الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
24 - بَابُ الدَّلِيلِ عَلَى أَنَّ الصَّمْتَ إِلَّا عَنِ الْخَيرِ، وَإِكْرَامَ الْجَارِ وَالضَّيفِ .. مِنَ الإِيمَانِ
81 -
(46) حَدَّثَنِي حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى، أَنْبَأَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَال: أَخْبَرَنِي يُونُسُ
ــ
24 -
بَابُ الدَّلِيلِ عَلَى أَنَّ الصَّمْتَ إِلَّا عَنِ الْخَيرِ، وَإِكْرَامَ الْجَارِ وَالضَّيفِ مِنَ الإِيمَانِ
أي باب معقود في بيان الدليل على أن السكوت إلا عما فيه ثواب، وإن إكرام الجار والإحسان إليه، وأن إكرام الضيف النازل عليك بإعطاء جائزته من خصال الإيمان الكامل وشُعبه.
وترجم القاضي والنواوي وأكثر المتون للحديث الآتي بقولهم (باب الحث على إكرام الجار والضيف ولزوم الصمت إلا عن الخير وكون ذلك كله من الإيمان).
وترجمتي أخصر وأولى وأوضح لسلامتها من الحشو، وموافقتها لسياق الحديث ولكونها موجزة وأدخل الحديث الآتي الأبي والسنوسي والقرطبي في ترجمة الحديث الذي قبله.
(81)
- س (46)(حدثني حرملة بن يحيى) بن عبد الله بن حرملة بن عمران التجيبي أبو حفص المصري، روى عن ابن وهب نحو مائة ألف حديث ومؤمل بن إسماعيل، ويروي عنه (م س ق) وابن قتيبة العسقلاني والحسن بن سفيان وحفيده أحمد بن طاهر، وقال في التقريب: صدوق من الحادية عشرة، مات سنة (244) أربع وأربعين ومائتين، روى عنه المؤلف في مواضع كثيرة عن ابن وهب، قال حرملة (أنبأنا) أخبرنا عبد الله (بن وهب) بن مسلم القرشي مولاهم مولى بني فهر، أبو محمد المصري الفقيه أحد الأئمة ثقة حافظ عابد من التاسعة، مات سنة (197) سبع وتسعين ومائة، وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في ثلاثة عشر بابًا تقريبًا (قال) ابن وهب (أخبرني يونس) بن يزيد بن مشكان، ويقال فيه: يونس بن يزيد بن أبي النجاد القرشي الأموي مولاهم مولى معاوية بن أبي سفيان أبو يزيد الأيلي، روى عن الزهري ونافع والقاسم وعكرمة، ويروي عنه (ع) وابن وهب وابن المبارك وغيرهم، ثقة من كبار السابعة، مات بمصر سنة (159) تسع وخمسين ومائة، وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في سبعة أبواب.
عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَال: "مَنْ كَانَ يُؤمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ .. فَلْيَقُل خَيرًا أَوْ لِيَصْمُتْ،
ــ
(عن) محمد بن مسلم (بن شهاب) القرشي الزهري أبي بكر المدني رأى عشرة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، حافظ متقن متفق على جلالته وإتقانه، من رؤوس الطبقة الرابعة، مات سنة (125) خمس وعشرين ومائة، وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في ثلاثة وعشرين بابًا تقريبًا (عن أبي سلمة) عبد الله (بن عبد الرحمن) بن عوف بن عبد عوف القرشي الزهري المدني أحد الأئمة الأعلام، كان من سادات قريش، روى عن أبي هريرة وجابر بن عبد الله وسالم مولى المهري وزينب بنت أم سلمة وعائشة وأبي سعيد الخدري وأبي قتادة وعبد الله بن عمر وعبد الله بن عمرو وخلائق، ويروي عنه (ع) والزهري ويحيى بن أبي كثير وبكير بن الأشج وسعيد المقبري ويحيى بن سعيد الأنصاري وعمرو بن دينار وأبو حازم سلمة بن دينار وابنه عمر وأولاد إخوته سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن والأعرج وخلائق، وقال ابن سعد: كان ثقة فقيهًا كثير الحديث، مات سنة (94) أربع وتسعين.
روى عنه المؤلف في الإيمان والوضوء في موضعين والصلاة في ستة مواضع والصوم في ثلاثة مواضع والحج في ثلاثة مواضع والبيوع والهبة والأطعمة والأشربة والرؤيا والقسمة والجهاد والطب والفضائل، فجملة الأبواب التي روى عنه المؤلف فيها أربعة عشر تقريبًا.
(عن أبي هريرة) عبد الرحمن بن صخر الدوسي المدني الصحابي الجليل، أحد المكثرين من الصحابة رضي الله تعالى عنه، وهذا السند من سداسياته، رجاله ثلاثة منهم مدنيون واثنان مصريان وواحد أيلي، ومن لطائفه أن فيه رواية تابعي عن تابعي (عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه (قال من كان) يريد أن (يؤمن بالله) سبحانه وتعالى (و) بـ (ـاليوم الآخر) الإيمان الكامل الذي ينال به الدرجات العلى في الآخرة، إذا أراد أن يتكلم شيئًا (فلـ) ـيُفكر فيه أولًا ثم لـ (ـيقل) ويتكلم به إن كان ذلك الشيء (خيرًا) أي ما فيه ثواب كالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وتعليم جاهل وإجابة مُستفت مثلًا (أو) كان شرًّا أي ما فيه عقاب كالغيبة والنميمة والتجسس وشهادة الزور والكذب والسب والقذت مثلًا فـ (ـليصمت) أي فليسكت عنه ولا يتكلم به صونًا للسانه عن الخطيئة وحفظًا
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
لنفسه عن العقوبة، وطلبًا لدينه البراءة، قال الأبي: هو من خطاب التهييج، أي من صفة المؤمن أن يتكلم بالخير ويسكت عن الشر فيسلم كقوله في الحديث الآخر "من سكت نجا".
قال الأبي: فيتعارض صدر هذا الكلام وآخره في المباح، وجعل النووي المباح من قسم ما يطلب السكوت عنه، وقال القاضي: واختلف في المباح فقال ابن عباس: لا يكتب إذ لا يُجازى عليه، وقال عكرمة: يكتب لقوله تعالى {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ} الآية، قال النووي: ولخص الشافعي معنى الحديث فقال: يَنْظرُ من يريد الكلام فإن لم يرَ ضررًا تكلم، وإن رآه أو شك فيه سكت، وخلاصة هذا الكلام من كمال الإيمان صون اللسان.
و(صمت) من باب دخل ونصر، يقال: صمتَ يصْمُتُ صَمتًا وصُمُوتًا وصماتًا وصماتة إذا سكت.
قال القرطبي: "قوله من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليصمت" يعني من كان يؤمن بالله تعالى الإيمان الكامل المُنجي من عذاب الله المُوصل إلى رضوان الله تعالى لأن من آمن بالله حق إيمانه خاف وعيده ورجا ثوابه، ومن آمن باليوم الآخر استعد له واجتهد في فعل ما يدفع به أهواله ومكارهه، فيأتمر بما أُمر به وينتهي عما نُهي عنه، ويتقرب إلى الله تعالى بفعل ما يقرب إليه، ويعلم أن من أهم ما عليه ضبط جوارحه التي هي رعاياه، وهو مسؤول عنها جارحة جارحة، كما قال تعالى {إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا} [الإسراء: 36] وقال أيضًا: {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إلا لَدَيهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} [ق: 18]، وإن أكثر المعاصي عددًا وأيسرها فعلًا معاصي اللسان، وقد استقرأ المحاسبون لأنفسهم آفات اللسان فوجدوها تنيف على العشرين، وقد أرشد النبي صلى الله عليه وسلم إلى هذا جملة فقال "وهل يَكُبُّ الناس على مناخرهم في النار إلا حصائد ألسنتهم" رواه أحمد والترمذي وابن ماجه، وقال أيضًا "كل كلام ابن آدم عليه إلا ذكر الله تعالى أو أمرًا بمعروف أو نهيًا عن منكر" رواه الترمذي وابن ماجه، وقال أيضًا "إن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله ما يلقي لها بالًا يهوي بها في النار سبعين خريفًا" رواه الترمذي، فمن علم ذلك وآمن به حق إيمانه اتقى الله في لسانه فيتكلم إذا غنم، ويسكت إذا سلم اهـ. وعبارة النووي هنا: وأما (قوله فليقل خيرًا أو ليصمت) فمعناه أنه إذا أراد أن يتكلم
وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ .. فَلْيُكْرِمْ جَارَهُ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ .. فَلْيُكْرِمْ ضَيفَهُ"
ــ
فإن كان ما يتكلم به خيرًا محققًا يثاب عليه أو مندوبًا فليتكلم وإن لم يظهر له أنه خير يثاب عليه فليمسك عن الكلام سواء ظهر له أنه حرام أو مكروه أو مباح مستوي الطرفين فعلى هذا يكون الكلام المباح مأمورًا بتركه، مندوبًا إلى الإمساك عنه مخافةً من انجراره إلى المحرم أو المكروه، وهذا يقع في العادة كثيرًا أو غالبًا، وقد ندب الشرع إلى الإمساك عن كثير من المباحات لئلا ينجر صاحبها إلى المحرمات أو المكروهات وقال الإمام أبو محمد عبد الله بن أبي زيد إمام المالكية بالمغرب في زمانه: جماع آداب الخير يتفرع من أربعة أحاديث: قول النبي صلى الله عليه وسلم "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليصمت" وقوله صلى الله عليه وسلم "من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعينه" وقوله صلى الله عليه وسلم للذي اختصر له الوصية "لا تغضب" وقوله صلى الله عليه وسلم "لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه"، وقال أبو القاسم القشيري رحمه الله تعالى: الصمت بسلامةٍ وهو الأصل، والسكوت في وقته صفة الرجال، كما أن النطق في موضعه من أشرف الخصال، وقال: سمعت أبا علي الدقاق يقول: من سكت عن الحق فهو شيطان أخرس، قال: فأما إيثار أصحاب المجاهدة السكوت فلما علموا ما في الكلام من الآفات، ثم ما فيه من حظ النفس وإظهار صفات المدح والميل إلى أن يتميز من بين أشكاله بحسن النطق، وغير هذا من الآفات، وذلك صفة أرباب الرياضة، وهو أحد أركانهم في تهذيب الخُلُق، ورُوي عن الفضيل بن عياض أنه قال: من عد كلامه من عمله قل كلامه فيما لا يعنيه، وعن ذي النون رحمه الله تعالى: أصون الناس لنفسه أمسكهم للسانه، والله أعلم اهـ نووي.
(ومن كان) يريد أن (يؤمن بالله واليوم الآخر) الإيمان المنجي من عذاب الله والموصل له إلى كرامة الله تعالى (فليكرم جاره) بالإحسان إليه والإهداء له، وإعارة المواعين له، والجهد في قضاء حوائجه، والجار: من جاورك في مسكنك وفي الحديث الآخر (فلا يؤذ جاره) وفي الآخر "فليحسن إلى جاره" قال القاضي عياض: كلها ترجع إلى تعظيم حق الجار (ومن كان) يريد أن (يؤمن بالله واليوم الآخر) الإيمان الكامل الموصل إلى الدرجات العُلى (فليكرم ضيفه) بإظهار البشاشة له في الكلام، وبإحضار القِرى له وإكرام نزله، والضيف: القادم عليك النازل عندك.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
قال القاضي عياض: معنى الحديث أن من التزم شرائع الإسلام لزمه إكرام جاره وضيفه وبرهما، وكل ذلك تعريف بحق الجار، وحث على حفظه، وقد أوصى الله تعالى بالإحسان إلى الجار في كتابه العزيز، وقال صلى الله عليه وسلم "ما زال جبريل عليه السلام يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه"، وعن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: يا رسول الله إن لي جارين فإلى أيهما أهدي قال: "إلى أقربهما منك بابا" أخرجه البخاري في صحيحه في مواضع، وأحمد في المسند.
قال الحافظ في الفتح: "أقربهما" أي أشدهما قربًا، وقيل: الحكمة فيه أن الأقرب يرى ما يدخل بيت جاره من هدية وغيرها فيتشوف لها بخلاف الأبعد، وأن الأقرب أسرع إجابة لما يقع لجاره من المهمات ولا سيما في أوقات الغفلة، وقال ابن أبي جمرة: الإهداء إلى الأقرب مندوب، لأن الهدية في الأصل ليست واجبة فلا يكون الترتيب فيها واجبًا، قال الحافظ: وفي هذا الحديث أن الأخذ في العمل بما هو أعلى أولى، وفيه تقديم العلم على العمل، قال: واختلف في حد الجار فجاء عن علي رضي الله عنه من سمع النداء فهو جار، وقيل من صلى معك صلاة الصبح في المسجد فهو جار، وعن عائشة رضي الله عنها حد الجار أربعون دارًا من كل جانب، وعن الأوزاعي مثله، وأخرج البخاري في الأدب المفرد مثله عن الحسن، وللطبراني بسند ضعيف عن كعب بن مالك مرفوعًا "ألا إن أربعين دارًا جار" وأخرج ابن وهب عن يونس عن ابن شهاب "أربعون عن يمينه وعن يساره ومن خلفه ومن بين يديه" قال الحافظ: وهذا يحتمل كالأولى، ويحتمل أن يريد التوزيع فيكون من كل جانب عشرة اهـ فتح 1/ 463.
قوله "ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه" والضيف: القادم على القوم النازل بهم، وبقال: ضيف على الواحد والجمع، وبجمع أيضًا على أضياف وضيوف وضيفان، والمرأة ضيف وضيفة، وأضفت الرجل وضيفته إذا أنزلته بك ضيفًا، وضفت الرجل ضيافة إذا نزلت عليه، وكذلك تَضيَّفْتُهُ، والضيافة من مكارم الأخلاق، ومن محاسن الدين، ومن خلق النبيين والصالحين، وليست بواجبة عند عامة أهل العلم خلا الليث فإنه أوجبها ليلة واحدة محتجًا بقوله صلى الله عليه وسلم "ليلة الضيف واجبة على
82 -
(00) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو الأَحْوَصِ عَنْ أَبِي حَصِينٍ،
ــ
كل مسلم) رواه أبو داود من حديث المقدام بن معديكرب (3751) وبقوله صلى الله عليه وسلم "إن نزلتم بقوم فأمروا لكم بحق الضيف فاقبلوه وإن لم يفعلوا فخذوا منهم حق الضيف الذي ينبغي له" رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي من حديث عقبة بن عامر رضي الله عنه، وحجة الجمهور قوله صلى الله عليه وسلم:"جائزته يوم وليلة" رواه البخاري ومسلم والجائزة العطية والصلة التي أصلها على الندب، وقلما يستعمل مثل هذا اللفظ في الواجب، وتأويل الجمهور أحاديث الليث بأن ذلك كان في أول الإسلام إذ كانت المواساة واجبة، أو كان هذا للمجاهدين في أول الإسلام لقلة الأزواد، أو المراد به من لزمته الضيافة من أهل الذمة، إذا شرطت عليهم في عقد الذمة، وكمن اجتاز عليه محتاج مضطر وضيّف عليه، ثم اختلفوا فيمن يخاطب بالضيافة، فذهب الشافعي ومحمد بن عبد الحكم إلى أن المخاطب بها أهل الحضر والبادية، وقال مالك وسحنون إنما ذلك على أهل البوادي لتعذر ما يحتاج إليه المسافر في البادية، ولتيسر ذلك على أهل البادية غالبًا وتعذره على أهل الحضر ومشقته عليهم غالبًا، وقد روي "الضيافة على أهل الوبر وليست على أهل المدر" رواه القضاعي في مسند الشِّهاب من حديث ابن عمر (202) وابن عدي في الكامل (7/ 1) وقال القاضي إنه حديث موضوع لا أصل له.
وشارك المؤلف في رواية حديث أبي هريرة هذا، أحمد (2/ 267، 269، 433، 463) والبخاري (6018) وأبو داود (5154) وابن ماجه (3971).
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال:
(82)
- متا (00)(حدثنا أبو بكر) عبد الله بن محمد (بن أبي شيبة) إبراهيم بن عثمان العبسي بمهملة مفتوحة وموحدة ساكنة مولاهم الحافظ الكوفي، ثقة حافظ صاحب تصانيف من العاشرة، مات سنة (235) خمس وثلاثين ومائتين، وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في ستة عشر بابًا تقريبًا قال أبو بكر (حدثنا أبو الأحوص) سلَّام بن سليم الحنفي مولى بني حنيفة، الحافظ الكوفي ثقة متقن من السابعة، مات سنة تسع وسبعين ومائة (179) وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في اثني عشر بابا تقريبًا (عن أبي حصين) بفتح الحاء المهملة مكبرًا، عثمان بن عاصم بن حصين مصغرًا
عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ .. فَلَا يُؤْذِي جَارَهُ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ .. فَلْيُكْرِمْ ضَيفَهُ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ .. فَلْيَقُلْ خَيرًا
ــ
الأسدي أحد الأئمة الأثبات، روى عن أبي صالح والأسود بن هلال ويحيى بن وثاب والشعبي وغيرهم، ويروي عنه أبو الأحوص وشعبة والسفيانان، ثقة ثبت وربما دلس، من الرابعة، مات سنة (127) سبع وعشرين ومائة وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في خمسة أبواب (عن أبي صالح) ذكوان السمان مولى جُويرية بنت الحارث القيسية، المدني ثقة ثبت من الثالثة، مات سنة (101) إحدى ومائة، وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في ثمانية أبواب (عن أبي هريرة) عبد الرحمن بن صخر الدوسي المدني رضي الله تعالى عنه، وهذا السند من خماسياته، ورجاله ثلاثة منهم كوفيون واثنان مدنيان، وغرضه بسوق هذا السند بيان متابعة أبي صالح لأبي سلمة بن عبد الرحمن في رواية هذا الحديث عن أبي هريرة، وفائدة هذه المتابعة بيان كثرة طرقه لأن المتاج والمتابَع كلاهما ثقتان، وكرر متن الحديث لما في هذه الرواية من المخالفة للرواية الأولى في بعض الكلمات، وفي سياق الحديث والله أعلم.
(قال) أبو هريرة (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من كان) يريد أن يؤمن بالله واليوم الآخر) الإيمان الكامل المنجي (فلا يؤذي جاره) بإثبات الياء، على أن لا نافية، والكلام على تقدير مبتدأ محذوف، أي فهو لا يؤذي جاره، والجملة الاسمية جواب الشرط، أو على أن لا ناهية، والجزم بحذف حركة مقدرة على حرف العلة، وهو لغة فصيحة لبعض العرب كقوله:
ألم يأتيك والأنباء تنمي
…
بما لاقت لبون بني زياد
والإيذاء إيصال الضرر إلى الغير مباشرة أو تسببًا، كالسب والضرب والامتناع من إعارة المواعين وغير ذلك من كل ما يقابل الإحسان، وفي بعض الرواية "فلا يؤذ جاره" بحذف الياء للجازم (ومن كان يومن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه) بتقديم القرى له وإظهار طلاقة الوجه له، وإظهار المخاطبة له بقول الرحب والسهل من كل ما اعتيد في إكرامه (ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا) أي ما يثاب عليه من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والإصلاح بين الناس، وتعليم جاهل، وإرشاد ضال، كما
أَوْ لِيَسْكُتْ".
83 -
(00) وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخبَرَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ
ــ
مر (أو ليسكت) عن كل ما يأثم به كالغيبة والنميمة والسب والشتم، وعن كل ما لا يعنيه من قيل وقال طلبًا للسلامة، وإعمالًا لفكره في مصنوعات الله تعالى، ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث أبي هريرة فقال:
(83)
- متا (00)(وحدثنا إسحاق بن إبراهيم) الحنظلي أبو يعقوب بن راهويه المروزي الإمام الفقيه، قال أحمد: إسحاق عندنا من أئمة المسلمين، وقال في التقريب: ثقة حافظ مجتهد قرين أحمد بن حنبل من العاشرة، مات سنة (238) ثمان وثلاثين ومائتين، وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في أحد وعشرين بابًا تقريبًا، قال إسحاق (أخبرنا عيسى بن يونس) بن أبي إسحاق السبيعي بفتح المهملة وكسر الموحدة أخو إسرائيل الهمداني السبيعي أبو عمرو الكوفي أحد الأعلام، روى عن الأعمش والأوزاعي وهشام بن عروة ويحيى بن سعيد الأنصاري وحسين المعلم وسليمان التيمي وإسماعيل بن أبي خالد وأبيه وأخيه إسرائيل، ويروي عنه (ع) وإسحاق بن إبراهيم ومحمد بن مهران وعلي بن خشرم وعلي بن حجر وعمرو الناقد وحماد بن سلمة وابن وهب ومسدد، وثقه أبو حاتم، وقال ابن المديني: بخ بخ ثقة مأمون، جاء يومًا إلى ابن عيينة فقال: مرحبًا بالفقيه بن الفقيه بن الفقيه، وقال في التقريب: مأمون من الثامنة، مات سنة (191) إحدى وتسعين ومائة، وقيل سنة (187) سبع وثمانين ومائة، روى عنه المؤلف في الإيمان والوضوء في موضعين والصلاة في سبعة مواضع والجنائز والزكاة والصوم والحج في موضعين والبيوع في موضعين والنكاح والجهاد والأدب في موضعين واللعان والفضائل وفضائل عُمَر والفتن والحشر والتفسير، فجملة الأبواب التي روى المؤلف عنه فيها سبعة عشر بابًا تقريبًا (عن) سليمان بن مهران (الأعمش) الكاهلي من بني كاهل أبي محمد الكوفي ثقة ثبت من الخامسة، مات سنة (148) ثمان وأربعين ومائة، وقد تقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في ثلاثة عشر بابًا تقريبًا (عن أبي صالح) ذكوان السمان المدني ثقة ثبت من الثالثة، مات سنة (101) إحدى ومائة (عن أبي هريرة) عبد الرحمن بن صخر الدوسي المدني أحد المكثرين، وهذا السند أيضًا
قَال: قَال رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم:
…
بِمِثْلِ حَدِيثِ أَبِي حَصِينٍ، غَيرَ أَنَّهُ قَال:"فَلْيُحْسِنْ إِلَى جَارِهِ".
84 -
(47) حَدَثَنَا زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيرِ جَمِيعًا عَنِ ابْنِ عُيَينَةَ،
ــ
من خماسياته ورجاله اثنان منهم كوفيان واثنان مدنيان وواحد مروزي، وغرضه بسوق هذا السند بيان متابعة الأعمش لأبي حصين في رواية هذا الحديث عن أبي صالح، وفائدة هذه المتابعة بيان كثرة طرقه (قال) أبو هريرة (قال رسول صلى الله عليه وسلم الحديث والجار والمجرور في قوله (بمثل حديث أبي حصين) متعلق بما عمل في المتابع والتقدير حدثنا الأعمش عن أبي صالح بمثل حديث أبي حصين عن أبي صالح، والمثل عبارة عن الحديث اللاحق الموافق للسابق في جميع لفظه ومعناه إلا ما استثنى بقوله هنا (غير أنه) أي لكن أن الأعمش (قال) في روايته عن أبي صالح (فليحسن إلى جاره) بدل قول أبي حصين في الرواية السابقة "فلا يؤذي جاره" ومعنى الإحسان إلى الجار عدم إيذائه مع إكرامه والتبرع له في قضاء حوائجه ومهماته فهو اختلاف لفظي، قال القاضي عياض: قوله "فليكرم جاره" وفي الآخر "فلا يؤذ جاره" وفي الآخر "فليحسن إلى جاره" كلها ترجع إلى تعظيم حق الجار والإحسان إليه اهـ.
ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث أبي هريرة بحديث أبي شُريح رضي الله عنهما فقال:
(84)
- ش (47)(حدثنا زهير بن حرب) بن شداد الحرشي مولاهم أبو خيثمة النسائي ثقة ثبت من العاشرة، مات سنة (234) أربع وثلاثين ومائتين، وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في عشرين بابًا تقريبًا (و) حدثنا أيضًا (محمد بن عبد الله بن نُمير) الهمداني أبو عبد الرحمن الكوفي، كان أحمد بن حنبل يعظمه تعظيمًا عجيبًا يقول: أيُّ فتى، ثقة ثبت من العاشرة، مات سنة (234) أربع وثلاثين ومائتين، وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في عشرة أبواب تقريبًا، حالة كون زهير ومحمد بن عبد الله (جميعًا) أي متفقين في الرواية لي (عن) سفيان (بن عيينة) بن أبي عمران ميمون الهلالي مولاهم أبي محمد الأعور الكوفي ثم المكي، ثقة ثبت وربما يدلس عن الثقات من رؤوس الطبقة الثامنة، مات في رجب سنة (198) ثمان وتسعين ومائة، وتقدم البسط في
قَال ابْنُ نُمَيرٍ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَن عَمْرٍو: أَنَّهُ سَمِعَ نَافِعَ بْنَ جُبَيرٍ
ــ
ترجمته وأن المؤلف روى عنه في خمسة وعشرين بابًا تقريبًا، وفائدة هذه المقارنة بيان كثرة طرقه لأن المتقارنين ثقتان، وأتى بجملة قوله (قال ابن نمير حدثنا سفيان) تورعًا من الكذب على ابن نمير لأنه لو لم يأت بهذه الجملة لأوهم أن ابن نمير روى عن سفيان بالعنعنة كزهير والحال أنه ليس كذلك (عن عمرو) بن دينار القرشي الجمحي مولاهم أبي محمد المكي الأثرم (1) أحد الأئمة الأعلام روى عن نافع بن جبير وسالم بن عبد الله بن عمر وابن عباس وجابر بن عبد الله وعامر بن سعد وعطاء بن يسار ومحمد بن علي بن الحسين وخلائق، ويروي عنه (ع) وسفيان بن عيينة والحمادان والسفيانان وابن جريج وأيوب وشعبة وهُشيم وروح بن القاسم وجماعة، قال ابن المديني: له خمسمائة حديث، قال مسعر: كان ثقة ثقة، وقال في التقريب: ثقة ثبت من الرابعة، مات سنة (126) ست وعشرين ومائة في أولها.
روى عنه المؤلف في الإيمان في ثلاثة مواضع والوضوء في موضعين والصلاة في خمسة مواضع والجنائز والزكاة والصوم في ثلاثة مواضع والحج في خمسة مواضع والنكاح في ثلاثة مواضع والبيوع في موضعين والعتق والجهاد في موضعين والأشربة والذبائح والطب ووفاة النبي صلى الله عليه وسلم في موضعين وفي القدر والضحايا والفضائل والهبة، فجملة الأبواب التي روى المؤلف عنه فيها تسعة عشر بابًا تقريبًا (أنه) أي أن عمرو بن دينار (سمع نافع بن جبير) بن مطعم بن عدي بن نوفل بن عبد مناف القرشي النوفلي أبا محمد المدني، وكان ينزل دار أبيه بالمدينة، روى عن أبي شريح الخزاعي، ومعاذ بن عبد الرحمن وأبي هريرة وابن عباس وعثمان بن أبي العاص وغيرهم، ويروي عنه (ع) وعمرو بن دينار وحكيم بن عبد الله القرشي وسعد بن إبراهيم وعُروة بن الزبير والزهري وصالح بن كيسان وخلائق، وقال في التقريب: ثقة فاضل من الثانية، مات بالمدينة سنة (99) تسع وتسعين، روى عنه المؤلف في الإيمان والوضوء والصلاة والجنائز والحج في موضعين والنكاح والرؤيا والفضائل والطب والمناقب، فجملة الأبواب التي روى المؤلف عنه فيها عشرة أبواب تقريبًا حالة كون نافع بن جبير
(1) الأثرم: وصف من الثرم محركًا والثرم انكسار السن من أصلها أو سن من الثنايا والرباعيات أو خاص بالثنية يقال ثرم كفرح فهو أثرم وهي ثرماء اهـ قاموس.
يُخْبِرُ عَنْ أَبِي شُرَيحٍ الْخُزَاعِيِّ: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَال: "مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ .. فَلْيُحْسِنْ إِلَى جَارِهِ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ .. فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ .. فَلْيَقُلْ خَيرًا أَوْ لِيَسْكُتْ"
ــ
(يخبر) ويحدث (عن أبي شريح الخزاعي) بضم الخاء، ويقال العدوي، ويقال الكعبي اسمه خويلد بن عمرو بن صخر بن عبد العزى بن معاوية بن المحترش بن عمرو بن زِمَّانِ بن عدي بن ربيعة أخو بني كعب بن عمرو بن ربيعة، كما في التحفة، وقيل عمرو بن خويلد وقيل عبد الرحمن، وقيل عبد الرحمن وقيل غير ذلك، والمشهور الأول، صحابي أسلم يوم الفتح، وكان يحمل أحد ألوية بني كعب، عداده في أهل الحجاز، روى عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن ابن مسعود، ويروي عنه (ع) وأبو سعيد المقبري وسعيد بن أبي سعيد المقبري ونافع بن جبير، له عشرون حديثًا اتفقا على حديثين، وانفرد (خ م) بحديث، قال ابن سعد: مات بالمدينة سنة (68) ثمان وستين، روى عنه المؤلف في كتاب الإيمان وفي الأحكام، وهذا السند من خماسياته، رجاله واحد منهم نسائي أو كوفي واثنان مكيان واثنان مدنيان.
(أن النبي صلى الله عليه وسلم قال من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليحسن إلى جاره) أي إلى من جاور سكنُه سكنَه بالبرِّ والإهداء والنصيحة له (ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه) قولًا وفعلًا (ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا) أي ما فيه محمدة عاجلًا أو آجلًا (أو ليسكت) عما فيه مذمة عاجلًا أو آجلًا، وأطنب في هذه الأحاديث بتكرير جملة الشرط إشارة إلى أن كل جملة منها مقصودة بالذات مستقلة عن غيرها بالاعتناء بها لأنه لو قال:(من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليحسن إلى جاره وليكرم ضيفه وليقل خيرًا أو ليسكت) لو في بالمراد.
وغرض المؤلف بسوق حديث أبي شريح هذا الاستشهاد به لحديث أبي هريرة، وشارك المؤلف في رواية حديث أبي شريح هذا أصحاب الأمهات الست، لأنه رواه البخاري في الأدب وفي الرقاق، ورواه مسلم في الإيمان وفي الأحكام، ورواه أبو داود في الأطعمة، ورواه الترمذي في البر والصلة وقال: حسن صحيح، ورواه النسائي في الرقاق (في الكبرى) ورواه ابن ماجه في الأدب اهـ من تحفة الأشراف للمزي باختصار.
وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب من الأحاديث اثنان: الأول حديث أبي
هريرة ذكره للاستدلال، وذكر فيه متابعتين، والثاني حديث أبي شريح ذكره للاستشهاد كما مر بيان ذلك آنفًا.
***