المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌8 - باب بيان أول ما يجب على المكلفين، وأن الدعوة إلى الإسلام على التدريج، وأن دعوة المظلوم مستجابة - الكوكب الوهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج - جـ ٢

[محمد الأمين الهرري]

فهرس الكتاب

- ‌ كِتَابُ الإِيمَانِ

- ‌1 - بَابُ بَيَان الإِيمَان وَالإِسْلامِ وَالإِحْسَان، وَوُجُوبِ الإِيمَان بِالقَدَرِ خَيرِهِ وَشَرِّهِ مِنَ اللهِ تَعَالى، وَبَيَان الدَّلِيلِ عَلَى وُجُوبِ التَّبَرِّي مِمَّنْ لَا يُؤْمِنُ بِالْقَدَرِ، وَإِغْلاظِ الْقَوْلِ فِي حَقِّهِ

- ‌(فصل) في بيان دقائق هذا السند ولطائفه

- ‌ترجمة عمر بن الخطاب وولده عبد الله رضي الله عنهما

- ‌2 - بَابُ عَدَمِ وُجُوبِ مَا عَدَا الصَّلَوَاتِ الخَمْسَ وَمَا عَدَا صِيَامَ رَمَضَانَ، وَمَا عَدَا الزَّكَوَاتِ المَفْرُوضَةَ

- ‌3 - بَابُ عَرْضِ الرَّجُلِ مَا عِنْدَهُ عَلَى المُحَدِّثِ؛ ليسْتَثْبِتَ فِيهِ، وَاكْتِفَاءِ الحَاضِرِينَ بِسُؤالِ البَادِي الوَافِدِ الإِمَامَ عَمَّا أَشْكَلَ عَلَيهِمْ مِنْ أُمُورِ الدِّينِ إِذَا هَابُوهُ

- ‌4 - بَابُ مَنِ اقْتَصَرَ عَلَى فِعْلِ مَا وَجَبَ عَلَيهِ، وانْتَهَى عَمَّا حُرِّمَ عَلَيهِ .. دَخَلَ الجَنَّةَ

- ‌5 - بَابُ مَنْ حَرَّمَ الحَرَامَ، وَأَحَلَّ الحَلَالَ، وَفَعَلَ مَا تَمَكَّنَ مِنَ الوَاجِبَاتِ .. دَخَلَ الجَنَّةَ

- ‌6 - بَابُ بَيَانِ مَبَانِي الإِسْلَامِ

- ‌7 - بَابُ وُفُودِ وَفْدِ عَبْدِ الْقَيسِ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وَأَمْرِهِمْ بِمَأْمُورَاتِ الشَّرْعِ، وَنَهْيِهِمْ عَنْ مُنْكَرَاتِهِ، وَأَمْرِهِمْ بِحِفْظِهَا وَتَبْلِيغِهَا إِلَى مَنْ وَرَاءَهُمْ، وَجَوازِ مَدْحِ الرَّجُلِ فِي وَجْهِهِ

- ‌ فائدة في المختلِطين

- ‌8 - بَابُ بَيَانِ أَوَّلِ مَا يَجِبُ عَلَى الْمُكَلَّفِينَ، وَأَنَّ الدَّعْوَةَ إِلَى الإِسْلامِ عَلَى التَّدْرِيجِ، وَأَنَّ دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ مُسْتَجَابَةٌ

- ‌(فصل في جمع ما يستفاد من هذا الحديث)

- ‌9 - بَابُ الأَمْرِ بِقِتَالِ النَّاسِ حَتَّى يُوَحِّدُوا اللهَ تَعَالى، وَيُقِرُّوا بِرِسَالةِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم، وَيَلْتَزِمُوا شَرَائِعَ دِينِهِ، وَأَنَّ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ. . فَقَدْ عَصَمَ دَمَهُ وَمَالهُ إِلَّا بِحَقِّهِمَا

- ‌10 - بَابُ صِحَّةِ إيمَانِ مَنْ كَانَ آخِرُ كَلامِهِ مِنَ الْكُفَّارِ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَالنَّهْي عَنِ الاسْتِغْفَارِ لِلْمُشْرِكِينَ، وَكَوْنِ الْهِدَايَةِ بِيَدِ اللهِ تَعَالى لَا بِيَدِ أَحَدٍ مِنْ مَخْلُوقَاتِهِ وَلَو نَبِيًّا مُرْسَلًا أَوْ مَلَكًا مُقَرَّبًا

- ‌11 - بَابُ مَنْ لَقِيَ اللهَ تَعَالى عَالِمًا بِهِ غَيرَ شَاكٍّ فِيهِ .. دَخَلَ الْجَنَّةَ، أَوَّلًا: إِنْ كَانَ بَرِيئًا مِنَ الكَبَائِرِ، أَوْ عَمِلَهَا وَتَابَ عَنْهَا، أَوْ أَدْرَكَهُ الْعَفْوُ، أَوْ بَعْدَ عُقُوبَتِهِ عَلَيهَا إِنْ لَمْ يَتُبْ عَنْهَا وَلَمْ يُدْرِكْهُ الْعَفْوُ مِنَ اللهِ تَعَالى وَحَرَّمَهُ اللهُ تَعَالى عَلَى النَّارِ

- ‌12 - بَابُ بَيَان حَقِّ اللهِ سبحانه وتعالى عَلَى الْعِبَادِ، وَحَقِّهِمْ عَلَى اللهِ تَعَالى، وَتَبْشير مَنْ لَقِيَ اللهَ تَعَالى بالتَّوحِيدِ بِالْجَنَّةِ، وَتَرْكِهِ خَوْفًا مِنِ اتِّكالِهِمْ عَلَى مُجَرَّدِ التَّوحِيدِ

- ‌13 - بَابُ الدَّليلِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَكْفِي مُجَرَّدُ التَّلَفُّظِ بِالشَّهَادَتينِ، بَلْ لَا بُدَّ مِنَ اسْتيقَان الْقَلْبِ

- ‌14 - بَابُ الْحُكْمِ عَلَى الظَّاهِرِ فِي إِسْلَامِ الشَّخْصِ، وَحُسْنِ الظَّنِّ بِكَمَالِ إيمَانِهِ، وَصِحَّةِ إِسْلَامِهِ

- ‌15 - بَابُ بَيَانِ صِفَةِ مَنْ ذَاقَ طَعْمَ الإِيمَان وَحَلاوَتَهُ

- ‌16 - بَابُ بَيَان عَدَدِ شُعَبِ الإِيمَان، وَأَفْضَلِهَا، وَأَدْنَاهَا، وَأنَّ الحَيَاءَ شُعْبَةٌ مِنْهَا وبيان فضيلته

- ‌17 - بَابُ فِي مَدْحِ الْحَيَاءِ، وَامْتِنَاعِ مُقَاوَمَةِ النَّصِّ بِكَلامِ الحُكَمَاءِ

- ‌18 - بَابُ الأَمْرِ بِالإِيمَانِ ثُمَّ بِالاسْتِقَامَةِ

- ‌19 - بَابٌ أَيُّ خِصَالِ الإِسْلامِ خَيرٌ؟ وَأَيُّ الْمُسْلِمِينَ أَفْضَلُ

- ‌20 - بَابُ بَيَان الخِصَالِ الَّتِي يَجِدُ بِهِنَّ المَرْءُ حَلاوَةَ الإِيمَانِ

- ‌21 - بَابُ عَدَمِ إِيمَانِ مَنْ لَمْ يُحِبَّ الرَّسُولَ صلى الله عليه وسلم مَحَبَّةً أَكْثَرَ مِنْ مَحَبَّتِهِ لأَهْلِهِ وَوَلَدِهِ وَوَالِدِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ

- ‌22 - بَابُ الدَّلِيلِ عَلَى أَنَّ إِيمَانَ الْعَبْدِ لَا يَكْمُلُ حَتَّى يُحِبَّ لأَخِيهِ، أَوْ جَارِهِ مَا يُحِبُّهُ لِنَفْسِهِ مِنَ الْخَيرِ

- ‌23 - بَابُ عَدَمِ إِيمَانِ مَنْ يَخَافُ جَارُهُ ضَرَرَهُ

- ‌24 - بَابُ الدَّلِيلِ عَلَى أَنَّ الصَّمْتَ إِلَّا عَنِ الْخَيرِ، وَإِكْرَامَ الْجَارِ وَالضَّيفِ .. مِنَ الإِيمَانِ

- ‌25 - بَابُ وُجُوب إِزالةِ الْمُنْكَرِ بِالْقَدْرِ الْمُسْتَطَاعِ وَأنَّ إِزَالتَهُ مِنَ الإِيمَانِ

- ‌26 - بَابُ مُجَاهَدَةِ خُلُوفِ السَّوءِ، وَكَوْنِ مُجَاهَدَتِهِمْ مِنَ الإِيمَانِ

- ‌27 - بَابُ نِسْبَةِ الإِيمانِ وَالْحِكْمَةِ إِلَى الْيَمَنِ وَجَعْلِ الْقَسْوَةِ وَغِلَظِ الْقُلُوبِ فِي رَبِيعَةَ وَمُضَرَ

- ‌28 - بَابُ كَوْنِ التَّحابِّ فِي اللَّهِ تَعَالى مِنَ الإيمَانِ، وَبَيَانِ سَبَبِهِ

- ‌29 - بَابُ النُّصحِ مِنَ الإِيمَانِ

- ‌30 - بَابُ مُبَايَعَةِ الإِمَامِ عَلَى السَّمْع وَالطَّاعَةِ وَالنُّصْحِ لِكُلِّ مُسْلِمٍ، وَكَونهَا مِنَ الإِيمَانِ

- ‌31 - بَابُ بَيَانِ نُقْصَانِ الإِيمَان بِارْتْكَابِ الْمَعَاصِي، وَنَفْيِهِ عَنْ مُرْتَكِبِهَا حَال تَلَبُّسِهِ بِهَا عَلَى مَعْنَي نَفْيِ كَمَالِهِ

- ‌32 - بَابُ بَيَانِ عَلَامَاتِ النِّفَاقِ الَّتِي هِيَ ضِدُّ عَلامَاتِ الإِيمَانِ

- ‌33 - بَابُ بَيَان حُكْمِ إِيمَانِ مَنْ قَال لأخِيهِ الْمُسْلِمِ: يَا كَافِرُ

- ‌34 - بَابُ حُكْمِ إِيمَانِ مَنِ انْتَسَبَ لِغَيرِ أَبِيهِ وَهُوَ يَعْلَمُ، وَإِيمَانِ مَنِ ادَّعَى لِنَفْسِهِ مَا لَيسَ لَهُ

- ‌35 - بَابُ حُكْمِ سِبَابِ الْمُسْلِمِ وَقِتَالِهِ

- ‌36 - بَابُ الأمْرِ بِلزومِ الإيمَانِ وَالتَّمَسُّكِ بِشَرَائِع الإِسْلامِ، والنَّهْيِ عَنِ الارْتدَادِ عَنِ الإِسْلامِ، وَالتَّشَبُّهِ بِالْكفَّارِ

- ‌34 (*) - بَابُ حُكْمِ إيمَانٍ مَنْ طَعَنَ في النَّسَبِ وَنَاحَ عَلَى الْمَيِّتِ

- ‌37 - بَابُ حُكْمِ إيمَانِ الْعَبْدِ الآبِقِ

- ‌38 - بَابُ حُكْمِ إيمانِ مَنْ قَال مُطِرْنَا بِنَوءِ كَذَا

- ‌39 - بَابُ بَيَانِ أَنَّ عَلامَةَ الإِيمَانِ حُبُّ الأنْصَارِ، وَأَنَّ عَلامَةَ النِّفَاقِ بُغْضُ الأنْصَارِ

- ‌40 - بَابٌ في بَيَانِ أَنَّ حُبَّ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ آيَةُ الإِيمَانِ، وَبُغْضَهُ آيَةُ النِّفَاقِ

- ‌39 (*) - بَابُ مَا فِي النِّسَاءِ مِنْ نُقْصَانِ الإِيمَانِ وَالْعَقْلِ بِنَقْصِ الطَّاعَاتِ، وإِطْلاقِ لَفْظِ الْكفْرِ عَلَى غَيرِ الْكُفْرِ بِاللَّهِ تَعَالى، وَسُؤَالِ الْعَالِمِ عَمَّا أَشْكَلَ مِنْ فَتْوَاهُ

- ‌فصل في الأحكام التي تستفاد من هذا الحديث

- ‌40 - بَابُ كَوْنِ الطَّاعَةِ لِأَمْرِ اللهِ وَالْخُضُوع لَهُ مِنَ الإِيمَانِ الَّذِي يُوجِبُ الْجَنَّةَ، وَكَوْنِ الْعِصْيَانِ لِأَمْرِهِ وَالتَّكَبُّرِ عَنِ السُّجُودِ لَهُ مِنَ الْكُفْرِ الَّذِي يُوجِبُ النَّارَ

- ‌41 - بَابُ إِيمَانِ مَنْ تَرَكَ الصَّلاةَ جَحْدًا أَوْ تهَاوُنًا

الفصل: ‌8 - باب بيان أول ما يجب على المكلفين، وأن الدعوة إلى الإسلام على التدريج، وأن دعوة المظلوم مستجابة

‌8 - بَابُ بَيَانِ أَوَّلِ مَا يَجِبُ عَلَى الْمُكَلَّفِينَ، وَأَنَّ الدَّعْوَةَ إِلَى الإِسْلامِ عَلَى التَّدْرِيجِ، وَأَنَّ دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ مُسْتَجَابَةٌ

29 -

(19) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَأَبُو كُرَيبٍ

ــ

8 -

بَابُ بَيَانِ أَوَّلِ مَا يَجِبُ عَلَى الْمُكَلَّفِينَ، وَأَنَّ الدَّعْوَةَ إِلَى الإِسْلامِ عَلَى التَّدْرِيجِ، وَأَنَّ دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ مُسْتَجَابَةٌ

أي هذا باب معقود لبيان أول ما يجب على المكلفين وهو الإقرار بالشهادتين مع اعتقاد معناهما اعتقادًا جازمًا، ودل عليه الحديث بقوله:"فادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأني رسول الله" فإنَّه صلى الله عليه وسلم أمر معاذًا بتقديم الدعوة إلى الشهادتين على سائر الأركان، وباب معقود لبيان أن الدعوة إلى الإِسلام على التدريج أي شيئًا فشيئًا بتقديم الأهم فالأهم لأنه صلى الله عليه وسلم أمره بدعوتهم أولًا إلى الشهادتين ثمَّ إلى الصلاة ثمَّ إلى الزكاة، وبيان أن دعوة المظلوم وشكايته إذاية الظالم إياه إلى الله عز وجل مستجابة ولو كان المظلوم كافرًا.

وترجم لهذا الحديث النواوي بقوله (باب الدعاء إلى الشهادتين وشرائع الإِسلام) وهكذا الترجمة في أكثر نُسخ المتن وترجم له السنوسي بقوله (باب الدعاء إلى الشهادتين وشرائع الإيمان) وهي متقاربة لترجمة النواوي، وترجم له الأبي بقوله (باب حديث معاذ) رضي الله عنه وترجم له القرطبي بقوله (باب أول ما يجب على المكلفين) وترجمتنا أعم وأوضح والله أعلم.

وذكر المؤلف في هذا الباب حديث بعث معاذ إلى اليمن فقط، وهو من أصح الأحاديث لأنه متفق عليه في الصحيحين وذكر فيه متابعتين فقط وبالسندين المتصلين قال المؤلف رحمه الله تعالى:

(29)

- س (19)(حدثنا أبو بكر) عبد الله بن محمَّد (بن أبي شيبة) إبراهيم بن عثمان العبسي الكوفي أحد الأئمة الأعلام من العاشرة مات سنة (235) خمس وثلاثين ومائتين وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في ستة عشر بابا تقريبًا (و) حدثنا أيضًا (أبو كريب) محمَّد بن العلاء بن كريب الهمداني من العاشرة مات سنة (248) ثمان وأربعين ومائتين، وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في عشرة أبواب تقريبًا

ص: 175

وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ جَمِيعًا

ــ

(و) حدثنا أيضًا (إسحاق بن إبراهيم) راهويه أي الذي ولد في الطريق بن مخلد أبو يعقوب الحنظلي الإمام الفقيه الحافظ المروزي عالم خراسان، كان من سادات أهل زمانه فقهًا وعلمًا وحفظًا ونظرًا، قال الخفاف أملى علينا أحد عشر ألف حديث من حفظه ثمَّ قرأها من كتابه فما زاد ولا نقص، روى عن وكيع بن الجراح وعبد الرزاق والنضر بن شميل وجرير بن عبد الحميد وعبد الوهاب الثقفي وسليمان بن حرب وأبي معاوية وابن عيينة وأبي أسامة ومعاذ بن هشام وخلق، ويروي عنه (خ م د ت س) وقال: ثقة مأمون أحد الأئمة، وقال أحمد: لا أعلم لإسحاق نظيرًا، إسحاق عندنا من أئمة المسلمين، وإذا حدثك أبو يعقوب أمير المؤمنين فتمسك به، وقال في التقريب: ثقة حافظ مجتهد قرين أحمد بن حنبل، ذكر أبو داود أنَّه تغير قبل موته بيسير، سكن نيسابور ومات بها ليلة السبت لأربع عشرة ليلة من شعبان سنة (238) ثمان وثلاثين ومائتين وله (72) اثنتان وسبعون سنة.

روى عنه المؤلف في كتاب الإيمان والوضوء والصلاة والجنائز في ثلاثة مواضع والزكاة والصوم في موضعين والحج والبيوع في موضعين والعيوب والوصايا في موضعين والحدود والجهاد في أربعة مواضع والذبائح والأطعمة في موضعين والأدب والطب واللباس والفضائل وفي فضائل الصحابة في موضعين وكفارة المرض والزهد وجملة الأبواب التي روى المؤلف عنه فيها أحد وعشرون بابا تقريبًا، ومن أفراد حديثه في صحيح مسلم في (باب الحث على إكرام الجار والضيف ولزوم الصمت) حديث (76). . . وحدثنا إسحاق بن إبراهيم أخبرنا عيسى بن يونس عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر" الحديث من حديث أبي صالح عن أبي هريرة مشهور، ومن حديث الأعمش عنه تفرد به إسحاق ذكره الأصبهاني في كتاب رجال مسلم (1/ 50).

وقوله (جميعًا) حال من الثلاثة أي حالة كونهم مجتمعين في الرواية عن وكيع أي متفقين فيها سواء كانت في زمن واحد أم لا أكد بجميعًا دون كلهم إشارة إلى أن من روى عنه هذا الحديث غير محصور في هؤلاء الثلاثة، وفائدة هذه المتابعة بيان كثرة

ص: 176

عَنْ وَكِيعٍ، قَال أَبُو بَكْرٍ: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ زَكَرِيَّاءَ بْنِ إِسْحَاقَ، قَال: حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ صَيفِيٍّ،

ــ

طرقه لأنَّ هؤلاء الثلاثة من الثقات الأثبات (عن وكيع) بن الجراح بن مليح الرؤاسي أبي سفيان الكوفي الحافظ أحد الأئمة الأثبات روى عن كهمس بن الحسن وزكرياء بن إسحاق والثوري والأعمش ومسعر وفضيل بن غزوان وهشام بن عروة وخلق، ويروي عنه ابن أبي شيبة وأبو كريب وإسحاق وأبو سعيد الأشج وابن نمير ويحيى بن يحيى وعمرو الناقد وخلائق كثير، وقال في التقريب: ثقة حافظ من كبار التاسعة مات في آخر سنة (196) ست وتسعين ومائة.

روى عنه مسلم في الإيمان والوضوء في موضعين والزكاة وفي الصلاة في خمسة مواضع وفي الدعاء في موضعين وفي الأشربة في خمسة مواضع وفي الصوم في أربعة مواضع وفي الجنائز في ثلاثة مواضع وفي الحج في موضعين والأطعمة والأحكام والنكاح والبيوع في ثلاثة مواضع وفي الجهاد وفي الفتن في موضعين وفي الزهد والقدر وفي البر وجملة الأبواب التي روى المؤلف عنه فيها ثمانية عشر بابا تقريبًا، وقد تقدمت ترجمته في المقدمة وفي أوائل كتاب الإيمان ولكن ما هنا فيه زيادة على ما تقدم، وفيه بعض نقص، قال المؤلف رحمه الله تعالى (قال) لنا (أبو بكر) بن أبي شيبة عند روايته لنا (حدثنا وكيع) بصيغة السماع، وأما أبو كريب وإسحاق فرويا عن وكيع بصيغة العنعنة، وإنما أتى بهذه الجملة أعني قوله (قال أبو بكر) تورعًا من الكذب على شيخه أبي بكر بنسبة العنعنة إليه مع الآخرين لو لم يأت بهذه الجملة (عن زكرياء بن إسحاق) المكي روى عن يحيى بن عبد الله بن صيفي وأبي الزبير وعمرو بن دينار وعطاء ويروي عنه (ع) ووكيع وأبو عاصم وبشر بن السري وروح بن عبادة وعبد الرزاق وجماعة، وقال في التقريب: ثقة رُمي بالقدر من السادسة.

روى عنه المؤلف في الإيمان والوضوء والصلاة والبيوع والطلاق والجهاد وجملة الأبواب التي روى المؤلف عنه فيها ستة أبواب تقريبًا (قال) زكرياء بن إسحاق (حدثني يحيى بن عبد الله) بن محمَّد بن يحيى (بن صيفي) المكي المخزومي مولاهم، ويقال مولى عثمان بن عفان روى عن عكرمة بن عبد الرحمن وأبي معبد مولى ابن عباس وأبي سلمة بن سفيان وعتاب بن حُنين وسعيد بن جبير، ويروي عنه زكريا بن إسحاق

ص: 177

عَنْ أَبِي مَعْبَدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ

ــ

وإسماعيل بن أمية وابن جريج وعبد الله بن أبي نجيح وغيرهم، وثقه النسائي وابن معين، وقال في التقريب: ثقة من السادسة، روى عنه المؤلف في بابين فقط في الإيمان وفي الصوم.

(عن أبي معبد) نافذِ بالنون والفاء والذال المعجمة، ويقال بالقاف والدال المهملة مولى ابن عباس وكان أصدق مواليه، وكان في عداد أهل الحجاز، روى عن مولاه، ويروي عنه (ع) وعمرو بن دينار ويحيى بن عبد الله بن صيفي وأبو الزبير وسليمان الأحول والقاسم بن أبي بزة وفرات القزاز، قال أحمد وابن معين وأبو زرعة ثقة وذكره ابن حبَّان في الثقات، وقال الحميدي عن سفيان عن عمرو بن دينار أخبرني أبو معبد وكان من أصدق موالي ابن عباس، وقال ابن سعد: قال محمَّد بن عمر: مات بالمدينة سنة (104) أربع ومائة، وكان ثقة حسن الحديث، وفيها أرَّخه غير واحد اهـ من التهذيب، وقال في التقريب: ثقة من الرابعة، وفي الأبي وعند ابن ماهان عن أبي معبد الجهني وهو وهم، روى عنه المؤلف في ثلاثة أبواب في الإيمان والصلاة والحج.

(عن) عبد الله (ابن عباس) رضي الله عنهما حبر الأمة وترجمان القرآن وابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد تقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في سبعة عشر بابا تقريبًا (عن معاذ بن جبل) بن عمرو بن أوس بن عائذ بمعجمة بن عدي بن كعب الأنصاري الخزرجي أبي عبد الرحمن المدني الصحابي الجليل أسلم وهو ابن ثماني عشرة سنة وشهد بدرًا والمشاهد والعقبة مع النبي صلى الله عليه وسلم وكان ممن جمع القرآن قال النبي صلى الله عليه وسلم "يأتي معاذ يوم القيامة إمام العلماء" وكان إليه المنتهى في العلم والأحكام والقرآن ومات بالشام بناحية الأردن في طاعون عمواس سنة ثماني عشرة (18) في خلافة عمر وله (33) ثلاث وثلاثون سنة وقُبِرَ ببيسان في شرقيه.

يروي عنه (ع) وابن عباس وأنس وابن عمر ومن التابعين عمرو بن ميمون وأبو مسلم الخولاني ومسروق والأسود بن هلال وأبو الطفيل عامر بن واثلة روى عنه المؤلف في بابين في الإيمان والصلاة وله مائة وسبعة وخمسون حديثًا (157) اتفقا على حديثين وانفرد (خ) بثلاثة و (م) بحديث، وهذا السند من سباعياته ومن لطائفه أنَّه اجتمع فيه كوفيان ومكيان ومدنيان وطائفي، وأن فيه رواية صحابي عن صحابي ورواية مولى عن

ص: 178

- قَال أَبُو بَكْرٍ: رُبَّمَا قَال وَكِيعٌ: عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ مُعَاذًا - قَال: بَعَثَنِي رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَال: "إِنَّكَ تَأْتِي

ــ

مولاه (قال أبو بكر) بن أبي شيبة (ربما قال) لنا (وكيع) عند روايته هذا الحديث (عن ابن عباس أن معاذًا) بدل قوله في الرواية الأولى (عن معاذ بن جبل) أي ذكر (أن) المفتوحة المشددة بدل (عن) الجارة.

قال السنوسي: قوله (عن ابن عباس عن معاذ) في الطريق الأول وفي الآخر (أن معاذًا) إذا حدث صحابي عن صحابي فلا فرق بين عن وأنَّ في صحة الاتصال عند الأكثر، وقال جماعة: أن تقتضي الانقطاع لكنه مرسل صحابي فهو في حكم المتصل على المشهور خلافًا لأبي إسحاق الإسفراييني فاحتاط مسلم رحمه الله تعالى فذكر الأمرين انتهى.

قال النواوي هذا الذي فعله مسلم رحمه الله تعالى في نهاية التحقيق والاحتياط والتدقيق فإن الرواية الأولى قال فيها عن معاذ، والثانية أن معاذًا، وبين أن وعن فرق فإن الجماهير قالوا أن كعن فيحمل على الاتصال، وقال جماعة لا تلتحق أن بعن بل تحمل أن على الانقطاع ويكون مرسلًا ولكنه هنا يكون مرسل صحابي فله حكم المتصل على المشهور من مذاهب العلماء وفيه قول أبي إسحاق الإسفراييني أنَّه لا يحتج به فاحتاط مسلم رحمه الله تعالى وبين اللفظين والله أعلم. انتهى.

(قال) أي معاذ بن جبل قال (بعثني) وأرسلني (رسول الله صلى الله عليه وسلم) إلى اليمن للدعوة إلى الله تعالى، وتعليم الشرائع كما بعث إلى كسرى وقيصر والنجاشي وملك البحرين وملك اليمامة وإلى جبلة بن الأيهم ملك غسان وإلى المقوقس القبطي ملك الأسكندرية فقارب المقوقس الإِسلام وأهدى إلى رسول الله بغلته الشهباء ومارية القبطية وأختها سيرين فاستولد رسول الله صلى الله عليه وسلم مارية ولده إبراهيم، ووهب أختها لحسان بن ثابت شاعر رسول الله صلى الله عليه وسلم فولدت له عبد الرحمن بن حسان بن ثابت، ولم يكن في أولئك القوم الذين أرسل إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أقبح ردًّا من كسرى فإنَّه مزق كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعا عليه النبي صلى الله عليه وسلم فقال:"اللهم مزق ملكه" فمُزق كل ممزق فـ (ـقال) لي رسول الله صلى الله عليه وسلم عند التوديع مبينًا لي كيفية الدعوة (إنك) يا معاذ (تأتي

ص: 179

قَوْمًا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ. . فَادْعُهُمْ إِلَى شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَنِّي رَسُولُ اللهِ، فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لِذَلِكَ. . فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللهَ افْتَرَضَ عَلَيهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيلَةٍ، فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لِذَلِكَ. . فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللهَ افْتَرَضَ عَلَيهِمْ صَدَقَةً تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ فَتُرَدُّ فِي فُقَرَائِهِمْ، فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لِذَلِكَ. . فَإِيَّاكَ وَكَرَائِمَ أَمْوَالِهِمْ،

ــ

قومًا من أهل الكتاب) الأول التوراة والإنجيل وتذهب إليهم للدعوة إلى التوحيد والإِسلام، قال الأبي: الكتابي من أنزل على رسول قومه كتاب أو التزم أحكامه من غير المسلمين فيدخل فيه من تهود أو تنصر من المشركين، ويخرج من فعل ذلك من المسلمين لأنَّ المرتد لا يُقر، قال النواوي: ولما كان أكثر أهل اليمن أهل كتاب نبهه بقوله ذلك ليتهيأ لمناظرتهم، قال القرطبي: يعني اليهود والنصارى لأنهم كانوا في اليمن أكثر من مشركي العرب أو أغلب، وإنما نبهه على هذا ليتهيأ لمناظرتهم ويُعِدَّ الأدلة لإفحامهم لأنهم أهل علم سابق بخلاف المشركين وعبدة الأوثان اهـ (فادعهم) أي فادع أولئك الكتابيين أولًا (إلي شهادة) وإقرار (أن لا إله إلا الله وأني رسول الله) إلى كافة الناس.

قال القرطبي: احتج به من قال إن أول الواجبات الإقرار ولا يصح لأنَّ هذا الدعاء هو الذي يقدم بين يدي القتال، وقد اختلف في وجوب تقديمه، والحديث دليل عليه، قال الأبي:(فإن قال المحتج) لولا أنها أول الواجبات لم يقدمها (أُجيب) بأنها إنما قدمت لتوقف القتال عليها، والخلاف الذي في أول الواجبات إنما هو في أول الواجبات بعد البلوغ (فإن هم أطاعوا) وقبلوا (لذلك) الذي دعوتهم إليه من الإقرار بالشهادتين مع الإذعان بهما (فأعلمهم) أي فأخبرهم (أن الله) سبحانه وتعالى (افترض) أي فرض وأوجب (عليهم) وافتعل هنا بمعنى الثلاثي (خمس صلوات في كل يوم وليلة فإن هم أطاعوا) وقبلوا (لذلك) الذي فرض عليهم من الصلوات الخمس (فأعلمهم) أي فأخبرهم (أن الله) سبحانه (افترض) أي فرض وأوجب (عليهم صدقة) وزكاة (تؤخذ من أغنيائهم) أي من أغنياء أهل اليمن (فترد) أي تصرف وتوزع (في فقرائهم) أي في فقراء أهل اليمن ومستحقيها منهم فيحرم نقلها إلى غيرهم، أو في فقراء المسلمين ومستحقيهم فيجوز نقلها إلى غير أهل اليمن كما هو مذهب مالك (فإن هم أطاعوا) وقبلوا (لذلك) الذي فرض عليهم من الصدقة المذكورة (فإياك وكرائم أموالهم) أي حذر نفسك وباعدها عن أخذ كرائم أموالهم ومواشيهم أي عن أخذ خيارها ونفائسها نظرًا لأرباب الأموال ورفقًا بهم،

ص: 180

وَاتَّقِ دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ؛ فَإِنَّهُ لَيسَ بَينَهَا وَبَينَ اللهِ حِجَابٌ"

ــ

وعن أخذ شرارها ومعيبتها نظرًا لحقوق المستحقين، بل خذ منهم أوساطها نظرًا للجانبين (واتق دعوة المظلوم) أي وتحرز استجابة دعوة الذي ظلم بأخذ كرائم أمواله وقبول لعنته عليك (فإنَّه) أي فإن الشأن والحال (ليس بينها) أي بين دعوة المظلوم ولو كافرًا (وبين الله) أي وبين قبول الله إياها (حجاب) أي حاجز ومانع فإنها سريعة القبول والاستجابة على الظالم وتأخير الإجابة في بعض الأحيان إمهال للظالم لا إهمال.

وهذا الحديث من أصح الأحاديث فإنَّه شارك المؤلف في روايته أحمد وأصحاب الأمهات الخمس فقد رواه أحمد في (1/ 233) والبخاري في (1458) و (4347) و (7371) وأبو داود في (1584) والترمذي (625) والنسائيُّ (5/ 52 وَ 55) وابن ماجه (1783).

(قوله فادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله) إلخ قال القرطبي وهذا الذي أمر النبي صلى الله عليه وسلم به معاذًا هو الدعوة قبل القتال التي كان النبي صلى الله عليه وسلم يُوصي بها أمراءه وقد اختلف في حكمها على ما يأتي في الجهاد وعلى هذا فلا يكون في حديث معاذ حجة لمن تمسك به من المتكلمين على أن أول واجب على كل مكلف معرفة الله تعالى بالدليل والبرهان بل هو حجة لمن يقول إن أول الواجبات التلفظ بكلمتي الشهادة مصدقًا بها وقد اختلف المتكلمون في أول الواجبات على أقوال كثيرة منها ما يُشنع ذكره ومنها ما ظهر ضعفه.

والذي عليه أئمة الفتوى وبهم يقتدى كمالك والشافعيُّ وأبي حنيفة وأحمد بن حنبل وغيرهم من أئمة السلف أن أول الواجبات على المكلف الإيمان التصديقي الجزمي الذي لا ريب معه بالله تعالى وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وما جاءت به الرسل على ما تقرر في حديث جبريل كيفما حصل ذلك الإيمان وبأي طريق إليه توصل، وأما النطق باللسان فمظهر لما استقر في القلب من الإيمان وسبب ظاهر تترتب عليه أحكام الإِسلام وتفصيل ما أجملناه يستدعي تفصيلًا وتطويلًا يُخرج كلامنا عن المقصود. انتهى.

وقوله (فإن هم أطاعوا لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات) إلخ قال القاضي عياض يحتج بهذا الحديث من قال عدم خطاب الكفار بالفروع لأنه لم يُخاطبهم بها إلا بعد الإيمان وأجاب عنه الآخر بأنه إنما قدم الإيمان لأنه آكد كما قدم الصلاة على الزكاة لذلك ولأن الإيمان شرط أداء لا شرط وجوب اهـ.

ص: 181

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

قال الأبي: تقديم الإيمان جيء به على صورة تقديم الشرط وتقديم الصلاة إنما هو تقديم نسق فليس التقديمان سواء، وعلى أنَّه شرط أداء يكون معنى (افترض) طالبهم بالامتثال، وأما تعلق الوجوب فكان بالبلوغ والأظهر في إخبارهم بذلك على التدريج لكونه أدعى إلى الإجابة اهـ.

وعبارة القرطبي هنا وقد احتج بهذا الحديث من قال إن الكفار ليسوا مخاطبين بفروع الشريعة من حيث إنه صلى الله عليه وسلم إنما خاطبهم بالتوحيد أولًا فلما التزموا ذلك خاطبهم بالفروع التي هي الصلاة والزكاة.

وهذا لا حجة لهم فيه لوجهين أحدهما أنَّه لم ينص النبي صلى الله عليه وسلم على أنَّه إنما قدم الخطاب بالتوحيد لما ذكروه، بل يحتمل ذلك، ويحتمل أن يقال إنه إنما قدمه لكون الإيمان شرطًا مصححًا للأعمال الفروعية لا للخطاب بالفروع، إذ لا يصح فعلها شرعًا إلا بتقدم وجوده ويصح الخطاب بالإيمان وبالفروع معًا في وقت واحد، وإن كانت في الوجود متعاقبة، وهذا الاحتمال أظهر مما تمسكوا به ولو لم يكن أظهر فهو مساوٍ له فيكون هذا الخطاب مُجملًا بالنسبة إلى هذا الحكم.

وثانيهما أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما رتب هذه القواعد ليبين الأوكد فالأوكد والأهم فالأهم والله أعلم واقتصار النبي صلى الله عليه وسلم على ذكر القواعد الثلاث لأنها كانت هي المتعينة عليهم في ذلك الوقت، ولا يظن أن الصوم والحج لم يكونا فرضا إذ ذاك لأنَّ بعث معاذ إلى اليمن كان في سنة تسع وقد فرض الحج وقتئذ، وأما الصوم فقد فرض في السنة الثانية من الهجرة، ومات النبي صلى الله عليه وسلم ومعاذ باليمن على الصحيح، وفي تفسير الثعالبي أنَّه رجع من اليمن وهو صلى الله عليه وسلم حيٌّ فسجد لرسول الله فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال:"ما هذا يا معاذ؟ " فقال: هكذا رأيت اليهود والنصارى تسجد لأحبارها وأساقفتها فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "كذبوا إنما السجود لله تعالى" وقول من قال إن الرواة سكتوا عن ذكر الصوم والحج قولٌ فاسد لأنَّ الحديث قد اشتهر واعتنى الناس بنقله سلفًا وخلفًا فلو ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم له شيئًا من ذلك لنقل والله أعلم.

قال السنوسي: ويؤخذ من هذا الحديث أن الوتر ليس بواجب لأنَّ بعث معاذ كان

ص: 182

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

بعد مشروعية الوتر فلو شرع بصفة الوجوب لذكر. انتهى.

قوله (فترد على فقرائهم) احتج به البخاري على عدم نقل الزكاة ولا يظهر لاحتمال عود الضمير على المسلمين لا على فقراء تلك البلدة وفيه دليلٌ لمالك على أن الزكاة لا تجب قسمتها على الأصناف المذكورين في الآية يعني مما سوى العاملين وأنه يجوز للإمام أن يصرفها إلى صنف واحدٍ من الأصناف المذكورين في الآية إذا رأى في ذلك مصلحة دينية وفيه دليل لمن قال إنه يجب على من وجبت عليه أن يدفعها للإمام العادل الذي يضعها في مواضعها ولا يجوز لمن وجبت عليه أن يلي تفرقتها بنفسه إذا أقام الإمام من تدفع إليه وفي ذلك تفصيل يعرف من الفروع (قوله وإياك وكرائم أموالهم) أي خيارها ونفائسها كالمعلوفة وذات اللبن والكرائم جمع كريمة، قال صاحب المطالع: الكريمة جامعة صفة الكمال الممكن في حقها من غزارة لبن وجمال صورة أو كثرة لحم أو صوف، حذره عن ذلك رفقًا بأرباب الأموال، وكذلك لا يأخذ من شرار المال ولا معيبه رفقًا للفقراء فلو طابت نفس رب المال بشيء من كرائم أمواله جاز للمصدِّق أخذها منه ولو أن المصدق رأى مصلحة للفقراء في أخذ المعيبة جاز أخذها، قال النواوي: وهكذا الرواية (فإياك وكرائم أموالهم) بالواوفي قوله وكرائم، قال ابن قتيبة: ولا يجوز أن يقال إياك وكرائم أموالهم بحذفها لأنَّ العطف هنا قائم مقام العامل المحذوف وجوبًا في التحذير وإعرابه فإياك الفاء رابطة لجواب إن الشرطية وجوبا، إيا ضمير نصب منفصل في محل النصب على التحذير بعامل محذوف وجوبًا لقيام العطف مقامه مبني على السكون والكاف حرف دال على الخطاب تقديره باعد نفسك عن أخذ كرائم أموالهم وجملة التحذير في محل الجزم بإن الشرطية على كونها جوابًا لها.

قوله (واتق دعوة المظلوم) أي واحذر الأسباب التي يدعو بها عليك المظلوم بأخذ كرائم أمواله وهي أخذ كرائم ماله، قال الأبي في حديث الدارقطني: ولو كانت من كافر، قال النواوي وفيه وعظ الإمام أُمراءه وتحذيرهم من الظلم، وقال القرطبي: وفيه جواز الدعاء على الظالم قال الأبي: لأنَّ التحذير من قبوله إقرار له، وقد أجازه مالك حتى في الصلاة، وإنما النظر في أيهما أرجح الدعاء أم الترك والصواب الفرق فيترجح الدعاء على من عمَّ ظلمه لأنه من الفساد في الأرض، ويترجح الترك فيمن ظلمه لأنه أوفر للأجر وفي الآثار ما يدل على الأمرين.

ص: 183