الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
38 - بَابُ حُكْمِ إيمانِ مَنْ قَال مُطِرْنَا بِنَوءِ كَذَا
138 -
(68) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، قَال: قَرَأْتُ َعَلَى مَالِكٍ عَنْ صَالِحِ بن كَيسَانَ، عَنْ عُبَيدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ،
ــ
38 -
بَابُ حُكْمِ إيمانِ مَنْ قَال مُطِرْنَا بِنَوءِ كَذَا
أي باب معقود في بيان حكم إيمان من قال مطرنا بنوء كذا أي بنجم كذا وكذا مع اعتقاد اختراعه وتأثيره في حصول المطر، وترجم للحديث الآتي النواوي والقاضي وأكثر المتون بقولهم (باب بيان كفر من قال مطرنا بالنوء) وترجم له الأبي بقوله (باب أحاديث أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر) وترجم له السنوسي بقوله (باب من قال مطرنا بالأنواء فهو كفر) وترجم له القرطبي بقوله (باب نسبة الاختراع لغير الله سبحانه وتعالى حقيقة الكفر) وعدلت إلى ما ترجمت به ليوافق ترجمة كتاب الإيمان والله سبحانه وتعالى أعلم كما مر مرارًا:
(138)
- س (68)(حَدَّثَنَا يحيى بن يحيى) بن بكير التَّمِيمِيّ الحنظلي أبو زكريا النَّيسَابُورِيّ ثِقَة ثبت إمام من العاشرة مات سنة (226) وروى المؤلف عنه في تسعة عشر بابًا تقريبًا (قال) يحيى (قرأت على مالك) بن أنس وأنا وحيد فهو بمعنى أخبرني مالك بن أنس بن مالك بن أبي عامر بن عمرو الأصبحي أبي عبد الله المدنِيّ الفقيه إمام دار الهجرة أحد أعلام الإِسلام، وقال في التقريب: ثِقَة متقن من السابعة بلغ تسعين سنة (90) ومات سنة (179) تسع وسبعين ومائة وولد سنة (93) ثلاث وتسعين ودفن بالبقيع وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في سبعة عشر بابًا تقريبًا (عن صالح بن كيسان) الغفاري أبي محمَّد المدنِيُّ مؤدب ولد عمر بن عبد العزيز تابعي رأى عبد الله بن عمر ثِقَة ثبت فقيه من الرابعة مات بعد الأربعين ومائة (140) روى عنه المؤلف في خمسة أبواب تقريبًا وتقدم البسط في ترجمته (عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة) بن مسعود الهذلي الأعمى أبي عبد الله المدنِيُّ من سادات التابعين واحد الفقهاء السبعة ثِقَة ثبت فقيه من الثالثة مات سنة (94) أربع وتسعين وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في ثمانية أبواب تقريبًا، قال المازري: قيل هو في نسخة ابن ماهان عن صالح عن الزُّهْرِيّ عن عبيد الله وإدخال الزُّهْرِيّ بينهما خطأ لأن صالحًا أسن منه وهو يرويه عن عبيد الله بلا واسطة اهـ من الأبي.
عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الجُهَنِيِّ قَال: صَلَّى بِنَا رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم صَلاةَ الصبحِ بِالحُدَيبِيَةِ في إِثْرِ سَمَاءٍ كَانَتْ مِنَ اللَّيلِ،
ــ
(عن زيد بن خالد الجهني) من جهينة بن زيد بن ليث بن سود بن أسلم بن إلحاف بن قضاعة حديثه في أهل الحجاز أبي طلحة المدنِيُّ ويقال أبو عبد الرَّحْمَن صحابي مشهور له أحد وثمانون حديثًا اتفقا على خمسة وانفرد (م) بثلاثة روى عن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم وعن عثمان وأبي طلحة الأَنْصَارِيّ ويروي عنه (ع) وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة وعطاء بن يسار وعبد الله بن قيس بن مخرمة ويزيد مولى المنبعث وبسر بن سعيد وعبيد الله الخولاني وجماعة، مات بالكوفة في آخر ولاية معاوية وقيل بالمدينة سنة (78) وله (85) خمس وثمانون سنة، روى عنه المؤلف في الإيمان وفي الوضوء في موضعين والصلاة والأحكام واللباس في خمسة أبواب.
وهذا السند من خماسياته، رجاله كلهم مدنيون إلَّا يحيى بن يحيى فإنَّه نيسابوري، ومن لطائفه أن فيه رواية تابعي عن تابعي وهو صالح عن عبيد الله (قال) زيد بن خالد (صلى) جماعة (بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الصبح بالحديبية) أكثر الرواة يشددون ياء الحديبية، وهي لغة أهل اليمن، وأهل العراق يخففونها، وكذا الجعرانة، تقولها أهل المدينة بكسر العين وتشديد الراء، وأهل العراق يسكنون العين ويخففون الراء، وكذا ابن المسيّب أهل المدينة يكسرون الياء مشددة وأهل العراق يفتحونها، وكذلك قرأته وقيدته على من لقيته وقيدت عليه، والحديبية موضع فيه ماء بينه وبين مكة أميال، وصل النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم إليه وهو محرم بعمرة قبل فتح مكة فصده المشركون عن البيت، فصالحهم وشرط لهم وعليهم ولم يدخل مكة في تلك السنة، ورجع إلى المدينة فلما كان العام المقبل دخلها وسيأتي تفصيل ذلك كله إن شاء الله تعالى اهـ قرطبي.
(في إثر سماء) أي عقب مطر (كانت من الليل) أي وقعت في الليل، وفي نسخة الأبي والسنوسي "إثر سماء" بحذف في، وعلى نسختنا هذه ففي زائدة، وإثر الشيء بكسر الهمزة وإسكان الثاء المثلثة بعده وعقبه، ويقال فيه أَثر بفتح الهمزة والثاء، والسماء هنا المطر، سُمي بذلك لأنه من السماء ينزل، وحقيقة السماء كل ما علاك فأظلك، قال القاضي جمع السماء أسمية وسُمى، وأصل السماء سماو لأنه من السمو قُلبت الواو
فَلَمَّا انْصَرَفَ .. أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ، فَقَال:"هَلْ تَدْرُونَ مَاذَا قَال رَبُّكُمْ؟ ، قَالُوا: الله وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَال: "قَال: أَصْبَحَ مِنْ عِبَادِي مُؤمِنٌ بِي وَكَافِرٌ، فأَمَّا مَنْ قَال:
ــ
همزة لوقوعها متطرفة بعد ألف زائدة، وهذا القلب مطرد، وسُمي المطر سماء تسمية للشيء باسم محله لأنه ينزل من السماء أي السحاب، وسمي السحاب سماء كما سُمي مُزنًا، لأن كل ما علا وأظل فهو سماء، وسماء كل شيء ما ارتفع منه اهـ.
وفي تفسير الحدائق عند قوله تعالى {فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ} قال سلمان الفارسي: والسموات سبعٌ، اسم الأولى: رُفَيعٌ مصغرًا، وهي من زمردة خضراء، واسم الثانية: أرفلون وهي من فضة بيضاء، والثالثة: قيدوم وهي من ياقوتة حمراء، والرابعة: ماعون وهي من دُرة بيضاء، والخامسة: دبقاء وهي من ذهب أحمر، والسادسة: وَفناء وهي من ياقوتة صفراء، والسابعة: عروباء وهي من نور يتلألأ اهـ.
وقد نظم بعضهم أسماء السموات السبع والكرسي والعرش العظيم فقال:
أولاها رُفيعٌ ثانيها أرفلون
…
ثالثها قيدوم رابعها ماعون
خامسها دبقاء والسادس وَفناء
…
سابعها عروباء سميت بهن السماء
ثامنها هو الكرسي الكريم
…
كذا تاسعها العرش العظيم
(فلما انصرف) وفرغ وسلم رسول الله صلى الله عليه وسلم من صلاة الصبح (أقبل) بوجهه الشريف (على الناس) الذين صلوا معه، وفي المفهم: أي فلما انصرف من صلاته وفرغ منها، ظاهره أنه لم يكن يثبت في مكان صلاته بعد سلامه بل كان ينتقل عنه، ويتغير عن حالته وهذا هو الذي يستحبه مالك للإمام في المسجد اهـ.
(فقال) صلى الله عليه وسلم لهم (هل تدرون) وتعلمون (ماذا قال) أي ما الذي قاله (ربكم) وخالقكم في هذه الليلة، فما استفهامية في محل الرفع مبتدأ، وذا اسم موصول في محل الرفع خبر، وجملة قال صلة الموصول والعائد محذوف كما قدرناه والجملة الاستفهامية سادة مسد مفعولي درى معلق عنها باسم الاستفهام (قالوا) أي الحاضرون سلوكًا مسلك الأدب وتفويضًا للعلم إلى الله سبحانه (الله) سبحانه وتعالى (ورسوله) صلى الله عليه وسلم (أعلم) أي عالمان ذلك لا نحن (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (قال) الله سبحانه (أصبح) أي دخل الصباح (من عبادي) فريق (مؤمن بي و) فريق (كافر) بي والفاء في قوله (فأما من قال) للإفصاح لأنها أفصحت عن جواب شرط
مُطِرْنَا بِفَضْلِ اللهِ وَرحْمَتِهِ .. فَذَلِكَ مُؤْمِنٌ بِي كَافِرٌ بالْكَوْكَبِ، وأَمَّا مَنْ قَال: مُطِرْنَا بِنَوْءِ كَذَا وَكَذَا .. فَذَلِكَ كَافِرٌ بِي مُؤْمِنٌ بِالْكَوْكَبِ"
ــ
مقدر، تقديره إذا عرفتم أن عبادي فريقان وأردتم بيان كل فريق فأقول لكم: أما من قال (مطرنا) أي رزقنا المطر (بفضل الله) سبحانه وتعالى أي بتفضله وتكرمه علينا (ورحمته) وإحسانه لنا (فذلك) أي قائل مُطرنا بفضل الله ورحمته (مؤمن بي) أي مصدق بأن المطر خلقي لا خلق الكوكب، أرحم به من أشاء من عبادي وأتفضل عليهم كما قال تعالى:{وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ (28)} سورة الشورى: آية (28)(كافر بالكوكب) أي جاحد بتأثير الكوكب وإنشائه للمطر.
(وأما من قال مُطرنا بنوء كذا وكذا) بنجم كذا وكذا كالثريا والدبران أي بطلوعه أو بغروبه وقت الفجر (فذلك) أي قائل مُطرنا بنوء كذا (كافر بي) أي جاحد بفضلي وإحساني ورحمتي (مؤمن بالكوكب) أي مصدق بتأثير الكوكب وإنشائه المطر، ومعتقد له، قال القرطبي: ظاهره أنه الكفر الحقيقي، لأنه قابل به المؤمن الحقيقي، فيُحمل على من اعتقد أن المطر من فعل الكواكب وخلقها لا من فعل الله تعالى كما يعتقده بعض جهال المنجمين والطبائعيين والعرب، فأما من اعتقد أن الله تعالى هو الذي خلق المطر واخترعه ثم تكلم بذلك القول "أعني مُطرنا بنوء كذا" فليس بكافر، ولكنه مخطئ من وجهين: أحدهما: أنه خالف الشرع فإنه قد حذر من ذلك الإطلاق، وثانيهما: أنه قد تشبه بأهل الكفر في قولهم، وذلك لا يجوز لأنا قد أمرنا بمخالفتهم فقال:"خالفوا المشركين" رواه البخاري ومسلم من حديث عبد الله بن عمر، وقال:"خالفوا اليهود" رواه أبو داود من حديث شداد بن أوس، ونُهينا عن التشبه بهم، وذلك يقتضي الأمر بمخالفتهم في الأفعال والأقوال، ولأن الله تعالى قد منعنا من التشبه بهم في النطق بقوله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقُولُوا رَاعِنَا} [البقرة: 104] لما كان اليهود يقولون تلك الكلمة للنبي صلى الله عليه وسلم يقصدون ترعينه- حفظنا الله من إطلاقها وقولها للنبي صلى الله عليه وسلم وإن قصدنا بها الخير سدًا للذريعة ومنعًا من التشبه بهم فلو قال غير هذا اللفظ الممنوع يُريد به الإخبار عما أجرى الله به سنته جاز كما قال صلى الله عليه وسلم: "إذا نشأت بحرية ثم تشاءمت فتلك عين غديقة" أي كثيرة الماء رواه الطبراني في الأوسط وقال: تفرد به الواقدي وفيه مقال، وفي هامش إكمال المعلم انفرد
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
به مالك في الموطأ وذكره بلاغًا، قال ابن عبد البر: هذا الحديث لا أعرفه بوجه من الوجوه في غير الموطأ إلا ما ذكره الشافعي في الأم ومعنى إذا نشأت بحرية أي إذا ظهرت سحابة من ناحية البحر ومعنى تشاءمت أي أخذت نحو الشام وغديقة تصغير غدقة، وقال مالك: معناه إذا ضربت ريح بحرية فأنشأت سحابًا ثم ضربت ريح من ناحية الشمال فتلك علامة المطر الغزير والعين مطر أيام لا يقلع اهـ منه.
وقوله (بنوء كذا) والنوء لغة: النهوض بثقل يقال ناء الرجل بكذا إذا نهض به متثاقلًا ومنه قوله تعالى: {لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ} "القصص آية 76" أي لتثقلهم عند النهوض بها ثم استعمل في ناء الكوكب إذا طلع، وقيل إذا غرب، ثم سُمي الكوكب نفسه نوأً، فقالوا مُطرنا بنوء كذا، أي بنجم كذا من تسمية الفاعل بالمصدر، وإنما نسبت العرب المطر إلى النجوم لأن ثمانية وعشرين كوكبًا معروفة المطالع في السنة وهي المسماة بمنازل القمر الثمانية والعشرين يسقط منها في كل ثلاث عشرة ليلة كوكب عند طلوع الفجر ويظهر نظيره، فكانت العرب إذا طلع نجم من المشرق وسقط آخر من المغرب فحدث عند ذلك مطر أو ريح أو حر أو برد فمنهم من ينسبه إلى الطالع، ومنهم من ينسبه إلى الغارب الساقط نسبة إيجاد واختراع، ويطلقون ذلك القول المذكور في الحديث، فنهى الشرع عن إطلاق ذلك لئلا يعتقد أحد اعتقادهم، ولا يتشبه بهم في نُطقهم والله أعلم، قال الزجاج في بعض أماليه: الساقطة في المغرب هي الأنواء، والطالعة في المشرق هي البوارح اهـ.
وقد جمع منازل القمر الثمانية والعشرين في وسيلة الطلاب إلى علمي الفلك والحساب في ستة أبيات فقال:
أولها الشرطين ثم البُطينْ
…
ثم الثريا الواضح المستبينْ
ودبران هَقعَةٌ وهَنْعةْ
…
ذراعُ نَثْرةٌ وطرفُ جبهةْ
والخرثانُ زُبرةَ تُسمى
…
والصرفةُ العوا السماك ثما
غَفْرٌ زُبَانا اكليلُ قلبٌ بعدَهْ
…
وشولةٌ نعائمٌ وبلدهْ
سعدٌ ذابحٌ سعدٌ بلعهْ
…
سعدُ سعودٍ سعدُ الأخبيةْ
والفرغُ ذو التقديمِ والفرغُ الأخير
…
وبطنُ حوتٍ والرشا فيه شهيرْ
138 -
(68) حَدَّثَنِي حَرْمَلَةُ بْنُ يَحيَى وَعَمْرُو بْنُ سَوَّادٍ الْعَامِرِيُّ
ــ
قال النواوي: وأما معنى هذا الحديث فاختلف العلماء في كفر من قال مُطرنا بنوء كذا على قولين أحدهما هو كفر بالله سبحانه وتعالى، سالب لأصل الإيمان، مخرج من ملة الإسلام، قالوا: وهذا فيمن قال ذلك معتقدًا أن الكوكب فاعل مدبر منشئ للمطر كما كان بعض أهل الجاهلية يزعم، ومن اعتقد هذا فلا شك في كفره، وهذا القول هو الذي ذهب إليه جماهير العلماء، والشافعي منهم، وهو ظاهر الحديث، قالوا: وعلى هذا لو قال مُطرنا بنوء كذا معتقدًا أنه من الله تعالى وبرحمته، وأن النوء ميقات له وعلامة، اعتبارًا بالعادة، وكأنه قال: مطرنا في وقت كذا، فهذا لا يكفر، واختلفوا في كراهته والأظهر كراهته، لكنها كراهة تنزيه لا إثم فيها، وسبب الكراهة أنها كلمة مترددة بين الكفر وغيره، فيساء الظن بصاحبها، ولأنها شعار الجاهلية، ومن سلك مسلكهم.
والقول الثاني: في أصل تأويل الحديث أن المراد كفر نعمة الله تعالى لاقتصاره على إضافة الغيث إلى الكوكب، وهذا فيمن لا يعتقد تدبير الكوكب، ويؤيد هذا التأويل الرواية الأخيرة في الباب "أصبح من الناس شاكر وكافر"، وفي الرواية الأخرى "ما أنعمت على عبادي من نعمة إلا أصبح فريق منهم بها كافرين، وفي الرواية الأخرى "ما أنزل الله تعالى من السماء من بركة إلا أصبح فريق من الناس بها كافرين" فقوله بها يدل على أنه كفر بالنعمة والله أعلم انتهى.
وشارك المؤلف رحمه الله تعالى في رواية هذا الحديث، أعني حديث زيد بن خالد، أحمد (4/ 117)، والبخاري (846)، وأبو داود (3906)، والنسائي (3/ 165). ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث زيد بن خالد، بحديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنهما فقال:
(138)
- ش (68)(حدثني حرملة بن يحيى) بن عبد الله بن حرملة التجيبي، أبو حفص المصري صدوق من الحادية عشرة، مات سنة (244) روى عن عبد الله بن وهب في مواضع (و) حدثني أيضًا (عمرو بن سواد) بتشديد الواو، بن الأسود بن عمرو بن محمد بن عبد الله بن سعد بن أبي سرح (العامري) السرحي بمهملات، أبو محمد المصري، روى عن ابن وهب في الإيمان وغيره، ويروي عنه (م دس ق) وابن قتيبة العَسْقَلِي، قال أبو حاتم: صدوق، وقال في التقريب: ثقة من الحادية عشرة، مات سنة
وَمُحَمدُ بْنُ سَلَمَةَ الْمُرَادِيُّ، قَال الْمُرَادِيُّ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ عَنْ يُونُسَ، وَقَال الآخَرَانِ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَال: أَخْبَرَنِي يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهابٍ، قَال: حَدَّثَنِي عُبَيدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ: أَن أَبَا هُرَيرَةَ قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "أَلَمْ تَرَوْا إِلَى مَا قَال رَبُّكُمْ؟ !
ــ
(245)
خمس وأربعين ومائتين (و) حدثني أيضًا (محمد بن سلمة) بن عبد الله بن أبي فاطمة (المرادي) الجمليُّ -بفتح الجيم والميم- مولاهم أبو الحارث، المصري الفقيه، روى عن ابن وهب في الإيمان وغيره، وعن ابن القاسم وجماعة، ويروي عنه (م د س) وقال النسائي: ثقة ثقة، وقال ابن يونس: كان ثبتًا، وقال في التقريب: ثقة ثبت من الحادية عشرة، وفائدة هذه المقارنة تقوية السند، لأن الأولين من الثلاثة صدوقان، وأتى بقوله (قال المرادي حدثنا عبد الله بن وهب عن يونس) بصيغة التحديث، وبقوله (وقال الآخران) حرملة وعمرو (أخبرنا ابن وهب) بصيغة الإخبار تورعًا من الكذب على الأخيرين، لو قال في الكل حدثنا، ومن الكذب على الأول لو قال في الكل أخبرنا، لأن بين حدثنا وأخبرنا فرقًا في اصطلاح مسلم، أي قالوا أخبرنا عبد الله بن وهب بن مسلم القرشي، مولى بني فهر، أبو محمد المصري، ثقة حافظ عابد، من التاسعة، مات سنة (197) سبع وتسعين ومائة، وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في ثلاثة عشر بابًا تقريبًا (قال) ابن وهب (أخبرني يونس) بن يزيد بن أبي النجاد، مشكان القرشي الأموي، مولى معاوية بن أبي سفيان أبو يزيد الأيلي، وثقه النسائي، وقال في التقريب: ثقة من كبار السابعة، مات سنة (159) تسع وخمسين ومائة، وتقدم البسط في ترجمته روى عنه المؤلف في ستة أبواب تقريبًا (عن) محمد بن مسلم (بن شهاب) القرشي الزهريّ أبي بكر المدني، ثقة متقن حافظ، متفق على جلالته وإتقانه، من رؤوس الطبقة الرابعة، مات سنة (125) خمس وعشرين ومائة، وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في ثلاثة وعشرين بابًا تقريبًا (قال) ابن شهاب (حدثني عبيد الله بن عبد الله بن عتبة) بن مسعود الهذلي أبو عبد الله المدني، أحد الفقهاء السبعة، ثقة ثبت فقيه، من الثالثة مات سنة (94) روى عنه المؤلف في (8) أبواب تقريبًا.
(أن أبا هريرة) عبد الرحمن بن صخر الدوسي المدني، وهذا السند من سداسياته، رجاله ثلاثة منهم مدنيون واثنان مصريان وواحد أيلي (قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ألم تروا) أي ألم تنظروا (إلى ما قال ربكم) وخالقكم بقلوبكم
قَال: مَا أَنْعمْتُ عَلَى عِبَادِي مِنْ نِعْمَةٍ .. إلا أَصْبَحَ فَرِيقٌ مِنْهُم بِها كَافِرِينَ يَقُولُونَ: الْكَوَاكِبُ وَبِالْكَوَاكِبِ".
139 -
(00) وَحَدَّثَنِي مُحَمدُ بْنُ سَلَمَةَ الْمُرَادِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ عَنْ عَمرِو بْنِ الْحَارِثِ، ح وَحَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ سوَّادٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنَا عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ:
ــ
وتتفكروا فيه (قال) ربكم (ما أنعمت) وتفضلت (على عبادي) برًا وفاجرًا (من نعمة) أي من مطر (إلا أصبح فريق) وجماعة (منهم بها) أي بتلك النعمة (كافرين) أي إلا دخلوا في الصباح حالة كونهم كافرين جاحدين بها، على جعل أصبح تامة، أو كانوا جاحدين بها غير شاكرين عليها، على أنها ناقصة وجملة قوله (يقولون) حال ثانية أو خبر ثان لأصبح، أي حالة كونهم يقولون أمطرت (الكواكب) أ (و) يقولون مُطرنا (بالكواكب) أي بالنجوم، أي بطلوع نجم كذا أو غروبه.
قال الأبي: (قوله ما أنعمت على عبادي من نعمة) وفي الآخر (ما أنزلت من بركة) -يعني بالنعمة والبركة المطر لا عموم النعم، ثم يحتمل أن هذه المقالة منهم كانت فيما قبل واستمرت، ويحتمل أنها إنما كانت فيما قبل الإخبار بهذا الحديث.
وشارك المؤلف رحمه الله تعالى في رواية هذا الحديث أعني حديث أبي هريرة، النسائي فقط، كما في التحفة، ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه فقال:
(139)
- متا (00)(وحدثني محمد بن سلمة المرادي) أبو الحارث المصري الفقيه ثقة ثبت من الحادية عشرة، قال محمد بن سلمة (حدثنا عبد الله بن وهب) بن مسلم القرشي أبو محمد المصري ثقة من (9)، مات سنة (197)(عن عمرو بن الحارث) بن يعقوب الأنصاري، مولاهم أبي أمية المصري الفقيه المقرئ، أحد الأئمة الأعلام، ثقة فقيه حافظ، من السابعة، مات سنة (148)، وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في ثلاثة عشر بابًا تقريبًا. (ح) أي حول المؤلف السند (و) قال (حدثني عمرو بن سواد) بن الأسود العامري أبو محمد المصري من (11) مات سنة (245) قال عمرو (أخبرنا عبد الله بن وهب) المصري القرشي قال ابن وهب (أخبرنا عمرو بن الحارث) الأنصاري المصري، وأتى بحاء التحويل لبيان اختلاف صيغتي شيخيه لأن
أَنَّ أَبَا يُونُسَ مَوْلَى أَبِي هُرَيرَةَ، حَدَّثَهُ عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، عَنْ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم قَال:"مَا أَنْزَلَ اللهُ مِنْ السَّمَاءِ مِنْ بَرَكَةس .. إلَّا أَصْبَحَ فَرِيقٌ مِنَ النَّاسِ بِها كَافِرِينَ، يُنْزِلُ الله الْغَيثَ فَيَقُولُونَ: الْكَوْكَبُ كَذَا وَكَذَا"، وَفِي حَدِيثِ الْمُرَادِيِّ:"بِكَوْكَبِ كَذَا وَكَذَا".
140 -
(69) وَحَدَّثَنِي عَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْعَظِيمِ الْعَنْبَرِيُّ،
ــ
المرادي قال: حدثنا ابن وهب عن عمرو بن الحارث، وقال عمرو بن سواد أخبرنا ابن وهب أخبرنا ابن الحارث أي أخبرنا عمرو بن الحارث (أن أبا يونس) سليم بن جبير المصري (مولى أبي هريرة) الدوسي روى عن أبي هريرة في الإيمان والصلاة والزكاة وغيرها ويروي عنه (م د ت) وعمرو بن الحارث وحيوة بن شريح، وثقه النسائي، وقال في التقريب: ثقة من الثالثة مات سنة (123) ثلاث وعشرين ومائة (حدثه) أي حدث عمرو بن الحارث (عن أبي هريرة) عبد الرحمن بن صخر الدوسي المدني وهذا السند من سداسياته ومن لطائفه أن رجاله كلهم مصريون إلا أبا هريرة فإنه مدني وغرضه بسوق هذا السند بيان متابعة أبي يونس لعبيد الله بن عبد الله في رواية هذا الحديث عن أبي هريرة وكرر متن الحديث لما في هذه الرواية من المخالفة للرواية الأولى في بعض الكلمات.
(عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ما أنزل الله) سبحانه وتعالى (من السماء) أي من السحاب سمي سماء لارتفاعه عن الأرض (من بركة) أي من مطر سمي بركة لأنه سبب لخيرات أهل الأرض وأرزاقهم (إلا أصبح) أي دخل في الصباح (فريق) وجماعة (من الناس بها كافرين) أي حالة كونهم كافرين وجاحدين بكونها من فضل الله سبحانه أو معرضين عن شكرها فإنه (ينزل الله) سبحانه وتعالى (الغيث) والمطر (فـ) ـهم (يقولون) أمطر (الكوكب كذا وكذا) أي أمطر النجم الفلاني مطرًا صفته كذا وكذا فيضيفون المطر إلى غير الله تعالى مع أنه الممطر (وفي حديث) محمد بن سلمة (المرادي) وروايته مطرنا (بكوكب) أي بنجم (كذا وكذا) كطلوع الثريا وغروب الهقعة والهنعة مثلًا.
ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثانيًا لحديث زيد بن خالد الجهني بحديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما فقال:
(140)
- ش (69)(وحدثني عباس بن عبد العظيم) بن توبة بن كيسان (العنبري) أبو
حَدَّثَنَا النَّضْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ -وَهُوَ ابْنُ عَمَّارٍ- حَدَّثَنَا أَبُو زُمَيلٍ، قَال: حَدَّثَنِي ابْنُ عَبَّاسٍ
ــ
الفضل المروزي البصري الحافظ، قال القاضي: وعند العذري الغبري وهو تصحيف، روى عن النضر بن محمد في الإيمان وغيره وأبي هشام المغيرة بن سلمة المخزومي في الحج وأبي بكر الحنفي في الزهد ويزيد بن هارون ومعاذ بن هشام وخلق فجملة الأبواب التي روى عنه المؤلف فيها ثلاثة.
ويروي عنه (م عم) و (خ) تعليقًا وابن خزيمة، وقال في التقريب: ثقة حافظ من كبار الحادية عشرة مات بالبصرة سنة (246) قال العباس (حدثنا النضر بن محمد) بن موسى الجرشي بالجيم المضمومة والشين المعجمة الأموي مولاهم أبو محمد اليمامي روى عن عكرمة في الإيمان والصوم والحج والأحكام وصفة النبي صلى الله عليه وسلم والفضائل والنفاق وأبي أويس عبد الله في الصلاة فجملة الأبواب التي روى عنه المؤلف فيها ثمانية ويروي عنه (خ م د ت ق) وعباس بن عبد العظيم وعبد الله الرومي وأحمد بن جعفر المعقري في الصلاة وأحمد بن يوسف الأزدي وغيرهم وثقه العجلي، وقال في التقريب: له أفراد من التاسعة، قال النضر بن محمد (حدثنا عكرمة) بن عمار العجلي الحنفي أبو عمار اليمامي أصله من البصرة أحد الأئمة روى عن أبي زميل سماك الحنفي وإياس بن سلمة بن الأكوع ويحيى بن كثير وإسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة وشداد بن عبد الله أبي عمار وسالم بن عبد الله ويزيد بن عبد الرحمن بن أذينة وغيرهم ويروي عنه (م عم) والنضر بن محمد وابن مهدي وابن المبارك وشعبة والسفيانان وخلق، وثقه ابن معين والعجلي، وقال في التقريب: صدوق من الخامسة يغلط، وكان مجاب الدعوة مات سنة (159) تسع وخمسين ومائة، وقد تقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في تسعة أبواب، وأتى بلفظة هو في قوله (وهو ابن عمار) إشارة إلى أن هذه النسبة ليست مما سمعه من شيخه بل مما زاده من عند نفسه، وإيضاحًا للراوي، قال عكرمة (حدثنا أبو زُميل) مصغرًا سماك بن الوليد بكسر أوله وتخفيف الميم الحنفي اليمامي، نزيل الكوفة، روى عن ابن عباس في الإيمان والطلاق والجهاد والفضائل، ومالك بن مرثد، ويروي عنه (م عم) وعكرمة بن عمار ومسعَر وشعبة، وثقه أحمد وابن معين والعجلي، قال أبو حاتم: صدوق لا بأس به، وقال ابن عبد البر: أجمعوا على أنه ثقة، فجملة الأبواب التي روى المؤلف عنه فيها أربعة (قال) أبو زُميل (حدثني ابن عباس) بن
قَال: مُطِرَ النَّاسُ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "أصْبَحَ مِنَ النَّاسِ شَاكِرٌ وَمِنْهُمْ كَافِرٌ، قَالُوا: هذِهِ رَحْمَةُ الله، وَقَال بَعضُهُم: لَقَدْ صَدَقَ نَوْءُ كَذَا وَكَذَا، قَال: فَنَزَلَتْ هذِهِ الآيَةُ {فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ (75)} حتى بَلَغَ {وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ (82)}
ــ
عبد المطلب القرشي الهاشمي ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم أبو العباس المكي ثم المدني ثم الطائفي، وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في أربعة عشر بابا تقريبًا، وهذا السند من خماسياته، رجاله ثلاثة منهم يماميون وواحد طائفي وواحد بصري (قال) ابن عباس (مُطر الناس) أي حصل المطر لهم (على عهد النبي صلى الله عليه وسلم أي في زمان حياته (فقال النبي صلى الله عليه وسلم أصبح من الناس) أي دخل في الصباح (شاكر) أي فريق شاكر لربه منهم (ومنهم كافر) أي وفريق كافر لنعمة ربه منهم (قالوا) أي قال الشاكرون (هذه) البركة والمطر (رحمة الله) تعالى وفضله وإحسانه فلهُ الشكر عليها (وقال بعضهم) الكافرون والله (لقد صدق) طلوع أو سقوط (نوء كذا وكذا) أي نجم كذا وكذا أي نجم الثريا أو الشرطين أو البطين [(قال) ابن عباس] (فنزلت هذه الآية) الكريمة أي نزل قوله تعالى:{فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ (75)} أي أقسم لكم بمواقعها والمراد بالنجوم نجوم السماء ومواقعها مطالعها أو مغاربها أو انكدارها وانتشارها في القيامة على اختلاف المفسرين في ذلك وقيل المراد بمواقع النجوم منازل القرآن لأنه نزل نجومًا وقيل مواقع النجوم محكم القرآن (حتى بلغ) القرآن النازل قوله تعالى {وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ} أي شكر رزقكم الذي هو المطر فالكلام على حذف مضاف ({أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ}) أي التكذيب أي تكذيب كونه من الله تعالى حيث تقولون مطرنا بنوء كذا، قال ابن الصلاح: وظاهر هذا الكلام أن جميع هذا نزل في قولهم في الأنواء وليس الأمر كذلك بل النازل في ذلك قوله تعالى ({وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ (82)}) والباقي نزل في غير ذلك ولكن اجتمعا في وقت النزول فذكر الجميع من أجل ذلك ومما يدل على هذا أن في بعض الروايات عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما في ذلك الاقتصار على هذا القدر اليسير فحسب واختلف أيضًا في الرزق المذكور فقال ابن عباس {وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ} أي شكركم تقولون مطرنا بنوء كذا ونجم كذا وقال قطرب الرزق هنا الشكر والتحقيق أن معناه وتجعلون عوض شكر ربكم ونعمه قولَكم هذا وإضافة
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
رحمته لكم لغيره اهـ، وعن الهيثم بن عدي في لغة أزد شنوءة ما رزق فلان فلانًا أي ما شكر اهـ تفسير الطبري.
قال القرطبي: وقوله (أصبح من الناس شاكر ومنهم كافر) أصل الشكر الظهور ومنه قولهم (دابة شكور) إذا ظهر عليها من السمن فوق ما تأكله من العلف والشاكر هو الذي يثني بالنعمة ويظهرها ويعترف بها للمنعم، وجحدها كفرانها فمن نسب المطر إلى الله تعالى وعرف منته فيه فقد شكر الله تعالى ومن نسبه إلى غيره فقد جحد نعمة الله تعالى في ذلك وظلم بنسبتها لغير المنعم بها فإن كان ذلك عن اعتقاد كان كافرًا ظالمًا حقيقة وإن كان عن غير معتقد فقد تشبه بأهل الكفر والظلم الحقيقي كما قلناه آنفًا وقد قابل في هذا الحديث بين الشكر والكفر فدل ظاهره على أن المراد بالكفر ها هنا كفران النعم لا الكفر بالله تعالى ويحتمل أن يكون المراد به الكفر الحقيقي ويؤيد ذلك استدلال النبي صلى الله عليه وسلم بقوله تعالى {وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ (82)} .
والقسم الإيلاء والحلف وهذا وأشباهه قسم من الله تعالى على جهة التشريف للمقسم به والتأكيد للمقسم له ولله تعالى أن يقسم بما شاء من أسمائه وصفاته ومخلوقاته تشريفًا وتنويهًا كما قال تعالى {وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا (1)} وقوله {وَاللَّيلِ إِذَا يَغْشَى (1)} وقوله {وَالْعَادِيَاتِ} وقوله {وَالْمُرْسَلَاتِ} {وَالنَّازِعَاتِ} ونحو هذا انتهى.
وهذا الحديث أعني حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما انفرد به المؤلف عن أصحاب الأمهات وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب ثلاثة أحاديث، الأول حديث زيد بن خالد وذكره للاستدلال والثاني حديث أبي هريرة وذكر فيه متابعة واحدة والثالث حديث ابن عباس وذكرهما للاستشهاد لحديث زيد بن خالد الجهني والله أعلم.