الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
248 - (60) باب ابتناء مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم
1067 -
(485)(145) حدثنا يَحيَى بن يحيى وَشَيبَانُ بْنُ فرُّوخ. كِلاهُمَا عَنْ عَبْدِ الْوَارِثِ. قَال يَحيَى: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سَعِيدٍ عَنْ أبِي التَّيَّاحِ الضُّبَعِي. حَدَّثَنَا أنَسُ بْنُ مَالِكٍ؛ أن رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَدِمَ المَدِينَةَ. فَنَزَلَ فِي عُلو الْمَدِينَةِ. فِي حَيٍّ يُقَالُ لَهُم بَنُو عَمرِو بْنِ عَوْفٍ. فَأقَامَ فِيهِم أَربَعَ عَشْرَةَ لَيلَةً
ــ
248 -
(60) باب ابتناء مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم
وفي المختار ابتنى دارًا وبنى دارًا بمعنى. اهـ
1067 -
(485)(145)(حدثنا يحيى بن يحيى) بن بكير التميمي النيسابوري (وشيبان بن فروخ) بتشديد الراء بوزن تنور الحبطي مولاهم أبو محمد الأبلي، صدوق يهم، من صغار (9)(كلاهما) رويا (عن عبد الوارث) بن سعيد بن ذكوان التميمي العنبري أبي عبيدة البصري، ثقة، من (8)(قال يحيى) بن يحيى (أخبرنا عبد الوارث بن سعيد عن أبي التياح) يزيد بن حميد (الضبعي) بضم المعجمة وفتح الموحدة البصري، ثقة ثبت، من الخامسة (حدثنا أنس بن مالك) خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم رضي الله عنه. وهذا السند من رباعياته رجاله ثلاثةٌ منهم بصريون وواحد إما نيسابوري أو أُبُلِّي (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم المدينة) المنورة، في سير ابن إسحاق أنه قدمها لاثني عشر من شهر ربيع الأول، وقال غيره لثمان خلون منه (فنَزل في عُلْو المدينة) قال النواوي: بضم العين وكسرها مع سكون اللام فيهما لغتان مشهورتان خلاف السفل كَمَا في المصباح وذكر صاحب القاموس فيه التئليث، وكان صلى الله عليه وسلم من علوها بقباء منه، وقوله (في حي) أي في قبيلة بدل من قوله في علو المدينة أي نزل في حي (يقال لهم بنو عمرو بن عوف فأقام فيهم أربع عشرة ليلة) قال الأبي: والذي في سير ابن إسحاق أنه أقام فيهم أربعة أيام الاثنين والثلاثاء والأربعاء والخميس وأسس مسجدهم فيها، ورحَلَ عنهم يوم الجمعة فأدركته الصلاة في بني سالم بن عوف فصلى الجمعة بهم بالمسجد الذي ببطن الوادي وادي رانونا، وهي أول جمعة صليت بالمدينة المنورة، فأتاه رجال بني سالم بن عوف فصلى الجمعة بهم بالمسجد الذي ببطن الوادي
ثُمَّ إِنهُ أَرْسَلَ إِلَى ملأ بَنِي النَّجَّار. فَجَاؤُوا مُتَقَلِّدِينَ بِسُيُوفِهِم. قَال: فَكَأني أَنْظُرُ إِلَى رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم عَلَى رَاحِلَتِهِ، وَأبُو بَكْرٍ رِدفُهُ، وَمَلأُ بَنِي
ــ
(قلتُ) وقد كتَبْتُ لفظةَ خُطبتِه صلى الله عليه وسلم في ذلك اليومِ في تفسيرنا حدائق الروح والريحان في تفسيرِ سورةِ الجمعة فراجعه فإنها خطبةٌ بليغة مُؤثِّرة في القلوب اهـ. وقالوا: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم أقم عندنا في العَدَد والعُدَّة والمَنَعة، فقال: خلوا سبيلَها فإنها مأمورة يعني الناقة، ورسول الله صلى الله عليه وسلم واضع لها زمامها لا يثنيها به فمر على سبعة أحياء من قبائل الأنصار ما يصر بواحدة إلا ويقول له رجالها مِثْلَ ذلك، ويقول: خلُّوا سبيلَها فإنها مأمورة، حتى أتت دار بني مالك بن النجار ورسول الله صلى الله عليه وسلم عليها لم ينْزل، ثم ثارت وسارت غير بعيد ورسول الله صلى الله عليه وسلم واضع لها زمامها لا يثنيها به، ثُم الْتفَتَتْ خَلْفَها ورجعَتْ إلى مَبْركها أولَ مرة فبركت فيه، ثم تَحَلْحَلَتْ وزَمَّتْ وأَلْقَتْ بِجِرانِها أي بصَدرِها، فنَزل رسولُ الله صلى الله عليه وسلم فاحتمل أبو أيوب رضي الله عنه رَحْله، ونزل رسولُ الله صلى الله عليه وسلم على أبي أيوب، وسأل عن المِرْبَد لِمَنْ هو؟ فقيل لغلامَين يتيمينِ من بني النجار فكان مِنْ شرائه ما في الحديث، فأقام رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عند أبي أيوب حتى بَنَى المسجد وبُنِيَتْ مساكنُه فارتحل إلى مكانه صلى الله عليه وسلم اهـ من الأبي.
(ثم إنه) صلى الله عليه وسلم (أرسل إلى ملأ بني النجار) وأشرافهم، والملأ أشراف القوم وساداتهم سموا بذلك لأنهم أملِياءُ بالرأي والغِنَى، وقيل لأنهم مَلئُوا قلوبَ الناس بالهيبة، أو لأنهم مَلَئُوا المجالسَ بأجسامهم، وبنو النجار قبيلة من الأنصار وهم أخوالُ النبي صلى الله عليه وسلم وذلك أن هاشمًا تزوَّج امرأة من بني النجار تُسمى سَلْمى بنت عمرو بن زيد بن عدي بن النجار فولدَتْ له عبدَ المطلب بن هاشم فمِنْ هنا كانوا أخوال النبي صلى الله عليه وسلم (فجاؤوا متقلدين بسيوفهم) أي جاعلين نِجادَ سيوفهم على مناكبهم خوفًا من اليهود وليُروه ما أعَدُّوه لنصرته صلى الله عليه وسلم (قال) أنس (فكأني أنظر) الآن (إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على راحلته) وناقته (وأبو بكر رِدْفهُ) صلى الله عليه وسلم أي راكبٌ خَلْفه، قال الأبي: الأظهر أنه في حين قدومه المدينة لا في حين انتقاله من عُلْوِها، وإن أعطاه ظاهرُ اللفظ إلا أن يكون معنى ردفه أنه خلفه على راحلةٍ أخرى، والردف أعمُّ قال تعالى:{مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ} (وملأ بني
النَّجَّارِ حَوْلَهُ حَتى أَلْقَى بِفِنَاءِ أَبِي أَيُّوبَ. قَال: فَكَانَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم يُصلِّي حَيثُ أَدْرَكَتْهُ الصَّلاةُ. وَيُصَلِّي فِي مَرَابِضِ الْغَنَمِ. ثُمَّ إِنَّهُ أَمَرَ بِالْمَسْجِدِ. قَال: فَأَرْسَلَ إِلَى مَلأ بَنِي النَّجَّارِ فَجَاؤُوا. فَقَال: "يَا بَنِي النَّجَّارِ، ثَامِنُونِي بِحَائِطِكُمْ هَذَا". قَالُوا: لا. وَالله لا نَطْلُبُ ثَمَنَهُ إِلا إِلَى اللِّهِ
ــ
النجار) وأشرافهم (حوله) صلى الله عليه وسلم ومَشَى معهم (حتى أَلْقى) وطرَح رَحْلَه (بفناء أبي أيوب) أي بساحة داره وأبو أيوب من أكابر الأنصار اسمه خالد بن زيد رضي الله عنه وأرضاه.
(قال) أنس (فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي) وفي لفظ البخاري وكان يحب أن يصلي (حيث أدركته الصلاة) أي في مكان أدركثه الصلاة فيه ودخل عليه وَقْتُها.
(ويصلي في مرابض الغنم) أي في مآويها، جمع مربض على وزان مجلس فإنه من بابه، قال أهل اللغة هي مباركها ومواضعُ مبيتها ووَضْعِها أجسادَها على الأرض.
(ثم إنه) صلى الله عليه وسلم (أمر) قال النواوي: ضبطناه أَمَر بفتح الهمزة والميم، وأُمِر بضم الهمزة وكسر الميم وكلاهما صحيح اهـ (بالمسجد) أي ببناء المسجد (قال) أنس (فارسل إلى ملأ بني النجار) وأشرافهم وأعيانهم (فجاؤوا فقال) لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم (يا بني النجار ثامنوني بحائطكم هذا) أي اذكروا لي ثمن حائطكم هذا فأدْفَعَهُ لكم فَأبتني فيه مسجدًا، وفي النهاية: أي قَرِّرُوا معي ثمَنَه وبِيعُونِيهِ بالثمنِ، يقال ثامَنْتُ الرجلَ في البيع أُثَامِنهُ إذا قاوَلْتَه في ثمنِه وساوَمْتَه على بيعهِ واشترائهِ اهـ والمعنى سَمُّوا لي ثمنَ بستانكم هذا وبَيِّنوا كَمْ تُريدون وبيعُوني به، قال الخطابي: فيه أن البائع أحق بتعيين الثمن، قال المازري: وقيل بل فيه أن المشتريَ هو الذي يَبْدأُ بذكره، وفيه نظر لأنه صلى الله عليه وسلم لم يُعيِّن ثمنًا وإنما ذكَرَ مجملًا (قالوا) أي قال بنو النجار (لا) نطلُب (والله) ثمنَه إلى أحد والله (لا نطلب ثمنه إلا إلى الله) بل ندخر أجره عند الله سبحانه وتعالى أي لا نطلب ثمنه رغبة إلى شيء إلا إلى ثواب الله تعالى كذا في المبارق، وفي القسطلاني: أي إلا من الله تعالى كما وقع للإسماعيلي اهـ.
قال ابن الملك: هذا الحديث يدل على أنهم لم يأخذوه، ولكن ذُكر أن النبي صلى الله عليه وسلم اشتراه منهم بعشرة دنانير دفعها عنه أبو بكر، ولعل التوفيق بينهما بأن يكون الشراء بها واقعًا والتزم دفعها أبو بكر ولم يقبلوه منه اهـ من شرحه على
قَال أَنَسٌ: فَكَانَ فِيهِ مَا أَقُولُ: كَانَ فِيهِ نَخْلٌ وَقُبُورُ الْمُشْرِكِينَ وَخِرَبٌ. فَأمَرَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم بِالنَّخْلِ فَقُطِعَ. وَبِقُبُورِ الْمُشْرِكِينَ فَنُبِشَتْ
ــ
المشارق، قال القاضي عياض: ذكر الواقدي أنه صلى الله عليه وسلم اشتراه من ابن عفراء بعشرة دنانير نقدها عنه أبو بكر رضي الله عنه وهذا لأنه كان ليتيمين فلم يقبله إلا بالثمن، قال الأبي: اليتيمان هما سهل وسهيل ابنا عمرو، وكانا في حجر معاذ ابن عفراء، قال القاضي: وفيه اتخاذ المساجد وهو فرض على قوم استوطنوا موضعًا لأن الجمعة فرض عليهم وشرطها الجامع على المشهور، وصلاة الجماعة سنة وسنتها الجامع وإقامة السنن الظاهرة واجبة على أهل المصر لأنها لو تركت ماتت، والمخاطب بنصب المسجد الإمام وعليه يدل الحديث وإلا فعلى الجماعة، وكذا على الإمام أن يجري الرزق لإمام المسجد وإلا فعلى الجماعة، والواجب اتخاذ مسجد واحد فإن كفى للجماعة والجمعة فذاك وإن لم يكن فالظاهر أن اتخاذ مسجد ثان مندوب إليه لأن فرض إقامة السنة سقط بالأول وهو في ذلك كالأذان فرض على أهل المصر، سنة في مساجد الجماعات، وفي المدونة: والمسجد وقفٌ لا يورث إذا كان صاحبه قد وقَفَه للناس، وأَكْرَهُ أن يَبْنِيَ فوقهُ بيتًا لا تحته اهـ أبي.
(قال أنس) بن مالك رضي الله عنه (فكان فيه) أي في ذلك الحائط (ما أقولـ) ـه وأذكره لكم بقولي (كان فيه) أي في ذلك الحائط (نخل وقبور المشركين وخرب) على وزان كلم جمع خربة على وزن كلمة أو على وزن عنب جمع خربة على وزن عنبة وهو ما تخرب وتهدم من البناء وبقي رسومها، قال النووي: أمر بها فرفعت رسومها وسويت مواضعها لتصير جميع الأرض مشوطة مستوية للمصلين وكذلك فعل بالقبور اهـ.
(فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالنخل) أي بقطع النخل الذي في الحائط (فقطع) النخل، وفيه دليل على جواز قطع الشجرة المثمرة لحاجةٍ تعرض من بناء محلها أو اتخاذها مسجدًا أو قطعها من بلد الكفر التي لا ترجى أو خوف سقوطها أو ميلها على حائط الغير أو انتشارها عليه (قلت) ومثله سريان عروقها في أرض الغير فإنها تقطع منها تلك العروق كما تقطع الأفراع المنتشرة على حائط الغير اهـ أبي.
(وبـ) نبش (قبور المشركين فنبشت) إنما نبش قبورهم لأنهم لا حرمة لهم، فإن قيل كيف جاز نبشهم وإخراجهم من قبورهم والقبر مختص بمن دفن فيه محتبس عليه قد حازه
وَبِالْخِرَبِ فَسُوِّيَتْ. قَال: فَصَفُّوا النَّخْلَ قِبْلَةً. وَجَعَلُوا عِضَادَتَيهِ حِجَارَةً. قَال: فَكَانُوا يَرْتَجِزُونَ، وَرَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم مَعَهُمْ. وَهُمْ يَقُولُونَ:
اللَّهمَّ إِنَّهُ لا خَيرَ إِلا خَيرُ الآخِرَه
…
فَانْصُرِ الأَنْصَارَ وَالْمُهَاجِرَه
ــ
الميت فلا يجوز بيعه ولا نقله عنه فالجواب من وجهين أحدهما: أن تلك القبور لم تكن أملاكًا لمن دفن فيها بل لعلها غَصْبٌ ولذلك باعها مُلَّاكها، الثاني: على تسليم أنها حُبِّست فذلك إنما يلزم في تحبيس المسلمين أما تحبيس الكفار فلا إذ لا يصح منهم التقرب إلى الله تعالى، ويمكن أن يقال دعت الحاجة والضرورة إلى النبش فجاز (وبـ) تسوية (الخرب فسويت) بإزالة ما بقي من رسومها وطلالها (قال) أنس بن مالك (فصفوا النخل) أي جعلوا أصولها مصفوفة (قبلة) أي في جهة قبلة المسجد (وجعلوا عضادتيه) أي عضادتي المسجد وجانبي بابه، والعِضادتان تثنية عِضادة بكسر العين، وعن صاحب العين اعتضادُ كل شيء ما يشده من حواليه من البناء وغيره، مثال عضاد الحوض وهي صفائح من حجارة يُنْصَبْن على شَفِيرِه، وفي التهذيب للأزهري عضادتا الباب الخَشَبتانِ المنصوبتانِ عن يمين الداخل وشماله قاله العيني اهـ عون.
(حجارة) منصوبة (قال) أنس (فكانوا) أي فكان الأصحاب (يرتجزون) أي ينشدون الأراجيز تنشيطًا لنفوسهم ليسهل عليهم العمل (ورسول الله) أي والحال أن رسول الله صلى الله عليه وسلم معهم وهم يقولون) في رجزهم، والذي في صلاة البخاري وهو يقول: "يعني النبي صلى الله عليه وسلم:
(اللهم إنه لا خير إلا خير الآخره
…
فانصر الأنصار والمهاجره)
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [3/ 118 و 123] والبخاري [1868] وأبو داود [453] والنسائي [2/ 40] وابن ماجه [742]. قال الحافظ: وفي الحديث جواز التصرف في المقبرة المملوكة بالهبة والبيع، وجواز نبش القبور الدّارسة إذا لم تحن محترمة، وجواز الصلاة في مقابر المشركين بعد نبشها وإخراج ما فيها من العظام والصديد، وجواز بناء المساجد في أماكنها اهـ.
قلت: فيه جواز الإرداف، وفيه جواز الصلاة في مرابض الغنم اهـ عون.
قال النواوي: (قوله فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بالنخل فقطع) فيه جواز قطع الأشجار المثمرة للحاجة والمصلحة لاستعمال خشبها أو ليغرس موضعها غيرها أو
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
لخوف سقوطها على شيء تتلفه أو لاتخاذ موضعها مسجدًا أو قطعها في بلاد الكفار إذا لم يُرج فتحها لأن فيه نكاية وغيظًا لهم وإضعافًا وإرغامًا اهـ.
(وقوله بقبور المشركين فنبشت) فيه جواز نبش القبور الدارسة وأنه إذا أُزيل ترابها المختلط بصديدهم ودمائهم جازت الصلاة في تلك الأرض وجواز اتخاذ موضعها مسجدًا إذا طيبت أرضه، وفيه أن الأرض التي دُفن فيها الموتى ودرست يجوز بيعها وأنها باقية على ملك صاحبها وورثته من بعده إذا لم تُوقف. قوله (وكانوا يرتجزون) فيه جَوازُ الارتجازِ وقولُ الأشْعَار في حال الأعمال والأسفار ونحوها لتنشيطِ النفوس وتسهيلِ الأعمال والمَشْي عليها، واختلف أهل العروض والأدب في الرجز هل هو شعر أم لا؟ واتفقوا على أن الشعر لا يكون شعرًا إلا بالقصد أمَّا إذا جرَى كَلامٌ موزونٌ بغيرِ قصد فلا يكون شعرًا، وعليه يُحمل ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم من ذلك لأن الشعر حرام عليه صلى الله عليه وسلم، والصحيحُ أن الرجز شعر لأن الشعر هو كلام موزون تلتزم فيه قَوافٍ مخصوصة والرجز كذلك، وأيضًا فإن قريشا لما اجتمعوا وتَراءوا فيما يقولون للناس عن النبي صلى الله عليه وسلم فقال قائل: نقول هو شاعر، فقالوا: والله لَتُكذِّبَنَّكم العربُ، قد عرفنا الشعرَ كُلُّه هزجَه ورجزَه ومقبوضَه ومبسوطه فذكروا الرجزَ من جملةِ أنواع الشعر، وإنما أخرجه من جنس الشعر مَنْ أشكلَ عليه إنشادُ النبي صلى الله عليه وسلم إياه فقال: لو كان شعرًا لمَا عَلِمَه النبيُّ صلى الله عليه وسلم لأن الله تعالى قال: {وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ} وهذا ليس بشيء لأن من أنشد القليل أو قاله أو تمثل به على الندورِ لم يستحق به اسم الشاعر ولا يقال فيه إنه تعفمَ الشعر ولا يُنسب إليه ولو كان كذلك للزم أن يُقال على الناس كلهم شعراء ويعلمون الشعر لأنهم لا يخلون أن يعرفوا كلامًا موزونًا مرتبطًا على أعاريض الشعر، ثم (قوله كانوا يرتجزون ورسول الله صلى الله عليه وسلم معهم) ليس فيه دليل راجح على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان المنشد بل الظاهر منهم أنهم كانوا المرتجزين وهم بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم فإن الواو للحال، ورسول مبتدأ، ومعهم خبره، والجملة في موضع الحال، هذا هو الظاهر ويحتمل أن يكون معطوفا على المضمر في يرتجزون والله أعلم.
وهذا الحديث وشبهه يستدل به على جواز إنشاد الشعر والاستعانة بذلك على
1068 -
(00)(00) حدَّثنا عُبَيدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ الْعَنْبَرِيُّ. حَدَّثَنَا أَبِي. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ. حَدَّثَنِي أَبُو التَّيَّاحِ عَنْ أَنَسٍ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُصَلِّي فِي مَرَابِضِ الْغَنَمِ، قَبْلَ أَنْ يُبْنَى الْمَسْجِدُ.
1069 -
(00)(00) وحدّثناه يَحْيَى بْنُ يَحْيَى
ــ
الأعمال والتنشيط ومن هنا أخذ بعض المتصوفة إباحة السماع غير أنهم اليوم أفرطوا في ذلك وتعدوا فيه الوجه الجائز وتَذرَّعُوا بذلك إلى استباحة المحرمات من أصناف الملاهي كالشبابات والطارات والرقص وغير ذلك من خرافاتهم، وهذه أفعال المُجّان أهل البطالة والفُسوق المدخلين في الشريعة ما ليس منها أعاذنا الله تعالى من ذلك بمنّه وكرمه.
وفي بنائه صلى الله عليه وسلم مسجده بالجذوع والجريد دليل على ترك الزخرفة في المساجد والتأنق فيها والإسراف بل ورد عنه صلى الله عليه وسلم ما يقتضي النهي عن زخرفتها وتشييدها فقال: "ما أمرت بتشييد المساجد" قال: "لتزخرفنها كما زخرفت اليهود والنصارى" رواه البخاري تعليقًا [1/ 359] وأبو داود [448].
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أنس رضي الله عنه فقال:
1068 -
(00)(00)(حدثنا عبيد الله بن معاذ) التميمي (العنبري) البصري، ثقة، من (10)(حدثنا أبي) معاذ التميمي العنبري البصري، ثقة، من (9)(حدثنا شعبة) بن الحجاج البصري (حدثني أبو التياح) يزيد بن حميد الضبعي البصري، ثقة، من (5)(عن أنس) بن مالك البصري. وهذا السند من خماسياته، ومن لطائفه أن رجاله كلهم بصريون، وغرضه بسوقه بيان متابعة شعبة لعبد الوارث بن سعيد في رواية هذا الحديث عن أبي التياح، وكرر متن الحديث لأن في هذه الرواية اختصارًا (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي في مرابض الغنم) أي في مباركها ومواضع مبيتها ووضعها أجسادها على الأرض للاستراحة، قال ابن دريد: ويقال ذلك أيضًا لكل دابة من ذوات الحوافر والسباع، واستدل بهذا الحديث مالك وأحمد وغيرهما ممن يقول بطهارة بول المأكول وروثه، وقد سبقت المسألة في كتاب الطهارة، وقوله (قبل أن يبنى المسجد) النبوي زيادة زادها في هذه الرواية.
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث أنس رضي الله عنه فقال:
1069 -
(00)(00)(وحدثناه يحيى بن يحيى) التميمي النيسابوري، قال النواوي:
حَدَّثَنَا خَالِدٌ، (يَعْنِي ابْنَ الْحَارِثِ)، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي التَّيَّاحِ. قَال: سَمِعْتُ أَنَسًا يَقُولُ: كَانَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم، بِمِثْلِهِ
ــ
هكذا في أكثر النسخ، وفي بعضها يحيى فقط غير منسوب، والذي في الأطراف لخلف أنه يحيى بن حبيب وهو الصواب (حدثنا خالد يعني ابن الحارث) بن عبيد بن سليم الهجيمي أبو عثمان البصري، ثقة، من (8) روى عنه في (12) بابا (حدثنا شعبة عن أبي التياح قال سمعت أنسًا) ابن مالك. وهذا السند أيضًا من خماسياته، غرضه بسوقه بيان متابعة خالد بن الحارث لمعاذ بن معاذ في رواية هذا الحديث عن شعبة بن الحجاج، حالة كونه (يقول كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي في مرابض الغنم، وساق خالد بن الحارث (بمثله) أي بمثل ما حدث معاذ بن معاذ عن شعبة، ولم يذكر المؤلف رحمه الله تعالى في هذا الباب إلا حديث أنس بن مالك وذكر فيه متابعتين والله سبحانه وتعالى أعلم.
***