الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
2 - بَابُ عَدَمِ وُجُوبِ مَا عَدَا الصَّلَوَاتِ الخَمْسَ وَمَا عَدَا صِيَامَ رَمَضَانَ، وَمَا عَدَا الزَّكَوَاتِ المَفْرُوضَةَ
8 -
(11) حَدَّثَنَا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ جَمِيلِ بْنِ طَرِيفِ بْنِ عَبْدِ اللهِ الثَّقَفِيُّ
ــ
2 -
بَابُ عَدَمِ وُجُوبِ مَا عَدَا الصَّلَوَاتِ الخَمْسَ وَمَا عَدَا صِيَامَ رَمَضَانَ، وَمَا عَدَا الزَّكَوَاتِ المَفْرُوضَةَ
أي باب معقود في الاستدلال على عدم وجوب ما سوى الصلوات الخمس من الصلوات المسنونة وعلى عدم وجوب ما سوى صيام شهر رمضان من نوافل الصوم وعلى عدم وجوب ما سوى الزكاة المفروضة من صدقات النفل إلا أن ينذر في كل منها.
وهذه الترجمة التي وضعناها هي المأخوذة من منطوق الحديث الآتي ولعلها هي الواضحة، وترجم له النووي بقوله:(باب بيان الصلوات التي هي أحد أركان الإسلام) ولعل هذه الترجمة غير مطابقة للحديث لأن الحديث لم يقتصر على الصلوات، والسؤال وقع فيه عن الإسلام لا عن الصلوات فقط، فشرحه بالصلاة والصيام والزكاة وبالجملة فالترجمة غير مناسبة للحديث.
وترجم له السنوسي بقوله: (باب بيان الصلاة التي هي أحد أركان الإسلام) وهي غير مناسبة أيضًا، وترجم له الأبي بقوله:(باب حديث هل عليَّ غيرها) وهذه واضحة مطابقة لمنطوق الحديث فلا غبار عليها وترجم له القرطبي بقوله: (باب وجوب التزام شرائع الإسلام) وفيها غموض ومحلها من الحديث قوله (ولا أنقص) ولكن لا يدل على وجوب الالتزام والله سبحانه وتعالى أعلم.
وبالسندين المتصلين المذكورين في أوائل المقدمة أروي لكم صحيح مسلم وأقول قال المؤلف رحمه الله سبحانه وتعالى:
(8)
- أصول (11)(حدثنا قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف بن عبد الله الثقفي) مولاهم أبو رجاء البغلاني بغلان بلخ وقال في التقريب: ثقة ثبت من العاشرة قال أبو العباس السراج مات ليومين خليا من شهر رمضان سنة (240) أربعين ومائتين عن تسعين (90) سنة روى عنه المؤلف في كتاب الإيمان وفي الوضوء وفي كتاب الصلاة في خمسة مواضع وفي الزكاة في موضعين وفي الحج في موضعين وفي الأشربة فجملة الأبواب
عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ فِيمَا قُرِئَ عَلَيهِ، عَنْ أَبِي سُهَيلٍ، عَنْ أبِيهِ:
ــ
التي روى المؤلف عنه فيها ستة أبواب تقريبًا.
(عن مالك بن أنس) بن مالك بن أبي عامر بن عمرو الأصبحي نسبة إلى ذي أصبح وهو الحارث بن عوف بن مالك من يعرب بن قحطان وأصبح صارت قبيلة، أبي عبد الله المدني الفقيه إمام دار الهجرة وقد تقدم بسط الكلام في ترجمته، وقال في التقريب: من السابعة ولد سنة (94) أربع وتسعين ومات سنة تسع وسبعين ومائة (179) ودفن بالبقيع بلغ (90) تسعين سنة.
روى عنه المؤلف رحمه الله تعالى في كتاب الإيمان وفي الوضوء وفي الحج في أربعة مواضع، وفي الصلاة في سبعة مواضع وفي الصوم وفي الزكاة في أربعة مواضع وفي النكاح في موضعين وفي الطب وفي البيوع في أربعة مواضع، وفي كفارة المرضى، وفي الجهاد وفي الصيد في موضعين وفي الضحايا وفي ذكر الجان وفي البر وفي القدر، وفي العتق فجملة الأبواب التي روى المؤلف عنه فيها سبعة عشر بابا تقريبًا، فجملة المواضع التي روى فيها عن الإمام مالك (35) خمسة وثلاثون موضعًا تقريبًا.
وقوله (فيما قُرئ عليه) أي على مالك، والحال أن قتيبة عنده بمنزلة قوله أخبرنا (عن أبي سهيل) نافع بن مالك بن أبي عامر الأصبحي أبي سهل المدني حليف بني تيم قريش أخي الربيع بن مالك عم مالك بن أنس الإمام التابعي، سمع أنس بن مالك، روى عن أبيه وابن عمر وسهل بن سعد وأنس بن مالك وسعيد بن المسيب وغيرهم، ويروي عنه (ع) وابن أخيه مالك بن أنس الإمام ومحمد وإسماعيل ابنا جعفر بن أبي كثير والدراوردي والزهري وغيرهم، وثقه أبو حاتم وغيره، وقال في التقريب: ثقة من الرابعة مات بعد الأربعين ومائة (140) روى عنه المؤلف في بابين فقط في الإيمان وفي الصوم في موضعين.
(عن أبيه) مالك بن أبي عامر الأصبحي جد مالك الإمام الفقيه حليف عثمان بن عبيد الله التيمي القرشي أبي أنس المدني، روى عن طلحة بن عبيد الله وأبي هريرة وعمر وعثمان وعائشة وغيرهم، ويروي عنه (ع) وأبناؤه أبو سهيل وأنس والربيع وغيرهم، وقال في التقريب: ثقة من الثانية مات سنة (74) أربع وسبعين على الصحيح.
روى عنه المؤلف في كتاب الإيمان وفي الوضوء في موضعين، وفي الصوم وفي البيوع فجملة الأبواب التي روى المؤلف عنه فيها أربعة أبواب تقريبًا.
أَنَّهُ سَمِعَ طَلْحَةَ بْنَ عُبَيدِ اللهِ يَقُولُ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ أَهْلِ نَجْدٍ، ثَائِرَ الرَّأْسِ، نَسْمَعُ دَويَّ صَوْتِهِ وَلَا نَفْقَهُ مَا يَقُولُ،
ــ
(أنه) أي أن أبا أبي سهيل (سمع طلحة بن عبيد الله) بن عثمان بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة بن كعب بن لؤي بن مرة التيمي أبا محمد المدني شهد أحدًا مع النبي صلى الله عليه وسلم، وكان بالشام حين غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم بدرًا وقدم بعد ما رجع النبي صلى الله عليه وسلم من بدرٍ، فضرب له بسهمه وأجره شهد له بالجنة، ومات وهو عنه راضٍ، فهو أحد العشرة وأحد ستة الشورى وأحد الثمانية الذين سبقوا إلى الإسلام، له ثمانية وثلاثون حديثًا قتل يوم الجمل بالبصرة سنة (36) ست وثلاثين، وله ثلاث وستون سنة (63) يروي عنه (ع) ومالك بن أبي عامر الأصبحي والسائب بن يزيد وقيس بن أبي حازم وأبو عثمان النهدي وبنوه موسى ويحيى وعيسى وعمران وإسحاق وسماه النبي صلى الله عليه وسلم طلحة الخير وطلحة الجود وطلحة الفياض.
روى عنه المؤلف في كتاب الإيمان وفي الحج فقط، وهذا السند من خماسياته ومن لطائفه أن رواته كلهم مدنيون إلا قتيبة فإنه بغلاني، وأن فيه رواية تابعي عن تابعي ورواية ولد عن والد.
حالة كون طلحة (يقول جاء رجل) لم يسم (إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم متعلق بجاء، أي جاء وأقبل إلى مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل لم نعرفه وقوله (من أهل نجد) وسكانه صفة أولى لرجل، والنجد ما ارتفع من الأرض وضده الغور وهو ما انخفض منها، وسُمي تهامة وهما بحكم العرف جهتان مخصوصتان، وقوله (ثائر) شعر (الرأس) أي قائمه ومنتفشه ومرتفعه لقلة تعهده، من قولهم ثار الشيء إذا ارتفع، ومنه ثارت الفتنة إذا قامت، وهذه صفة شعر أهل البادية غالبًا بالرفع صفة ثانية لرجل، ويجوز نصبه على الحال من رجل لتخصصه بالجار والمجرور، قال القاضي عياض: يستفاد من الحديث أن ذكر مثل هذا الوصف على غير وجه التنقيص ليس بغيبةٍ.
وجملة قوله (نسمع دوي صوته) أي شديد صوت ذلك الرجل ورفيعه (ولا نفقه ما يقول) لبعده عنا، صفة ثالثة لرجل أو حال ثانية منه، قال القرطبي: رُوي نسمع ونفقه بالنون المفتوحة فيهما مبنيين للفاعل، وبالياء التحتانية المضمومة فيهما مبنيين للمفعول وكلاهما واضح الصحة، قال السنوسي والأول هو الأشهر الأكثر الأعرف. اهـ وإنما لم
حَتَّى دَنَا مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم. فَإِذَا هُوَ يَسْأَلُ عَنِ الإِسْلامِ، فَقَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:"خَمْسُ صَلَوَاتٍ في الْيَوْمِ وَالليلَةِ"،
ــ
يفهموا ما يقول لأنه نادى من بُعد فلما دنا فهموه كما قال حتى دنا من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال النووي: وأما دوي صوته فهو بعده في الهواء، ومعناه شدة صوت لا يفهم ورفيعه ومنه صوت الرعد وقيل هو الصوت الذي لا يفهم ومنه صوت النحل، وهو بفتح الدال وكسر الواو وتشديد الياء هذا هو المشهور، وحكى صاحب المطالع فيه ضم الدال أيضًا اهـ، والصوت عرض سيال مجرد من الحروف ينتهي بانتهائه كاصوات البهائم والرياح والأشياء الساقطة فإن اشتمل على الحروف سمي لفظًا كما هو مقرر في محله.
وفي المفهم قيل إن هذا الرجل هو ضمام بن ثعلبة الذي سماه البخاري في حديث أنس المذكور بعد هذا وإن الحديثين حديث واحد وهذا فيه بعد لاختلاف مساقهما وتباين الأسئلة فيهما ولزيادة الحج في حديث أنس ويبعد الجمع بينهما فالأولى أن يقال هما حديثان مختلفان والرجل في هذا الحديث غير معلوم وكذلك القول في كل ما يرد من الأحاديث التي فيها الأسئلة المختلفة كحديث أبي أيوب وجابر وغيرهما مما يذكر بعد هذا وقد رام بعض العلماء الجمع بينها وزعم أنها كلها حديث واحد فادعى فرطًا وتكلف شططًا من غير ضرورة نقلية ولا عقلية انتهى، وقوله (حتى دنا من رسول الله صلى الله عليه وسلم غاية لمحذوف تقديره ووقف علينا حتى دنا وقرب من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإذا في قوله (فإذا هو) أي الرجل الحاضر فجائية (يسأل عن) شرائع (الإسلام) وفرائضه لأن هذا السائل إنما سأل عن فرائض الإسلام وشرائعه لا عن حقيقته إذ لو كان سؤاله ذلك لأجابه بما أجاب به جبريل عليه السلام في حديثه السابق ولما رواه البخاري في هذا الحديث فإنه قال (فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم بشرائع الإسلام) وكان النبي صلى الله عليه وسلم فهم عنه أنه إنما سأل عما تعين فعله وفرض من شرائع الإسلام الفعلية لا القلبية ولذلك لم يذكر له الحج لأنه لم يكن واجبًا عليه لأنه غير مستطيع أولًا لأن الحج على التراخي أو لأنه كان قبل فرض الحج والله أعلم (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم في جواب سؤاله الإسلام أي شرائعه المتعينة وفرائضه المكتوبة (خمس صلوات) موزعة على أوقاتها المحددة: (في اليوم والليلة) اللذين هما أربع وعشرون ساعة وقدم اليوم هنا على الليل مع أن الليل مقدم عليه كما هو
فَقَال: هَل عَلَيَّ غَيرُهُنَّ؟ قَال: "لَا، إِلَّا أَنْ تَطوَّعَ،
ــ
المعروف في القرآن لأن أول ما وجب من الصلاة في اليوم هو الصبح أو الظهر (فقال) الرجل السائل عن شرائع الإسلام مستفهمًا عن الزيادة يا رسول الله (هل علي غيرهن) أي غير الصلوات الخمس من الصلوات الواجبة (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم مجيبًا له بالنفي (لا) عليك غيرهن يدل هذا على أن الوتر ليس بلازم ولا واجب وهو مذهب الجمهور وخالفهم أبو حنيفة فقال إنه واجب ولا يسميه فرضًا لأن الفرض عنده ما كان مقطوعًا بلزومه كالصلوات الخمس وقوله (إلا أن تطوع) أي تنفلت وتبرعت بالزيادة بما ورد في الشرع، قال النووي: المشهور فيه تطوع بتشديد الطاء على إدغام إحدى التاءين في الطاء لأن أصله تتطوع بتاءين إحداهما تاء المضارعة والأخرى تاء المطاوعة، وقال ابن الصلاح هو محتمل للتشديد والتخفيف على حذف إحدى التاءين قال أصحابنا وغيرهم من العلماء قوله صلى الله عليه وسلم إلا أن تطوع استثناء منقطع ومعناه لكن يستحب لك أن تطوع وجعله بعض العلماء استثناء متصلًا واستدلوا به على أن من شرع في صلاة نفل أو صوم نفل وجب عليه إتمامه، ومذهبنا أنه يستحب الإتمام ولا يجب والله أعلم انتهى.
قال الأبي: القائل بوجوب التطوعات بالدخول فيها مالك والحنفية واحتجوا بالحديث وقرروه بنحو ما ذكر، قالوا لأن الاستثناء من النفي إثبات والمنفي وجوب شيء آخر فيكون المثبت وجوب التطوعات وأجاب القائل بأنها لا تجب بأن الحديث دل على نفي وجوب شيءآخر مطلقًا شرع فيه أو لم يشرع والاستثناء منقطع أي لكن يستحب أن تتطوع وقد علمت أن الأصل في الاستثناء الاتصال والمنفصل مجاز والأصل عدمه اهـ.
وعبارة المفهم هنا قوله (إلا أن تطوع) ظاهر في أن معنى هذا الكلام هل يجب علي من تطوع الصلوات شيء غير هذه الخمس فأجابه بأنه لا يجب عليه شيء إلا أن تطوع فيجب عليك وهذا ظاهر لأن أصل الاستثناء أن يكون من الجنس والاستثناء من غير الجنس مختلف فيه ثم هو مجاز عند القائل به فإذا حملناه على الاستثناء المتصل لزم منه أن يكون التطوع واجبًا ولا قائل به لاستحالته وتناقضه فلم يبق إلا ما ذهب إليه مالك، وهو أن التطوع يصير واجبًا بنفس الشروع فيه كما يصير واجبًا بالنذر، فالشروع فيه التزام له وحينئذ يكون معنى قوله (إلا أن تطوع) إلا أن تشرع فيه وتبتدئه، ومن ادعى
وَصِيَامُ شَهْرِ رَمَضَانَ"، فَقَال: هَلْ عَلَيَّ غَيرُهُ؟ فَقَال: "لَا، إِلَّا أَنْ تَطوَّعَ"، وَذَكَرَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم الزَّكَاةَ، فَقَال: هَلْ عَلَى غَيرُهَا؟ قَال: "لَا، إِلَّا أَنْ تَطَّوَّعَ"، قَال: فَأدْبَرَ الرَّجُلُ وَهُوَ يَقُولُ: وَاللهِ! لَا أَزِيدُ عَلَى هَذَا وَلَا أَنْقُصُ مِنْهُ،
ــ
أنه استثناء من غير الجنس طُولب بتصحيح ما ادّعاه وتمسك مانعه بالأصل الذي قررناه انتهى.
وقوله صلى الله عليه وسلم: (وصيام شهر رمضان) معطوف على خمس صلوات أي فرائض الإسلام خمس صلوات في اليوم والليلة وصيام شهر رمضان في السنة في العبادات البدنية (فقال) الرجل السائل يا رسول الله (هل عليّ غيره) أي غير صيام شهر رمضان كصيام المحرم وشعبان (فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم مجيبًا له بالنفي (لا) عليك غيره (إلا أن تطوع) أي تبرعت وتنفلت غيره من صيام النوافل (وذكر له) أي للرجل السائل (رسول الله صلى الله عليه وسلم الزكاة) أي وجوبها على الوجه المذكور في أحاديث الزكاة، قال الأبي: فيه صحة نقل الحديث بالمعنى لأنه لما نسي عين اللفظ .. قال وذكر له رسول الله صلى الله عليه وسلم الزكاة كما يقول بعض الرواة أو كما قال اهـ وقال السنوسي: وفيه نظر لأن من قال ذكر فلان كذا واقتصر لا يصدق عليه أنه نقل كلامه لا لفظًا ولا معنى والله أعلم اهـ.
(فقال) الرجل السائل (هل علي غيرها) أي غير الزكاة المفروضة من صدقات النفل (قال) رسول الله مجيبًا له بالنفي (لا) عليك غيرها (إلا أن تطوع) أي إلا إن تبرعت من صدقات النفل.
(قال) الراوي طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه (فأدبر الرجل) السائل، أي ذهب من مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم مدبرًا موليًا ظهره إلينا (وهو) أي والحال أن ذلك الرجل (يقول) في إدباره وذهابه (والله) أي أقسمت بالله الذي لا إله غيره إلا أزيد على هذا) الفرض الذي ذكره لي رسول الله صلى الله عليه وسلم (ولا أنقص منه) شيئًا، وفي المفهم قيل معناه لا أغير الفروض المذكورة بزيادة فيها كان يصلي الظهر خمس ركعات أو بنقصان فيها كأن يصليها ركعتين أو ثلاثًا ولا يصح أن يقال إن معناه لا أفعل شيئًا زائدًا على هذه الفروض المذكورة من السنن ولا من فروض أخر إن فرضت، فإن ذلك لا يجوز أن يقوله ولا يعتقده لأنه منكر والنبي صلى الله عليه وسلم لا يقر على مثله انتهى.
فَقَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "أَفْلَحَ إِنْ صَدَقَ"
ــ
وعبارة المنهاج هنا: فإن قيل كيف قال: لا أزيد على هذا، وليس في هذا الحديث جميع الواجبات ولا المنهيات الشرعية ولا السنن المندوبات؟ فالجواب أنه جاء في رواية البخاري في آخر هذا الحديث زيادة توضح المقصود قال:"فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم بشرائع الإسلام فأدبر الرجل وهو يقول والله لا أزيد ولا أنقص مما فرض الله تعالى علي شيئًا" فعلى عموم قوله بشرائع الإسلام وقوله مما فرض الله تعالى علي يزول الإشكال في الفرائض وأما النوافل فقيل يحتمل أن هذا كان قبل شرعها وقيل يحتمل أنه أراد لا أزيد في الفرض بتغيير صفته كأنه يقول لا أصلي الظهر خمسًا وهذا تأويل ضعيف، ويحتمل أنه أراد أن لا يصلي النافلة مع أنه لا يخل بشيء من الفرائض، وهذا مفلح بلا شك وإن كانت مواظبته على ترك السنن مذمومة وترد بها الشهادة إلا أنه ليس بعاصٍ بل هو مفلحٌ ناجٍ والله أعلم انتهى.
قال الأبي: قوله (والله لا أزيد) لا يقال كيف أقسم على أن لا يفعل الخير وقد صح النهي عن ذلك، لأنه إنما أقسم لا يزيد في الفرائض، وعدم ذكره الحج يحتمل أنه رآه غير مستطيع اهـ.
(فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أفلح أن صدق) أي فاز وظفر بالمطلوب ونجح من المكروه إن صدق فيما قال، وفي المنهاج قيل هذا الفلاح راجعٌ إلى قوله: لا أنقص خاصة والأظهر أنه عائد إلى المجموع، بمعنى أنه إذا لم يزد ولم ينقص كان مفلحًا، لأنه أتى بما عليه، ومن أتى بما عليه فهو مفلح وليس في هذا أنه إذا أتى بزائد لا يكون مفلحًا لأن هذا مما يعرف بالضرورة، فإنه إذا أفلح بالواجب فلأن يفلح بالواجب والمندوب أولى.
قال الهروي: العرب تقول لكل من أصاب خيرًا مفلح قال ابن دريد: أفلح وأنجح إذا أدرك مطلوبه وأصل الفلاح الشق والقطع قال الشاعر:
قد علمت خيلك أني الصحصح
…
إن الحديد بالحديد يفلح
أي يشق فكأن المفلح قد قطع المصاعب حتى نال مطلوبه، وقد استعمل الفلاح في البقاء كما قال:
لو كان حيٌّ مُدْرِكَ الفَلاحِ
…
أدركها ملاعب الرماح
9 -
(00) حَدَّثَنِي يحيى بْنُ أَيُّوبَ
ــ
وقال الآخر:
نحلُّ بلادًا كلها حل قبلنا
…
ونرجو الفلاح بعد عادٍ وحمير
وقد جاء في هذا الحديث استعمال الصدق في الخبر المستقبل وفيه رد على ابن قتيبة إذ خص الصدق والكذب بالخبر الماضي وسمى المطابقة في المستقبل وفاءً وعدمها خلفًا قال الباجي: والحديث يرد عليه، ويرد عليه أيضًا قوله تعالى:{ذَلِكَ وَعْدٌ غَيرُ مَكْذُوبٍ} [هود: 65] قال النووي: واعلم أنه لم يأت في هذا الحديث ذكر الحج ولا جاء ذكره في حديث جبريل من رواية أبي هريرة وكذا غير هذا من هذه الأحاديث لم يذكر في بعضها الصوم ولم يذكر في بعضها الزكاة وذكر في بعضها صلة الرحم وفي بعضها أداء الخمس ولم يقع في بعضها ذكر الإيمان فتعارضت هذه الأحاديث في عدد خصال الإيمان زيادة ونقصًا وإثباتًا وحذفًا.
وقد أجاب القاضي عياض وغيره بجواب لخصه ابن الصلاح وهذبه فقال: ليس هذا باختلاف صادر من رسول الله صلى الله عليه وسلم بل هو باختلاف صادر من الرواة في الحفظ والضبط فمنهم من قصر فاقتصر على ما حفظه فأداه ولم يتعرض لما زاده غيره بنفي ولا إثبات وإن اقتصاره على ذلك يشعر بأنه الكل فقد بان بما أتى به غيره من الثقات أن ذلك ليس بالكل وأن اقتصاره عليه كان لقصور حفظه عن تمامه.
ألا ترى حديث النعمان بن قوقل الآتي قريبًا اختلفت الروايات في خصاله بالزيادة والنقصان مع أن راوي الجميع واحد وهو جابر بن عبد الله رضي الله عنه في قضية واحدة ثم إن ذلك لا يمنع من إيراد الجميع في الصحيح لما عرف في مسألة زيادة الثقة من أنّا نقبلها هذا آخر كلام ابن الصلاح وهو تقرير حسن انتهى.
وغرض المؤلف بسوق هذا الحديث الاستدلال به على الترجمة فدل عليها بمنطوقه فلا غبار عليه وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري (2678) وأبو داود (391) والنسائي (1/ 277) و (8/ 118) ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث طلحة بن عبيد الله فقال:
(9)
- متا (00)(حدثني يحيى بن أيوب) المقابري بفتح الميم والقاف أبو زكريا البغدادي العابد روى عن إسماعيل بن جعفر وإسماعيل بن علية وعبد الله بن المبارك
وَقُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ جَمِيعًا عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِي سُهَيلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيدِ اللهِ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِهَذَا الْحَدِيثِ
ــ
وهُشيم ووكيع وغيرهم، ويروي عنه (م د) وأبو زرعة وأبو حاتم وأبو يعلى وآخرون، قال حسين بن محمد بن فهم: كان ثقة ورعًا، وقال في التقريب: ثقة من العاشرة مات لإحدى عشرة مضت من ربيع الأول سنة (234) أربع وثلاثين ومائتين وله (77) سبع وسبعون سنة.
روى عنه المؤلف في كتاب الإيمان وفي الجنائز والحج والطب والنكاح وفي الصيد وفي اللباس وفي صفة النار فجملة الأبواب التي روى المؤلف عنه فيها ثمانية أبواب تقريبًا ثم ذكر المقارنة معه بقتيبة بن سعيد بيانًا لكثرة طرقه فقال:
(و) حدثني (قتيبة بن سعيد) بن جميل بن طريف البغلاني وقد مرت ترجمته قريبًا فلا عود ولا إعادة، وإنما احتاج إلى ذكره ثانيًا بالمقارنة لأنه روى له أولًا عن مالك وهنا عن إسماعيل بن جعفر وأيضًا سمع المؤلف عنه أولًا ومعه غيره ولذلك قال حدثنا قتيبة عن مالك وهنا سمع منه وحده ولذلك قال حدثني قتيبة.
وقوله (جميعًا) حال من يحيى وقتيبة أي حالة كونهما مجتمعين في الرواية (عن إسماعيل بن جعفر) بن أبي كثير أبي إبراهيم أو أبي إسحاق الأنصاري الزرقي بضم الزاي وفتح الراء نسبة إلى بني زريق بطن من الأنصار من الخزرج مولاهم المدني أحد الكبار روى عن أبي سهيل والعلاء بن عبد الرحمن وشريك بن عبد الله وعمارة بن غزية وغيرهم ويروي عنه (ع) وقتيبة بن سعيد ويحيى بن أيوب ويحيى بن يحيى وخلق، له خمسمائة حديث وثقه أحمد بن حنبل وقال في التقريب: ثقة ثبت من الثامنة مات سنة (180) ثمانين ومائة.
ويروي عنه المؤلف في كتاب الإيمان وفي الوضوء وفي الصلاة في ستة مواضع وفي الجنائز في موضعين وفي الطلاق وفي الصوم في ثلاثة مواضع وفي الحج في موضعين وفي الزكاة وفي الأطعمة وفي البيوع وفي الجهاد وفي النكاح فجملة الأبواب التي روى المؤلف عنه فيها اثنا عشر بابًا تقريبًا (عن أبي سهيل) نافع بن مالك بن أبي عامر الأصبحي المدني تقدمت ترجمته قريبًا (عن أبيه) مالك بن أبي عامر الأصبحي المدني تقدمت ترجمته قريبًا أيضًا (عن طلحة بن عبيد الله) رضي الله عنه (عن النبي صلى الله عليه وسلم والجار والمجرور في قوله (بهذا الحديث) متعلق بما عمل في
نَحْوَ حَدِيثِ مَالِكٍ، غَيرَ أَنَّهُ قَال: فَقَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "افْلَحَ وَأَبِيهِ إِنْ صَدَقَ" أَوْ: "دَخَلَ الْجَنةَ وَأَبِيهِ إِنْ صَدَقَ"
ــ
المتابع بكسر الباء المحذوف وكذا قوله (نحو حديث مالك) منصوب بذلك العامل المحذوف والتقدير حدثنا إسماعيل بن جعفر عن أبي سهيل بهذا الحديث نحو حديث مالك عن أبي سهيل، وغرض المؤلف بسوق هذا السند بيان متابعة إسماعيل بن جعفر لمالك في رواية هذا الحديث عن أبي سهيل وقد تقدم لك في الفوائد أن النحو عبارة عن الحديث اللاحق الموافق للسابق في بعض ألفاظه ومعناه ولكن النحو هنا بمعنى المثل لأن الحديثين متماثلان بدليل الاستثناء المذكور بقوله (غير أنه) أي لكن أن إسماعيل بن جعفر (قال) في روايته (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أفلح) الرجل وظفر بالمطلوب (وأبيه) أي أقسمت بأبيه (إن صدق) الرجل فيما قال بزيادة (وأبيه)(أو) قال أبو سهيل (دخل) الرجل (الجنة وأبيه إن صدق) فيما قال بإبدال أفلح بدخل والشك من إسماعيل بن جعفر أو من غيره، فيما سمعه من أبي سهيل ولو قال بدل ما هنا (مثل حديث مالك) لكان أوضح وأوفق باصطلاحاته التي بيناها في الفوائد السابقة.
وعبارة المفهم هنا (قوله أفلح وأبيه إن صدق أو دخل الجنة وأبيه إن صدق) شك من بعض الرواة في هذا الطريق، وقد جاء طريق آخر بالجزم على أحدهما كما تقدم ثم معنى اللفظين واحد لأن دخول الجنة تفسير للفلاح، فلا يضر الشك، وإنما ذكره الراوي متحريًا انتهى.
قوله (وأبيه) قال القاضي عياض لعل هذا قبل النهي عن الحلف بغير الله تعالى أو لم يقصد الحلف به كعادة العرب في إجراء هذا في كلامهم لا يريدون به الحلف وإنما اليمين ما قصد، وهذا هو الجواب المرضي قاله النواوي، قال الأبي: وقيل النهي عن الحلف بالآباء إنما هو لخوف تعظيم غير الله تعالى، والنبي صلى الله عليه وسلم لا يتوهم فيه ذلك، والمراد بالنهي الوارد هو قوله صلى الله عليه وسلم "لا تحلفوا بآبائكم من كان حالفًا فليحلف بالله أو ليصمت" رواه البخاري (6646) ومسلم (1646) من حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما.
قال النواوي وفي هذا الحديث من الفوائد بيان أن الصلاة التي هي ركن من أركان الإسلام التي أطلقت في سائر الحديث هي الصلوات الخمس وبيان أنها في كل يوم وليلة
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
على كل من كلف بها وقولنا بها احتراز عن الحائض والنفساء، فإنها مكلفة بأحكام الشرع إلا الصلاة وما ألحق بها مما هو مقرر في كتب الفقه وفيه أيضًا أن وجوب صلاة الليل منسوخ في حق الأمة وهذا مجمع عليه واختلف قول الشافعي رحمه الله تعالى في نسخه في حق النبي صلى الله عليه وسلم والأصح نسخه وفيه أيضًا أن صلاة الوتر ليست بواجبة، وأن صلاة العيد أيضًا ليست بواجبة، وهذا مذهب الجماهير، وذهب أبو حنيفة رحمه الله تعالى وطائفة إلى وجوب الوتر، وذهب أبو سعيد الإصطخري من أصحاب الشافعي إلى أن صلاة العيد فرض كفاية وفيه أيضًا أنه لا يجب صوم يوم عاشوراء ولا غيره سوى رمضان، وهذا مجمع عليه واختلف العلماء هل كان صوم عاشوراء واجبًا قبل إيجاب رمضان أم كان الأمر به ندبًا وهما وجهان لأصحاب الشافعي أظهرهما لم يكن واجبًا، والثاني كان واجبًا وبه قال أبو حنيفة رحمه الله تعالى، وفيه أيضًا أنه ليس في المال حق سوى الزكاة على من ملك نصابًا وفيه غير ذلك والله أعلم.
* * *