المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌254 - (65) باب: تحريم الكلام في الصلاة، ونسخ ما كان من إباحته - الكوكب الوهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج - جـ ٨

[محمد الأمين الهرري]

فهرس الكتاب

- ‌242 - (54) باب: سترة المصلي

- ‌243 - (55) باب منع المصلي من يمر بين يديه والتغليظ في المرور بين يديه

- ‌244 - (56) باب دنو المصلي إلى السترة وبيان قدرها وما يقطع الصلاة

- ‌245 - (57) بَابُ اعْترِاضِ المَرْأَةِ بَينَ يَدَي المُصَلِّي لا يَقْطَعُ الصَّلاةَ

- ‌246 - (58) باب الصلاة في الثوب الواحد وكيفية لبسه وعلى الحصير

- ‌أبواب المساجد

- ‌247 - (58) باب أول مسجد وضع في الأرض وما جاء أن الأرض كلها مسجد

- ‌248 - (60) باب ابتناء مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌249 - (61) باب تحويل القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة المشرفة زادها الله شرفًا

- ‌250 - (62) باب النهي عن بناء المسجد على القبور واتخاذها مساجد ولعن فاعله وعن التصاوير فيها

- ‌251 - (62) باب ثواب من بنى لله مسجدًا

- ‌252 - (63) باب وضع الأيدي على الركب في الركوع ونسخ التطبيق

- ‌253 - (64) باب جواز الإقعاء أي الجلوس على العقبين في الصلاة

- ‌254 - (65) باب: تحريم الكلام في الصلاة، ونسخ ما كان من إِباحته

- ‌255 - (66) باب جواز رد المصلي السلام عليه بالإشارة

- ‌256 - (67) باب جواز لعن الشيطان والتعوذ منه أثناء الصلاة وجواز العمل القليل فيها

- ‌257 - (68) باب: جواز حمل الصبيان في الصلاة

- ‌258 - (69) باب اتخاذ المنبر ومن صلى على موضع أرفع ليعلم المأمومين الصلاة

- ‌259 - (70) باب: كراهية الاختصار في الصلاة

- ‌260 - (71) باب كراهة مسح الحصى وتسوية التراب في موضع السجود في الصلاة

- ‌261 - (72) باب النهي عن البصاق في المسجد في الصلاة وغيره وحكه عنه وعن بصاق المصلي بين يديه وعن يمينه

- ‌262 - (73) باب كفارة البزاق في المسجد

- ‌263 - (73) باب جواز الصلاة في النعلين وكراهية الصلاة في الثوب المعلم

- ‌264 - (74) باب كراهية الصلاة بحضرة الطعام الذي يتوق إليه ومع مدافعة الأخبثين

- ‌265 - (75) باب النهي عن إتيان المساجد لمن أكل الثوم أو البصل أو نحوهما وإخراج من وجد منه ريحها من المسجد

- ‌266 - (76) باب النهي عن إنشاد الضالة في المسجد وما يقوله من سمع الناشد

- ‌267 - (77) باب: السهو في الصلاة والسجود له

- ‌268 - (88) باب مشروعية سجود التلاوة وجواز تركه

- ‌269 - (89) باب كيفية الجلوس للتشهد وكيفية وضع اليدين على الفخذين

- ‌270 - (90) باب السلام من الصلاة وكم يسلم

- ‌271 - (91) باب الذكر بعد الصلاة أي بعد الفراغ من الصلاة المكتوبة

- ‌272 - (92) باب: استحباب التعوذ من عذاب القبر في الصلاة

- ‌273 - (93) باب: ما يستعاذ منه في الصلاة

- ‌274 - (94) باب قدر ما يقعد الإمام بعد السلام وما يقال بعده

- ‌275 - (95) باب السكوت بين تكبيرة الإحرام والقراءة وما يقال فيه وعدمه عند النهوض من الثانية

- ‌276 - (96) باب فضل التحميد في الصلاة

- ‌277 - (97) باب الأمر بإتيان الصلاة بوقار وسكينة، والنهي عن إتيانها سعيًا

- ‌278 - (98) باب متى يقوم الناس للصلاة

- ‌279 - (99) باب إذا ذكر الإمام أنه محدث خرج فأمرهم بانتظاره

- ‌280 - (100) باب: من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك تلك الصلاة

- ‌281 - (101) باب من أدرك من الفجر والعصر ركعة قبل طلوع الشمس وغروبها فقد أدركهما

- ‌282 - (102) باب: أوقات الصلوات الخمس

- ‌283 - (103) باب الإبراد بالظهر في شدة الحر

- ‌284 - (104) باب تعجيل الظهر بعد الإبراد، وفي زمن البرد

- ‌285 - (105) باب تعجيل صلاة العصر

الفصل: ‌254 - (65) باب: تحريم الكلام في الصلاة، ونسخ ما كان من إباحته

‌254 - (65) باب: تحريم الكلام في الصلاة، ونسخ ما كان من إِباحته

1093 -

(497)(157) حدَّثنا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الصَّبَّاحِ، وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ -وَتَقَارَبَا فِي لَفْظِ الْحَدِيثِ- قَالا: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ حَجَّاجِ الصَّوَّافِ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ هِلالِ بْنِ أَبِي مَيمُونَةَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ مُعَاويَةَ بْنِ الْحَكَم السُّلَمِيِّ؛ قَال: بَينَا أَنَا أُصَلِّي مَعَ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم. إِذْ عَطَسَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ

ــ

254 -

(65) باب تحريم الكلام في الصلاة ونسخ ما كان من إباحته

1093 -

(497)(157)(حدثنا أبو جعفر محمد بن الصباح) الدولابي مولدًا الرازي ثم البغدادي البزاز صاحب السنن، وثقه ابن معين والعجلي ويعقوب بن شيبة، وقال في التقريب: ثقة حافظ، من العاشرة (وأبو بكر بن أبي شيبة وتقاربا في لفظ الحديث) الآتي (قالا حدثنا إسماعيل بن إبراهيم) بن مقسم المعروف بابن علية الأسدي البصري، ثقة، من (8)(عن حجاج) بن أبي عثمان ميسرة (الصواف) الخياط أبي الصلت الكندي البصري، ثقة، من (6) روى عنه في (5) أبواب (عن يحيى بن أبي كثير) صالح بن المتوكل الطائي اليمامي، ثقة، من (5) روى عنه في (16) بابا (عن هلال بن) علي بن أسامة (أبي ميمونة) القرشي العامري مولاهم المدني، روى عنه عطاء بن يسار في الصلاة والزكاة، وأبي سلمة بن عبد الرحمن في البيوع، وأنس بن مالك، ويروي عنه (ع) ويحيى بن أبي كثير وزياد بن سعد ومالك وسعيد بن أبي هلال، وثقه الدارقطني وابن حبان، وقال النسائي: ليس به بأس، وقال في التقريب: ثقة، من الخامسة، مات سنة بضع عشرة ومائة (113)(عن عطاء بن يسار) الهلالي أبي محمد المدني مولى ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، ثقة فاضل، من صغار الثالثة، روى عنه في (9) أبواب (عن معاوية بن الحكم السلمي) المدني الصحابي الجليل له ثلاثة عشر حديثًا، انفرد له (م) بحديث، روى عن النبي صلى الله عليه وسلم، ويروي عنه (م د ت س) وعطاء بن يسار في الصلاة وأبو سلمة بن عبد الرحمن في الطب وابنه كثير. وهذا السند من سباعياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون واثنان بصريان وواحد يمامي وواحد إما كوفي أو رازي (قال) معاوية (بينا أنا أصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ عطس رجل من القوم) المصلين معنا، وفي القاموس عطس يَعْطِسُ ويَعْطَسُ عِطاسًا

ص: 121

فَقُلْتُ: يَرْحَمُكَ الله، فَرَمَانِي الْقَوْمُ بِأَبْصَارِهِم. فَقُلْتُ: وَاثُكْلَ أُمِّيَاهْ، مَا شَأْنُكُمْ تَنْظُرُونَ إِلَيَّ؟ فَجَعَلُوا يَضْرِبُونَ بأَيدِيهِمْ عَلَى أَفْخَاذِهِم. فَلَمَّا رَأَيتُهُمْ يُصَمِّتُونَنِي لَكِنِّي سَكَتُّ. فَلَمَّا صَلَّى رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم. فَبِأَبِي هُوَ وَأُمِّي،

ــ

وعَطْسًا أَتَتْه العَطْسَة (فقلت) له وأنا في الصلاة (يرحمك الله) تعالى تشميتًا له لعطاسه (فرماني القوم) المصلون أي نظروا إِليَّ (بأبصارهم) نظرًا حديدًا كما يرمى بالسهم زجرًا لي بالبصر من غير كلام لأنهم في الصلاة (فقلت) أي باللسان كما هو الظاهر من تشديدهم الزجر بضرب الأيدي على الأفخاذ أو فقلت في نفسي (وَاثُكْلَ أمياه) أي وَافْقدَ أُمِّي إياي فإني هَلكْتُ فَوا كلمةٌ تَختصُّ بنداءِ الندبة، والندبة نِداءُ المُتفجّع عليه ثُكْلَ منادى مندوب مضاف منصوب بالفتحة الظاهرة، والثُّكْلُ بضم المثلثة مع سكون الكاف وكذا الثَّكَل بفتحتين فُقدانُ المرأةِ ولدَها، وهو مضاف إلى أُمِّ بكسر الميم لإضافته إلى ياء المتكلِم المُلْحَقِ بآخره الألفُ والهاءُ وهذه الألفُ تَلْحَقُ المنادى المندوب لأجل مَدِّ الصوت به إظهارًا لشدةِ التفجعِ والحزنِ والهاء التي بعدها هي هاءُ السكتِ الئابتة في الوقف المحذوفة في الوصل ولا يكونان إلا في الآخر نحو واعَبْدَ المَلِكَاهُ ولا يلتحقان بنحو عبد الله فرارًا من الثقل كما هو المقرر في محفه من كتب النحو (ما شأنكم) بالهمزة وتبدل ألفًا أي ما حالكم وأمركم (تنظرون إليَّ) نظَرَ الغضب (فجعلوا) أي شرعوا (يضربون بأيديهم) زيادة في الإنكار عليَّ (على أفخاذهم) وفيه دليل على أن الفعل القليل لا يبطل الصلاة اهـ مرقاة. قال النواوي: فعلوا هذا ليسكتوه وهذا محمول على أنه كان قبل أن يشرع التسبيح لمن نابه شيء في صلاته، وفيه دليل على جواز الفعل القليل في الصلاة، وأنه لا تبطل به الصلاة وأنه لا كراهة فيه إذا كان لحاجة اهـ.

(فلما رَأَيتُهم) أي عَلِمْتُهم (يُصَمِّتُونَنِي) بتشديدِ الميم أي يُسكِّتُونني فجوابُ لمَّا محذوف تقديره غَضِبْتُ وتغيَّرْتُ قاله الطيبي كذا في المرقاة، فبه يظهر وَجْه الاستدراكِ في قوله (لكني سكت) أي سكتُ ولم أعمَلْ بمقتضَى الغضب، وقوله (فلما صلى) إلخ جوابُ لما، قوله "قال إِنَّ هذه الصلاة" الحديثَ وما بينهما اعتراض أو الجواب محذوف والتقدير فلمَّا صلى اشتغلَ بتعليمي بالرِّفْقِ، ويُروى فلمَّا صلى دعاني أفاده ملا علي، أي فلما فرغ (رسول الله صلى الله عليه وسلم من صلاته اشتغل بتعليمي بالرفقِ، والفاء في قوله (فبأبي هو وأمي) زائدة كما هي محذوفة في رواية أبي داود أو اعتراضية، والجار والمجرور متعلق بمحذوف خبرٍ عن هو أي فهو صلى الله عليه وسلم مفديٌّ بأبي وأمي

ص: 122

مَا رَأَيتُ مُعَلِّمًا قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ أَحْسَنَ تَعْلِيمًا مِنْهُ. فَوَاللهِ، مَا كَهَرَنِي وَلَا ضَرَبَنِي وَلَا شَتَمَنِي. قَال:"إِن هَذِهِ الصَّلاةَ لَا يَصْلُحُ فِيهَا شَيءٌ مِنْ كَلامِ النَّاسِ. إِنَّمَا هُوَ التَّسْبِيحُ وَالتَّكْبِيرُ وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ".

أَوْ كَمَا قَال رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم

ــ

(ما رأيت معلمًا) قطُّ (قبله ولا بعده أحسن) وأرفق (تعليمًا منه) صلى الله عليه وسلم (فوالله) أي فأقسمت بالإله الذي لا إله غيره (ما كهرني) أي ما عَنَّفني ولا وَبَّخني (ولا ضربني) بيده (ولا شتمني) أي سَبَّني، قالوا: القهر والكهر والنهر معانيها متقاربة أي ما قهرني وما نهرني، قال أبو عبيد: والكهر الانتهار، وفي النهاية: يقال كهره إذا زَبَره واستقبلَه بوَجْهٍ عَبُوس أراد بذلك نَفْيَ أنواعِ الزجرِ والعنفِ وإثباتَ كمال الإحسان واللطف، و (قال) لي (إن هذه الصلاة) يعني مطلق الصلاة فيشمل الفرائض وغيرها (لا يصلح فيها شيء من كلام الناس) قال الأبي: وإضافة الكلام إلى الناس يخرج التسبيح والدعاء والذكر إذا لم يرد به خطابُ الناس وإفهامُهم، وفيه أن من حلف لا يتكلم فسبح أو قرأ لا يحنث لأنه نفى الكلام وأثبت التسبيح والقراءة اهـ، وفيه تحريم الكلام في الصلاة سواء كان لحاجة أو غيرها وسواء كان لمصلحة الصلاة أو غيرها فإن احتاج إلى تنبيه أو إذن لداخل ونحوه سبح إن كان رجلًا، وصفقت إن كانت امرأة، وهذا مذهب الجمهور من السلف والخلف، وقال طائفة منهم الأوزاعي: يجوز الكلام لمصلحة الصلاة وهذا في كلام العامد العالم، أما كلام النَّاسِي فلا تَبطُلُ صلاتُه بالكلام القليل عند الجمهور، وقال أبو حنيفة رحمه الله تعالى والكوفيون: تبطل، وأما كلام الجاهل إذا كان قريب عهد بالإسلام فهو ككلام النَّاسِي فلا تبطل الصلاة بقليله لحديث معاوية بن الحكم هذا الذي نحن فيه لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمره بإعادة الصلاة لكن علَّمه تحريم الكلام فيما يستقبل اهـ عون.

(إنما هو) أي إنما الشغل في الصلاة (التسبيح والتكبير وقراءة القرآن) ويحتملُ كونُ تذكيرِ هو نظرًا لكون الخبر مذكرًا أي إنما الصلاة التسبيح إلخ، وقوله (أو) الحديثُ كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أي مِثْلُ ما قال من التسبيح والتهليل نحوَ قَولهِ إنما هي التكبير والقراءة والركوع والتسبيح والاعتدال والتسميع والتشهد مثلًا، شك من الراوي في اللفظ الذي قاله الرسول صلى الله عليه وسلم هل هو هذا أو غيره والله أعلم.

ص: 123

قُلْتُ: يَا رَسُولَ الله، إِنِّي حَدِيثُ عَهْدٍ بِجَاهِلِيَّةٍ. وَقَدْ جَاءَ الله بَالإِسْلامِ. وَإِن مِنَّا رِجَالًا يَأْتُونَ الْكُهَّانَ

ــ

قال النواوي: معناه إنما هو هذا المذكور ونحوه فإن التشهدَ والدعاء والتسليمَ مِن الصلاة وغير ذلك من الأذكار المشروع فيها فمعناه لا يصلح فيها شيء من كلام الناس ومخاطباتهم وإنما هي التسبيح وما في معناه من الذكر والدعاء وأشباههما مما ورد به الشرع.

وفي هذا الحديث النهي عن تشميت العاطس في الصلاة وأنه من كلام الناس الذي يحرم في الصلاة وتفسد به إذا أتى به عالمًا عامدًا، قالت الشافعية: إن قال يرحمك الله بكاف الخطاب بطلت صلاته، وإن قال يرحمه الله أو اللهم ارحمه أو رحم الله فلانًا لم تبطل صلاته لأنه ليس بخطاب، وأما العاطس في الصلاة فيستحب له أن يحمد الله تعالى سرًّا هذا مذهب الشافعي وبه قال مالك وغيره، وعن ابن عمر والنخعي وأحمد أنه يجهر به، والأول أظهر لأنه ذكر، والسنة في الأذكار في الصلاة الإسرار إلا ما استثنيَ من القراءة في بعضِها ونحوها انتهى.

قال معاوية بن الحكم (قلت يا رسول الله إني حديث عهد) وصحبة أو قريب عهد وزمن (بجاهلية) أي بزمن جاهلية الذي يكثر فيه الجهل بالله ورسوله، والجار والمجرور إما متعلق بعهد أو بقريب، والجاهلية ما قبل ورود الشرع، سموا جاهلية لكثرة جهالاتهم وفحشهم، وفي بعض الهوامش (قوله حديث عهد بجاهلية) أي قريب العلم والحال بها يعني أن علمه بأحكام الإسلام جديد غير راسخ اهـ.

(وقد جاء الله) سبحانه وتعالى (بالإسلام) والخير العظيم بعد الجهل الخطير والضلال البعيد (و) من ضلالِنا وجَهالتِنا ما أذكره وأقول لك (إن منا) معاشر الجاهلية (رجالًا يأتون الكهان) ويصدقون ما يقولون، والكهان بضم الكاف وتشديد الهاء جمع كاهن ككاتب وكتاب وهو من يدعي معرفة ما غاب عنه، قال الخطابي: والفرق بين الكاهن والعراف أن الكاهن من يخبر عن وقوع المستقبلات ويدعي معرفة الأسرار ثم من الكهان من يزعم أن له رِئْيًا من الجن يخبره، ومنهم من يزعم أنه يعرف ذلك بفهمٍ أُعطيه، والعراف من يدعي معرفة الضالة والسرقة والسارق والمسروق ومن يتهم بالمرأة ونحو ذلك، والحديث يدل على منع إتيان الكهان ومن في معناهما من العراف وغيره

ص: 124

قَال: "فَلَا تَأْتِهِمْ" قَال: وَمِنَّا رِجَالٌ يَتَطَيَّرُونَ

ــ

وتصديقهم في أَقْوَالِهمْ اهـ أبي (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (فلا تأتهم) أي لا تأت الكهان، قال المازري: لأن إتيانهم يجر إلى تغيير الشرع بما يلبِّسُون به من إخبارهم عن الغيب، قال العلماء: إنما نهي عن إتيان الكهان لأنهم يتكلمون في مغيبات قد يصادف بعضها الإصابة فيخاف الفتنة على الناس بسيب ذلك ولأنهم يلبسون على الناس كثيرًا من أمر الشرائع، وقد تظاهرت الأحاديث الصحيحة بالنهي عن إتيان الكهان وتصديقهم فيما يقولون، وتحريم ما يعطون من الحلوان وهو حرام بإجماع المسلمين اهـ عون، قال القرطبي: وقد كانت في الجاهلية في كثير من الناس شائعة فاشية، وكان أهل الجاهلية يترافعون إلى الكهان في وقائعهم وأحكامهم ويرجعون إلى أقوالهم كما فعل عبد المطلب حيث أراد ذبح ابنه عبد الله في نذر كان نذره فمنعته عشيرته من ذلك وسرى أمرهم حتى ترافعوا إلى كاهن معروف عندهم فحكم بينهم بأن يفدوه بمائة من الإبل على ترتيبٍ ذُكِرَ في السيرة، وإنما كان الكاهن يتمكن من التكهن بواسطة تابعة من الجن وذلك أن الجني كان يسترق السمع فيخطف الكلمة من الملائكة فيخبر بها وليَّه فيتحدَّث بها ويزيد معها مِائة كَذْبَةٍ كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "تلك الكلمةُ مِن الجن يخطفها الجنيُّ فيَقُرُّهَا في أذن وليه قر الدجاجة فيخلطون فيها أكثر من مائة كذبة" رواه البخاري [5726] ومسلم [2228] فلما بعث الله رسوله صلى الله عليه وسلم أرسلت الشهب على الجن فلم يتمكنوا مما كانوا يتمكنون منه قبل ذلك فانقطعت الكهانة لئلا يجر ذلك إلى تغيير الشرع ولبس الحق بالباطل لكنها وإن كانت قد انقطعت فقد بقي في الوجود قوم يتشبهون بأولئك الكهان فنهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن اتباعهم لأنهم كذبة مخرفون (أي مختلقون للكذب والإفك) مبطلون ضالون مضلون فيحرم إتيانهم والسماع منهم، وقد كثر هذا النوع في كثير من نساء الأندلس وكثير من رجال غير الأندلس، فليحذر الإتيان إليهم والسماع منهم (قال) معاوية بن الحكم (ومنا) معاشر الجاهلية (رجال يتطيرون) أي يتشاءمون بمرور الطير عن يمينه إلى يساره، وفي القرطبي: الطيرة مصدر طار يطير طيرة وطيرانًا، وأصلها أن العرب كانوا إذا خرج الواحد منهم في حاجة نظر إلى أول طائر يراه فإن طار عن يمينه إلى يساره تشاءم به وامتنع عن المضي في تلك الحاجة، وإن طار عن يساره تيمن به ومضى في حاجته، وأصل هذا أن الرامي للطير إنما يصيب ما كان عن يساره ويخيب ما كان عن يمينه فسمي التشاؤم تطيرًا

ص: 125

قَال: "ذَاكَ شَيءٌ يَجِدُونَهُ فِي صُدُورِهِمْ. فَلَا يَصُدَّنَّهُمْ، (قَال ابْنُ الصَّبَّاحِ: فَلَا يَصُدَّنَّكُمْ) " قَال قُلْتُ: وَمِنا رِجَالٌ يَخُطُّونَ

ــ

بذلك اهـ، وفي النهاية الطير بكسر الطاء وفتح الياء وقد تسكن هي التشاؤم بالشيء وهو مصدر تَطِيرُ طِيَرةً كما تقول تَخِيرُ خِيَرةً ولم يجيء من المصادر غيرهما وأصل التطير التفاؤل بالطير واستعمل لكل ما يتفاءل به ويتشاءم وقد كانوا في الجاهلية يتَطيَّرُون بالصيد كالطير والظبي فيتيمنون بالسوانح ويتشاءمون بالبوارح، والبوارح على ما في القاموس من الصيد ما مر من ميامنك إلى مياسرك والسوانح ضدها وكان ذلك يصدهم عن مقاصدهم ويمنع عن السير إلى مطالبهم فنفاه الشرع وأبطله ونهاهم عنه (قال) النبي صلى الله عليه وسلم (ذاك) التطير (شيء يجدونه) أي يجده أهل الجاهلية (في صدورهم) أي في قلوبهم؛ يعني هذا وَهمٌ ينشأ من نفوسهم بتسويل الشيطان ليس له تأثير في اجتلاب نفع أو دفع ضر، وإنما هو شيء يُسوِّله الشيطان ويزينه حتى يعملوا بقضيته ليجرهم بذلك إلى اعتقادِ مؤثِّرٍ غير الله تعالى وهو لا يحل باتفاق العلماء، وقال النواوي: قال العلماء معناه أن الطيرة شيء تجدونه في نفوسكم ضرورة ولا عتب عليكم في ذلك فإنه غير مكتسب لكم فلا تكليف به ولكن لا تمنعوا بسببه من التصرف في أموركم فهذا هو الذي تقدرون عليه وهو مكتسب لكم فيقع به التكليف فنهاهم صلى الله عليه وسلم عن العمل بالطيرة والامتناع من تصرفاتهم بسببها (فلا يصدنهم) أي فلا يمنعنهم التطير عن مقاصدهم لأنه لا يضرهم ولا ينفعهم ما يتوهمونه، وقال الطيبي: أي لا يمنعنهم عما يتوجهون إليه من المقاصد أو من سواء السبيل ما يجدون في صدورهم من الوهم، فالنهي وارد على ما يتوهمونه ظاهرًا وهم منهيون في الحقيقة عن مزاولة ما يوقعهم من الوهم في الصدر (قال) محمد (بن الصباح) في روايته (فلا يصدنكم) بضمير المخاطبين.

قال القرطبي: ومعنى ذلك أن الإنسان بحكم العادة يجد من نفسه نفرة وكراهة مما يتطير به فينبغي له أن لا يلتفت إلى تلك النفرة ولا لتلك الكراهة ويمضي لوجهه الذي خرج إليه فإن تلك الطيرة لا تضر وإذا لم تضر فلا تصد الإنسان عن حاجته، وأشار به إلى أن الأمور كلها بيد الله تعالى، فينبغي أن يعول عليه، وتفوض جميع الحوائج إليه، ويفهم منه أن هذا الوجدان لتلك النفرة لا يُلام وَاجِدُهَا عليها شرعًا لأنه لا يقدر على الانفكاك عنها وإنما يلام الإنسان أو يمدح على ما كان داخلًا تحت استطاعته.

(قال) معاوية بن الحكم (قلت) يا رسول الله (ومنا رجال يخطون) خطًّا فيتفاءلون

ص: 126

قَال: "كَانَ نَبِيٌّ مِنَ الأنْبِيَاءِ يَخُطُّ. فَمَنْ وَافَقَ خَطَّهُ فَذَاكَ"

ــ

به، والخط فيما فسره ابن العربي: أن يأتي الرجل العراف وبين يديه غلام فيأمره أن يخط في الرمل خطوطًا كثيرة وهو يقول: ابنَي عِيانٍ أَسْرِعَا البَيان، ثم يأمر من يمحو منها اثنين اثنين، حتى ينظر آخر ما يبقى من تلك المخطوط، فإن كان الباقي زوجًا فهو دليل الفلاح والظفر، وإن بقي فردًا فهو دليل الخيبة والياس، وقد طوَّل الكلام في لِسَانِ العرب اهـ من العون.

وفي القرطبي: قال ابن عباس في تفسير هذا الحديث هو الخط الذي يخطه الحازي (الذي ينظر في الأعضاء وفي خيلان الوجه يتكهن) فيأتيه ذو الحاجة فيعطيه حلوانًا، فيقول: اقعد، حتى أخط لك، وبين يدي الحازي غلام معه مِيلٌ، ثم يأتي إلى أرض رخوة، فيخط الأستاذ خطوطًا بعجلة لئلا يلحقها العدد، ثم يرجع فيمحو على مهل خطين خطين، فإن بقي خطان فهي علامة النجاح، وإن بقي خط واحد فهي علامة الخيبة، والعرب تسميه الأسحم "الأسود" وهو مشؤوم عندهم، قال الأبي: الحازي بالحاء المهلمة والزاي المعجمة؛ هو الذي يحزر الأشياء ويقدرها بظنه، ويقال للمنجم حازي لأنه ينظر في النجوم وأحكامها بظنه، قال صاحب النهاية: خط الرمل علم معروف للناس فيه تصانيف اهـ.

(قال) رسول الله صلى الله عليه وسلمًا كان نبي من الأنبياء يخط) أي فيعرف بالفراسة بتوسط تلك المخطوط، فيه إشارة إلى علم الرمل وذاك النبي كما ذكر في المرقاة بصيغة التمريض إما إدريس أو دانيال عليهما السلام، حكى مكي بن أبي طالب في تفسيره أنه روي أن هذا النبي كان يخط بأصبعيه السبابة والوسطى في الرمل اهـ أي كان يخط فيعرف بالفراسة (فمن وافق) منكم فيما يخط (خطه) بالنصب على الأصح؛ أي خط ذلك النبي، ويكون الفاعل ضميرًا مستترًا في وافق يعود على مَن، وروي مرفوعًا فيكون المفعول محذوفًا أي من وافق خطه خطه أي خط ذلك النبي (فذاك) مصيب فيما خط أو يصيب أو يعرف الحال بالفراسة مثل ذلك النبي وهذا تعليق بالمحال فلا يستدل بهذا الحديث لعدم صراحة النهي فيه عن الاشتغال به على إباحته قاله في المرقاة، قال النواوي: اختلف العلماء في معناه فالصحيح أن معناه من وافق خطه فهو مباح ولكن لا طريق لنا إلى العلم اليقيني بالموافقة فلا يباح، والمقصود أنه حرام لأَنَّهُ لا يُباحُ إلا بيقين الموافقةِ وليس لنا يقينٌ بها، وإنما قال النبي صلى الله عليه وسلم فمن وافق خطه فذاك

ص: 127

قَال: وَكَانَتْ لِي جَارِيَةٌ تَرْعَى غَنَمًا لِي قِبَلَ أُحُدٍ وَالْجَوَّانِيَّةِ. فَاطَّلَعْتُ ذَاتَ يَوْمٍ فَإِذَا الذِّيبُ قَدْ ذَهَبَ بِشَاةٍ مِنْ غَنَمِهَا. وَأَنَا رَجُلٌ مِنْ بَنِي آدَمَ. آسَفُ كَمَا يَأسَفُونَ. لَكِنِّي صَكَكْتُهَا صَكَّةً. فَأَتَيتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم فَعَظَّمَ ذَلِكَ

ــ

ولم يقل هو حرام بغير تعليق على الموافقة لئلا يتوهَّم مُتوهِّم أن هذا النهي يدخل فيه ذاك النبي الذي كان يخط فحَافَظَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم على حُرمة ذاك النبي مع بيان الحكم في حقنا، فالمعنى أن ذلك النبي لا مَنْعَ في حقه، وكذا لو علمتم موافقتَه ولكن لا علم لكم بها اهـ.

وقال الخطابي: هذا الحديث يحتمل النهي عن هذا الخط إذا كان علمًا لنبوة ذلك النبي وقد انقطعت فنهينا عن تعاطي ذلك، وقال القاضي عياض: المختار أن معناه من وافق خطه فذاك الذي يجدون إصابته فيما يقول لا أنه أباح ذلك لفاعله، قال: ويحتمل أن هذا نسخ في شرعنا فحصل من مجموع كلام العلماء فيه الاتفاق على النهي عنه الآن انتهى.

(قال) معاوية بن الحكم (وكانت لي جارية ترعى) وتحفظ (غنمًا لي قبل أحد والجوانية) أي في جهتهما وهما موضعان في شمال المدينة المنورة (والجَوَّانِيَّة) بفتح الجيم وتشديد الواو وبعد الألف نون مكسورة ثم ياء مشددة موضع بقرب أحد في شمال المدينة، وأما قول القاضي عياض إنها من عمل الفُرْع فليس بمقبول لأن الفرع بين مكة والمدينة بعيد من المدينة وأحد في شمال المدينة، وقد قال في الحديث قِبَل أحد والجوابية فكيف يكون عند الفرع اهـ عون، وفي الحديث استخدام الجارية في الرعي وليس من سفر المرأة مع غير ذي محرم لبعد السفر وانقطاع المرأة فيه من النظر لها والطمع فيها، فإن خيفت مفسدة في رعيها امتنع كما يمتنع السفر اهـ أبي.

(فاطلعت) عَلَيهَا (ذاتَ يوم فإذا الذيب قد) افترس و (ذهب بشاة من غنمها) أي من الغنم التي ترعاها، والإضافة لأدنى ملابسة (وأنا رجل من بني آدم آسف) وأغضب (كما يأسفون) أي يغضبون ومن هذا قوله تعالى:{فَلَمَّا آسَفُونَا انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ} أي أغضبونا، والأسف الحزن والغضب ومنشؤهما واحد، وإنما الاختلاف في التعبير عما نشأ عنه باعتبار التمكن من إظهاره وعدمه (لكني صككتها) أي لطمتها (صكة) أي لطمة أي ضربت وجهها بيدي مبسوطة (فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أي جئته فأخبرته بما فعلت بها (فعظم) رسول الله صلى الله عليه وسلم (ذلك) أي صكي إياها أي عد ذلك

ص: 128

عَلَيَّ. قُلْتُ: يَا رَسُولَ الله، أَفَلا أُعْتِقُهَا؟ قَال:"ائْتِني بِهَا" فَأَتَيتُهُ بِهَا. فَقَال لَهَا: "أَينَ الله؟ " قَالتْ: فِي السَّمَاءِ. قَال: "مَنْ أَنَا؟ " قَالتْ: أَنْتَ رَسُولُ الله. قَال: "أَعْتِقْهَا. فَإِنَّهَا مُؤْمِنَةٌ"

ــ

الصك ذنبًا عظيمًا (علي) أي ظلمًا لها (قلت يا رسول الله أفلا أعتقها) أي أفلا يكون عتقها كفارة عني فأعتقها (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (ائتني بها) أي بتلك الجارية لأنظر هل هي مؤمنة أم كافرة (فأتيته) صلى الله عليه وسلم (بها) أي بتلك الجارية أي جئته بها كما في رواية أبي داود (فـ) لما أتيته بها (قال لها) رسول الله صلى الله عليه وسلم (أين الله) سبحانه وتعالى؟ وهذا السؤال من النبي صلى الله عليه وسلم تَنَزُّلٌ مع الجارية على قَدْر فهمها إذ أراد أن يظهر منها ما يدل على أنها ليست ممن يعبد الأصنام ولا الحجارة التي في الأرض، وأين ظرف يسأل به عن المكان كما أن متى ظرف يسأل به عن الزمان، وهو مبني لتضمنه معنى حرف الاستفهام وحرك لالتقاء الساكنين وخص بالفتح تخفيفًا وهو خبر المبتدأ الواقع بعده (قالت) هو سبحانه وتعالى (في السماء) أي على السماء أي مستو على السماء استواء يليق به نثبته ونعتقده لا نكيفه ولا نمثله ليس كمثله شيء وهو السميع البصير، وهذا من أحاديث الصفات نُمرها على ظاهرها ولا نؤولها نظير قوله تعالى:{أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ} ونحوه من آيات الصفات وأحاديثها؛ يعني أنها ليست بمتخذة إلهًا سوى الله تعالى وهو القاهر فوق عباده ليس كمثله شيء وهو السميع البصير، ثم (قال) لها رسول الله صلى الله عليه وسلم (من أنا) أي هل أنا رسول الله أم لا؟ (قالت) الجارية (أنت رسول الله) إلى الناس كافة (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (أعتقها فإِنها مؤمنة) بالله تعالى وبرسوله صلى الله عليه وسلم وفي هذا الحديث أن إعتاق المؤمن أفضل من إعتاق الكافر، وأجمع العلماء على جواز إعتاق الكافر في غير الكفارات، وأجمعوا على أنه لا يجزئ الكافر في كفارة القتل كما ورد به القرآن، واختلفوا في كفارة الظهار واليمين والجماع في نهار رمضان، فقال الشافعي ومالك والجمهور: لا يجزئه إلا مؤمنة حملًا للمطلق على المقيد في كفارة القتل، وقال أبو حنيفة والكوفيون: يجزئه الكافر للإطلاق فإِنها تسمى رقبة، وقوله (أين الله قالت في السماء) إلخ فيه دليل على أن الكافر لا يصير مؤمنًا إلا بالإقرار بالله تعالى وبرسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفيه دليل على أن من أقر بالشهادتين واعتقد ذلك جزمًا كفاه ذلك في صحة إيمانه وكونه من أهل القبلة والجنة، ولا يكلف مع

ص: 129

1094 -

(00)(00) حدَّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. أَخْبَرَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ. حَدَّثنَا الأَوْزَاعِيُّ حَدَّثنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِير، بِهَذَا الإِسْنَادِ، نَحْوَهُ

ــ

هذا بإقامة الدليل والبرهان على ذلك ولا يلزمه معرفة الدليل وهذا هو الصحيح الذي عليه الجمهور اهـ نواوي.

قال الخطابي في المعالم: قوله (أعتقها فإنها مؤمنة) ولم يكن ظهر له من إيمانها أكثر من قولها حين سألها أين الله؟ قالت: في السماء، وسألها من أنا؟ فقالت: رسول الله، فإن هذا سؤال عن أمارة الإيمان وسمة أهله وليس بسؤال عن أصل الإيمان وحقيقته، ولو أن كافرًا جاءنا يريد الانتقال من الكفر إلى دين الإسلام فوصف من الإيمان هذا القدر الذي تكلمت الجارية لم يصر به مسلمًا حتى يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله ويتبرأ من دينه الذي كان يعتقده، وإنما هذا كرجل وامرأة يوجدان في بيت فيقال للرجل من هذه المرأة؟ فيقول: زوجتي، فتصدقه المرأة فإنا نصدقهما ولا نكشف عن أمرهما ولا نطالبهما بشرائط عقد الزوجية، حتى إذا جاءانا وهما أجنبيان يريدان ابتداء عقد النكاح بينهما فإنا نطالبهما حينئذ بشرائط عقد الزوجية من إحضار الولي والشهود وتسمية المهر، كذلك الكافر إذا عرض عليه الإسلام لم يقتصر منه على أن يقول إني مسلم حتى يصف الإيمان وشرائطه فإذا جاءنا من نجهل حاله في الكفر والإيمان فقال: إني مسلم، قبلناه، وكذلك إذا رأينا عليه أمارة المسلمين من هيئة وشارة ونحوهما حكمنا بإسلامه إلى أن يظهر لنا خلاف ذلك اهـ. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [5/ 447 - 448] وأبو داود [930 و 931] والنسائي [3/ 14 - 18].

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث معاوية بن الحكم رضي الله عنه فقال:

1094 -

(00)(00)(حدثنا (سحاق بن (براهيم) الحنظلي المروزي (أخبرنا عيسى بن يونس) بن أبي إسحاق السبيعي الكوفي، ثقة، من (8)(حدثنا) عمرو بن عبد الرحمن (الأوزاعي) الشامي، ثقة، من (7)(حدثنا يحيى بن أبي كثير بهذا الإسناد) متعلق بحدثنا الأوزاعي أي حدثنا الأوزاعي عن يحيى عن هلال عن عطاء عن معاوية (نحوه) أي نحو ما حدث حجاج الصواف عن يحيى بن أبي كثير، غرضه بسوق هذا السند بيان متابعة الأوزاعي لحجاج الصواف في رواية هذا الحديث عن يحيى بن أبي كثير.

ص: 130

1095 -

(498)(158) حدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ، وَزُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ، وَابْنُ نُمَير، وَأَبُو سَعِيدٍ الأَشَجُّ -وَألْفَاظُهُمْ مُتَقَارِبَةٌ- قَالُوا: حَدَّثَنَا ابْنُ فُضَيلٍ، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ قَال: كُنَا نُسَلِّمُ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ فِي الصَّلاةِ. فَيَرُدُّ عَلَينَا. فَلَمَّا رَجَعْنَا مِنْ عِنْدِ النَّجَاشِيِّ،

ــ

ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث معاوية بن الحكم بحديث عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنهما فقال:

1095 -

(498)(158)(حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة) الكوفي (وزهير بن حرب) بن شداد الحرشي النسائي (و) محمد بن عبد الله (بن نمير) الهمداني الكوفي (وأبو سعيد) عبد الله بن سعيد بن حصين (الأشج) الكندي الكوفي (وألفاظهم متقاربة) غير متحدة (قالوا حدثنا) محمد (بن فضيل) بن غزوان الضبي الكوفي، صدوق، من (9)(حدثنا) سليمان بن مهران (الأعمش) الكاهلي مولاهم أبو محمد الكوفي، ثقة، من (5)(عن إبراهيم) بن يزيد بن قيس بن الأسود النخعي أبي عمران الكوفي، ثقة، من الثالثة، روى عنه في (11) بابا (عن علقمة) بن قيس النخعي أبي شبل الكوفي، ثقة مخضرم، من (2)(عن عبد الله) بن مسعود الهذلي الكوفي. وهذا السند من سداسياته رجاله كلهم كوفيون إلا زهير بن حرب فإنه نسائي، ومن لطائفه أن فيه ثلاثة من التابعين، روى بعضهم عن بعض؛ الأعمش عن إبراهيم عن علقمة (قال) ابن مسعود (كنا) معاشر الصحابة (نسلم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في الصلاة فيرد علينا) السلام باللفظ، هذا كان منه صلى الله عليه وسلم إذ كان الكلام مباحًا في الصلاة في أول الأمر كما قال زيد بن أرقم، ثم لما نسخ ذلك امتنع رد السلام نطقًا من المصلي وغير ذلك من أنواع الكلام مع الغير (فلما رجعنا من عند النجاشي) بفتح النون وتخفيف الجيم وبعد الألف شين معجمة ثم ياء مشددة كياء النسب وقيل بالتخفيف ورجحه الصغاني وهو لقب مَن مَلَكَ الحبشة، والنجاشي الذي أسلم وآمن بالنبي صلى الله عليه وسلم هو أصحمة، ومات قبل الفتح، قال ابن الملك: هاجر جماعة من الصحابة من مكة إلى أرض الحبشة حين كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة فارِّين منها لما يلحقهم من إيذاء المشركين فلما خرج صلى الله عليه وسلم منها إلى المدينة وسمع أولئك بمهاجرته هاجروا من الحبشة إلى المدينة

ص: 131

سَلَّمْنَا عَلَيهِ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَينَا. فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللِه، كُنَّا نُسَلِّمُ عَلَيكَ فِي الصَّلاةِ فَتَرُدُّ عَلَينَا. فَقَال:"إِن فِي الصلاةِ شُغْلا"

ــ

فوجدوا النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة ومنهم ابن مسعود رضي الله عنه (سلمنا عليه) صلى الله عليه وسلم (فلم يرد علينا) السلام (فقلنا يا رسول الله كنا نسلم عليك في الصلاة) قبل هجرتنا إلى الحبشة (فترد علينا) السلام باللفظ وأنت في الصلاة فلم لم ترد علينا السلام الآن (فقال) صلى الله عليه وسلم في جواب سؤالهم (أن في الصلاة شغلًا) بضم الشين وسكون الغين، وبضمهما، والتنكير فيه للتنويع أي شغلًا مانعًا من الكلام وغيره؛ أي شغلًا بالقراءة والذكر والدعاء أو التنكير للتعظيم أي شغلًا أي شغل لأنها مناجاة مع الله تستدعي الاستغراق بخدمته فلا يصلح الاشتغال بغيره، قال ابن الملك: والشغل يصح أن يكون بمعنى الفاعل يعني أن في الصلاة شيئًا شاغلًا للمصلي بها، وأن يكون بمعنى المفعول يعني أن في الصلاة شيئًا يشتغل المصلي به اهـ، ويفهم منه التفرغ للصلاة من جميع الأشغال ومن جميع المشوشات والإقبال على الصلاة بظاهره وباطنه اهـ قرطبي، وقال النواوي: ومعناه أن وظيفة المصلي الاشتغال بصلاته وتدبر ما يقوله فلا ينبغي أن يعرج على غيرها من رد السلام ونحوه اهـ. وهذا الحديث حجة على من أجاز للمصلي أن يرد السلام نطقًا وهم أبو هريرة وجابر والحسن وسعيد بن المسيب وقتادة وإسحاق، ثم إذا قلنا: لا يرد نطقًا فهل يرد إشارة أم لا؟ وبالأول قال مالك وأصحابه وهو مذهب ابن عمر وجماعة من العلماء، وبالثاني قال أبو حنيفة فمنع الرد إشارة ونطقًا وبه قال الثوري وعطاء والنخعي، ثم اختلف من لم يرده هل يرد إذا سلم أم لا؟ وبالأول قال الثوري وعطاء والنخعي، وبالثاني قال أبو حنيفة، وقال بعض أهل العلم يرد المصلي في نفسه هذا حكمه في الرد. وأما ابتداء السلام على المصلي فاختلف فيه العلماء فعن مالك فيه الجواز وقد رويت عنه الكراهة اهـ قرطبي، قلت: رد السلام قولًا ونطقًا محظور، ورده بعد الخروج من الصلاة سنة وقد رد النبي صلى الله عليه وسلم على ابن مسعود بعد الفراغ من صلاته السلام والإشارة سنة.

وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [1/ 386] والبخاري [1199]، وأبو داود [923 و 924] والنسائي [3/ 19].

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه فقال:

ص: 132

1096 -

(00)(00) حدثني ابْنُ نُمَيرٍ. حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ السَّلُوليُّ. حَدَّثنَا هُرَيمُ بْنُ سُفْيَانَ عَنِ الأَعْمَشِ بِهَذَا الإِسْنَادِ، نَحْوَهُ.

1097 -

(499)(159) حدثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. أَخْبَرَنَا هُشَيمٌ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنِ الْحَارِثِ بْنِ شُبَيلٍ، عَنْ أَبِي عَمْرٍو الشَّيبَانِيّ، عَنْ زَيدِ بْنِ أَرْقَمَ؛

ــ

1096 -

(00)(00)(حدثني) محمد بن عبد الله (بن نمير) الهمداني الكوفي، قال المازري: وفي بعض النسخ حدثني ابن المثنى، وفي بَعْضِها ابنُ كثير وغير ابن نمير خطأ (حدثني إسحاق بن منصور السلولي) نسبة إلى بني سلول أبو عبد الرحمن الكوفي، صدوق، من (9)(حدثنا هريم) مصغرًا (بن سفيان) البجلي أبو محمد الكوفي، صدوق، من كبار التاسعة، روى عن الأعمش في الصلاة، وإسماعيل بن أبي خالد ومنصور بن المعتمر وأبي إسحاق الشيباني وجماعة، ويروي عنه (ع) وإسحاق بن منصور السلولي وأبو نعيم وأحمد بن يونس وسويد بن عمرو وجماعة، روى عنه في الصلاة فقط متابعة (عن الأعمش بهذا الإسناد) متعلق بحدثنا هريم عن الأعمش عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله (نحوه) أي نحو ما حدث ابن فضيل عن الأعمش، غرضه بيان متابعة هريم لابن فضيل.

ثم استشهد المؤلف ثانيًا لحديث معاوية بن الحكم بحديث زيد بن أرقم رضي الله عنهما فقال:

1097 -

(499)(159)(حدثنا يحيى بن يحيى) التميمي النيسابوري (أخبرنا هشيم) بن بشير السلمي الواسطي، ثقة، من (7)(عن إسماعبل بن أبي خالد) سعد البجلي الأحمسي الكوفي، ثقة، من (4)(عن الحارث بن شبيل) مصغرًا بن عوف البجلي أبي الطفيل الكوفي، روى عن أبي عمرو الشيباني في الصلاة وطارق بن شهاب، وروى عنه (خ م د ت س) وإسماعيل بن أبي خالد والأعمش، ثقة، من الخامسة (عن أبي عمرو) سعد بن إياس (الشيباني) نسبة إلى شيبان بن ثعلبة بن عُكَابة بن الصعب بن علي بن بكر بن وائل أدرك زمان النبي صلى الله عليه وسلم ولم يره، ثقة مخضرم، من (2) مات سنة (96) وهو ابن (120) سنة، روى عنه في (3) أبواب (عن زيد بن أرقم) بن زيد بن

ص: 133

قَال: كُنَّا نَتَكَلَّمُ فِي الصلاةِ. يُكَلِّمُ الرَّجُلُ صَاحِبَهُ وَهُوَ إِلَى جَنبِهِ فِي الصَّلاةِ. حَتى نَزَلَتْ: {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} [البقرة: 238] فَأُمِرْنَا بِالسُّكُوتِ، وَنُهِينَا عَنِ الْكَلامِ

ــ

قيس بن النعمان بن مالك الأنصاري الخزرجي الصحابي المشهور أبي عمر الكوفي، شهد الخندق وهو أول مشاهده وغزا سبع عشرة غزوة، ونزل الكوفة، له تسعون (90) حديثًا اتفقا على أربعة، وانفرد (خ) بحديثين و (م) بستة، روى عنه (ع) وأبو عمرو الشيباني في الصلاة وابن أبي ليلى في الجنائز، وابن عباس في الحج، وأبو إسحاق السبيعي وأبو المنهال في البيوع، ويزيد بن حيان في الفضائل، والنضر بن أنس في الفضائل، وعبد الله بن الحارث في الدعاء وأبو عثمان النهدي في الدعاء. وهذا السند من سداسياته رجاله أربعة منهم كوفيون وواحد واسطي وواحد نيسابوري (قال) زيد بن أرقم (كنا) معشر الصحابة (نتكلم في الصلاة) بكلام الآدميين، وقوله (يكلم الرجل) منا (صاحبه) أي جليسه (وهو إلى جنبه) في حاجته وهما (في الصلاة) تفسير لقوله نتكلم في الصلاة (حتى نزلت) آية {وَقُومُوا} في الصلاة مخلصين {لِلَّهِ} [البقرة: 238)] سبحانه وتعالى، حالة كونكم {قَانِتِينَ} أي ساكتين عن كلام البشر (فأمرنا بالسكوت) فيها عن كلام الآدميين (ونهينا عن الكلام) فيها. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [1/ 463] والبخاري [4535]، وأبو داود [949]، والترمذي [405]، والنسائي [3/ 18] وقوله: حتى نزلت {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} [البقرة: 238] القنوت ينصرف في الشرع واللغة على أنحاء مختلفة يأتي بمعنى الطاعة وبمعنى السكوت وبمعنى طول القيام وبمعنى الخشوع وبمعنى الدعاء وبمعنى الإقرار بالمعبود وبمعنى الإخلاص وقيل أصله الدوام على الشيء ومنه الحديث قنت رسول الله صلى الله عليه وسلم شهرًا على قبائل من العرب أي أدام الدعاء والقيام له واللائق بالآية من هذه المعاني السكوت والخشوع، وقوله (ونهينا عن الكلام) هذا هو الناسخ لإباحة الكلام في الصلاة، واستدل به على أن الأمر بالشيء ليس نهيًا عن ضده إذ لو كان كذلك لم يحتج إلى قوله ونهينا عن الكلام، وأجيب بأن دلالته على ضده دلالة التزام ومن ثم وقع الخلاف فلعله ذكر لكونه أصرح، وقوله (نهينا عن الكلام) ليس للجماعة إنما زاده المؤلف وأبو داود اهـ عون.

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث زيد بن أرقم رضي الله عنه فقال:

ص: 134

1098 -

(00)(00) حدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ نُمَيرٍ وَوَكِيعٌ. ح قَال وَحَدَثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. أَخْبَرَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ. كُلُّهُمْ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أبِي خَالِدٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، نَحْوَهُ

ــ

1098 -

(00)(00)(حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة) الكوفي (حدثنا عبد الله بن نمير) الهمداني الكوفي (ووكيع) بن الجراح الرؤاسي الكوفي (ح قال وحدثنا إسحاق بن إبراهيم) الحنظلي المروزي (أخبرنا عيسى بن يونس) بن أبي إسحاق السبيعي الكوفي (كلهم) أي كل من عبد الله بن نمير ووكيع وعيسى بن يونس رووا (عن إسماعيل بن أبي خالد) الأحمسي الكوفي (بهذا الإسناد) يعني عن الحارث بن شبيل عن أبي عمرو عن زيد بن أرقم (نحوه) أي نحو ما حدث هشيم بن بشير عن إسماعيل بن أبي خالد، غرضه بسوقه بيان متابعة هؤلاء الثلاثة لهشيم بن بشير في الرواية عن إسماعيل بن أبي خالد.

وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب ثلاثة أحاديث الأول حديث معاوية بن الحكم ذكره للاستدلال به على الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة، والثاني حديث عبد الله بن مسعود ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة، والثالث حديث زيد بن أرقم ذكره للاستشهاد أيضًا وذكر فيه متابعة واحدة.

* * *

ص: 135