المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌27 - باب نسبة الإيمان والحكمة إلى اليمن وجعل القسوة وغلظ القلوب في ربيعة ومضر - الكوكب الوهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج - جـ ٢

[محمد الأمين الهرري]

فهرس الكتاب

- ‌ كِتَابُ الإِيمَانِ

- ‌1 - بَابُ بَيَان الإِيمَان وَالإِسْلامِ وَالإِحْسَان، وَوُجُوبِ الإِيمَان بِالقَدَرِ خَيرِهِ وَشَرِّهِ مِنَ اللهِ تَعَالى، وَبَيَان الدَّلِيلِ عَلَى وُجُوبِ التَّبَرِّي مِمَّنْ لَا يُؤْمِنُ بِالْقَدَرِ، وَإِغْلاظِ الْقَوْلِ فِي حَقِّهِ

- ‌(فصل) في بيان دقائق هذا السند ولطائفه

- ‌ترجمة عمر بن الخطاب وولده عبد الله رضي الله عنهما

- ‌2 - بَابُ عَدَمِ وُجُوبِ مَا عَدَا الصَّلَوَاتِ الخَمْسَ وَمَا عَدَا صِيَامَ رَمَضَانَ، وَمَا عَدَا الزَّكَوَاتِ المَفْرُوضَةَ

- ‌3 - بَابُ عَرْضِ الرَّجُلِ مَا عِنْدَهُ عَلَى المُحَدِّثِ؛ ليسْتَثْبِتَ فِيهِ، وَاكْتِفَاءِ الحَاضِرِينَ بِسُؤالِ البَادِي الوَافِدِ الإِمَامَ عَمَّا أَشْكَلَ عَلَيهِمْ مِنْ أُمُورِ الدِّينِ إِذَا هَابُوهُ

- ‌4 - بَابُ مَنِ اقْتَصَرَ عَلَى فِعْلِ مَا وَجَبَ عَلَيهِ، وانْتَهَى عَمَّا حُرِّمَ عَلَيهِ .. دَخَلَ الجَنَّةَ

- ‌5 - بَابُ مَنْ حَرَّمَ الحَرَامَ، وَأَحَلَّ الحَلَالَ، وَفَعَلَ مَا تَمَكَّنَ مِنَ الوَاجِبَاتِ .. دَخَلَ الجَنَّةَ

- ‌6 - بَابُ بَيَانِ مَبَانِي الإِسْلَامِ

- ‌7 - بَابُ وُفُودِ وَفْدِ عَبْدِ الْقَيسِ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وَأَمْرِهِمْ بِمَأْمُورَاتِ الشَّرْعِ، وَنَهْيِهِمْ عَنْ مُنْكَرَاتِهِ، وَأَمْرِهِمْ بِحِفْظِهَا وَتَبْلِيغِهَا إِلَى مَنْ وَرَاءَهُمْ، وَجَوازِ مَدْحِ الرَّجُلِ فِي وَجْهِهِ

- ‌ فائدة في المختلِطين

- ‌8 - بَابُ بَيَانِ أَوَّلِ مَا يَجِبُ عَلَى الْمُكَلَّفِينَ، وَأَنَّ الدَّعْوَةَ إِلَى الإِسْلامِ عَلَى التَّدْرِيجِ، وَأَنَّ دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ مُسْتَجَابَةٌ

- ‌(فصل في جمع ما يستفاد من هذا الحديث)

- ‌9 - بَابُ الأَمْرِ بِقِتَالِ النَّاسِ حَتَّى يُوَحِّدُوا اللهَ تَعَالى، وَيُقِرُّوا بِرِسَالةِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم، وَيَلْتَزِمُوا شَرَائِعَ دِينِهِ، وَأَنَّ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ. . فَقَدْ عَصَمَ دَمَهُ وَمَالهُ إِلَّا بِحَقِّهِمَا

- ‌10 - بَابُ صِحَّةِ إيمَانِ مَنْ كَانَ آخِرُ كَلامِهِ مِنَ الْكُفَّارِ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَالنَّهْي عَنِ الاسْتِغْفَارِ لِلْمُشْرِكِينَ، وَكَوْنِ الْهِدَايَةِ بِيَدِ اللهِ تَعَالى لَا بِيَدِ أَحَدٍ مِنْ مَخْلُوقَاتِهِ وَلَو نَبِيًّا مُرْسَلًا أَوْ مَلَكًا مُقَرَّبًا

- ‌11 - بَابُ مَنْ لَقِيَ اللهَ تَعَالى عَالِمًا بِهِ غَيرَ شَاكٍّ فِيهِ .. دَخَلَ الْجَنَّةَ، أَوَّلًا: إِنْ كَانَ بَرِيئًا مِنَ الكَبَائِرِ، أَوْ عَمِلَهَا وَتَابَ عَنْهَا، أَوْ أَدْرَكَهُ الْعَفْوُ، أَوْ بَعْدَ عُقُوبَتِهِ عَلَيهَا إِنْ لَمْ يَتُبْ عَنْهَا وَلَمْ يُدْرِكْهُ الْعَفْوُ مِنَ اللهِ تَعَالى وَحَرَّمَهُ اللهُ تَعَالى عَلَى النَّارِ

- ‌12 - بَابُ بَيَان حَقِّ اللهِ سبحانه وتعالى عَلَى الْعِبَادِ، وَحَقِّهِمْ عَلَى اللهِ تَعَالى، وَتَبْشير مَنْ لَقِيَ اللهَ تَعَالى بالتَّوحِيدِ بِالْجَنَّةِ، وَتَرْكِهِ خَوْفًا مِنِ اتِّكالِهِمْ عَلَى مُجَرَّدِ التَّوحِيدِ

- ‌13 - بَابُ الدَّليلِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَكْفِي مُجَرَّدُ التَّلَفُّظِ بِالشَّهَادَتينِ، بَلْ لَا بُدَّ مِنَ اسْتيقَان الْقَلْبِ

- ‌14 - بَابُ الْحُكْمِ عَلَى الظَّاهِرِ فِي إِسْلَامِ الشَّخْصِ، وَحُسْنِ الظَّنِّ بِكَمَالِ إيمَانِهِ، وَصِحَّةِ إِسْلَامِهِ

- ‌15 - بَابُ بَيَانِ صِفَةِ مَنْ ذَاقَ طَعْمَ الإِيمَان وَحَلاوَتَهُ

- ‌16 - بَابُ بَيَان عَدَدِ شُعَبِ الإِيمَان، وَأَفْضَلِهَا، وَأَدْنَاهَا، وَأنَّ الحَيَاءَ شُعْبَةٌ مِنْهَا وبيان فضيلته

- ‌17 - بَابُ فِي مَدْحِ الْحَيَاءِ، وَامْتِنَاعِ مُقَاوَمَةِ النَّصِّ بِكَلامِ الحُكَمَاءِ

- ‌18 - بَابُ الأَمْرِ بِالإِيمَانِ ثُمَّ بِالاسْتِقَامَةِ

- ‌19 - بَابٌ أَيُّ خِصَالِ الإِسْلامِ خَيرٌ؟ وَأَيُّ الْمُسْلِمِينَ أَفْضَلُ

- ‌20 - بَابُ بَيَان الخِصَالِ الَّتِي يَجِدُ بِهِنَّ المَرْءُ حَلاوَةَ الإِيمَانِ

- ‌21 - بَابُ عَدَمِ إِيمَانِ مَنْ لَمْ يُحِبَّ الرَّسُولَ صلى الله عليه وسلم مَحَبَّةً أَكْثَرَ مِنْ مَحَبَّتِهِ لأَهْلِهِ وَوَلَدِهِ وَوَالِدِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ

- ‌22 - بَابُ الدَّلِيلِ عَلَى أَنَّ إِيمَانَ الْعَبْدِ لَا يَكْمُلُ حَتَّى يُحِبَّ لأَخِيهِ، أَوْ جَارِهِ مَا يُحِبُّهُ لِنَفْسِهِ مِنَ الْخَيرِ

- ‌23 - بَابُ عَدَمِ إِيمَانِ مَنْ يَخَافُ جَارُهُ ضَرَرَهُ

- ‌24 - بَابُ الدَّلِيلِ عَلَى أَنَّ الصَّمْتَ إِلَّا عَنِ الْخَيرِ، وَإِكْرَامَ الْجَارِ وَالضَّيفِ .. مِنَ الإِيمَانِ

- ‌25 - بَابُ وُجُوب إِزالةِ الْمُنْكَرِ بِالْقَدْرِ الْمُسْتَطَاعِ وَأنَّ إِزَالتَهُ مِنَ الإِيمَانِ

- ‌26 - بَابُ مُجَاهَدَةِ خُلُوفِ السَّوءِ، وَكَوْنِ مُجَاهَدَتِهِمْ مِنَ الإِيمَانِ

- ‌27 - بَابُ نِسْبَةِ الإِيمانِ وَالْحِكْمَةِ إِلَى الْيَمَنِ وَجَعْلِ الْقَسْوَةِ وَغِلَظِ الْقُلُوبِ فِي رَبِيعَةَ وَمُضَرَ

- ‌28 - بَابُ كَوْنِ التَّحابِّ فِي اللَّهِ تَعَالى مِنَ الإيمَانِ، وَبَيَانِ سَبَبِهِ

- ‌29 - بَابُ النُّصحِ مِنَ الإِيمَانِ

- ‌30 - بَابُ مُبَايَعَةِ الإِمَامِ عَلَى السَّمْع وَالطَّاعَةِ وَالنُّصْحِ لِكُلِّ مُسْلِمٍ، وَكَونهَا مِنَ الإِيمَانِ

- ‌31 - بَابُ بَيَانِ نُقْصَانِ الإِيمَان بِارْتْكَابِ الْمَعَاصِي، وَنَفْيِهِ عَنْ مُرْتَكِبِهَا حَال تَلَبُّسِهِ بِهَا عَلَى مَعْنَي نَفْيِ كَمَالِهِ

- ‌32 - بَابُ بَيَانِ عَلَامَاتِ النِّفَاقِ الَّتِي هِيَ ضِدُّ عَلامَاتِ الإِيمَانِ

- ‌33 - بَابُ بَيَان حُكْمِ إِيمَانِ مَنْ قَال لأخِيهِ الْمُسْلِمِ: يَا كَافِرُ

- ‌34 - بَابُ حُكْمِ إِيمَانِ مَنِ انْتَسَبَ لِغَيرِ أَبِيهِ وَهُوَ يَعْلَمُ، وَإِيمَانِ مَنِ ادَّعَى لِنَفْسِهِ مَا لَيسَ لَهُ

- ‌35 - بَابُ حُكْمِ سِبَابِ الْمُسْلِمِ وَقِتَالِهِ

- ‌36 - بَابُ الأمْرِ بِلزومِ الإيمَانِ وَالتَّمَسُّكِ بِشَرَائِع الإِسْلامِ، والنَّهْيِ عَنِ الارْتدَادِ عَنِ الإِسْلامِ، وَالتَّشَبُّهِ بِالْكفَّارِ

- ‌34 (*) - بَابُ حُكْمِ إيمَانٍ مَنْ طَعَنَ في النَّسَبِ وَنَاحَ عَلَى الْمَيِّتِ

- ‌37 - بَابُ حُكْمِ إيمَانِ الْعَبْدِ الآبِقِ

- ‌38 - بَابُ حُكْمِ إيمانِ مَنْ قَال مُطِرْنَا بِنَوءِ كَذَا

- ‌39 - بَابُ بَيَانِ أَنَّ عَلامَةَ الإِيمَانِ حُبُّ الأنْصَارِ، وَأَنَّ عَلامَةَ النِّفَاقِ بُغْضُ الأنْصَارِ

- ‌40 - بَابٌ في بَيَانِ أَنَّ حُبَّ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ آيَةُ الإِيمَانِ، وَبُغْضَهُ آيَةُ النِّفَاقِ

- ‌39 (*) - بَابُ مَا فِي النِّسَاءِ مِنْ نُقْصَانِ الإِيمَانِ وَالْعَقْلِ بِنَقْصِ الطَّاعَاتِ، وإِطْلاقِ لَفْظِ الْكفْرِ عَلَى غَيرِ الْكُفْرِ بِاللَّهِ تَعَالى، وَسُؤَالِ الْعَالِمِ عَمَّا أَشْكَلَ مِنْ فَتْوَاهُ

- ‌فصل في الأحكام التي تستفاد من هذا الحديث

- ‌40 - بَابُ كَوْنِ الطَّاعَةِ لِأَمْرِ اللهِ وَالْخُضُوع لَهُ مِنَ الإِيمَانِ الَّذِي يُوجِبُ الْجَنَّةَ، وَكَوْنِ الْعِصْيَانِ لِأَمْرِهِ وَالتَّكَبُّرِ عَنِ السُّجُودِ لَهُ مِنَ الْكُفْرِ الَّذِي يُوجِبُ النَّارَ

- ‌41 - بَابُ إِيمَانِ مَنْ تَرَكَ الصَّلاةَ جَحْدًا أَوْ تهَاوُنًا

الفصل: ‌27 - باب نسبة الإيمان والحكمة إلى اليمن وجعل القسوة وغلظ القلوب في ربيعة ومضر

‌27 - بَابُ نِسْبَةِ الإِيمانِ وَالْحِكْمَةِ إِلَى الْيَمَنِ وَجَعْلِ الْقَسْوَةِ وَغِلَظِ الْقُلُوبِ فِي رَبِيعَةَ وَمُضَرَ

90 -

(50) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ،

ــ

27 -

بَابُ نِسْبَةِ الإِيمانِ وَالْحِكْمَةِ إِلَى الْيَمَنِ وَجَعْلِ الْقَسْوَةِ وَغِلَظِ الْقُلُوبِ فِي رَبِيعَةَ وَمُضَرَ

أي باب معقود في بيان نسبة النبي صلى الله عليه وسلم الإيمان والحكمة إلى أهل اليمن إشعارًا بكمال إيمانهم وقوة عزيمتهم فيه، من غير أن يكون في ذلك نفي له عن غيرهم، فلا منافاة بينه وبين قوله صلى الله عليه وسلم "الإيمان في أهل الحجاز" لأن معنى قوله الإيمان يمان أي قوته وكماله ونشاطه في أهل اليمن لأنهم آمنوا طواعية بلا سيف، ووفدوا على النبي صلى الله عليه وسلم فوجًا فوجًا، ومعنى الإيمان في أهل الحجاز أي مبدؤه ومنشؤه ومنبعه في الحجاز فلا معارضة بين الحديثين، ثم المراد بأهل اليمن الموجود منهم في ذلك الوقت لا كل أهل اليمن في كل زمان، فإن اللفظ لا يقتضيه، وهذا الذي ذكرناه في معنى الحديث وجمعه هو الحق والصواب والله أعلم، وبيان جعله صلى الله عليه وسلم قسوة القلوب أي صلابتها وعدم لينها لموعظة وعدم خشوعها لتذكرة وغِلظها أي عدم فهمها وعقلها لما يقال لها من المواعظ في كفار ربيعة ومضر الفدَّادين عند أصول أذناب الإبل عند سوقها وحدوها، وإنما نسبهما إليهم لشدة معاندتهم النبوة، ومناوأتهم أهل الدين ومعارضتهم له وفيهم ظهر مسيلمة الكذاب.

وترجم القاضي عياض والنواوي وأكثر المتون لهذه الأحاديث الآتية بقولهم (باب تفاضل أهل الإيمان فيه ورجحان أهل اليمن فيه) وترجم له الأبي والسنوسي بقولهما (باب الإيمان يمان) وترجم لها القرطبي بقوله (باب الإيمان يمان والحكمة يمانية) وترجمتنا أشمل وأسلم.

(90)

- س (50)(حدثنا أبو بكر) عبد الله بن محمد (بن أبي شيبة) إبراهيم بن عثمان العبسي بموحدة مولاهم الحافظ الكوفي، ثقة حافظ من العاشرة، مات سنة (235) خمس وثلاثين ومائتين وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في ستة عشر بابًا تقريبًا.

ص: 418

حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيرٍ حَدَّثَنَا أَبِي، ح وَحَدَّثَنَا أَبُو كُرَيبٍ حَدَّثَنَا ابْنُ إِدْرِيسَ كُلُّهُمْ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ،

ــ

قال أبو بكر (حدثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة القرشي الكوفي ثقة ثبت ربما دلس من كبار التاسعة، مات سنة (201) إحدى ومائتين، وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في سبعة عشر بابًا تقريبًا.

(ح) أي حول المؤلف السند (و) قال (حدثنا) أيضًا محمد بن عبد الله (بن نمير) بضم النون الهمداني أبو عبد الرحمن الكوفي، ثقة حافظ من العاشرة، مات سنة (234) أربع وثلاثين ومائتين، وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في عشرة أبواب تقريبًا، قال محمد بن عبد الله (حدثنا أبي) عبد الله بن نمير الهمداني أبو هشام الكوفي ثقة صاحب حديث من أهل السنة، من كبار التاسعة، مات سنة (199) تسع وتسعين ومائة، وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في سبعة عشر بابًا تقريبًا.

(ح) أي حول المؤلف السند (و) قال (حدثنا) أيضًا (أبو كريب) محمد بن العلاء بن كريب الهمداني الكوفي، ثقة حافظ من العاشرة، مات سنة (248) ثمان وأربعين ومائتين، وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في عشرة أبواب تقريبًا، قال أبو كريب (حدثنا) عبد الله (ابن إدريس) بن يزيد بن عبد الرحمن بن الأسود الأودي أبو محمد الكوفي، أحد الأئمة الأعلام، روى عن إسماعيل بن أبي خالد والأعمش وأبيه إدريس وعبيد الله بن عمر وداود بن جريج وهشام بن عروة ويحيى بن سعيد الأنصاري وهشام بن حسان وخلق، ويروي عنه (ع) وأبو كريب وابن أبي شيبة ومحمد بن عبد الله بن نمير وزهير بن حرب وإسحاق الحنظلي وعمرو الناقد وعِدة، قال ابن معين: ثقة في كل شيء، وقال في التقريب: ثقة فقيه عابد من الثامنة وقال أبو حاتم: ثقة حجة إمام من أئمة المسلمين، مات سنة (192) اثنتين وتسعين ومائة، روى عنه المؤلف في الإيمان والصلاة في خمسة مواضع والجنائز في موضعين والزكاة والصوم والأيمان والأدب والرقاق والجهاد في أربعة مواضع والطلاق وصفة النبي صلى الله عليه وسلم والأطعمة واللباس والدعاء وذكر إبراهيم عليه السلام والقدر والتفسير في موضعين، فجملة الأبواب التي روى المؤلف عنه فيها سبعة عشر بابًا تقريبًا، وأتى بحاء التحويلات في ثلاثة مواضع لاختلاف مشايخ مشايخه، وإن كان شيخ الكل واحدًا (كلهم) أي كل هؤلاء الثلاثةِ مشايخ حدثوا (عن إسماعيل بن أبي خالد) البجلي الأحمسي أحمس بجيلة

ص: 419

ح وَحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَبِيبٍ الْحَارِثِيُّ -وَاللَّفْظُ لَهُ- حَدَّثَنَا مُعْتَمِرٌ عَنْ إِسْمَاعِيلَ قَال: سَمِعْتُ قَيسًا

ــ

مولاهم، واسم أبي خالد سعد وقيل هرمز وقيل كثير، أبي عبد الله الكوفي روى عن قيس بن أبي حازم والشعبي وعبد الله بن أبي أوفى وأبي جحيفة وعمرو بن حريث وأبي إسحاق السَّبِيعي وخلق، ويروي عنه (ع) وعبد الله بن إدريس وأبو أسامة وعبد الله بن نمير ومعتمر بن سليمان وشعبة وهُشيم ووكيع وسفيان بن عيينة وخلق، قال ابن المديني: له نحو ثلاثمائة حديث، وقال في التقريب: ثقة ثبت من الرابعة، مات سنة (146) ست وأربعين ومائة، روى المؤلف عنه في الإيمان والصلاة في أربعة مواضع والزكاة والصوم والحج في ثلاثة مواضع والجهاد والفضائل في موضعين وصفة النبي صلى الله عليه وسلم، وجملة الأبواب التي روى المؤلف عنه فيها ثمانية أبواب تقريبًا.

(ح) أي حول المؤلف السند (و) قال (حدثنا يحيى بن حبيب) بن عربي (الحارثي) وقيل الشيباني أبو زكريا البصري، روى عن معتمر بن سليمان وخالد بن الحارث ويزيد بن زريع وروح بن عبادة وحماد بن زيد وغيرهم، ويروي عنه (م عم) وأبو بكر البزار وابن خزيمة وغيرهم، ثقة من العاشرة، مات سنة (248) ثمان وأربعين ومائتين، وإنما فصل تحويله عن التحويلين السابقين مع أن مجمع الأسانيد كلها إسماعيل بن أبي خالد لبيان أن اللفظ الآتي له لا لغيره كما ذكره بقوله (واللفظ) أي لفظ الحديث الآتي (له) أي ليحيى بن حبيب لا لأبي بكر ولا لابن نمير ولا لأبي كريب، روى عنه المؤلف في الإيمان والصلاة في موضعين والحج والجهاد والديات في خمسة أبواب، قال يحيى (حدثنا معتمر) بن سليمان بن طرخان التيمي مولى بني مرة، أبو محمد البصري وكان يلقب بالطُّفيل، ثقة من كبار التاسعة، مات سنة (187) سبع وثمانين ومائة، وليس من اسمه معتمر عندهم إلا هذا الثقة، وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في عشرة أبواب تقريبًا (عن إسماعيل) بن أبي خالد، فإسماعيل ملتقى الأسانيد الأربعة (قال) إسماعيل (سمعت قيسًا) بن أبي حازم، وأبو حازم اسمه عبد عوف بن الحارث، وقيل اسمه عوف بن عبد الحارث بن عوف البجلي الأحمسي، أبا عبد الله الكوفي، أحد كبار التابعين وأعيانهم مخضرم، أتى النبي صلى الله عليه وسلم ليُبايعه فجاء وقد قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم روى عن أبي مسعود الأنصاري وعبد الله بن مسعود وجرير بن عبد الله وعمرو بن العاص وعقبة بن عامر وأبي هريرة وسعد بن أبي وقاص

ص: 420

يَرْوي عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ قَال: أَشَارَ النَّبِيُّ صَلَّى أللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ بِيَدِهِ نَحْوَ الْيَمَنِ فَقَال: "أَلا إِنَّ الإِيمَانَ هَهُنَا،

ــ

وغيرهم، ويروي عنه (ع) وإسماعيل بن أبي خالد والحكم بن عتيبة والأعمش وغيرهم، وثقه ابن معين، وقال في التقريب: ثقة من الثانية، وقال خليفة مات سنة (98) ثمان وتسعين وقد جاوز المائة، روى المؤلف عنه في الإيمان والصلاة في ثلاثة مواضع والزكاة والنكاح والفتن والجهاد في موضعين والأدب والدعاء وصفة الدنيا والآخرة والزهري فجملة الأبواب التي روى المؤلف عنه فيها عشرة تقريبًا، أي سمعت قيس بن أبي حازم حالة كونه (يروي) ويحدث (عن أبي مسعود) عقبة بن عمرو بن ثعلبة بن أسيرة بفتح الهمزة وكسر السين المهملة بن عُسيرة بضم العين بن عطية بن خدارة بضم الخاء المعجمة بن عوف بن الحارث بن الخزرج الأنصاري الخزرجي الحارثي البدري الكوفي، عده البخاري فيمن شهد بدرًا مع النبي صلى الله عليه وسلم تبعًا لابن شهاب، وقال سعيد بن إبراهيم: لم يشهدها ولكن شهد العقبة، وإنما قيل له البدري لأنه من ماء بدر، سكن الكوفة، وابتنى بها دارًا، له مائة وحديثان (102)، يروي عنه (ع) وقيس بن أبي حازم وعلقمة بن قيس وعبد الرحمن بن يزيد وعبد الله بن سخبرة وعبد الرحمن بن يزيد وربعي بن حراش وأبو وائل، مات قبل الأربعين، وقيل بعدها، روى عنه المؤلف في الإيمان والصلاة والزكاة ثلاثة أبواب تقريبًا وهذه الأسانيد كلها من خماسياته، فالسند الأول رجاله كلهم كوفيون وكذا الثاني والثالث، وأما الرابع فاثنان منهم بصريان وثلاثة كوفيون.

(قال) أبو مسعود (أشار النبي صلى الله عليه وسلم بيده) الكريمة (نحو اليمن) أي جهته، وهو إقليم معروف سُمي يمنًا لأنه عن يمين الكعبة، أو باسم أول من نزلها وهو يمن بن هود عليه السلام، وسمي الشام شامًا لأنه عن يسار الكعبة، مأخوذ من اليد الشؤمى وهي اليسرى، وفي الأبي: والعرب قسمان يمنية وإسماعيلية، وأن يمنًا المُنتسب إليه هو يعرب بن قحطان، فكون الأنصار يمانيين هو أنهم من ولد يمن (فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (ألا) أي انتبهوا واستمعوا ما أقول لكم (إن الإيمان) أي إن قوة الإسلام وقبوله ونصره (ها هنا) أي في هذه الجهة التي أشرت لكم إليها، قال القاضي: فقيل يعني به مكة لأنها من تهامة، وتهامة يمن، وقيل يعني مكة والمدينة لأنه قاله وهو بتبوك، وهما حينئذ بينه وبين اليمن، والمعنى عليهما مبدأ الإيمان مكة أو مكة والمدينة،

ص: 421

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وقيل: أراد تهامة التي هي مقابلة لنجد، وقيل: أراد الأنصار لأنهم يمانيون، واستحقوا ذلك لبدارهم إلى الإسلام طوعًا بخلاف أهل الحجاز القاسية قلوبهم عن ذكر الله تعالى، والمعنى عليه مُعظم أهل الإيمان وأنصار الدين يمانٍ، وقيل: أراد به الإقليم المعروف، والمعنى عليه: أهل اليمن أكمل الناس إيمانًا.

وذكر الطحاوي سببًا لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "الإيمان يمان" وهو أن عيينة بن حصن فضَّل أهل نجد على أهل اليمن لأنه منهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كذبت بل هم أهل اليمن الإيمان يمان، قال النووي: والظاهر إجراء الكلام على ظاهره، وحمله على أهل اليمن حقيقة لأن من اتصف بشيء وقَويَ قيامه به وتأكد اطلاعه منه ينسب ذلك الشيء إليه إشعارًا بتميزه به وكمال حاله فيه، وهكذا كان حال أهل اليمن حينئذ في الإيمان، وحال الوافدين منه في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي أعقاب موته، كأويس القرني وأبي مسلم الخولاني رضي الله عنهما، وشِبههما ممن سلم قلبه وقوي إيمانه، فكانت نسبة الإيمان إليهم لذلك إشعارًا بكمال إيمانهم من غير أن يكون في ذلك نفي له عن غيرهم، فلا معارضة بينه وبين قوله صلى الله عليه وسلم في حديث جابر "الإيمان في أهل الحجاز" لأن معنى هذا مبدؤه وظهوره في أهل الحجاز ثم المراد بأهل اليمن الموجودون منهم حينئذ لا كل أهل اليمن في كل زمان، فإن اللفظ لا يقتضيه، هذا هو الحق والصواب في معنى الحديثين والجمع بينهما والله أعلم اهـ منه بتصرف.

(واعلم) أن اليمن ليست من ذرية إسماعيل عليه السلام لأن يمنًا هو لقب يعرب بن قحطان بن عبد الله بن هود عليه السلام، وإنما سُمي يمنًا لقول هود عليه السلام له: أنت أيمن ولدي نقيبة، فالعرب عربان: يمن وإسماعيلية، ومن يجعل العرب كلها من إسماعيل يقول في يمن إنه ابن قيدر بن إسماعيل، والصحيح أنه ابن قحطان كما مر عند مبحث معبد الجهني.

وعبارة المفهم هنا: قيل إن هذه الإشارة صدرت عنه صلى الله عليه وسلم وهو بتبوك وبينه وبين اليمن مكة والمدينة، ويؤيد هذا قوله في حديث جابر:"الإيمان في أهل الحجاز" فعلى هذا يكون المراد بأهل اليمن أهل المدينة ومن يليهم إلى أوائل اليمن،

ص: 422

وَإِنَّ الْقَسْوَةَ وَغِلَظَ الْقُلُوبِ فِي الْفَدَّادِينَ، عِنْدَ أُصُولِ أَذْنَابِ الإِبِلِ،

ــ

وقيل كان عند الإشارة بالمدينة ويؤيده أن كونه بالمدينة كان غالب أحواله صلى الله عليه وسلم، وعلى هذا فتكون الإشارة إلى سُبّاق أهل اليمن أو إلى القبائل اليمنية الذين وفدوا على أبي بكر لفتح الشام وأوائل العراق، وإليهم الإشارة بقوله صلى الله عليه وسلم:"إني لأجد نَفَسَ الرحمن من قبل اليمن" أي نصره في حياته وبعد مماته، ولكن قال العراقي: لم أجد لهذا الحديث أصلًا.

(وإن القسوة) أي قسوة القلوب وصلابتها ويبوستها، وعدم لينها لقبول الموعظة والتذكرة، والقسوة ضد اللين، فتكون القسوة في الحجر كما أن اللين في المدر (وغلظ القلوب) أي عدم فهمها للموعظة، والغلظة ضد الرقة كما تراهما في جلد الجمل والسخلة، وقيل هما بمعنى واحد قال القرطبي: القسوة وغلظ القلوب اسمان لمسمى واحد، وهو نحو قوله تعالى {قَال إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ} [يوسف: 86] والبث هو الحزن ويحتمل أن يقال: إن القسوة يراد بها أن تلك القلوب لا تلين لموعظة ولا لتذكار، وغلظها أن لا تفهم ولا تعقل، وهذا أولى من الأول انتهى.

قال (ب) وللحكماء فيهما تفاسير، وهما هنا كناية عن بعدهم عن الاعتبار، وأن العظة لا تؤثر فيهم اهـ.

(في الفدادين) بالتشديد لا غير كما قاله الأصمعي وغيره، أي أن الغلظة والقسوة في قلوب الفدادين أي المصوتين (عند أصول أذناب الإبل) سوقًا لها، وحدوًا بها الملازمين لها، من فدّ الرجل يفد فديدًا من باب حنَّ إذا رفع صوته، يقال رجل فداد رفيع الصوت، قال (ط) والفدادون مشدد الدال جمع فداد، قال أبو عبيد: هم المكثرون من الإبل وهم جفاةٌ أهل خيلاء، واحدهم فَدَّاد وهو الذي يملك من المئين إلى الألف، وقال أبو العباس: هم الجمالون والبقَّارون والحمَّارون والرعيان، وقال الأصمعي: هم الذين تعلوا أصواتهم في حروثهم وأموالهم ومواشيهم، قال والفديد الصوت، وأما الفدادون بتخفيف الدال فهي البقر التي تحرث واحدها فدَّان بالتشديد، وإنما خص الإبل لأنها أكثر مال العرب وأهلها أهل جفاء، وقد يكون الجفاء والقسوة من طبيعة هؤلاء، ويكون وصفهم بأنهم أصحاب إبل كالتعريف لهم، وقوله:"حيث يطلع قرنا الشيطان" تعيين لمواضعهم كما قال في الرواية الأخرى: "رأس الكفر قبل المشرق" قال (ع) يعني المشرق، ويعني بالمشرق نجدًا، لأنها تكون من المدينة شرقًا، وكذلك هي من تبوك

ص: 423

حَيثُ يَطلُعُ قَرْنَا الشَّيطَانِ، فِي رَبِيعَةَ وَمُضَرَ"

ــ

شرقًا إن كان قال ذلك بتبوك، ويدل على أنه يعني نجدًا حديث ابن عمر حيث قال:"اللهم بارك لنا في يمننا وشامنا قالوا: يا رسول الله وفي نجدنا فأظنه قال في الثالثة هناك الزلازل والطاعون وبها يطلع قرنا الشيطان" وحديث "اللهم اشدد وطأتك على مضر

" قال وفي الحديث وأهل المشرق يومئذ من مضر مخالفون له، والظرف في قوله (عند أصول أذناب الإبل) متعلق بالفدادين، والأذناب جمع ذَنَبٍ محركًا وهو ما ينبت على رأس عجيزة الحيوان مثل الحبل يمسكون به عند سوق الإبل بأيديهم ذنبها ويمدحونها، والإبل حيوان معروف من النعم، والمعنى الذين لهم جلبة وصياح عند سوقهم لها، وقوله (حيث يطلع قرنا الشيطان) ظرف لغوٌ متعلق بمحذوف صفة للفدادين تقديره النازلين في الأماكن التي يظهر فيها حزبا الشيطان اللذان هما ربيعة ومضر، فالقرنان هما ربيعة ومضر وأضافهما إليه لاتباعهما له في معاندة النبوة، ومناوأة الدين، وقد يكون القرن بمعنى القوة، وهما أيضًا ربيعة ومضر لأن بهما يتقوى على ما همَّ به، وقال الخطابي: القرن يُضرب به المثل لما لا يحمد من الأمر، وهما في الأصل جانبا الرأس، وقيل: وهما هنا حقيقةً لما جاء أنه ينتصب قائمًا عند طلوعها، لتطلع بين قرنيه ليوهم أن له يسجد المصلون، والقرن أيضًا الجماعة الناجمة كحديث: "هذا قرن ظهر" أي أهل بدعة ظهروا، وقوله (في ربيعة ومضر) بدل من قوله في الفدادين أي إن القسوة وغلظ القلوب في ربيعة ومضر الكائنين بالمشرق، وربيعة ومضر في النسب أخوان، وهما ابنا نزار بن معد بن عدنان.

قال الخطابي: ومضر أول من سنَّ حُداء الإبل تنشيطًا لها، لأنه كان من أحسن الناس صوتًا، قال القرطبي: واختلف في قرني الشيطان فقيل: هما ناحيتا رأسه العليا، وهذا أصل هذا اللفظ وظاهره، فإن قرن الشيء أعلاه في اللغة فيكون معناه على هذا أن الشيطان ينتصب قائمًا مع طلوع الشمس لمن يسجد للشمس ليسجد له، ويعبد بعبادتها، ويفعل هذا في الوقت الذي يسجد لها الكفار، كما قال صلى الله عليه وسلم "إن الشمس تطلع ومعها قرن الشيطان فإذا ارتفعت فارقها ثم إذا استوت قارنها فإذا زالت فارقها ثم إذا قاربت الغروب قارنها ثم إذا غربت فارقها" رواه مالك في الموطأ (1/ 219) والنسائي (1/ 275).

وقيل: القرن الجماعة من الناس والأمة، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم "خير أمتي

ص: 424

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم" رواه البخاري ومسلم والترمذي، وعلى هذا فيكون معنى قرني الشيطان في الحديث: أنهما أمتان عظيمتان يعبدون غير الله تعالى، ولعلهم في ذلك الوقت ربيعة ومضر المذكوران في الحديث، أو أمتان من الفرس يعبدون الشمس ويسجدون لها من دون الله تعالى كما جاء في الحديث "وحينئذ يسجد لها الكفار" كما مر تخريجه بقوله "إن الشمس تطلع" إلخ.

وقال الخطابي: قرن الشيطان ضُرب به المثل فيما لا يحمد من الأمور، وقيل المراد بهذا الحديث ما ظهر بالعراق من الفتن العظيمة والحروب الهائلة، كوقعة الجمل وحروب صفين وحروراء وفتن بني أمية، وخروج الخوارج، فإن ذلك كان أصله ومنبعه العراق ومشرق نجد، وتلك مساكن ربيعة ومضر إذ ذاك والله أعلم انتهى.

وقال السنوسي: قوله (عند أصول أذناب الإبل) معناه الذين لهم جلبة وصياح عند سوقهم لها ماسكين لذنبها.

(قلت) فائدة ذكر هذا الظرف تصوير هذه الحالة المستهجنة، والإشارة إلى منافاتها لارتياض النفس بحسن أدلة الشريعة وفهم أسرارها، الحامل على لين القلب واتعاظه لوقوف هذه الأمور على ملازمة مجالس الفقه والحكمة، ومخالطة أرباب الصدور والعلماء العاملين، واكتساب محاسن أخلاقهم بملازمة صحبتهم، وترك أضدادهم، وما يوجب البعد عن مجالستهم من الأشغال الدنيوية والحرف المشغلة عن كل خير، وأين هذا ممن عكف نفسه على صحبة حيوان بهيمي، ورضي لنفسه أن تكون ملازمة لذنبها، ولقد أجاد من قال:

عليك بأرباب الصدور فمن غدا

مضافًا لأرباب الصدور تَصدرا

وإياك أن ترضى بصحبة ساقط

فتنحط قدرًا من علاك وتحقرا

وبهذا تعرف أنه يدخل في معنى الحديث من لازم الجلوس مع أذناب الناس والجهلة منهم أو عكف نفسه على صحبة البهائم للتجارات أو الحراثة، أو رضي لنفسه بملازمة الأسواق ومحال الصخب وكثرة الصياح والتخليط لمجرد أمور الدنيا والله تعالى أعلم اهـ.

وشارك المؤلف رحمه الله تعالى في رواية هذا الحديث أعني حديث أبي مسعود

ص: 425

91 -

(51) حَدَّثَنَا أَبُو الرَّبِيعِ الزَّهْرَانِيُّ، قَال: أَنْبَأَنَا حَمَّادٌ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ

ــ

الأنصاري رضي الله عنه أحمد (2/ 541) والبخاري (3302).

ومطابقته للترجمة حاصلة بمنطوقه فلا غبار عليه، ثم استشهد له بحديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال:

(91)

- ش (51)(حدثنا أبو الربيع) العتكي (الزهراني) سليمان بن داود البصري،

نزيل بغداد الحافظ، روى عن حماد بن زيد وعباد بن العوام وعبد الوارث وأبي عوانة

وفُليح بن سليمان وإسماعيل بن زكريا ويزيد بن زُريع ومحمد بن حرب وغيرهم، ويروي

عنه (خ م د س) وأحمد وإسحاق ومحمد بن يحيى وغيرهم، وثقه ابن معين وأبو حاتم،

وقال في التقريب: ثقة لم يتكلم فيه أحد بحجة، من العاشرة، مات في رمضان سنة

(234)

أربع وثلاثين ومائتين روى عنه المؤلف في الإيمان والصلاة في موضعين والطلاق والجهاد والأدب والطب والرحمة في سبعة أبواب تقريبًا (قال) أبو الربيع (أنبأنا) أي أخبرنا (حماد) بن زيد بن درهم الأزدي مولاهم، أبو إسماعيل البصري، أحد الأئمة الأعلام، قال أحمد: حماد بن زيد أحب إلينا من عبد الوارث، حماد من أئمة المسلمين، من أهل الدين والإسلام، وهو أحب إليَّ من حماد بن سلمة، وقال في التقريب: ثقة ثبت فقيه، من كبار الثامنة، مات سنة (179) تسع وسبعين ومائة، وقد تقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في أربعة عشر بابًا تقريبًا.

قال حماد (حدثنا أيوب) بن أبي تميمة السختياني، واسم أبي تميمة كيسان مولىً لعنزة، أبو بكر البصري، من سادات أهل البصرة فقهًا وعلمًا وفضلًا وورعًا، أحد الأئمة الأعلام، قال ابن سعد كان ثقة ثبتًا حجةً جامعًا، كثير العلم، وقال في التقريب: ثقة ثبت حجة، من كبار الفقهاء العباد، من الخامسة، مات سنة (131) إحدى وثلاثين ومائة، وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في سبعة عشر بابًا تقريبًا.

قال أيوب (حدثنا محمد) بن سيرين الأنصاري مولاهم، مولى أنس بن مالك، أبو بكر البصري، ولد لسنتين بقيتا من خلافة عثمان رضي الله عنه أحد الأئمة الأعلام، إمام وقته، كان من أورع أهل البصرة، فقيهًا فاضلًا متقنًا ضابطًا، يُعبِّر الرؤيا، روى عن أبي هريرة وعمران بن حصين ومولاه أنس بن مالك وعبد الله بن شقيق وأم عطية وعائشة

ص: 426

عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى أللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "جَاءَ أَهْلُ اليَمَنِ، هُمْ أَرَقُّ أَفْئِدَةً،

ــ

وحفصة بنت سيرين وأخيه معبد بن سيرين وخلائق، ويروي عنه (ع) والشعبي وأيوب وابن عون وهشام وسلمة بن علقمة وقتادة وعاصم الأحول وجرير بن حازم وعِدة لا يحصون، قال أحمد: لم يسمع من ابن عباس، وقال في التقريب: ثقة ثبت عابد كبير القدر، كان لا يرى الرواية بالمعنى، من الثالثة، مات في شوال سنة (110) عشرٍ ومائة وهو ابن (77) سبع وسبعين سنة، بعد الحسن بمائة يوم، روى عنه المؤلف في الإيمان والصلاة في خمسة مواضع وفي السهو والجنائز والزكاة والصوم والحج والبيوع والنكاح في موضعين والعتق واللعان والطب والوصايا في موضعين والديات في موضعين والفضائل والفتن، فجملة الأبواب التي روى المؤلف عنه فيها ستة عشر بابًا تقريبًا (عن أبي هريرة) عبد الرحمن بن صخر الدوسي المدني أحد المكثرين من الصحابة.

وهذا السند من خماسياته، ورجاله كلهم بصريون إلا أبا هريرة رضي الله عنه فإنه مدنيٌّ (قال) أبو هريرة (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم جاء) ووفد إلينا (أهل اليمن) وجملة قوله (هم أرق) وألين (أفئدة) أي قلوبًا، حال من أهل اليمن، ولكنه على تقدير الواو الحالية، أي جاءوا إلينا والحال أنهم ألين قلوبًا لقبول الموعظة والخير من أهل المشرق كفار مضر وربيعة، لا من أهل الحجاز، لأنه صلى الله عليه وسلم قال في الحديث الآخر والإيمان في أهل الحجاز واليمن من الحجاز كما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى.

قال الأبي: تقدم لابن الصلاح أنه يعني باليمن القطر المعروف، ووصفهم بكونهم أرق أفئدة من ربيعة ومضر القاسية قلوبهم عن ذكر الله تعالى، وقال في هذا الطريق: هم أرق أفئدة، وفي الطريق الثاني هم أضعف قلوبًا وأرق أفئدة، وفي الثالث ألين قلوبًا وأرق أفئدة فاتفقت الطرق الثلاثة على إضافة الرقة إلى الأفئدة والضعف واللين إلى القلوب، قال (ط) فعلى أن الفؤاد والقلب بمعنى واحد فاللين والضعف والرقة معانٍ متقاربة، يرجع الجميع إلى سرعة قبول الموعظة، ضد ما اتصف به ربيعة ومضر من القسوة وغِلظ القلوب، وعلى أن الفؤاد اسم لداخل القلب فاللين والضعف سرعة انعطاف القلوب وتقلبها إلى الخير والرقة والصفاء، وعدم تكاثف الحجب، أي إن

ص: 427

الإِيمَانُ يَمَانٍ، وَالْفِقْهُ يَمَانٍ، وَالْحِكْمَةُ يَمَانِيَةٌ"

ــ

قلوبهم أسرع انعطافًا إلى الخير لصفاء أفئدتها، وعدم الحجب، وقيل اللين والضعف خفض الجناح، ولين الجانب في الظاهر والرقة والشفقة على الخلق في الباطن، فكأنه يقول: هم أحسن في الظاهر والباطن.

(الإيمان) أي قوة الإيمان وقبوله وطواعيته (يمان) أي منسوب إلى اليمن (والفقه) أي إدراك الأحكام الشرعية الفرعية والعملية (يمان) أي منسوب إلى اليمن (والحكمة) أي إدراك الأحكام الشرعية الأصولية الاعتقادية الموصل إلى معرفة الله ورسله وجميع السمعيات (يمانية) أي منسوبة إلى اليمن، والمعنى: أهل اليمن أكمل الناس إيمانًا وفقهًا وحكمة، فلا يلزم من نسبة الإيمان والفقه والحكمة إليهم نفي الثلاثة عن غيرهم، فلا تعارض بين قوله الإيمان يمان، وقوله الإيمان في أهل الحجاز، كما سيأتي، وقوله (يمان ويمانية) قال النووي: الجمهور بتخفيف الياء لأن ألفه زيدت بدلًا من ياء النسب المشددة، فلا يجمع بينهما وحكى المبرد وسيبويه عن بعض العرب فيها التشديد، قال أمية بن خلف:

يمانيًّا يظلُّ يشبُّ كيرًا

وينفخ دائمًا لهب الشُّواظ

والفقه لغة الفهم، واصطلاحًا إدراك الأحكام الشرعية العملية بالاستدلال على أعيانها، والحكمة لغة ما منع من الجهل والجفاء، والحكيم من منعه عقله وحلمه من الجهل، حكاه ابن عرفة، واصطلاحًا العلم بالأحكام الاعتقادية المشتمل على المعرفة بالله تبارك وتعالى المصحوب بنفاذ البصيرة، وتهذيب النفس وتحقيق الحق، والعمل به والصد عن اتباع الهوى والباطل، والحكيم من له ذلك، قاله النووي، وقال ابن دريد: كل كلمة وعظتك وزجرتك أو دعتك إلى مكرمة أو نهتك عن قبيح فهي حكمة وحكم، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم "إن من الشعر حكمة" وفي بعض الروايات "حِكمًا" وهي مأخوذة من حكمة الدابة وهي الحديدة التي هي اللجام سُميت بذلك لأنها تمنعها، وهذه الأحرف خ ك م حيثما تصرفت فيها فهي بمعنى المنع قال الشاعر:

أبني حنيفة أَحْكِموا سفهاءكم

إني خشيت عليكم أن أغضب

وروى الطحاوي في سبب هذا الحديث أن عيينة بن حصن فضل أهل نجد فقال له النبي صلى الله عليه وسلم كذبت بل هم أهل اليمن الإيمان يمان، والحديث الآخر

ص: 428

92 -

(00)(00) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى،

ــ

أخرجه الطبراني عن معاذ بن جبل ولفظه قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في دارنا يَعْرِضُ الخيل (1) فدخل عليه عيينة بن حصن فقال للنبي صلى الله عليه وسلم أنت أبصر مني بالخيل، وأنا أبصر بالرجال منك، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: فأي الرجال خير، فقال: رجال يحملون سيوفهم على عواتقهم، ويعرضون رماحهم على مناسج خيولهم، ويلبسون البرود من أهل نجد فقال النبي صلى الله عليه وسلم: كذبت بل خير الرجال رجال اليمن الإيمان يمان، قال الهيثمي رواه الطبراني ورجاله ثقات إلا أن خالد بن معدان لم يسمع من معاذ اهـ مجمع 1/ 44.

وعيينة هو ابن حصن بن حذيفة الفزاري من قيس عيلان، واسم عيينة حذيفة فأصابته بَقْوَةٌ (شلَلٌ) فجُحِظَتْ عيناه فسُمي عيينة، ويكنى أبا ملاك وهو سيد بني فزارة وفارسهم، وصفه رسول الله صلى الله عليه وسلم لعائشة فقال:"هو الأحمق المطاع".

قال ابن سعد: وارتد عيينة حين ارتدت العرب، ولحق بطليحة الأسدي حين تنبأ فآمن به، فلما هُزم طليحة أخذ خالد بن الوليد عيينة فأوثقه وبعث به إلى أبي بكر الصديق، قال ابن عباس: فنظرت إليه والغلمان ينخسونه بالجريد ويضربونه ويقولون له: أي عدو الله كفرت بعد إيمانك؟ ! فيقول: والله ما كنت آمنت، فلما كلمه أبو بكر رجع إلى الإسلام فأمنه، وقد نقل الذهبي عن المدائني عن عبد الله بن قائد قال: كانت أم البنين بنت عيينة عند عثمان فدخل عيينة على عثمان بلا إذن، فعاتبه عثمان، فقال: ما كنت أرى أني أُحجب عن رجل من مضر، فقال عثمان: إذن فأصب من العشاء، قال: إني صائم، قال: تصوم الليل؟ ! قال: إني وجدت صوم الليل أيسر عليَّ، هذا ما كان من بعض شأن عيينة.

وغرض المؤلف بسوق هذا الحديث أعني حديث أبي هريرة الاستشهاد لحديث أبي مسعود الأنصاري رضي الله عنهما جميعًا، وشارك المؤلف في روايته أحمد (2/ 480، 488) والبخاري (3499) ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال:

(92)

- (00)(00)(حدثنا محمد بن المثنى) بن عبيد بن قيس أبو موسى العَنزي البصري المعروف بالزَّمن، ثقة ثبت من العاشرة، مات في ذي القعدة سنة (252) اثنتين

(1) يعرض الخيل: من عرض الشيء فأعرض أي أظهره فظهر كقولهم كبه فأكب اهـ مختار.

ص: 429

حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ ح وَحَدَّثَنِي عَمْرٌو النَّاقِدُ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ يُوسُفَ الأَزْرَقُ كِلاهُمَا عَنِ ابْنِ عَوْنٍ،

ــ

وخمسين ومائتين، وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في أربعة عشر بابًا تقريبًا، قال ابن المثنى (حدثنا) محمد (بن أبي عدي) اسمه إبراهيم مولى بني سُليم القسملي، نزل القساملة موضع بالبصرة، أبو عمرو البصري، ثقة من التاسعة، مات بالبصرة سنة (194) أربع وتسعين ومائة، وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في ستة أبواب تقريبًا.

(ح) أي حول المؤلف السند (و) قال (حدثني عمرو) بن محمد بن بكير بن شابور بمعجمة (الناقد) أبو عثمان البغدادي، ثقة حافظ، وَهِمَ في حديث، من العاشرة، مات ببغداد في ذي الحجة سنة (232) اثنتين وثلاثين ومائتين، وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في عشرة أبواب تقريبًا، قال عمرو (حدثنا إسحاق بن يوسف) بن يعقوب بن مرداس (الأزرق) المخزومي الواسطي، أحد الأعلام، روى عن عبد الله بن عون وفُضيل بن غزوان والثوري وزكريا بن أبي زائدة والأعمش وخلق، ويروي عنه (ع) وعمرو الناقد وأبو بكر بن أبي شيبة وزهير بن حرب وعبد الله بن سعيد ومحمد بن أبي خلف وغيرهم، وقيل لأحمد: أثقة هو؟ قال: أي والله، ورُوي عنه أنه لم يرفع بصره إلى السماء نحوًا من عشرين سنة، وقال في التقريب: ثقة من التاسعة، مات سنة (195) خمس وتسعين ومائة وله (78) ثمان وسبعون سنة، روى عنه المؤلف في الإيمان والصلاة والصوم والحج والدعاء في خمسة أبواب تقريبًا، وأتى بالتحويل لاختلاف شيخي شيخيه مع اختلاف صيغتهما (كلاهما) أي كل من ابن أبي عدي واسحاق بن يوسف رويا (عن) عبد الله (بن عون) بن أرطبان بفتح فسكون ففتح المُزني مولاهم، أبي عون البصري الخراز بفتح المعجمة والمهملة المشددة آخره زاي، قيل: كان أرطبان مولى عبد الله بن مُغَفَّل، وقيل: مولى عبد الله بن دُرَّة، روى عن محمد بن سيرين ومجاهد وأبي سعيد ونافع وهشام بن زيد وإبراهيم النخعي والشعبي وغيرهم، ويروي عنه (ع) وابن أبي عدي وإسحاق الأزرق وأبو عاصم وإسماعيل بن عُلية ووكيع وحماد بن زيد ويزيد بن هارون والثوري وأبو خالد الأحمر وخلق، قال ابن مهدي: ما أحد أعلمَ بالسنة بالعراق من ابن عون، وقال روح بن عبادة: ما رأيت أعبد منه، ولد سنة (66) ست وستين قبل الجارف بثلاث سنين، وقال في التقريب: ثقة ثبت فاضل من أقران

ص: 430

عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم

" بِمِثْلِهِ.

93 -

(00) وَحَدَّثَنِي عَمْرٌو النَّاقِدُ وَحَسَنٌ الْحُلْوَانِيُّ،

ــ

أيوب في العلم والعمل والسن، كان من سادات أهل زمانه من السادسة، مات سنة (150) خمسين ومائة على الصحيح، وهو ابن خمس وثمانين سنة (85).

روى عنه المؤلف في الإيمان والصلاة في موضعين والجنائز والزكاة والصوم في موضعين والحج في أربعة مواضع والهبة والجهاد والحدود والفضائل والفتن، فجملة الأبواب التي روى المؤلف عنه فيها أحد عشر بابًا تقريبًا (عن محمد) بن سيرين الأنصاري مولاهم أبي بكر البصري (عن أبي هريرة) عبد الرحمن بن صخر الدوسي المدني (قال) أبو هريرة (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم جاء أهل اليمن هم أرق أفئدة

الحديث، والجار والمجرور في قوله (بمثله) متعلق بما عمل في المتابع، والضمير فيه عائد إلى المتابَع المذكور في السند السابق، والتقدير حدثنا عبد الله بن عون عن محمد بن سيرين بمثل ما حدث أيوب عن محمد بن سيرين من الحديث السابق.

وغرضه بسوق هذا السند بيان متابعة ابن عون لأيوب، ولم يكرر المتن لأن الحديثين متماثلان لفظًا ومعنى، فلا حاجة إلى الاستثناء، وفائدة هذه المتابعة بيان كثرة طرقه، وهذان السندان من خماسياته فالأول منهما رجاله كلهم بصريون إلا أبا هريرة فإنه مدني، والثاني رجاله اثنان بصريان وواحد بغدادي وواحد واسطي وواحد مدني.

تنبيه: وإنما كررت ذكر تراجم رجال الأسانيد مع كونه ظاهرًا معلومًا مما تقدم لقصد الإيضاح لمن لم يكن من أهل هذا الشأن، ليتوصل بما ذكرته إلى مطالعة تراجمهم، ومعرفة حالهم، لأنه ربما وقف على رجال هذا الباب فيريد معرفة طبقاتهم وأحوالهم فيصعُب عليه والله الموفق.

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه فقال:

(93)

(00)(وحدثني عمرو) بن محمد بن بكير (الناقد) أبو عثمان البغدادي ثقة حافظ من العاشرة، مات سنة (232) اثنتين وثلاثين ومائتين (و) حدثني أيضًا (حسن) بن علي بن محمد بن علي الهُذلي، أبو علي الخلال (الحلواني) الريحاني المكي، ثقة حافظ له تصانيف، من الحادية عشرة، مات سنة (242) اثنتين وأربعين ومائتين، وتقدم البسط

ص: 431

قَالا: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ -وَهُوَ ابْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ- حَدَّثَنَا أَبِي عَنْ صَالِحٍ، عَنِ الأَعْرَجِ

ــ

في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في ثمانية أبواب تقريبًا، وفائدة هذه المقارنة بيان كثرة طرقه (قالا) أي قال كل من عمرو والحسن (حدثنا يعقوب) بن إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف القرشي الزهري، أبو يوسف المدني ثقة فاضل، من صغار التاسعة، مات سنة (208) ثمان ومائتين، وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في أربعة أبواب تقريبًا وأتى المؤلف بجملة قوله (وهو ابن إبراهيم بن سعد) إشارة إلى أن هذه النسبة لم يسمعها من شيخه بل مما زادها من عند نفسه إيضاحًا للراوي، وتورعًا من الكذب على شيخه، قال يعقوب (حدثنا أبي) إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن الزهري أبو إسحاق المدني، نزيل بغداد، ثقة حجة من الثامنة، مات سنة (183) ثلاث وثمانين ومائة، وهو ابن (73) ثلاث وسبعين سنة، وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في أربعة عشر بابًا تقريبًا (عن صالح) بن كيسان المدني، أبي محمد الغفاري، ثقة ثبت فقيه تابعي، رأى عبد الله بن عمر، من الرابعة، مات بعد الأربعين ومائة (140)، وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في خمسة أبواب تقريبًا.

(عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز المدني الهاشمي مولاهم، أبي داود القاري مولى ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب، روى عن أبي هريرة وعبد الله بن كعب بن مالك ومعاوية وأبي سعيد وغيرهم، ويروي عنه (ع) وصالح بن كيسان وأبو الزناد وجعفر بن ربيعة ومحمد بن يحيى بن حبان ويحيى بن سعيد الأنصاري وسعد بن إبراهيم وخلائق، ثقة ثبت عالم حافظ قارئ من الثالثة، مات سنة (117) سبع عشرة ومائة بالإسكندرية.

روى عنه المؤلف في الإيمان والصلاة في ثلاثة مواضع والحج والبيوع وفي ذكر عيسى عليه السلام وفي الفضائل، وجملة الأبواب التي روى المؤلف عنه فيها سبعة أبواب تقريبًا، وهذا السند من سداسياته، رجاله كلهم مدنيون إلا واحدًا عمرًا فإنه بغدادي، وحسنًا فإنه مكي، ومن لطائفه أن فيه رواية تابعي عن تابعي، وغرضه بسوق هذا السند بيان متابعة الأعرج لمحمد بن سيرين في رواية هذا الحديث عن أبي هريرة، وفائدة هذه المتابعة بيان كثرة طرقه لأن المتابَع والمتابع ثقتان، وكرر متن الحديث في هذه المتابعة لما في هذه الرواية من المخالفة للرواية الأولى بالزيادة والنقصان.

ص: 432

قَال: قَال أَبُو هُرَيرَةَ: قَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "أَتَاكُمْ أَهْلُ الْيَمَنِ، هُمْ أَضْعَفُ قُلُوبًا، وَأَرَقُّ أَفْئِدَةً، الْفِقْهُ يَمَانٍ، وَالْحِكْمَةُ يَمَانِيَةٌ"

ــ

(قال) الأعرج (قال أبو هريرة) عبد الرحمن بن صخر الدوسي المدني (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أتاكم) أيها المؤمنون من الأنصار والمهاجرين (أهل) قطر (اليمن) مسلمين طائعين، وهذا الخطاب صريح في أن المراد بأهل اليمن أهل قطر اليمن لا الأنصار ولا أهل الحجاز، لأنهم هم المخاطبون، وفي هذه الرواية زيادة ضمير المخاطبين (هم أضعف قلوبًا) من مضر وربيعة، أي أسرع فهمًا وانفعالًا للخير (وأرق أفئدة) منهم أي أخشع وأصفى من الحجاب يعني قلوبهم ضعيفة سريعة لفهم الخيرات وقبولها، لا غليظة لا تفهم الخير ولا تقبله كقلوب مضر وربيعة، رقيقة خاشعة صافية من الحجاب لا قاسية كقلوبهم.

(فائدة) والفرق بين الأفئدة والقلوب أن الفؤاد من القلب كالقلب من الصدر، يعني أن الفؤاد وسط القلب وباطنه وداخله الذي يحترق بسبب المحبة والعشق، ويتألم بسبب الحزن والهم والغم اهـ من تفسير حدائق الروح والريحان في سورة الأحزاب، والحاصل أن الصدر غِلاف القلب والقلب غلاف الفؤاد، فالفؤاد داخل الداخل، وبهذا ظهر الفرق بينهما، وفي القرطبي: والقلوب جمع قلب، سُمي به لأنه يتقلب كثيرًا كما قال الشاعر:

وما سُمي الإنسان إلا لنسيه

وما القلب إلا أنه يتقلبُ

والأفئدة جمع فؤاد وهو القلب، وقيل الفؤاد داخل القلب، أي اللطيفة القابلة للمعاني من العلوم والمحبة والحزن وغيرها اهـ بتصرف وزيادة. (الفقه) أي علم الأحكام الشرعية العملية (يمان) أي منسوب إلى أهل اليمن (والحكمة) أي علم الأحكام الاعتقادية التي تهذب النفوس من الضلالة والشهوات، وتربيها بمعرفة الله تعالى ورسله وجميع السمعيات (يمانية) أي منسوبة إلى أهل اليمن، يعني أهل اليمن أكثر علمًا بالأحكام الشرعية العملية، وعلمًا بالأحكام الاعتقادية الموصلة إلى معرفة الله تعالى، فليس المراد نفي ذلك عن غيرهم، بل المراد تفضيلهم على غيرهم من ربيعة ومضر، في الفقه والحكمة في ذلك الوقت، لا في جميع الأزمنة، فليست تلك المنقبة لأولادهم، كما أن فضل الهجرة ليست لأولاد المهاجرين، وخلاصة ما ذكرناه أن من رق قلبه ولان قبل المواعظ وخضع للزواجر وسارع إلى الخير صفا للإيمان والفقه والحكمة كأهل

ص: 433

94 -

(00) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، قَال: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكِ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ،

ــ

اليمن، بخلاف من قسا قلبه وغلظ وكَثُفت حُجب الكبر والفخر والعجب عليه كأهل المشرق انتهى من إكمال المعلم.

قال النووي: (قوله أضعف قلوبًا وأرق أفئدة) قال الشيخ ابن عرفة: المشهور أن الفؤاد هو القلب فعلى هذا ذِكْرُ الأفئدة بعد القلوب تفنُّنٌ، وهو ذكر نوعين من الكلام معناهما واحد لثقل تكرار أحدهما على اللسان كقولهم هذا ذهب عسجد، وهذا كذب مين، كما هو مقرر عند البديعيين، وقيل الفؤاد غير القلب، وهو عين القلب، وقيل باطن القلب، وقيل غشاء القلب، وأما وصفها باللين والرقة والضعف فمعناه أنها ذات خشية واستكانة، سريعة الاستجابة والتأثر بقوارع التذكير سالمة من الغلظ والشدة والقسوة التي وُصفت بها قلوب الآخرين اهـ.

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه فقال:

(94)

- متا (00)(حدثنا يحيى بن يحيى) بن بكير بن عبد الرحمن بن يحيى بن حماد التميمي الحنظلي مولاهم، أبو زكريا النيسابوري، روى عن مالك وأبي الأحوص وأبي معاوية وخلق ويروي عنه (خ م ت س) وأحمد بن الأزهر وإسحاق والدارمي وعِدة، ثقة ثبت إمام من العاشرة، مات سنة (226) ست وعشرين ومائتين، وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في تسعة عشر بابًا تقريبًا (قال) يحيى بن يحيى (قرأت على مالك) وليس معي أحد وهو بمعنى أخبرني مالك بن أنس بن مالك بن أبي عامر الأصبحي أبو عبد الله المدني الفقيه، إمام دار الهجرة، من السابعة، مات سنة (179) تسع وسبعين ومائة، ودفن بالبقيع بلغ تسعين سنة (90) وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في سبعة عشر بابًا تقريبًا (عن أبي الزناد) عبد الله بن ذكوان القرشي الأموي مولاهم، مولى بنت شيبة المدني، وأبو الزناد لقبه اشتهر به، وكان تجرد منه، وكنيته أبو عبد الرحمن، روى عن الأعرج وعلي بن الحسين والقاسم بن محمد وعروة بن الزبير وأبي سلمة بن عبد الرحمن وغيرهم، ويروي عنه (ع) ومالك وابن عيينة وزائدة والمغيرة الحِزَامي وورقاء بن عمر وموسى بن عقبة والثوري والليث وأبو إسحاق الشيباني وعِدة، قال أحمد: ثقة أمير المؤمنين، وقال البخاري: أصح الأسانيد أبو الزناد عن

ص: 434

عَنِ الأعرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَال: "رَأْسُ الْكُفْرِ نَحْوَ الْمَشْرِقِ، وَالْفَخْرُ

ــ

الأعرج عن أبي هريرة، وقال الليث: رأيت أبا الزناد وخلفه ثلاثمائة طالب، وقال في التقريب: ثقة فقيه من الخامسة، مات في رمضان فجأة سنة (130) ثلاثين ومائة، وله ست وستون سنة (66)، روى المؤلف عنه في الإيمان والوضوء والصلاة والصوم في ثلاثة مواضع والزكاة واللعان والجهاد والفضائل والفتن، فجملة الأبواب التي روى عنه المؤلف فيها تسعة أبواب تقريبًا.

(عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز الهاشمي مولاهم أبي داود المدني (عن أبي هريرة) عبد الرحمن بن صخر الدوسي المدني، وهذا السند من خماسياته، ورجاله كلهم مدنيون إلا يحيى بن يحيى فإنه نيسابوري، وغرضه بسوق هذا السند بيان متابعة أبي الزناد لصالح بن كيسان في رواية هذا الحديث عن الأعرج، وكرر متن الحديث لما بين الروايتين من المخالفة في ألفاظ الحديث، وفائدة هذه المتابعة بيان كثرة طرقه أي عن الأعرج عن أبي هريرة أنه حدثه (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال رأس الكفر) أي قوة الكفر ومعظمه وشره، وكثرة أهله ورياستهم (نحو المشرق) أي كائن من قبل المشرق وجهته، وأهل المشرق يومئذ من مضر مخالفون له، ويكون هذا الكفر ما كانوا عليه من عداوة الدين والتعصب عليه، ويدل على صحة هذا التأويل دعاء النبي صلى الله عليه وسلم على مضر في غير موطن، وقوله في حديث حذيفة "لا تَدَعُ مضر عبدًا لله مؤمنًا إلا فتنوه أو قتلوه" وقد بينه حذيفة حين دخلوا عليه عند قتل عثمان حين ملؤوا حجرته وبيته من ربيعة ومضر فقال: لا تبرح ظلمة مضر كل عبد مؤمن تفتنه وتقتله، قال الطحاوي في مشكل الآثار: ولم يُرد رسول الله صلى الله عليه وسلم في دعائه على مضر كل مضر، وكيف يكون يريد بذلك كل مضر وهو صلى الله عليه وسلم من مضر بل المراد بمضر هنا بعضهم والعرب تقول مثل هذا في الأشياء الواسعة، تضيف ما كان من بعضها إلى جملتها كما قال تعالى:{وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهُوَ الْحَقُّ} ولم يُرد الجميع، وقيل رأس الكفر الدجال، لأنه يخرج من المشرق، قال النووي: كان المشرق في زمنه صلى الله عليه وسلم دار كفر، وكذا يكون في زمن الدجال وهو فيما بين ذلك منشأ الفتن ومثار الترك الأمة الغاشمة العاتية.

(والفخر) قال النووي: الفخر التفاخر بعرض الدنيا من نسب أو جاه أو مال،

ص: 435

وَالْخُيَلاءُ فِي أَهْلِ الْخَيلِ وَالإِبِلِ الْفَدَّادِينَ أهْلِ الْوَبَرِ، وَالسَّكِينَةُ فِي أَهْلِ الْغَنَمِ"

ــ

وقال القرطبي: الفخر التفاخر بالآباء الأشراف وكثرة الأموال والخَوَل "أي الخدم" والجاه وغير ذلك من مراتب أهل الدنيا (والخيلاء) بالمد وَزنه عند سيبويه فعلاء، التبختر في المشي والتكبر والتعاظم، يقال خال الرجل يخول فهو خال وذو خال ومخيلة ومنه قول طلحة لعمر: إنا لا نخول عليك، أي لا نتكبر، ويقال: اختال يختال اختيالًا إذا تكبر في مشيته فهو مختال، ومنه قوله تعالى:{وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ} وقال ابن دريد: الخيلاء التكبر مع جر الإزار والمعنى والافتخار على الغير بما أوتي من عرض الدنيا والترفع في نفسه على الغير، واحتقار الناس كائنان (في أهل الخيل والإبل) أي عند أصحابها غالبًا (الفدادين) أي المصوتين الرافعين أصواتهم حُداءً لها عند سوقِها، والخيل اسم جنس لحيوان معروف سريع الجري يسمى الفرس، لا واحد له من لفظه يُجمع على خيول، سُمي بذلك لاختياله في مشيته وأول من ركبها واتخذها مركبًا إسماعيل عليه السلام، أخذها جائزة له على مساعدته لأبيه إبراهيم في بناء البيت، من أجياد واد على يمين جبل أبي قبيس بوحي إلى أبيه عليهما السلام، وكانت قبل ذلك من الوحوش، كما بسطنا الكلام على ذلك في تفسيرنا حدائق الروح والريحان، والإبل اسم جنس لواحد من النعم الثلاثة، وأول من اتخذها آدم عليه السلام، وقوله (أهل الوبر) بالجر بدل من أهل الخيل، أي في أهل الحيوان ذي الوبر الذي يتخذونه بيوتًا لأنفسهم، والوَبَر بالتحريك للإبل كالصوف للضأن، والشعر للمعز والبقر، ولذلك قال تعالى {وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا أَثَاثًا وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ} [النحل: 80].

قال الإمام: الخيلاء بالمد مشية مكروهة، هي التبختر في المشي، وهو من أفعال الجبابرة، وفي بعض الروايات "والرياء" وحكى ابن الصابوني أنه التجبر والاستحقار للناس، وقال الأصمعي: الفدادون الذين تعلو أصواتهم في حروثهم وأموالهم ومواشيهم (أهل الوبر) أي أصحاب البيوت المتخذة من الوبر، أي من شعور سنام الإبل (والسكينة) أي السكون والطمأنينة والتواضع وعدم الكبر والوقار كما جاء في الحديث (في أهل الغنم) أي في أصحابها على خلاف ما ذكره في صفة الفدادين، قال القرطبي: وهذا منه صلى الله عليه وسلم إخبار عن أكثر حال أهل الغنم وأهل الإبل وأغلبه ورأس الكفر معظمه، يُريد أن أكثر أهله ورياستهم هُناك أي من جهة المشرق.

قال النووي: وأما قوله (في أهل الخيل والإبل الفدادين أهل الوبر) فالوبر وإن كان

ص: 436

95 -

(00) وَحَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ وَقُتَيبَةُ وَابْنُ حُجْرٍ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ جَعْفَرٍ، قَال ابْنُ أَيُّوبَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، قَال: أَخْبَرَنِي الْعَلاءُ عَنْ أَبِيهِ،

ــ

من الإبل دون الخيل فلا يمتنع أن يكون قد وصفهم بكونهم جامعين بين الخيل والإبل والوبر اهـ. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة رابعًا في حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه فقال:

(95)

- متا (00)(وحدثني يحيى بن أيوب) المقابري بفتح الميم والقاف، العابد أبو زكريا البغدادي، وقال في التقريب: ثقة من العاشرة، مات سنة (234) أربع وثلاثين ومائتين، وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في ثمانية أبواب تقريبًا.

(و) حدثني أيضًا (قتيبة) بن سعيد بن جميل بن طريف بن عبد الله الثقفي مولاهم، أبو رجاء البغلاني، وقتيبة لقب له واسمه يحيى أو علي، وقال في التقريب: ثقة ثبت من العاشرة، مات سنة (240) أربعين ومائتين، وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في ثمانية أبواب تقريبًا.

(و) حدثني أيضًا عليُّ (بن حجر) بضم الحاء المهملة، وسكون الجيم بن إياس بن مقاتل بن مُشَمْرِخ السعدي أبو الحسن المروزي، ثقة حافظ من صغار التاسعة، مات سنة (244) أربع وأربعين ومائتين، وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في أحد عشر بابًا تقريبًا، وفائدة هذه المقارنة بيان كثرة طرقه، كلهم (عن إسماعيل بن جعفر) بن أبي كثير أبي إبراهيم، ويقال: أبي إسحاق الأنصاري مولى بني زريق المدني، أحد الكبار، ثقة ثبت من الثامنة، مات سنة (180) ثمانين ومائة، وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في اثني عشر بابًا تقريبًا.

وأتى بجملة قوله (قال ابن أيوب حدثنا إسماعيل) تورعًا من الكذب على ابن أيوب، لأنه لو لم يأت بها لأوهم أنه روى عن إسماعيل بالعنعنة كغيره، مع أنه ليس كذلك (قال) إسماعيل (أخبرني العلاء) بن عبد الرحمن بن يعقوب الجهني الحُرقي مولى حُرقة، أبو شِبل بكسر المعجمة وسكون الموحدة المدني، أحد الأعلام، وثقه أحمد، وقال في التقريب: صدوق ربما وهم من الخامسة، مات سنة (133) بضع وثلاثين ومائة، وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في أربعة أبواب (عن أبيه) عبد الرحمن بن يعقوب الجهني الحُرقي المدني ثقة من الثالثة، وتقدم البسط في ترجمته

ص: 437

عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَال: "الإيمَانُ يَمَانٍ، وَالْكُفْرُ قِبَلَ الْمَشْرِقِ، وَالسَّكِينَةُ فِي أَهْلِ الْغَنَمِ، وَالْفَخْرُ وَالرِّيَاءُ فِي الْفَدَّادِينَ أَهْلِ الْخَيلِ وَالْوَبَرِ".

96 -

(00) وَحَدَّثَنِي حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ،

ــ

وأن المؤلف روى عنه في الإيمان وغيره (عن أبي هريرة) عبد الرحمن بن صخر الدوسي المدني، وهذا السند من خماسياته، ورجاله كلهم مدنيون إلا شيخ المؤلف فإنه بغدادي أو بغلاني أو مروزي، وغرضه بسوق هذا السند بيان متابعة عبد الرحمن بن يعقوب لعبد الرحمن الأعرج في رواية هذا الحديث عن أبي هريرة، وفائدة هذه المتابعة بيان كثرة طرقه، وكرر متن الحديث لما في هذه الرواية من المخالفة للرواية الأولى في بعض الكلمات، وبالزيادة، وفي ترتيب الكلمات (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الإيمان) أي قوة الإيمان وقبوله طوعًا ونصره (يمان) أي منسوب إلى أهل اليمن، لدخولهم فيه طوعًا لا كرهًا (والكفر) أي قوة الكفر ورياسته (قبل المشرق) أي في جهة المشرق من كفار مضر وربيعة (والسكينة) أي الطمأنينة والتواضع (في أهل الغنم) أي في أصحابها (والفخر) أي التفاخر على الغير بما أوتي من عرض الدنيا (والرياء) أي المراءاة للغير بما فعل من الخير والمواساة، وفي الرواية السابقة بدل هذا (والخيلاء)(في الفدادين) أي في قلوب المصوتين في مواشيهم حُداء لها عند سوقها، وقوله (أهل الخيل) والفرس المختالة في جريها (و) أهل الإبل ذات (الوبر) بدل من الفدادين، والله أعلم.

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة خامسًا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال:

(96)

- (00)(وحدثني حرملة بن يحيى) بن عبد الله بن حرملة بن عمران التجيبي، صاحب الشافعي، أبو حفص المصري، روى عن ابن وهب نحو مائة ألف حديث، ومؤمل بن إسماعيل، ويروي عنه (م س ق) وحفيده أحمد بن طاهر، وقال في التقريب: صدوق من الحادية عشرة، مات سنة (244) ثلاث أو أربع وأربعين ومائتين، روى عنه مسلم عن ابن وهب في مواضع كثيرة، وقال حرملة (أخبرنا) عبد الله (بن وهب) بن مسلم القرشي مولى بني فهر، أبو محمد المصري الفقيه أحد الأئمة، قال أحمد بن حنبل: ما أصح حديثه، وقال ابن معين: ثقة، وقال أحمد بن صالح: حدَّث

ص: 438

قَال: أَخْبَرَنِي يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَال: أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: أَنَّ أَبَا هُرَيرَةَ قَال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "الْفَخْرُ وَالْخُيَلاءُ فِي الْفَدَّادِينَ أَهْلِ الْوَبَرِ، وَالسَّكِينَةُ فِي أَهْلِ الْغَنَمِ"

ــ

بمائة ألف حديث، وقال في التقريب: ثقة حافظ عابد من التاسعة، مات سنة (197) سبع وتسعين ومائة، وله (72) اثنان وسبعون سنة، وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في ثلاثة عشر بابًا تقريبًا.

(قال) ابن وهب (أخبرني يونس) بن يزيد بن مشكان أبي النجاد الأموي مولى معاوية بن أبي سفيان [رضي الله عنه] الأَيليُّ أبو يزيد بفتح الهمزة وسكون التحتانية بعدها لام، وثقه النسائي وغيره وقال في التقريب: ثقة إلا أن في روايته عن الزهري وهمًا قليلًا، وفي غير الزهري خطأ، من كبار السابعة، مات بمصر سنة (159) تسع وخمسين ومائة، وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في سبعة أبواب تقريبًا.

(عن) محمد بن مسلم (بن شهاب) القرشي الزهري، أبي بكر المدني، رأى عشرة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أحد الأئمة الأعلام وعالم الحجاز والشام، وقال في التقريب: حافظ متقن متفق على جلالته وإتقانه، من رؤوس الطبقة الرابعة، مات سنة (125) خمس وعشرين ومائة، وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في ثلاثة وعشرين بابًا تقريبًا.

(قال) ابن شهاب (أخبرني أبو سلمة) عبد الله (بن عبد الرحمن) بن عوف القرشي الزهري المدني، أحد الأئمة الأعلام، ثقة كثير الحديث، من الثالثة، مات سنة (94) أربع وتسعين، وكان مولده سنة بضع وعشرين، وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في أربعة عشر بابًا تقريبًا (أن أبا هريرة) عبد الرحمن بن صخر الدوسي المدني (قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: الفخر) أي التفاخر على الناس (والخيلاء) أي الترفع والتكبر في نفسه (في الفدادين) أي في قلوب المصوتين عند أصول أذناب الإبل (أهل الوبر) بدل من الفدادين، أي أصحاب البيوت المتخذة من الوبر (والسكينة) أي الطمأنينة والاستكانة والتواضع (في أهل الغنم) على خلاف ما ذكره في صفة الفدادين.

وهذا السند من سداسياته، رجاله اثنان منهم مصريان وواحد أيلي وثلاثة مدنيون،

ص: 439

97 -

(00) وَحَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدَّارِمِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيبٌ

ــ

وغرضه بسوق هذا السند بيان متابعة أبي سلمة بن عبد الرحمن لمحمد بن سيرين وعبد الرحمن الأعرج وعبد الرحمن بن يعقوب في رواية هذا الحديث عن أبي هريرة، وفائدة هذه المتابعة بيان كثرة طرقه، وكرر متن الحديث لما في هذه الرواية من بعض المخالفة للروايات السابقة، ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة سادسًا في حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه فقال:

(97)

-

(00)(وحدثنا عبد الله بن عبد الرحمن) بن الفضل بن مهران (الدارمي) أبو محمد السمرقندي الحافظ، أحد الأئمة الأعلام، وصاحب المسند والتفسير والجامع، روى عن أبي اليمان ويحيى بن حسان ومحمد بن عبد الله الرقاشي ويزيد بن هارون وجعفر بن عون وخلق، ويروي عنه (م د ت) والبخاري في غير الصحيح، قال أحمد: إمام أهل زمانه، وقال في التقريب: ثقة فاضل متقن من الحادية عشرة، مات بسمرقند يوم عرفة سنة (255) خمس وخمسين ومائتين، وله أربع وسبعون سنة (74) روى عنه المؤلف في الإيمان والصلاة في موضعين والصوم والبيوع والنذور والحدود في موضعين والجهاد في ثلاثة مواضع وفي الجنة وفي الجهاد ودلائل النبوة والضحايا والرؤيا والفضائل في موضعين والطب فجملة الأبواب التي روى المؤلف عنه فيها أربعة عشر بابًا تقريبًا.

قال الدارمي (أخبرنا أبو اليمان) الحكم بن نافع القضاعي البهراني، نسبة إلى بطن من قضاعة يُسمى بَهران، الحمصي مشهور بكنيته مولى امرأة يقال لها أم سلمة، كانت عند عمر بن رؤبة التغلبي، روى عن سْعيب بن أبي حمزة وحَريز بن عثمان وصفوان بن عمرو وطائفة، ويروي عنه (ع) وعبد الله الدارمي ومحمد بن إسحاق الصغاني وأبو زرعة الدمشقي وخلق، وقال في التقريب: ثقة ثبت، يقال إن أكثر حديثه عن شعيب مناولة، من العاشرة، مات سنة (222) اثنتين وعشرين ومائتين بحمص، وكان مولده سنة (138) ثمان وثلاثين ومائة روى عنه المؤلف في الإيمان والصلاة وغيرهما. قال أبو اليمان (أخبرنا شعيب) بن أبي حمزة القرشي مولى بني أمية، أبو بشر الحمصي، واسم أبي حمزة دينار، أحد الأثبات المشاهير، روى عن الزهري في الصلاة والإيمان وغيرهما

ص: 440

عَنِ الزُّهْرِيِّ بِهَذَا الإِسْنَادِ مِثْلَهُ، وَزَادَ:"الإِيمَانُ يَمَانٍ، وَالْحِكْمَةُ يَمَانِيَةٌ".

98 -

(00) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْيَمَانِ عَنْ شُعَيبٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ: أَنَّ أَبَا هُرَيرَةَ قَال: سَمِعْتُ النَّبِيَّ

ــ

وعبد الله بن أبي حسين في الرؤيا، ونافع وابن المنكدر، ويروي عنه (ع) وأبو اليمان وأبو إسحاق الفزاري وابنه بشر وجماعة، وقال في التقريب: ثقة عابد، من أثبت الناس في الزهري، من السابعة، مات سنة (162) اثنتين وستين ومائة أو بعدها، روى عنه المؤلف في الصلاة والأيمان والرؤيا وغيرها (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب، أبي بكر المدني، من الطبقة الرابعة، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن الزهري المدني عن أبي هريرة الدوسي، وهذا السند أيضًا من سداسياته، ثلاثة منهم مدنيون واثنان شاميان وواحد سمرقندي، وغرضه بسوق هذا السند بيان متابعة شعيب بن أبي حمزة ليونس بن يزيد الأيلي في رواية هذا الحديث عن الزهري، وفائدة هذه المتابعة تقوية السند الأول، لأن شعيب بن أبي حمزة ثقة متقن، ويونس بن يزيد في روايته عن الزهري يَهِمُ كما مر، والجار والمجرور في قوله (بهذا الإسناد) متعلق بما عمل في المتابع، وكذا قوله (مثله) مفعول ثان لما عمل في المتابع، والضمير فيه عائد إلى المتابَع المذكور في السند الأول، والإشارة في قوله بهذا راجعة إلى ما بعد شيخ المتابَع الذي هو يونس بن يزيد، والتقدير: أخبرنا شعيب بن أبي حمزة بهذا الإسناد يعني عن أبي سلمة عن أبي هريرة مثله، أي مثل ما روى يونس بن يزيد عن الزهري (و) لكنَّ شعيبًا (زاد) في روايته على يونس لفظة (الإيمان يمان والحكمة يمانية) ثم ذكر المؤلف المتابعة سابعًا في حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه فقال:

(98)

- متا (00)(حدثنا عبد الله بن عبد الرحمن) الدارمي أبو محمد السمرقندي قال (أخبرنا أبو اليمان) الحكم بن نافع القضاعي الحمصي (عن شعيب) بن أبي حمزة، أبي بشر الحمصي (عن) محمد بن مسلم (الزهري) أبي بكر المدني، قال الزهري (حدثني سعيد بن المسيب) بن حزن بوزن سهل بن أبي وهب القرشي المخزومي، أبو محمد المدني، من كبار الثانية، ولد سنة (15) خمس عشرة، ومات بعد التسعين (90) وقد ناهز الثمانين، وقد تقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في سبعة عشر بابًا تقريبًا (أن أبا هريرة) الدوسي المدني (قال سمعت النبي صلى الله

ص: 441

صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "جَاءَ أَهْلُ الْيَمَنِ، هُمْ أَرَقُّ أَفْئِدَةً، وَأَضْعَفُ قُلُوبًا، الإِيمَانُ يَمَانٍ، وَالْحِكْمَةُ يَمَانِيَةٌ، السَّكِينَةُ فِي أَهْلِ الْغَنَمِ، وَالْفَخْرُ وَالْخُيَلاءُ فِي الْفَدَّادِينَ أَهْلِ الْوَبَرِ قِبَلَ مَطْلِعِ الشَّمْسِ".

99 -

(00) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَأَبُو كُرَيبٍ،

ــ

عليه وسلم يقول) إلخ، وهذا السند أيضًا من سداسياته، رجاله ثلاثة منهم مدنيون واثنان شاميان وواحد سمرقندي، وغرضه بسوق هذا السند بيان متابعة سعيد بن المسيب لمن روى عن أبي هريرة في رواية هذا الحديث عن أبي هريرة، وكرر متن الحديث هنا لما فيها من بعض المخالفة للروايات السابقة، أي سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم حالة كونه يقول (جاء) كم أيها المسلمون (أهل) قطر (اليمن هم أرق) وألين وأصفى (أفئدة) هي لب القلب وداخله (وأضعف) وأخشع (قلوبًا) غلاف الفؤاد وغِشاؤه (الإيمان) أي قوة الإيمان وقبوله وفقهه (يمان) أي منسوب إلى أهل اليمن (والحكمة) أي العلم النافع وهو العلم مع العمل (يمانية) أي منسوبة إلى اليمن (السكينة) أي الطمأنينة والتواضع (في أهل الغنم) أي أصحابها، لأنهم لا فخر ولا خيلاء عندهم (والفخر) أي التفاخر بعرض الدنيا (والخيلاء) أي التبختر في المشية والترفع على الغير (في الفدادين) أي في الرافعين أصواتهم حُداء في مواشيهم وحُرُوثهم (أهل) البيوت المتخذة من (الوبر) أي من شعور الإبل النازلين (قبل مطلع الشمس) أي جهة طلوع الشمس ومكانه، والمَطْلَعُ هو مما فيه وجهان: الفتح على القياس مطلقًا ظرفًا ومصدرًا، والكسر على الشذوذ لأنه من باب فَعل يفعل بضم مضارعه كنصر ينصر، يقال طلع الكوكب ونحوه، يطلع بالضم طُلوعًا إذا ظهر، ومطلعًا بالفتح على القياس، والكسر على الشذوذ أي طُلُوعًا، وهذا مطلَع الشمس بالفتح على القياس ومطلِع القمر بالكسر على الشذوذ أي مكان طُلوعها وزمان طلوعه اهـ من مناهل الرجال على لامية الأفعال.

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثامنًا في حديث أبي هريرة فقال:

(99)

- (00)(حدثنا أبو بكر) عبد الله بن محمد (بن أبي شيبة) إبراهيم بن عثمان العبسي مولاهم الكوفي، ثقة حافظ من العاشرة، مات سنة (235) خمس وثلاثين ومائتين، وقد تقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في ستة عشر بابًا تقريبًا (و) حدثنا أيضًا (أبو كريب) محمد بن العلاء بن كريب الهمداني الكوفي، ثقة حافظ من

ص: 442

قَالا: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاويةَ عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "أَتَاكُمْ أَهْلُ الْيَمَنِ، هُمْ أَلْيَنُ قُلُوبًا، وَأَرَقُّ أَفْئِدَةً، الإِيمَانُ يَمَانٍ، وَالْحِكْمَةُ يَمَانِيَةٌ، رَأْسُ الْكُفْرِ قِبَلَ الْمَشْرِقِ"

ــ

العاشرة، مات سنة (248) ثمان وأربعين ومائتين، وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في عشرة أبواب، وفائدة هذه المقارنة بيان كثرة طرقه (قالا) أي قال أبو بكر وأبو كريب (حدثنا أبو معاوية) محمد بن خازم التميمي السعدي مولاهم، مولى أسعد بن زيد مناة الضرير الكوفي، من التاسعة، مات سنة (195) خمس وتسعين ومائة، وقد تقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في أربعة عشر بابًا تقريبًا (عن الأعمش) سليمان بن مهران الكاهلي مولاهم، أبي محمد الكوفي، ثقة حافظ قارئ ورعٌ، لكنه يدلس، من الخامسة، مات في ربيع الأول سنة (148) ثمان وأربعين ومائة عن (84) أربع وثمانين سنة، وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في ثلاثة عشر بابًا تقريبًا.

(عن أبي صالح) السمان ذكوان مولى جُويرية بنت الحارث القيسية المدني، ثقة ثبت من الثالثة، مات سنة (101) إحدى ومائة، روى عنه المؤلف في ثمانية أبواب تقريبًا.

(عن أبي هريرة) عبد الرحمن بن صخر الدوسي المدني، وهذا السند من خماسياته، رجاله ثلاثة منهم كوفيون واثنان مدنيان، وغرضه بسوق هذا السند بيان متابعة أبي صالح لمن روى عن أبي هريرة في رواية هذا الحديث عن أبي هريرة، وفائدة هذه المتابعة بيان كثرة طرقه، وكرر متن الحديث في هذه الرواية لما فيها من المخالفة للروايات السابقة في بعض الكلمات وترتيبها.

(قال) أبو هريرة (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أتاكم أهل اليمن) والحال أنـ (ـهم ألين) وأضعف وأخشع (قلوبًا وأرق) وأصفى وأسرع لفهم الخيرات (أفئدة الإيمان) أي قوته ونصرته (يمان) أي منسوب إلى اليمن (والحكمة) أي العلم النافع (يمانية) أي منسوبة إلى اليمن (رأس الكفر) أي رياسته وحزبه وجنده كائنون (قبل المشرق) أي جهة شروق الشمس وطلوعها. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة تاسعًا في حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه فقال:

ص: 443

100 -

(00) وَحَدَّثَنَا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَزُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ، قَالا: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنِ الأَعْمَشِ بِهَذَا الإِسْنَادِ، وَلَمْ يَذْكُرْ:(رَأْسُ الْكُفْرِ قِبَلَ الْمَشْرِقِ).

101 -

(00) وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا ًابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، ح وَحَدَّثَنِي بِشْرُ بْنُ خَالِدٍ،

ــ

(100)

- متا (00) وحدثنا قتيبة بن سعيد) بن جميل بن طريف الثقفي مولاهم، أبو رجاء البغلاني، اسمه يحيى ثقة ثبت من العاشرة، مات سنة (240) أربعين ومائتين، روى عنه المؤلف في سبعة أبواب تقريبًا (و) حدثنا أيضًا (زهير بن حرب) بن شداد الحرشي أبو خيثمة النسائي، ثقة ثبت من العاشرة، مات سنة (234) أربع وثلاثين ومائتين، روى عنه المؤلف في عشرين بابًا تقريبًا، وفائدة هذه المقارنة بيان كثرة طرقه (قالا) أي قال قتيبة وزهير (حدثنا جرير) بن عبد الحميد بن جرير بن قرط الضبي أبو عبد الله الكوفي، ثقة من الثامنة، مات سنة (188) ثمان وثمانين ومائة، روى عنه المؤلف في ستة عشر بابًا تقريبًا (عن الأعمش) سليمان بن مهران الكوفي أبي محمد الكاهلي، عن أبي صالح عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا السند أيضًا من خماسياته، رجاله كوفيان ومدنيان وبغلاني أو نسائي، والجار والمجرور في قوله (بهذا الإسناد) متعلق بحدثنا جرير، والإشارة فيه راجعة إلى ما بعد شيخ المتابع، والمفعول الثاني لحدثنا جرير محذوف والتقدير حدثنا جرير عن الأعمش بهذا الإسناد المذكور في السند السابق، يعني عن أبي صالح عن أبي هريرة مثله، أي مثل ما حدث أبو معاوية عن الأعمش، وغرضه بسوق هذا السند بيان متابعة جرير لأبي معاوية في رواية هذا الحديث عن الأعمش (و) لكن (لم يذكر) جرير في روايته عن الأعمش لفظة (رأس الكفر قبل المشرق) كما ذكره أبو معاوية، وفائدة هذه المتابعة بيان كثرة طرقه.

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة عاشرًا في حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه فقال:

(101)

- (00)(وحدثنا محمد بن المثنى) بن عبيد العنزي أبو موسى البصري المعروف بالزمن ثقة ثبت من العاشرة، مات سنة (252) اثنتين وخمسين ومائتين، روى عنه المؤلف في أربعة عشر بابًا تقريبًا قال ابن المثنى (حدثنا) محمد (بن أبي عدي) إبراهيم السلمي مولاهم، أبو عمر البصري ثقة من التاسعة، مات بالبصرة سنة (194) أربع وتسعين ومائة، روى عنه المؤلف في ستة أبواب تقريبًا.

(ح) أي حول المؤلف السند (و) قال (حدثني بشر بن خالد) الفرضي نسبة إلى علم

ص: 444

حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ (1)، قَالا: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنِ الأَعْمَشِ بِهَذَا الإِسْنَادِ مِثْلَ حَدِيثِ جَرِيرٍ، وَزَادَ:"وَالْفَخْرُ وَالْخُيَلَاءُ فِي أَصْحَابِ الإِبِلِ، وَالسَّكِينَةُ وَالْوَقَارُ فِي أَصْحَابِ الشَّاءِ"

ــ

الفرائض، أبو محمد العسكري ثم البصري، روى عن غندر وحسين الجعفي وأبي أسامة وعِدة، ويروي عنه (خ م د س) وابن خزيمة ووثقه النسائي وابن حِبان في كتاب الثقات، وقال في التقريب: ثقة يُغرب، من العاشرة، مات سنة (255) ثلاث أو خمس وخمسين ومائتين، روى عنه المؤلف في كتاب الإيمان وغيره، قال بشر بن خالد (حدثنا محمد) بن جعفر الهذلي مولاهم، أبو عبد الله البصري ربيب شعبة المعروف بغندر، ثقة صحيح الكتاب إلا أن فيه غفلة، من التاسعة، مات في ذي القعدة سنة (139) تسع وثلاثين ومائة، روى عنه المؤلف في ستة أبواب تقريبًا، وأتى بحاء التحويل لاختلاف شيخي شيخيه، مع اختلاف كيفية سماعه عنهما، وفائدة التحويل بيان كثرة طرقه.

(قالا) أي قال محمد بن أبي عدي ومحمد بن جعفر (حدثنا شعبة) بن الحجاج بن الورد العتكي مولاهم، أبو بسطام البصري ثقة حافظ متقن من السابعة، مات سنة (160) ستين ومائة، روى عنه المؤلف في ثلاثين بابًا تقريبًا (عن الأعمش) سليمان بن مهران الكاهلي، أبي محمد الكوفي، والجار والمجرور في قوله (بهدا الإسناد) متعلق بحدثنا شعبة وقوله (مثل حديث جرير) مفعول ثانٍ لحدثنا شعبة، والمعنى حدثنا شعبة عن الأعمش بهذا الإسناد، يعني عن أبي صالح عن أبي هريرة مثل حديثٍ حدثه جرير عن الأعمش، وغرض المؤلف بسوق هذا السند بيان متابعة شعبة لجرير بن عبد الحميد في رواية هذا الحديث عن الأعمش، وفائدة هذه المتابعة بيان كثرة طرقه، وقوله (وزاد) إلخ استثناء من المماثلة، أي ولكن زاد شعبة في روايته على جرير قوله (والفخر) أي التفاخر بالدنيا (والخيلاء) أي التبختر في المشي (في أصحاب الإبل والسكينة) أي التواضع الظاهري (والوقار) أي التواضع الباطني (في أصحاب الشاء) جمع شاة، والشاة الواحدة من الغنم الذكر والأنثى أو يكون من الضأن والمعز والظباء والبقر والنعام وحُمر الوحش والمرأة، والجمع شاءٌ، أصله شاه وشياه وشِواه وأشاوه اهـ قاموس.

وهذا السند من سداسياته، رجاله ثلاثتهم بصريون واثنان مدنيان وواحد كوفي.

(1) في نسخة: (حدثنا محمد؛ يعني ابن جعفر).

ص: 445

102 -

(52) وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ الْحَارِثِ الْمَخْزُومِيُّ عَنِ ابْنِ جُرَيجٍ، قَال: أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيرِ: أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ يَقُولُ: قَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "غِلَظُ الْقُلُوبِ وَالْجَفَاءُ فِي الْمَشْرِقِ، وَالإِيمَانُ فِي أَهْلِ الْحِجَازِ"

ــ

ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثانيًا لحديث أبي مسعود الأنصاري بحديث جابر رضي الله عنهما فقال:

(102)

- ش (52)(وحدثنا إسحاق بن إبراهيم) بن مخلد الحنظلي، أبو يعقوب المروزي، ثقة حافظ نظير أحمد بن حنبل من العاشرة، مات سنة ثمان وثلاثين ومائتين، روى عنه المؤلف في أحد وعشرين بابا، قال إسحاق (أخبرنا عبد الله بن الحارث) بن عبد الملك (المخزومي) أبو محمد المكي، روى عن ابن جريج والضحاك بن عثمان وثور بن يزيد، ويروي عنه (م عم) وإسحاق وقتيبة وأحمد، وثقه يعقوب بن شيبة، وقال في التقريب: ثقة من الثامنة، روى عنه المؤلف في الإيمان والطب والبيوع ثلاثة أبواب تقريبًا (عن) عبد الملك بن عبد العزيز (بن جريج) القرشي الأموي مولاهم، أبي الوليد المكي، الفقيه أحد الأئمة الأعلام ثقة فقيه وكان يدلس ويرسل، من السادسة، مات سنة (150) خمسين ومائة، روى عنه المؤلف في ستة عشر بابًا تقريبًا.

(قال) ابن جريج (أخبرني أبو الزبير) محمد بن مسلم بن تَدْرُسَ بوزن تَنْصُرَ الأسدي مولاهم المكي ثقة يُدلس، روى عنه المؤلف في تسعة أبواب تقريبًا (أنه) أي أن أبا الزبير (سمع جابر بن عبد الله) بن عمرو بن حرام الأنصاري السلمي بفتحتين أبا عبد الله المدني الصحابي الجليل، مات بالمدينة بعد السبعين (70) وهو ابن (94) أربع وتسعين سنة، وهذا السند من خماسياته، رجاله ثلاثة منهم مكيون وواحد مدني وواحد مروزي حالة كونه (يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم غِلظ القلوب) وعدم فهمها لما يقال لها (والجفاء) أي جفاء القلوب وقساوتها وعدم قبولها للخيرات (في) أهل (المشرق) وكفارها ربيعة ومضر (والإيمان) أي مبدؤه ومنشؤه (في أهل الحجاز) مكة والمدينة وما حولهما، سُمي بذلك لحجزه بين نجد وتهامة، قاله القتبي، وقال ابن دريد: لحجزه بين نجد والسراة، قال الأصمعي: إذا انحدرت من ذات عرق فقد أَتهَمْتَ إلى البحر، فإذا استقبلك الحِرار فذلك الحجاز، وسميت بذلك لأنها حجزت بالحرار

ص: 446

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

الخمس وهي حرة شوران وحرة ليلى وحرة واقم وحرة النار وحرة منازل بني سُليم إلى المدينة "معجم البلدان واللسان" في مادة حجاز، وقيل حد الحجاز من جهة الشام ومما يلي تهامة بدر وعكاظ، قال بعض علمائنا: يجوز أن يكون المراد بالحجاز في هذا الحديث المدينة فقط، لأنه صلى الله عليه وسلم قال:"إن الإيمان ليارز إلى المدينة" رواه البخاري (187) ومسلم (147) ويأرز بمعنى يرجع اهـ قرطبي.

قال الأبي: تقدم لابن الصلاح أن المراد باليمن القطر المعروف، وأنه لا يلزم من نسبة الإيمان إليه نفيه عن غيره، فلا تعارض بين قوله: الإيمان يمان، وقوله: الإيمان في أهل الحجاز اهـ.

وحديث جابر هذا انفرد به مسلم عن أصحاب الأمهات ولكنه شاركه أحمد (3/ 345).

وجملة ما ذكره المؤلف رحمه الله تعالى في هذا الباب من الأحاديث ثلاثة:

الأول: حديث أبي مسعود الأنصاري ذكره استدلالًا به على الترجمة، والثاني: حديث أبي هريرة ذكره استشهادًا به لحديث أبي مسعود وذكر فيه عشر متابعات، والثالث: حديث جابر بن عبد الله ذكره استشهادًا له ثانيًا والله أعلم.

***

ص: 447