الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
19 - بَابٌ أَيُّ خِصَالِ الإِسْلامِ خَيرٌ؟ وَأَيُّ الْمُسْلِمِينَ أَفْضَلُ
؟
68 -
(00) حَدَّثَنَا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا لَيثٌ،
ــ
19 -
بَابٌ أَيُّ خِصَالِ الإِسْلامِ خَيرٌ؟ وَأَيُّ الْمُسْلِمِينَ أَفْضَلُ؟
أي باب معقود في بيان جواب سؤال أي خصال الإسلام وأموره خير، أي أكثر نفعًا وأجرًا لمن فعله في الدنيا والآخرة، وفي بيان جواب سؤال أي أشخاص المسلمين أعظم درجة عند الله تعالى، وأكثر مدحًا عند الناس، وإنما ترجمت هكذا لأن الحديثين الآتيين السائل فيهما مختلف وإن كان الراوي واحدًا وهو عبد الله بن عمرو بن العاص، قال القرطبي في الحديث الثاني قوله (أي المسلمين خير) فقال:"من سلم المسلمون من لسانه ويده" هذا السؤال غير السؤال الأول أعني قولَه: (أيُّ الإسلام خير) وإن اتحد لفظهما بدليل افتراق الجواب، وكأنه صلى الله عليه وسلم فهم عن هذا السائل أنما سأل عن أحق المسلمين باسم الخيرية وبالأفضلية، وفهم عن الأول أنه سأل عن أحق خصال الإسلام بالأفضلية، فأجاب كلًّا منهما بما يليق بسؤاله والله تعالى أعلم، وهذا أولى من أن تقول الخبران واحد وإنما بعض الرواة تسامح، لأن هذا التقدير يرفع الثقة بأخبار الأئمة الحفاظ العدول مع وجود مندوحة عن ذلك انتهى منه.
وترجم له النواوي والقاضي عياض، وكذا أكثر نسخ المتن بقوله (باب بيان تفاضل الإسلام وأي أموره أفضل) أي باب بيان تفاضل أهل الإسلام بعضهم على بعض عند الله تعالى وعند الناس، وبيان أي أموره، أي أمور الإسلام وخصاله أفضل، أي أكثر أجرًا لمن فعله أو قاله، وترجم له الأبي والسنوسي بقولهما (باب أي الإسلام خير) ففي هذه الترجمة قصور عن منطوق الحديث، وفي التي قبلها إيهام وغموض، فترجمتنا أوضح وأوفق، وضم القرطبي ترجمة هذا الحديث إلى الترجمة التي قبلها حيث قال:(باب الاستقامة في الإسلام وأي خصاله خير).
(68)
- س (38)(حدثنا قتيبة بن سعيد) بن جميل بن طريف الثقفي مولاهم أبو رجاء البغلاني، قيل: اسمه يحيى وقيل عليٌّ وقتيبة لقبه كما مر في المقدمة، ثقة حافظ من العاشرة، مات سنة (240) أربعين ومائتين عن تسعين (90) سنة، وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في سبعة أبواب تقريبًا، قال قتيبة (حدثنا ليث) بن سعد بن عبد الرحمن الفهمي مولاهم أبو الحارث المصري، ثقة ثبت فقيه إمام مشهور من
ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رُمْحِ بْنِ الْمُهَاجِرِ، أَخْبَرَنَا اللَّيثُ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ أَبِي الْخَيرِ،
ــ
السابعة، مات في شعبان سنة (175) خمس وسبعين ومائة، وقد تقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في خمسة عشر بابًا تقريبًا.
(ح) أي حول المؤلف السند (و) قال (حدثنا محمد بن رمح بن المهاجر) بن المحرر بن سالم التجيبي بضم المثناة مولاهم أبو عبد الله المصري، ثقة ثبت من العاشرة، مات بمصر سنة (242) اثنتين وأربعين ومائتين، وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في خمسة أبواب تقريبًا قال محمد بن رمح (أخبرنا الليث) بن سعد وأتى المؤلف رحمه الله تعالى بحاء التحويل مع إمكان الجمع بين شيخيه لاتحاد شيخهما بأن قال حدثنا قتيبة ومحمد بن رمح قالا أخبرنا الليث لاختلاف صيغتهما لأن قتيبة قال حدثنا ليث ومحمد بن رمح قال أخبرنا الليث ولو جمع باخبرنا لكان كاذبًا على قتيبة، أو بحدثنا لكان كاذبًا على محمد بن رمح، ففائدة التحويل هنا بيان اختلاف صيغتيهما لأن بين حدثنا وأخبرنا فرقًا في اصطلاح الإمام مسلم رحمه الله تعالى (عن يزيد بن أبي حبيب) اسمه سويد مولى شريك بن الطفيل الأزدي أبي رجاء المصري عالمها واسم أبي حبيب سويد أعتقَتْه امرأةٌ مولاةٌ لبني حَسْلِ بن عامر، وتزوج مولاةَ تُجِيبَ فولُد له يزيد وخليفة.
روى عن أبي الخير مرثد بن عبد الله وعبد الرحمن بن شماسة المهري وعراك بن مالك وجعفر بن ربيعة وإبراهيم بن عبد الله بن حنين وخلق، ويروي عنه (ع) والليث بن سعد وعمرو بن الحارث ومحمد بن إسحاق وعبد الحميد بن جعفر وسليمان التيمي وعبد الله بن عياش ويحيى بن أيوب وجماعة، قال ابن سعد: ثقة كثير الحديث، وقال في التقريب: ثقة فقيه، وكان يرسل من الخامسة، مات في ولاية أبي جعفر سنة (128) ثمان وعشرين ومائة، وقد قارب الثمانين.
روى عنه المؤلف في الإيمان والوضوء في موضعين والصلاة في ثلاثة مواضع والصوم والنكاح في ثلاثة مواضع والنذور والدعاء في ثلاثة مواضع والبيوع والجهاد في موضعين واللباس والأدب فجملة الأبواب التي روى عنه فيها أحد عشر بابًا تقريبًا (عن أبي الخير) مرثد بن عبد الله بفتح الميم وسكون الراء بعدها مثلثة الحميري اليزني بفتح الياء التحتانية والزاي نسبة إلى ذي يزن بطن من حمير، الفقيه المصري، روى عن عبد الله بن عمرو وعبد الرحمن بن وعلة وعقبة بن عامر وأبي عبد الله الصنابحي
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو: أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: أَيُّ الإِسْلامِ خَيرٌ؟ قَال: "تُطْعِمُ الطَّعَامَ،
ــ
عبد الرحمن بن عسيلة وغيرهم، ويروي عنه (ع) ويزيد بن أبي حبيب وجعفر بن ربيعة وعبد الرحمن بن شماسة وغيرهم، وقال العجلي: ثقة تابعي مصري، وقال ابن سعد: كان ثقة وله فضل وعبادة، وقال في التقريب: ثقة فقيه من الثالثة، مات سنة تسعين (90) وليس في مسلم مرثد إلا هذا.
روى عنه المؤلف في الإيمان والوضوء والدعاء والنذور في موضعين والأحكام والضحايا واللباس ودلائل النبوة والحدود فجملة الأبواب التي روى عنه فيها تسعة تقريبًا.
(عن عبد الله بن عمرو) بن العاص بن وائل بن سهم السهمي القرشي أبي محمد ويقال أبي عبد الرحمن، كان بينه وبين أبيه إحدى عشرة سنة، أحد السابقين إلى الإسلام، وأحد المكثرين من الصحابة، وأحد العبادلة الفقهاء، له سبعمائة حديث اتفقا على سبعة عشر وانفرد (خ) بثمانية و (م) بعشرين، يقال إنه أسلم قبل أبيه، وكان يسكن مكة، ثم خرج إلى الشام وأقام بها إلى أن مات بمصر، ويقال: إنه مات بعُجْلان قرية من قرى الشام بالقرب من غزة من بلاد فلسطين ليالي الحرة في ولاية يزيد بن معاوية، وكانت الحرة سنة ثلاث وستين، ويقال إنه مات بالطائف على الراجح، وقيل مات بمكة، وقال عمرو بن علي مات عبد الله بن عمرو بن العاص سنة خمس وستين (65) وهو ابن اثنتين وسبعين (72). روى عن النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر الصديق في الدعاء، ويروي عنه (ع) وأبو الخير مرثد بن عبد الله ومسروق بن الأجدع وحُميد بن عبد الرحمن بن عوف وخلائق، روى عنه المؤلف في الإيمان في موضعين وفي الصلاة والحج والدعاء وغيرها.
وهذا السند من خماسياته، ورجاله كلهم مصريون أئمة أجلة، إلا قتيبة فإنه بغلاني، أنه حدَّث (أن رجلًا) لم أرَ من ذكر اسمه (سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال في سؤاله (أيُّ الإسلام) أي أَيُّ خصال الإسلام وأموره وأحواله (خير) أي أنفع لصاحبه في الدنيا والآخرة، أي أيُّ خصلة من خصال الإسلام أنفع لصاحبها (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم مجيبًا له هي أي الخصلة الموصوفة بالخيرية والأفضلية لصاحبها (تطعم الطعام) للمحتاج بضم التاء من أطعم الرباعي فهو خبر لمبتدأ محذوف
وَتَقْرَأُ السَّلامَ عَلَى مَنْ عَرَفْتَ وَمَنْ لَمْ تَعْرِفْ"
ــ
مع إضمار أن المصدرية أي هي أن تطعم الطعام للمحتاج، نظير قولهم: تسمع بالمعيدي خير من أن تراه، وحذفت أن المصدرية التي تخلص الفعل للاستقبال ليأتي الفعل بصورة المحتمل للحال إظهارًا للرغبة في حصوله والتعجيل به للمحتاج إليه، وبصورة المضارع لتصور حالته العظيمة؛ التي أثنى الله سبحانه بها على مطعمه بقوله:{وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ} وللرغبة في تجدد إعطائه واستمراره وصرح بمفعوله الذي هو الطعام احتراسًا من توهم التجوز بتطعم عن حديث حسنٍ أو علمٍ أو غير ذلك، و"تطعم" من الخطاب العام، وليس المقصود السائل فقط، أي تطعم يا من يصح منه الإطعام، ولما روي:"حكمي على الواحد حكمي على الجماعة" و (الطعام) اسم للمطعوم المقتات، وهو عند الفقهاء ما يعد طعامًا لا دواءً، وعند الأطباء ما يُنمِّي الأبدان وفي الكلام حذف مفعول ثانٍ، وهو الأول في الحقيقة والرتبة، لأنه فاعل في المعنى، أي المحتاج أو السائل ونحوه وحذف للعلم به أو يُنزَّل الفعل بالنسبة إليه كالقاصر عنه ليفيد العموم في المحتاج وغيره دفعًا للتحكم في تقديره مفعول دون آخر، والمراد إيجاد حقيقة الإطعام، وعن البيهقي يحتمل إطعام المحاويج أو الضيافة أو هما جميعًا، وللضيافة في التحابب والتآلف أثر عظيم انتهى من السنوسي وقوله (وتقرأ السلام) معطوف على تطعم أي وتلك الخصال النافعة لفاعلها إطعامُ الطعام للمحاويج وغيرهم، وقراءتك السلام أي التحية (على من عرفتـ) ـه (ومن لم تعرفـ) ـه إذا كانوا مسلمين، أي وأن تسلم على كل من لقيته، عرفته أم لم تعرفه، ولا تخص به من تعرفه كما يفعله كثير من الناس، ثم إن هذا العموم مخصوص بالمسلمين، فلا يسلم ابتداءً على كافر، قال القاضي: بذل السلام لكل أحدٍ دليل على أنه مُبتغىً به وجه الله تعالى، ولما كان التآلف والتواد به نظام شمل الإسلام، وهو أحد أركان الشريعة حض صلى الله عليه وسلم على السبب الجالب لذلك من الإطعام وإفشاء السلام والتهادي، كما نهى عن ضد ذلك من التقاطع والتدابر والتجسس والنميمة وذي الوجهين اهـ ع.
قال النواوي: وخص الخصلتين بالذكر لعلمه من السائل التساهُلَ فيهما، لأن جوابه كان بحسب ما يفهم، قلت: وإلا فليستا بخير مطلقًا، قال السنوسي: والمراد بالسلام التحية بين الناس، وهو مما يزرع الود والمحبة في القلوب كما يفعل الإطعام وقد يكون في قلب المحبين ضغن فيزول بالتحية وقد يكون عدوا فينقلب بها صديقًا ولقد
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
أجاد من قال:
وحَيِّ ذوي الأضغان تحيي نفوسهم
…
تحيتك الحسنى فقد يرفع العقل
إني أُحيي عدوي عند رؤيته
…
لأدفع الشر عني بالتحيات
كيف أصبحت كيف أمسيت مما
…
يزرع الود في فؤاد الكريم
وهذه الأبيات الثلاثة بحورها مختلفة، الأول من الطويل والثاني من البسيط والثالث من الخفيف، وإذا كان في مجرد السلام، فكيف بالطعام، حتى قيل ما وضع أحد يده في صحفة غيره إلا ذل له، لا يقال فإذا كان يورث الذل فينبغي أن يجتنب، وذلك مما يقدح في الترغيب في الإطعام المستفاد من الحديث، لأنا نقول مما جُبلت عليه نفوس الأكثر قبول ما فيه نفع لها ولا تبالي بما يحصل معه من ذل ونحوه، بل قد تتلذذ بذلك الذل، لما اشتمل عليه من المنافع.
(قلت) الإطعام المرغب فيه هو ما كان لفائدة شرعية، من طلب ثواب الله جل وعلا، فلا يبالي حينئذ ما أعطى ولا لمن أعطى، أو دفع عن نفسه وعرضه وماله أم لا، أما ما لا فائدة له أو كانت الفائدة غير شرعية، كقصد المباهاة وتكثير الانتفاع والثناء الدنيوي ونحو ذلك فليس بمقصود من الحديث، بل ربما كان بعضه محرمًا كالإطعام لبعض اللئام من الظلمة والفساق ممن يستعين بذلك على فساده ويغريه على أموال الناس، وتبقى لهم سنة سيئة في -أموال الناس على الدوام، قال السنوسي: قوله صلى الله عليه وسلم "على من عرفت ومن لم تعرف" ظاهر الحديث العموم فيمن يعقل ثم يُمكن تخصيصه بالمؤمنين، لأنهم هم الذين في توادهم وتراحمهم كالبنيان يشد بعضه بعضًا، وكالجسد الواحد، إذا اشتكى بعضه اشتكى كله، ويمكن حمله على العموم فيتناول الكافر ولو حربيًّا، عند الاحتياج إلى ذلك لوعظ ونحوه، لأنه أرجى لقبولهم الإسلام، كما قال تعالى:{فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا} {وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} الآية، أو تُخصص أيضًا بالذمي، إما على رأي من يرى ابتداءهم بالسلام وإما باعتبار الرد إذا ابتدءوا به لأن تقرأ السلام يعم الأمرين الابتداء والرد، ويؤكد العموم من عرفت ومن لم تعرف لأنه يدل على كونه لله تعالى، لا لتوفية حق المعرفة، كما روي أنه يكون كذلك في آخر الزمان وقال بعضهم: ظاهر اللفظ يعم الكافر والمنافق والفاسق، (أجيب) بأنه خُص
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
لأدلة أخرى أو أن النهي متأخر، وكان هذا عامًّا لمصلحة التأليف، ومن شك فيه فالأصل العموم حتى يثبت الخصوص انتهى، قال بعض العلماء متممًا له وكذا القول في المطعم المقدر مفعولًا ثانيًا، لتطعم في احتمال العموم والخصوص، ويحتمل أن يكون مفعول تطعم الثاني المقدر من عرفت ومن لم تعرف لدلالة ذكره مع تقرأ عليه من حذف الأوائل للثواني، أو يكون من عرفت متنازعًا فيه لهما وأُضمر في الأول وحُذف لأنه فضلة، وتنازع المتعددين إلى أكثر من واحد غير ممتنع، خلافًا لمن منع، وإنما ذُكر مع تقرأ لخفة السلام على النفوس، ولو ذُكر مع الطعام أولًا لأوجب النفور، فلا يُصغى لما بعده، فأُضمر في الأول لسهولة الخطاب بالمحتمل فقبل، ثم صرح به مع ما لم يَشُق فحينئذ يُتفطن لإرادته أولًا، ولا يمكن الرد بعد القبول وللتأنس به في الثاني فيقاس عليه الأول لأنه آخره، وقد يقال إن الطعام لما كان يشق له لا سيما بالحجاز، اكتفى بمطلقه لأن الفعل المثبت يَعُمُّ على الصحيح ترغيبًا فيما يُفعل منه وإن قل، ويكون المعنى تُطعم من أمكن ولو كان واحدًا، أو ما أمكن ولو شق تمرة، ولما كان السلام لا يشق لم يكتف منه إلا بغايته، وكلام من أوتي جوامع الكلم صلى الله عليه وسلم لا يُحاط بفوائده، يُنفق فيه ذو السعة في العلم على قدر سعته، ومن دونه على قدره، والكل لم يُحصلوا من ذلك البحر الزاخر الذي لا يُحاط بأبعاده إلا ما هو في النسبة كنقطة أو أقل منها إلى العالم كله، وهنا يدخل أنواع الأطعمة والولائم، وتسمية أنواعها، وتقسيم ذلك إلى الأحكام الخمسة، كل ذلك مستوعب في كتب الفقه اهـ س.
وفي الجملتين موازنة وطباق خفي، لأن تُطعم فعلٌ، والطعام جثة، وتقرأ قول، والسلام معنىً، وعدَّى تقرأ بعلى لأنهم شبهوا السلام لكونه قولًا وعبارة بالقراءة، فعَدَّوهُ تعديتها، ومنْ في قوله (من عرفت) الظاهر موصوليتها، وحُذف عائدها لطول الصلة، أو نكرة موصوفة.
ومعنى السلام عليكم إما الدعاء بالسلامة على المسلم عليه أي سلمك الله من الآفات دنيا وأخرى، وإما الخبر أي سلمت مني فإني مسالم لك لا محارب، وإنما كان علمًا على الأمان لأن العادة بين المتحاربين لا يسلِّم بعضهم على بعض وكانت عادة الجاهلية إن سلموا لم يحاربوا، وعلى هذا لا ينبغي للمسلِّم أن يغتاب من سلم عليه، ولا أن يتعرض لإذايته حاضرًا ولا غائبًا لأنه مناقض لما أعطاه وأخبر به من الأمان،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
لأن السلام على المعنيين إنشاء والتزام وقيل المعنى الله حفيظ عليكم، أو رقيب عليكم، فيكون السلام على هذا من أسمائه جل وعلا، قال بعضهم وهذا يتأول به من أجاز السلام على أهل المعاصي والظلم حال تلبسهم بذلك حتى كأنه يقصد وعظهم وتذكيرهم، وعلى في المعنيين بمعنى اللام أو على بابها على إضمار كون خاص، أي السلام مشتمل عليكم، وهو أبلغ، وقد بسطت الكلام على السلام وما يتعلق به من الشرائط والأحكام والصيغ في تفسيري حدائق الروح والريحان بما لا مزيد عليه فراجعه إن أردت الخوض في هذا المقام والله عز وجل أعلم.
قال القاضي عياض: وقوله صلى الله عليه وسلم لمن سأله: "أي الإسلام خير" أي أي خصال الإسلام خير "تطعم الطعام وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف" حض منه صلى الله عليه وسلم على تأليف قلوب المؤمنين، وأن أفضل خُلُقهم الإسلامية إلفة بعضهم بعضًا وتحببهم وتوادهم واستجلاب ما يؤكد ذلك بينهم بالقول والفعل، وقد حض النبي صلى الله عليه وسلم على التحابب والتوادد وعلى أسبابهما من التهادي وإطعام الطعام وإفشاء السلام، ونهى عن أضدادها من التقاطع والتدابر والتجسس والتحسس والنميمة وذي الوجهين.
والألفة أحد فرائض الدين، وأركان الشريعة ونظام شمل الإسلام، وفي بذل السلام لمن عرفت ولمن لم تعرف إخلاص العمل فيه لله تعالى، لا مصانعة ولا تملقًا لمن تعرف دون من لا تعرف، وجاء في الحديث:"أن السلام آخر الزمان يكون معرفة" وفيه مع ذلك استعمال خُلُق التواضع وإفشاء شعار هذه الأمة من لفظ السلام، ومن قوله "أفشوا السلام بينكم" وقوله "تقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف" أي تسلم، قال أبو حاتم: تقول قرأ عليه السلام، وأقرأه الكتاب ولا تقول أقرأه السلام إلا في لغة رديئة، إلا أن يكون مكتوبًا فتقول: أقرأه السلام أي جعله يقرأه.
وهذا الحديث استدل به على الجزء الأول من الترجمة، واستدل على الجزء الثاني منها بما سيأتي، والحق أن الحديثين مختلفان، وإن كان الصحابي الذي روى واحدًا بدليل اختلاف السؤال والجواب فيهما كما مر عن القرطبي، فإنه صلى الله عليه وسلم أجاب كلًّا من السائلين بما رآه أنفع له وأخص به، فقد يكون ظهر من أحدهما كبر وانبساط وانقباض عن الناس فأجابه بإطعام الطعام وإفشاء السلام، وظهر من الآخر قلة
69 -
(39) وَحَدَّثَنَا أَبُو الطَّاهِرِ أَحْمَدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ سَرْحٍ الْمِصْرِيُّ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ،
ــ
مراعاة ليده ولسانه فأجابه بالجواب الآخر، أو يكون صلى الله عليه وسلم تخوف عليهما ذلك، أو كانت الحاجة في وقت سؤال كل منهما للعامة أمسَّ بما جاوب به، وأجاب القائلون باتحاد الحديثين لاتحاد السائل بأن اختلاف الجواب لاختلاف أشخاص الحاضرين وأحوالهم والله عز وجل أعلم.
ثم ذكر المؤلف الحديث الثاني لعبد الله بن عمرو الذي استدل به على الجزء الثاني من الترجمة فقال رحمه الله تعالى:
(69)
- س (39)(وحدثنا أبو الطاهر أحمد بن عمرو بن عبد الله بن عمرو بن سرح المصري) القرشي الأموي مولاهم روى عن عبد الله بن وهب في الإيمان وغيره وابن عيينة والوليد بن مسلم ووكيع وابن القاسم والشافعي وخلق، ويروي عنه (م د س ق) والساجي وابن أبي داود وغيرهم، وقال في التقريب: ثقة من العاشرة، مات سنة (255) خمس وخمسين ومائتين، قال أبو الطاهر (أخبرنا) عبد الله (بن وهب) بن مسلم القرشي مولاهم أبو محمد المصري، روى عن يونس بن يزيد وعمرو بن الحارث وغيرهما، ويروي عنه (ع) وأبو الطاهر وحرملة بن يحيى وأحمد بن عيسى التستري وهارون وغيرهم، ثقة حافظ من التاسعة، مات سنة (197) سبع وتسعين ومائة، قال النواوي: أما عبد الله بن وهب فعلمه وورعه وزهده وحفظه وإتقانه وكثرة حديثه واعتماد أهل مصر عليه، وإخبارهم بأن حديث أهل مصر وما والاها يدور عليه فكله أمر معروف مشهور في كتب أئمة هذا الفن، وقد بلغنا عن مالك بن أنس رحمه الله تعالى أنه لم يكتب إلى أحد وعنونه بالفقه إلا إلى ابن وهب رحمه الله تعالى، وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في ثلاثة عشر بابًا تقريبًا (عن عمرو بن الحارث) بن يعقوب الأنصاري مولاهم أبي أمية المصري الفقيه المقرئ، أحد الأئمة الأعلام، روى عن يزيد بن أبي حبيب وجعفر بن ربيعة وأبي يونس وبكر بن سوادة وغيرهم، ويروي عنه (ع) وابن وهب وبكر بن مضر والليث ومالك وخلق، وثقه ابن معين، وقال ابن وهب لو بقي لنا عمرو ما احتجنا إلى مالك، وقال أيضًا: سمعت من ثلاثمائة وسبعين شيخًا فما رأيت أحفظ من عمرو بن الحارث، وقال في التقريب: ثقة حافظ فقيه من السابعة، مات سنة (148) ثمان وأربعين
عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ أَبِي الْخَيرِ: أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ يَقُولُ: إِنَّ رَجُلًا سَأَلَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم: أَيُّ الْمُسْلِمِينَ خَيرٌ؟ قَال: "مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ"
ــ
ومائة، روى عنه المؤلف في الإيمان والوضوء والصلاة في أربعة مواضع والجنائز في موضعين والصوم في موضعين والحج والنكاح والجهاد والبيوع والأشربة والنذور والأحكام والدعاء، فجملة الأبواب التي روى المؤلف عنه فيها ثلاثة عشر بابًا تقريبًا (عن يزيد بن أبي حبيب) الأزدي أبي رجاء المصري، ثقة فقيه من الخامسة، مات سنة (128) ثمان وعشرين ومائة (عن أبي الخير) مرثد بن عبد الله اليزني المصري، ثقة فقيه من الثالثة، مات سنة (90) تسعين (أنه سمع عبد الله بن عمرو بن العاص) القرشي أبا محمد المصري، وهذا السند من سداسياته، قال النواوي: وهذا السند والذي قبله رجالهما كلهم مصريون أئمة أجلة، وهذا من عزيز الأسانيد في مسلم، بل في غيره، فإن اتفاق جميع الرواة في كونهم مصريين في غاية القلة، ويزداد قلة باعتبار الجلالة والفضيلة والعلم فيهم، والله أعلم.
تنبيه: وقولهم (بن العاص) يكتب آخره بلا ياء إن كان من عاصَ يَعيصُ على زنة باع بمعنى تكبر وتجبر، وبياء في آخره إن كان من عصى يعصي على وزن رمى يرمي بمعنى أذنب لأنه في الأول أجوف يائي، وفي الثاني ناقص يائي والكل محتمل، والأكثر عندهم كتابته بلا ياء.
حالة كون عبد الله بن عمرو (يقول: إن رجلًا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أيُّ المسلمين) أي أيُّ آحاد المسلمين وأفرادهم، قال الأبي: هو سؤال عن الآحاد، وفي الحديث الأول سؤال عن الخصال، ولذا افترق الجواب (خير) أي أفضل درجة عند الله تعالى وأكثر سلامة من الآفات في الدنيا والآخرة (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم مجيبًا له خيرهم وأفضلهم درجة عند الله تعالى (من سلم) خبر لمحذوف كما قدرناه، أي من سلم ونجا (المسلمون من) إذاية (لسانه) سبًا وشتمًا وقذفًا وسخرية وزورًا وغيبة ونميمة مثلًا (و) بطش (يده) ضربًا وقتلًا وغيرهما، قال الأبي: فهو من باب ضَرَبْتُه الظهر والبطن، أي في الظهر والبطن، قال القاضي عياض: فهو من جوامع كلمه صلى الله عليه وسلم ومحاسنه، وخص هاتين الجارحتين لأنهما أظهر الجوارح في الكسب ولا يدل
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
على أن من ليس بهذه الصفة غير مسلم لأن المعنى على التفضيل لا على الحصر، كما يقال: الناس العرب، والمال الإبل، فالمراد حصر الكمال، أي الكامل الإسلام، والجامع خصاله من لم يؤذ مسلمًا بقول ولا فعل إذ أكثر الأفعال تزاول بالأيدي، فأضيفت عامتها إليها، ولا يفهم من هذا أن من ليس بهذه الصفة ليس بمسلم والله أعلم.
وقد تقدم في الحديث الأول جواب آخر دل على أنه صلى الله عليه وسلم أجاب كل واحد من السائلين بما رآه أنفع له وأخص به، وقد يكون ظهر من أحدهما كبر وإمساك وانقباض من الناس، فأجابه بما في الحديث الأول من إطعام الطعام، وإفشاء السلام، وظهر من الآخر قلة مراعاة ليده ولسانه فأجابه بالجواب الآخر، أو يكون صلى الله عليه وسلم تخوف عليهما ذلك، أو كانت الحاجة في وقت سؤال كل واحد منهما للعامة أمسَّ بما جاوب به كما مر اهـ ع.
قال القرطبي: وجمع في الحديث الأول في جواب السائل بين الإطعام والإفشاء لاجتماعهما في استلزام المحبة الدينية، والألفة الإسلامية، كما قال صلى الله عليه وسلم:"ألا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم، أفشوا السلام بينكم" رواه أحمد ومسلم من حديث أبي هريرة، وفيه دليل على أن السلام لا يُقصر على من يعرِفُ بل على المسلمين عامة لأنه كما قال صلى الله عليه وسلم:"السلام شعارٌ لملتنا وأمان لذمتنا" رواه ابن الجوزي في الموضوعات والطبراني في الصغير والكبير، ورد السلام أوكد من ابتدائه، وسيأتي الكلام فيه إن شاء الله تعالى في كتاب السلام بأبسط مما هنا وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث على اختلاف روايته البخاري (12) وأبو داود (5194) والنسائي (8/ 107) وابن ماجه (3253).
قال النواوي: وفي هذه الأحاديث فوائد من العلم ففيها الحث على الإطعام والجود والاعتناء بنفع المسلمين، والكف عما يؤذيهم بقول أو فعل، بمباشرة أو تسبب، وعن احتقارهم والحث على تآلف قلوب المؤمنين، واجتماع كلمتهم وتوادهم واستجلاب ما يحصل ذلك اهـ وقال بعضهم: وفي اختلاف الجواب عن السؤال الواحد على القول به دليل على أن المصالح تختلف باختلاف الأشخاص والأحوال والأعراف حتى في الفتاوى كما ذكره المتأخرون من أنها إذا كانت مبنية على العرف ينبغي أن تتنوع
70 -
(40) حَدَّثَنَا حَسَنٌ الْحُلْوَانِيُّ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ جَمِيعًا عَنْ أَبِي عَاصِمٍ،
ــ
بتنوعه، ولا يوقف فيها مع نصوص المتقدمين التي بنوها على عرفهم المنقضي، وكذا ينبغي للواعظين أن ينوعوا الوعظ بحسب ما تدعوا الحاجة إليه، ويؤخذ أيضًا من اختلاف الجواب لاختلاف الأحوال: وجوب تعليم الإمام أو المُذكر للناس ما جهلوه وتذكيرهم ما نسوه، وتحريضهم على مهم أهملوه، قالوا: ولهذا جرت عوائد خطباء المشرق وقدماء الأندلس بتنويع الخطيب بحسب الحاجة الوقتية للتنبيه على ما يفعل الناس لذلك، فيحصل للسامعين أعظم منفعة، وأكبر فائدة، وأهمل هذا أهل الغرب، بل طالما أنكره وانتقده من ينتمي منهم للعلم، ولو علم هذا ما اشتملت عليه خطبه صلى الله عليه وسلم، وخطب خلفائه رضي الله عنهم وأئمة الصدر الأول من ذلك، لما أنكره وهي طريقة مشهورة عن السلف اهـ من السنوسي.
ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى للحديث الثاني من حديثي عبد الله بن عمرو بحديث جابر رضي الله عنهم فقال:
(70)
- ش (40)(حدثنا حسن) بن علي بن محمد بن علي الهذلي "نسبة إلى هذيل بن مدركة" أبو علي الخلال (الحلواني) الريحاني المكي الحافظ، روى عن أبي عاصم وابن أبي مريم وعبد الصمد وعبد الرزاق وغيرهم، ويروي عنه (خ م د ت ق) ومحمد بن إسحاق السراج، ثقة حافظ له تصانيف من الحادية عشرة، مات سنة (242) اثنتين وأربعين ومائتين وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في ثمانية أبواب تقريبًا (و) حدثنا أيضًا (عبد بن حميد) بن نصر الكَسِّي "نسبة إلى كس مدينة فيما وراء النهر" أبو محمد الحافظ، ويقال له عبد الحميد، روى عن أبي عاصم وعبد الرزاق وأبي عامر العقدي وغيرهم، ويروي عنه (م ت) وابن خزيمة الشاشي، ثقة حافظ من الحادية عشرة، مات سنة (249) تسع وأربعين ومائتين، وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في اثني عشر بابًا تقريبًا، وفائدة هذه المقارنة بيان كثرة طرقه، وأكد بقوله (جميعًا) أي كل من حسن وعبد بن حميد إشارة إلى شكه في انحصار من روى له عن أبي عاصم في هذين أي حالة كونهما مجتمعين في الرواية لي (عن أبي عاصم) الضحاك بن مخلد بن الضحاك بن مسلم الشيباني أبي عاصم النبيل الحافظ البصري، روى عن ابن جريج وحيوة بن شريح وحنظلة بن أبي سفيان وغيرهم، ويروي عنه (ع) وعبد بن حميد وحسن الحلواني وأبو غسان المسمعي وخلق، ثقة ثبت من التاسعة، مات
قَال عَبْدٌ: أَنْبَأَنَا أَبُو عَاصِمٍ عَنِ ابْنِ جُرَيجٍ: أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا الزُّبَيرِ يَقُولُ: سَمِعْتُ جَابِرًا يَقُولُ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ"
ــ
سنة (212) اثنتي عشرة ومائتين، وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في اثني عشر بابًا، وأتى بجملة قوله (قال عبد أنبأنا أبو عاصم) تحرزًا من الكذب على شيخه عبد بن حميد بتصريح صيغة روايته لأنه لو لم يأت بها لأوهم أن عبد بن حميد روى عن أبي عاصم بصيغة العنعنة لا بصيغة السماع، ونظائر هذا كثير في جامعه رحمه الله تعالى.
(عن) عبد الملك بن عبد العزيز (بن جريج) الأموي مولاهم المكي، أبي الوليد روى عن أبي الزبير والزهري وسليمان الأحول وخلق، ويروي عنه (ع) وأبو عاصم النبيل وعبد الرزاق وروح بن عُبادة وعِدة، ثقة فقيه، وكان يدلس ويرسل من السادسة، مات سنة (150) خمسين ومائة، وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في ستة عشر بابًا تقريبًا (أنه) أي أن ابن جريج (سمع أبا الزبير) المكي محمد بن مسلم بن تدرس القرشي مولاهم روى عن جابر وعبيد بن عمير وسعيد بن جبير وطاوس وغيرهم، ويروي عنه (ع) وابن جريج والثوري وقرة بن خالد وأيوب السختياني وابن عيينة وخلائق صدوق إلا أنه يدلس من الرابعة مات سنة (126) ست وعشرين ومائة، وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في تسعة أبواب تقريبًا حالة كون أبي الزبير (يقول سمعت جابرًا) ابن عبد الله بن عمرو بن حرام الأنصاري السلمي المدني الصحابي الجليل أبا عبد الله، يروي عنه (ع) وطاوس وأبو الزبير وعطاء وغيرهم، مات سنة (78) ثمان وسبعين عن أربع وتسعين (94) سنة، وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في ستة عشر بابًا تقريبًا.
وهذا السند من خماسياته، ورجاله ثلاثة منهم مكيون وواحد بصري وواحد مدني.
حالة كون جابر (يقول سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول المسلم) الكامل والمؤمن الفاضل (من سلم) ونجا (المسلمون) ومن في حكمهم كالذميين (من) إذاية (لسانه و) بطش (يده) والمعنى والمسلم الكامل هو من لم يؤذ مسلمًا بقول ولا فعل، وخص اليد من الجوارح لأن معظم الأفعال تُزَاوَلُ بها.
قال السنوسي: وحمله على ظاهره من غير تقدير لا يصح فلا بد من تقدير
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
معطوفات ثلاثة واحد على المسلمين والثاني على مسلم والثالث على لسانه ويده والتقدير المسلم الكامل والمؤمن الصادق من سلم المسلمون ومن في حكمهم من يده ولسانه وجميع أعضائه مما يمكن أن يؤذى به حتى قلبه فإنه منهي عن الحقد والحسد للمسلمين، والبغض والغيبة بالقلب والتلذذ بتصور معايبهم واستجلاب حديث النفس والسرور بها وإضمار الشر لهم وما يناسب ذلك من صفات القلب، أي وكان متصفًا بما لا بد منه في تحقيق أصل الإسلام من التصديق والشهادتين ونحوهما، وهذا هو المعطوف الثالث على مسلم.
وفي الحديث أيضًا (إن قيل) بظاهره أن الإذاية المحذورة تختص بالمسلم، فلا حجر في إذاية الكافر ذميًّا أو غيره، ولا في إذاية الحيوان البهيمي (قلت) الحديث خرج مخرج الغالب فلا مفهوم له، وقال بعضهم: وجمع جمع المذكر في المسلمين تغليبًا، لأن المسلمات كذلك وخص اللسان لأنه معبر عما في النفس، واليد لأن أكثر الأفعال بها، والمسلمون بالنسبة إلى إذاية اللسان أعم منهم بالنسبة إلى إذاية اليد لأن اللسان يقول في ماضيهم، ومن يأتي ومن في الحال بخلاف اليد، وقد تشاركه اليد الكاتبة في ذلك، وإن إذاية الكتب لعظيمة، ونكتة ذكر اللسان دون القلب ليتناول المستهزئ، قال بعضهم: متممًا له لعله يشير إلى ما جاء في الحديث: "إن الرجل ليتكلم بالكلمة لا يلقي لها بالًا يهوي بها في قعر جهنم" الحديث، وقال بعضهم: ورمز بتقديم اللسان إلى معنى قوله صلى الله عليه وسلم لحسَّان "هَجوك المشركين أشق عليهم من رشق النبل".
وعبارة المفهم هنا قوله "المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده" أي من كانت هذه حاله كان أحق بهذا الاسم وأمكنهم فيه، ويبين ذلك أنه لا ينتهي الإنسان إلى هذا حتى يتمكن خوف عقاب الله تعالى من قلبه، ورجاء ثوابه فيكسبه ذلك ورعًا يحمله على ضبط لسانه ويده، فلا يتكلم إلا بما يعنيه، ولا يفعل إلا ما يسلم فيه ومن كان كذلك فهو المسلم الكامل والمتقي الفاضل، ويقرب من هذا المعنى بل يزيد عليه قوله صلى الله عليه وسلم:"لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه" متفق عليه، إذ معناه أنه لا يتم إيمان أحد الإيمان التام الكامل حتى يضم إلى سلامة الناس منه إرادته الخير لهم والنصح لجميعهم فيما يحاوله معهم، ويستفاد من حديث الباب أن الأصل في الحقوق النفسية والمالية المنع، فلا يحل شيء منها إلا بوجه شرعي، والله عز وجل أعلم اهـ.
71 -
(41) وَحَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الأُمَويُّ، قَال: حَدَّثَنِي أَبِي، حَدَّثَنَا أَبُو بُرْدَةَ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ بْنِ أَبِي مُوسَى عَنْ أَبِي بُرْدَةَ،
ــ
وحديث جابر هذا انفرد به المؤلف عن أصحاب الأمهات في روايته.
وغرضه بسوقه الاستشهاد به للحديث الثاني من حديثي عبد الله بن عمرو في الدلالة على الجزء الأخير من الترجمة، ثم استشهد له ثانيًا بحديث أبي موسى الأشعري فقال:
(71)
- ش (41)(وحدثني سعيد بن يحيى بن سعيد) بن أبان بن سعيد بن العاص بن أمية بن عبد شمس القرشي (الأموي) بضم الهمزة وفتح الميم أبو عثمان البغدادي، روى عن أبيه وابن المبارك وعيسى بن يونس، ويروي عنه (خ م د ت س) وابن صاعد والمحاملي، وثقه النسائي، وقال في التقريب: ثقة ربما أخطأ من العاشرة، مات في نصف ذي القعدة سنة (249) تسع وأربعين ومائتين، روى عنه المؤلف في الإيمان والوضوء والصلاة والحج والأطعمة والفضائل في ستة أبواب تقريبًا (قال) سعيد (حدثني أبي) يحيى بن سعيد بن أبان بن سعيد بن العاص الأموي أبو أيوب الكوفي، روى عن أبي بردة بُريد بن عبد الله وعثمان بن حكيم وطلحة بن يحيى وابن جريج ويحيى بن سعيد الأنصاري وغيرهم، ويروي عنه (ع) وابنه سعيد بن يحيى وداود بن رشيد وأحمد وإسحاق وابن معين وعلي بن حُجْرٍ وعِدة، وثقه ابن معين والدارقطني والنسائي، وقال في التقريب: صدوق يُغرب من كبار التاسعة، مات سنة (194) أربع وتسعين ومائة، وله (80) ثمانون سنة، روى عنه المؤلف في الإيمان والوضوء والصلاة في موضعين والحج في موضعين والطب والفضائل وصفة الجنة والأطعمة في ثمانية أبواب تقريبًا.
قال يحيى بن سعيد (حدثنا أبو بردة) الصغير بريد (بن عبد الله بن أبي بردة بن أبي موسى) الأشعري الكوفي، روى عن جده أبي بردة في مواضع من الإيمان وغيره والحسن وعطاء، ويروي عنه (ع) ويحيى بن سعيد الأموي وأبو أسامة وأبو معاوية وعبد الله بن إدريس وابن المبارك وعلي بن مسهر والسفيانان، وثقه العجلي والنسائي وابن معين وابن عدي، وقال في التقريب: ثقة يخطئ قليلًا من السادسة، روى عنه المؤلف في الإيمان وغيره.
(عن) جده (أبي بردة) الكبير عامر بن أبي موسى الأشعري الفقيه الكوفي، وقيل:
عَنْ أَبِي مُوسَى قَال: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ؛ أَيُّ الإِسْلامِ أَفْضَلُ؟ قَال: "مَن سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ"
ــ
اسمه الحارث، وقيل: اسمه كنيته، روى عن أبيه وعليٍّ وعبد الله بن سلام وعائشة وغيرهم، ويروي عنه (ع) وأولاده سعيد وبلال وعبد الله ويوسف والشعبي وثابت وحُميد بن هلال وخلائق، وثقه ابن سعد وابن خراش، ثقة من الثالثة، مات سنة (104) أربع ومائة، وقيل غير ذلك، وقد جاوز الثمانين (عن) أبيه (أبي موسى) عبد الله بن قيس بن سُليم مصغرًا بن حضَّار بفتح الحاء المهملة وتشديد الضاد المعجمة بن حرب بن عامر بن عَنْز بن بكر بن عامر بن عدي بن وائل بن ناجية بن الجماهر الأشعر، الأشعري الكوفي حليف آل عتبة بن ربيعة بن عبد شمس بن عبد مناف، قدم مكة فأسلم وهاجر إلى أرض الحبشة، ثم قدم مع أهل السفينتين على رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد فتح خيبر بثلاث، فقسم لهم النبي صلى الله عليه وسلم ولم يقسم لأحد لم يشهد الفتح غيرهم، ولي البصرة لعمر بن الخطاب وعثمان بن عفان، وله بها فتوح، وولي الكوفة وله بها دار إلى جانب المسجد، وولد له، ومات بالكوفة، روى عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن عائشة في الوضوء، وعمار في الوضوء، وعمر في الجنائز والحج، ويروي عنه (ع) وابنه أبو بردة وامرأته وصفوان بن محرز وربعي بن حراش وأبو عبيدة بن عبد الله بن مسعود وأبو وائل وحِطان بن عبد الله وأنس بن مالك وخلائق، له ثلائمائة وستون حديثًا (360) اتفقا على خمسين وانفرد (خ) بأربعة و (م) بخمسة وعشرين، قال أبو نعيم: مات أبو موسى الأشعري في سنة (44) أربع وأربعين وهو ابن (66) ست وستين سنة وقيل ابن (63) ثلاث وستين، ويقال: إنه مات سنة (52) اثنتين وخمسين، وقيل سنة (50) خمسين، روى عنه المؤلف في كتاب الإيمان في موضعين وفي الوضوء في موضعين وفي الصلاة في موضعين والجنائز والزكاة والصوم والحج في موضعين وفي الاستئذان، فجملة الأبواب التي روى عنه المؤلف فيها ثمانية أبواب تقريبًا.
وهذا السند من خماسياته ورجاله كلهم كوفيون إلا سعيد بن يحيى فإنه بغدادي.
(قال) أبو موسى (قلت: يا رسول الله أي) آحاد أهل (الإسلام أفضل) على غيره، أي أعظم درجة عند الله تعالى، وأكثر أجرًا في الآخرة، وأمدح أخلاقًا في الدنيا (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم مجيبًا لأبي موسى رضي الله عنه أفضلهم (من سلم) ونجا (المسلمون) ومن أُلْحِقَ بهم (من) إذاية (لسانه و) ضرر (يده) وسائر جوارحه ظاهرًا
72 -
(00) وحَدَّثَنِيهِ إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعِيدٍ الْجَوْهَرِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، قَال: حَدَّثَنِي بُرَيدُ بْنُ
ــ
وباطنًا، مباشرة وتسببًا في حياتهم وبعد مماتهم، وغرضه بسوق هذا الحديث حديث أبي موسى الاستشهاد لحديث عبد الله بن عمرو وهذا الحديث شارك المؤلف في روايته البخاري في كتاب الإيمان، والترمذي في الزهد، والنسائي في الإيمان، ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي موسى الأشعري فقال:
72 -
متا (00)(وحدثنيه) أي وحدثني هذا الحديث المذكور يعني حديث أبي موسى الأشعري (إبراهيم بن سعيد الجوهري) الطبري أبو إسحاق البغدادي الحافظ صاحب المسند سكن عين رزبة مرابطًا روى عن أبي أسامة حماد بن أسامة وابن عيينة وعبد الوهاب الثقفي ووكيع وخلق ويروي عنه (م عم) وثقه النسائي والخطيب وابن صاعد وغيرهم، وله في مسلم حديث واحد وهو ما هنا، أو حديثان ثانيهما في الجهاد كلاهما عن أبي أسامة، وقال مسلم في دلائل النبوة: وممن روى ذلك عنه إبراهيم بن سعيد حدثنا أبو أسامة، فجملة الأبواب التي روى عنه مسلم فيها ثلاثة الإيمان والجهاد ودلائل النبوة، وقال في التقريب: ثقة حافظ تُكلم فيه بلا حجة من العاشرة، مات سنة (249) تسع وأربعين ومائتين، وقيل: بعد الخمسين.
قال إبراهيم (حدثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة الهاشمي مولاهم الحافظ الكوفي، مشهور بكنيته، يروي عنه (ع) وإبراهيم بن سعيد الجوهري وأبو كريب وابن أبي شيبة وعبد الله بن براد الأشعري وإسحاق الحنظلي وهارون بن عبد الله وخلق، وروى هو عن بريد بن عبد الله بن أبي بردة وهشام بن عروة والأعمش وإسماعيل بن أبي خالد والوليد بن كثير ومالك بن مغول ومسعر وزكرياء بن أبي زائدة وخلائق، وقال في التقريب: ثقة ثبت ربما دلس، وكان بآخره يُحدث عن كتب غيره، من كبار التاسعة، مات سنة (201) إحدى ومائتين، وهو ابن (80) ثمانين سنة.
روى عنه المؤلف في الإيمان في موضعين والوضوء والصلاة في ستة مواضع والجنائز والزكاة في أربعة مواضع والصوم في أربعة مواضع والأطعمة في موضعين والطب في موضعين والنكاح والحدود والضحايا والفتن والفضائل والقدر، فجملة الأبواب التي روى عنه المؤلف فيها سبعة عشر بابًا تقريبًا (قال) أبو أسامة (حدثني بريد بن
عَبْدِ اللهِ بِهَذَا الإِسْنَادِ، قَال سُئِلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: أَيُّ الْمُسْلِمِينَ أَفْضَلُ؟
…
، فَذَكَرَ مِثْلَهُ
ــ
عبد الله) بن أبي بردة، والجار والمجرور في قوله (بهذا الإسناد) متعلق بقوله حدثنا أبو أسامة، واسم الإشارة راجع إلى ما بعد شيخ المتابع، يعني عن أبي بُردة عن أبي موسى (قال) أبو موسى الأشعري (سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم أي) آحاد (المسلمين أفضل) أي أعظم وأرفع درجة عند الله تعالى، قوله (فذكر مثله) معطوف على قوله حدثنا أبو أسامة والضمير في مثله عائد إلى يحيى بن سعيد الأموي، لأنه المتابع كما هو القاعدة في اصطلاحات الإمام مسلم رحمه الله تعالى.
والمعنى حدثنا أبو أسامة بهذا الإسناد هذا الحديث الذي رواه أبو موسى فذكر أبو أسامة مثل حديث يحيى بن سعيد الأموي لفظًا ومعنى، إلا في قوله: أي المسلمين فإن يحيى قال فيه: أي الإسلام، وهذا السند أيضًا من خماسياته ورجاله كلهم كوفيون إلا إبراهيم بن سعيد فإنه بغدادي، وغرض المؤلف بسوق هذا السند بيان متابعة أبي أسامة ليحيى بن سعيد الأموي في رواية هذا الحديث عن بريد بن عبد الله، وفائدة هذه المتابعة بيان كثرة طرقه لأن المتابعين ثقتان مع بيان اختلافهما في لفظة أيُّ الإسلام وأي المسلمين والله أعلم.
وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب من الأحاديث أربعة، حديثان لعبد الله بن عمرو بن العاص ذكرهما استدلالًا بهما على جزأي الترجمة، والثالث حديث جابر بن عبد الله والرابع حديث أبي موسى الأشعري، وذكرهما استشهادًا بهما لحديثي عبد الله بن عمرو، وذكر في حديث أبي موسى المتابعة، والله سبحانه وتعالى أعلم.
***