الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
268 - (88) باب مشروعية سجود التلاوة وجواز تركه
1189 -
(536)(194) حدثني زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ وَعُبَيدُ اللهِ بْنُ سَعِيدٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى. كُلُّهُمْ عَنْ يَحْيَى القَطَّانِ. قَال زُهَيرٌ: حَدَّثنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ عُبَيدِ اللهِ. قَال: أَخْبَرَنِي نَافِعٌ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ؛ أن النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقْرَأُ القُرْآنَ. فَيَقْرَأُ سُورَةً فِيهَا سَجْدَةٌ فَيَسْجُدُ. وَنَسْجُدُ مَعَهُ. حَتَّى مَا يَجِدُ بَعْضُنَا مَوْضعًا لِمَكَانِ جَبْهَتِهِ
ــ
268 -
(88) باب مشروعية سجود التلاوة وجواز تركه
1189 -
(536)(194)(حَدَّثني زهير بن حرب) النَّسائيّ (وعبيد الله بن سعيد) بن يحيى اليشكري مولاهم أبو قدامة النَّيسَابُورِيّ، ثِقَة، من (10) روى عنه في (8) أبواب (ومحمَّد بن المثنَّى) بن عبيد العنزي البصري (كلهم عن يحيى) بن سعيد بن فروخ (القطَّان) التَّمِيمِيّ أبي سعيد البَصْرِيّ (قال زهير: حَدَّثَنَا يحيى بن سعيد، عن عبيد الله) بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخَطَّاب العدوي المدنِيُّ (قال) عبيد الله (أخبرني نافع) مولى ابن عمر الفقيه المدنِيُّ (عن) عبد الله (بن عمر) بن الخَطَّاب العدوي المكيّ رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته رجاله اثنان منهم مدنيان واثنان بصريان وواحد مكّيّ أو بصري ونسائي أو بصري ونيسابوري (أن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم كان يقرأ القرآن) دائمًا (فيقرأ) في بعض أحيانه (سورة فيها سجدة) أي آية سجدة (فيسجد) صلى الله عليه وسلم لقراءته (ونسجد) نحن معاشر الحاضرين (معه) لسماع قراءته فنَزدحم في السجود (حتَّى ما يجد) أي لا يجد (بعضنا موضعًا لمكان جبهته) فيسجد معه فيؤخر السجدة، قال ابن الملك: وهذا يدل على تأكد سجود التلاوة؛ أي مكانًا لوضع جبهته لشدة الازدحام وضيق المكان وكثرة الساجدين، وقد روى البيهقي بإسناد صحيح عن عمر بن الخَطَّاب رضي الله عنه قال:"إذا اشتد الزحام فليسجد أحدكم على ظهر أخيه" أي ولو بغير إذنه مع أن الأمر فيه يسير قاله في المَطْلَبِ، ولا بد من إمكانه مع القدرة على رعاية هيئة الساجد بأن يكون على مرتفع والمسجود عليه في منخفض وبه قال أَحْمد والكوفيون، وقال مالك: يمسك فإذا رفعوا سجد، وإذا قلنا بجواز السجود في الفرض فهو أجوز في سجود التلاوة لأنه سنة وذاك فرض اهـ قسط. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البُخَارِيّ [1075] وأبو داود [1411 - 1413].
1190 -
(00)(00) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا محمدُ بْنُ بِشْرٍ. حَدَّثَنَا عُبَيدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ؛ قَال: رُبمَا قَرَأَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم القُرْآنَ. فَيَمُرُّ بِالسجْدَةِ فَيَسْجُدُ بِنَا. حَتَّى ازْدَحَمْنَا عِنْدَهُ. حَتَّى مَا يَجِدُ أَحَدُنَا مَكَانًا لِيَسْجُدَ فِيهِ. في غَيرِ صَلاةٍ
ــ
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال:
1190 -
(00)(00)(حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة) الكُوفيّ (حَدَّثَنَا محمَّد بن بشر) العبدي الكُوفيّ (حَدَّثَنَا عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر قال ربما قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم أي كثيرًا يقرأ (القرآن فيمر بـ) آية (السجدة فيسجد بنا) قال النواوي: معناه يسجد ونسجد معه كما في الرواية الأولى (حتَّى ازدحمنا عنده) صلى الله عليه وسلم لضيق المكان وكثرتنا (حتَّى ما يجد أحدنا) ليس المراد كل واحد بل البعض غير المعين (مكانًا ليسجد فيه) أي مكانًا يسع للسجود فيه، وفي رواية البُخَارِيّ (مكانًا يسجد عليه) بإسقاط اللام، واللام في قوله (ليسجد فيه) في رواية مسلم زائدة، وجملة يسجد في محل نصب صفة لمكانًا المنصوب على المفعولية ليسجد أي حتَّى ما يجد أحدنا مكانًا يسجد فيه لضيق المكان وكثرة الساجدين، وقوله (في غير صلاة) متعلق بقرأ، وغرضه بسوق هذا السند بيان متابعة محمَّد بن بشر ليحيى القطَّان في رواية هذا الحديث عن عبيد الله، وكرر متن الحديث لما في هذه الرواية من المخالفة للرواية الأولى.
وفي الحديث إثبات سجود التلاوة، وقد أجمع العلماء عليه وهو عندنا وعند الجمهور سنة ليس بواجب وعند أبي حنيفة واجب ليس بفرض على اصطلاحه في الفرق بين الواجب والفرض، وهو سنة للقارئ والمستمع له، ويستحب أَيضًا للسامع الذي لا يستمع لكن لا يتأكد في حقه تأكده في حق المستمع المصغي.
قال العلماء: إذا سجد المستمع لقراءة غيره وهما في غير صلاة لم ترتبط به بل له أن يرفع قبله وله أن يطول السجود بعده، وله أن يسجد إن لم يسجد القارئ سواء كان القارئ متطهرًا أو محدثًا أو امرأة أو صبيًّا أو غيرهم، ولأصحابنا وجه ضعيف أنَّه لا يسجد لقراءة الصبي والمحدث والكافر، والصحيح الأول اهـ نواوي.
ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث ابن عمر بحديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنهما فقال:
1191 -
(537)(195) حدثنا محمدُ بْنُ المُثَنَّى ومحمدُ بْنُ بَشَّارٍ. قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أبي إِسْحَاقَ. قَال: سَمِعْتُ الأَسْوَدَ يحدث، عَنْ عَبْدِ اللهِ، عَنِ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم؛ أَنَّهُ قَرَأَ: والنَّجم. فَسَجَدَ فِيهَا. وَسَجَدَ مَنْ كَانَ مَعَهُ. غَيرَ أَنَّ شَيخًا أَخَذَ كَفًّا مِنْ حَصًى، أَوْ تُرَابٍ، فَرَفَعَهُ إِلَى جَبْهَتِهِ وَقَال: يَكْفِينِي هَذَا.
قَال عَبْدُ الله: لَقَدْ رَأَيتُهُ، بَعْدُ، قُتِلَ كَافِرًا
ــ
1191 -
(537)(195)(حَدَّثَنَا محمَّد بن المثنَّى) العنزي البَصْرِيّ (ومحمَّد بن بشار) العبدي البَصْرِيّ (قالا حَدَّثَنَا محمَّد بن جعفر) الهذلي البَصْرِيّ (حَدَّثَنَا شعبة) بن الحجاج البَصْرِيّ (عن أبي إسحاق) السبيعي عمرو بن عبد الله الهمداني الكُوفيّ (قال) أبو إسحاق (سمعت الأسود) بن يزيد بن قيس النَّخَعيّ أَبا عمرو الكُوفيّ، ثِقَة مخضرم، من (2) حالة كونه (يحدث عن عبد الله) بن مسعود الهذلي الكُوفيّ رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم كوفيون وثلاثة بصريون (عن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم أنَّه قرأ) سورة (والنَّجم، فسجد فيها) أي في قراءة آية السجدة منها (وسجد) معه (من كان) حاضرًا (معه) صلى الله عليه وسلم أي حاضرًا قراءته من المسلمين والمشركين والجن والإنس قاله ابن عباس وغيره حتَّى شاع أن أهل مكة أسلموا، قال القاضي عياض: وكان سبب سجودهم فيما قال ابن مسعود أنها أول سجدة نزلت كما في النواوي، ولعل سجود المشركين كان لاستماعهم أسماء آلهتهم من اللات والعزى ومناة، أو لما ظهر لهم من سطوع أنوار القرآن بحيث لم يبق لهم اختيار فوافقوا المسلمين إلَّا من كان أشقى وهو الذي اكتفى بأخذ كف من الحصى (غير أن شيخًا) منهم أي رجلًا كبير السنن، وفي رواية للبخاري وهو أمية بن خلف، قال النواوي: ولم يكن أسلم (أخذ كفًّا) أي ملء كف (من حصى) أي من حصباء كما في بعض الرواية (أو) قال عبد الله أخذ كفًّا من (تراب) والشك من الأسود فيما قال عبد الله أو ممن دونه (فرفعه) أي فرَفَعَ ذلك الحصى أو التُّرابَ (إلى جبهته) فمسحه عليها (وقال) ذلك الشيخ (يكفيني) أي يغنيني عن السجود (هذا) المسح بالحصى أو التُّراب على جبهتي تكبرًا وعنادًا (قال عبد الله) بن مسعود بالسند السابق: والله (لقد رأيته) لقد رأيت ذلك الشيخ (بعد) أي بعد تلك القضية (قتل كافرًا) وهو أمية بن خلف قتل يوم بدر كافرًا.
1192 -
(538)(196) حدثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَيحْيَى بْنُ أَتوبَ وَقُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَابْنُ حُجْرٍ -قَال يَحْيَى بْنُ يَحْيَى: أَخْبَرَنَا. وَقَال الآخَرُونَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، وَهُوَ ابْنُ جَعْفَرٍ- عَنْ يَزِيدَ بْنِ خُصَيفَةَ، عَنِ ابْنِ قُسَيطٍ،
ــ
وإنما سجد الشيخ هذا السجود لما روي أنَّه سجد حينئذ مع النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم المسلمون والمشركون والجن والإنس قاله ابن عباس ورواه البَزَّار وابن مردويه وابن أبي شيبة عن الشعبي حتَّى شاع أن أهل مكة قد أسلموا، وقدم من كان هاجر إلى أرض الحبشة لذلك وكان سبب سجودهم فيما قال ابن مسعود أنها كانت أول سورة نزلت فيها سجدة، وروى أصحاب الأخبار والمفسرون أن سبب ذلك ما جرى على لسان النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم من ذكر الثناء على آلهة المشركين في سورة النجم، ولا يصح هذا من طريق النقل ولا العقل، وأشهر طريق النقل فيه عن الكلبي وهو كذاب، وأما العقل فلا يصدق بذلك لأمور مستحيلة قد عددها القاضي عياض في الشفاء. (قلت) لأن مدح آلهة غير الله سبحانه وتعالى كفر فلا يصح نسبته إلى لسان نبيٍّ ولا أن يمر به الشيطان على لسان نبي، ولا يصح تسلط الشيطان على ذلك لأنه داعية إلى الشك في المعجزة وصدق الرسول، وقد أشبعنا الكلام على ذلك في تفسيرنا حدائق الروح والريحان.
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البُخَارِيّ [1070] وأبو داود [1406] والنَّسائيّ [2/ 160].
ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الأخير من الترجمة بحديث زيد بن ثابت رضي الله تعالى عنه فقال:
1192 -
(538)(196)(حَدَّثَنَا يحيى بن يحيى) التَّمِيمِيّ النَّيسَابُورِيّ (ويحيى بن أَيُّوب) المقابري أبو زكرياء البغدادي (وقتيبة بن سعيد) البلخي الثَّقَفيّ (و) علي (بن حجر) بن إياس السعدي المروزي (قال يحيى بن يحيى) التَّمِيمِيّ (أخبرنا وقال الآخرون حَدَّثَنَا إسماعيل وهو ابن جعفر) بن أبي كثير الزُّرَقيّ مولاهم أبو إسحاق المدنِيُّ (عن يزيد) بن عبد الله (بن خَصِيفة) بفتح الخاء المعجمة وكسر الصاد المهملة بن عبد الله بن يزيد الكندي المدنِيُّ، ثِقَة، من (5) روى عنه في (4) أبواب (عن) يزيد بن عبد الله (بن قسيط) مصغرًا الليثيّ المدنِيّ الأعرج، روى عن عطاء بن يسار في الصلاة، وداود بن
عَنِ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ؛ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنهُ سَأَلَ زَيدَ بنَ ثَابِتٍ عَنِ القِرَاءَةِ مَعَ الإِمَامِ؟ فَقَال: لا قِرَاءَةَ مَعَ الإِمَامِ في شَيءٍ. وَزَعَمَ أَنَّهُ قَرَأَ عَلَى رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم: {وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى (1)} [النجم: 1]. فَلَمْ يَسْجُدْ
ــ
عامر بن سعد في الجنائز، وعبيد بن جريج في الحج، وعروة بن الزُّبير في الضحايا وغيرها، ويروي عنه (ع) ويزيد بن خصيفة وأبو صخر حميد بن زياد ومالك وابناه عبد الله والقاسم وغيرهم، وثقه النَّسائيّ وابن إسحاق وذكره ابن حبان في الثِّقات، وقال في التقريب: ثِقَة، من (4) الرابعة، مات سنة (122) اثنتين وعشرين ومائة (عن عطاء بن يسار) الهلالي مولاهم المدنِيُّ، ثِقَة، فاضل، من صغار الثالثة، روى عنه في (9) أبواب (أنه) أي أن عطاء بن يسار (أخبره) أي أخبر لابن قسيط (أنه) أي أن عطاء (سأل زيد بن ثابت) بن الضحاك بن زيد الأَنْصَارِيّ النجاري المدنِيّ الصحابي الجليل رضي الله عنه، له (92) اثنان وتسعون حديثًا، روى عنه في (6) أبواب؛ أي سأله (عن) حكم (القراءة) أي قراءة الفاتحة على من يصلي (مع الإِمام) هل هي واجبة عليه أم لا؟ (فقال) زيد بن ثابت (لا قراءة) يعني لازمة أي ليست قراءة الفاتحة واجبة على من يصلي (مع الإمام في شيء) من الصلوات سواء كانت سرية أو جهرية (وزعم) زيد بن ثابت؛ أي قال قولًا محققًا (أنَّه) أي أن زيدًا (قرأ على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يستمع له سورة {وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى} [النجم: 1] فلم يسجد) النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم عند قراءة زيد عليه آية السجدة منها، وهذا محل الترجمة للجزء الأخير منها فدل الحديث على أن سجود التلاوة ليس واجبًا على كل من القارئ والمستمع والسامع ولو كان واجبًا عليهم لسجد النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم بنفسه وأمر زيدًا بالسجود. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث النَّسائيّ [2/ 160].
قال القرطبي: وهذا الحديث يدل على أن قوله تعالى في سورة النجم {فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا} لا يراد منه سجود التلاوة إذ لو كان واجبًا لما تركه النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم ولذلك قال مالك إنها ليست من العزائم، وحديث أبي هريرة في سجود النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم في الانشقاق واقرأ حجة لابن وهب ومن قال بقوله، ولكن يجاب عنه بأن ذلك كان من فعله صلى الله عليه وسلم متقدمًا وأن العمل استقر على ترك ذلك ويصح الجمع بين الأحاديث المختلفة في سجدات المفصل بما قد روي عن هالك أنَّه صلى الله عليه وسلم خير فيها والله أعلم اهـ من المفهم.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
قال النواوي: أما قوله لا قراءة مع الإِمام في شيء فيستدل به أبو حنيفة وغيره ممن يقول لا قراءة على المأموم في الصلاة سواء كانت سرية أو جهرية، ومذهبنا أن قراءة الفاتحة واجبة على المأموم في الصلاة السرية وكذا في الجهرية على أصح القولين، والجواب عن قول زيد هذا من وجهين الأول: أنَّه قد ثبت قول رسول الله صلى الله عليه وسلم "لا صلاة لمن لم يقرأ بأم القرآن" وقوله صلى الله عليه وسلم "إذا كنتم خلفي فلا تقرؤوا إلَّا بأم القرآن" وغير ذلك من الأحاديث وهي مقدمة على قول زيد وغيره، والثاني أن قول زيد محمول على قراءة السورة التي بعد الفاتحة في الصلاة الجهرية فإن المأموم لا يشرع له قراءتها وهذا التأويل متعين ليحمل قوله على موافقة الأحاديث الصحيحة ويؤيده أنَّه يستحب عندنا وعند جماعة للإمام أن يسكت في الجهرية بعد الفاتحة قدر ما يقرأ المأموم الفاتحة، وجاء فيه حديث حسن في سنن أبي داود وغيره في تلك السكتة يقرأ المأموم الفاتحة فلا يحصل قراءته مع قراءة الإِمام بل في سكتته اهـ، وأما قوله وزعم أنَّه قرأ فالمراد بالزعم هنا القول المحقق كما قال عمرو بن شأس:
نَقول هلَكْنَا إنْ هَلَكْتْ وإنَّما
…
علَى الله (أرزاقُ العِباد كمَا زعَم
قال الهروي: زعم هنا بمعنى أخبر، ويجوز أن يقال إن زعم بمعنى ضمن، ومنه الحديث "الزعم غارم" رواه أبو داود والتِّرمذيّ من حديث أبي أُمامة رضي الله عنه. قلت: وهذا المعنى يصح في معنى البيت ويبعد أن يحمل عليه ما في الحديث، ويقال زَعُم وزَعَمَ بالضم والفتح والكسر اهـ قرطبي.
قال النواوي: وقد قدمنا في أوائل هذا الشرح أن الزعم يطلق على القول المحقق والكذب وعلى المشكوك فيه وينزل في كل موضع على ما يليق به وذكرنا هناك دلائله.
وأما قوله وزعم أنَّه قرأ على رسول الله صلى الله عليه وسلم والنَّجم فلم يسجد فاحتج به مالك ومن وافقه على أنَّه لا سجود في المفصل، وأن سجدة النجم (وإذا السماء انشقت)(واقرأ باسم ربك) منسوخات بهذا الحديث أو بحديث ابن عباس أن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم لم يسجد في شيء من المفصل منذ تحول إلى المدينة وهذا مذهب ضعيف، فقد ثبت حديث أبي هريرة رضي الله عنه المذكور بعده في مسلم "قال سجدنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في (إذا السماء انشقت) و (اقرأ باسم ربك) "
1193 -
(539)(197) حدثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، قَال: قَرَأتُ عَلَى مَالِك، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ يَزِيدَ، مَوْلَى الأسْوَدِ بْنِ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ؛ أَنَّ أَبَا هُرَيرَةَ قَرَأَ لَهُمْ:{إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ (1)} [الانشقاق: 1]. فَسَجَدَ فِيهَا، فَلَمَّا انْصَرَفَ اخْبَرَهُمْ أَن رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم سَجَدَ فِيهَا.
1194 -
(00)(00) وحدثني إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى،
ــ
وقد أجمع العلماء أن إسلام أبي هريرة كان سنة سبع من الهجرة فدل على السجود في المفصل بعد الهجرة، وأما حديث ابن عباس فضعيف الإسناد لا يصح الاحتجاج به، وأما حديث زيد فمحمول على بيان جواز ترك السجود وأنه سنة ليس بواجب ولا بد من هذا التأويل للجمع بينه وبين حديث أبي هريرة رضي الله عنه والله أعلم.
ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثانيًا لحديث ابن عمر بحديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنهما فقال:
1193 -
(539)(197)(حَدَّثَنَا يحيى بن يحيى) التَّمِيمِيّ النَّيسَابُورِيّ (قال قرأت على مالك) بن أنس الأصبحي المدنِيُّ (عن عبد الله بن يزيد مولى الأسود بن سفيان) المخزومي الأعور أبي عبد الرَّحْمَن المدنِيُّ، روى عن أبي سلمة بن عبد الرَّحْمَن في الصلاة والطلاق، ومحمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن ثوبان وعروة، ويروي عنه (ع) ومالك ويحيى بن أبي كثير، وثقه أَحْمد وابن معين، وقال في التقريب: ثِقَة، من السادسة، مات سنة (148) ثمان وأربعين ومائة (عن أبي سلمة) عبد الله (بن عبد الرَّحْمَن) بن عوف الزُّهْرِيّ المدنِيُّ (أن أَبا هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته رجاله كلهم مدنيون إلَّا يحيى بن يحيى فإنَّه نيسابوري (قرأ) إمامًا (لهم) اي للمصلين معه سورة ({إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ (1)} [الانشقاق: 1] فسجد) أبو هريرة (فيها) أي عقب آية السجدة منها (فلما انصرف) أبو هريرة أي فرغ وسلم من الصلاة أقبل عليهم و (أخبرهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سجد فيها) أي في آية السجدة من هذه السورة.
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أبو داود [1407] والتِّرمذيّ [573] والنَّسائيّ [2/ 961 - 962] وابن ماجه [1058].
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال:
1194 -
(00)(00)(وحدثني إبراهيم بن موسى) بن يزيد التَّمِيمِيّ أبو إسحاق
أَخْبَرَنَا عِيسَى، عَنِ الأوزَاعِي. ح قَال: وَحَدْثَنَا مُحَمَّد بْنُ المُثَنَّى، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِي، عَنْ هِشَام، كِلاهُمَا عَنْ يَحيَى بْنِ أَبِي كَثِير، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، عَنِ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم بِمِثْلِهِ.
1195 -
(00)(00) وحدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَعَمْرٌو النَّاقِدُ. قَالا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَينَةَ، عَنْ أَيُّوبَ بْنِ مُوسَى، عَنْ عَطَاءِ بْنِ مِينَاءَ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ قَال: سَجَدْنَا مَعَ النَّبِيّ
ــ
الفراء الصغير الرَّازيّ الحافظ أحد بحور الحديث، ثِقَة، من (15)(أخبرنا عيسى) بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي أبو عمرو الكُوفيّ (عن) عبد الرَّحْمَن بن عمرو (الأَوْزَاعِيّ) أبي عمرو الشَّاميّ، ثِقَة، من (7)(ح قال وحدثنا محمَّد بن المثنَّى) العنزي البَصْرِيّ (حدثنا محمَّد بن) إبراهيم (أبي عدي) السلمي البَصْرِيّ، ثِقَة، من (9)(عن هشام) بن أبي عبد الله سنبر الدستوائي أبي بكر البَصْرِيّ (كلاهما) أي كل من الأَوْزَاعِيّ وهشام الدستوائي رويا (عن يحيى بن أبي كثير) صالح بن المتوكل الطَّائيّ مولاهم اليماميّ، ثِقَة، من (5)(عن أبي سلمة) بن عبد الرَّحْمَن بن عوف (عن أبي هريرة) المدنِيُّ. وهذان السندان من سداسياته، غرضه بسوقهما بيان متابعة يحيى بن أبي كثير لعبد الله بن يزيد في رواية هذا الحديث عن أبي سلمة بن عبد الرَّحْمَن (عن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم وقوله (بمثله) متعلق بما عمل في المتابع وهو يحيى بن أبي كثير، والضمير عائد إلى عبد الله بن يزيد أي وساق يحيى بن أبي كثير بمثل حديث عبد الله بن يزيد.
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال:
1195 -
(00)(00)(وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة) الكُوفيّ (وعمرو) بن محمَّد (النَّاقد) البغدادي (قالا حَدَّثَنَا سفيان بن عيينة) الهلالي الكُوفيّ (عن أَيُّوب بن موسى) بن عمرو بن سعيد بن العاص الأُموي الكُوفيّ، ثِقَة، من (7)(عن عطاء بن ميناء) بكسر الميم يمد ويقصر المدنِيُّ أو البَصْرِيّ، صدوق، من (3)(عن أبي هريرة) المدنِيُّ. وهذا السند من خماسياته، غرضه بسوقه بيان متابعة عطاء بن ميناء لأبي سلمة بن عبد الرَّحْمَن في رواية هذا الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه (قال) أبو هريرة (سجدنا مع النَّبِيّ
صَلى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ في: {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ (1)} [الانشقاق: 1]. وَ {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1)} [العلق: 1].
1196 -
(00)(00) وحدثنا مُحَمَّدُ بْنُ رُمْحٍ، أخْبَرَنَا اللَّيثُ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ سُلَيمٍ، عَنْ عَبْدِ الرحمن الأعْرَجِ مَوْلَى بَنِي مَخْزُومٍ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ انًهُ قَال: سَجَدَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم في: {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ (1)} [الانشقاق: 1]. و {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1)} [العلق: 1]
ــ
صلى الله عليه وسلم في {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ (1)} [الانشقاق: 1] و) في ({اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1)} [العلق: 1])
زاد في هذه سورة اقرأ، ولهذا كرر الحديث.
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال:
1196 -
(00)(00)(وحدثنا محمَّد بن رمح) بن المهاجر التجيبي أبو عبد الله المصري، ثِقَة، من (10)(أخبرنا الليث) بن سعد بن عبد الرَّحْمَن الفهمي المصري، ثِقَة، من (7)(عن يزيد بن أبي حبيب) اسمه سويد الأَزدِيّ أبي رجاء المصري، ثِقَة، من (5)(عن صفوان بن سليم) القُرشيّ الزُّهْرِيّ أبي الحارث المدنِيُّ، ثِقَة، من الرابعة (4)(عن عبد الرَّحْمَن) بن سعد (الأعرج) المخزومي (مولى بني مخزوم) أبي حميد المُقْعد المدنِيُّ، وهذا الأعرج غير الأعرج الذي يأتي ذكره بعد هذه الرواية فهما اثنان اتفقا في الاسم واللقب، يرويان عن أبي هريرة أحدهما عبد الرَّحْمَن بن سعد، وثانيهما عبد الرَّحْمَن بن هرمز، والمشهور هو الثاني يقال إن أصح أسانيد أبي هريرة أبو الزِّناد عن الأعرج عن أبي هريرة وهو هذا الأعرج الثاني. روى عن أبي هريرة وحذيفة بن أسيد، ويروي عنه (م) والزهري، وثقه النَّسائيّ، له في (م) فرد حديث في باب الصلاة، ثِقَة، من الثالثة (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون وثلاثة مصريون، غرضه بسوقه بيان متابعة الأعرج لعطاء بن ميناء في رواية هذا الحديث عن أبي هريرة، وكرر متن الحديث لما بين الروايتين من المخالفة. (أنه قال سجد رسول الله صلى الله عليه وسلم في {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ (1)} [الانشقاق: 1] {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1)} [العلق: 1].
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة رابعًا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال:
1197 -
(00)(00) وحدثني حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ الحَارِثِ، عَنْ عُبَيدِ اللهِ بْنِ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الأَعرَجِ، عَنْ أبي هُرَيرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، مِثْلَهُ
ــ
1197 -
(00)(00)(وحدثني حرملة بن يحيى) التجيبي المصري (حَدَّثَنَا) عبد الله (بن وهب) بن مسلم القُرشيّ المصري (أخبرني عمرو بن الحارث) المصري (عن عبيد الله بن أبي جعفر) يسار الكناني القُرشيّ الأُموي مولاهم أبي بكر المصري، الفقيه أحد الأعلام، روى عن الأعرج في الصلاة والطب، ومحمَّد بن جعفر بن الزُّبير في الصلاة والصوم، وحمزة بن عبد الله بن عمر في الزكاة، والجُلاح أبي كثير في البيوع، وسالم بن أبي سالم الجيشاني في الجهاد، وبكير بن الأَشَج في الجهاد، ويروي عنه (ع) وعمرو بن الحارث والليث وسعيد بن أبي أَيُّوب وابن إسحاق، وثقه العجلي وأبو حاتم والنَّسائيّ، وقال أَحْمد: ليس بالقوي، وقال في التقريب: ثِقَة، من الخامسة، مات سنة (136) ست وثلاثين ومائة (عن عبد الرَّحْمَن) بن هرمز (الأعرج) المدنِيُّ الهاشمي مولاهم القارئ، من (3) الثالثة (عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مثله) مفعول به لما عمل في المتابع وهو الأعرج الهاشمي، والضمير عائد إلى المتابع وهو الأعرج المخزومي أي حَدَّثَنَا الأعرج الهاشمي عن أبي هريرة مثل ما حدث الأعرج المخزومي عن أبي هريرة. وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون وثلاثة مصريون، غرضه بسوقه بيان متابعة الهاشمي للمخزومي في رواية هذا الحديث عن أبي هريرة.
واعلم أن الأعرج هنا اثنان الأول منهما اسمه عبد الرَّحْمَن بن سعد المقعد أبو أَحْمد مولى بني مخزوم وهو قليل الحديث، والثاني اسمه عبد الرَّحْمَن بن هرمز أبو داود القارئ مولى ربيعة بن الحارث وهو كثير الحديث، روى عنه جماعات من الأئمة، وقد أخرج الإِمام مسلم عنهما جميعًا في سجود التلاوة وربما أشكل ذلك على بعضهم فمولى بني مخزوم يروي عنه صفوان بن سليم، وابن هرمز يروي عنه عبيد الله بن أبي جعفر هذا كلام الحميدي وكذا قال الدارقطني وهو كلام مليح حسن نفيس وهذا هو الصواب، وقال أبو مسعود الدِّمشقيّ: هما واحد، قال أبو علي الغساني الجياني: الصواب قول الدارقطني اهـ نواوي بتصرف.
1198 -
(00)(00) وحدثنا عُبَيدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى. قَالا: حَدَّثَنَا المُعْتَمِرُ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ بَكْرٍ، عَنْ أَبِي رَافِعٍ؛ قَال: صليتُ مَعَ أَبِي هُرَيرَةَ صَلاةَ العَتَمَةِ. فَقَرَأَ: {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ (1)} [الانشقاق: 1]. فَسَجَدَ فِيهَا. فَقُلتُ لَهُ: مَا هَذِهِ السجْدَةُ؟ فَقَال: سَجَدْتُ بِهَا خَلفَ أَبِي
ــ
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة خامسًا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال:
1198 -
(00)(00)(وحدثنا عبيد الله بن معاذ) بن معاذ بن نصر التَّمِيمِيّ العنبري أبو عمرو البَصْرِيّ (ومحمَّد بن عبد الأعلى) القيسي أبو عبد الله البَصْرِيّ، ثِقَة، من (10)(قالا حَدَّثَنَا المعتمر) بن سليمان التَّيميّ أبو محمَّد البَصْرِيّ أحد الأئمة الأعلام، ثِقَة، من كبار (9)(عن أَبيه) سليمان بن طرخان التَّيميّ أبي المعتمر البَصْرِيّ، ثِقَة عابد، من (4)(عن بكر) بن عبد الله بن عمرو بن هلال المزني أبي عبد الله البَصْرِيّ، ثِقَة ثبت مأمون حجة فقيه، من (3)(عن أبي رافع) الصائغ نفيع بن رافع المدنِيُّ ثم البَصْرِيّ مولى ابنة عمر بن الخَطَّاب، ثِقَة، من (2) روى عنه في (7) أبواب (قال) أبو رافع (صليت مع أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته، ومن لطائفه أن رجاله كلهم بصريون إلَّا أَبا هريرة، غرضه بسوقه بيان متابعة أبي رافع لمن روى عن أبي هريرة (صلاة) وقت (العتمة) أي صلاة العشاء، وفي المصباح: العتمة من الليل بعد غيبوبة الشفق إلى آخر الثلث الأول، وعتمة الليل ظلام أوله عند سقوط نور الشفق، وفي النهاية: قال الأزهري: أرباب النعم في البادية يريحون الإبل ثم ينيخونها في مراحها حتَّى يُعْتِمُوا أي يدخلوا في عتمة الليل وهي ظلمته، وكانت الأعراب يسمون صلاة العشاء صلاة العتمة تسمية بالوقت فقال صلى الله عليه وسلم "لا يغلبنكم الأعراب في اسم صلاتكم العشاء فإن اسمها في كتاب الله العشاء" وإنما يعتم بجلاب الإبل ينهاهم من الاقتداء بهم، ويستحب لهم التمسك بالاسم الناطق به لسان الشريعة اهـ نووي.
(فقرأ) أبو هريرة سورة {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ (1)} [الانشقاق: 1] فسجد) أبو هريرة (فيها) أي عقب آية السجدة منها (فقلت له) أي قال أبو رافع: فقلت لأبي هريرة (ما هذه السجدة) التي سجدتها يَا أَبا هريرة (فقال) أبو هريرة (سجدت بها) أي بهذه السجدة (خلف أبي
القَاسِم صلى الله عليه وسلم، فَلا أَزَالُ أسْجُدُ بِهَا حَتى أَلقَاهُ. وَقَال ابْنُ عَبْدِ الأعْلَى: فَلا أَزَالُ أَسْجُدُهَا.
1199 -
(00)(00) حدثني عَمْرٌو النَّاقِدُ، حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ يُونُس. ح قَال: وَحَدَّثنَا أَبُو كَامِلٍ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ، (يَعْنِي ابْنَ زُريعٍ)، ح قَال: وَحَدثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدَةَ. حَدَّثَنَا سُلَيمُ بْنُ أَخْضَرَ. كُلُّهُمْ عَنِ التَّيمِيِّ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، غَيرَ أنَّهُمْ لَمْ يَقُولُوا:
ــ
القاسم صلى الله عليه وسلم فلا أزال أسجد بها) أي لا أبرح ساجدًا بها (حتَّى ألقاه) أي حتَّى ألقى أَبا القاسم أو ألقى الله سبحانه وتعالى، وعلى كلا التقديرين فهو كناية عن الموت (و) لكن (قال) محمَّد (بن عبد الأعلى) في روايته (فلا أزال أسجدها) بدل قول ابن معاذ فلا أزال أسجد بها، وهذا بيان لمحل المخالفة بين الراويين.
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة سادسًا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال:
1199 -
(00)(00)(حدثني عمرو) بن محمَّد بن بكير (النَّاقد) أبو عثمان البغدادي (حَدَّثَنَا عيسى بن يونس) بن أبي إسحاق السبيعي الكُوفيّ (ح قال) المؤلف (وحدثنا) أَيضًا (أبو كامل) الجحدري فضيل بن حسين البَصْرِيّ (حَدَّثَنَا يزيد يعني ابن زريع) مصغرًا التيمي العيشي أبو معاوية البَصْرِيّ، ثِقَة، من (8)(ح قال وحدثنا أَحْمد بن عبدة) بن موسى الضَّبِّيّ أبو عبد الله البَصْرِيّ (حَدَّثَنَا سليم) بالتصغير (بن أخضر) البَصْرِيّ، روى عن سليمان التَّيميّ في الصلاة، وعبيد الله بن عمر في الحج، وابن عون في الوصايا والجهاد، ويروي عنه (م د ت) وأَحمد بن عبدة وأبو كامل الجحدري ويحيى بن يحيى وابن مهدي، وثقه ابن معين وأبو زرعة والنَّسائيّ، وقال أبو حاتم: أعلم النَّاس بحديث ابن عون، وقال ابن سعد: كان ألزمهم لابن عون، وكان ثِقَة، وقال في التقريب: ثِقَة ضابط، من الثامنة، مات سنة (180) ثمانين ومائة، وقال القرطبي: بصري ثِقَة، وقال ابن عدي: أحاديثه قليلة (كلهم) أي كل من هؤلاء الثلاثة عيسى بن يونس ويزيد بن زريع وسليم بن أخضر رووا (عن) سليمان (التَّيميّ) البَصْرِيّ (بهذا الإسناد) يعني عن بكر عن أبي رافع عن أبي هريرة مثل ما حدث المعتمر عن أَبيه سليمان، غرضه بسوق هذه الأسانيد بيان متابعة هؤلاء الثلاثة لمعتمر بن سليمان في رواية هذا الحديث عن سليمان التَّيميّ (غير أنَّهم) أي لَكِنْ أَن هؤلاء الثلاثةَ (لم يقولوا) أي لم يذكروا لفظة
خَلفَ أبي القَاسِمِ صلى الله عليه وسلم.
1200 -
(00)(00) وحدثني محمدُ بْنُ المُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ. قَالا: حَدَّثَنَا محمدُ بْنُ جَعفَرٍ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي مَيمُونَةَ، عَنْ أَبِي رَافِعٍ؛ قَال: رَأَيتُ أَبا هُرَيرَةَ يَسْجُدُ في: {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ (1)} [الانشقاق: 1]. فَقُلتُ: تَسجُدُ فِيهَا؟ فَقَال: نَعَم. رَأَيتُ خَلِيلِي صلى الله عليه وسلم يَسجُدُ فِيهَا. فَلا أَزَالُ أَسجُدُ فِيهَا حَتى أَلقَاهُ.
قَال شُعْبَةُ: قُلتُ: النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم؟ قَال: نَعَمْ
ــ
(خلف أبي القاسم صلى الله عليه وسلم وهذا بيان لمحل المخالفة بين الروايتين.
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة سابعًا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال:
1200 -
(00)(00)(وحدثني محمَّد بن المثنَّى) العنزي البَصْرِيّ (و) محمَّد (بن بشار) العبدي البَصْرِيّ (قالا حَدَّثَنَا محمَّد بن جعفر) الهذلي البَصْرِيّ (حَدَّثَنَا شعبة) بن الحجاج العتكي البَصْرِيّ (عن عطاء بن أبي ميمونة) منيع مولى أنس أبي معاذ البَصْرِيّ، ثِقَة، من (4) روى عنه في (3) أبواب (عن أبي رافع) البَصْرِيّ (قال رأيت أَبا هريرة يسجد في) سورة ({إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ (1)} [الانشقاق: 1]) وهذا السند من سداسياته، ومن لطائفه أن رجاله كلهم بصريون إلَّا أَبا هريرة فإنَّه مدني، قال أبو رافع (فقلت) لأبي هريرة أ (تسجد فيها) أي في هذه السورة بتقدير همزة الاستفهام التقريري بدليل قوله (فقال) أبو هريرة في جواب الاستفهام المقدر (نعم) أسجد فيها لأني (رأيت خليلي صلى الله عليه وسلم يسجد فيها) أي في هذه السورة (فلا أزال) ولا أبرح (أسجد فيها) أي ساجدًا فيها (حتَّى ألقاه) أي حتَّى ألقى أَبا القاسم صلى الله عليه وسلم كناية عن الموت كما مر أي حتَّى أموت لأن الموت سبب لقاء الأولين والآخرين في عرصات القيامة (قال شعبة قلت) لأبي رافع يريد أبو هريرة بقوله حتَّى ألقاه حتَّى ألقى (النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قال) أبو رافع (نعم) يريد أبو هريرة بقوله حتَّى ألقاه حتَّى أَلقى النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم بالموت.
قال النواوي: (واعلم) أنَّه يشترط لجواز سجود التلاوة وصحته شروط صلاة النفل من الطهارة عن الحدث والنجس وستر العورة واستقبالِ القبلة، ولا يجوز السجود حتَّى يتم قراءة السجدة، ويجوز عندنا سجود التلاوة في الأوْقاتِ التي نهي عن الصلاة فيها
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
لأنها ذات سبب، ولا يكره عندنا فيها ذوات الأسباب، وفي المسألة خلاف مشهور بين العلماء، وفي سجود التلاوة مسائل وتفريعات مشهورة في كتب الفقه وبالله التوفيق. وقال القرطبي: وقد اختلف العلماء في حكمه وعدده ومحله ووقته وشرطه فلتُرسم في ذلك مسائل:
المسألة الأولى: في حكمه؛ أما حكمه فقد ذهب أبو حنيفة إلى وجوبه عند قراءة موضع السجدة محتجًا في ذلك بما في كتاب الله عز وجل من الأمر بالسجود كقوله تعالى: {فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا (62)} [النجم: 62]، وكقوله:{وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ (19)} وغير ذلك، وبقوله صلى الله عليه وسلم "إذا قرأ ابن آدم السجدة فسجد اعتزل الشيطان يبكي يقول: يَا ويله! أمر ابن آدم بالسجود فسجد فله الجنة، وأمرت بالسجود فعصيت فلي النار" رواه أَحْمد ومسلم من حديث أبي هريرة.
وجمهور العلماء على أن سجود التلاوة ليس بواجب وصرفوا ما ذكر من الأمر بالسجود إلى الصلاة الواجبة، واختلف أصحابنا -يعني المالكية- هل هو سنة أو فضيلة على قولين فإذا قلنا إنه ليس بواجب فالأولى أن يكون سنة لأن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قد داوم عليه، وفعله في جماعة، وفعله النَّاس بعده فتاكد أمره فيكون سنة والله أعلم.
والمسألة الثَّانية: في عدده؛ أما عدده فقد اختلف في عدد سجدات القرآن، وأقصى ما قيل في عددها خمس عشرة سجدة أولها خاتمة سورة الأعراف وآخرها خاتمة العلق قاله ابن حبيب من أصحابنا وابن وهب في روايةٍ وإسحاق، وقيل أربع عشرة قاله ابن وهب وأسقط ثانية الحج وهو قول أبي حنيفة وأهل الرأي وقول الشَّافعيّ إلَّا أنَّه أسقط سجدة ص، وأثبت آخرة الحج، وقيل إحدى عشرة وأسقط آخرة الحج وثلاث المفصل وهو مشهور مذهب مالك وأصحابه، وروي عن ابن عمر وابن عباس، وقيل عشرة وأسقط آخرة الحج وعن وثلاث المفصل ذكر عن ابن عباس، وقيل إنها أربع سجدات آلم تنزيل وحم تنزيل والنَّجم والعلق، وسبب الخلاف اختلاف النقل في الأحاديث والعمل واختلافهم في الأمر بالسجود في القرآن هل المراد به سجود التلاوة أو سجود الفرض والله أعلم.
المسألة الثالثة: في محله؛ وأما محله فمهما قرأ القرآن ومر بموضع سجدة سجد
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
إذا كان في وقتها على ما يأتي وإن كان في صلاة ففي النافلة إن كان منفردًا أو في جماعة يأمن التخليط فيها فإن كان في جماعة لا يأمن فيها ذلك فالمنصوص جوازه، وقيل لا يسجد فيها، وأما في الفريضة فالمشهور عن مالك النهي عنه فيها سواء كانت صلاة سر أو جهر جماعة أو فرادى وهو معلل بكونها زيادة في أعداد السجود في الفريضة، وقيل هو معلل بخوف التخليط على الجماعة وعلى هذا لا يُمنع منه الفُرادى ولا الجماعةُ التي يُؤْمنُ فيها التخليط.
المسألة الرابعة: في وقته؛ وأما وقته فقيل يسجد في سائر الأوقات مطلقًا لأنها صلاة لسبب وهو قول الشَّافعيّ وجماعة، وقيل ما لم يسفر الصبح أو ما لم تصفر الشَّمس بعد العصر، وقيل لا يسجد بعد العصر ولا بعد الصبح، وقيل يسجد بعد الصبح ما لم يسفر ولا يسجد بعد العصر وهذه الثلاثة الأقوال في مذهبنا، وسبب الخلاف معارضة ما يقتضيه سبب قراءة السجدة من السجود المرتب عليها لعموم النهي عن الصلاة بعد العصر وبعد الصبح واختلافهم في المعنى الذي لأجله نهي عن الصلاة في هذين الوقتين.
المسألة الخامسة: في شرطه؛ أما شرطه فقد قال القاضي عياض: لا خلاف في أن سجود القرآن يحتاج إلى ما تحتاج إليه الصلاة من طهارة حدث ونجس ونية واستقبال قبلة ووقت على ما تقدم، وهل يحتاج إلى تحريم ورفع يدين عنده وتكبير وتسليم فذهب الشَّافعيّ وأَحمد وإسحاق إلى أنَّه يكبر ويرفع للتكبير لها، ومشهور مذهب مالك أنَّه يكبر لها في الخفض والرفع في الصلاة، واختلف عنه في التكبير لها في غير الصلاة وبالتكبير لذلك قال عامة الفقهاء ولا سلام لها عند الجمهور وذهب جماعة من السلف وإسحاق بن راهويه إلى أنَّه يسلم منها وعلى هذا المذهب يتحقق أن التكبير في أولها للإحرام وعلى قول من لا يسلم يكون للسجود فحسب اهـ من المفهم.
وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب أربعة أحاديث الأول حديث ابن عمر ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة، والثاني حديث عبد الله بن مسعود ذكره للاستشهاد، والثالث حديث زيد بن ثابت ذكره للاستدلال به على الجزء الأخير من الترجمة، والرابع حديث أبي هريرة ذكره للاستشهاد به لحديث ابن عمر المذكور في أول الترجمة وذكر فيه سبع متابعات والله سبحانه وتعالى أعلم.