بن الوليد الجعفي مولاهم أبو عبد الله الكوفيِّ، قال النواوي: هكذا حسين بالسين في الأصول وهو الصواب ووقع في بعض الأصول حصين بالصاد وهو غلط وهو حسين بن علي الجعفي وقد كررت روايته عن زائدة في الكتاب ولا يعرف حصين بالصاد عن زائدة، روى عن زائدة والأعمش ومجمع بن يَحْيَى وجعفر بن برقان وفضيل بن مرزوق وغيرهم ويروي عنه (ع) والقاسم بن زكرياء وإسحاق بن منصور وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وغيرهم، وقال في التقريب: ثقة عابد من التاسعة مات سنة (203) ثلاث أو أربع ومائتين وله (84) أربع
عَنْ زَائدَةَ، عَنْ أَبِي حَصِينٍ، عَنِ الأَسْوَدِ بْنِ هِلالٍ قَال: سَمِعْتُ مُعَاذًا يَقُولُ: دَعَانِي رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم .. فَأجَبْتُهُ، فَقَال: "هَلْ تَدْرِي مَا حَقُّ اللهِ عَلَى النَّاسِ؟ !
…
" نَحْوَ حَدِيثِهِمْ
ــ
أو خمس وثمانون سنة، روى عن المؤلف في الإيمان والصلاة في موضعين وفي الفضائل في أبواب ثلاثة تقريبًا.
(عن زائدة) بن قدامة الثَّقفيّ البكري أبي الصلت -بفتح أوله وسكون ثانيه- الكوفيِّ، روى عن أبي حصين والمختار بن فلفل وهشام بن حسَّان وسماك بن حرب وأبي الزناد ومنصور وهشام بن عروة وزياد بن علاقة وخلق، ويروي عنه (ع) وحسين الجعفي ومعاوية بن عمرو وأبو أسامة وموسى القارئ وابن عيينة وابن مهدي وأحمد بن يونس وغيرهم، وقال في التقريب: ثقة ثبت صاحب سنة من السابعة مات سنة (160) ستين ومائة وقيل بعدها وليس في مسلم زائدة إلَّا هذا الثقة.
روى عنه المؤلف في الإيمان والصلاة في ثلاثة مواضع والزكاة في موضعين والصوم في ثلاثة مواضع والنكاح في ثلاثة مواضع والدلائل والحدود والفضائل والضحايا والدعاء فجملة الأبواب التي روى المؤلف عنه فيها عشرة تقريبًا.
(عن أبي حصين) بفتح الحاء المهملة عثمان بن عاصم الأسدي الكوفيِّ (عن الأسود بن هلال) المحاربي الكوفيِّ (قال) الأسود (سمعت معاذًا) بن جبل (يقول دعاني) أي ناداني (رسول الله صلى الله عليه وسلم فأجبته) أي فأجبت نداءه (فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (هل تدري) وتعلم يا معاذ (ما حق الله) سبحانه وتعالى (على النَّاس) المكلفين وقوله (نحو حديثهم) بضمير الجمع تحريمٍ من النساخ والصَّواب نحو حديثه بالإفراد لأنَّ المتابع بفتح الباء واحد وهو شعبة وهو مفعول لفعل محذوف تقديره وساق زائدة نحو حديث شعبة عن أبي حصين، وغرض المؤلف بسوق هذا السند بيان متابعة زائدة بن قدامة لشعبة بن الحجاج في رواية هذا الحديث عن أبي حصين وفائدة هذه المتابعة بيان كثرة طرقه لأنَّ المتابع والمتابع كلاهما ثقتان.
قال النواوي: قوله في آخر روايات حديث معاذ (نحو حديثهم) يعني أن القاسم بن زكريا شيخ مسلم في الرّواية الرابعة رواه نحو رواية شيوخ مسلم الأربعة المذكورة في
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الروايات الثلاثة المتقدمة وهم هداب وأبو بكر بن أبي شيبة ومحمد بن المثني وابن بشار والله أعلم اهـ. والصَّواب ما قلنا لأن المتابعة لا تقع غالبًا في مشايخ مسلم بل إنَّما يأتي فيهم بحاء التحويل ورجال هذا السند كلهم كوفيون إلَّا معاذ بن جبل فإنَّه مدني.
ولم يذكر المؤلف في هذا الباب إلَّا حديثًا واحدًا حديث معاذ بن جبل وذكر فيه ثلاث متابعات.
***