الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
14 - بَابُ الْحُكْمِ عَلَى الظَّاهِرِ فِي إِسْلَامِ الشَّخْصِ، وَحُسْنِ الظَّنِّ بِكَمَالِ إيمَانِهِ، وَصِحَّةِ إِسْلَامِهِ
57 -
(32) حَدَّثَنَا شَيبَانُ بنُ فَرُّوخَ، حَدَّثَنَا سُلَيمَانُ -يَعْنِي ابنَ الْمُغِيرَةِ-
ــ
14 -
بَابُ الْحُكْمِ عَلَى الظَّاهِرِ فِي إِسْلَامِ الشَّخْصِ، وَحُسْنِ الظَّنِّ بِكَمَالِ إيمَانِهِ، وَصِحَّةِ إِسْلَامِهِ
ولم يترجم لهذا الحديث النواوي ولا السنوسي ولا القاضي عياض وترجم له الأبي بقوله (باب حديث عتبان).
(57)
- (32)(حدثنا شيبان بن فروخ) الحبطي بفتح المهملة والموحدة مولاهم أبو محمد الأبلي بضم الهمزة والموحدة وتشديد اللام وفروخ يكنى بأبي شيبة، روى عن سليمان بن المغيرة ومهدي بن ميمون وعبد الوارث وأبي الأشهب جعفر وحماد بن سلمة وغيرهم، ويروي عنه (م د س) وأحمد بن علي المروزي وأبو يعلى وعبدان، وقال أحمد: ثقة، وقال في التقريب: صدوق يهم ورمي بالقدر، وقال في التقريب: من صغار التاسعة مات سنة (236) ست وثلاثين ومائتين، روى عنه المؤلف في الإيمان في ثلاثة مواضع وفي الوضوء في موضعين وفي الصلاة في موضعين وفي الزكاة والحج والطلاق والجهاد والأشربة والزهد وفي دلائل النبوة فجملة الأبواب التي روى عنه المؤلف فيها عشرة تقريبًا.
(فائدة) وفروخ غير منصرف للعلمية والعجمة قال صاحب كتاب العين فروخ اسم ابن لإبراهيم الخليل عليه السلام هو أبو العجم، وكذا قال صاحب المطالع وغيره: إن فروخ ابن لإبراهيم عليه السلام وأنه أبو العجم قاله النواوي.
قال شيبان (حدثنا سليمان) بن المغيرة القيسي مولى قيس بن ثعلبة أبو سعيد البصري، روى عن ثابت البناني وسعيد الجريري وابن سيرين والحسن، ويروي عنه (ع) وشيبان بن فروخ وحيان بن هلال وأبو أسامة وشبابة بن سوار والنضر بن شميل وهدبة بن خالد وغيرهم، قال ابن معين: ثقة ثقة، وقال أحمد: ثبت ثبت، وقال في التقريب: ثقة من السابعة وقد تقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في تسعة أبواب تقريبًا وأتى بالعناية في قوله (يعني ابن المغيرة) إشارة إلى أن هذه النسبة لم يسمعها من شيخه
قَال: حَدَّثَنَا ثَابِتٌ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَال: حَدَّثَنِي مَحْمُودُ بْنُ الرَّبِيعِ عَنْ عِتْبَانَ بْنِ
مَالِكٍ قَال: قَدِمْتُ الْمَدِينَةَ فَلَقِيتُ عِتْبَانَ، فَقُلْتُ: حَدِيثٌ بَلَغَنِي عَنْكَ،
ــ
بل مما زاده من عند نفسه إيضاحًا للراوي (قال) سليمان بن المغيرة (حدثنا ثابت) بن أسلم بن موسى البناني مولاهم أبو محمد البصري، روى عن أنس بن مالك وعبد الرحمن بن أبي ليلى وأبي عثمان النهدي وأبي رافع وابن عمر وابن الزبير وغيرهم، وقال في التقريب: ثقة عابد من الرابعة، مات سنة بضع وعشرين ومائة وقد تقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في ثلاثة عشر بابًا تقريبًا (عن أنس بن مالك) خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد تقدم البسط في ترجمته مرارًا (قال) أنس (حدثني محمود بن الربيع) بن سراقة بن عمرو الأنصاري الخزرجي الحارثي أبو محمد أو أبو نعيم المدني صحابي صغير عَقِلَ مجة مجها رسول الله صلى الله عليه وسلم في وجهه من دلو في دارهم وهو ابن خمس سنين، روى عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن عتاب بن مالك وعبادة بن الصامت، ويروي عنه (ع) وأنس وهو أكبر منه والزهري ورجاء بن حيوة وغيرهم مات سنة (99) تسع وتسعين وله ثلاث وتسعون (93) سنة، روى عنه المؤلف في بابين في الإيمان والصلاة (عن عتبان) بكسر المهملة وسكون المثناة (بن مالك) بن عمرو الأنصاري الخزرجي السلمي المدني صحابي مشهور له أحاديث اتفقا على حديث وكان أعمى يؤم قومه روى عن النبي صلى الله عليه وسلم، روى عنه أنس بن مالك ومحمود بن الربيع في الإيمان والصلاة ويروي عنه (خ م س ق) مات في خلافة معاوية وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم بصريون واثنان مدنيان وواحد أُبلِّي وفيه لطيفتان من لطائف السند إحداهما أنه اجتمع فيه ثلاثة صحابيون بعضهم عن بعض وهم أنس ومحمود وعتبان والثانية أنه من رواية الأكابر عن الأصاغر فإن أنسًا أكبر من محمود سنًّا وعلمًا ومرتبة رضي الله عنهم أجمعين، وقد قال في الرواية الثانية الآتية عن ثابتٍ عن أنس قال: حدثني عتبان بن مالك، وهذا لا يخالف الأول فإن أنسًا سمعه أولا من محمود عن عتبان ثم اجتمع أنس بعتبان فسمعه منه والله أعلم اهـ نووي.
(قال) محمود (قدمت المدينة) أي جئت من أطرافها إلى وسطها (فلقيت) أي رأيت (عتبان) بن مالك السلمي (فقلت) له ما (حديث بلغني عنك) بواسطة الناس، قال النواوي: هذا اللفظ شبيه بما تقدم في هذا الباب من قوله (عن ابن محيريز عن
قَال: أَصَابَنِي فِي بَصَرِي بَعْضُ الشيءِ، فَبَعَثْتُ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم: أَني أُحِبُّ أَنْ تَأْتِيَنِي فَتُصَلِّيَ فِي مَنْزِلِي فَاتَّخِذَهُ مُصَلًّى، قَال: فَأَتَى النبِي صلى الله عليه وسلم وَمَنْ شَاءَ اللهُ مِنْ أَصْحَابِهِ، فَدَخَلَ وَهُوَ يُصَلي فِي مَنْزِلِي وَأَصْحَابُهُ يَتَحَدثُونَ بَينَهُمْ، ثُم
ــ
الصنابحي عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه وقد قدمنا بيانه واضحًا وتقرير هذا الذي نحن فيه (حدثني محمود بن الربيع عن عتبان بحديث قال فيه محمود قدمت المدينة فلقيت عتبان) اهـ. وقوله (حديث بلغني) خبر لمحذوف تقديره ماحديث بلغني عنك أو مبتدأ خبره محذوف تقديره حديث بلغني عنك بينه وحدثه لي.
(قال) عتبان بن مالك في روايته لمحمود (أصابني في بصري) وعيني (بعض الشيء) أي بعض النقص في نظرها وفي الرواية الآتية (أنه عمي) والعمى ذهاب البصر بالكلية فبينهما معارضة، قال النواوي: يحتمل أنه أراد ببعض الشيء العمى وهو ذهاب البصر جميعه ويحتمل أنه أراد به ضعف البصر وذهاب معظمه وسماه عمىً في الرواية الأخرى لقربه منه ومشاركته إياه في فوات بعض ما كان حاصلًا له في حال السلامة والله أعلم اهـ. (فبعثت) أي أرسلت (إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بـ (أني أحب) وأتمنى (أن تأتيني) يا رسول الله في بيتي (فتصلي) لي صلاتك المبروكة (في منزلي) وداري (فاتخذه) أي فأتخذ ذلك المكان الذي صليت فيه من بيتي وأجعله (مصلى) لي أي مكان صلاة لي إذا عجزت عن الخروج إلى مسجد قومي لظلام أو سيل.
قوله (فاتخذه مصلى) قال القاضي عياض: طلب ذلك لينال بالصلاة حيث رسم له فضل ما فاته من الصلاة في جماعة قومه فإنه كان يتخلف عنها لسيل أو ظلام للعذر الذي أصابه وفي الصلاة في الدور وفي العتيبة لا بأس أن يجعل الرجل محرابًا في بيته، قال ابن رشد: وله حرمة المسجد وكان الشيخ يقول ليست له، قال القاضي: وفيه التخلف عن الجماعة لمثل هذا العذر (قال) عتبان (فأتى النبي صلى الله عليه وسلم أي جاء إلى منزلي وفي بعض النسخ فأتاني (و) جاء معه (من شاء الله) سبحانه وتعالى مجيئهم معه (من أصحابه) رضوان الله تعالى عليهم (فدخل) النبي صلى الله عليه وسلم منزلي (وهو) أي والحال أنه يريد أن (يصلي في منزلي) فشرع في الصلاة (وأصحابه) أي والحال أن أصحابه الذين جاءوا معه (يتحدثون) فيما (بينهم) في شؤون المنافقين وصفاتهم (ثم) بعد
أَسْنَدُوا عُظْمَ ذَلِكَ وَكُبرَهُ إِلَى مَالِكِ بنِ دُخْشُمٍ، قَالُوا: وَوَدُّوا (1) أَنهُ دَعَا عَلَيهِ فَهَلَكَ، وَوَدُّوا (2) أَنهُ أَصَابَهُ شَرٌّ،
ــ
ما تحدثوا في الأمور التي تعلقت بهم (أسندوا عظم ذلك) التحدث أي نسبوا معظم حديثهم وجله (وكبره) أي أكثره (إلى مالك بن دخشم) وجعلوا فيه والمعنى أنهم تحدثوا وذكروا شؤون المنافقين وأقوالهم الشنيعة وأفعالهم القبيحة وما يلقون منهم ونسبوا معظم ذلك إلى مالك بن دخشم قال النواوي (عظم) بضم العين واسكان الظاء أي معظمه، وأما كبره فبضم الكاف وكسرها وعطفه على عُظْم من عطف الرديف، وقال القاضي: وفيه التنبيه على أهل الريب المتهمين في الدين ومجانبتهم (والدُّخشم) ضُبط بالميم وبالنون بدل الميم (الدخشن) مكبرًا ومصغرًا، فهذه أربع لغات وزاد ابن الصلاح كسر الدال وبالميم وبالنون مكبرًا لا غير فاللغات ست (قالوا) أي قال المتحدثون عنده صلى الله عليه وسلم في مالك بن الدخشم ما قالوا في شأنه من أمارات النفاق (و) الحال أنهم قد (ودوا) وأحبوا وتمنوا (أنه) صلى الله عليه وسلم (دعا عليه) أي دعا على مالك بن الدخشم بالهلاك (فهلك) مالك بدعائه صلى الله عليه وسلم عليه (وودوا) أي أحبوا (أنه) أي الشأن والحال (أصابه) أي أصاب مالك بن دخشم (شر) أي ضرر وآفة فهلك، لأنهم وجدوا مؤانسته ومحادثته ومخاللته مع المنافقين، فلذلك حكموا عليه بالنفاق وتمنوا دعاء النبي صلى الله عليه وسلم عليه فهلاكه، وفي بعض الأصول (قال ودوا أنه دعا عليه) بإفراد قال عن ضمير الجمع، أي قال عتبان بن مالك ودوا
…
إلخ وفي بعضها أيضًا (بشرٍ) بزيادة الباء الجارة والكل صحيح، وفي هذا دليل على جواز تمني هلاك أهل النفاق ووقوع المكروه بهم.
(واعلم) أن مالك بن دخشم هذا من الأنصار وهو مالك بن الدخشم بن مالك بن الدخشم بن غنم بن عوف بن عمرو بن عوف الأنصاري قال ابن عبد البر واختلفوا في شهوده العقبة قال ولم يختلفوا في أنه شهد بدرًا وما بعدها من المشاهد قال ولا يصح منه النفاق فقد ظهر من حسن إسلامه ما يمنع من اتهامه اهـ. قال النووي وقد نص النبي صلى الله عليه وسلم على إيمانه باطنًا وبراءته من النفاق بقوله صلى الله عليه وسلم في رواية البخاري: "ألا تراه
(1) في نسخة: (ودوا).
(2)
في نسخة: (ودوا).
فَقَضَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم الصلاةَ .. وَقَال: "أَلَيسَ يَشْهَدُ: أَنْ لَا إِلَهَ إِلا اللهُ، وَأَني رَسُولُ اللهِ؟ ! " قَالُوا: إِنهُ يَقُولُ ذَلِكَ وَمَا هُوَ فِي قَلْبِهِ، قَال: "لَا يَشْهَدُ أَحَدٌ: أَنْ لَا إِلَهَ إِلا اللهُ، وَأَني رَسُولُ اللَّهِ .. فَيَدْخُلَ النارَ،
ــ
قال لا إله إلا الله يبتغي بها وجه الله تعالى" فهذه شهادة من رسول الله صلى الله عليه وسلم له بأنه قالها مصدقا بها معتقدا صدقها متقربا بها إلى الله وشهد له في شهادته لأهل بدر بما هو معروف فلا ينبغي أن يُشك في صدق إيمانه رضي الله عنه وفي هذه الزيادة رد على غلاة المرجئة القائلين بأنه يكفي في الإيمان النطق من غير اعتقاد فإنهم تعلقوا بمثل هذا الحديث وهذه الزيادة تدمغهم والله سبحانه وتعالى أعلم اهـ.
(فقضى) أي أتم (رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة) التي كان مشغولا بها حين دخل المنزل (وقال) للمتحدثين الذين رموه بالنفاق (1) تقولون إنه منافق و (ليس يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله قالوا) في جواب استفهام رسول الله صلى الله عليه وسلم (إنه) أي إن مالك بن الدخشم (يقول ذلك) المذكور من الشهادتين بلسانه (وما هو) أي وما اعتقاد مضمون ذلك المذكور من الشهادتين (في فلبه) وروعه فإيمانه لساني لا قلبي كما أن إيمان سائر المنافقين كذلك.
قال القاضي عياض: مستندهم في أنه ليس في قلبه القرائن كصُفُوِّهِ إلى المنافقين، قيل: وتخلفه عن هذا المشهد الكثير البركة وعدم فرحه بمجيء رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى دارهم والمبادرة إلى لقائه ولكنه صلى الله عليه وسلم لم يوافقهم على ذلك إذ لم يثبت نفاقه فلم يترك صلى الله عليه وسلم صحة الظاهر لريبة الباطن، بل زاد في البخاري "ألا تراه كيف قالها يبتغي بها وجه الله" فهذا يدل على صحة إيمانه اهـ.
ولفظه في صحيح البخاري في كتاب الصلاة في باب المساجد في البيوت "فقال قائل منهم أين مالك بن الدخشن أو ابن الدخيشن فقال بعضهم ذلك منافق لا يحب الله ورسوله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تقل ذلك ألا تراه قد قال لا إله إلا الله يريد بذلك وجه الله؟ قال: الله ورسوله أعلم! قال: فإنا نرى وجهه ونصيحته إلى المنافقين، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فإن الله حرم على النار من قال لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله".
(قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا يشهد أحد) من الناس (أن لا إله إلا الله وأني رسول الله فيدخل النار) بنصب يدخل بأن مضمرة وجوبا بعد الفاء السببية الواقعة
أوْ تَطْعَمَهُ"، قَال أَنَسٌ: فَأَعجَبَنِي هَذَا الْحَدِيثُ، فَقُلْتُ لابنِي: اكْتُبْهُ، فَكَتَبَهُ
ــ
في جواب النفي، والتقدير لا يكون شهادة أحد أن لا إله إلا الله فدخوله النار (أو) قال فـ (ـتطعمه) النار وتأكله، فأو للشك من الراوي وقوله "فيدخل النار" هو موضع الترجمة من الحديث من الحكم على الظاهر وحسن الظن بكمال إيمانه وصحة إسلامه، لا يدخلها أصلًا إن لم تكن عليه كبائر أو تاب عنها أو عفا الله عنه بحق الشهادتين أو لا يدخلها دخول الخلود، وكذلك تأويل اللفظ الآخر "فتطعمه النار" أو فتطعم جميعه، لما جاء أن أهل التوحيد لا تأكل النار جملة أجسادهم وأنها تتحاشى عن مواضع سجودهم وقلوبهم ودارات وجوههم ومواضع من أجسادهم كما رواه أحمد في المسند بلفظ "فكل ابن آدم تأكله النار إلا أثر السجود، وابن ماجه بلفظ "تأكل النار ابن آدم إلا أثر السجود حرم الله على النار أن تأكل أثر السجود".
(قال أنس) بن مالك راوي الحديث (فأعجبني) أي أحبني وأعشقني (هذا الحديث فقلت لابني) لم أر من ذكر وعيَّن اسمه (اكتبه) أي اكتب لي هذا الحديث يا ولدي ليكون محفوظًا مصونًا عندي (فكتبه) لي ولدي فكان مصونًا عندي.
قال النواوي: وفي هذا الحديث فوائد من العلم تقدم كثير منها فمنها التبرك بآثار الصالحين، قال الأبي: يُريد لأن الأصل التأسي وإلا فلا مساواة اهـ. ومنها زيارة العلماء والفضلاء والكبراء أتباعهم وتبريكهم إياهم، ومنها جواز استدعاء المفضول للفاضل لمصلحة تعرض ومنها جواز الجماعة في صلاة النافلة لأنه ورد في الحديث من طرق كثيرة أنه أم أهل الدار فلعل حديثهم كان في صلاة أخرى غير التي أثمَ فيها أوفيها، وكان المتحدثون غير متوضئين، ومنها أن السنة في نوافل النهار ركعتان كالليل، ومنها جواز الكلام والتحدث بحضرة المصلين ما لم يشغلهم ويدخل عليهم لبسًا في صلاتهم أو نحوه، ومنها جواز إمامة الزائر المزور برضاه، ومنها ذكر من يُتهم بريبة أو نحوها للأئمة وغيرهم ليتحرز منه ومنها جواز كتابة الحديث وغيره من العلوم الشرعية لقول أنس لابنه اكتبه بل هي مستحبة، وجاء في الحديث النهي عن كتب الحديث، وجاء الإذن فيه فقيل: كان النهي لمن خيف اتكاله على الكتاب وتفريطه في الحفظ مع تمكنه منه، والإذن لمن لا يتمكن من الحفظ، وقيل: كان النهي أولًا لما خيف اختلاطه بالقرآن والإذن بعده لما أمن من ذلك وكان بين السلف من الصحابة والتابعين خلاف في جواز كتابة الحديث ثم أجمعت الأمة على جوازها واستحبابها والله أعلم، ومنها البداءة بالأهم فالأهم فإنه صلى الله عليه وسلم
58 -
(00) حَدَّثَنَا (1) أَبُو بَكْرِ بْنُ نَافِعٍ الْعَبْدِيُّ، حَدَّثَنَا بَهْزٌ، حَدَّثَنَا حَمادٌ
ــ
في حديث عتبان هذا بدأ أول قدومه بالصلاة ثم أكل، وفي حديث زيارته لأم سليم بدأ بالأكل ثم صلى لأن المهم في حديث عتبان هو الصلاة، فإنه دعاه لها، وفي حديث أم سليم دعته للطعام، ففي كل واحد من الحديثين بدأ بما دُعي إليه ومنها جواز استتباع الإمام والعالم أصحابه لزيارة أو ضيافة أو نحوها، ومنه غير ذلك مما قدمناه وما حذفناه وفي الأبي: قال مكي في القوت: كره كَتْبَ الحديث الطبقةُ الأولى من التابعين خوف أن يشغل به عن القرآن فكانوا يقولون احفظوا كما كنا نحفظ، وأجاز ذلك من بعدهم، وما حدث التصنيف إلا بعد موت الحسن وابن المسيب وغيرهما من كبار التابعين.
فأول تأليف وُضع في الإسلام كتاب ابن جريج، وضعه بمكة في الآثار وشيء من التفسير عن عطاء ومجاهد وغيرهما من أصحاب ابن عباس، ثم كتاب معن بن زائدة الشيباني باليمن فيه سنن، ثم الموطأ ثم جامع سفيان الثوري وجامع سفيان بن عيينة في السنن والآثار وشيء من التفسير فهذه الخمسة أول شيء وضع في الإسلام انتهى.
وحديث عتبان بن مالك هذا شارك المؤلف في روايته البخاري في مواضع، والنسائي وابن ماجه ثم ذكر المؤلف المتابعة فيه فقال رحمه الله تعالى:
(58)
- (حدثنا أبو بكر) محمد بن أحمد (بن نافع العبدي) البصري روى عن بهز بن أسد وعبد الرحمن بن مهدي وغندر ويحيى بن كثير، وبشر بن المفضل وغيرهم، ويروي عنه (م ت س) وزكريا الساجي وجماعة، وقال في التقريب: مشهور بكنيته، صدوق من صغار العاشرة، مات بعد (245) الأربعين ومائتين.
روى عنه المؤلف في الإيمان والوضوء والصلاة في موضعين والزكاة والصوم والنكاح ودلائل النبوة وصفة النار والعلم فجملة الأبواب التي روى المؤلف عنه فيها تسعة أبواب، قال أبو بكر:(حدثنا بهز) بن أسد العمي بفتح المهملة أبو الأسود البصري أخو المعلى بن أسد، روى عن حماد بن سلمة وشعبة ووهيب وغيرهم، ويروي عنه (ع) وأبو بكر بن نافع العبدي وعبد الرحمن بن بشر وأبو غسان وغيرهم، ثقة ثبت من التاسعة مات بعد (200) المائتين، وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في ثلاثة عشر بابًا تقريبًا، قال بهز (حدثنا حماد) بن سلمة بن دينار الربعي مولاهم أبو سلمة البصري
(1) في نسخة: (حدثني).
عَنْ ثَابِتِ (1) عَنْ أنسٍ، قَال: حَدثَنِي عِتْبَانُ بْنُ مَالِكٍ: أَنهُ عَمِيَ فَأَرْسَلَ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَال:
ــ
أحد الأئمة الأعلام، روى عن ثابت البناني وداود بن أبي هند وأيوب وقتادة وحُميد ويحيى بن سعيد الأنصاري وخلق ويروي عنه (م عم) وبهز بن أسد والنضر بن شميل وعبد الأعلى بن حماد والحسن بن موسى وعفان بن مسلم وعبد الرحمن بن مهدي وشيبان بن فروخ وعدة، ثقة عابد أثبت الناس في ثابت، وتغير حفظه بآخره، من كبار الثامنة، مات سنة (167) سبع وستين ومائة روى المؤلف عنه في الإيمان والوضوء والصلاة في ثلاثة مواضع والحج والطلاق والأحكام في أربعة مواضع والجهاد في ثلاثة مواضع والأدب وفي وفاة النبي صلى الله عليه وسلم وفي سن النبي صلى الله عليه وسلم وفي صفة النبي صلى الله عليه وسلم وفي ذكر موسى وفي آخر الدعاء وفي الفضائل وفي الجامع وفي الدعاء فجملة الأبواب التي روى المؤلف عنه فيها ستة عشر بابًا تقريبًا (عن ثابت) بن أسلم البناني أبي محمد البصري ثقة عابد من الرابعة مات سنة بضع وعشرين ومائة (123) وتقدم البسط في ترجمته قريبًا وأن المؤلف روى عنه في ثلاثة عشر بابا تقريبًا (عن أنس) بن مالك الأنصاري الخزرجي أبي حمزة البصري خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد تقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في اثنى عشر بابًا تقريبًا (قال) أنس بن مالك (حدثني عتبان بن مالك) الأنصاري السلمي المدني تقدمت ترجمته قريبًا وهذا السند من سداسياته وغرضه بسوق هذا السند بيان متابعة حماد بن سلمة لسليمان بن المغيرة في رواية هذا الحديث عن ثابت البناني، وفائدة هذه المتابعة بيان كثرة طرقه ومن لطائف هذا السند أن رواته كلهم بصريون إلا عتبان بن مالك فإنه مدني فلا يقال إن هذا السند مخالف للسند الأول لأن أنسًا روى في الأول عن محمود عن عتبان وهنا روى عن عتبان بلا واسطة محمود لأنه يجاب عنه بأن أنسًا سمعه أولًا من محمود عن عتبان ثم اجتمع أنس مع عتبان فسمعه منه كما مر هناك (أنه) أي أن عتبان بن مالك (عمي) أي فقد بصره (فأرسل) أي بعث عتبان "لي رسول الله صلى الله عليه وسلم يطلب منه الإتيان إليه في منزله (فقال) عتبان بواسطة من أرسله إليه
(1) في نسخة: (حدثنا ثابت).
تَعَالَ فَحُطَّ لِي مَسْجِدًا، فَجَاءَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَجَاءَ قَومُهُ، وَنُعِتَ رَجُلٌ مِنْهُم يُقَالُ لَهُ: مَالِكُ بْنُ الدُّخشُمِ
…
، ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوَ حَدِيثِ سُلَيمَانَ بْنِ الْمُغِيرَةِ
ــ
يا رسول الله (تعال) إلي وأقبل إلى منزلي (فخط لي) أي أعلم لي على موضع من بيتي لأتخذه (مسجدًا) أي موضعًا أجعل فيه صلاتي متبركًا بآثارك (فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى منزل عتبان ليعين له موضعًا يصلي فيه من بينه (وجاء قومه) أي قوم عتبان وجيرانه وجماعته إلى بيت عتبان لما سمعوا مجيء رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بيته لينالوا بركة هذا المشهد العظيم البركة (ونعت) بالبناء للمجهول أي وصف (رجل منهم) أي من قوم عتبان وجيرانه بصفة النفاق (يقال له) أي لذلك الرجل الموصوف بالنفاق (مالك بن الدخشم) أي يسمى بهذا الاسم أي سأل بعض الحاضرين عن علة تغيبه عن هذا المشهد العظيم فأجابه البعض الآخر إنه منافق لا يحب الله ورسوله.
قال القاضي عياض رحمه الله تعالى: هكذا رويناه من طريق السمرقندي (فنعت) وهو وهم، والصواب (فتغيب رجل منهم يقال له مالك بن الدخشم) هكذا رواه العذرى وجماعة بدليل افتقاده في الأحاديث الأخر اهـ. وغرضه بتكرار هذا المتن بيان مخالفته للرواية الأولى (ثم ذكر) حماد بن سلمة (نحو حديث سليمان بن المغيرة) أي شبيه روايته وقد تقدم لك أن مراده بقوله نحو حديث فلان هو الحديث اللاحق الموافق للسابق في بعض ألفاظه وبعض معناه والله أعلم.
* * *