المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌37 - باب حكم إيمان العبد الآبق - الكوكب الوهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج - جـ ٢

[محمد الأمين الهرري]

فهرس الكتاب

- ‌ كِتَابُ الإِيمَانِ

- ‌1 - بَابُ بَيَان الإِيمَان وَالإِسْلامِ وَالإِحْسَان، وَوُجُوبِ الإِيمَان بِالقَدَرِ خَيرِهِ وَشَرِّهِ مِنَ اللهِ تَعَالى، وَبَيَان الدَّلِيلِ عَلَى وُجُوبِ التَّبَرِّي مِمَّنْ لَا يُؤْمِنُ بِالْقَدَرِ، وَإِغْلاظِ الْقَوْلِ فِي حَقِّهِ

- ‌(فصل) في بيان دقائق هذا السند ولطائفه

- ‌ترجمة عمر بن الخطاب وولده عبد الله رضي الله عنهما

- ‌2 - بَابُ عَدَمِ وُجُوبِ مَا عَدَا الصَّلَوَاتِ الخَمْسَ وَمَا عَدَا صِيَامَ رَمَضَانَ، وَمَا عَدَا الزَّكَوَاتِ المَفْرُوضَةَ

- ‌3 - بَابُ عَرْضِ الرَّجُلِ مَا عِنْدَهُ عَلَى المُحَدِّثِ؛ ليسْتَثْبِتَ فِيهِ، وَاكْتِفَاءِ الحَاضِرِينَ بِسُؤالِ البَادِي الوَافِدِ الإِمَامَ عَمَّا أَشْكَلَ عَلَيهِمْ مِنْ أُمُورِ الدِّينِ إِذَا هَابُوهُ

- ‌4 - بَابُ مَنِ اقْتَصَرَ عَلَى فِعْلِ مَا وَجَبَ عَلَيهِ، وانْتَهَى عَمَّا حُرِّمَ عَلَيهِ .. دَخَلَ الجَنَّةَ

- ‌5 - بَابُ مَنْ حَرَّمَ الحَرَامَ، وَأَحَلَّ الحَلَالَ، وَفَعَلَ مَا تَمَكَّنَ مِنَ الوَاجِبَاتِ .. دَخَلَ الجَنَّةَ

- ‌6 - بَابُ بَيَانِ مَبَانِي الإِسْلَامِ

- ‌7 - بَابُ وُفُودِ وَفْدِ عَبْدِ الْقَيسِ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وَأَمْرِهِمْ بِمَأْمُورَاتِ الشَّرْعِ، وَنَهْيِهِمْ عَنْ مُنْكَرَاتِهِ، وَأَمْرِهِمْ بِحِفْظِهَا وَتَبْلِيغِهَا إِلَى مَنْ وَرَاءَهُمْ، وَجَوازِ مَدْحِ الرَّجُلِ فِي وَجْهِهِ

- ‌ فائدة في المختلِطين

- ‌8 - بَابُ بَيَانِ أَوَّلِ مَا يَجِبُ عَلَى الْمُكَلَّفِينَ، وَأَنَّ الدَّعْوَةَ إِلَى الإِسْلامِ عَلَى التَّدْرِيجِ، وَأَنَّ دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ مُسْتَجَابَةٌ

- ‌(فصل في جمع ما يستفاد من هذا الحديث)

- ‌9 - بَابُ الأَمْرِ بِقِتَالِ النَّاسِ حَتَّى يُوَحِّدُوا اللهَ تَعَالى، وَيُقِرُّوا بِرِسَالةِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم، وَيَلْتَزِمُوا شَرَائِعَ دِينِهِ، وَأَنَّ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ. . فَقَدْ عَصَمَ دَمَهُ وَمَالهُ إِلَّا بِحَقِّهِمَا

- ‌10 - بَابُ صِحَّةِ إيمَانِ مَنْ كَانَ آخِرُ كَلامِهِ مِنَ الْكُفَّارِ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَالنَّهْي عَنِ الاسْتِغْفَارِ لِلْمُشْرِكِينَ، وَكَوْنِ الْهِدَايَةِ بِيَدِ اللهِ تَعَالى لَا بِيَدِ أَحَدٍ مِنْ مَخْلُوقَاتِهِ وَلَو نَبِيًّا مُرْسَلًا أَوْ مَلَكًا مُقَرَّبًا

- ‌11 - بَابُ مَنْ لَقِيَ اللهَ تَعَالى عَالِمًا بِهِ غَيرَ شَاكٍّ فِيهِ .. دَخَلَ الْجَنَّةَ، أَوَّلًا: إِنْ كَانَ بَرِيئًا مِنَ الكَبَائِرِ، أَوْ عَمِلَهَا وَتَابَ عَنْهَا، أَوْ أَدْرَكَهُ الْعَفْوُ، أَوْ بَعْدَ عُقُوبَتِهِ عَلَيهَا إِنْ لَمْ يَتُبْ عَنْهَا وَلَمْ يُدْرِكْهُ الْعَفْوُ مِنَ اللهِ تَعَالى وَحَرَّمَهُ اللهُ تَعَالى عَلَى النَّارِ

- ‌12 - بَابُ بَيَان حَقِّ اللهِ سبحانه وتعالى عَلَى الْعِبَادِ، وَحَقِّهِمْ عَلَى اللهِ تَعَالى، وَتَبْشير مَنْ لَقِيَ اللهَ تَعَالى بالتَّوحِيدِ بِالْجَنَّةِ، وَتَرْكِهِ خَوْفًا مِنِ اتِّكالِهِمْ عَلَى مُجَرَّدِ التَّوحِيدِ

- ‌13 - بَابُ الدَّليلِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَكْفِي مُجَرَّدُ التَّلَفُّظِ بِالشَّهَادَتينِ، بَلْ لَا بُدَّ مِنَ اسْتيقَان الْقَلْبِ

- ‌14 - بَابُ الْحُكْمِ عَلَى الظَّاهِرِ فِي إِسْلَامِ الشَّخْصِ، وَحُسْنِ الظَّنِّ بِكَمَالِ إيمَانِهِ، وَصِحَّةِ إِسْلَامِهِ

- ‌15 - بَابُ بَيَانِ صِفَةِ مَنْ ذَاقَ طَعْمَ الإِيمَان وَحَلاوَتَهُ

- ‌16 - بَابُ بَيَان عَدَدِ شُعَبِ الإِيمَان، وَأَفْضَلِهَا، وَأَدْنَاهَا، وَأنَّ الحَيَاءَ شُعْبَةٌ مِنْهَا وبيان فضيلته

- ‌17 - بَابُ فِي مَدْحِ الْحَيَاءِ، وَامْتِنَاعِ مُقَاوَمَةِ النَّصِّ بِكَلامِ الحُكَمَاءِ

- ‌18 - بَابُ الأَمْرِ بِالإِيمَانِ ثُمَّ بِالاسْتِقَامَةِ

- ‌19 - بَابٌ أَيُّ خِصَالِ الإِسْلامِ خَيرٌ؟ وَأَيُّ الْمُسْلِمِينَ أَفْضَلُ

- ‌20 - بَابُ بَيَان الخِصَالِ الَّتِي يَجِدُ بِهِنَّ المَرْءُ حَلاوَةَ الإِيمَانِ

- ‌21 - بَابُ عَدَمِ إِيمَانِ مَنْ لَمْ يُحِبَّ الرَّسُولَ صلى الله عليه وسلم مَحَبَّةً أَكْثَرَ مِنْ مَحَبَّتِهِ لأَهْلِهِ وَوَلَدِهِ وَوَالِدِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ

- ‌22 - بَابُ الدَّلِيلِ عَلَى أَنَّ إِيمَانَ الْعَبْدِ لَا يَكْمُلُ حَتَّى يُحِبَّ لأَخِيهِ، أَوْ جَارِهِ مَا يُحِبُّهُ لِنَفْسِهِ مِنَ الْخَيرِ

- ‌23 - بَابُ عَدَمِ إِيمَانِ مَنْ يَخَافُ جَارُهُ ضَرَرَهُ

- ‌24 - بَابُ الدَّلِيلِ عَلَى أَنَّ الصَّمْتَ إِلَّا عَنِ الْخَيرِ، وَإِكْرَامَ الْجَارِ وَالضَّيفِ .. مِنَ الإِيمَانِ

- ‌25 - بَابُ وُجُوب إِزالةِ الْمُنْكَرِ بِالْقَدْرِ الْمُسْتَطَاعِ وَأنَّ إِزَالتَهُ مِنَ الإِيمَانِ

- ‌26 - بَابُ مُجَاهَدَةِ خُلُوفِ السَّوءِ، وَكَوْنِ مُجَاهَدَتِهِمْ مِنَ الإِيمَانِ

- ‌27 - بَابُ نِسْبَةِ الإِيمانِ وَالْحِكْمَةِ إِلَى الْيَمَنِ وَجَعْلِ الْقَسْوَةِ وَغِلَظِ الْقُلُوبِ فِي رَبِيعَةَ وَمُضَرَ

- ‌28 - بَابُ كَوْنِ التَّحابِّ فِي اللَّهِ تَعَالى مِنَ الإيمَانِ، وَبَيَانِ سَبَبِهِ

- ‌29 - بَابُ النُّصحِ مِنَ الإِيمَانِ

- ‌30 - بَابُ مُبَايَعَةِ الإِمَامِ عَلَى السَّمْع وَالطَّاعَةِ وَالنُّصْحِ لِكُلِّ مُسْلِمٍ، وَكَونهَا مِنَ الإِيمَانِ

- ‌31 - بَابُ بَيَانِ نُقْصَانِ الإِيمَان بِارْتْكَابِ الْمَعَاصِي، وَنَفْيِهِ عَنْ مُرْتَكِبِهَا حَال تَلَبُّسِهِ بِهَا عَلَى مَعْنَي نَفْيِ كَمَالِهِ

- ‌32 - بَابُ بَيَانِ عَلَامَاتِ النِّفَاقِ الَّتِي هِيَ ضِدُّ عَلامَاتِ الإِيمَانِ

- ‌33 - بَابُ بَيَان حُكْمِ إِيمَانِ مَنْ قَال لأخِيهِ الْمُسْلِمِ: يَا كَافِرُ

- ‌34 - بَابُ حُكْمِ إِيمَانِ مَنِ انْتَسَبَ لِغَيرِ أَبِيهِ وَهُوَ يَعْلَمُ، وَإِيمَانِ مَنِ ادَّعَى لِنَفْسِهِ مَا لَيسَ لَهُ

- ‌35 - بَابُ حُكْمِ سِبَابِ الْمُسْلِمِ وَقِتَالِهِ

- ‌36 - بَابُ الأمْرِ بِلزومِ الإيمَانِ وَالتَّمَسُّكِ بِشَرَائِع الإِسْلامِ، والنَّهْيِ عَنِ الارْتدَادِ عَنِ الإِسْلامِ، وَالتَّشَبُّهِ بِالْكفَّارِ

- ‌34 (*) - بَابُ حُكْمِ إيمَانٍ مَنْ طَعَنَ في النَّسَبِ وَنَاحَ عَلَى الْمَيِّتِ

- ‌37 - بَابُ حُكْمِ إيمَانِ الْعَبْدِ الآبِقِ

- ‌38 - بَابُ حُكْمِ إيمانِ مَنْ قَال مُطِرْنَا بِنَوءِ كَذَا

- ‌39 - بَابُ بَيَانِ أَنَّ عَلامَةَ الإِيمَانِ حُبُّ الأنْصَارِ، وَأَنَّ عَلامَةَ النِّفَاقِ بُغْضُ الأنْصَارِ

- ‌40 - بَابٌ في بَيَانِ أَنَّ حُبَّ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ آيَةُ الإِيمَانِ، وَبُغْضَهُ آيَةُ النِّفَاقِ

- ‌39 (*) - بَابُ مَا فِي النِّسَاءِ مِنْ نُقْصَانِ الإِيمَانِ وَالْعَقْلِ بِنَقْصِ الطَّاعَاتِ، وإِطْلاقِ لَفْظِ الْكفْرِ عَلَى غَيرِ الْكُفْرِ بِاللَّهِ تَعَالى، وَسُؤَالِ الْعَالِمِ عَمَّا أَشْكَلَ مِنْ فَتْوَاهُ

- ‌فصل في الأحكام التي تستفاد من هذا الحديث

- ‌40 - بَابُ كَوْنِ الطَّاعَةِ لِأَمْرِ اللهِ وَالْخُضُوع لَهُ مِنَ الإِيمَانِ الَّذِي يُوجِبُ الْجَنَّةَ، وَكَوْنِ الْعِصْيَانِ لِأَمْرِهِ وَالتَّكَبُّرِ عَنِ السُّجُودِ لَهُ مِنَ الْكُفْرِ الَّذِي يُوجِبُ النَّارَ

- ‌41 - بَابُ إِيمَانِ مَنْ تَرَكَ الصَّلاةَ جَحْدًا أَوْ تهَاوُنًا

الفصل: ‌37 - باب حكم إيمان العبد الآبق

‌37 - بَابُ حُكْمِ إيمَانِ الْعَبْدِ الآبِقِ

135 -

(65) حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ السَعديُّ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ -يعني ابْنَ عُلَيَّةَ- عَنْ مَنْصُورِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنِ الشَّعْبِيّ،

ــ

37 -

بَابُ حُكْمِ إيمَانِ الْعَبْدِ الآبِقِ

أي هذا باب معقود في بيان حكم إيمان العبد الآبق أي الشارد عن سيده بلا إذنه فحكم إيمانه أنَّه يكفر ويخرج عن الملة إن استحل الإباق لاستحلاله ما هو معلوم من الدين بالضرورة وإلا فهو كافر كفرانًا بمعنى جحد حق مواليه فهو مؤمن عاص يستحق التأديب، وترجم النووي والقاضي وأكثر المتون بقولهم (باب تسمية العبد الآبق كافرًا) وترجم له الأبي بقوله (باب إباق العبد) وترجم له السنوسي بقوله (باب العبد الآبق إذا أبق فهو كافر) ولم يترجم له القرطبي وعدلت إلى ما ترجمت به ليوافق ترجمة كتاب الإيمان والله أعلم.

(135)

- س (65)(حَدَّثَنَا علي بن حجر) بن إياس بن مقاتل بن مشمرج (السعدي) أبو الحسن المروزي نزيل بغداد ثم مرو ثِقَة حافظ من صغار التاسعة مات سنة (244) أربع وأربعين ومائتين وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في أحد عشر بابا تقريبًا.

قال علي بن حجر (حَدَّثَنَا إسماعيل) بن إبراهيم بن سهم بن مقسم الأسدي أبو بشر المجري مولى بني أسد بن خزيمة وأمه علية مولاة أَيضًا لبني أسد ثِقَة حافظ من الثامنة مات سنة (193) ثلاث وتسعين ومائة وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في خمسة عشر بابًا تقريبًا، وأتى بقوله (يعني) ويقصد شيخي علي بن حجر بإسماعيل الذي أبهمه إسماعيل (ابن عليّة) تورعًا من الكذب على شيخه وإيضاحًا للراوي (عن منصور بن عبد الرَّحْمَن) الأشل الغداني بضم المعجمة قبل المهملة المشددة آخره نون البَصْرِيّ روى عن الشعبي في الإيمان وأبي إسحاق السبيعي والحسن البَصْرِيّ ويروي عنه (م د) وإسماعيل بن عليّة وشعبة وبشر بن المفضل وغيرهم، وثقه أَحْمد وابن معين وأبو داود، وقال أبو حاتم ليس بالقوي يكتب حديثه ولا يحتج به، وقال النَّسائيّ ليس به بأس وذكره ابن حبان في الثِّقات، وقال في التقريب: صدوق يهم من الثالثة ولم أر من أرخ موته (عن الشعبي) عامر بن شراحيل الحميري الشعبي شعب همدان أبي عمرو الكُوفيّ الإِمام

ص: 536

عَنْ جَرِيرٍ: أَنَّهُ سَمِعَهُ يَقُولُ: "أيُّما عَبْدٍ أَبَقَ مِنْ مَوَالِيهِ .. فَقَد كَفَرَ، حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيهِمْ" قَال مَنصُور: قَدْ وَاللهِ رُويَ عَنِ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم، وَلَكِني أَكْرَهُ أَنْ يُرْوَى عَنِّي هَهُنَا بِالْبَصْرَةِ

ــ

العلم ثِقَة من الثالثة مات سنة (125) عشرين ومائة ولد لست سنين خلت من خلافة عمر بن الخَطَّاب وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في تسعة عشر بابا (عن جرير) بن عبد الله البَجَليّ الأحمسي أبي عمرو الكُوفيّ ويقال فيه أبو عبد الله الصحابي الجليل رضي الله تعالى عنه وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في الإيمان والصلاة والزكاة.

وهذا السند من خماسياته رجاله اثنان منهم بصريان واثنان كوفيان وواحد مروزي (أنَّه) أي أن الشعبي (سمعه) أي سمع جرير بن عبد الله حالة كونه (يقول أيما عبد) أي أيّ رقيق (أبق) وشرد وهرب (من مواليه) وأسياده (فقد كفر) كفرًا حقيقيًّا شرعيًّا وخرج عن الملة إن استحل ذلك الإباق وإلا فقد كفر وجحد وأنكر حق مواليه فهو عاصٍ (حتَّى يرجع إليهم) أي إلى مواليه وعبارة السنوسي معنى هذا الكلام أن منصورًا روى هذا الحديث عن الشعبي عن جرير موقوفًا عليه، ثم قال منصور -بعد حكايته إياه موقوفًا: والله إنه لمرفوع إلى النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم فاعلموه أيها الخواص الحاضرون فإنما أكره أن أصرح برفعه من لفظ روايتي فيشيع عني بالبصرة المملوءة بالمبتدعة. انتهى.

وقوله (أيما) اسم شرط جازم مبتدأ مرفوع وما زائدة وعبد مضاف إليه والخبر جملة الشرط أو الجواب أو هما، وأبق بفتح الباء أفصح من كسرها وهو فعل شرط فقد كفر جواب الشرط وقرن بالفاء لاقترانه بقد وهذا حديث موقوف على جرير ثم (قال منصور) بن عبد الرَّحْمَن بالسند السابق ورفعه إلى النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم حيث قال إنه (قد والله روي) هذا الحديث (عن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم وفصل بين الفعل وقد بالقسم تأكيدًا للكلام (ولكني) أي ولكن أنا (كره أن يروي) ويحدث هذا الحديث (عني ها هنا) يعني (بالبصرة) البلدة المملوءة بالمبتدعة مرفوعًا إلى النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم فإن البصرة كانت وقتئذ ممتلئة بأهل البدعة القائلين بتكفير أهل المعاصي وتخليدهم في النَّار وعبارة السنوسي هنا وكره منصور أن يحدث به بالبصرة لكثرة من بها من المعتزلة والمكفرين بالذنوب إذ لهم في هذا الحديث متمسك ولم يكره أن يحدث به بحضرة

ص: 537

136 -

(00) حَدَّثَنَا أبُو بَكرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ، حَدَّثَنَا حَفْصُ بن غِيَاثٍ عَنْ دَاوُدَ، عَنِ الشَّعْبِيّ، عَنْ جَرِيرٍ قَال: قَال رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "أيما عَبْدٍ أَبَقَ .. فَقَدْ بَرِئَتْ مِنْهُ الذِّمَّةُ"

ــ

الخواص كما فعل اهـ.

ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث جرير رضي الله تعالى عنه فقال:

(136)

- متا (00)(حدثنا أبو بكر) عبد الله بن محمَّد (بن أبي شيبة) إبراهيم بن عثمان العبسي مولاهم الكُوفيّ ثِقَة حافظ من العاشرة مات سنة (235) قال أبو بكر (حدثنا حفص بن غياث) بمعجمة مكسورة وياء ومثلثة ابن طلق بن معاوية النَّخَعيّ أبو عمر الكُوفيّ قاضي الكوفة قال في التقريب: ثِقَة فقيه تغير حفظه قليلًا في الآخر بعد ما استُقْضِيَ من الثامنة مات سنة (195) خمس وتسعين ومائة روى عنه المؤلف في أربعة عشر بابًا كما تقدم (عن داود) بن أبي هند دينار القشيري مولاهم أبي بكر البَصْرِيّ ثِقَة متقن كان يهم بآخره من الخامسة مات سنة (145) أربعين ومائة وقيل قبلها وقد تقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في ثمانية أبواب (عن الشعبي) عامر بن شراحيل الكُوفيّ (عن جرير) بن عبد الله البَجَليّ الكُوفيّ وهذا السند من خماسياته رجاله واحد منهم بصري وأربعة كوفيون وغرضه بسوق هذا السند بيان متابعة داود بن أبي هند لمنصور بن عبد الرَّحْمَن في رواية هذا الحديث عن الشعبي وفائدة هذه المتابعة تقوية السند الأول لأن منصورًا مختلف فيه وبيان رفع الحديث إلى النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم وكرر متن الحديث لما في هذه الرواية من المخالفة للرواية الأولى.

(قال) جرير (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أيما عبد) أي أيّ رقيق (أبق) وشرد وهرب (فقد برئت) أي خلصت (منه) أي من ذلك العبد (الذمة) أي ذمة الإيمان وعهده وخرج ذلك العبد من الإيمان فيقتل إن فعل ذلك الإباق مستحلًا له أو ذمة الشرع وأمانه الذي جعله للمسلمين من كفاية الأعداء فيستحق عقوبة سيده له إن فعله غير مستحل له، وعبارة القرطبي هنا (قوله فقد برئت منه الذمة) أي ذمة الإيمان وعهده وحمايته وخفارته إن كان مستحلًا للإباق فيجب قتله بعد الاستتابة لأنه مرتد وإن لم يكن كذلك فقد خرج عن حرمة المُؤْمنين وذمتهم فإنَّه تجوز عقوبته على إباقه وليس لأحد أن يحول بين سيده وبين عقوبته الجائزة إذا شاءها السيد اهـ.

ص: 538

137 -

(00) حَدَّثَنَا يَحْيَي بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ عَنْ مُغِيرَةَ،

ــ

قال القاضي: (قوله برئت) يقال فيما هنا وفي الدين وغيرهما من الأشياء برئ بكسر الراء ويهمز ويسهل وأما برأ من المرض فلغة الحجاز فيها الفتح ولغة تميم الكسر ويهمز ولا يهمز ومضارعه يبرأ بالفتح على الوجهين في ماضيه يقال برئت من الرَّجل والدين أبرأ براءة وبرأت من المرض أبرأ برءًا وجاء في لغة برؤ بضم الراء أبرؤ من باب كرم، وقال القاضي أَيضًا: والمراد بالذمة هنا عهد الإيمان ويعني أنَّه خرج منه ويقتل إن فعله مستحلًّا وفي الحديث: "من صلى صلاتنا واستقبل قبلتنا وأكل ذبيحتنا فذلك المسلم الذي له ذمة الله وذمة رسوله وقد يعني بالذمة ضمان الشرع وأمانه الذي جعله للمؤمنين من كفاية الأعداء من الجن والإنس في بعض الأحيان ومنه سمي أهل الذمة لأنهم في أمان المسلمين وضمانهم فالمعنى أنَّه كان في ضمان الشرع وكفالته من عقوبة سيده له فلما أبق خفر بإباقه هذا الضمان والأمان أو يكون هذا في عبد كافر استحياه الإِمام فابق لدار الحرب فأسقط بإباقه ذمام الإِسلام بحقن دمه وصار كاحد الحربيين اهـ. قال النواوي وقال ابن الصلاح: وقد تكون الذمة هنا بمعنى الذمام وهو الاحترام أي لا احترام له.

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث جرير رضي الله عنه فقال:

(137)

- متا (00)(حدثنا يحيى بن يحيى) بن بكير بن عبد الرَّحْمَن التَّمِيمِيّ الحنظلي أبو زكريا النَّيسَابُورِيّ أحد الأئمة الأعلام، وقال في التقريب: ثِقَة ثبت إمام من العاشرة مات سنة (226) ست وعشرين ومائتين وقد تقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في تسعة عشر بابًا تقريبًا، قال يحيى (أخبرنا جرير) بن عبد الحميد بن جرير بن قرط الضَّبِّيّ أبو عبد الله الكُوفيّ ثم الرَّازيّ ثِقَة صحيح الكتاب كان في آخر عمره يهم من حفظه مات سنة (188) ثمان وثمانين ومائة وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في ستة عشر بابًا تقريبًا (عن مغيرة) بن مقسم بكسر الميم وسكون القاف الضَّبِّيّ مولاهم أبي هشام الكُوفيّ الفقيه الأعمى روى عن الشعبي وإبراهيم النَّخَعيّ ونعيم بن أبي هند وأبي وائل وواصل بن حيان وغيرهم ويروي عنه (ع) وجرير بن عبد الحميد وإسرائيل وهشيم وزهير بن معاوية وشعبة وأبو عوانة وجماعة وثقه العجلي وابن معين، وقال في التقريب: ثقة متقن إلَّا أنَّه كان يدلس ولا سيما في إبراهيم من السادسة مات سنة (136)

ص: 539

عَنِ الشَّعْبِيِّ قَال: كَانَ جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ الله يحدِّث عَنِ النبِي صلى الله عليه وسلم قَال: "إِذَا أَبَقَ العَبْدُ لَمْ تُقْبَل لَهُ صَلاةٌ"

ــ

ست وثلاثين ومائة على الصحيح.

روى المؤلف عنه في الإيمان وفي أول الصلاة والحج والبيوع في ثلاثة مواضع والأطعمة والطب ودلائل النبوة والفضائل في موضعين فجملة الأبواب التي روى عنه فيها ثمانية تقريبًا (عن الشعبي) عامر بن شراحيل الكُوفيّ (قال) الشعبي كان جرير بن عبد الله) البَجَليّ الصحابي الجليل (يحدث عن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم.

وهذا السند من خماسياته رجاله كلهم كوفيون إلَّا يحيى بن يحيى فإنَّه نيسابوري وغرضه بسوق هذا السند بيان متابعة مغيرة بن مقسم لمنصور بن عبد الرَّحْمَن في رواية هذا الحديث عن الشعبي وفائدتها تقوية هذا السند الأول وكرر متن السند لما في هذه الرواية أَيضًا من المخالفة للرواية الأولى (قال) النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم (إذا أبق العبد) وهرب الرقيق من سيده (لم تقبل له) أي لذلك العبد (صلاة) ولا صيام ولا كل عمل صالح والصلاة كناية عن كل عمل صالح، وقال القرطبي: إن كان مستحلًا حمل الحديث على ظاهره لأنه يكون كافرًا ولا يقبل لكافر عمل وإن لم يكن كذلك لم تصح صلاته على مذهب المتكلمين في الصلاة في الدار المغصوبة لأنه منهي عن الكون في المكان الذي يصلي فيه ومأمور بالرجوع إلى سيده وأما على مذهب الفقهاء المصححين لتلك الصلاة فيمكن أن يحمل الحديث على مذهبهم على أن الإثم الذي يلحقه في إباقه أكثر من الثواب الذي يدخل عليه من جهة الصلاة فكأنه صلاته لم تقبل إذ لم يتخلص بسببهما من الإثم ولا حصل له منها ثواب يتخلص به من عقاب الله على إباقه فكان هذا كما قلناه في قوله عليه الصلاة والسلام: "إن شارب الخمر لا تقبل منه صلاة أربعين يومًا" رواه التِّرْمِذِيّ (863 1) والنَّسائيّ (8/ 316) من حديث عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما انتهى.

قال النووي: وقد أول هذا الحديث المازري والقاضي عياض على أن ذلك محمول على المستحل للإباق فيكفر ولا تقبل له صلاة ولا غيرها ونبه بالصلاة على غيرها، وأنكر ابن الصلاح وقال: بل ذاك جار في غير المستحل ولا يلزم من عدم القبول عدم الصحة فصلاة الآبق صحيحة غير مقبولة فعدم قبولها لهذا الحديث وذلك لاقترانها

ص: 540

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

بمعصية وأما صحتها فلوجود شروطها وأركانها المستلزمة صحتها ولا تناقض في ذلك ويظهر أثر عدم القبول في سقوط الثواب وأثر الصحة في سقوط القضاء وفي أنَّه لا يعاقب عقوبة تارك الصلاة هذا آخر كلام ابن الصلاح وهو ظاهر لا شك في حسنه وشارك المؤلف رحمه الله تعالى في رواية هذا الحديث أعني حديث جرير أَحْمد (4/ 357 و 365) وأبو داود (4360) والنَّسائيّ (7/ 102).

***

ص: 541