المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌7 - باب وفود وفد عبد القيس على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأمرهم بمأمورات الشرع، ونهيهم عن منكراته، وأمرهم بحفظها وتبليغها إلى من وراءهم، وجواز مدح الرجل في وجهه - الكوكب الوهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج - جـ ٢

[محمد الأمين الهرري]

فهرس الكتاب

- ‌ كِتَابُ الإِيمَانِ

- ‌1 - بَابُ بَيَان الإِيمَان وَالإِسْلامِ وَالإِحْسَان، وَوُجُوبِ الإِيمَان بِالقَدَرِ خَيرِهِ وَشَرِّهِ مِنَ اللهِ تَعَالى، وَبَيَان الدَّلِيلِ عَلَى وُجُوبِ التَّبَرِّي مِمَّنْ لَا يُؤْمِنُ بِالْقَدَرِ، وَإِغْلاظِ الْقَوْلِ فِي حَقِّهِ

- ‌(فصل) في بيان دقائق هذا السند ولطائفه

- ‌ترجمة عمر بن الخطاب وولده عبد الله رضي الله عنهما

- ‌2 - بَابُ عَدَمِ وُجُوبِ مَا عَدَا الصَّلَوَاتِ الخَمْسَ وَمَا عَدَا صِيَامَ رَمَضَانَ، وَمَا عَدَا الزَّكَوَاتِ المَفْرُوضَةَ

- ‌3 - بَابُ عَرْضِ الرَّجُلِ مَا عِنْدَهُ عَلَى المُحَدِّثِ؛ ليسْتَثْبِتَ فِيهِ، وَاكْتِفَاءِ الحَاضِرِينَ بِسُؤالِ البَادِي الوَافِدِ الإِمَامَ عَمَّا أَشْكَلَ عَلَيهِمْ مِنْ أُمُورِ الدِّينِ إِذَا هَابُوهُ

- ‌4 - بَابُ مَنِ اقْتَصَرَ عَلَى فِعْلِ مَا وَجَبَ عَلَيهِ، وانْتَهَى عَمَّا حُرِّمَ عَلَيهِ .. دَخَلَ الجَنَّةَ

- ‌5 - بَابُ مَنْ حَرَّمَ الحَرَامَ، وَأَحَلَّ الحَلَالَ، وَفَعَلَ مَا تَمَكَّنَ مِنَ الوَاجِبَاتِ .. دَخَلَ الجَنَّةَ

- ‌6 - بَابُ بَيَانِ مَبَانِي الإِسْلَامِ

- ‌7 - بَابُ وُفُودِ وَفْدِ عَبْدِ الْقَيسِ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وَأَمْرِهِمْ بِمَأْمُورَاتِ الشَّرْعِ، وَنَهْيِهِمْ عَنْ مُنْكَرَاتِهِ، وَأَمْرِهِمْ بِحِفْظِهَا وَتَبْلِيغِهَا إِلَى مَنْ وَرَاءَهُمْ، وَجَوازِ مَدْحِ الرَّجُلِ فِي وَجْهِهِ

- ‌ فائدة في المختلِطين

- ‌8 - بَابُ بَيَانِ أَوَّلِ مَا يَجِبُ عَلَى الْمُكَلَّفِينَ، وَأَنَّ الدَّعْوَةَ إِلَى الإِسْلامِ عَلَى التَّدْرِيجِ، وَأَنَّ دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ مُسْتَجَابَةٌ

- ‌(فصل في جمع ما يستفاد من هذا الحديث)

- ‌9 - بَابُ الأَمْرِ بِقِتَالِ النَّاسِ حَتَّى يُوَحِّدُوا اللهَ تَعَالى، وَيُقِرُّوا بِرِسَالةِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم، وَيَلْتَزِمُوا شَرَائِعَ دِينِهِ، وَأَنَّ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ. . فَقَدْ عَصَمَ دَمَهُ وَمَالهُ إِلَّا بِحَقِّهِمَا

- ‌10 - بَابُ صِحَّةِ إيمَانِ مَنْ كَانَ آخِرُ كَلامِهِ مِنَ الْكُفَّارِ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَالنَّهْي عَنِ الاسْتِغْفَارِ لِلْمُشْرِكِينَ، وَكَوْنِ الْهِدَايَةِ بِيَدِ اللهِ تَعَالى لَا بِيَدِ أَحَدٍ مِنْ مَخْلُوقَاتِهِ وَلَو نَبِيًّا مُرْسَلًا أَوْ مَلَكًا مُقَرَّبًا

- ‌11 - بَابُ مَنْ لَقِيَ اللهَ تَعَالى عَالِمًا بِهِ غَيرَ شَاكٍّ فِيهِ .. دَخَلَ الْجَنَّةَ، أَوَّلًا: إِنْ كَانَ بَرِيئًا مِنَ الكَبَائِرِ، أَوْ عَمِلَهَا وَتَابَ عَنْهَا، أَوْ أَدْرَكَهُ الْعَفْوُ، أَوْ بَعْدَ عُقُوبَتِهِ عَلَيهَا إِنْ لَمْ يَتُبْ عَنْهَا وَلَمْ يُدْرِكْهُ الْعَفْوُ مِنَ اللهِ تَعَالى وَحَرَّمَهُ اللهُ تَعَالى عَلَى النَّارِ

- ‌12 - بَابُ بَيَان حَقِّ اللهِ سبحانه وتعالى عَلَى الْعِبَادِ، وَحَقِّهِمْ عَلَى اللهِ تَعَالى، وَتَبْشير مَنْ لَقِيَ اللهَ تَعَالى بالتَّوحِيدِ بِالْجَنَّةِ، وَتَرْكِهِ خَوْفًا مِنِ اتِّكالِهِمْ عَلَى مُجَرَّدِ التَّوحِيدِ

- ‌13 - بَابُ الدَّليلِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَكْفِي مُجَرَّدُ التَّلَفُّظِ بِالشَّهَادَتينِ، بَلْ لَا بُدَّ مِنَ اسْتيقَان الْقَلْبِ

- ‌14 - بَابُ الْحُكْمِ عَلَى الظَّاهِرِ فِي إِسْلَامِ الشَّخْصِ، وَحُسْنِ الظَّنِّ بِكَمَالِ إيمَانِهِ، وَصِحَّةِ إِسْلَامِهِ

- ‌15 - بَابُ بَيَانِ صِفَةِ مَنْ ذَاقَ طَعْمَ الإِيمَان وَحَلاوَتَهُ

- ‌16 - بَابُ بَيَان عَدَدِ شُعَبِ الإِيمَان، وَأَفْضَلِهَا، وَأَدْنَاهَا، وَأنَّ الحَيَاءَ شُعْبَةٌ مِنْهَا وبيان فضيلته

- ‌17 - بَابُ فِي مَدْحِ الْحَيَاءِ، وَامْتِنَاعِ مُقَاوَمَةِ النَّصِّ بِكَلامِ الحُكَمَاءِ

- ‌18 - بَابُ الأَمْرِ بِالإِيمَانِ ثُمَّ بِالاسْتِقَامَةِ

- ‌19 - بَابٌ أَيُّ خِصَالِ الإِسْلامِ خَيرٌ؟ وَأَيُّ الْمُسْلِمِينَ أَفْضَلُ

- ‌20 - بَابُ بَيَان الخِصَالِ الَّتِي يَجِدُ بِهِنَّ المَرْءُ حَلاوَةَ الإِيمَانِ

- ‌21 - بَابُ عَدَمِ إِيمَانِ مَنْ لَمْ يُحِبَّ الرَّسُولَ صلى الله عليه وسلم مَحَبَّةً أَكْثَرَ مِنْ مَحَبَّتِهِ لأَهْلِهِ وَوَلَدِهِ وَوَالِدِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ

- ‌22 - بَابُ الدَّلِيلِ عَلَى أَنَّ إِيمَانَ الْعَبْدِ لَا يَكْمُلُ حَتَّى يُحِبَّ لأَخِيهِ، أَوْ جَارِهِ مَا يُحِبُّهُ لِنَفْسِهِ مِنَ الْخَيرِ

- ‌23 - بَابُ عَدَمِ إِيمَانِ مَنْ يَخَافُ جَارُهُ ضَرَرَهُ

- ‌24 - بَابُ الدَّلِيلِ عَلَى أَنَّ الصَّمْتَ إِلَّا عَنِ الْخَيرِ، وَإِكْرَامَ الْجَارِ وَالضَّيفِ .. مِنَ الإِيمَانِ

- ‌25 - بَابُ وُجُوب إِزالةِ الْمُنْكَرِ بِالْقَدْرِ الْمُسْتَطَاعِ وَأنَّ إِزَالتَهُ مِنَ الإِيمَانِ

- ‌26 - بَابُ مُجَاهَدَةِ خُلُوفِ السَّوءِ، وَكَوْنِ مُجَاهَدَتِهِمْ مِنَ الإِيمَانِ

- ‌27 - بَابُ نِسْبَةِ الإِيمانِ وَالْحِكْمَةِ إِلَى الْيَمَنِ وَجَعْلِ الْقَسْوَةِ وَغِلَظِ الْقُلُوبِ فِي رَبِيعَةَ وَمُضَرَ

- ‌28 - بَابُ كَوْنِ التَّحابِّ فِي اللَّهِ تَعَالى مِنَ الإيمَانِ، وَبَيَانِ سَبَبِهِ

- ‌29 - بَابُ النُّصحِ مِنَ الإِيمَانِ

- ‌30 - بَابُ مُبَايَعَةِ الإِمَامِ عَلَى السَّمْع وَالطَّاعَةِ وَالنُّصْحِ لِكُلِّ مُسْلِمٍ، وَكَونهَا مِنَ الإِيمَانِ

- ‌31 - بَابُ بَيَانِ نُقْصَانِ الإِيمَان بِارْتْكَابِ الْمَعَاصِي، وَنَفْيِهِ عَنْ مُرْتَكِبِهَا حَال تَلَبُّسِهِ بِهَا عَلَى مَعْنَي نَفْيِ كَمَالِهِ

- ‌32 - بَابُ بَيَانِ عَلَامَاتِ النِّفَاقِ الَّتِي هِيَ ضِدُّ عَلامَاتِ الإِيمَانِ

- ‌33 - بَابُ بَيَان حُكْمِ إِيمَانِ مَنْ قَال لأخِيهِ الْمُسْلِمِ: يَا كَافِرُ

- ‌34 - بَابُ حُكْمِ إِيمَانِ مَنِ انْتَسَبَ لِغَيرِ أَبِيهِ وَهُوَ يَعْلَمُ، وَإِيمَانِ مَنِ ادَّعَى لِنَفْسِهِ مَا لَيسَ لَهُ

- ‌35 - بَابُ حُكْمِ سِبَابِ الْمُسْلِمِ وَقِتَالِهِ

- ‌36 - بَابُ الأمْرِ بِلزومِ الإيمَانِ وَالتَّمَسُّكِ بِشَرَائِع الإِسْلامِ، والنَّهْيِ عَنِ الارْتدَادِ عَنِ الإِسْلامِ، وَالتَّشَبُّهِ بِالْكفَّارِ

- ‌34 (*) - بَابُ حُكْمِ إيمَانٍ مَنْ طَعَنَ في النَّسَبِ وَنَاحَ عَلَى الْمَيِّتِ

- ‌37 - بَابُ حُكْمِ إيمَانِ الْعَبْدِ الآبِقِ

- ‌38 - بَابُ حُكْمِ إيمانِ مَنْ قَال مُطِرْنَا بِنَوءِ كَذَا

- ‌39 - بَابُ بَيَانِ أَنَّ عَلامَةَ الإِيمَانِ حُبُّ الأنْصَارِ، وَأَنَّ عَلامَةَ النِّفَاقِ بُغْضُ الأنْصَارِ

- ‌40 - بَابٌ في بَيَانِ أَنَّ حُبَّ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ آيَةُ الإِيمَانِ، وَبُغْضَهُ آيَةُ النِّفَاقِ

- ‌39 (*) - بَابُ مَا فِي النِّسَاءِ مِنْ نُقْصَانِ الإِيمَانِ وَالْعَقْلِ بِنَقْصِ الطَّاعَاتِ، وإِطْلاقِ لَفْظِ الْكفْرِ عَلَى غَيرِ الْكُفْرِ بِاللَّهِ تَعَالى، وَسُؤَالِ الْعَالِمِ عَمَّا أَشْكَلَ مِنْ فَتْوَاهُ

- ‌فصل في الأحكام التي تستفاد من هذا الحديث

- ‌40 - بَابُ كَوْنِ الطَّاعَةِ لِأَمْرِ اللهِ وَالْخُضُوع لَهُ مِنَ الإِيمَانِ الَّذِي يُوجِبُ الْجَنَّةَ، وَكَوْنِ الْعِصْيَانِ لِأَمْرِهِ وَالتَّكَبُّرِ عَنِ السُّجُودِ لَهُ مِنَ الْكُفْرِ الَّذِي يُوجِبُ النَّارَ

- ‌41 - بَابُ إِيمَانِ مَنْ تَرَكَ الصَّلاةَ جَحْدًا أَوْ تهَاوُنًا

الفصل: ‌7 - باب وفود وفد عبد القيس على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأمرهم بمأمورات الشرع، ونهيهم عن منكراته، وأمرهم بحفظها وتبليغها إلى من وراءهم، وجواز مدح الرجل في وجهه

‌7 - بَابُ وُفُودِ وَفْدِ عَبْدِ الْقَيسِ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وَأَمْرِهِمْ بِمَأْمُورَاتِ الشَّرْعِ، وَنَهْيِهِمْ عَنْ مُنْكَرَاتِهِ، وَأَمْرِهِمْ بِحِفْظِهَا وَتَبْلِيغِهَا إِلَى مَنْ وَرَاءَهُمْ، وَجَوازِ مَدْحِ الرَّجُلِ فِي وَجْهِهِ

ــ

7 -

بَابُ وُفُودِ وَفْدِ عَبْدِ الْقَيسِ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وَأَمْرِهِمْ بِمَأْمُورَاتِ الشَّرْعِ، وَنَهْيِهِمْ عَنْ مُنْكَرَاتِهِ، وَأَمْرِهِمْ بِحِفْظِهَا وَتَبْلِيغِهَا إِلَى مَنْ وَرَاءَهُمْ، وَجَوازِ مَدْحِ الرَّجُلِ فِي وَجْهِهِ

وفي القاموس وفد إليه وعليه يفد وفدًا ووفودًا ووفادة قدم وورد، وهم وفود ووفد وأوفاد ووفد والوافد السابق من الإبل، قال الأبي: الوفد الجمع المختار للقدوم على العظماء من بُعدٍ للمهمات، فإن لم يقدموا من بعد فليسوا بوفد، قال صاحب التحرير: الوفد الجماعة المختارة من القوم ليتقدموهم في لقاء العظماء، والمصير إليهم في المهمات واحدهم وافد، وفي القسطلاني: والوفد اسم جمع لا جمع لوافد على الصحيح، قال القاضي وهم القوم يأتون ركبانًا اهـ.

قال ووفد عبد القيس هؤلاء تقدموا قبائل عبد القيس للمهاجرة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانوا أربعة عشر راكبًا، وقيل سبعة عشر الأشج العصري رئيسهم ومزيد بن مالك المحاربي وعبيدة بن همام المحاربي وصحار بن العباس المري وعمرو بن مرحوم العصري والحارث بن شعيب العصري والحارث بن جندب من بني عايش، ولم نعثر بعد طول التتبع والبحث على أكثر من أسماء هؤلاء.

قال القاضي عياض: قدموا عام الفتح سنة ثمان قبل خروجه صلى الله عليه وسلم إلى مكة، قال النووي: وكان سبب وفادتهم أن منقذ بن حيان أحد بني غنم بن وديعة كان متجره إلى يثرب في الجاهلية فشخص إلى يثرب بملاحف وتمر من هجر بعد هجرة النبي صلى الله عليه وسلم فبينا منقذ بن حيان قاعد إذ مر به النبي صلى الله عليه وسلم فنهض إليه منقذ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "أمنقذ بن حيان؟ كيف قومك؟ " ثم سأله عن أشرافهم رجلًا رجلًا يسمي كلًّا باسمه، فأسلم منقذ وتعلم الفاتحة و (اقرأ باسم ربك) ثم قفل إلى هجر وكتب معه النبي صلى الله عليه وسلم إلى قومه فكتم الكتاب أيامًا وكان يصلي فقالت زوجته لأبيها المنذر بن عائذ بالذال المعجمة بن الحارث والمنذر هو المسمى بالأشج سماه رسول الله صلى الله عليه وسلم به لأثر كان في وجهه: يا أبي إني

ص: 135

23 -

(17) حَدَّثَنَا خَلَفُ بْنُ هِشَامٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيدٍ عَنْ أَبِي جَمْرَةَ،

ــ

أنكرت فعل بعلي منذ قدم من يثرب إنه ليغسل أطرافه ثم يستقبل الجهة تعني مكة. فيحني ظهره مرة ويقع إلى الأرض أخرى ذلك ديدنه منذ قدم فاجتمعا فتجاريا ذلك فوقع الإسلام في قلبه، فنهض بكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى قومه عمرو ومحارب فقرأه عليهم فأسلموا وأجمعوا على المسير إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما دنوا من المدينة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لجلسائه:"أتاكم وفد عبد القيس خير أهل المشرق وفيهم الأشج العصري غير ناكثين ولا مبدلين ولا مرتابين إذ لم يسلم قوم حتى وتروا" وترجم النواوي لهذا الحديث بقوله:

(باب الأمر بالإيمان بالله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم وشرائع الدين والدعاء إليه والسؤال عنه وحفظه وتبليغه من لم يبلغه) وترجم له الأبي بقوله: (أحاديث وفد عبد القيس) وترجم له السنوسي بقوله: (باب الأمر بالإيمان بالله عز وجل ورسوله) وترجم له القرطبي بقوله: (باب إطلاق اسم الإيمان على ما جعله في حديث جبريل إسلامًا).

وبسندنا المتصل قال المؤلف رحمه الله تعالى:

(23)

- س (17)(حدثنا خلف بن هشام) بن ثعلب بالمثلثة والمهملة البزار بالراء آخره المقرئ أبو محمد البغدادي أحد الأئمة الأعلام روى عن حماد بن زيد وأبي الأحوص ومالك بن أنس وأبي عوانة، ويروي عنه (م د) وقال في التقريب: ثقة من العاشرة، مات سنة (227) سبع وعشرين ومائتين، وليس في مسلم من اسمه خلف إلا خلف بن هشام هذا ثقة، وخلف بن خليفة صدوق من الثامنة، روى عنه مسلم في ثلاثة أبواب باب الإيمان وباب الصلاة وباب النكاح، قال خلف بن هشام (حدثنا حماد بن زيد) بن درهم الأزدي أبو إسماعيل الأزرق البصري ثقة ثبت فقيه من كبار الثامنة ولد سنة (78) ثمان وسبعين ومات سنة (179) تسع وسبعين ومائة وله إحدى وثمانون سنة (81) وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في أربعة عشر بابا (عن أبي جمرة) بالجيم والراء المفتوحتين بينهما ميم ساكنة اسمه نصر بن عمران بن عصام وقيل ابن عاصم بن واسع بن جمرة الضبعي بضم الضاد المعجمة وفتح الموحدة بعدها مهملة اليزني البصري، وقد روى عن ابن عباس رجل آخر يقال له أبو حمزة بالحاء المهملة

ص: 136

قَال: سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ، ح

ــ

والزاي اسمه عمران بن أبي عطاء القصاب اهـ قرطبي.

روى عن ابن عباس وابن عمر وعائذ بن عمرو المزني وجويرية بن قدامة وأنس بن مالك وغيرهم، ويروي عنه (ع) وابنه علقمة وأبو التياح والحمادان وخلق، وثقه أحمد وابن معين وأبو زرعة، وقال في التقريب: ثقة ثبت مشهور بكنيته نزيل خراسان من الثالثة مات سنة (128) ثمان وعشرين ومائة، فجملة من اسمه نصر في مسلم ثلاثة كلهم موثقون بصريون: نصر بن عاصم الليثي البصري، نصر بن علي الجهضمي، نصر بن عمران هذا، روى عنه المؤلف في الإيمان وفي الصلاة في موضعين والجنائز والأشربة والحج ووفاة النبي صلى الله عليه وسلم وفي الفضائل في موضعين، فجملة الأبواب التي روى المؤلف عنه فيها سبعة تقريبًا.

(قال) أبو جمرة (سمعت) عبد الله (بن عباس) بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف الهاشمي أبا العباس المكي ثم المدني ثم الطائفي ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبه وحبر الأمة وفقيهها وترجمان القرآن، روى ألفًا وستمائة وستين حديثًا دعا له النبي صلى الله عليه وسلم بالفقه في دين الله وعلم تأويل كتابه، وكان بحرًا لا ينزف ولد قبل الهجرة بثلاث سنين ومات بالطائف سنة (68) ثمان وستين، وهو أحد المكثرين من الصحابة وأحد العبادلة من فقهاء الصحابة.

روى عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن معاذ بن جبل وعمر وعلي وميمونة وأم الفضل وأبي هريرة والصعب بن جثامة وغيرهم، ويروي عنه أبو جمرة وأبو زميل سماك وسعيد بن جبير وأبو رجاء وأبو العالية ومجاهد وعطاء بن أبي رباح وأبو عثمان النهدي وطاوس وخلق.

روى عنه المؤلف في الإيمان وفي الوضوء في موضعين وفي الصلاة في أربعة مواضع وفي الجنائز وفي الصوم في أربعة مواضع وفي الحج في عشرة مواضع وفي اللباس في موضعين وفي الجهاد في موضعين وفي القدر وفي البيوع وفي الذبائح وفي الطب وفي فضائل عمر وفي إسلام أبي ذر وفي الدعاء وفي ذكر الجن وفي الأحكام، وجملة الأبواب التي روى المؤلف عنه فيها سبعة عشر بابًا تقريبًا.

وهذا السند من أول رباعياته ورجاله اثنان منهم بصريان وواحد بغدادي وواحد مكي مدني طائفي.

ص: 137

وحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى -وَاللَّفْظُ لَهُ- أَخْبَرَنَا عَبَّادُ بْنُ عَبَّادٍ عَنْ أَبِي جَمْرَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ

ــ

(ح وحدثنا يحيى بن يحيى) أي حول المؤلف السند وقال حدثنا يحيى بن يحيى بن بكير بن عبد الرحمن التميمي الحنظلي أبو زكرياء النيسابوري أحد الأئمة الأعلام روى عن عباد بن عباد وأبي الأحوص ومالك وغيرهم، ويروي عنه (م ت س) ثقة ثبت إمام من العاشرة مات سنة (226) ست وعشرين ومائتين.

وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في تسعة عشر بابا تقريبًا وأتى بقوله (واللفظ له) أي اللفظ الآتي ليحيى بن يحيى، وأما خلف بن هشام فروى معنى الحديث الآتي لا لفظه تورعًا من الكذب على شيخه خلف بن هشام قال يحيى (أخبرنا عباد بن عباد) بن حبيب بن المهلب بن أبي صفرة العتكي بفتح المهملة والمثناة الفوقية الأزدي المهلبي أبو معاوية البصري، روى عن أبي جمرة الضبعي وعاصم الأحول وعبيد الله بن عمر وهشام بن عروة وغيرهم، ويروي عنه (ع) ويحيى بن يحيى ويحيى بن أيوب وعبد الله بن عون الهلالي وأحمد وقتيبة وابن معين وغيرهم وثقه ابن معين وأبو داود، وقال في التقريب: ثقة ربما وهم من السابعة مات سنة (179) تسع وسبعين ومائة، وقيل (181) إحدى وثمانين ومائة.

روى عنه المؤلف في كتاب الإيمان وفي الصلاة وفي الحج والطلاق والأشربة والأدب في موضعين وفي الطب وفي العلم فجملة الأبواب التي روى المؤلف عنه فيها سبعة أبواب تقريبًا (عن أبي جمرة) نصر بن عمران الضبعي البصري (عن) عبد الله (بن عباس) رضي الله تعالى عنهما، وغرضه بسوق هذا السند بيان متابعة عباد بن عباد لحماد بن زيد في رواية هذا الحديث عن أبي جمرة واحتاج إلى التحويل لاختلاف شيخي شيخيه مع اختلاف صيغتيهما، وفائدة هذه المتابعة بيان كثرة طرقه لأن المتابع والمتابع كلاهما ثقتان.

قال النواوي وقوله في الرواية الثانية (أخبرنا عباد بن عباد عن أبي جمرة عن ابن عباس رضي الله عنهما قد يتوهم من لا يُعاني هذا الفن أن هذا تطويل لا حاجة إليه وأنه خلاف عادته وعادة الحفاظ فإن عادتهم في مثل هذا أن يقولوا عن حماد وعباد عن أبي جمرة عن ابن عباس وهذا التوهم يدل على شدة غباوة صاحبه وعدم مؤانسته بشيء من هذا الفن فإن ذلك إنما يفعلونه فيما استوى فيه لفظ الرواة وهنا اختلف لفظهم ففي رواية حماد عن أبي جمرة سمعت ابن عباس، وفي رواية عباد عن أبي جمرة عن ابن عباس

ص: 138

قَال: قَدِمَ وَفْدُ عَبْدِ القَيسِ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ؛ إِنَّا هَذَا الْحَيَّ مِنْ رَبِيعَةَ، وَقَدْ حَالتْ بَينَنَا وَبَينَكَ كُفَّارُ مُضَرَ، فَلَا نَخْلُصُ إِلَيكَ إلا فِي شَهْرِ الْحَرَامِ

ــ

وهذا التنبيه الذي ذكرته ينبغي أن يتفطن لمثله ويستيقظ الطالب لمعرفة هذه الدقيقة ليعرف عظم إتقان مسلم رحمه الله تعالى وجلالته وورعه ودقة نظره وحذقه وحسن سياقه في كتابه.

(قال) ابن عباس رضي الله عنهما (قدم) وحضر (وفد) أي الجماعة المختارة من (عبد القيس) قبيلة مشهورة من بني معد بن عدنان، وهم أربعة عشر رجلًا وقيل سبعة عشر كما مر (على رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفتح سنة ثمان قبل خروجه صلى الله عليه وسلم إلى مكة (فقالوا) أي قال أولئك الوفد لرسول الله صلى الله عليه وسلم (يا رسول الله) وقوله (إنا) ناصب واسمه وقوله (هذا الحي) أي هذا الشعب منصوب على الاختصاص بعامل محذوف وجوبًا لجريانه مجرى المثل تقديره نخص هذا الحي، والجملة الاختصاصية معترضة بين إنَّ وخبرها جئ بها لتأكيد الكلام وقوله (من ربيعة) خبر إن أي إنا كائنون من قبيلة ربيعة، قال صاحب المطالع: الحي في الأصل اسم لمنزل القبيلة ثم سميت القبيلة به لأن بعضهم يحيا ببعض وإنما قالوا نحن من ربيعة لأن عبد القيس هو ابن أفْصَى بفتح الهمزة والصاد المهملة المفتوحة ابن دَعْمَى بن جديلة بن أسد بن ربيعة بن نزار بن معد بن عدنان ومضر هو أيضًا ابن نزار (وقد حالت) وحجزت (بيننا وبينك كفار مضر) وإنما حالت بينهم لأنهم كانوا ينزلون البحرين وكانت مضر بينهم وبين المدينة فلا يمكنهم الوصول إلى المدينة إلا عليهم (فلا نخلص إليك) أي فلا نصل إليك في المدينة أي لا نقدر الوصول إليك لتعلُّم ديننا (إلا في شهر الحرام) أي إلا في الشهر الذي حرُم فيه القتال وسفك الدماء ونهب الأموال، والمراد به جنس الأشهر الحرم أو رجب ومعنى كلامهم هذا أنا لا نقدر على الوصول إليك خوفًا من أعدائنا الكفار إلا في الشهر الحرام فإنهم لا يتعرضون لنا فيه كما كانت عادة العرب من تعظيم الأشهر الحرم وامتناعهم من القتال فيها، قال الأبي: وإنما لا يخلصون إليه إلا في الشهر الحرام لأن العرب في الجاهلية كانت تُخيف السبل ويُغير بعضهم على بعض إلا في الأشهر الحرم تعظيمًا لها لأن الله سبحانه كان حرم القتال فيها على عهد إبراهيم

ص: 139

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

عليه السلام ودام ذلك التحريم إلى أن مضى صدر الإِسلام فنزلت آية السيف بإباحة القتال في رجب وبقي تحريمه في الثلاثة وقيل إن تحريمه في رجب لم ينسخ، قال السهيلي: وسر تحريم القت الذيها أن إبراهيم عليه السلام لما أسكن ذريته مكة ودعا بقوله {فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوي إِلَيهِمْ} الآية، كان فيما فرض الله تعالى من الحج وسن من العمرة مصلحة جلب الأقوات إليهم في المواسم ولما علم الله تعالى أن ذؤبان العرب -أي لصوصهم وصعاليكهم- لا تضع إخافة السبل حرم القتال في أشهر الحج الثلاثة وهي ذو القعدة وتالياه وفي شهر العمرة رجب الفرد ليأمن الحجاج والعمار واردين وصادرين.

وكانت أشهر الحج ثلاثة لأنها الأمد الذي يصل الحاج فيه إلى مكة ويرجع من أقصى بلاد العرب وجعل العمرة شهرًا لأنها لا تكون من أقصى بلاد العرب كالحج ألا ترى أن الناس لا يعتمرون من المغرب ومن أرادها من أهله جعلها مع الحج وأقصى بلاد المعتمرين نصف شهر فجعل لها شهرًا لأنه الأمد الذي يصل فيه المعتمر ويرجع اهـ أبي.

وقوله (إلا في شهر الحرام) كذا هو في الأصول كلها بإضافة شهر الحرام وفي الرواية الأخرى (إلا في أشهر الحرم) والقول فيه كالقول في نظائره من قولهم مسجد الجامع وصلاة الأولى، ومنه قول الله تعالى {بِجَانِبِ الْغَرْبِيِّ} {وَلَدَارُ الْآخِرَةِ} فعلى مذهب الكوفيين هو من إضافة الموصوف إلى صفته وهو جائز عندهم وعلى مذهب البصريين لا تجوز هذه الإضافة ولكن هذا كله عندهم على حذف في الكلام للعلم به فتقديره شهر الوقت الحرام وأشهر الأوقات الحرم، ومسجد المكان الجامع ودار الحياة الآخرة وجانب المكان الغربي، وصلاة الساعة الأولى ونحو ذلك والله أعلم. اهـ نواوي قال القرطبي: هو في بعض النسخ منكر ويصح أيضًا لكل واحد من الأربعة ولكن إنما يعنون به رجب الذي أضافه إليهم في قوله: "ورجب مضر" قال الأبي: وعن أبي عبيدة أنه إنما كان أولًا مختصًا بقريش وكانت مشيختهم تعظمه ثم فشا في مضر وكنانة، وكانت تبالغ في احترامه ينزعون فيه السلاح ويُنصلون فيه الأسنة ويسمونه مُنصل الأسنة،

والأصم لأنه كانت لا تسمع فيه قرقرة السلاح اهـ أبي.

قال النواوي: ثم إن قولهم (إلا في شهر الحرام) المراد به جنس الأشهر الحرم

ص: 140

فَمُرْنَا بِأَمْرٍ .. نَعْمَلُ بِهِ، وَنَدْعُوا إِلَيهِ مَنْ وَرَاءَنَا، قَال:"آمُرُكُمْ بِأَرْبَعٍ، وَأَنْهَاكُمْ عَنْ أَرْبَعٍ: الإِيمَانِ بِاللهِ"، ثُمَّ فَسَّرَهَا

ــ

وهي أربعة أشهر حُرم كما نص عليه القرآن العزيز، وتدل عليه الرواية الأخرى بعد هذه (إلا في أشهر الحرم) والأشهر الحرم هي ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب، هذه الأربعة هي الأشهر الحرم بإجماع العلماء من أصحاب الفنون، ولكن اختلفوا في الأدب المستحسن في كيفية عدها على قولين حكاهما الإمام أبو جعفر النحاس في كتابه صناعة الكتاب قال: ذهب الكوفيون إلى أنه يقال المحرم ورجب وذو القعدة وذو الحجة، قال والكُتَّاب يميلون إلى هذا القول ليأتوا بهن من سنة واحدة، قال وأهل المدينة يقولون: ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب، وقوم ينكرون هذا ويقولون: جاءوا بهن من سنتين، قال أبو جعفر: وهذا غلط بيِّن وجهل باللغة لأنه قد علم المراد وأن المقصود ذكرها وأنها في كل سنة فكيف يتوهم أنها من سنتين، قال والأولى والاختيار ما قاله أهل المدينة لأن الأخبار قد تظاهرت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كما قالوا من رواية ابن عمر وأبي هريرة وأبي بكرة رضي الله عنهم، قال: وهذا أيضًا قول أكثر أهل التأويل، قال النحاس: وأدخلت الألف واللام في المحرم دون غيره من الشهور، قال: وجاء من المشهور ثلاثة مضافات شهر رمضان وشهرا ربيع، يعني والباقي غير مضافات، وسمي الشهر شهرًا لشهرته وظهوره والله أعلم. انتهى.

(فمرنا) يا رسول الله (بأمر) من مأمورات الشرع نمتثله و (نعمل به) ونتبعه وانهنا عن منهي من منهيات الشرع نحاذره ونجتنبه ففي الكلام اكتفاء (وندعوا إليه) أي إلى ذلك الأمر (من) بقي (وراءنا) وخلفنا وتخلف في بلادنا من قومنا، وجملة قوله (ندعو) معطوف على جملة قوله نعمل على كونها صفة لأمر.

(قال) النبي صلى الله عليه وسلم (آمركم) أيها الوافدون (بأربع) أي بأربع خصال من المأمورات (وأنهاكم) أي أحذركم (عن أربع) خصال من المنهيات، وقوله (الإيمان بالله) سبحانه بالجر بدل من أربع الأولى أو عطف بيان لها أي آمركم بالإيمان بالله تعالى وبالرفع خبر لمبتدأ محذوف والجملة صفة لأربع تقديره هي الإيمان أي آمركم بأربع موصوفة بكونها حقيقة الإيمان والإسلام وأركانهما، والإيمان هنا بمعنى الإِسلام لأنه أطلق الإيمان على ما هو أركان الإسلام في حديث جبريل السابق ففيه توسع (ثم فسرها)

ص: 141

لَهُمْ فَقَال: "شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إلا اللهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، وَإِقَامِ الصَّلَاةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَأَنْ تُؤَدُّوا خُمُسَ مَا غَنِمْتُمْ، وَأَنْهَاكُمْ عَنِ الدُّبَّاءِ،

ــ

أي فسر وبين تلك الأربع التي هي الإيمان باللهِ تعالى (لهم) أي لوفد عبد القيس ولكنه لم يتمها في هذه الرواية لأنه سقط منها الصوم (فقال) النبي صلى الله عليه وسلم في بيانها لهم (شهادة أن لا إله إلا الله) بالجر بدل من أربع بدل تفصيل من مجمل، أي آمركم بشهادة أن لا إله إلا الله (و) شهادة (أن محمدًا رسول الله) إلى كافة الثقلين فهذه واحدة من تلك الأربع (و) آمركم بـ (ـإقام الصلاة) المكتوبة في أوقاتها المحددة شرعًا بآدابها وأركانها وهذه ثانية من تلك الأربع (و) آمركم بـ (ـإيتاء الزكاة) المفروضة وصرفها إلى مصارفها المبينة في الكتاب العزيز، وهذه ثالثة من تلك الأربع، والخصلة الرابعة هي الصوم، واتفقوا على أن سقوط الصوم في هذا الطريق إنما هو من الرواة والنبي صلى الله عليه وسلم إنما قال: "شهادة أن لا إله إلا الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وقوله (وأن تؤدوا خمس ما غنمتم) من الكفار في مصارف خمس الفيء في تأويل مصدر معطوف على أربع أي آمركم بأربع وبأداء خمس ما غنمتم.

قال النواوي: أمرهم بالأربع التي وعدهم بها ثم زادهم خامسة يعني أداء الخمس لأنهم كانوا مجاورين لكفار مضر فكانوا أهل جهاد وغنائم.

قال ابن الصلاح: وأما عدم ذكر الصوم في هذه الرواية فهو إغفال من الراوي وليس من الاختلاف الصادر من رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل من اختلاف الرواة الصادر من تفاوتهم في الضبط والحفظ، وكذا قاله القاضي عياض، وهو ظاهر لا شك، قال القاضي: وكانت وفادة عبد القيس عام الفتح قبل خروج النبي صلى الله عليه وسلم إلى مكة، ونزلت فريضة الصوم في السنة الثانية قبلها، وفريضة الحج نزلت سنة تسع بعدها على الأشهر.

وقوله (وأن تؤدوا خمس ما غنمتم) فيه إيجاب الخمس من الغنائم، وإن لم يكن الإمام في السرية الغازية، ويقال خمس بضم الميم وإسكانها، وكذلك الثلث والربع والسدس والسبع والثمن والتسع والعشر بضم ثانيها وشمكن والله أعلم اهـ نواوي بتصرف.

وقوله (وأنهاكم عن) الانتباذ في وعاء (الدباء) إلخ تفصيل للأربع المذكورة في قوله

ص: 142

وَالْحَنْتَمِ، وَالنَّقِيرِ، وَالْمُقَيَّرِ"،

ــ

أولًا "وأنهاكم عن أربع" والدباء بضم الدال المهملة وتشديد الموحدة القرع أي نوع منه وهو الذي لا يؤكل وجوفه مرٌّ مرارة شديدة إذا يبس وأخرج ما في جوفه من الحبوب والفضلات صار إناء للماء ووعاء للسمن والعسل ونحوهما وكاسًا للشرب وإبريقًا للوضوء لأنه يثمر على أشكال مختلفة وهو كثير في الحبشة خصوصًا في منطقة الهرر يزرع لغرض اتخاذه إناءً أو وعاءً في لغة الأرمية بقي، وعلة النهي عن الانتباذ فيه لأنه يسرع التخمير إلى ما انتبذ فيه فربما يشرب وهو مسكر (و) أنهاكم عن الانتباذ في إناء (الحنتم) بفتح المهملة وإسكان النون وهو جرار خضر مطلية بما يسد الخرق اهـ قسطلاني. وقال النواوي: واختلف فيها فأصح الأقوال وأقواها أنها جرار خضر وهذا التفسير ثابت في صحيح مسلم في كتاب الأشربة عن أبي هريرة، والثاني أنها الجرار كلها خضرًا كانت أو بيضًا أو حمرًا، والثالث أنها جرار يؤتى بها من مِصر مقيَّرات الأجواف، والرابع أنها جرار حمر أعناقها في جنوبها يجلب فيها الخمر من مصر، والخامس أنها جرار حمر أفواهها في جنوبها يجلب فيها الخمر من الطائف وكان ناس ينتبذون فيها يضاهون به الخمر، والسادس أنها جرار كانت تعمل من طين وشعر ودم اهـ. وعلة النهي عن الانتباذ فيها إمالك ونها مزفتة يسرع إليها التخمير وإما لأنها كانت يحمل فيها الخمر فنهى عن ذلك خوفًا أن تستعمل قبل إجادة غسلها وإما لأنها من الدم النجس والشعر فنهى عن ذلك للمنع من غسلها اهـ من الأبي.

(قلت) والجرار جمع جرة وهو إناء صنع من طين ثم شوي بنار فصار فخارًا.

(و) أنهاكم عن الانتباذ في (النقير) بالنون المفتوحة والقاف المكسورة وهو الجذع المنقور أي أصل النخل الذي ينقر ويقور وسطه فيجعل إناءً مثل البراميل التي تتخذ من خشب (و) عن الانتباذ في الإناء (المقير) أي الإناء المطلي بالقار سواء كان من خشب أو نحاس أو رصاص أو غيرها والقار هو الزفت وقيل الزفت نوع من القار والصحيح الأول فقد صح عن ابن عمر أنه قال المزفت هو المقير والقار نوع من المعادن تطلى به السفن مع شحم الحوت اهـ شيخنا.

قال النواوي: ومعنى الانتباذ فيها أن يجعل في الماء حبات من تمر أو زبيب أو نحوهما ليحلو ويشرب وإنما خصت هذه الأربع بالنهي عنها دون سائر الأواني لأنه يسرع

ص: 143

زَادَ خَلَفٌ فِي رِوَايَتِهِ: "شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إلا اللهُ، وَعَقَدَ وَاحِدَةً".

24 -

(. . .) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ

ــ

إليه الإسكار فيها فيصير حرامًا نجسًا وتبطل ماليته فنهى عنه لما فيه من إتلاف المال، ولأنه ربما شربه بعد إسكاره من لم يطلع عليه، ولم ينه عن الانتباذ في أسقية الأدم بل أذن فيها لأنها لرقتها لا يخفى فيها المسكر بل إذا صار مسكرًا شقتها غالبًا.

ثم إن هذا النهي كان في أول الأمر ثم نسخ بحديث بريدة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "كنت نهيتكم عن الانتباذ إلا في الأسقية فانتبذوا في كل وعاء ولا تشربوا مسكرًا" رواه مسلم في الصحيح، وهذا الذي ذكرناه من كونه منسوخًا هو مذهبنا ومذهب جماهير العلماء، قال الخطابي: القول بالنسخ هو أصح الأقاويل، قال: وقال قوم التحريم باق وكرهوا الانتباذ في هذه الأوعية ذهب إليه مالك وأحمد وإسحاق وهو مروي عن ابن عمر وابن عباس رضي الله عنهم والله أعلم.

(زاد خلف) بن هشام (في روايته) هذا الحديث على يحيى بن يحيى فقال (شهادة أن لا إله إلا الله وعقد) النبي صلى الله عليه وسلم أي عد بعقدة أصابعه عند قوله شهادة أن لا إله إلا الله (واحدة) أي خصلة واحدة من الخصال الأربع التي أمر بهن أي أشار بعقدة أصابعه إلى أنها واحدة من تلك الأربع ثم عد الباقي بعقدته كذلك والله أعلم فالزيادة التي زادها خلف لفظة (وعقد) ودلت هذه الزيادة على أن عدَّ التسبيح والتكبير والتحميد يكون بعقد الأصابع لا بالأصبع لأن النبي صلى الله عليه وسلم عد هذه الأربع بالعقد لا بالأصابع، روى الإمام مسلم هذا الحديث في الإيمان وفي الأشربة عن خلف بن هشام عن حماد بن زيد عن أبي جمرة وعن يحيى بن يحيى عن عباد بن عباد عن أبي جمرة، وروى أيضًا في الإيمان عن أبي بكر بن أبي شيبة ومحمد بن المثنى ومحمد بن بشار ثلاثتهم عن غندر عن شعبة عن نصر بن عمران، ورواه أيضًا في الإيمان عن عبيد الله بن معاذ عن أبيه وعن نصر بن علي عن أبيه كلاهما عن قرة به، وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري (53) وأبو داود (3692) و (3694) و (3696) والترمذي (2614) والنسائي (8/ 323).

ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما فقال:

(24)

- متا (. . .)(حدثنا أبو بكر) عبد الله بن محمد (بن أبي شيبة) إبراهيم بن

ص: 144

وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَمُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ - وَأَلْفَاظُهُمْ مُتَقَارِبَةٌ -

ــ

عثمان العبسي بسكون الموحدة مولاهم الحافظ الكوفي من العاشرة مات سنة (235) خمس وثلاثين ومائتين، وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في ستة عشر بابا تقريبًا.

(و) حدثنا (محمَّد بن المثنى) بن عبيد بن قيس العنزي بفتح النون والزاي أبو موسى البصري المعروف بالزَّمِن مشهور بكنيته وباسمه كان صاحب كتاب، وكان لا يحدث إلا من كتابه، روى عن محمَّد بن جعفر وابن أبي عدي وعبد الرحمن بن مهدي ويحيى بن حماد ويحيى بن سعيد القطان وابن عيينة ومعتمر وخلق، ويروي عنه (ع) وأبو زرعة وأبو حاتم وبَقِيُّ بن مخلد وخلق، قال في التقريب: ثقة ثبت من العاشرة وقال الخطيب مات في ذي القعدة سنة (252) ثنتين وخمسين ومائتين، روى عنه المؤلف في الإيمان وفي الجنائز وفي الصوم وفي الحج في خمسة مواضع وفي الطلاق وفي العتق وفي الجهاد في موضعين وفي الزهد وفي الأطعمة في موضعين وفي اللباس وفي الفضائل وفي العلم وفي باب الرحمة وفي الكفارة، فجملة الأبواب التي روى المؤلف عنه فيها أربعة عشر بابا تقريبًا.

(و) حدثنا أيضًا (محمَّد بن بشار) بن عثمان بن داود بن كيسان العبدي أبو بكر البصري وقيل أبو إسحاق، ويقال له بندار بضم الباء وفتحها وسكون النون، أحد أوعية الحديث وبُندار في الأصل من بيده القانون وهو أصل ديوان الخراج، وإنما لُقب بُندارًا لأنه كان بندارًا في الحديث جمع حديث بلده، روى عن محمَّد بن جعفر غندر والمعتمر ويزيد بن زُريع ويحيى القطان وعبد الرحمن بن مهدي ومعاذ بن هشام ويروي عنه (ع) وابن خزيمة وابن صاعد وخلق، وقال العجلي: بندار ثقة كثير الحديث، وقال أبو حاتم: صدوق، وقال النسائي: لا بأس به، وقال في التقريب: ثقة من العاشرة ولد سنة سبع وستين ومائة في السنة التي مات فيها حماد بن سلمة مات بالبصرة سنة (252) اثنتين وخمسين ومائتين وله بضع وثمانون سنة (80) وقال الذهبي: انعقد الإجماع بعد على الاحتجاج ببندار، روى عنه المؤلف في الإيمان وفي الوضوء وفي الصلاة وفي الزكاة وفي الحج في موضعين وفي النكاح وفي العتق وفي الجهاد وفي الأدب وفي الفضائل في موضعين وفي الدعاء وفي الفتن، فجملة الأبواب التي روى المؤلف عنه فيها اثنا عشر بابا تقريبًا (وألفاظهم) أي وألفاظ حديث هؤلاء الثلاثة (متقاربة) في المعنى متشابهة في

ص: 145

قَال أَبُو بَكْرٍ: حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ عَنْ شُعْبَةَ، وقَال الآخَرَانِ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي جَمْرَةَ

ــ

اللفظ لا متماثلة، ولكن (قال أبو بكر) بن أبي شيبة (حدثنا غُندر) فذكره بلقبه (عن شعبة وقال الآخران) محمَّد بن المثنى وابن بشار (حدثنا محمَّد بن جعفر) فذكراه باسمه ونسبه وقالا عنه (حدثنا شعبة) بصيغة السماع، قال السنوسي وهذا من احتياط مسلم رحمه الله تعالى فإن غندرًا محمَّد بن جعفر، ولكن أبو بكر ذكره بلقبه والآخران باسمه ونسبه وقال أبو بكر: غندر عن شعبة بصيغة العنعنة، وقال الآخران عنه حدثنا شعبة فحصلت المخالفة بينه وبينهما من وجهين، ودال غندر مفتوحة على المشهور وحكى الجوهري ضمها اهـ.

أي قال الآخران (حدثنا محمَّد بن جعفر) الهذلي مولاهم أبو عبد الله المدني البصري صاحب الكرابيسي الإمام الحافظ ربيب شعبة جالسه نحوًا من عشرين سنة المعروف بغندر بضم فسكون ففتح أو ضم سماه بذلك ابن جريج لأنه كان يكثر الشغب عليه وأهل الشام يُسمون المشغب غندرًا، روى عن شعبة وابن جريج وسعيد بن أبي عروبة وحسين المعلم وخلق، ويروي عنه (ع) وأبو بكر بن أبي شيبة، ومحمد بن المثنى وبشر بن خالد وابن بشار وأحمد بن حنبل وعدة، قال في التقريب: ثقة صحيح الكتاب إلا أن فيه غفلة من التاسعة مات في ذي القعدة سنة (193) ثلاث وتسعين ومائة، وكان ابن امرأة شعبة، روى عنه المؤلف في كتاب الإيمان وفي الوضوء وفي الصلاة في ثلاثة مواضع وفي الزكاة في موضعين وفي البيوع وفي دلائل النبوة، فجملة الأبواب التي روى عنه فيها المؤلف ستة أبواب تقريبًا.

قال محمَّد بن جعفر (حدثنا شعبة) بن الحجاج بن الورد العتكي مولاهم أبو بسطام الواسطي ثمَّ البصري أحد أئمة الإِسلام ثقة حافظ متقن من السابعة مات سنة (160) ستين ومائة، وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في ثلاثين بابا تقريبًا.

(عن أبي جمرة) نصر بن عمران الضبعي البصري من الثالثة مات سنة (128) ثمان وعشرين ومائة، وقد تقدم قريبًا البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في سبعة أبواب فقط، وهذا السند من خماسياته ثلاثة أو أربعة منهم بصريون وواحد كوفي وواحد طائفي أو مكي، وغرضه بسوق هذا السند بيان متابعة شعبة لعباد بن عباد في رواية هذا الحديث

ص: 146

قَال: كُنْتُ أُتَرْجِمُ بَينَ يَدَيِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَبَينَ النَّاسِ، فَأَتَتْهُ امْرَأَةٌ تَسْأَلُهُ عَنْ نَبِيذِ الْجَرِّ،

ــ

عن أبي جمرة، وكرَّر متن الحديث ولم يكتف بالأول لما في هذه الرواية من المخالفة للرواية الأولى في بعض الكلمات ولما فيها من الزيادة.

(قال) أبو جمرة (كنت) أنا (أترجم) وأفسر الكلام الجاري (بين يدي ابن عباس وبين الناس) أي أفسر الجاري بين ابن عباس وبين الناس الذين يستفتونه فلفظة يدي زائدة كما جاء حذفه في رواية البخاري، أو بمعنى الجملة والذات أي بين ذات ابن عباس ونفسه وبين الناس كما في قوله تعالى:{يَوْمَ يَنْظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ} [النبأ: 40] أي قدم، أو بمعنى قدام أي كنت بين يدي ابن عباس وقدامه حالة كوني أترجم وأفسر المحاورة الجارية بينه وبين الناس عند استفتائهم وإفتائه ففي الكلام على هذا تقديم وتأخير وحذف.

والمعنى كنت أبلغ كلامه وأفسره لمن لا يفهمه وعُرْفُ الترجمة التعبير بلغة عن لغة لمن لا يفهم، قال القاضي عياض: كان أبو جمرة فارسيًّا يترجم لمن حضر من الفارسيين، وقيل كان يُفْهِم كلام ابن عباس لمن لا يفهمه لزحام أو بعد، وفيه دليل على أن ابن عباس كان يكتفي في الترجمة بواحد لأنه مخبر، وقد اختلف فيه فقيل يجوز لأنه من باب الخبر لا من باب الشهادة وهو المشهور، ووجهه ابن رشد بأنه الأصل في كل ما يبعث فيه القاضي كقيس الجراحات والقسم والاستنكاه في الخمر، وقيل لا يكفي الواحد بل لا بد من اثنين لأنها شهادة وهذا القول لسحنون وابن عبدوس.

قال ابن الصلاح: وعندي أنَّه كان يبلغ كلام ابن عباس إلى من خَفي عليه من الناس إما من زحام منع من سماعه فأسمعهم وإما لاختصار منع مِن فهمه فَأفْهَمَهم أو نحو ذلك قال: وإطلاقه لفظ الناس يُشعر بهذا والظاهر أن معناه أنَّه يُفهمهم عنه ويفهمه عنهم (فأتته) أي فأتت ابن عباس وجاءته (امرأة) لم أر من ذكر اسمها حالة كون المرأة (تسأله) أي تسأل ابن عباس وتستفتيه (عن) حكم (نبيذ الجر) أي عن حكم النبيذ الذي انتبذ وبُلَّ في إناء الجرِّ هل يجوز شربه أم لا؟

والجرُّ بفتح الجيم اسم جمع والواحدة جرة كتمر وتمرة ويجمع على جرار وهي قلال من فخار غير أنها مطلية بالزجاج وهو الحنتم ونبيذ الجر هو ما ينبذ فيها من التمر

ص: 147

فَقَال: إِنَّ وَفْدَ عَبْدِ الْقَيسِ أَتَوْا رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:"مَنِ الْوَفْدُ" أَوْ "مَنِ الْقَوْمُ؟ " قَالُوا: رَبِيعَةُ، قَال: "مَرْحَبًا بِالْقَوْمِ - أَو الْوَفْدِ -

ــ

وغيره وإنما سألته عن حكم النبيذ في الجرار هل يحل أم لا فذكر لها ما يدل على منع ذلك ثمَّ أخذ في ذكر الحديث بقصة.

ففيه ما يدل على أن المفتي يجوز له أن يذكر الدليل مستغنيًا به عن النص على الفتيا إذا كان السائل بصيرًا بموضع الحجة اهـ قرطبي.

وفي هذا دليل على جواز استفتاء المرأة للرجال الأجانب وسماعها صوتهم، وسماعهم صوتها للحاجة اهـ نووي.

قال الأبي: وذكره قضية الوفد دليل على أن مذهب ابن عباس أن النهي عن الانتباذ في هذه الأوعية باق حكمه ليس بمنسوخ وقد قدمنا الخلاف فيه.

(فقال) ابن عباس استدلالًا على إفتائه إياها (إن وفد عبد القيس) وجماعتهم المختارة للوفود على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم أربعة عشر وسبعة عشر رجلًا (أتوا) وجاؤوا (رسول الله صلى الله عليه وسلم) من بلادهم لتعلم قواعد دينهم (فقال) لهم (رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوفد أو) قال لهم (من القوم) أي من أي قبيلة ومن أي بلاد والشك من بعض الرواة قاله القرطبي، وفي القسطلاني والشك من شعبة أو من شيخه، والوفد الوافدون وهم القادمون والزائرون يقال وفد يفد من باب وعد فهو وافد والجمع وافدون ووفود والقوم وفد، وقال ابن عباس في قوله تعالى:{يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْدًا} [مريم: 85] ركبانًا اهـ منه.

فـ (قالوا) أي قال وفد القيس مجيبين لسؤال رسول الله صلى الله عليه وسلم نحن (ربيعة) أي وفد من قبيلة ربيعة بن نزار بن معد بن عدنان لأنَّ عبد القيس من أولاده (قال) لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي البخاري (فقال)(مرحبًا بالقوم أو الوفد) على الشك أيضًا وقوله مرحبًا مصدر ميمي مشتق من الرحب بضم الراء وهو السعة والرحب بفتح الراء هو الشيء الواسع يقال رحب رحبًا إذا اتسع وهو منصوب بفعل مضمر وجوبًا لجريانه مجرى المثل تقديره صادفت رحبًا أو أتيت رحبًا فاستأنس ولا تستوحش، وقال القاضي عياض: قوله مرحبًا كلمة تستعمل للبر وحسن اللقاء وانتصابه بفعل مقدر أي

ص: 148

غَيرَ خَزَايَا وَلَا النَّدَامَى"،

ــ

صادفت رحبًا وسعة وفيه جواز قول الرجل لغيره مرحبًا وكذا ترجم عليه البخاري، وفيه وفد الرعية على الإمام وتبليغهم عنه.

وقوله (غير خزايا) بالنصب حال من فاعل العامل المحذوف في مرحبًا أي أتيتم وصادفتم رحبًا وسعة حالة كونكم غير مُذلين ولا مهانين ولا مفضوحين بوطء البلاد وقتل الأنفس وسبي النساء، قال النواوي: ونَصْبُهُ هو المعروف وبالجر صفة للقوم والخزايا جمع خزيان كحيارى جمع حيران وندامى جمع ندمان كما قال تأبط شرًّا:

فخالط سهل الأرض لم يكدح الصفا

به كدحة والموت خزيان ينظر

من خزي يخزى خزيًا إذا ذل أو من خزي يخزى خزاية إذا خجل واستحيى، فالمعنى على الأول غير أذلاء وعلى الثاني غير مستحيين لقدومكم مبادرين دون حرب يوجب استحياءكم قال النواوي: غير خزايا بالنصب حال كما مر، وقال صاحب التحرير: ويُروى بالجر صفة للقوم، قال الأبي: الأولى على البدل لأنَّ في جعله صفة وصف المعرفة بالنكرة إلا أن تجعل أل في القوم جنسية كما هي في قوله:

ولقد أمر على اللئيم يسبني

فمضيت ثمت قلت لا يعنيني

قوله (ولا الندامى) قال النواوي هكذا في الأصول الندامى بالألف واللام وخزايا بحذفها، وروي في غير هذا الموضع بالألف واللام فيهما، وروي بإسقاطهما فيهما، قال القرطبي: والندامى جمع نادم من الندم لكنه على غير قياس لأنَّ قياس ندامى أن يكون جمع ندمان من المنادمة يعني المنادم على اللهو والخمر والندمان هو المجالس على الخمر وساقيها كما قال الشاعر:

فإن كنت ندماني فبالأكبر اسقني

ولا تسقني بالأصغر المتثلِّم

وليس هذا مرادًا هنا وإنما جمع نادمًا هذا على ندامى إتباعًا لخزايا على عادتهم في إتباع اللفظِ اللفظَ وإن لم يكن بمعنى كما قالوا إني لآتيه بالغدايا والعشايا فجمعوا الغدوة على غدايا لما ضموه إلى العشايا كما قال شاعرهم وهو قلاخ بن حبابة وقيل ابن مقبل:

هتاك أخبية ولَّاج أبوبة

يخلط بالبر منه الجد واللينا

ص: 149

قَال: فَقَالُوا: إِنَّا نَأْتِيكَ (1) مِنْ شُقَّةٍ بَعِيدَةٍ، وَإِنَّ بَينَنَا وَبَينَكَ هَذَا الْحَيَّ مِنْ كُفَّارِ مُضَرَ، وَإِنَّا لَا نَسْتَطِيعُ أَنْ نَأْتِيَكَ إِلَّا فِي شَهْرِ الْحَرَامِ،

ــ

فجمع الباب على أبوبة لما أتبعه أخبية، ولو أفرده لما جاز ذلك ومن هذا النوع قوله صلى الله عليه وسلم للنساء المتبعات للجنازة:"ارجعن مأزورات غير مأجورات" رواه ابن ماجه (1578) وفي إسناده دينار بن عمر ضعيف، ولولا مراعاة الإتباع قال موزورات بالواو لأنه من الوزر، وقال محمَّد بن جعفر القيرواني القزاز في جامعه يقال في النادم ندمان فيكون ندامى على القياس، ومعنى هذا الكلام التأنيس والإكرام والثناء عليهم بأنهم بادروا بإسلامهم طائعين من غير خزي لحقهم من قهر وسباء وإسار، ثمَّ إنهم لما أسلموا كذلك احتُرِمُوا وأُكْرموا وأُخْبوا فلم يندموا على ذلك بل انشرحت صدورهم للإسلام وتنورت قلوبهم بالإيمان وغير خزايا منصوب على الحال أي أتيتم في هذه الحال وروي ولا الندامى ولا ندامى معرفًا وغير معرف وهما بمعنى واحد انتهى.

(قال) ابن عباس رضي الله تعالى عنهما (فقالوا) أي فقال الوفد لرسول الله صلى الله عليه وسلم (إنا) نحن (نأتيك من شقة) بضم الشين أي من سفرة ومرحلة (بعيدة) ومسافة طويلة، قال النووي: الشقة السفر الطويل وصفها بالبعد تأكيدًا وقيل هي المسافة، وضم شينها أفصح من الكسر لأنها لغة القرآن، سُميت شقة لأنها تشق على الإنسان، وقيل هي المسافة وقيل الغاية التي يخرج إليها الإنسان (وإن بيننا) معاشر ربيعة (وبينك) يا رسول الله (هذا الحي) والقبيل المعروف، بالنصب على أنَّه اسم إن، حالة كونهم (من كفار مضر) بن نزار بن معد بن عدنان، أي من بني مضر لأنَّ بني ربيعة يسكنون في البحرين، وبنو مضر يسكنون بين المدينة وبين البحرين (وإنا) نحن (لا نستطيع) ولا نقدر (أن نأتيك) ونصل إليك (إلا في شهر الحرام) كذا في الرواية الصحيحة بتعريف الحرام، وإضافة الشهر إليه وهو من باب إضافة الشيء إلى صفته كما قالوا مسجد الجامع وصلاة الأولى وهو على تقدير محذوف فكأنه قال شهر الوقت الحرام ومسجد المكان الجامع وصلاة الساعة الأولى ويعنون بشهر الحرام رجبًا لأنه متفرد بالتحريم من شهر الحل بخلاف سائر الأشهر الحرم فإنها متوالية ولذلك قال فيها ثلاثة سرد وواحد فرد يعنون به رجبًا وهو الذي قال النبي صلى الله عليه وسلم فيه إنه شهر مضر رواه البخاري ومسلم وأبو داود.

(1) في نسخة: (فقالوا: يا رسول الله؛ إنا نأتيك).

ص: 150

فَمُرْنَا بِأَمْرٍ فَصْلٍ نُخْبِرْ (1) بِهِ مَنْ وَرَاءَنَا. . نَدْخُلْ (2) بِهِ الْجَنَّةَ، قَال: فَأَمَرَهُمْ بِأَرْبَعٍ، وَنَهَاهُمْ عَنْ أَرْبَعٍ، قَال: أَمَرَهُمْ بِالإِيمَانِ بِاللهِ وَحْدَهُ، وَقَال: "هَلْ تَدْرُونَ مَا

ــ

وإنما نسبه إليهم إما لأنهم انفردوا بابتداء احترامه أو لتخصيصهم الاحترام به أو لزيادة تعظيمهم له على غيرهم والله أعلم، وفي رواية في شهر حرام بتنكيرها وهو يصلح لرجب وحده ولجميع الأشهر الحرم وحاصل قولهم هذا إنه اعتذار عن امتناع تكرر قدومهم عليه (فمرنا بأمر) بتنوين أمر وقوله (فصل) صفة له أي أخبرنا وحثَّنَا بأمر بين واضح ينفصل به المراد عن غيره ولا يشكل معه أي قل لنا قولًا بليغًا يفصل بين الحق والباطل نظير قوله تعالى {إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ} [الطارق: 13] قال الأبي: قوله (بأمر فصل) بتنوين الكلمتين الأمر يحتمل أنَّه ضد النهي ففصل معناه فارق بين الحق والباطل كقوله: "قل آمنت بالله ثمَّ استقم" ويحتمل أنَّه الفعل أي مرنا بعمل أي بصيغة افعل ففصل على هذا بمعنى مُفَصَّلٍ مُبَيَّن كما بين الإِسلام بأركانه الخمسة وبعضهم فسر فصلًا بكونه دائمًا غير معروض للنسخ وهذا المعنى يدل على أنهم جوزوا النسخ اهـ.

(نخبر به) أي بذلك الأمر بالرفع على أنَّه صفة لأمر وبالجزم جوابًا للأمر وبالجزم جوابًا للأمر (من) تركنا (وراءنا) وخلفنا في البلاد إذا رجعنا إليهم (ندخل به الجنة) بإسقاط واو العطف الثابتة في بعض الرواية مع الرفع على الحال المقدرة أي نخبر مقدرين دخول الجنة به أو على الاستئناف أو على البدلية أو على الصفة بعد الصفة ومع الجزم جوابًا للأمر جوابًا بعد جواب، وفي بعض الرواية وندخل بإثبات الواو العاطفة، وحينئذ فلا يتأتى الجزم في الثاني مع رفع الأول لعدم المعطوف عليه اهـ قسطلاني.

قال القرطبي: قوله (نخبر به من وراءنا ندخل به الجنة) قيدناه على من يوثق بعلمه نخبر به مرفوعًا وندخل مرفوعًا ومجزومًا فرفعهما على الصفة لأمر وجزم ندخل على جواب الأمر المتضمن للجزاء فكأنه قال إن أمرتنا بأمر واضح فعلنا به ورجونا دخول الجنة بذلك الفعل. اهـ.

(قال) ابن عباس (فأمرهم) رسول الله صلى الله عليه وسلم (بأربع) خصال (ونهاهم عن أربع) خصال (قال) ابن عباس (أمرهم بالإيمان بالله وحده) والتصديق بوحدانيته (وقال) لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم (هل تدرون) وتعلمون (ما

(1) في نسخة: (نخبر) بالرفع والجزم.

(2)

في نسخة: (ندخل) بالرفع والجزم.

ص: 151

الإِيمَانُ بِاللهِ؟ "، قَالُوا: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَال: "شَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، وَإِقَامُ الصَّلاةِ، وَإِيتَاءُ الزَّكَاةِ، وَصَوْمُ رَمَضَانَ، وَأَنْ تُؤَدُّوا خُمُسًا مِنَ الْمَغْنَمِ"، وَنَهَاهُمْ عَنِ

ــ

الإيمان بالله) أي جواب ما حقيقة الإيمان بالله تعالى (قالوا) أي قال الوفد (الله ورسوله أعلم) به (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم الإيمان بالله تعالى له أربعة دعائم أحدها (شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله) صلى الله عليه وسلم (و) ثانيها (إقام الصلاة) المكتوبة وأداؤها في أوقاتها المحددة (و) ثالثها (إيتاء الزكاة) المفروضة وصرفها إلى مصارفها المبينة شرعًا (و) رابعها (صوم) شهر (رمضان) والإمساك عن المفطرات بنية العبادة (و) قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أيضًا آمركم بـ (ـأن تودوا) وتدفعوا (خمسًا) بضم أوله وثانيه وإسكانه كما مر (من المغنم) أي مما غنمتم من الكفار في مصارف خمس الفيء وهو معطوف على قوله أمرهم بأربع فليس داخلًا في الأربع المأمور بها.

وعبارة القرطبي هنا: قوله (فأمرهم بأربع) إلخ ثمَّ إنه ذكر خمسًا ووعد أربعًا فقيل إن أولى الأربع الموعود بها هو إقام الصلاة وذكر كلمة التوحيد تبركًا بها وتشريفًا لها كما قيل ذلك في قوله تعالى: {فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ} [الأنفال: 41] في قول كثير من أهل العلم، وقيل إنما قصد إلى ذكر الأركان الأربع التي هي التوحيد والصلاة والزكاة والصيام ثمَّ ظهر له أنهم أهل غزو وجهاد لما ذكروا له من مجاورتهم كفار مضر، فأخبرهم على وجه التنبيه أنَّه يلزمهم أداء الخمس، ولم يقصد عد الجهاد، لأنه لم يكن حينئذ فرض لأنَّ وفادتهم كانت سنة ثمان قبل خروجه صلى الله عليه وسلم إلى مكة ونزل فرضه بعد الفتح من العام والله أعلم.

وإنما لم يذكر لهم الحج لأنه لم يكن لهم إليه سبيل من أجل كفار مضر، أو لأنَّ وجوب الحج على التراخي والله أعلم، وقد تقدم القول في الإيمان والإِسلام وأنهما حقيقتان متباينتان في الأصل وقد يتوسع فيطلق أحدهما على الآخر كما جاء هنا، فإنَّه أطلق الإيمانَ على الإِسلام لأنه عَنْه يكون غالبًا وهو مَظهرهُ انتهى بزيادة فيه.

قال ابن الصلاح: والإشكال إنما جاء من توهم عطف أداء الخمس على شهادة وليس بمعطوف عليها، وإنما هو معطوف على أربع كما مر بيانه اهـ (ونهاهم عن) الانتباذ

ص: 152

الدُّبَّاءِ، وَالْحَنْتَمِ، وَالْمُزَفَّتِ، قَال شُعْبَةُ: وَرُبَّمَا قَال: "النَّقِيرِ"، قَال شُعْبَةُ: وَرُبَّمَا قَال: "الْمُقَيَّرِ"، وَقَال:"احْفَظُوهُ، وَأَخْبِرُوا بِهِ مِنْ وَرَائِكُمْ"، وقَال أَبُو بَكْرٍ فِي رِوَايَتِهِ:"مَنْ وَرَاءَكُمْ"، وَلَيسَ فِي رِوَايَتِهِ (الْمُقَيَّرِ).

25 -

(. . .) وَحَدَّثَنِي عُبَيدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ،

ــ

في إناء (الدباء) والقرع اليابس المر (والحنتم والمزفت) أي وعن الانتباذ في أوانيها.

(قال شعبة وربما قال) أبو جمرة وزاد ونهاهم عن الانتباذ في (النقير قال شعبة) أيضًا (وربما قال) أبو جمرة (المقيَّر) بدل المزفت وهو الإناء المطلي بالقار وهو الزفت، وقيل الزفت نوع من القار، والصحيح الأول فقد صح عن ابن عمر أنَّه قال: المزفت المقير اهـ نووي.

قال في فتح الباري: وليس المراد أنَّه كان يتردد في هاتين اللفظتين ليثبت إحداهما دون الأخرى لئلا يلزم من ذكر المقير التكرار لسبق ذكر المزفت لأنه بمعناه بل المراد أنَّه كان جازمًا بذكر الثلاث الأُوَل شاكًّا في الرابع وهو النقير فكان تارة يذكره وتارة لا يذكره وكان أيضًا شاكًّا في التلفظ بالثالث فكان تارة يقول المزفت وتارة يقول المقير هذا توجيهه فلا يلتفت إلى ما عداه والدليل عليه أنَّه جزم بالنقير في الرواية السابقة انتهى.

قال القرطبي قوله (ونهاهم عن أربع) أي عن الانتباذ في هذه الأواني الأربع فالمنهي عنه واحد بالنوع وهو الانتباذ، ثمَّ إنه تعدد بحسب هذه الأوعية الأربع التي هي الدباء وما بعدها وخص هذه بالنهي لأنها أوانيهم التي كانوا ينتبذون فيها (وقال) لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم (احفظوه) أي احفظوا هذا المذكور الذي ذكرته وبينته لكم من الأوامر والنواهي بامتثال مأموراتها واجتناب منهياتها (وأخبروا) بفتح الهمزة وكسر الموحدة (به) أي بهذا المذكور قومًا تركتموهم (من ورائكم) وخلفكم في البلاد وبلغوه إليهم بكسر الميم على أنها جارَّة (وقال أبو بكر) بن أبي شيبة (في روايته) وأخبروا به (من وراءكم) بفتح الميم على أنها موصولة أي أخبروا به من تركتموه ورائكم من قومكم، قال النواوي: هكذا ضبطناه وكذا هو في الأصول الأول بكسر الميم والثاني بفتحها وهما يرجعان إلى معنى واحد اهـ (وليس في روايته) أي في رواية أبي بكر (المقير) أي ذكر المقير، ثمَّ ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث ابن عباس فقال:

25 -

متا (. . .)(حدثني عبيد الله بن معاذ) بن معاذ بن نصر بن حسان بن

ص: 153

حَدَّثَنَا أَبِي، ح وَحَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ الْجَهْضَمِيُّ، قَال: أَخْبَرَنِي أَبِي، قَالا جَمِيعًا: حَدَّثَنَا قُرَّةُ بْنُ خَالِدٍ

ــ

الحر بن مالك التميمي العنبري أبو عمر البصري ثقة حافظ من العاشرة مات سنة (237) سبع وثلاثين ومائتين وتقدم البسط في ترجمته، وأن المؤلف روى عنه في كتاب الإيمان وغيره عن أبيه ومعتمر بن سليمان قال عبيد الله (حدثنا أبي) معاذُ بن معاذ التميمي العنبري أبو المثنى البصري ثقة متقن من كبار التاسعة مات سنة (196) ست وتسعين ومائة وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف، روى عنه في عشرة أبواب.

(ح وحدثنا نصر بن علي) أي حول المؤلف رحمه الله تعالى السند وقال: حدثنا نصر بن علي بن نصر بن علي بن صهبان بضم المهملة وسكون الهاء الأزدي (الجهضمي) بفتح الجيم والضاد المعجمة وإسكان الهاء بينهما أبو عمر البصري، روى عن أبيه وعبد العزيز بن عبد الصمد وبشر بن المفضل وسفيان بن عيينة وعيسى بن يونس ويزيد بن زريع وغيرهم، ويروي عنه (ع) وأبو زرعة وأبو حاتم والذهلي وابن خزيمة وغيرهم، ثقة من العاشرة مات سنة (250) خمسين ومائتين.

روى عنه المؤلف في الإيمان والوضوء والصلاة في ثلاثة مواضع والجنائز والزكاة والحج والنكاح والأشربة في موضعين والطب واللباس في موضعين والأدب والديات والجهاد والأطعمة والفضائل والصلة، فجملة الأبواب التي روى المؤلف عنه فيها ستة عشر بابا تقريبًا (قال) نصر بن علي (أخبرني أبي) علي بن نصر بن علي الأزدي الجهضمي الصغير أبو الحسن البصري، روى عن قرة بن خالد ووهب بن جرير وشعبة وهشام الدستوائي وغيرهم، ويروي عنه (ع) وابنه نصر ومعلي بن أسد وغيرهم، ثقة من كبار التاسعة مات سنة (187) سبع وثمانين ومائة، وقال أبو العباس السراج مات سنة (250) خمسين ومائتين، روى عنه المؤلف في كتاب الإيمان وفي باب الصلة وغيرهما، وفائدة هذا التحويل بيان كثرة طرقه واختلاف شيخي شيخيه (قالا جميعًا) أي قال معاذ بن معاذ وعلي بن نصر، حالة كونهما مجتمعَين في التحديث عن قرة بن خالد، قال النواوي: قوله (قالا جميعًا) لفظة جميعًا منصوبة على الحال ومعناه اتفقا واجتمعا على التحديث بما يذكره إما مجتمعين في وقت واحد، وإما في وقتين، ومن اعتقد أنَّه لا بد أن يكون ذلك في وقت واحد فقد غلط غلطًا بينًا انتهى (حدثنا قرة بن خالد) السدوسي أبو خالد البصري ويقال له أبو محمَّد، روى عن أبي جمرة وقتادة وأبي الزبير

ص: 154

عَنْ أَبِي جَمْرَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. . . بِهَذَا الْحَدِيثِ نَحْوَ حَدِيثِ شُعْبَةَ، وَقَال:"أَنْهَاكُمْ عَمَّا يُنْبَذُ فِي الدُّبَّاءِ، وَالنَّقِيرِ، وَالْحَنْتَمِ، وَالْمُزَفَّتِ"، وَزَادَ ابْنُ مُعَاذٍ فِي حَدِيثِهِ عَنْ أَبِيهِ قَال: وَقَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لِلأَشَجِّ - أَشَجِّ عَبْدِ الْقَيسِ -:

ــ

ومحمد بن سيرين وحميد بن هلال وغيرهم، ويروي عنه (ع) ومعاذ بن معاذ وعلي بن نصر وخالد بن الحارث ويحيى بن سعيد وغيرهم، ثقة ضابط من السادسة مات سنة (155) خمس وخمسين ومائة، وقيل أربع وخمسين روى عنه المؤلف في الإيمان وفي الصلاة في موضعين والزكاة والحج في موضعين وفي البيوع والديات والجهاد والنفاق والطلاق والفتن والفضائل والزهد وآخر الكتاب، فجملة الأبواب التي روى المؤلف عنه فيها ثلاثة عشر بابا تقريبًا.

(عن أبي جمرة) نصر بن عمران الضبعي البصري (عن ابن عباس) رضي الله تعالى عنهما وغرض المؤلف بسوق هذا السند بيان متابعة قرة بن خالد لشعبة في رواية هذا الحديث عن أبي جمرة، وفائدة هذه المتابعة بيان كثرة طرقه، وهذا السند من خماسياته، ومن لطائفه أن رواته كلهم بصريون إلا ابن عباس، وفيه أيضًا رواية ولد عن والد. (عن النبي صلى الله عليه وسلم) والجار والمجرور في قوله (بهذا الحديث) متعلق بحدثنا قرة لأنه العامل في المتابع وقوله (نحو حديث شعبة) مفعول ثانٍ لحدثنا قرة، وفيه تصريح بالمتابع بصيغة اسم المفعول (وقال) قرة بن خالد في روايته قال لهم النبي صلى الله عليه وسلم (أنهاكم عما ينبذ في الدباء) إلخ بصيغة المضارع المجهول، بدل قول شعبة:(نهاهم عن الدباء) إلخ بصيغة الماضي، وبزيادة عما ينبذ وبلا شك، أي قال لهم النبي صلى الله عليه وسلم أنهاكم أنا عن شرب ما ينبذ ويبل في هذه الأواني من التمر والزبيب لأنها سريعة الإسكار أي شرب ما ينبذ في إناء الدباء (و) في إناء (النقيرُ و) في إناء (الحنتم و) في إناء (المزفت) أي المطلي بالزفت (وزاد) عبيد الله (بن معاذ في حديثه) وروايته (عن أبيه) معاذ بن معاذ أي زاد على نصر بن علي هذه الجملة المذكورة بقوله (قال) ابن عباس رضي الله تعالى عنهما (وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للأشج) أي للرجل الذي في وجهه أثر شجة وجراحة قديمة وقوله (أشج عبد القيس) بدل من الأشج أو عطف بيان له اسم ذلك الأشج المنذر بن عائذ بالذال المعجمة العصري

ص: 155

"إِنَّ فِيكَ خَصْلَتَينِ يُحِبُّهُمَا اللهُ: الْحِلْمُ، وَالأَنَاةُ"

ــ

بفتح العين والصاد المهملتين على الصحيح المشهور الذي قاله ابن عبد البر والأكثرون أو الكثيرون، وقال ابن الكلبي: اسمه المنذر بن الحارث بن زياد بن عصر بن عوف، وقيل اسمه المنذر بن عامر، وقيل المنذر بن عبيد، وقيل اسمه عائذ بن المنذر، وقيل عبد الله بن عوف (إن فيك) أيها الأشج (خصلتين) أي حالتين (يحبهما الله) سبحانه وتعالى هما (الحلم) أي العقل الكامل والفكرة الثاقبة (والأناة) أي التأني والتثبت في الأمور وترك العجلة.

وإنما قلنا الأصح المشهور أن اسمه المنذر بن عائذ لما روى أبو داود من حديث أم أبان بنت الوازع بن زارع عن جدها زارع وكان في وفد القيس قال: فلما قدمنا المدينة تبادرنا من رواحلنا نقبل يد النبي صلى الله عليه وسلم ورجله وانتظر المنذر حتى أتى عيبته (بفتح العين والباء الموحدة بينهما ياء ساكنة وعاء يوضع فيه الثياب ثمَّ يوضع على الرحل) فلبس ثوبه ثمَّ أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال له: "إنك فيك لخصلتين يحبهما الله ورسوله الحلم والأناة فقال: يا رسول الله أنا أتخلق بهما أم جبلني الله عليهما فقال: بل الله جبلك عليهما قال: الحمد لله الذي جبلني على خلقين يحبهما الله ورسوله" رواه أبو داود (5225) والحِلم بكسر الحاء هنا العقل يقال منه حَلُم الرجل يحلم بضم اللام إذا صار حليمًا، وتحلم إذا تكلف ذلك، والأناة بفتح الهمزة وبالقصر الرفق والتثبت في الأمور، يقال منه تأنى الرجل يتأنى تأنيًا ومنه قول الشاعر:

أناة وحلمًا وانتظارًا بهم غدًا

وقد يقال الحلم على الأناة، وقد ظهر من حديث أبي داود أن نبي الله صلى الله عليه وسلم إنما قال ذلك للأشج لما ظهر منه من رفقه وترك عجلته، وقد روي في غير كتاب أبي داود أنَّه لما بادر قومه إلى نبي الله صلى الله عليه وسلم تأنى هو حتى جمع رحالهم وعقل ناقته ولبس ثيابًا جُددًا ثمَّ أقبل إلى النبي صلى الله عليه وسلم على حال هدوء وسكينة فأجلسه النبي صلى الله عليه وسلم إلى جانبه.

ثمَّ إن النبي صلى الله عليه وسلم قال لوفد عبد القيس: "تبايعون على أنفسكم وعلى قومكم؟ " فقال القوم: نعم فقال الأشج: يا رسول الله إنك لن تزاول الرجل عن شيء أشد عليه من دينه نُبايعك على أنفسنا وترسل معنا من يدعوهم فمن اتبعنا كان منا

ص: 156

26 -

(. . .) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ،

ــ

ومن أبى قاتلناه قال: صدقت إن فيك لخصلتين. . ." الحديث. انظر روايات الحديث في مجمع الزاوئد (9/ 287 - 390)

فالأولى هي الأناة والثانية هي العقل.

قال القاضي عياض: فالأناة تربصه حتى نظر في مصالحه ولم يعجل والحلم هذا القول الذي قاله الدال على كمال عقله وجودة نظره في عواقب الأمور اهـ.

قال الأبي: لا يقال لو كان ما تكلم به في شأن قومه هو مقتضى الحلم لكان الأولى به النبي صلى الله عليه وسلم إذ هو الأحق بكل كمال لأنا نقول إنما هو مقتضى الحلم بالنسبة إلى من يجهل عاقبة الأمر كالأشج، وأما النبي صلى الله عليه وسلم فلعله أوحي إليه بأنهم يؤمنون كما اتفق أو لعله يستخبر عقله بذلك والله أعلم اهـ.

قال القرطبي: وفي قوله صلى الله عليه وسلم ذلك للأشج من الفقه جواز مدح الرجل مشافهة بما فيه إذا أُمنت عليه الفتنة وقد فعله صلى الله عليه وسلم لكثير من أصحابه فقال في أبي بكر: "ليس أحدٌ أمن علي في صحبته من أبي بكر ولو كنت متخذًا خليلًا لا تخذت أبا بكر خليلًا" وقال لعمر: "ما لقيك الشيطان سالكًا فجًّا إلا سلك غيره" وقال لعليٍّ: "أنت مني بمنزلة هارون من موسى" والأصل منع ذلك حتى يثبت الأمن لقوله صلى الله عليه وسلم: "إياكم والمدح فإنَّه الذبح" رواه أحمد (4/ 99) وابن ماجه (3743) كلاهما من حديث معاوية رضي الله تعالى عنه وانظر فتح الباري (10/ 478) ولقوله للمادح: "ويلك قطعت عنق أخيك" رواه البخاري (2662) في الشهادات، ومسلم (3000) في الزهد، وسيأتي بسط الكلام فيه هناك إن شاء الله تعالى ولما فرغ المؤلف من حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما استدلالًا ومتابعة استشهد له بحديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه وذكر فيه أيضًا متابعتين فقال:

(26)

- ش (18)(حدثنا يحيى بن أيوب) المقابري بفتح الميم والقاف العابد أبو زكريا البغدادي روى عن إسماعيل بن علية وإسماعيل بن جعفر ومروان بن معاوية وغيرهم، ويروي عنه (م د) وأبو زرعة وأبو حاتم وغيرهم ثقة ورع من العاشرة مات لإحدى عشرة مضت من ربيع الأول سنة (234) أربع وثلاثين ومائتين، وله سبع وسبعون (77) سنة.

ص: 157