الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
10 - بَابُ صِحَّةِ إيمَانِ مَنْ كَانَ آخِرُ كَلامِهِ مِنَ الْكُفَّارِ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَالنَّهْي عَنِ الاسْتِغْفَارِ لِلْمُشْرِكِينَ، وَكَوْنِ الْهِدَايَةِ بِيَدِ اللهِ تَعَالى لَا بِيَدِ أَحَدٍ مِنْ مَخْلُوقَاتِهِ وَلَو نَبِيًّا مُرْسَلًا أَوْ مَلَكًا مُقَرَّبًا
ــ
10 -
بَابُ صِحَّةِ إيمَانِ مَنْ كَانَ آخِرُ كَلامِهِ مِنَ الْكُفَّارِ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَالنَّهْي عَنِ الاسْتِغْفَارِ لِلْمُشْرِكِينَ، وَكَوْنِ الْهِدَايَةِ بِيَدِ اللهِ تَعَالى لَا بِيَدِ أَحَدٍ مِنْ مَخْلُوقَاتِهِ وَلَو نَبِيًّا مُرْسَلًا أَوْ مَلَكًا مُقَرَّبًا
أي بابٌ في الاستدلال على صحة إيمان من كان آخر كلامه قبل الغرغرة لا إله إلا الله من الكفار، وبابٌ في النهي عن استغفار المؤمنين للمشركين ولو كانوا آباءهم أو أقاربهم بعد موتهم على الشرك، وبابُ كون هداية المرء بمشيئة الله تعالى وإرادته لا بيد غيره فلا ينفعه غيره ولو كان قريبًا له أو صديقًا، فليست الهداية بأيدي المرسلين ولا بمشيئة المقربين.
وترجم النواوي لهذا الحديث بقوله: (بابُ الدليل على صحة إسلام من حضره الموت ما لم يشرع في النزع وهو الغرغرة ونسخ جواز الاستغفار للمشركين والدليل على أن من مات على الشرك فهو في أصحاب الجحيم ولا ينقذه من ذلك شيء من الوسائل).
أي باب ذكر الدليل على صحة إسلام وإيمان من حضره أمارات الموت ومقدماته ما لم يشرع في وقت النزع والقبض للروح وهو وقت الغرغرة، والغرغرة صوت ترديد النَفَسِ في الصدر، وصوت ترديد الماء في الحلق، يقال: غرغر المحتضر إذا جاد بنَفْسِهِ وباب الدليل على أن من مات على الشرك فهو في عداد أصحاب الجحيم والنار ولا ينقذه أي لا يخلصه من ذلك أي من دخول الجحيم وعذابها شيء من الوسائل والأسباب كاستغفار النبي والمؤمنين له والتصدق عنه في الدنيا وشفاعة الشافعين له في الآخرة.
وترجم له السنوسي بهذه الترجمة، وفي نسخ المتون هكذا، وترجم له الأبي بقوله:(باب وفاة أبي طالب) وترجم له القرطبي بقوله: (باب في قوله تعالى: {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ}) وقد تقدم لك أن سبب اختلاف تراجم صحيح مسلم عدم كونها من وضع المؤلف بل ترك مجالًا للناس في التراجم؛ فترجم كل من الشراح بما ظهر له من الحديث منطوقًا ومفهومًا والله أعلم.
40 -
(24) وَحَدَّثَنِي حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى التُّجِيبِيُّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ، قَال: أَخْبَرَنِي يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِيهِ قَال: لَمَّا حَضَرَتْ أَبَا طَالِبٍ الْوَفَاةُ
ــ
(40)
- س (24)(وحدثني حرملة بن يحيى) بن عبد الله بن حرملة بن عمران أبو حفص (التجيبي) المصري صاحب الشافعي وتلميذه، روى عن ابن وهب نحو مائة ألف حديث، ومؤمل بن إسماعيل، ويروي عنه (م س ق) وحفيده أحمد بن طاهر وابن قتيبة العسقلاني والحسن بن سفيان، وقال في التقريب: صدوق من الحادية عشرة، مات سنة (244) أربع وأربعين ومائتين، وروى عنه المؤلف في مواضع في كتاب الإيمان والصلاة والزكاة والحج وغيرها، قال حرملة (أخبرنا عبد الله بن وهب) بن مسلم القرشي مولاهم أبو محمد المصري الفقيه؛ أحد الأئمة ثقة حافظ عابد؛ من التاسعة، مات سنة (197) سبع وتسعين ومائة وله (72) اثنان وسبعون سنة، وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في ثلاثة عشر بابًا تقريبًا (قال) عبد الله بن وهب (أخبرني يونس) بن يزيد بن مشكان القرشي مولاهم أبو يزيد الأيلي ثقة من كبار السابعة، مات بمصر سنة (159) تسع وخمسين ومائة وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في ستة أبواب تقريبًا (عن) محمد بن مسلم (بن شهاب) الزهري أبي بكر المدني ثقة حافظ متقن من رؤوس الطبقة الرابعة، مات سنة (125) خمس وعشرين ومائة، وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في ثلاثة وعشرين بابًا تقريبًا، قال ابن شهاب (أخبرني سعيد بن المسيب) بن حَزْن بفتح المهملة وسكون الزاي القرشي المخزومي أبو محمد المدني، أحد الأثبات الثقات، من كبار الثانية، مات بعد التسعين (90) وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في سبعة عشر بابًا تقريبًا (عن أبيه) مسيب بن حزن بن أبي وهب المخزومي أبي سعيد المدني له ولأبيه صحبة، له سبعة أحاديث اتفقا على حديثين وانفرد (ح) بآخر، روى عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن أُبى وأبي سفيان بن حرب، ويروي عنه (خ م د س) وابنه سعيد، وعده الأزدي وغيره فيمن لم يرو عنه إلا واحد، روى عنه المؤلف في كتاب الإيمان والجهاد وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون واثنان مصريان وواحد أيلي (قال) مسيب بن حزن (لما حضرت) وحلت ونزلت (أبا طالب) عم رسول الله صلى الله عليه وسلم (الوفاة) أي أمارات الموت ومقدماته ودلائله
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وذلك قبل معاينة المَلَك وبداية النزاع والقبض؛ ولو كان في حال المعاينة والنزع لما نفعه الإيمان لقوله تعالى: {وَلَيسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَال إِنِّي تُبْتُ الْآنَ} ويدل على أنه قبل المعاينة محاورته للنبي صلى الله عليه وسلم ومع كفار قريش، كذا في النواوي، وأبو طالب هذا هو ابن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي وهو عم النبي صلى الله عليه وسلم ووالد علي بن أبي طالب، واسمه عبد مناف، وقيل: اسمه كنيته والأول أصح، واسم عبد المطلب شيبة وكان يقال له: شيبة الحمد واسم هاشم: عمرو؛ وهاشم لقب له لأنه أول من هشم الثريد لقومه، واسم عبد مناف: المغيرة، واسم قصي: زيد، وقيل له مُجمِّعٌ لأنه جمع إليه قومه، وكان والد النبي صلى الله عليه وسلم وهو عبد الله قد توفي ورسول الله صلى الله عليه وسلم حملٌ في بطن أمه على الأصح فوُلد رسول الله صلى الله عليه وسلم ونشأ في كفالة جده عبد المطلب إلى أن توفي، فكفله عمه أبو طالب؛ ولم يزل يُحبه حُبًّا شديدًا ويحوطه ويحفظه إلى أن بعث الله سبحانه محمدًا صلى الله عليه وسلم بالنبوة فنصره أبو طالب وأعانه وأجاره ممن يريد به سوءًا، وقام دونه وعادى في حقه قريشًا وجميع العرب إلى أن ناصبوه القتال، وجاهروا بالعداوة والأذى؟ وطلبوا أن يسلمه لهم فلم يفعل؛ ثم إن قريشًا وجميع أهل مكة تعاقدوا فيما بينهم وتحالفوا على هجره وجميع بني هاشم ومقاطعتهم وعلى أن لا يقاربوهم ولا يناكحوهم ولا يبايعوهم ولا يصلوهم بشيء من وجوه الرفق كلها حتى يُسلموا إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ وكتبوا بذلك صحيفة وعلقوها في الكعبة؛ فانحاز أبو طالب وبنو هاشم في شعبهم وأقاموا على ذلك نحو ثلاث سنين في جهد جهيد وحال شديد؛ إلى أن نقض الله سبحانه أمر الصحيفة وأظهر أمر نبيه صلى الله عليه وسلم على ما هو مذكور في كتب السيرة.
وكان أبو طالب يَعرفُ صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم في كل ما يقوله ويقول لقريش تعلمون والله أن محمدًا لم يكذب قط، ويقول لابنه علي اتبعه فإنه على الحق؛ غير أنه لم يدخل في الإسلام ولم يتلفظ به، ولم يزل على ذلك إلى أن حضرته الوفاة؛ فدخل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم طامعًا في إسلامه وحريصًا عليه باذلًا في ذلك جهده؛ مستفرغًا ما عنده؛ لكن عاقت دون ذلك عوائق الأقدار التي لا ينفع معها حرص ولا اقتدار.
جَاءَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَوَجَدَ عِنْدَهُ أَبَا جَهْلٍ وَعَبْدَ اللهِ بْنَ أَبِي أُمَيَّةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ، فَقَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:"يَا عَمِّ؛ قُلْ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، كَلِمَةً .. أَشْهَدُ لَكَ بِهَا عِنْدَ اللهِ"،
ــ
أي لما حضرت وحلت أبا طالب أسبابُ الموت من المرض المُخَرِّف وما يتبعه (جاءه) وحضره (رسول الله صلى الله عليه وسلم في منزله وبيته (فوجد) رسول الله صلى الله عليه وسلم (عنده) أي عند أبي طالب (أبا جهل) عمرو بن هشام فرعون هذه الأمة (وعبد الله بن أبي أمية بن المغيرة) من صناديد قريش (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمه أبي طالب (يا عم) منادى مضاف حذفت منه ياء الإضافة اجتزاءً عنها بالكسرة، لأنه كان شقيق والده عبد الله بن عبد المطلب (قل لا إله إلا الله كلمة أشهد لك بها) يوم القيامة (عند الله) تعالى بالإيمان، وقوله (لا إله إلا الله) مقول محكي لقل، وقوله (كلمةً) أحسن إعراب فيها النصب على أنها بدل من لا إله إلا الله، ويجوز رفعها على إضمار المبتدأ أي هي كلمة، والجملة بدل من لا إله إلا الله أيضًا و (أشهد) بالرفع في محل النصب أو الرفع صفة لكلمة، ويجوز الجزم فيه على أنه جواب الأمر أي إن تقل أشهد لك، وكل ذلك ترغيب وتذكير لأبي طالب وحرص على نجاته، ويأبى الله إلا ما يريد.
قال الأبي: قوله (قل لا إله إلا الله كلمة أشهد لك بها عند الله تعالى) الأظهر أنها كناية عن الشهادتين، لأنه لا يثبت حكم الإسلام عندنا إلا بهما وتقدم ما للشافعية في ذلك، ويحتمل أنه لم يسأله إلا كلمة التوحيد لأنه كان يعلم صحة رسالته؛ حسبما دلت عليه السير والتعبير بلفظ أشهد، وفي الآخر بأحاجج بعثٌ لأبي طالب على أن يقول الكلمة المشرفة، وقال القاضي عياض: وشهادة رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك من قوله تعالى: {إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا} الآية، ولو وقعت شهادة أبي طالب لكان فيها تطييب لقلبه صلى الله عليه وسلم لعلمه بموته على الإسلام كقوله في قتلى أحد:"أنا شهيد على هؤلاء" ولقلْبِ عمِّه لما يرجو له من جزيل الثواب بشهادته له مع ما تقدم له من نُصرته والذب عنه، وإن كانت في الكفر غير نافعة لكن يرجى له نفعها لموته على الإسلام لمكانة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد نالته بركته مع كفره وموته عليه فكيف بموته على الإسلام وسيأتي استيفاء الكلام على هذا الفصل إن شاء الله تعالى.
فَقَال أَبُو جَهْلٍ وَعَبْدُ اللهِ بْنُ أبِي أُمَيَّةَ: يَا أَبَا طَالِبٍ؛ أَتَرْغَبُ عَن مِلَّةِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، فَلَمْ يَزَلْ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَعْرِضُهَا عَلَيهِ، ويعِيدُ لَهُ تِلْكَ المَقَالةَ .. حَتى قَال أَبُو طَالِبٍ -آخِرَ مَا كَلَّمَهُمْ-: هُوَ عَلَى مِلَّةِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَأَبَى أَنْ يَقُولَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ،
ــ
وشهادته صلى الله عليه وسلم فضيلة لمن رزقها كما قال في الصابر على شدة المدينة "كنت له شهيدًا أو شفيعًا"(فقال أبو جهل وعبد الله بن أبي أمية) لأبي طالب (أترغب) وتعرض (عن ملة) أبيك (عبد المطلب) وعن دينه دين الإشراك إلى دين هذا الصابئ الذي هو التوحيد الذي يدعوك إليه وتريد الموت عليه وهذا لا ينبغي، ولم يقولا له لا تفعل وعدلا إلى هذا اللفظ لأنه أبعث لأبي طالب على الإباية (فلم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم أي لم يبرح (يعرضها) أي يعرض كلمة التوحيد (عليه) أي على أبي طالب ويلقنها له ليقولها (ويعيد) رسول الله صلى الله عليه وسلم (له) أي لأبي طالب (تلك المقالة) أي قوله يا عم قل لا إله إلا الله كلمة أشهد لك بها عند الله تعالى ويكررها له ليقولها، وجملة يعيد معطوفة على جملة يعرضها والمعنى أن النبي صلى الله عليه وسلم أقبل على أبي طالب يعرض عليه الشهادة ويكررها عليه، قال القاضي عياض: وفي بعض النسخ (ويعيدان له) بضمير التثنية العائد على أبي جهل وابن أبي أمية أي يعيدان له مقالتهما له أترغب عن ملة عبد المطلب وهذا أشبه من ويعيد، والمعنى أنهما أعادا على أبي طالب قولهما له أترغب عن ملة عبد المطلب حتى أجابهما إلى ذلك.
وقوله (حتى قال أبو طالب) غاية لقوله فلم يزل أي فلم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم ملقنًا له ومكررًا عليه تلك المقالة حتى قال أبو طالب (آخر ما كلمهم) أي كلم الحاضرين عنده من النبي صلى الله عليه وسلم والرجلين وغيرهم وآخر منصوب بنزع الخافض أي إلى أن قال أبو طالب في آخر كلامه إياهم (هو) مستمر (على ملة عبد المطلب) ودينه دين الشرك لم يقل أنا على الحكاية لحسن الأدب وهذا الشأن في نقل كل قبيح، وعبارة النواوي هنا فهذا من أحسن الآداب والتصرفات وهو أن من حكى قول غيره القبيح أتى به بضمير الغيبة لقبح صورة لفظه الواقع (وأبى) أي امتنع (أن يقول لا إله إلا الله) أي من قولها وإقرارها، قال الأبي: والحديث نص في أنه مات مشركًا وهو مفهوم قوله تعالى {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ} وحديث وجدته في غمرات من نار
فَقَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "أَمَا وَاللهِ؛ لأسْتَغْفِرَنَّ لَكَ مَا لَم أُنْهَ
ــ
فأخرجته إلى ضحضاح، قال السهيلي: ورأيت في بعض كتب المسعودي وقيل: إنه مات مؤمنًا ولا يصح لما تقدم من الآي والأحاديث ولا يحتج لذلك بما في السير من قول العباس: والله لقد قال أخي الكلمة التي أمرته بها يا رسول الله، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لم أسمعها، ولو أن العباس شهد بذلك بعد إسلامه قُبِلَتْ شهادته لأن العدل إذا قال سمعت وقال الأعدل لم أسمع أخذ بقول من أثبت لأن عدم السماع قد يكون لسبب (فإن قُلت) قد ذكرت أن السير تدل على أنه كان مصدقًا بقلبه، وقدمت الخلاف في صحة إيمان من صدق بقلبه ولم ينطق بلسانه فهل يدخل في إيمانه ذلك الخلاف.
(قلت) لا يدخل لأنه صرح بالنقيض في قوله: (وهو على ملة عبد المطلب) اهـ.
(فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي طالب (أما) أي انتبه واستمع ما أقول لك وقولي هذا (والله) أي أقسمت لك بالله الذي لا إله غيره (لأستغفرن لك) أي لأطلبنَّ لك من الله سبحانه غفران شركك وذنوبك (ما لم أُنْهَ) أي ما لم أُمنع (عنك) أي عن الاستغفار لك، أي ما لم يمنعني ربي من الاستغفار لك، أي مدة عدم منع ربي ونهيه عن الاستغفار لك، فما مصدرية ظرفية وأنه فعل مضارع مبني للمجهول مجزوم بحذف الألف، وقال النواوي (أَمَ والله) هكذا رويناه بإسقاط الألف وهي في كثير من الأصول بالألف، قال ابن الشجري: هي ما المزيدة للتوكيد رُكبت مع همزة الاستفهام ولها معنيان: أحدهما بمعنى حقًّا نحو أما والله، وثانيهما بمعنى الاستفتاح نحو أما إن زيدًا منطلق أي ألا، وأكثر ما يحذف معها الألف في القسم ليدلوا على شدة اتصال الحرف الثاني بالأول لأن الكلمة إذا بقيت على حرف واحد لم تقم بنفسها فعُلم بحذف ألف ما افتقارها إلى الاتصال بالهمزة والله سبحانه وتعالى أعلم. وفيه جواز الحلف من غير استحلاف، وكان الحلف هنا لتوكيد العزم على الاستغفار وتطييبًا لنفس أبي طالب، وكانت وفاة أبي طالب بمكة قبل الهجرة بقليل، قال ابن فارس؛ مات أبو طالب ولرسول الله صلى الله عليه وسلم تسع وأربعون سنة وثمانية أشهر وأحد عشر يومًا، وتوفيت خديجة أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها بعد موت أبي طالب بثلاثة أيام.
قال الأبي: الأظهر أن استغفاره عن اجتهاد لأن ابن العربي ذكر عن عمرو بن دينار أنه صلى الله عليه وسلم قال استغفر إبراهيم عليه السلام لأبيه وهو مشرك لأستغفرن له
عَنْكَ"، فَأَنْزَلَ اللهُ عز وجل:{مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ (113)} [التوبة: 113]، وَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالى فِي أَبِي طَالِبٍ، فَقَال لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم:{إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (56)} [القصص: 56]
ــ
ما لم أُنه (فأنزل الله عز) أي اتصف بالعزة وجميع الكمالات (وجل) أي تنزه عن جميع النقائص ({مَا كَانَ}) ينبغي ({لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ}) قال المفسرون: وهو خبر بمعنى النهي، ولو في قوله ({وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى}) أي أصحاب قرابة لهم غائية لا جواب لها ({مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ}) وظهر ({لَهُمْ}) أي للنبي والمؤمنين ({أَنَّهُمْ}) أي أن المشركين ({أَصْحَابُ الْجَحِيمِ}) أي النار بموتهم على الشرك.
قال الأبي: (فإن قلت) لو كان استغفار النبي صلى الله عليه وسلم عن اجتهاد لم تجئ الآية بخلافه لأنه صلى الله عليه وسلم معصوم في اجتهاده (قلت) جاءت الآية على سبيل النسخ لا لتبيين ضد الخطإ (وأنزل الله) سبحانه و (تعالى) أيضًا النهي الضمني (في) خُصوص (أبي طالب فقال لرسول الله صلى الله عليه وسلم ({إِنَّكَ}) يا محمد ({لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ}) هدايته ({وَلَكِنَّ اللَّهَ}) سبحانه وتعالى ({يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ}) ويريد هدايته ({وَهُوَ}) سبحانه وتعالى ({أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ}) أي عالم بمن سبقت لهم الهداية وقُدرت لهم أزلًا، قال النواوي فقد أجمع المفسرون على أنها نزلت في أبي طالب ولكنها عامة، فإنه لا يهدي ولا يضل إلا الله تعالى، قال الفراء وغيره معنى قوله تعالى:{مَنْ أَحْبَبْتَ} يكون على وجهين أحدهما من أحببته لقرابته، والثاني من أحببت أن يهتدي، قال ابن عباس ومجاهد ومقاتل وغيرهم معنى قوله {وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} أي بمن قدر له الهدى والله أعلم. اهـ
ويستفاد من الحديث أنه لا يجوز الاستغفار للمشركين ولو أقرب قريب، وأن الهداية بيد الله تعالى لا بيد أحد؛ ولو نبيًّا مرسلًا وملكًا مقربًا، ويجوز الاستغفار للمؤمنين والمسلمين الأحياء والأموات سواء كانوا أقرباء أو بعداء.
وشارك المؤلف رحمه الله تعالى في رواية هذا الحديث البخاري (4675) والنسائي (4، / 90 - 91) وأورده استدلالًا به على الترجمة دون حديث أبي هريرة الآتي لكونه أصح منه لأنه من المتفق عليه بين الشيخين.
41 -
(00) وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبراهِيمَ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ، قَالا: أَخبَرَنَا عَبْدُ الرَّزاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، ح وَحَدَّثَنَا حَسَنْ الْحُلْوَانِيُّ
ــ
ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث مسيب بن حزن فقال:
(41)
- متا (00)(وحدثنا إسحاق بن إبراهيم) بن مخلد بن إبراهيم الحنظلي المعروف بابن راهويه أبو يعقوب المروزي سكن نيسابور، ثقة حافظ مجتهد قرين أحمد بن حنبل، من العاشرة، مات ليلة السبت لأربع عشرة ليلة خلت من شعبان سنة (238) ثمان وثلاثين ومائتين، وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في أحد وثلاثين بابًا تقريبًا (و) حدثنا أيضًا (عبد بن حميد) الكشي بالسين المهملة أو الشين المعجمة أبو محمد ثقة ثبت من الحادية عشرة، مات سنة (249) تسع وأربعين ومائتين، وليس من اسمه عبد في مسلم إلا هذا الثقة، وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في اثني عشر بابًا تقريبًا، وفائدة هذه المقارنة بيان كثرة طرقه (قالا) أي قال إسحاق وعبد (أخبرنا عبد الرزاق) بن همام بن نافع الحميري مولاهم أبو بكر الصنعاني، ثقة حافظ من التاسعة، مات سنة (211) إحدى عشرة ومائتين، وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في سبعة أبواب تقريبًا، قال عبد الرزاق (أخبرنا معمر) بن راشد الأزدي الحداني مولاهم أبو عروة البصري نزيل اليمن شهد جنازة الحسن البصري، روى عن ثابت البناني والزهري وهمام بن منبه في مواضع وعاصم الأحول وقتادة وعبيد الله بن عمر وأيوب وهشام بن عروة وخلق، ويروي عنه (ع) وعبد الرزاق وسفيان بن عيينة وابن المبارك وعيسى بن يونس وإسماعيل بن علية ويزيد بن زريع وخلائق، قال العجلي: ثقة صالح، وقال النسائي: ثقة مأمون وضعفه ابن معين في ثابت، وقال في التقريب: ثقة ثبت فاضل؛ من كبار السابعة، مات سنة (154) أربع وخمسين ومائة وله ثمان وخمسون سنة (58)، روى عنه المؤلف في الإيمان في مواضع وفي الصلاة وفي الجنائز وفي الزكاة في ثلاثة مواضع وفي الحج والنكاح والفضائل في موضعين وفي الرفق وفي اللعان، فجملة الأبواب التي روى المؤلف عنه فيها تسعة أبواب.
(ح وحدثنا حسن) أي حول المؤلف السند وقال: حدثنا حسن بن علي بن محمد بن علي الهذلي أبو علي (الحلواني) الريحاني الحافظ المكي روى عن يعقوب بن إبراهيم بن سعد وأبي عاصم وعبد الصمد بن عبد الوارث وعبد الرزاق ورَوح بن عُبادة وجماعة ويروي عنه (خ م د ت ق) ومحمد بن إسحاق السراج، وقال في التقريب: ثقة حافظ له
وَعَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ، قَالا: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ -وَهُوَ ابْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدِ- قَال: حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ صَالِحٍ،
ــ
تصانيف، من الحادية عشرة، مات بمكة في ذي الحجة سنة (242) اثنتين وأربعين ومائتين.
روى عنه المؤلف في الإيمان في مواضع وفي الوضوء وفي الصلاة في ثلاثة مواضع وفي الحج في موضعين وفي الجهاد والأطعمة وفي ذكر الحوض وفي الفضائل في أربعة مواضع، فجملة الأبواب التي روى المؤلف عنه فيها ثمانية أبواب (و) حدثنا (عبد بن حميد) أيضًا (قالا) أي قال حسن الحلواني وعبد بن حميد (حدثنا يعقوب) بن إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف القرشي الزهري أبو يوسف المدني نزيل بغداد، روى عن أبيه وعبد العزيز بن عبد المطلب وشعبة وابن أخي الزهري والليث وغيرهم، ويروي عنه (ع) والحسن الحلواني وعبد بن حميد وعمرو الناقد وأبو بكر بن النضر وزهير بن حرب ومحمد بن حاتم بن ميمون وحجاج بن الشاعر وغيرهم، وقال في التقريب: ثقة فاضل من صغار التاسعة مات سنة (208) ثمان ومائتين وأتى المؤلف رحمه الله تعالى بقوله (وهو ابن إبراهيم بن سعد) إشارة إلى أن هذه النسبة لم يسمعها من شيخيه بل زادها من عنذ نفسه إيضاحًا للراوي كما مرت نظائره مرارًا (قال) يعقوب (حدثني أبي) إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف الزهري أبو إسحاق المدني نزيل بغداد وقاضيها؛ وأحد الأئمة الأعلام روى عن صالح بن كيسان والزهري وابن إسحاق، ويروي عنه (ع) وابنه يعقوب وعبد الصمد بن عبد الوارث ويزيد بن هارون ويحيى بن يحيى وأحمد بن حنبل وغيرهم، وثقه أحمد ويحيى بن معين وأبو حاتم والعجلي؛ وكان من كبار العلماء، وقال في التقريب: ثقة حجة من الثامنة، مات سنة (183) ثلاث وثمانين ومائة، روى عنه المؤلف في الإيمان في موضعين والوضوء والصلاة في أربعة مواضع والصوم والأحكام والأطعمة وذكر الحوض والفضائل وصفة الجنة والفتن والبر والصلة والنكاح وفي فضائل الصحابة، فجملة الأبواب التي روى المؤلف عنه فيها أربعة عشر بابًا تقريبًا، وفائدة هذا التحويل بيان اختلاف صيغ مشايخه لأنه في السند الأول قال: قالا أخبرنا عبد الرزاق، وفي السند الثاني قال: قالا حدثنا يعقوب، وفي السند الأول قال عبد الرزاق: أخبرنا معمر، وفي السند الثاني قال يعقوب: حدثني أبي عن صالح، مع بيان كثرة طرقه (عن صالح) بن كيسان الغفاري
كِلاهُمَا عَنِ الزُّهْرِيِّ بِهَذَا الإِسْنَادِ مِثْلَهُ، غَيرَ أَن حَدِيثَ صَالِحٍ انتَهَى عِنْدَ قَوْلِهِ: فَأنْزَلَ اللهُ عز وجل فِيهِ، وَلَمْ يَذْكُرِ الآيَتَينِ، وَقَال فِي حَدِيثِهِ:(وَيَعُودَانِ فِي تِلْكَ الْمَقَالةِ)، وَفِي حَدِيثِ مَعْمَرٍ مَكَانَ هَذِهِ الْكَلِمَةِ:(فَلَمْ يَزَالا بِهِ)
ــ
مولاهم أبي محمد أو أبي الحارث المدني روى عن الزهري والحارث بن فضيل والأعرج وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة وعروة بن الزبير، ويروي عنه (ع) وإبراهيم بن سعد ومالك وابن جريج وابن عيينة ومعمر وخلق؛ مؤدب ولد عمر بن عبد العزيز تابعي رأى عبد الله بن عمر، وقال في التقريب: ثقة ثبت فقيه؛ من الرابعة مات بعد الأربعين ومائة (140).
روى عنه المؤلف في الإيمان والصلاة والزكاة في موضعين والحج في أربعة مواضع وفي الفضائل فجملة الأبواب التي روى المؤلف عنه فيها خمسة أبواب تقريبًا (كلاهما) أي كل من معمر بن راشد وصالح بن كيسان رويا (عن) محمد بن مسلم (الزهري) المدني والإشارة في قوله (بهذا الإسناد) راجعة إلى ما بعد شيخ المتابع بصيغة اسم المفعول والمتابَعُ يونس بن يزيد المذكور في السند الأول وشيخه ابن شهاب وما بعده هو سعيد التابعي ومسيب الصحابي والمعنى كلاهما رويا عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب عن أبيه (مثله) أي مثل ما روى يونس عن ابن شهاب فالضمير في مثله يرجع إلى يونس، وغرضه بسوق هذين السندين بيان متابعة معمر وصالح ليونس بن يزيد في رواية هذا الحديث عن ابن شهاب متابعة تامة، وقوله: مثله عبارة عن الحديث اللاحق الموافق للسابق في جميع لفظه ومعناه إلا فيما استثناه بنحو غير أنه قال كذا وكذا، واستثنى هنا بقوله (غير أن حديث صالح) بن كيسان (انتهى) وتمَّ (عند قوله) أي عند قول الراوي الذي هو مسيب بن حزن (فأنزل الله عز وجل فيه) أي في أبي طالب القرآن (ولم يذكر) صالح (الآيتين) (وقال) صالح (في حديثه) أي في روايته (ويعودان) أي يعود أبو جهل وعبد الله بن أبي أمية (في) قول (تلك المقالة) التي قالا أولًا وهي قولهما لأبي طالب: أترغب عن ملة عبد المطلب (وفي حديث معمر) بن راشد أي في روايته لهذا الحديث (مكان هذه الكلمة) أي بدل قوله: ويعودان في تلك الكلمة، وقوله (وفي حديث معمر) خبر مقدم لقوله (فلم يزالا به) وهو مبتدأ مؤخر محكي، أي فلم يبرح أبو جهل وعبد الله بن أبي أمية ملتبسين بأبي طالب يمنعانه عن قول: لا إله إلا الله حتى كان آخر ما كلمهم هو على ملة عبد المطلب، وهذان السندان من سداسياته: فالأول
42 -
(25) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبَّادٍ وَأبْنُ أبِي عُمَرَ، قَالا: حَدَّثَنَا مَرْوَانُ عَنْ يزِيدَ -
ــ
منهما رجاله فيهم مروزي ثم صنعاني ثم بصري وثلاثة مدنيون، والثاني رجاله خمسة منهم مدنيون وواحد مكي، وفيه رواية تابعي عن تابعي وولد عن والد.
ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث مسيب بن حزن بحديث أبي هريرة رضي الله عنهم فقال:
(42)
- ش (25)(حدثنا محمد بن عباد) بن الزبرقان أبو عبد الله المكي سكن بغداد روى عن مروان بن معاوية وسفيان بن عيينة وحاتم بن إسماعيل وأنس بن عياض والدراوردي وغيرهم، ويروي عنه (خ م ت س ق) وأحمد بن سعيد الدارمي وسليمان بن توبة وأحمد بن علي المروزي وآخرون، وقال في التقريب: صدوق يهم؛ من العاشرة مات ببغداد في آخر ذي الحجة سنة (234) أربع وثلاثين ومائتين، روى عنه المؤلف في كتاب الإيمان وفي الصلاة في موضعين وفي البيوع في موضعين وفي الأشربة (و) حدثنا أيضًا محمد بن يحيى (بن أبي عمر) العدني سكن مكة أبو عبد الله المكي، روى عن مروان بن معاوية وبشر بن السري وعبد العزيز الدراوردي وغيرهم، ويروي عنه (م ت س ق) وهلال بن العلاء وابنه عبد الله بن محمد بن أبي عمر وغيرهم، وقال في التقريب: صدوق، قال أبو حاتم كانت به غفلة، من العاشرة مات في آخر ذي الحجة بعد الموسم سنة (243) ثلاث وأربعين ومائتين، وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في أحد عشر بابًا تقريبًا، وفائدة هذه المقارنة تقوية السند لأن الراويين صدوقان كلاهما (قالا حدثنا مروان) بن معاوية بن الحارث بن أسماء بن خارجة بن عيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر الفزاري أبو عبد الله الكوفي نزيل مكة؛ مات قبل التروية بيوم فجأة سنة (193) ثلاث وتسعين ومائة، وقال في التقريب: ثقة حافظ وكان يدلس أسماء الشيوخ؛ من الثامنة، وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في ثلاثة عشر بابًا تقريبًا.
(عن يزيد) بن كيسان اليشكري الأسلمي أبي إسماعيل أو أبي مُنين بنونين مصغرًا الكوفي، روى عن أبي حازم سلمان الأشجعي ومعبد أبي الأزهر، ويروي عنه (م عم) وخلف بن خليفة ومروان بن معاوية ويحيى بن سعيد القطان وسفيان بن عيينة وعبد الواحد بن زياد وغيرهم، وثقه ابن معين والنسائي، وقال في التقريب: صدوق يخطئ من السادسة، ولم أرَ من أرخ وفاته، روى عنه المؤلف في كتاب الإيمان
وَهُوَ ابْنُ كَيْسَانَ- عَنْ أبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لِعَمِّهِ عِنْدَ الْمَوْتِ: "قُلْ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ .. أَشْهَدُ لَكَ بِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ"، فَأَبَى، فَأنْزَلَ اللهُ {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ} [القصص: 56]
ــ
والصلاة واللباس والأطعمة والنكاح والفضائل، فجملة الأبواب التي روى عنه المؤلف فيها ستة أبواب تقريبًا.
وأتى بقوله (وهو ابن كيسان) إشارة إلى أن هذه النسبة لم يسمعها من شيخه بل زادها من عند نفسه إيضاحًا للراوي وتورعًا من الكذب على شيخه (عن أبي حازم) سلمان الأشجعي مولى عزة الكوفي جالس أبا هريرة خمس سنين، روى عنه وعن الحسن والحسين وابن عمر، ويروي عنه (ع) ويزيد بن كيسان والأعمش وفضيل بن غزوان وأبو مالك الأشجعي وغيرهم، وثقه أحمد وابن معين، وقال في التقريب: ثقة من الثالثة؛ مات على رأس المائة، روى عنه المؤلف في الإيمان والوضوء والصلاة والزكاة والحج وغيرها، فجملة الأبواب التي روى عنه المؤلف فيها خمسة تقريبًا (عن أبي هريرة) عبد الرحمن بن صخر الدوسي المدني الصحابي الجليل المكثر رضي الله تعالى عنه، وهذا السند من خماسياته ثلاثة من رجاله كوفيون وواحد مكي وآخر مدني.
(قال) أبو هريرة (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمه) أبي طالب (عند) نزول أمارات (الموت) به (قل) يا عمِّ (لا إله إلا الله) كلمة (أشهد لك بها) على الإيمان (يوم القيامة) يوم العرض على الله سبحانه وتعالى للمحاسبة والمناقشة على الأعمال يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم من الشرك (فأبى) وامتنع عمه أن يقولها خوفًا أن تعيره قريش على ذلك فتأسف النبي صلى الله عليه وسلم على عدم إيمانه؛ حين مات على الشرك؛ لما كان يحوطه وينصره في حياته (فأنزل الله) سبحانه وتعالى عتابًا لنبيه على ذلك التأسف ({إِنَّكَ}) يا محمد ({لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ}) وتمنيت هدايته لقرابته مثلًا؛ فإن الهداية بيدي أهدي من أشاء وأضل من أشاء لحكمة في ذلك وإنما عليك البلاغ أتم (الآية) من سورة القصص رقم (56).
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه فقال:
43 -
(00) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بن حَاتِمِ بْنِ مَيمُونٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ كَيسَانَ عَنْ أَبِي حَازِمٍ الأَشْجَعِيِّ، عَن أَبِي هُرَيرَةَ قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لِعَمِّهِ: "قُلْ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ .. أَشهَدُ لَكَ بِهَا يَومَ الْقِيَامَةِ"، قَال: لَولا أَنْ تُعَيِّرَنِي قُرَيشٌ -يَقُولُونَ: إِنَّمَا حَمَلَهُ عَلَى ذَلِكَ الجَزَعُ- لأَقرَرْتُ بِهَا عَينَكَ، فَأنْزَلَ اللهُ {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} [القصص: 56]
ــ
(43)
- متا (00)(حدثنا محمد بن حاتم بن ميمون) أبو عبد الله البغدادي المؤدب، قال ابن عدي والدارقطني ثقة وذكره ابن حبان في الثقات، وقال في التقريب: صدوق ربما وهم؛ وكان فاضلًا؛ من العاشرة، مات سنة (235) خمس وثلاثين ومائتين، وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في أحد عشر بابًا تقريبًا، قال محمد بن حاتم (حدثنا يحيى بن سعيد) القطان التميمي مولاهم أبو سعيد البصري الأحول الحافظ الحجة، وقال في التقريب: ثقة متقن حافظ إمام قدوة؛ من كبار التاسعة، مات سنة (198) ثمان وتسعين ومائة. وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في ثلاثة عشر بابًا تقريبًا، وغرض المؤلف بسوق هذا السند بيان متابعة يحيى بن سعيد لمروان بن معاوية في رواية هذا الحديث عن يزيد بن كيسان، وفائدة هذه المتابعة تقوية السند الأول لأن يحيى بن سعيد أوثق من مروان بن معاوية، لأن مروان بن معاوية مدلس؛ وإن كان ثقة، وروى أيضًا عن يزيد بن كيسان بالعنعنة ويحيى بصيغة الاتصال.
قال يحيى (حدثنا يزيد بن كيسان عن أبي حازم الأشجعي عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمه) أبي طالب عند موته (قل) يا عمِّ (لا إله إلا الله أشهد لك بها) الإيمان (يوم القيامة قال) أبو طالب (لولا) مخافة (أن ثعيرني) وتعيبني (قريش) حين قلتها حالة كونهم (يقولون) في تعييري (إنما حمله) أي إنما حمل أبا طالب وحثه (على) قول (ذلك) المذكور من كلمة لا إله إلا الله (الجزع) وفقد الصبر على سكرات الموت (لأقررت) وأبردت (بها) أي بكلمة لا إله إلا الله (عينك) وفرحتك بها، وإقرار العين وإبرادها كناية عن السرور، فتأسف النبي صلى الله عليه وسلم لإبائه من الإيمان (فأنزل الله) سبحانه وتعالى في ذلك قوله {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} الآية، وكرر متن الحديث لما في هذه الرواية من الزيادة على الرواية الأولى.
ومعنى قوله (لولا أن تعيرني قريش) أي لولا مخافة أن تسبني قريش وتقبح عليَّ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
تلك الكلمة ولولا حرف امتناع لوجود، والمبتدأ مقدر بعدها والخبر محذوف وجوبًا لقيام جوابها مقامه لأنه من المواضع التي يجب حذف الخبر فيها كما بيناها في الفتوحات القيومية على متن الآجرومية والتقدير لولا مخافة تعيير قريش بها عليَّ موجودة لأقررت بها عينك وعَيَّر يتعدى بنفسه ومنه قول النابغة:
وعيرتني بنو ذبيان خشيته
…
وما عليَّ بأن أخشاك من عارِ
ويقال عيرته بكذا تعييرًا والعامة تقول بالباء، والأول كلام العرب، وجملة قوله (يقولون) حال من قريش (إنما حمله) وبعثه وحثه (على ذلك) أي على النطق بالشهادتين (الجزع) بالجيم والزاي على الرواية الصحيحة لا يعرف غيرها في صحيح مسلم وهو بمعنى الخوف من الموت، وفي كتاب أبي عبيد (الخرع) بالخاء المعجمة والراء المهملة، وقال: يعني الضعف والخور وكذلك قال ثعلب وفسره به، قال شمر بن حمدويه الهروي يقال: خرع الرجل إذا ضعف وكل رخوٍ ضعيف خريع وخرع والخرع الفصيل الضعيف، قال: والخَرَعُ الدهش ومنه قول أبي طالب، وفي الصحاح: الخَرَعُ بالتحريك الرخاوة في الشيء وقد خَرعَ الرجل بالكسر أي ضعف فهو خرع ويقال لمشفر البعير إذا تدلى خريع، ومعنى (لأقررت بها عينك) أي سررتك بها وفرحتك بقولها وأبلغتك أمنيتك، قال ثعلب: أقر الله عينك أي بلغه أمنيته حتى ترضى نفسه وتقر عيناه، ومنه قولهم فيمن أدرك ثاره: وقعت بقُرِّك أي أدرك قلبك ما كان يتمنى، وقال الأصمعي معناه برَّد الله دمعته؛ لأن دمعة الفرح باردة، قال غيره: ودمعة الحُزن حارة؛ ولذلك يقال: أسخن الله عينه، أي أراه ما يسوءه فيبكي فتسخن عينه، وقال ابن الأخضر: وما هنا منه؛ لأن المعنى أبرد الله عينه لأن الحزين يبكي فتسخن عينه، وغيره لا يبكي فتبقى عينه باردة، قال الأبي: فالمعنى على الأول: أراك الله ما يسرك وعلى الثاني لا أحزنك الله، ومعنى {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ} الآية أي لا تقدر على توفيق من أراد الله خذلانه. وكَشْفُ ذلك بأن الهداية الحقيقية هي خلق القدرة على الطاعة وقبولها، وليس ذلك إلا لله تعالى، والهداية التي تصح نسبتها لغير الله تعالى بوجه ما هي الإرشاد والدلالة كما قال تعالى:{وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} أي ترشد وتبين كما قال تعالى {إِنْ عَلَيكَ إلا الْبَلَاغُ} وما ذكرناه هو مذهب أهل السنة والجماعة، وهو الذي تدل عليه
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
البراهين القاطعة وحديث أبي هريرة هذا شارك المؤلف في روايته الترمذي فقط في رقم (3187).
وجملة ما ذكر المؤلف في هذا الباب من الأحاديث اثنان فقط.
الأول حديث مسيب بن حزن وذكر فيه متابعة واحدة وغرضه بذكره الاستدلال به على الترجمة واختاره للاستدلال لأنه أصح من حديث أبي هريرة لأنه من المتفق عليه.
والثاني حديث أبي هريرة وذكر فيه أيضًا متابعة واحدة وغرضه بذكره الاستشهاد لحديث المسيب.
***