المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌31 - باب بيان نقصان الإيمان بارتكاب المعاصي، ونفيه عن مرتكبها حال تلبسه بها على معني نفي كماله - الكوكب الوهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج - جـ ٢

[محمد الأمين الهرري]

فهرس الكتاب

- ‌ كِتَابُ الإِيمَانِ

- ‌1 - بَابُ بَيَان الإِيمَان وَالإِسْلامِ وَالإِحْسَان، وَوُجُوبِ الإِيمَان بِالقَدَرِ خَيرِهِ وَشَرِّهِ مِنَ اللهِ تَعَالى، وَبَيَان الدَّلِيلِ عَلَى وُجُوبِ التَّبَرِّي مِمَّنْ لَا يُؤْمِنُ بِالْقَدَرِ، وَإِغْلاظِ الْقَوْلِ فِي حَقِّهِ

- ‌(فصل) في بيان دقائق هذا السند ولطائفه

- ‌ترجمة عمر بن الخطاب وولده عبد الله رضي الله عنهما

- ‌2 - بَابُ عَدَمِ وُجُوبِ مَا عَدَا الصَّلَوَاتِ الخَمْسَ وَمَا عَدَا صِيَامَ رَمَضَانَ، وَمَا عَدَا الزَّكَوَاتِ المَفْرُوضَةَ

- ‌3 - بَابُ عَرْضِ الرَّجُلِ مَا عِنْدَهُ عَلَى المُحَدِّثِ؛ ليسْتَثْبِتَ فِيهِ، وَاكْتِفَاءِ الحَاضِرِينَ بِسُؤالِ البَادِي الوَافِدِ الإِمَامَ عَمَّا أَشْكَلَ عَلَيهِمْ مِنْ أُمُورِ الدِّينِ إِذَا هَابُوهُ

- ‌4 - بَابُ مَنِ اقْتَصَرَ عَلَى فِعْلِ مَا وَجَبَ عَلَيهِ، وانْتَهَى عَمَّا حُرِّمَ عَلَيهِ .. دَخَلَ الجَنَّةَ

- ‌5 - بَابُ مَنْ حَرَّمَ الحَرَامَ، وَأَحَلَّ الحَلَالَ، وَفَعَلَ مَا تَمَكَّنَ مِنَ الوَاجِبَاتِ .. دَخَلَ الجَنَّةَ

- ‌6 - بَابُ بَيَانِ مَبَانِي الإِسْلَامِ

- ‌7 - بَابُ وُفُودِ وَفْدِ عَبْدِ الْقَيسِ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وَأَمْرِهِمْ بِمَأْمُورَاتِ الشَّرْعِ، وَنَهْيِهِمْ عَنْ مُنْكَرَاتِهِ، وَأَمْرِهِمْ بِحِفْظِهَا وَتَبْلِيغِهَا إِلَى مَنْ وَرَاءَهُمْ، وَجَوازِ مَدْحِ الرَّجُلِ فِي وَجْهِهِ

- ‌ فائدة في المختلِطين

- ‌8 - بَابُ بَيَانِ أَوَّلِ مَا يَجِبُ عَلَى الْمُكَلَّفِينَ، وَأَنَّ الدَّعْوَةَ إِلَى الإِسْلامِ عَلَى التَّدْرِيجِ، وَأَنَّ دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ مُسْتَجَابَةٌ

- ‌(فصل في جمع ما يستفاد من هذا الحديث)

- ‌9 - بَابُ الأَمْرِ بِقِتَالِ النَّاسِ حَتَّى يُوَحِّدُوا اللهَ تَعَالى، وَيُقِرُّوا بِرِسَالةِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم، وَيَلْتَزِمُوا شَرَائِعَ دِينِهِ، وَأَنَّ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ. . فَقَدْ عَصَمَ دَمَهُ وَمَالهُ إِلَّا بِحَقِّهِمَا

- ‌10 - بَابُ صِحَّةِ إيمَانِ مَنْ كَانَ آخِرُ كَلامِهِ مِنَ الْكُفَّارِ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَالنَّهْي عَنِ الاسْتِغْفَارِ لِلْمُشْرِكِينَ، وَكَوْنِ الْهِدَايَةِ بِيَدِ اللهِ تَعَالى لَا بِيَدِ أَحَدٍ مِنْ مَخْلُوقَاتِهِ وَلَو نَبِيًّا مُرْسَلًا أَوْ مَلَكًا مُقَرَّبًا

- ‌11 - بَابُ مَنْ لَقِيَ اللهَ تَعَالى عَالِمًا بِهِ غَيرَ شَاكٍّ فِيهِ .. دَخَلَ الْجَنَّةَ، أَوَّلًا: إِنْ كَانَ بَرِيئًا مِنَ الكَبَائِرِ، أَوْ عَمِلَهَا وَتَابَ عَنْهَا، أَوْ أَدْرَكَهُ الْعَفْوُ، أَوْ بَعْدَ عُقُوبَتِهِ عَلَيهَا إِنْ لَمْ يَتُبْ عَنْهَا وَلَمْ يُدْرِكْهُ الْعَفْوُ مِنَ اللهِ تَعَالى وَحَرَّمَهُ اللهُ تَعَالى عَلَى النَّارِ

- ‌12 - بَابُ بَيَان حَقِّ اللهِ سبحانه وتعالى عَلَى الْعِبَادِ، وَحَقِّهِمْ عَلَى اللهِ تَعَالى، وَتَبْشير مَنْ لَقِيَ اللهَ تَعَالى بالتَّوحِيدِ بِالْجَنَّةِ، وَتَرْكِهِ خَوْفًا مِنِ اتِّكالِهِمْ عَلَى مُجَرَّدِ التَّوحِيدِ

- ‌13 - بَابُ الدَّليلِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَكْفِي مُجَرَّدُ التَّلَفُّظِ بِالشَّهَادَتينِ، بَلْ لَا بُدَّ مِنَ اسْتيقَان الْقَلْبِ

- ‌14 - بَابُ الْحُكْمِ عَلَى الظَّاهِرِ فِي إِسْلَامِ الشَّخْصِ، وَحُسْنِ الظَّنِّ بِكَمَالِ إيمَانِهِ، وَصِحَّةِ إِسْلَامِهِ

- ‌15 - بَابُ بَيَانِ صِفَةِ مَنْ ذَاقَ طَعْمَ الإِيمَان وَحَلاوَتَهُ

- ‌16 - بَابُ بَيَان عَدَدِ شُعَبِ الإِيمَان، وَأَفْضَلِهَا، وَأَدْنَاهَا، وَأنَّ الحَيَاءَ شُعْبَةٌ مِنْهَا وبيان فضيلته

- ‌17 - بَابُ فِي مَدْحِ الْحَيَاءِ، وَامْتِنَاعِ مُقَاوَمَةِ النَّصِّ بِكَلامِ الحُكَمَاءِ

- ‌18 - بَابُ الأَمْرِ بِالإِيمَانِ ثُمَّ بِالاسْتِقَامَةِ

- ‌19 - بَابٌ أَيُّ خِصَالِ الإِسْلامِ خَيرٌ؟ وَأَيُّ الْمُسْلِمِينَ أَفْضَلُ

- ‌20 - بَابُ بَيَان الخِصَالِ الَّتِي يَجِدُ بِهِنَّ المَرْءُ حَلاوَةَ الإِيمَانِ

- ‌21 - بَابُ عَدَمِ إِيمَانِ مَنْ لَمْ يُحِبَّ الرَّسُولَ صلى الله عليه وسلم مَحَبَّةً أَكْثَرَ مِنْ مَحَبَّتِهِ لأَهْلِهِ وَوَلَدِهِ وَوَالِدِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ

- ‌22 - بَابُ الدَّلِيلِ عَلَى أَنَّ إِيمَانَ الْعَبْدِ لَا يَكْمُلُ حَتَّى يُحِبَّ لأَخِيهِ، أَوْ جَارِهِ مَا يُحِبُّهُ لِنَفْسِهِ مِنَ الْخَيرِ

- ‌23 - بَابُ عَدَمِ إِيمَانِ مَنْ يَخَافُ جَارُهُ ضَرَرَهُ

- ‌24 - بَابُ الدَّلِيلِ عَلَى أَنَّ الصَّمْتَ إِلَّا عَنِ الْخَيرِ، وَإِكْرَامَ الْجَارِ وَالضَّيفِ .. مِنَ الإِيمَانِ

- ‌25 - بَابُ وُجُوب إِزالةِ الْمُنْكَرِ بِالْقَدْرِ الْمُسْتَطَاعِ وَأنَّ إِزَالتَهُ مِنَ الإِيمَانِ

- ‌26 - بَابُ مُجَاهَدَةِ خُلُوفِ السَّوءِ، وَكَوْنِ مُجَاهَدَتِهِمْ مِنَ الإِيمَانِ

- ‌27 - بَابُ نِسْبَةِ الإِيمانِ وَالْحِكْمَةِ إِلَى الْيَمَنِ وَجَعْلِ الْقَسْوَةِ وَغِلَظِ الْقُلُوبِ فِي رَبِيعَةَ وَمُضَرَ

- ‌28 - بَابُ كَوْنِ التَّحابِّ فِي اللَّهِ تَعَالى مِنَ الإيمَانِ، وَبَيَانِ سَبَبِهِ

- ‌29 - بَابُ النُّصحِ مِنَ الإِيمَانِ

- ‌30 - بَابُ مُبَايَعَةِ الإِمَامِ عَلَى السَّمْع وَالطَّاعَةِ وَالنُّصْحِ لِكُلِّ مُسْلِمٍ، وَكَونهَا مِنَ الإِيمَانِ

- ‌31 - بَابُ بَيَانِ نُقْصَانِ الإِيمَان بِارْتْكَابِ الْمَعَاصِي، وَنَفْيِهِ عَنْ مُرْتَكِبِهَا حَال تَلَبُّسِهِ بِهَا عَلَى مَعْنَي نَفْيِ كَمَالِهِ

- ‌32 - بَابُ بَيَانِ عَلَامَاتِ النِّفَاقِ الَّتِي هِيَ ضِدُّ عَلامَاتِ الإِيمَانِ

- ‌33 - بَابُ بَيَان حُكْمِ إِيمَانِ مَنْ قَال لأخِيهِ الْمُسْلِمِ: يَا كَافِرُ

- ‌34 - بَابُ حُكْمِ إِيمَانِ مَنِ انْتَسَبَ لِغَيرِ أَبِيهِ وَهُوَ يَعْلَمُ، وَإِيمَانِ مَنِ ادَّعَى لِنَفْسِهِ مَا لَيسَ لَهُ

- ‌35 - بَابُ حُكْمِ سِبَابِ الْمُسْلِمِ وَقِتَالِهِ

- ‌36 - بَابُ الأمْرِ بِلزومِ الإيمَانِ وَالتَّمَسُّكِ بِشَرَائِع الإِسْلامِ، والنَّهْيِ عَنِ الارْتدَادِ عَنِ الإِسْلامِ، وَالتَّشَبُّهِ بِالْكفَّارِ

- ‌34 (*) - بَابُ حُكْمِ إيمَانٍ مَنْ طَعَنَ في النَّسَبِ وَنَاحَ عَلَى الْمَيِّتِ

- ‌37 - بَابُ حُكْمِ إيمَانِ الْعَبْدِ الآبِقِ

- ‌38 - بَابُ حُكْمِ إيمانِ مَنْ قَال مُطِرْنَا بِنَوءِ كَذَا

- ‌39 - بَابُ بَيَانِ أَنَّ عَلامَةَ الإِيمَانِ حُبُّ الأنْصَارِ، وَأَنَّ عَلامَةَ النِّفَاقِ بُغْضُ الأنْصَارِ

- ‌40 - بَابٌ في بَيَانِ أَنَّ حُبَّ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ آيَةُ الإِيمَانِ، وَبُغْضَهُ آيَةُ النِّفَاقِ

- ‌39 (*) - بَابُ مَا فِي النِّسَاءِ مِنْ نُقْصَانِ الإِيمَانِ وَالْعَقْلِ بِنَقْصِ الطَّاعَاتِ، وإِطْلاقِ لَفْظِ الْكفْرِ عَلَى غَيرِ الْكُفْرِ بِاللَّهِ تَعَالى، وَسُؤَالِ الْعَالِمِ عَمَّا أَشْكَلَ مِنْ فَتْوَاهُ

- ‌فصل في الأحكام التي تستفاد من هذا الحديث

- ‌40 - بَابُ كَوْنِ الطَّاعَةِ لِأَمْرِ اللهِ وَالْخُضُوع لَهُ مِنَ الإِيمَانِ الَّذِي يُوجِبُ الْجَنَّةَ، وَكَوْنِ الْعِصْيَانِ لِأَمْرِهِ وَالتَّكَبُّرِ عَنِ السُّجُودِ لَهُ مِنَ الْكُفْرِ الَّذِي يُوجِبُ النَّارَ

- ‌41 - بَابُ إِيمَانِ مَنْ تَرَكَ الصَّلاةَ جَحْدًا أَوْ تهَاوُنًا

الفصل: ‌31 - باب بيان نقصان الإيمان بارتكاب المعاصي، ونفيه عن مرتكبها حال تلبسه بها على معني نفي كماله

‌31 - بَابُ بَيَانِ نُقْصَانِ الإِيمَان بِارْتْكَابِ الْمَعَاصِي، وَنَفْيِهِ عَنْ مُرْتَكِبِهَا حَال تَلَبُّسِهِ بِهَا عَلَى مَعْنَي نَفْيِ كَمَالِهِ

ــ

31 -

بَابُ بَيَانِ نُقْصَانِ الإِيمَان بِارْتْكَابِ الْمَعَاصِي، وَنَفْيِهِ عَنْ مُرْتَكِبِهَا حَال تَلَبُّسِهِ بِهَا عَلَى مَعْنَي نَفْيِ كَمَالِهِ

أي هذا باب معقود في ذكر أن الإيمان ينقص بفعل المعاصي كما أنه يزيد بفعل الطاعات، وأن كمال الإيمان ينتفي عنه حال تلبسه بها بمعنى أن إيمانه ناقص غير كامل، وترجم القاضي والنواوي وأكثر المتون للأحاديث الآتية بترجمة قريبة من ترجمتنا وهي قولهم (باب نقصان الإيمان بالمعاصي ونفيه عن المتلبس بالمعصية على إرادة نفي كماله).

وترجم لها الأبي بقوله (باب أحاديث قوله صلى الله عليه وسلم لا يزني الزاني وهو مؤمن) وترجم لها السنوسي بقوله (باب لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن إلى آخره) وترجم لها القرطبي بقوله (باب لا يزني الزاني حين يزني وهو كامل الإيمان) وهذه التراجم كلها وكذا ترجمتنا ألفاظها متقاربة ومعانيها متحدة والله أعلم.

قال القرطبي: هذه الترجمة مُشعرة بأن هذه الأحاديث المذكورة تحتها ليست على ظواهرها بل متأولة، وهي تحتمل وجوهأ من التأويلات: أحدها ما ذُكِر في الترجمة وستأتي بقيتها إن شاء الله تعالى قريبًا، قال (م) واحتج الخوارج بحديث الباب على التكفير بالذنوب، والمعتزلة على أن الفاسق لا يسمى مؤمنًا، قال (ع) ونرد على الجميع بحديث أبي ذر رضي الله عنه الآتي:"وإن زنى وإن سرق" لأنه لا يدخل الجنة إلا مؤمن، وحديث الباب عندنا مؤول فيُحمل على أنه لنفي الكمال أي لا يزني وهو كامل الإيمان، من باب نفي الشيء بنفي صفته نحو قولهم (لا علم إلا ما نفع ولا مال إلا الإبل) أو يحمل على المُستحل للمعاصي المذكورة، وقيل معناه وهو آمنٌ من عقوبة الله تعالى، وتأوله الحسن والطبري على أنه لنفي اسم المدح، أي وهو يقال له مؤمن بل يقال له زانٍ أو شاربٌ أو سارقٌ، وتأوله المهلب على أنه لنفي البصيرة أي وهو ذو بصيرة، وحمله ابن عباس على أنه لنفي النور، أي وهو ذو نور، وذكر في ذلك حديثًا: أنه صلى الله عليه وسلم قال: "من زنى نزع الله نور الإيمان من قلبه فإن شاء رده إليه" أخرجه الطبري من طريق مجاهد عن ابن عباس، وقيل إنه نهيٌ لا خبر وهو بعيد

ص: 467

111 -

(56) حَدَّثَنِي حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عِمْرَانَ التُّجِيبِيُّ، أَنْبَأَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَال: أَخْبَرَنِي يُونُسُ

ــ

لا يساعده اللفظ ولا الرواية، وقال ابن شهاب إنه من المتشابه فيُترك تأويله إلى الله تعالى، وقال أجروا هذه الأحاديث كما أجراها من كان قبلكم، فإن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أجروها ورأوها من المشكل، وذكر الطبري عن محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر بن الخطاب أنه أنكر هذا الحديث وغلَّط الرواة قال: وإنما قال النبي صلى الله عليه وسلم لا يزني المؤمن ولا يسرق، قال (د) وأحسن هذه التأويلات فيه الأول، قال (ط) بل حملها على المستحل أولى، قال الأبي: وهذا بعيد لأنه لا يبقى لذكر الزنا فائدة لأنه شأن كل ذنب يُستحل، وما ذكر عن ابن زيد لا يدفع الحاجة إلى التأويل بل يتأكد بأن الزنا واقع، وخبره صلى الله عليه وسلم واجب الصدق إلا أن يكون لا يزني المؤمن نهيًا لا خبرًا ويحتمل أن يكون المعنى: وهو مستحضر الإيمان، ويؤيده قول الفخر: لا يزني الزاني وهو عاقل، لأن المعصية مع استحضار العقوبة مرجوحة، والحكم بالمرجوح بخلاف المعقول، وتأوله بعضهم بأن المراد بالإيمان فيه الحياء، أي وهو مستحي من الله تعالى، والحياء شعبة من الإيمان كما تقدم، وحمله غيره على التشديد كقوله تعالى:{وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالمِينَ} .

(111)

- (56)(حدثني حرملة بن يحيى بن عبد الله بن عمران التجيبي) بضم المثناة وكسر الجيم بعدها ياء ساكنة ثم موحدة، أبو حفص المصري، صاحب الشافعي وتلميذه، روى عن ابن وهب نحو مائة ألف حديث ومؤمل بن إسماعيل، ويروي عنه (م س ق) وحفيده أحمد بن طاهر وابن قتيبة العسقلاني والحسن بن سفيان، وقال في التقريب: صدوق من الحادية عشرة، مات سنة (244) ثلاث أو أربع وأربعين ومائتين، روى عن ابن وهب في الإيمان وفي مواضع كثيرة.

(أنبأنا) أي أخبرنا عبد الله (بن وهب) بن مسلم القرشي مولاهم، أبو محمد المصري الفقيه، أحد الأئمة، قال ابن معين: ثقة، وقال أحمد بن صالح: حدث بمائة ألف حديث، وقال في التقريب: ثقة حافظ عابد من التاسعة، مات سنة (197) سبع وتسعين ومائة، وله (72) اثنتان وسبعون سنة، وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في ثلاثة عشر بابًا تقريبًا (قال) ابن وهب (أخبرني يونس) بن يزيد بن أبي النجاد

ص: 468

عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَال: سَمِعْتُ أَبَا سَلَمَةَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَسَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ يَقُولَانِ: قَال أَبُو هُرَيرَةَ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَال: "لَا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ،

ــ

مشكان الأيلي أبو يزيد القرشي الأموي مولاهم مولى معاوية بن أبي سفيان، وقال في التقريب: ثقة إلا أن في روايته عن الزهري وهمًا قليلًا، وفي غير الزهري خطأ، من كبار السابعة، مات سنة (159) تسع وخمسين ومالْة، وقد تقدم أن المؤلف روى عنه في ستة أبواب تقريبًا (عن) محمد بن مسلم (ابن شهاب) الزهري أبي بكر المدني، ثقة متقن متفق على جلالته وإتقانه، من رؤوس الطبقة الرابعة، مات سنة (125) خمس وعشرين ومائة، وقد تقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في ثلاثة وعشرين بابًا تقريبًا.

(قال) ابن شهاب (سمعت أبا سلمة) عبد الله (بن عبد الرحمن) بن عوف الزهري المدني، ثقة من الثالثة، مات سنة (94) أربع وتسعين، وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في أربعة عشر بابًا تقريبًا (و) سمعت أيضًا (سعيد بن المسيب) بن حَزْنٍ القرشي المخزومي، أبا محمد المدني الأعور سيد التابعين، وأحد العلماء الأثبات، والفقهاء السبعة بالمدينة، من كبار الثانية، مات بعد التسعين، وقد ناهز الثمانين، وقد تقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في سبعة عشر بابًا تقريبًا، حالة كونهما (يقولان: قال أبو هريرة) رضي الله عنه، وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون واثنان مصريان وواحد أيلي (إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن) أي والحال أنه كامل الإيمان، بل إيمانه ناقص بسبب ذنب الزنا، وهذا أول مواضعِ الترجمة من الحديث.

والزنا بالقصر ويمد، لغة: الصعود، يقال: زنأ في الجبل، إذا صعد فيه، وبابه رَمَى، وسْرعًا: هو إيلاج فرج محرم في فرج محرم شرعًا مشتهى طبعًا من حيث هو كذلك، فاحترزوا بمشتهى طبعًا من اللواط هاتيان البهيمة، وبقوله من حيث هو كذلك عن وطء المُحْرِمة والصائمة والحائض والنفساء فإنه تحريم من جهة الموانع الخارجية.

قال القاضي: ولا خلاف بين أهل السنة أن هذا الحديث ليس على ظاهره، وأن المعاصي لا تُخرج أحدًا من سواد أهل الإيمان على ما قدمناه، ثم اختلفوا في تأويله وإمراره على ما جاء، ويفسره حديث أبي ذر رضي الله عنه "من قال لا إله إلا الله دخل

ص: 469

ولا يَسْرِقُ السَّارِقُ حِينَ يَسْرِقُ وَهُوَ مُؤمِنٌ، وَلَا يَشْرَبُ الْخَمْرَ حِينَ يَشْرَبُهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ"، قَال ابْنُ شِهَابٍ: فأَخْبَرَنِي عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ أَبِي بَكرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: أَنَّ أَبَا بَكْرٍ

ــ

الجنة وإن زنى وإن سرق" ومعلوم أنه لا يدخل الجنة إلا مؤمن فحديث الباب يقطع حجة المرجئة القائلين: إن المعاصي لا تضر المؤمن، وحديث أبي ذر يقطع حجة المعتزلة والخوارج وبعض الرافضة القائلين بأن المعاصي تُخرج من الإيمان وتوجب الخلود في النار، وأهل السنة والهدى جمعوا بين معانيها وقرروا الأحاديث على أصولها واستدلوا بحديث أبي ذر على منع التخليد بالمعاصي، وبهذا الحديث "لا يزني الزاني وهو مؤمن" على نقص الإيمان بالمعاصي كما وردت مفسرة في أحاديث كثيرة وآيٍ من القرآن منيرةٍ اهـ.

(ولا يسرق) من باب ضرب (السارق حين يسرق وهو مؤمن) أي كامل الإيمان بل إيمانه ناقص بذنب السرقة وقتئذ، والسرقة لغة: أخذ الشيء خفية مطلقًا، وشرعًا: أخذ ما يبْلُغ نصابًا مُحرزًا في حرز مثله خفية وهي من الكبائر ويكفر مستحلها (ولا يشرب) الشارب (الخمر) والمسكر (حين يشربها وهو مؤمن) أي كامل الإيمان بل ناقصه بسبب ذنب الشرب (قال ابن شهاب) بالسند السابق (فأخبرني) والفاء فيه عاطفة على محذوف تقديره أخبرني أبو سلمة وسعيد بن المسيب هؤلاء الثلاثة المذكورين فلم يزيدا عليهم، ولكن أخبرني (عبد الملك بن أبي بكر بن عبد الرحمن) بن الحارث بن هشام المخزومي المدني روى عن أبيه أبي بكر في الإيمان والصوم والنكاح وعن خارجة بن زيد في الوضوء ويروي عنه (ع) والزهري وابن جريج ومحمد بن أبي بكر بن عمرو بن حزم وعبد الله بن أبي بكر وعبد الرحمن بن حِمْيَر، وثقه النسائي وابن سعد وقال في التقريب: ثقة من الخامسة، مات في أول خلافة هشام، روى عنه المؤلف في أربعة أبواب الإيمان والوضوء والصوم والنكاح.

(أن) أباه (أبا بكر) بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام بن المغيرة بن عبد الله بن عمرو بن مخزوم المخزومي القرشي المدني، كان أحد الفقهاء السبعة، قيل اسمه محمد وقيل اسمه أبو بكر وكنيته أبو عبد الرحمن، والصحيح أن اسمه وكنيته واحد وُلد في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه وكان يقال له راهب قريش لكثرة صلاته، وكان

ص: 470

كَانَ يُحَدِّثُهُمْ هَؤُلَاءِ عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، ثُمَّ يَقُولُ: وَكَانَ أَبُو هُرَيرَةَ يُلْحِقُ مَعَهُنَّ: وَلَا يَنْتَهِبُ نُهْبَةً ذَاتَ شَرَفٍ -يَرْفَعُ النَّاسُ إِلَيهِ فِيهَا أَبْصَارَهُمْ- حِينَ يَنْتَهِبُهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ

ــ

فقيهًا عابدًا يصوم الدهر كله، روى عن أبيه وعن أبي هريرة وعمار وأبي مسعود وطائفة، ويروي عنه (ع) وبنوه سلمة وعبد الملك وعمر وعبد الله ومولاه سُمَيٌّ والزهري، وقال في التقريب: ثقة فقيه عابد من الثالثة مات سنة (94) أربع أو خمس وتسعين بعدما عمي، روى عنه المؤلف في الإيمان والصلاة والصوم في خمسة مواضع والبيوع في موضعين والفتن والنكاح في ستة أبواب تقريبًا (كان يحدثهم) أي يحدث عبد الملك ومن معه (هولاء) الثلاثة المذكورين من الزاني والسارق والشارب (عن أبي هريرة) رضي الله عنه، وهذا السند من سباعياته، رجاله اثنان منهم مصريان وواحد أيلي وأربعة مدنيون، وجملة قوله (ثم يقول) معطوفة على جملة يحدثهم أي كان أبو بكر يحدثهم هؤلاء الثلاثة ثم بعد ما حدثهم هؤلاء الثلاثة يقول لهم (وكان أبو هريرة يلحق معهن) أي يزيد ويروي مع هؤلاء الثلاثة الزاني والسارق والشارب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم المنتهب ويقول: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (ولا ينتهب) أي ولا يأخذ المنتهب أي الآخذ أموال الناس جهارًا اعتمادًا على قوته وغلبته (نُهبة) أي مالًا مأخوذًا جهارًا وغلبة (ذات شرف) صفة لنهبة أي مالًا صاحب قدر وقيمة عند الناس، لا مالًا تافهًا كثرة وفَلْس، وقوله (يرفع الناس إليه) أي إلى ذلك المنتهب (فيها) أي بسبب تلك النهبة (أبصارهم) للنظر إليه، والعجب من جراءته على حقوق الناس صفة ثانية لنهبة، والظرف في قوله (حين ينتهبها) أي حين ينتهب ويأخذ تلك النهبة بالقوة والغلبة متعلق بقوله: ولا ينتهب، وجملة قوله (وهو مؤمن) أي كامل الإيمان حال من فاعل قوله: ولا ينتهب.

قال النواوي: (قوله: قال ابن شهاب فأخبرني عبد الملك بن أبي بكر أن أبا بكر كان يحدثهم هؤلاء عن أبي هريرة، ثم يقول: وكان أبو هريرة يُلحق معهن) إلخ ظاهر هذا الكلام أن قوله ولا ينتهب

إلخ ليس من كلام النبي صلى الله عليه وسلم بل هو من كلام أبي هريرة رضي الله عنه موقوف عليه، ولكن جاء في روايةٍ أخرى ما يدل على أنه من كلام النبي صلى الله عليه وسلم، وقد جمع ابن الصلاح رحمه الله تعالى في ذلك كلامًا حسنًا فقال: روى أبو نعيم في مستخرجه على كتاب مسلم رحمه الله تعالى من حديث همام بن منبه هذا الحديث وفيه "والذي نفسي بيده لا ينتهب أحدكم" وهذا مصرحٌ برفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال: ولم يُستغن عن ذكر هذا بأن البخاري رواه من

ص: 471

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

حديث الليث بإسناده هذا الذي ذكره مسلم عنه معطوفًا فيه ذكر النهبة على ما بعد قوله: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم نَسقًا من غير فصل بقوله: وكان أبو هريرة يُلحق معهن ذلك، وذلك مراد مسلم رحمه الله تعالى بقوله الآتي: واقتصَّ الحديث مع ذكر النهبة، ولم يذكر ذات شرف) وإنما لم يكتف بهذا في الاستدلال على كون النهبة من كلام النبي صلى الله عليه وسلم لأنه قد يعد ذلك من قبيل المُدرج في الحديث من كلام بعض رواته استدلالًا بقول من فصل فقال: وكان أبو هريرة يلحق معهن، وما رواه أبو نعيم يرتفع عن أن يتطرق إليه هذا الاحتمال، وظهر بذلك أن قول أبي بكر بن عبد الرحمن:(وكان أبو هريرة يُلحق معهن) معناه يُلحقه رواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا رأيًا من عند نفسه، وكأن أبا بكر خصها بذلك لكونه بلغه أن غيره لا يرويها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ودليل ذلك ما تراه من رواية مسلم رحمه الله تعالى الحديثَ من رواية يونس وعقيل عن ابن شهاب عن أبي سلمة وسعيد بن المسيب عن أبي هريرة من غير ذكر النهبة.

ثم إن في رواية عقيل أن ابن شهاب روى ذكر النهبة عن أبي بكر بن عبد الرحمن نفسه، وفي رواية يونس بن عبد الملك بن أبي بكر عنه فكان ابن شهاب سمع ذلك من ابنه عبد الملك عنه في رواية يونس ثم سمعه من أبي بكر نفسه في رواية عقيل. انتهى من منهاج النووي.

قوله (ولا ينتهب نهبة) أي ولا يأخذ نهبة مالًا مأخوذًا جهرًا قهرًا، قال القرطبي: والنهبة بضم النون وكذا النُّهبى بضمها اسم لما يُنتهب من المال أي يؤخذ من غير قسمة ولا تقدير، ومنه سُميت الغنيمة نُهبى كما قال في الحديث المتفق عليه "وأصبنا نهب إبل" أي غنيمة إبل، لأنها تؤخذ من غير تقدير، تقول العرب: أُنهب الرجل ماله فانتهبوه ونهبوه وناهبوه، قاله الجوهري، وقوله (ذات شرف) هكذا بالشين المفتوحة المعجمة في الرواية المعروفة، والأصول المشهورة المتداولة، معناه ذات قدر عظيم وقيمة رفيعة، وقيل ذات استشراف يستشرف الناس ويتطلعون لها ناظرين إليها رافعين أبصارهم، ورواه الحربي (ذات سرف) بالسين المهملة المفتوحة، وقال معناه ذات مقدار كثير ينكره الناس، كنهب الفساق في الفتن الحادثة المال العظيم القدر مما يستعظمه الناس بخلاف التمرة والفلس، وما لا خطر له، قوله (يرفع الناس إليه أبصارهم) قال الحافظ ابن حجر:

ص: 472

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

فيه إشارة إلى حال المنهوبين، فإنهم ينظرون إلى من ينهبهم ولا يقدرون على دفعه ولو تضرعوا إليه، قال: ويحتمل أن يكون كناية عن عدم التستر بذلك فيكون صفة لازمة للنهب بخلاف السرقة والاختلاس فإنه يكون خفية، والانتهاب أشد؛ لما فيه من مزيد الجراءة وعدم المبالاة اهـ فتح (12/ 60) ومن أجل هذا شرط بعض الشافعية لكون الغصب كبيرة، أن يكون المغصوب نصابًا، وكذا السرقة اهـ منه (12/ 63).

قال القرطبي: ومقصود هذا الحديث التنبيه على جميع أنواع المعاصي، والتحذير منها، فنبه بالزنى على جميع الشهوات المحرمة، كشهوة النظر والكلام والسمع ولمس اليد ونقل الخطا إلى مثل تلك الشهوة كما قال صلى الله عليه وسلم:"فزنى العينين النظر وزنى اللسان الكلام وزنى اليد البطش وزنى الرجل الخُطا والفرج يصدق ذلك أو يكذبه" رواه البخاري ومسلم وأبو داود.

ونبه بالسرقة على اكتساب المال بالحيل الخفية، وبالنهب على اكتسابه على جهة الهجم والمغالبة، وبالغلول على أخذه على جهة الخيانة، هذا ما أشار إليه بعض علمائنا.

(قلت) وهذا تنبيه لا يتمشى إلا بالمسامحة، وأولى منه أن يقال إن الحديث يتضمن التحذير عن ثلاثة أمور، وهي من أعظم أصول المفاسد، وأضدادها من أصول المصالح، وهي استباحة الفروج المحرمة والأموال المحرمة، وما يؤدي إلى الإخلال بالعقول، وخص بالذكر أغلب الأوجه حُرمة التي يؤخذ بها مال الغير بغير الحق، وظاهر هذا الحديث حُجة للخوارج والمعتزلة وغيرهم ممن يُخرج عن الإيمان بارتكاب الكبائر، غير أن أهل السنة يعارضونهم بظواهر أخرى أولى منها، كقوله صلى الله عليه وسلم في حديث أبي ذر:"من مات لا يشرك بالله شيئًا دخل الجنة وإن زنى وإن سرق" رواه أحمد والبخاري ومسلم والترمذي، وكقوله صلى الله عليه وسلم في حديث عبادة بن الصامت "ومن أصاب شيئًا من ذلك يعني من القتل والسرقة والزنا فعُوقب به فهو كفارة له ومن لم يُعاقب فأمره إلى الله إن شاء عفا، وإن شاء عذبه" رواه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي، ويُعضد هذا قوله تعالى:{إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء: 48]، ونحو هذا في الأحاديث كثير، ولما صحت هذه

ص: 473

112 -

(00) وَحَدَّثَنِي عَبْدُ المَلِكِ بْنُ شُعَيبِ بْنِ اللَّيثِ بْنِ سَعْدٍ، قَال: حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ جَدِّي،

ــ

المعارضة تعين تأويل تلك الأحاديث الأوَل وما في معناها، وقد اختلف العلماء في ذلك، فقال حَبْر القرآن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما إن ذلك محمول على المستحل لتلك الكبائر، وقيل معنى ذلك إن مرتكب تلك الكبائر يسلب عنه اسم الإيمان الكامل أو النافع الذي يفيد صاحبه الانزجار عن هذه الكبائر، وقال الحسن: يسلب عنه اسم المدح الذي سُمي به أولياء الله المؤمنون، ويستحق اسم الذم الذي سُمي به المنافقون والفاسقون، وفي البخاري عن ابن عباس يُنزع منه نور الإيمان، وروى في ذلك حديثًا مرفوعًا فقال:"من زنى نزع الله نور الإيمان من قلبه، فإن شاء أن يرده إليه رده" وكل هذه التأويلات حسنة والحديث قابل لها، وتأويل ابن عباس هذا أحسنها ولكن مر عليه الاعتراض انتهى من المفهم.

وهذا الحديث شارك المؤلف في روايته أحمد (21/ 317، 386، 479) والبخاري (5578) وأبو داود (4689) والترمذي (2627) والنسائي (8/ 64) وابن ماجه (3936).

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي هريرة هذا فقال:

(112)

- متا (00)(وحدثني عبد الملك بن شعيب بن الليث بن سعد) الفهمي مولاهم أبو عبد الله المصري، روى عن أبيه في كتاب الإيمان وفي مواضع وعن ابن وهب في الفتن، ويروي عنه (م د س) وابن أبي داود، قال النسائي: ثقة، وقال أبو حاتم: صدوق، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال في التقريب: ثقة من الحادية عشرة، مات سنة (248) ثمان وأربعين ومائتين (قال) عبد الملك (حدثني أبي) شعيب بن الليث بن سعد بن عبد الرحمن الفهمي مولاهم من قيس عيلان، أبو عبد الملك المصري، روى عن أبيه في الإيمان وغيره، ويروي عنه (م د س) وابنه عبد الملك بن شعيب ويونس بن عبد الأعلى وآخرون، وثقه ابن حبان والخطيب وأحمد بن صالح، وقال في التقريب: ثقة نبيل فقيه من كبار العاشرة، مات سنة (199) وله أربع وستون (64) سنة (عن جدي) الليث بن سعد بن عبد الرحمن بن الحارث الفهمي مولى فهم من قيس عيلان، أبي الحارث المصري، عالم مصر وفقيهها ورئيسها، وقال في التقريب:

ص: 474

قَال: حَدَّثَنِي عُقَيْلُ بْنُ خَالِدٍ، قَال: قَال ابْنُ شِهَابٍ: أَخْبَرَنِي أَبُو بَكرِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ أَنَّهُ قَال: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَال: "لَا يَزْنِي الزَّانِي

" وَاقْتَصَّ الْحَدِيثَ بِمِثْلِهِ، يَذْكُرُ مَعَ ذِكْرِ النُّهْبَةِ، وَلَمْ يَذْكُرْ:(ذَاتَ شَرَفٍ)،

ــ

ثقة ثبت فقيه إمام مشهور من السابعة، مات في شعبان سنة (175) خمس وسبعين ومائة، وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في خمسة عشر بابًا تقريبًا.

(قال) ليث بن سعد (حدثني عُقيل) بضم أوله (بن خالد) بن عقيل بفتح أوله القرشي الأموي مولى عثمان بن عفان رضي الله عنه أبو خالد الأيلي بفتح الهمزة بعدها ياء ساكنة ثم لام، سكن المدينة ثم الشام ثم مصر، روى عن الزهري في الإيمان والصلاة وغيرهما، وسلمة بن كُهيل في الصلاة، وعن القاسم وسالم وغيرهم، ويروي عنه (ع) والليث بن سعد والمفضل بن فضالة ويحيى بن أيوب وغيرهم، وثقه أحمد والنسائي، وقال أبو حاتم هو أثبت من معمر وقال في التقريب: ثقة ثبت من السادسة، مات سنة (144) على الصحيح، وليس من اسمه عقيل في مسلم إلا هذا الثقة.

(قال) عُقيل بن خالد (قال) محمد بن مسلم (بن شهاب) الزهري أبو بكر المدني (أخبرني أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام) القرشي المدني (عن أبي هريرة) عبد الرحمن بن صخر الدوسي المدني، وهذا السند من سباعياته، رجاله أربعة منهم مصريون وثلاثة منهم مدنيون، وغرضه بسوق هذا السند بيان متابعة عقيل بن خالد ليونس بن يزيد في رواية هذا الحديث عن ابن شهاب، ولكن في رواية يونس روى ابن شهاب عن أبي بكر بن عبد الرحمن بواسطة عبد الملك، وفي رواية عُقيل روى عنه بلا واسطة عبد الملك كما مر بيانه، وفائدة هذه المتابعة بيان كثرة طرقه (أنه) أي أن أبا هريرة (قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا يزني الزاني واقتص) عُقيل بن خالد (الحديث) السابق عن يونس (بمثله) أي بمثل ما روى يونس عن ابن شهاب عن عبد الملك حالة كون عُقيل (بذكر) الحديث السابق (مع كر النهبة) فيه بقوله: "ولا ينتهب نهبة يرفع الناس إلخ" كما ذكرها يونس عن ابن شهاب عن عبد الملك (و) لكن (لم يذكر) عقيل في روايته لفظة (ذات شرف) أي نهبة ذات كثرة وقوله (يذكر) بالبناء للفاعل مع حذف هاء المفعول اختصارًا، وكذا قوله: ولم يذكر بالبناء للفاعل مع ذكر

ص: 475

قَال ابْنُ شِهَابٍ: حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَأَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، عَنْ رَسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم بِمِثْلِ حَدِيثِ أَبِي بَكْرٍ هَذَا، إلا النُّهْبَةَ.

113 -

(00) وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ مِهْرَانَ الرَّازِيُّ، قَال: أَخْبَرَنِي عِيسَى بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنَا الأوزَاعِيُّ

ــ

المفعول، ويحتمل أن لا تكون محذوفة ويُبنى الفعل فيهما للمفعول أو يكون في موضع الحال، أي واقتص الحديث مذكورًا معه لفظ النهبة اهـ أبي.

(قال ابن شهاب) بالسند السابق يعني بسند عُقيل بن خالد (حدثني سعيد بن المسيب وأبو سلمة بن عبد الرحمن) كلاهما (عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أي كلاهما رويا له بسند عُقيل بن خالد كما رويا له أولًا بسند يونس (بمثل حديث أبي بكر هذا) أي بمثل هذا الحديث الذي حدث له أبو بكر بن عبد الرحمن بسند عقيل (إلا النهبة) لم يذكراها له كما لم يذكراها له في سند يونس، ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه فقال:

(113)

- متا (00)(وحدثني محمد بن مهران) بكسر الميم وسكون الهاء الجَمَّال بالجيم والميم المشددة أبو جعفر (الرازي) الحافظ روى عن عيسى بن يونس في الإيمان والوليد بن مسلم في الصلاة وحاتم بن إسماعيل في الصلاة والفضائل وعبد الرزاق في الحج وحماد بن خالد الخياط في الصيد وجرير بن عبد الحميد وابن علية وغيرهم، ويروي عنه (خ م د) وهارون بن إسحاق وأبو زرعة وأبو حاتم وطائفة، وقال في التقريب: ثقة حافظ من العاشرة، مات سنة (239) تسع وثلاثين ومائتين، فجملة الأبواب التي روى عنه المؤلف فيها ستة أبواب تقريبًا.

(قال) محمد بن مهران (أخبرني عيسى بن يونس) بن أبي إسحاق الهمداني السبيعي بفتح المهملة وكسر الموحدة أخو إسرائيل أبو عمرو الكوفي، أحد الأئمة الأعلام، وقال ابن سعد: كان ثقة ثبتًا، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال العجلي: كوفي ثقة، وقال ابن المديني: حجة ثبت وقال في التقريب: من الثامنة مات سنة (191) إحدى وتسعين ومائة، وقد تقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في سبعة عشر بابًا تقريبًا. قال عيسى (حدثنا) عبد الرحمن بن عمرو (الأوزاعي) أبو عمرو الشامي، الإمام العلم الفقيه، روى عن الزهري وابن سيرين وعطاء وغيرهم، ويروي عنه (ع)

ص: 476

عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنِ ابْنِ الْمُسَيِّبِ وَأَبِي سَلَمَةَ وَأَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، عَنِ النَّبِى صلى الله عليه وسلم بِمِثْلِ حَدِيثِ عُقَيلٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، وَذَكَرَ:(النُّهْبَةَ)، وَلَمْ يَقُلْ:(ذَاتَ شَرَفٍ).

114 -

(00) وَحَدَّثَنِي حَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْحُلْوَانِيُّ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ،

ــ

وعيسى بن يونس ويحيى بن أبي كثير وغيرهم، ثقة ثبت فقيه من السابعة، مات في الحمام سنة (157) سبع وخمسين ومائة، وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في اثني عشر بابًا تقريبًا (عن الزهري) محمد بن مسلم المدني (عن) سعيد (بن المسيب) القرشي المدني (وأبي سلمة) عبد الله بن عبد الرحمن بن عوف الزهري المدني (وأبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام) المخزومي المدني كلٌّ من الثلاثة (عن أبي هريرة) الدوسي المدني (عن النبي صلى الله عليه وسلم.

وهذا السند من سداسياته ثلاثة منهم مدنيون، وواحد رازي وواحد كوفي وواحد شامي، وغرضه بسوق هذا السند بيان متابعة الأوزاعي لعقيل بن خالد في رواية هذا الحديث عن الزهري عن هؤلاء الثلاثة، كما أشار إليه بقوله (بمثل حديث عقيل عن الزهري عن أبي بكر بن عبد الرحمن عن أبي هريرة) والجار والمجرور في قوله: بمثل، متعلق بقوله حدثنا الأوزاعي لأنه العامل في المُتابِع، وفائدة هذه المتابعة بيان كثرة طرقه.

(وذكر) الأوزاعي (النهبة) كما ذكره عقيل (ولم يقل) الأوزاعي أيضًا لفظة (ذات شرف) كما لم يقله عقيل، وهاتان الجملتان أعني قوله (وذكر النهبة) وقوله (ولم يقل ذات شرف) يُغني عنهما قوله بمثل حديث عقيل لأن مفادهما مفهوم من معنى المماثلة، لأنه قال أولًا في رواية عُقيل (مع ذكر النهبة، ولم يذكر ذات شرف) فذِكْرُهما تصريحٌ بما علم من المماثلة، ثم ذكر المؤلف المتابعة ثالثًا في حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه فقال:

(114)

- متا (00) و (حدثني حسن بن علي) بن محمد بن علي الهذلي، أبو علي الخلال (الحلواني) الريحاني المكي الحافظ، ثقة من الحادية عشرة، مات سنة (242) اثنتين وأربعين ومائتين، وقد تقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في ثمانية أبواب تقريبًا (حدثنا يعقوب بن إبراهيم) بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف

ص: 477

حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ الْمُطَّلِبِ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ سُلَيمٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ مَوْلَي مَيمُونَةَ وَحُمَيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ،

ــ

القرشي الزهري أبو يوسف المدني القرشي، ثقة فاضل من صغار التاسعة، مات سنة (208) ثمان ومائتين، وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في أربعة أبواب تقريبًا، قال يعقوب (حدثنا عبد العزيز بن المطلب) بن عبد الله بن حَنْطَب المخزومي أبو طالب المدني، روى عن صفوان بن سُليم في الإيمان وسُهيل بن أبي صالح في الأيمان وموسى بن عقبة في الأشربة وفي سَدِّدُوا، ويروي عنه (ع) ويعقوب بن إبراهيم بن سعد وإسماعيل بن أبي أويس ومعن بن عيسى وشعبة والحمادان، وثقه أحمد، وقال في التقريب: ثقة من الرابعة مات سنة (130) ثلاثين ومائة، روى عنه المؤلف في أربعة أبواب تقريبًا في الإيمان والأيمان والأشربة وفي سدِّدُوا (عن صفوان بن سليم) مُصغرًا، أبو الحارث أو أبو عبد الله الزهري مولاهم، مولى حُميد بن عبد الرحمن المدني، روى عن عطاء بن يسار في الإيمان والصلاة وصفة الجنة، وحُميد بن عبد الرحمن وعبد الله بن سلمان الأغر والأعرج في الصلاة، وعبد الله بن عمر وابن المسيب وغيرهم، ويروي عنه (ع) وعبد العزيز بن المطلب والدراوردي وأبو علقمة الفَروي ومالك والليث ويزيد بن أبي حبيب وخلق، وقال في التقريب: ثقة عابد رُمي بالقدر، من الرابعة، مات سنة (132) اثنتين وثلاثين ومائة، روى عنه المؤلف في ثلاثة أبواب تقريبًا (عن عطاء بن يسار) الهلالي مولاهم (مولى ميمونة) بنت الحارث الهلالية زوج النبي صلى الله عليه وسلم، أبي محمد المدني أحد الأئمة الأعلام روى عن أبي هريرة وأبي سعيد الخدري وزيد بن خالد وابن عباس وعائشة ومولاتِه ميمونة وغيرهم، ويروي عنه (ع) وصفوان بن سليم وزيد بن أسلم وأبو سلمة بن عبد الرحمن وعمرو بن دينار وخلق، وقال في التقريب: ثقة فاضل صاحب مواعظ وعبادة من صغار الثالثة، مات بالإسكندرية ودفن بها سنة ثلاث ومائة (103) وقيل (94) أربع وتسعين، وكان مولده سنة (19) تسع عشرة.

روى عنه المؤلف في الإيمان والوضوء والصلاة في ستة مواضع والجنائز والزكاة في موضعين والحج والطب في موضعين والبيوع والفضائل وجملة ما روى المؤلف عنه فيه تسعة أبواب تقريبًا (و) عن (حُميد بن عبد الرحمن) بن عوف الزهري، أبي إبراهيم المدني، ويقال أبو عبد الرحمن، وأمه أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط بن أبي عمرو بن أمية بن عبد شمس، وكانت أول مهاجرة هاجرت من مكة إلى المدينة، وفيها أُنزلت آية

ص: 478

عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم،

ــ

الممتحنة، روى عن أبي هريرة وعبد الله بن عمرو وأبي سعيد الخدري وعبد الله بن عمر ومعاوية وعن أمه أم كلثوم وغيرهم ويروي عنه (ع) وصفوان بن سُليم وسعد بن إبراهيم والزهري ومحمد بن سيرين وغيرهم، وقال في التقريب: ثقة من الثانية، مات سنة (105) خمس ومائة على الصحيح، وله (73) ثلاث وسبعون سنة.

روى عنه المؤلف في الإيمان والصلاة في ثلاثة مواضع والزكاة في موضعين والصوم في موضعين والحج والنكاح والهبة واللباس والديات وفي ذكر الكذب وفي ذكر المنافقين، فجملة الأبواب التي روى المؤلف عنه فيها أحد عشر بابًا تقريبًا، وفائدة هذه المتابعة بيان كثرة طرقه (عن أبي هريرة) الدوسي المدني، وهذا السند من سداسياته، ورجاله كُلهم مدنيون إلا حسن بن علي الحلواني فإنه مكي (عن النبي صلى الله عليه وسلم.

(ح) أي حول المؤلف السند (و) قال (حدثنا محمد بن رافع) بن أبي زيد القشيري مولاهم، أبو عبد الله النيسابوري، ثقة عابد من الحادية عشرة، مات سنة (245) خمس وأربعين ومائتين، وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في أحد عشر بابًا، قال محمد (حدثنا عبد الرزاق) بن همام بن نافع الحميري مولاهم أبو بكر الصنعاني، ثقة حافظ مُصنف شهير من التاسعة، مات سنة (211) إحدى عشرة ومائتين، وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في سبعة أبواب تقريبًا، قال عبد الرزاق (أخبرنا معمر) بسكون العين بن راشد الأزدي الحداني مولاهم، أبو عروة البصري، نزيل اليمن ثقة ثبت فاضل من كبار السابعة، مات سنة (154) أربع وخمسين ومائة، وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في تسعة أبواب تقريبًا.

(عن همام بن منبه) بن كامل بن سريج اليماني، أبي عقبة الصنعاني الذماريِّ، نسبة إلى ذمار قرية من قرى صنعاء على مرحلتين منها، ثقة من الرابعة، مات سنة (132) اثنتين وثلاثين ومائة على الصحيح (عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم وهذا السند من خماسياته، اثنان منهم صنعانيان وواحد نيسابوري وواحد بصري وواحد مدني،

ص: 479

ح حَدَّثَنَا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ -يَعْنِي الدَّرَاوَرْدِيَّ- عَنِ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، كُلُّ هَؤُلَاءِ بِمِثْلِ حَدِيثِ الزُّهْرِيِّ،

ــ

وفي بعض النسخ (ح) أي حول المؤلف السند وقال (حدثنا قتية بن سعيد) بن جميل بن طريف بن عبد الله الثقفي مولاهم، أبو رجاء البغلاني بغلان بلخ، ثقة ثبت من العاشرة، مات سنة (240) أربعين ومائتين، وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في سبعة أبواب تقريبًا، قال قتيبة (حدثنا عبد العزيز) بن محمد بن عبيد بن أبي عبيد الدراوردي، أبو محمد الجهني مولاهم المدني، وقال في التقريب: صدوق من الثامنة، مات سنة (189) تسع وثمانين ومائة، وقد تقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في تسعة أبواب تقريبًا، وأتى بالعناية في قوله (يعني) شيخي قتيبة بعبد العزيز عبد العزيز (الدراوردي) تورعًا من الكذب على شيخه، وإيضاحًا للراوي كما مر مرارًا.

(عن العلاء بن عبد الرحمن) بن يعقوب الجهني الحرقي، أبي شبل المدني بكسر المعجمة وسكون الموحدة، قال ابن سعد: كان ثقة كثير الحديث، وقال في التقريب: صدوق ربما وَهِم من الخامسة، مات شنة بضع وثلاثين ومائة (133) روى المؤلف عنه في أربعة أبواب تقريبًا (عن أبيه) عبد الرحمن بن يعقوب الجهني الحُرقي مولاهم، أبي العلاء المدني، قال العجلي: تابعي ثقة، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال في التقريب: ثقة من الثالثة، روى عن أبي هريرة في كتاب الإيمان وغيره (عن أبي هريرة) الدوسي المدني (عن النبي صلى الله عليه وسلم وهذا السند من خماسياته، رجاله كلهم مدنيون إلا قتيبة بن سعيد فإنه بغلاني.

(كل هولاء) المذكورين في أسانيد التحويلات يعني صفوان بن سُليم في السند الأول، ومعمر بن راشد في السند الثاني، والعلاء بن عبد الرحمن في السند الثالث، رووا عن أبي هريرة (بمثل حديث الزهري) أي بمثل ما حدث الزهري عن أبي هريرة بأسانيده السابقة، فغرض المؤلف بسوق هذه الأسانيد الثلاثة بيان متابعة صفوان بن سليم ومعمر بن راشد وعلاء بن عبد الرحمن للزهري في رواية هذا الحديث عن أبي هريرة، ولكنها متابعة ناقصة لأن صفوان بن سليم روى عن أبي هريرة بواسطة عطاء بن يسار وحُميد بن عبد الرحمن، ومعمر بن راشد روى عن أبي هريرة بواسطة همام بن منبه، وعلاء بن عبد الرحمن روى عن أبي هريرة بواسطة أبيه عبد الرحمن بن يعقوب، كما أن

ص: 480

غَيرَ أَنَّ الْعَلَاءَ وَصَفْوَانَ بْنَ سُلَيمٍ لَيسَ فِي حَدِيثِهِمَا: (يَرْفَعُ النَّاسُ إِلَيهِ فِيهَا أَبْصَارَهُمْ)، وَفِي حَدِيثِ هَمَّامٍ:(يَرْفَعُ إِلَيهِ الْمُؤْمِنُونَ أَعْيُنَهُمْ فِيهَا، وَهُوَ حِينَ يَنْتَهِبُهَا مُؤْمِنٌ) وَزَادَ: "وَلَا يَغُلُّ أَحَدُكُمْ حِينَ يَغُلُّ وَهُوَ مُؤْمِنٌ، فَإِيَّاكُمْ إِيَّاكُمْ".

115 -

(00) حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى،

ــ

الزهري روى عن أبي هريرة بواسطة مشايخه المذكورين سابقًا، ثم استثنى المؤلف من المماثلة بقوله (غير أن العلاء) بن عبد الرحمن (وصفوان بن سليم ليس في حديثهما) لفظة (يرفع الناس إليه فيها أبصارهم) وقوله (وفي حديث همام) لعله تحريف من النساخ، ولعل الصواب (وفي حديث معمر) عن همام (يرفع إليه) أي إلى المنتهب (المومنون أعينهم فيها) أي في تلك النهبة أي بسببها (وهو) أي والحال أن المنتهب (حين ينتهبها) أي حين يأخذ تلك النهبة (مؤمن) أي كامل الإيمان والظرف متعلق بمؤمن، أو بقوله ولا ينتهب، والجملة الاسمية حال من فاعل قوله ولا ينتهب نهبة (وزاد) معمر في روايته عن همام على رواية الزهري وغيره لفظة (ولا يَغُلُّ أحدكم) بفتح الياء وضم الغين المعجمة وتشديد اللام ورفعها وهو من الغلول وهي الخيانة في المغنم وغيره، ولا يستعمل في المغنم غيره، وهو متعدٍّ في الأصل، لكن أُميت مفعوله فلم يُنْطق به اهـ من المصباح، أي زاد معمر في روايته على غيره لفظة ولا يغل أحدكم أيها المؤمنون، أي لا يأخذ أحدكم من الغنيمة (حين يَغل) وياخذ منها قبل القسمة (وهو مؤمن) أي كامل الإيمان والفاء في قوله (فإياكم إياكم) فاء الفصيحة، واياكم منصوب على التحذير بعامل محذوف وجوبًا لقيام التكرار مقامه، والتقدير إذا عرفتم أيها المؤمنون عقوبة هذه المعاصي ونقصان الإيمان بها وأردتم السلامة من مفسدتها فأقول لكم إياكم إياكم، أي باعدوا أنفسكم عن ارتكاب هذه المعاصي الموبقات لتسلموا من مفسدتها، قال النووي قوله (فإياكم إياكم) هكذا هو في الروايات إياكم إياكم مرتين ومعناه احذروا احذروا، يقال: إياك وفلانًا أي احذره، ويقال: إياك أي احذر من غير ذكر فلان كما وقع هنا) انتهى، ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة رابعًا في حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه فقال:

(115)

- (00)(حدثني محمد بن المثنى) بن عبيد العنزي، أبو موسى البصري، ثقة ثبت من العاشرة، مات سنة (252) اثنتين وخمسين ومائتين، روى عنه المؤلف في

ص: 481

حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ سُلَيمَانَ، عَنْ ذَكْوَانَ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ: أن النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَال: "لَا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤمِنٌ، وَلَا يَسْرِقُ حِينَ يَسْرِقُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلَا يَشْرَبُ الْخَمْرَ حِينَ يَشْرَبُهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَالتَّوْبَةُ مَعْرُوضَةٌ بَعْدُ"

ــ

أربعة عشر بابًا تقريبًا، قال ابن المثنى (حدثنا) محمد (بن أبي عدي) اسمه إبراهيم السلمي مولاهم أبو عمرو البصري، ثقة من التاسعة، مات بالبصرة سنة (194) أربع وتسعين ومائة، روى عنه المؤلف في سبعة أبواب تقريبًا (عن شعبة) بن الحجاج بن الورد العتكي مولاهم أبي بسطام الواسطي ثم البصري ثقة حافظ متقن من السابعة مات سنة (160) ستين ومائة، روى عنه المؤلف في ثلاثين بابًا تقريبًا (عن سليمان) بن مهران الكاهلي مولاهم أبي محمد الكوفي ثقة ثبت مدلس من الخامسة مات سنة (148) ثمان وأربعين ومائة، روى عنه المؤلف في ثلاثة عشر بابًا تقريبًا (عن ذكوان) أبي صالح السمان المدني ثقة ثبت من الثالثة مات سنة (101) إحدى ومائة، روى عنه المؤلف في ثمانية أبواب (عن أبي هريرة) الدوسي المدني وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم بصريون واثنان مدنيان وواحد كوفي وغرضه بسوق هذا السند بيان متابعة أبي صالح السمان لمن روى عن أبي هريرة في رواية هذا الحديث عنه (أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا يزني الزاني) أي من يريد الزنا ففيه مجاز الأَوْلِ، وكذا يقال فيما بعده (حين يزني وهو مؤمن) أي كامل الإيمان (ولا يسرق) السارق (حين يسرق وهو مؤمن ولا يشرب) الشارب (الخمر) أي المسكر (حين يشربها وهو مؤمن والتوبة معروضة بعد) أي وتوبة هؤلاء العصاة بعد أي بعد ارتكابهم هذه المعاصي معروضة عليهم واجبة عليهم مقبولة منهم بشروطها عرضها الله تعالى على العصاة رحمة منه تعالى لعلمه بضعفهم عن دفع هوى النفس والشيطان فجعل التوبة مخلصة من ذلك وهي واجبة على الفور، قال النووي: وأجمع المسلمون على قبولها وأركانها: الإقلاع والندم والعزم على أن لا يعود فإن تاب من ذنب ثم عاود لم تبطل الأولى وتصح من بعض الذنوب خلافًا للمعتزلة في المسألتين، قال القرطبي:(قوله والتوبة معروضة بعد) هذا منه صلى الله عليه وسلم إرشاد لمن وقع في كبيرة أو كبائر إلى الطريق التي بها يتخلص وهي التوبة، ومعنى كونها معروضة، أي عرضها الله عز وجل على العباد حيث أمرهم بها، وأوجبها عليهم وأخبر

ص: 482

116 -

(00) حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخبَرَنَا سُفْيَانُ عَنِ الأَعمَشِ، عَنْ ذَكْوَانَ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ رَفَعَهُ قَال:"لَا يَزْنِي الزَّانِي. " ثُمَّ ذَكَرَ بِمِثْلِ حَدِيثِ شُعْبَةَ

ــ

عن نفسه أنه تعالى يقبلها، كل ذلك فضل من الله تعالى ولطف بالعبد لما علم الله تعالى من ضعفه عن مقاومة الحوامل على المخالفات التي هي النفس والهوى والشيطان الإنسي والجني فلما علم الله تعالى أنه يقع في المخالفات رَحِمَه بأن أرشده إلى التوبة فعرضها عليه وأوجبها وأخبر بقبولها، وأيضًا فإنه يجب على النصحاء أن يعرضوها على أهل المعاصي ويعرفونهم بها وبوجوبها عليهم، وبعقوبة الله تعالى لمن تركها، وذلك كله لطف متصل إلى طلوع الشمس من مغربها أو إلى أن يغرغر العبد و (بعد) ظرف اعتباري مبني على الضم لقطعه عن الإضافة لفظًا وإرادة المضاف إليه ضمنًا، ويقابلها قبل، كما قال تعالى {لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ} [الروم: 4] انتهى.

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة خامسًا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال:

(116)

- (00)(حدثني محمد بن رافع) بن أبي زيد القشيري، أبو عبد الله النيسابوري، ثقة من الحادية عشرة، مات سنة (245) خمس وأربعين ومائتين روى عنه المؤلف في أحد عشر بابًا تقريبًا، قال محمد بن رافع (حدثنا عبد الرزاق) بن همام بن رافع الحميري، أبو بكر الصنعاني، ثقة من التاسعة، مات سنة (211) روى عنه المؤلف في سبعة أبواب تقريبًا، قال عبد الرزاق (أخبرنا سفيان) بن سعيد بن مسروق الثوري، أبو عبد الله الكوفي، ثقة من السابعة، مات سنة (161) إحدى وستين ومائة، روى عنه المؤلف في أربع وعشرين بابًا تقريبًا (عن الأعمش) سليمان بن مهران الكاهلي، أبي محمد الكوفي، ثقة ثبت من الخامسة مات سنة (148) ثمان وأربعين ومائة، روى عنه المؤلف في ثلاثة عشر بابًا تقريبًا (عن ذكوان) أبي صالح السمان المدني، ثقة من الثالثة، مات سنة (101) إحدى ومائة روى عنه المؤلف في ثمانية أبواب تقريبًا (عن أبي هريرة) الدوسي المدني، حالة كون أبي هريرة (رفعه) أي رفع هذا الحديث إلى النبي صلى الله عليه وسلم (قال) أبو هريرة قال النبي صلى الله عليه وسلم (لا يزني الزاني) الحديث (ثم ذكر) سفيان الثوري (بمئل حديث شعبة) بن الحجاج المذكور قبله، والجار والمجرور

ص: 483

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

متعلق بأخبرنا سفيان، أي أخبرنا سفيان عن الأعمش بمثل ما أخبر شعبة عن سليمان الأعمش، وهذا السند من سداسياته، رجاله اثنان منهم مدنيان واثنان كوفيان وواحد نيسابوري وواحد صنعاني، وغرضه بسوقه بيان متابعة سفيان لشعبة في رواية هذا الحديث عن الأعمش، وفائدة هذه المتابعة بيان كثرة طرقه، ولم يذكر المؤلف رحمه الله تعالى في هذا الباب إلا حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه وذكر فيه خمس متابعات.

***

ص: 484