الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
3 - بَابُ عَرْضِ الرَّجُلِ مَا عِنْدَهُ عَلَى المُحَدِّثِ؛ ليسْتَثْبِتَ فِيهِ، وَاكْتِفَاءِ الحَاضِرِينَ بِسُؤالِ البَادِي الوَافِدِ الإِمَامَ عَمَّا أَشْكَلَ عَلَيهِمْ مِنْ أُمُورِ الدِّينِ إِذَا هَابُوهُ
10 -
(12) حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ بُكَيرٍ النَّاقِدُ،
ــ
3 -
بَابُ عَرْضِ الرَّجُلِ مَا عِنْدَهُ عَلَى المُحَدِّثِ؛ ليسْتَثْبِتَ فِيهِ، وَاكْتِفَاءِ الحَاضِرِينَ بِسُؤالِ البَادِي الوَافِدِ الإِمَامَ عَمَّا أَشْكَلَ عَلَيهِمْ مِنْ أُمُورِ الدِّينِ إِذَا هَابُوهُ
أي هذا باب معقود في بيان جواز عرض الرجل ما عنده من العلم على المحدث والعالم ليستثبت فيه أي فيما عنده من بعض العلم ويستيقنه ألا ترى أن البخاري ترجم لهذا الحديث بقوله: (باب القراءة والعرض على المحدث) وهذا الذي ذكرنا ظاهر في دلالة منطوق الحديث عليه وباب بيان جواز اكتفاء الحاضرين عند المحدث أو العالم أر المفتي أو المرشد بسؤال الشخص البدوي الوافد عليه له عن سؤالهم له عما أشكل عليهم من أمور الدين إذا خافوا من سؤاله هيبة منه، وهذا أيضًا مما يدل عليه منطوق الحديث، ولم يترجم لهذا الحديث الأبي والسنوسي وجعلاه شاهدا لحديث طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه وترجم له النووي بقوله (السؤال عن أركان الإسلام) والسؤال عنها تقدم في حديث جبريل وفي حديث طلحة بن عبيد الله وليس في ترجمته كبير فائدة والله أعلم.
(10)
- س (12) وبالسند المتصل قال المؤلف رحمه الله تعالى (حدثني عمرو بن محمد بن بكير) بن شابور بشين معجمة (الناقد) أبو عثمان البغدادي الحافظ، روى عن أبي النضر هاشم بن القاسم وسفيان بن عيينة وحاتم بن إسماعيل ومعتمر بن سليمان وغيرهم، ويروي عنه (خ م دس) والفريابي والبغوي وغيرهم، قال أبو حاتم: ثقة مأمون، وقال في التقريب ثقة حافظ من العاشرة مات ببغداد سنة (232) اثنتين وثلاثين ومائتين، روى عنه المؤلف في كتاب الإيمان وفي الصلاة في خمسة مواضع وفي الجنائز في ثلاثة مواضع وفي الزكاة في موضعين وفي النكاح في موضعين وفي البيوع وفي الجهاد وفي الصلة والبر وفي حق الجار وفي القدر وفي الزهد فجملة الأبواب التي روى المؤلف عنه فيها أحد عشر بابًا تقريبًا.
حَدَّثَنَا هَاشِمُ بْنُ الْقَاسِمِ (1)، حَدَّثَنَا سُلَيمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أنسِ بْنِ مَالِكٍ
ــ
قال عمرو بن محمد (حدثنا هاشم بن القاسم) بن مسلم بن مقسم الليثي مولاهم أبو النضر البغدادي الحافظ مشهور بكنيته ولقبه قيصر خراساني الأصل روى عن سليمان بن المغيرة وعكرمة بن عمار وعبيد الله الأشجعي وغيرهم، ويروي عنه (ع) وعمرو الناقد وأبو بكر بن أبي النضر ابنه أو حفيده وأحمد بن حنبل واسحاق بن راهويه وآخرون، قال العجلي: ثقة صاحب سنة، كان أهل بغداد يفتخرون به، وقال في التقريب: ثقة ثبت من التاسعة مات سنة (207) وله ثلاث وسبعون سنة (73) روى عنه المؤلف في الإيمان وفي الصلاة في ثلاثة مواضع وفي الصوم والجهاد وفي التفسير وفي الأشربة وفي الأدب وفي الفضائل وفي صفة الجنة وفي آخر الكتاب فجملة الأبواب التي روى المؤلف عنه فيها عشرة أبواب تقريبًا.
قال أبو النضر (حدثنا سليمان بن المغيرة) القيسي مولاهم أبو سعيد البصري يقال مولى قيس بن ثعلبة بن بكر بن وائل روى عن ثابت البناني والحسن وابن سيرين وغيرهم، ويروي عنه (ع) والثوري وأبو أمامة وهاشم بن القاسم وغيرهم، قال في التقريب: ثقة من السابعة مات سنة (165) خمس وستين ومائة روى عنه المؤلف في الإيمان والوضوء والصلاة في موضعين والنكاح والأطعمة وشرف النبي صلى الله عليه وسلم وعذاب القبر والجهاد والفضائل فجملة الأبواب التي روى المؤلف عنه فيها تسعة أبواب تقريبًا.
(عن ثابت) بن أسلم بن موسى البناني نسبة إلى بنانة من بني سعد بن لؤي بن غالب، أو إلى موضع لهم بالبصرة مولاهم أبي محمد البصري أحد الأعلام روى عن أنس وابن عمر وابن الزبير وعبد الله بن مغفل وخلق من التابعين، ويروي عنه (ع) وسليمان بن المغيرة وشعبة والحمادان ومعمر وأمم، قال في التقريب: ثقة عابد من الرابعة مات سنة بضع وعشرين ومائة. روى عنه المؤلف في الإيمان في ثلاثة مواضع وفي الصلاة في ثلاثة مواضع وفي الصوم في موضعين والحج والأطعمة والجنائز واللباس والبر وفي ذكر الأنبياء وفي الأشربة وفي الفضائل في موضعين وفي أبواب الرفق والاستغفار فجملة الأبواب التي روى المؤلف عنه فيها اثنا عشر بابا تقريبًا.
(عن أنس بن مالك) بن النضر بن ضمضم بن زيد بن حرام الأنصاري الخزرجي
(1) في نسخة زيادة: (أبو النضر).
قَال: نُهِينَا أَنْ نَسْأَلَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ شَيءٍ، فَكَانَ يُعْجِبُنَا أنْ يَجِيءَ الرَّجُلُ مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ الْعَاقِلُ
ــ
النجاري وأمه أم سليم بنت ملحان بن خالد بن زيد بن حرام أبي حمزة خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم له ألف ومائتا حديث وستة وثمانون حديثًا (1286) روى عن معاذ بن جبل ومحمود بن الربيع وعتبان بن مالك وأبي ذر وعبد الله بن مسعود وأبي هريرة وعمر وجماعة من الصحابة، ويروي عنه (ع) وثابت وأبو قلابة والزهري وسليمان التيمي وبنوه موسى والنضر وأبو بكر والحسن البصري وخلق لا يحصون مات سنة (93) اثنتين أو ثلاث وتسعين وقد جاوز المائة وهو آخر من مات بالبصرة من الصحابة رضوان الله تعالى عليهم.
روى عنه المؤلف في الإيمان وفي الوضوء وفي الصلاة وفي الجنائز وعذاب القبر في موضعين وفي الصوم والنكاح والجهاد في موضعين وفي الدلائل وفي الفضائل في ثلاثة مواضع وفي الرؤيا وفي الدعاء في موضعين فجملة الأبواب التي روى المؤلف عنه فيها اثنا عشر بابا تقريبًا، وهذا السند من خماسياته، ورجاله خمسة اثنان منهم بغداديان وثلاثة بصريون.
(قال) أنس رضي الله عنه (نهينا) أي زجرنا ومنعنا معاشر الصحابة بقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ} [المائدة: 101](أن نسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن شيء) لا ضرورة لنا إليه في الدين فلا يعارض ما تقدم من قوله صلى الله عليه وسلم "سلوني" لأن ذلك في السؤال عما يحتاجون إليه والحاصل أنه يجمع بين الآية والحديث بأن النهي في الآية في السؤال عما لا يحتاجون إليه والأمر في الحديث في السؤال عما يحتاجون إليه (فكان) الشأن (يعجبنا) ويُحبنا ويبشرنا (أن يجيء) ويأتي (الرجل من أهل البادية) أي من سكان البادية، والبادية ضد الحاضرة والعمران، والبدوي من سكن البادية، والبداوة بكسر الباء وحكي فتحُها الإقامةُ بالبادية (العاقل) صفة للرجل لأنه أعرف بكيفية السؤال وآدابه والمهم منه، وبحسن السؤال والمراجعة إن احتيج إليها فيكثر الانتفاع بالجواب لأن هذه أسباب كثرة الانتفاع بالجواب، قال القاضي عياض واستحبابهم أن يكون بدويًّا لكونه لم يبلغه النهي عن السؤال، أو لأنه أعذر في جفاء الأعراب، ولهذا جاء في الحديث "من بدا جفا" وأن يكون عاقلًا ليسأل عن المحتاج إليه ويجيد السؤال والمراجعة إن احتيج إليها فيكثر النفع اهـ.
فَيَسْأَلَهُ وَنَحْنُ نَسْمَعُ، فَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ، فَقَال: يَا مُحَمَّدُ؛ أَتَانَا رَسُولُكَ فَزَعَمَ لَنَا أَنَّكَ تَزْعُمُ أَن اللهَ
ــ
قال الأبي: ومثله اتفق لأصحاب مالك كانوا لا يكثرون من سؤاله هيبة له، فكانوا يتمنون أن يقدم الغريب فيسأله اهـ.
والمراد بالبدوي هنا من لم يبلغه النهي عن السؤال وإن كان حضريًّا وقوله (فيسأله) بالنصب معطوف على يجيء، وجملة (ونحن نسمع) حال من ضمير المفعول في يسأله والرابط محذوف والتقدير أي فيسأل ذلك الرجل البدوي النبي صلى الله عليه وسلم والحال أنا نسمعه صلى الله عليه وسلم أي نسمع جوابه فنستفيد منه (فجاء رجل من أهل البادية) وسكانها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال القرطبي: هذا الرجل هو ضمام بكسر الضاد المعجمة بن ثعلبة البكري أخو بني سعد بن بكر قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم سنة تسع قاله أبو عبيدة، وقيل سنة سبع وقال محمد بن حبيب سنة خمس وهو أبعدها لأن فرض الحج لم يكن نزل إذ ذاك وأولى ما يقال إن ضمامًا قدم على النبي صلى الله عليه وسلم سنة تسع كما قاله أبو عبيدة وغيره من أهل التواريخ ولأنها كانت سنة الوفود، وذلك أن الله تعالى لما فتح على رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة وهزم جمع هوازن وأسلمت قريش كلها دوخ الله العرب ونصر نبيه صلى الله عليه وسلم وذلك سنة ثمان من الهجرة فدخل الناس في دين الله أفواجًا وقدم رؤساء العرب وفودًا على النبي صلى الله عليه وسلم سنة تسع فسميت سنة الوفود لذلك.
(فقال) الرجل (يا محمد) قال القاضي عياض: لعل هذا كان قبل النهي عن ندائه صلى الله عليه وسلم باسمه في قوله تعالى: {لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَينَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا} بل نادوه بأفخم الأسماء وأحبها إليه صلى الله عليه وسلم يا رسول الله يا نبي الله، ويحتمل أن يكون بعد نزول الآية ولم تبلغ الآية هذا القائل وجاء في هذا الحديث أنه ناداه يا رسول الله فلعله بعد أن تعلم ما يجب من تعظيمه صلى الله عليه وسلم ومعرفة حق الرسالة والأول كان في أول ما قدم اهـ، أي فقال: يا محمد (أتانا) أي جاء إلينا (رسولك) أي سفيرك الذي أرسلت إلينا للدعوة إلى الإسلام (فزعم) أي قال رسولك المذكور (لنا) وأخبرنا (أنك) يا محمد (تزعم) وتقول للناس (أن الله) سبحانه وتعالى
أَرْسَلَكَ، قَال:"صَدَقَ"، قال:
ــ
(أرسلك) وبعثك برسالته إلى كافة الناس فهل كلامه صادق أم لا (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم للرجل الوافد نعم (صدق) رسولي فيما أخبركم عني.
قال النووي: فقوله (زعم وتزعم) مع تصديق رسول الله صلى الله عليه وسلم إياه دليل على أن زعم ليس مخصوصًا بالكذب والقول المشكوك فيه بل يكون أيضًا في القول المحقق والصدق الذي لا شك فيه وقد جاء من هذا كثير في الأحاديث، وعن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"زعم جبريل كذا" وقد أكثر سيبويه وهو إمام العربية في كتابه الذي هو إمام كتب العربية من قوله زعم الخليل، زعم أبو الخطاب يريد بذلك القول المحقق، وقد نقل ذلك جماعات من أهل اللغة وغيرهم، ونقله أبو عمر الزاهد في شرح الفصيح عن شيخه أبي العباس ثعلب عن العلماء باللغة من الكوفيين والبصريين والله أعلم انتهى.
قال القاضي عياض ظاهر سياق الحديث أنه كان أسلم، وإنما كان مستثبتًا مشافهًا للنبي صلى الله عليه وسلم لكن في البخاري أنه قال في آخر الحديث: آمنت بما جئت به وكلا الوجهين محتمل اهـ.
وقد أخذ الحاكم من الحديث استحباب الرحلة لطلب علو السند، قال: لأن هذا البدوي لم يقنع بما بلغه عن النبي صلى الله عليه وسلم حتى رحل للسماع منه ولا حجة له فيه لأنه لم يرحل لطلب علو السند بل لما يجب عليه من العمل باليقين مع القدرة عليه بالسماع ممن لا يجوز عليه الوهم في التبليغ، كما يجوز على غيره مع ما كان يجب على المسلمين من رؤية النبي صلى الله عليه وسلم والهجرة إليه والتبرك به اهـ أبي.
قال القرطبي اختلف العلماء في هذا الرجل فقيل إنه كان كافرًا، وهو دليل سياق الحديث ونص قول ابن عباس في بعض الطرق، فلما فرغ ضمام من أسئلته قال: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا رسول الله، ثم أتى قومه فعرض عليهم الإسلام فأسلموا فما سمعنا بواحد أفضل من ضمام، وقيل إنه كان مؤمنًا وهو ما فهمه البخاري من الحديث لأنه ترجم الحديث بالقراءة والعرض على الشيخ.
(قال) الرجل السائل للنبي صلى الله عليه وسلم تقريرًا لا استفهامًا ليرتب عليه ما سيذكره ولا يخفى عليك حسن مساقه لأنه قرر أولًا وجود الصانع ثم أقسم به هل
فَمَنْ خَلَقَ السَّمَاءَ؟ قَال: "اللهُ"، قَال: فَمَنْ خَلَقَ الأرضَ؟ قَال: "اللهُ"، قَال: فَمَنْ نَصَبَ هَذِهِ الْجِبَال وَجَعَلَ فِيهَا مَا جَعَلَ؟ قَال: "اللهُ"، قَال: فَبِالَّذِي خَلَقَ السَّمَاءَ وَخَلَقَ الأرضَ وَنَصَبَ هَذِهِ الْجِبَال؛ آللهُ أَرْسَلَكَ؟ قَال: "نَعَمْ".
قَال: وَزَعَمَ رَسُولُكَ أَن عَلَينَا خَمْسَ صَلَوَاتٍ في يَوْمِنَا وَلَيلَتِنَا، قَال:"صَدَقَ"، قَال: فَبِالَّذِي أَرْسَلَكَ؛ آللهُ أمَرَكَ بِهَذَا؟ قَال: "نَعَمْ".
قَال: وَزَعَمَ رَسُولُكَ أن عَلَينَا زَكَاة في أَمْوَالِنَا، قَال:"صَدَقَ"، قَال:
ــ
أرسله فقال إن كنت رسولًا (فمن خلق السماء) أي أوجدها ورفعها بغير عمد (قال) النبي صلى الله عليه وسلم مجيبًا له (الله) سبحانه وتعالى خلقها وأوجدها من العدم ورفعها بغير عمد (قال) الرجل (فمن خلق الأرض) وأوجدها ومهدها بلا أوتاد (قال) النبي صلى الله عليه وسلم (الله) عز وجل خلقها ومهدها بغير أوتاد (قال) الرجل (فمن نصب) وأركز (هذه الجبال) الموجودة على الأرض وجعلها أوتادًا للأرض (وجعل فيها) أي في هذه الجبال وخلق فيها (ما جعل) وخلق من الأشجار والأحجار والعيون والمعادن (قال) النبي صلى الله عليه وسلم (الله) سبحانه وتعالى خلقها وجعلها أوتادًا للأرض، وخلق ما فيها من صنوف المخلوقات والمعادن (قال) الرجل (فـ) ـأقسم لك وأسالك (بـ) ـالإله (الذي خلق السماء) ورفعها بغير عمد (وخلق الأرض) وجعلها مهادًا (ونصب هذه الجبال) وأركزها وجعلها أوتادًا لم يكن تحليفه اتهامًا وإنما هو تأكيد للكلام (الله) بإدخال همزة الاستفهام التقريري على لفظ الجلالة أي هل الله سبحانه وتعالى (أرسلك) وبعثك بدعوة الخلق إلى التوحيد (قال) النبي صلى الله عليه وسلم (نعم) حرف تصديق قائم مقام الجواب أي الله سبحانه أرسلني بهذا التوحيد (قال) الرجل (وزعم رسولك) أي قال لنا سفيرك الذي أرسلت إلينا (أن علينا) معاشر المكلفين (خمس صلوات في يومنا وليلتنا) أي أداءها وفعلها بشرائطها وأركانها في بعض أوقات نهارنا وليلتنا (قال) النبي صلى الله عليه وسلم (صدق) رسولي فيما أخبركم من ذلك أي أخبركم كلامًا صادقًا واقعًا من جهتي (قال) الرجل (فـ) ـأقسمت لك (بالذي أرسلك) وبعثك بهذا الدين (الله) أي هل الله سبحانه (أمرك) يا محمد (بهذا) أي بأداء خمس صلوات في يومنا وليلتنا (قال) النبي صلى الله عليه وسلم (نعم) الله أمرني بهذا المذكور (قال) الرجل (وزعم رسولك) يا محمد (أن علينا زكاة) أي أداء زكاة مفروضة (في أموالنا) ومواشينا وثمارنا (قال) النبي صلى الله عليه وسلم (صدق) رسولي فيما أخبركم من وجوبا الزكاة في أموالكم (قال) الرجل
فَبِالَّذِي أَرْسَلَكَ؛ آللَّهُ أَمَرَكَ بِهَذَا؟ قَال: "نَعَمْ".
قَال: وَزَعَمَ رَسُولُكَ أَنَّ عَلَينَا صَوْمَ شَهْرِ رَمَضَانَ فِي سَنَتِنَا، قَال:"صَدَقَ"، قَال: فَبِالَّذِي أَرْسَلَكَ؛ آللَّهُ أَمَرَكَ بِهَذَا؟ قَال: "نَعَمْ".
قَال: وَزَعَمَ رَسُولُكَ أَنَّ عَلَينَا حَجَّ الْبَيتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيهِ سَبِيلًا، قَال:"صَدَقَ".
قَال: ثُمَّ وَلَّى، قَال: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ؛ لَا أَزِيدُ عَلَيهِنَّ وَلَا أَنْقُصُ مِنْهُنَّ، فَقَال النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:"لَئِنْ صَدَقَ .. لَيَدْخُلَنَّ الْجَنَّةَ"
ــ
(فـ) ـأسألك (بالذي أرسلك آلله أمرك بهذا) أي بأداء زكاة أموالنا (قال) النبي صلى الله عليه وسلم (نعم) أمرني الله سبحانه وتعالى بأداء زكاة الأموال إلى مصارفها (قال) الرجل (وزعم رسولك) يا محمد (أن علينا) معاشر المكلفين (صوم شهر رمضان) الذي أنزل فيه القرآن (في سنتنا) وأعوامنا كلها (قال) النبي صلى الله عليه وسلم (صدق) رسولي فيما أخبركم من صيام شهر رمضان في كل سنة (قال) الرجل (فـ) ـأسألك (بالذي أرسلك) إلينا (آلله أمرك بهذا) أي بصوم شهر رمضان في السنة (قال) النبي صلى الله عليه وسلم (نعم) أمرني الله سبحانه بصوم شهر رمضان (قال) الرجل (وزعم) أي قال (رسولك) يا محمد (أن علينا) معاشر المكلفين (حج البيت) أي قصد الكعبة بالنسك المعلوم شرعًا ومن في قوله (من استطاع) وقدر (إليه سبيلًا) أي ذهابًا إلى البيت والكعبة بأن وجد زادًا وراحلة بدل من الضمير المجرور في علينا بدل بعض من كل (قال) النبي صلى الله عليه وسلم (صدق) رسولي في جميع ما أخبركم من ذلك.
قال القاضي عياض: وفيه جواز التحليف في الأمور المهمة والأخبار الهائلة، وجواز الحلف عليها قال تعالى:{وَيَسْتَنْبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ} الآية.
(قال) أنس بن مالك راوي الحديث (ثم) بعد الأسئلة المذكورة وأجوبتها (ولى) الرجل أي ذهب الرجل موليًا مدبرًا ظهره إلينا فـ (ـقال) في إدباره وذهابه (والذي بعثك) أي أقسمت بالإله الذي بعثك وأرسلك (بـ) ـالدين (الحق) والصراط المستقيم (لا أزيد عليهن) أي على هذه الفرائض التي أخبرنا بها رسولك وقررته عليها (ولا أنقص منهن) أي من هذه الفرائض المذكورة شيئًا (فقال النبي صلى الله عليه وسلم لمن عنده والله (لئن صدق) هذا الرجل فيما يقول من عدم النقصان فيها (ليدخلن الجنة) يوم القيامة بفضله وكرمه تعالى لا بعمله.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
قال النووي: هذه جمل تدل على أنواع من العلم، قال صاحب التحرير: هذا من حسن سؤال الرجل وملاحة سياقه وترتيبه فإنه سأل أولًا عن صانع المخلوقات من هو ثم أقسم عليه به أن يَصْدقه في كونه رسولًا للصانع ثم لما وقف على رسالته وعلمها أقسم عليه بحق مرسله وهذا ترتيب يفتقر إلى عقل رصين وذكاء متين ثم إن هذه الأيمان جرت للتأكيد وتقرير الأمر لا لافتقاره إليها، كما أقسم الله تعالى على أشياء كثيرة هذا كلام صاحب التحرير، قال القاضي عياض: والظاهر أن هذا الرجل لم يأت إلا بعد إسلامه وإنما جاء مستثبتًا ومشافهًا للنبي صلى الله عليه وسلم والله أعلم انتهى.
وفي هذا الحديث أيضًا فوائد من العلم منها أن الصلوات الخمس متكررة في كل يوم وليلة وهو معنى قوله في يومنا وليلتنا وأن صوم شهر رمضان يجب في كل سنة، قال ابن الصلاح وفيه دلالة لصحة ما ذهب إليه أئمة العلماء من أن العوام المقلدين مؤمنون وأنه يكتفى منهم بمجرد اعتقاد الحق جزمًا من غير شك وتزلزل خلافًا لمن أنكر ذلك من المعتزلة وذلك أنه صلى الله عليه وسلم قرر ضمامًا على ما اعتمد عليه في تعرف رسالته وصدقه ومجرد إخباره إياه بذلك ولم ينكر عليه ذلك ولا قال يجب عليك معرفة ذلك بالنظر في معجزاتي والاستدلال بالأدلة القطعية اهـ وفي هذا الحديث العمل بخبر الواحد وفيه غير ذلك والله أعلم.
وفي هذا الحديث بسط الكلام بين يدي الحاجة لقوله: إني سائلك ومشدد عليك، وفيه الصبر على سؤال الجاهل ولزوم تعليمه ما يحتاج إليه في دينه وفيه جواز الاعتذار لقوله: فلا تجدن عليّ، قال الأبي (قلت) الألفاظ التي أخذت منها هذه الأشياء لم تقع في مسلم وإنما هي في البخاري وقد أخرج البخاري هذا الحديث من طريق أنس وقال فيه عن أنس رضي الله عنه بينما نحن جلوس في المسجد دخل علينا رجل على جمل فأناخه في المسجد ثم عقله ثم قال أيكم محمد بن عبد الله والنبي صلى الله عليه وسلم بين ظهرانيهم فقلنا هذا الرجل الأبيض المتكئ فقال الرجل: أبْنَ عبد المطلب؟ فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "قد أجبتك" فقال الرجل: إني سائلك فمشدد عليك في المسألة فلا تجد عليّ في نفسك فقال: "فسل عما بدا لك" فقال: أسألك بربك ورب من قبلك آلله أرسلك إلى الناس كلهم فقال اللهم نعم وذكر نحو حديث مسلم.
وقد روى ابن عباس رضي الله عنهما هذا الحديث بأكمل من هذا وقال فيه ما يدل
11 -
(00) حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ هَاشِمٍ الْعَبْدِيُّ،
ــ
على أن ضمامًا إنما أسلم بعد أن أجابه رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أسئلته المتقدمة فلما أن فرغ قال ضمام: (أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا رسول الله وسأؤدي هذه الفرائض وأجتنب ما نهيتني عنه ثم لا أزيد ولا أنقص) فقال رسول الله: "إن يصدق ذو العقيصتين (أي الضفيرتين) يدخل الجنة" رواه أبو داود (487) ثم قدم على أهله فعرض عليهم الإسلام فما أمسى ذلك اليوم في حاضره من رجل ولا امرأة إلا مسلمًا، قال ابن عباس فما سمعنا بوافدٍ قط كان أفضل من ضمام ونادى هذا الرجل النبي صلى الله عليه وسلم يا محمد ويا بن عبد المطلب ولم يناده بالنبوة ولا بالرسالة إما لأنه لم يؤمن بعد كما قلناه، وإما لأنه باق على صفة أهل البادية والأعراب إذ لم يتأدب بعد بشيء من آداب الشرع ولا علم ما يجب عليه من تعزير النبي صلى الله عليه وسلم وتوقيره فإن الله تعالى قد نهى أن يُنادى النبي صلى الله عليه وسلم بيا محمد حين قال:{لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَينَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا} [النور: 63] اهـ قرطبي.
ثم إن الرجل استمر على أسئلته إلى أن حصل على طلبته فانشرح صدره للإسلام وزاحت عنه الشكوك والأوهام وذلك ببركة مشاهدته أنوار الرسول صلى الله عليه وسلم فلقد كان كثير من العقلاء يحصل لهم العلم بصحة رسالته بنفس رؤيته ومشاهدته قبل النظر في معجزته كما قال أبو ذر: (فلما رأيته علمت أن وجهه ليس بوجه كذاب) حتى قال بعضهم:
لو لم تكن فيه آيات مبينة
…
لكان منظره ينبيك بالخبر
والحاصل من حال هذا السائل أنه حصل له العلم بصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم وبصحة رسالته لمجموع قرائن لا تتعين إحداها ولا تنحصر أعدادها.
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد (3/ 193) والبخاري (63) وأبو داود (486) والترمذي (614) والنسائي (4/ 121 - 124).
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أنس رضي الله عنه فقال:
(11)
-متا (00)(حدثني) وفي بعض النسخ وحدثني بزيادة الواو (عبد الله بن هاشم) بن حيان بتحتانية (العبدي) أبو عبد الرحمن الطوسي نزيل بغداد وسكن نيسابور، روى عن بهز بن أسد وابن عيينة والقطان وابن مهدي ووكيع وغيرهم، ويروي عنه (م)
حَدَّثَنَا بَهْزٌ، حَدَّثَنَا سُلَيمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ عَنْ ثَابِتٍ، قَال: قَال أَنَسٌ: كُنَّا نُهِينَا فِي الْقُرْآنِ أَنْ نَسْأَلَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ شَيءٍ
…
وَسَاقَ الْحَدِيثَ بِمِثْلِهِ
ــ
وابن أبي داود ومكي بن عبدان، وثقه صالح بن محمد الأسدي وقال في التقريب: ثقة من صغار العاشرة مات سنة (255) خمس وخمسين ومائتين، وقيل تسع وخمسين، روى عنه المؤلف في كتاب الإيمان وفي الوضوء وفي الصلاة وفي الحج في موضعين وفي البيوع وفي بيع المدبر وفي الدعاء وفي الأمئال وفي التفسير فجملة الأبواب التي روى المؤلف عنه فيها تسعة أبواب تقريبًا.
قال عبد الله بن هاشم (حدثنا بهز) بالباء والزاي، وفي بعض النسخ أخبرنا بهز بن أسد العَمِّيُّ بفتح العين وتشديد الميم يُنسب إلى مرة بن وائل، ويقال لولده بنو العم كما في المغني أبو الأسود البصري أخو المعلي بن أسد، روى عن سليمان بن المغيرة وشعبة وحماد بن سلمة ووهيب وغيرهم، ويروي عنه (ع) وعبد الله بن هاشم وأبو بكر بن نافع العبدي وعبد الرحمن بن بشر وأثنى عليه وقال: ما رأيت رجلًا خيرًا منه وغيرهم، قال أحمد: إليه المنتهى في التثبت، وقال أبو حاتم: إمام صدوق ثقة، وقال في التقريب: ثقة ثبت من التاسعة مات بعد المائتين وقيل قبلهما وليس في رجال مسلم من اسمه بهز إلا هذا الثقة.
روى عنه المؤلف رحمه الله تعالى في الإيمان في أربعة مواضع وفي الوضوء في موضعين وفي الصلاة في خمسة مواضع وفي الزكاة وفي الصوم وفي الحج في ثلاثة مواضع وفي النكاح في موضعين وفي البيوع وفي الجهاد وفي الحدود وفي الذبائح وفي الدعاء فجملة الأبواب التي روى المؤلف عنه فيها اثنا عشر بابا تقريبًا.
قال بهز (حدثنا سليمان بن المغيرة) القيسي البصري من السابعة (عن ثابت) البناني البصري من الرابعة.
(قال) ثابت (قال أنس) بن مالك رضي الله عنه (كنا) معاشر الصحابة (نهينا في القرآن) بقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ} الآية (أن نسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن شيء) لا نحتاج إليه في الدين (وساق) بهز وذكر (الحديث) السابق (بمثله) أي بمثل حديث هاشم بن القاسم أبي النضر.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وغرض المؤلف بسوق هذا السند بيان متابعة بهز بن أسد لهاشم بن القاسم في رواية هذا الحديث عن سليمان بن المغيرة، وفائدتها بيان كثرة طرقه لأن المتابع والمتابع ثقتان والقاعدة أن الضمير في (ساق) ونحوه عائد إلى المتاج وهو هنا بهز والضمير في (بمثله) عائد إلى المتابع وهو هاشم بن القاسم والجار والمجرور فيه متعلق بحدثنا بهز.
* * *